ابو يزيد
21-09-2002, 22:10
اخواني في مضائفنا الغالية
السلام عليكم ورحمة الله
هذه القصة التي سوف
اطرحها تبين حسن التصرف
في المواقف الصعبة فالقائد كما يقولون يظهره الموقف
راجياً ان تحوز ولو على جزء بسيط من اعجابكم.
وتقبلوا تحيات اخوكم/ابو يزيد
...........................................................
غازي الطوير...
رجل ينتمي إلى قبيلة ( مطير )
شهم أبي حاذق مجرب متمرس
صقلته البادية وحنكته
وأنجبت منه ولاجا خراجا
لا يعز عليه مطلب ولا يتأبى عليه هدف.
ضربت هذه القافلة (التي فيها المطيري) في البيداء وحملت معها حصيلة ما لديها من المال نقدا لتمتاز ببعضه ولتبتاع مقتضيات الحي ولوازمه بالبعض الآخر.. وكانت البصرة قصدهم وكان الطريق ما بين حدود المملكة والعراق مخوفة يضطرب اللصوص في أرجائها ويتخطفون المارة والمسافرين (وياخذون مامعهم ) ولذلك فلا بد من أن يجمع مال القافلة ( المسافرة )عند قوي أمين يحوطه برعايته ويرعاه بحذره ويفرغ نفسه لحفظه والسهر عليه (فاختاروا المطيري ليكون امينناً على مالهم) .. الا أن الرقيبة تغفل ويجور سلطان النوم على اليقظ الحذر ومن طلبه خصمه أدركه (ولهذا كان هناك عيننا سهرانة وأذنا واعية ) كانت تراقب حركات القوم وسكناتهم وتعد عليهم أنفاسهم .. ولما أخذ النوم بمعاقد الأجفان بعد سير وسرى ومقاساة لوثاء السفر وعقابيله كانت عين اللصوصية ترقبهم وكان فن القرصنة والخطف يتابع الأنفاس لينسل مذربا مدربا كأنه الذئب الساغب ويسل مزودة النقود من تحت رأس (القوي الأمين "المطيري ") الذي لم يصح إلا على نبث التراب والحصا كأنه شؤبوب رائحة .. ليقفز هذا فزعا مرعوبا تحس يده ( أول ما تحس ) مكان النقود ليجده حفرة لا شئ بها فيصيح فزعا لكن الصياح لا يرد فائتا. نقودهم جميعا مضى بها اللص تحت جنح الليل .. وانعقدت حلقة الركب لينظروا ماذا يرون أو يرجعون وهم من البصرة قاب قوسين ؟!.. أيمضون وهم صفر الأكف فارغوا الوطاب لا عارفين ولامعروفين .. انها مشكلة وأمر حازب لازب يقتضي رأيا فاصلا وفكرة نافذة تضعهم حيث يتصرف الرجال ويقدح زند الفكر الحي النافذ.
طلب الكلمة ( غازي الطوير ) ، وكان مضمونها أن طلب إليهم النوم والحل السليم القويم سوف يكون غدا إذا اجتمعوا حول القهوة وأكد طلبه ، فتلافثوا فكانت إشارات الرؤوس تومئ بأن نعم فصاحبهم ليس غرا ولا خلاء الفؤاد ، ولكنه من عرفوا يصمت حتى يكون للكلمة موقعها ثم يطلقها سهما يطبق المحز ويصيب شاكلة القول.. فناموا ليصحو ( غازي ) على أول نفس من الصبح فيؤذن للصلاة ويؤم رفقته فيقرأ في الركعة الأولى الآيات من سورة الطلاق : ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه.. وفي الثانية سورة الانشراح : فان معر العسر يسرا إن مع العسر يسرا.
فكان فألا مباركا ممهداً لما سوف يأتي وقضوا مائدة التسبيح وانصرفوا إلى موقد القهوة يتحلقون حوله، وقد مر في مخيلة كل واحد منهم شريط من الأفكار والتخرصات ليلة البارحة عماذا سوف يفاجئهم به غازي .
أما غازي فكانت فاتحة حديثة :ألست رجلا أسود اللون ، وملامحي تعطي متوسمي لأول وهلة ، انني زنجي من أولئك الذين يجلبهم القراصنة على أسواق النخاسين فيبيعونهم بما علا وغلا من الثمن ، وفوق ذلك فأنا لست جديدا على البادية ، ولست أخرق لا أعرف الصنعة ، ولا أعجم لا أعرف لغة القوم ، ولا غض ولا أعرف الخشونة .. لا بل انني حاذق صناع ، ولغتي سليمة ، وجسمي عركته البادية ، فتركت فيه ندوبها وخدوشها وتلويحها.
كانت هذه المقدمة تمر على اسماع الرفقة وتزيدهم بالموضوع جهالة وبالحديث غرابة .. فما علاقة هذا بما نحن فيه ؟!.
إلا أنه أردف قائلا : ليأخذني فلان الذي قد ضارب في أسواق النخاسين وباع واشترى في العبيد المماليك ، وليذهب إلى سوق النخاسين في البصرة ، وليبعني بما قدر له من ثمن ، وليشترط لمن يريد أن يبتاعني انني أجيد القهوة واستقبال الضيوف وخدمة الرجال .. فاذا تسلم ثمني فليوزع قسمة بينكم بنسبة حصة كل واحد منكم من النقود المفقودة ، واقضوا بثمني حاجاتكم وعودوا لأهلكم ، واذا عدتم فابعثوا بكامل ثمني إلىّ لكي أخلص نفسي من اسر الرق.. انهي غازي حديثه والقوم كأن على رؤوسهم الطير ، والتفت بعضهم إلى بعض ليقرأوا انطباعات الوجوه ومدى تفاعلها مع الحديث ، وادركوا من الملامح انها فكرة بكر ومركب مناسب وان كان وعرا.. ليجمعوا أن هذه أقرب وسيلة وحيلة حين لا تكون إلى الحيلة .. سبقهم إليها ( غازي ) وقور الرفقة وعلمها وكبش نطاحها ولكن ليكن .. فاذهب انت يا فلان يا من وقع عليك سهم غازي فبعه بثمنه ، فاشتراه النخاسون بثمن غير بخس ، وقال الذي اشتراه من البصرة لأهله اكرموا مثواه فهو خليق بأن ينفعنا .. ومكث عنده ليالي فاذا به درة ثمينة وصفقة ثمينة ، فمنطقه بخنجر ذهبية ، والبسه الجوخ ، وحلاه ليكون وجه النادي وتلبية المنادي وكان اسمه الجديد مسعودا ، فجعلت كل القوم تسأل عن مسعود بشوشا ضاحكا رشيقا رزينا أمينا وعلق لا يباع ولا يعار.
ظل مسعود هكذا يزداد كل يوم جدة ولا يزيد الا حدة حتى انساب ذات ليلة رسول يحمل كامل ثمنه الذي اشتراه به ، فاخبره أن راحلته معقولة هناك في طائفة المدينة تنتظره ليترك البصرة ورقها والقهوة ومن يطرقها ، وليضع النقود في حقيبة من غرفته وليكتب فوق ظهر الحقيبة كامل القصة ، وان بضاعة سيده اعيدت اليه وليذهب الى حيث راحلته ورفيقه ، وليتركا الدار ومن بناها ويذهبا حيث الحرية وحيث الأهل والوطن .
وطَنِي لو شُغِلْتُ بالخُلد عنه***** نَازَعَتْني اليه في الخُلْدِ نفسي
ومرحبا بغازي الطوير يقدم حريته من أجل رفقته ، ويأبى إلا أن يكون حرا في تفكيره وحرا في تدبيره ، ولقد أحسن الخروج كما أحسن الدخول ، وهكذا يفعل الرجال .
برواية الأديب/عبدالله ابن خميس
السلام عليكم ورحمة الله
هذه القصة التي سوف
اطرحها تبين حسن التصرف
في المواقف الصعبة فالقائد كما يقولون يظهره الموقف
راجياً ان تحوز ولو على جزء بسيط من اعجابكم.
وتقبلوا تحيات اخوكم/ابو يزيد
...........................................................
غازي الطوير...
رجل ينتمي إلى قبيلة ( مطير )
شهم أبي حاذق مجرب متمرس
صقلته البادية وحنكته
وأنجبت منه ولاجا خراجا
لا يعز عليه مطلب ولا يتأبى عليه هدف.
ضربت هذه القافلة (التي فيها المطيري) في البيداء وحملت معها حصيلة ما لديها من المال نقدا لتمتاز ببعضه ولتبتاع مقتضيات الحي ولوازمه بالبعض الآخر.. وكانت البصرة قصدهم وكان الطريق ما بين حدود المملكة والعراق مخوفة يضطرب اللصوص في أرجائها ويتخطفون المارة والمسافرين (وياخذون مامعهم ) ولذلك فلا بد من أن يجمع مال القافلة ( المسافرة )عند قوي أمين يحوطه برعايته ويرعاه بحذره ويفرغ نفسه لحفظه والسهر عليه (فاختاروا المطيري ليكون امينناً على مالهم) .. الا أن الرقيبة تغفل ويجور سلطان النوم على اليقظ الحذر ومن طلبه خصمه أدركه (ولهذا كان هناك عيننا سهرانة وأذنا واعية ) كانت تراقب حركات القوم وسكناتهم وتعد عليهم أنفاسهم .. ولما أخذ النوم بمعاقد الأجفان بعد سير وسرى ومقاساة لوثاء السفر وعقابيله كانت عين اللصوصية ترقبهم وكان فن القرصنة والخطف يتابع الأنفاس لينسل مذربا مدربا كأنه الذئب الساغب ويسل مزودة النقود من تحت رأس (القوي الأمين "المطيري ") الذي لم يصح إلا على نبث التراب والحصا كأنه شؤبوب رائحة .. ليقفز هذا فزعا مرعوبا تحس يده ( أول ما تحس ) مكان النقود ليجده حفرة لا شئ بها فيصيح فزعا لكن الصياح لا يرد فائتا. نقودهم جميعا مضى بها اللص تحت جنح الليل .. وانعقدت حلقة الركب لينظروا ماذا يرون أو يرجعون وهم من البصرة قاب قوسين ؟!.. أيمضون وهم صفر الأكف فارغوا الوطاب لا عارفين ولامعروفين .. انها مشكلة وأمر حازب لازب يقتضي رأيا فاصلا وفكرة نافذة تضعهم حيث يتصرف الرجال ويقدح زند الفكر الحي النافذ.
طلب الكلمة ( غازي الطوير ) ، وكان مضمونها أن طلب إليهم النوم والحل السليم القويم سوف يكون غدا إذا اجتمعوا حول القهوة وأكد طلبه ، فتلافثوا فكانت إشارات الرؤوس تومئ بأن نعم فصاحبهم ليس غرا ولا خلاء الفؤاد ، ولكنه من عرفوا يصمت حتى يكون للكلمة موقعها ثم يطلقها سهما يطبق المحز ويصيب شاكلة القول.. فناموا ليصحو ( غازي ) على أول نفس من الصبح فيؤذن للصلاة ويؤم رفقته فيقرأ في الركعة الأولى الآيات من سورة الطلاق : ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه.. وفي الثانية سورة الانشراح : فان معر العسر يسرا إن مع العسر يسرا.
فكان فألا مباركا ممهداً لما سوف يأتي وقضوا مائدة التسبيح وانصرفوا إلى موقد القهوة يتحلقون حوله، وقد مر في مخيلة كل واحد منهم شريط من الأفكار والتخرصات ليلة البارحة عماذا سوف يفاجئهم به غازي .
أما غازي فكانت فاتحة حديثة :ألست رجلا أسود اللون ، وملامحي تعطي متوسمي لأول وهلة ، انني زنجي من أولئك الذين يجلبهم القراصنة على أسواق النخاسين فيبيعونهم بما علا وغلا من الثمن ، وفوق ذلك فأنا لست جديدا على البادية ، ولست أخرق لا أعرف الصنعة ، ولا أعجم لا أعرف لغة القوم ، ولا غض ولا أعرف الخشونة .. لا بل انني حاذق صناع ، ولغتي سليمة ، وجسمي عركته البادية ، فتركت فيه ندوبها وخدوشها وتلويحها.
كانت هذه المقدمة تمر على اسماع الرفقة وتزيدهم بالموضوع جهالة وبالحديث غرابة .. فما علاقة هذا بما نحن فيه ؟!.
إلا أنه أردف قائلا : ليأخذني فلان الذي قد ضارب في أسواق النخاسين وباع واشترى في العبيد المماليك ، وليذهب إلى سوق النخاسين في البصرة ، وليبعني بما قدر له من ثمن ، وليشترط لمن يريد أن يبتاعني انني أجيد القهوة واستقبال الضيوف وخدمة الرجال .. فاذا تسلم ثمني فليوزع قسمة بينكم بنسبة حصة كل واحد منكم من النقود المفقودة ، واقضوا بثمني حاجاتكم وعودوا لأهلكم ، واذا عدتم فابعثوا بكامل ثمني إلىّ لكي أخلص نفسي من اسر الرق.. انهي غازي حديثه والقوم كأن على رؤوسهم الطير ، والتفت بعضهم إلى بعض ليقرأوا انطباعات الوجوه ومدى تفاعلها مع الحديث ، وادركوا من الملامح انها فكرة بكر ومركب مناسب وان كان وعرا.. ليجمعوا أن هذه أقرب وسيلة وحيلة حين لا تكون إلى الحيلة .. سبقهم إليها ( غازي ) وقور الرفقة وعلمها وكبش نطاحها ولكن ليكن .. فاذهب انت يا فلان يا من وقع عليك سهم غازي فبعه بثمنه ، فاشتراه النخاسون بثمن غير بخس ، وقال الذي اشتراه من البصرة لأهله اكرموا مثواه فهو خليق بأن ينفعنا .. ومكث عنده ليالي فاذا به درة ثمينة وصفقة ثمينة ، فمنطقه بخنجر ذهبية ، والبسه الجوخ ، وحلاه ليكون وجه النادي وتلبية المنادي وكان اسمه الجديد مسعودا ، فجعلت كل القوم تسأل عن مسعود بشوشا ضاحكا رشيقا رزينا أمينا وعلق لا يباع ولا يعار.
ظل مسعود هكذا يزداد كل يوم جدة ولا يزيد الا حدة حتى انساب ذات ليلة رسول يحمل كامل ثمنه الذي اشتراه به ، فاخبره أن راحلته معقولة هناك في طائفة المدينة تنتظره ليترك البصرة ورقها والقهوة ومن يطرقها ، وليضع النقود في حقيبة من غرفته وليكتب فوق ظهر الحقيبة كامل القصة ، وان بضاعة سيده اعيدت اليه وليذهب الى حيث راحلته ورفيقه ، وليتركا الدار ومن بناها ويذهبا حيث الحرية وحيث الأهل والوطن .
وطَنِي لو شُغِلْتُ بالخُلد عنه***** نَازَعَتْني اليه في الخُلْدِ نفسي
ومرحبا بغازي الطوير يقدم حريته من أجل رفقته ، ويأبى إلا أن يكون حرا في تفكيره وحرا في تدبيره ، ولقد أحسن الخروج كما أحسن الدخول ، وهكذا يفعل الرجال .
برواية الأديب/عبدالله ابن خميس