المؤرخ غازي النفاشي
31-05-2011, 15:48
بسم الله الرحمن الرحيم 000 الحمد لله حق حمده وأصلي وأسلم على من لانبي من بعده وعلى آله وأصحابه وجنده 000 أما بعد لقد كانت القبائل العربية في الزمن الاول من انتشار الرسالة النبوية تدين بديانة الجاهلية وتتبع تقاليد وعادات خاصة جاءت نتيجة العرف الاجتماعي والاخلاقي الذي كان سائداً وكونهم أصحاب قوانين خاصة بهم فكانت أعرافهم في احكام العاقلة في الدية وعدم دخولهم بالمحارم وتمتعهم بالصفات الحسنة كالشجاعة والكرم والجود من المسلمات الطبيعية عندهم .الا أنهم في الجانب القبلي كانوا يتعصبون لقبائلهم وعشائرهم ويتفاخرون بأنسابهم وكان العربي يعتز اعتزازاً كبيراً بأنتسابه الى قبيلته ويعد حياته ومصلحته مرتبطة بشكل مباشر بالقبيلة ومصالحها .ولما جاء الاسلام وحل في قلوبهم النور نهلوا من علوم القرآن الكريم وآياته التي تؤكد على صلة الرحم والاحسان وتحمَّل الانسان العربي المسلم مسؤوليته أمام الله جل وعلى ، نحو قوله تعالى (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِين) ( ) .وقوله تعالى (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) ( ) .وفي قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) ( ) .ويؤكد الرسول الكريم () على الاهتمام بالرحم والعشيرة من خلال أحاديثه نحو قوله ( تعلموا من انسابكم ما تصلون به أرحامكم فأن صلة الرحم محبة في الاهل . مثراه في المال منساة في الاجل مرضاة للرب ( )) كما مر ذكره عندنا.وقد شدد الرسول العظيم على أن المرء بأخلاقه وعمله مسؤول أمام الخالق سبحانه وتعالى حيث خاطب أرحامه وابناء عمومته. ( يا معشر قريش اشتروا انفسكم من الله لا أغني عنكم من الله شيئاً يا بني عبد المطلب لا أغني عنكم من الله شيئاً ) وذلك بعد أن نزل عليه قوله تعالى (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) ( ).وفي هذا عبرة ودروس لابناء البشر كون النبي المصطفى الذي بعثه الله بالحق رسولاً واصطفاه منـــــهم حيث قال : ( ) (( أن الله اصطفى من ولد أدم إبراهيم واتخذه خليلاً واصطفى من ولده ابراهيم اسماعيل ثم اصطفى من ولده اسماعيل نزار ثم اصطفى مضر ثم اصطفى كنانه ثم اصطفى من كنانة قريش ثم اصطفى بني هاشم ثم اصطفى من بني هاشم بني عبد المطلب ثم اصطفاني من بني عبد المطلب )) .هذا النبي المصطفى الذي ارسله الله رحمة للعالمين يوصي أبناء قبيلته بالعفة والاخلاق والعمل بما يرضي الله سبحانه وتعالى حيث لاينفعهم الا عملهم.وهو الذي خاطبه الباري بقوله (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ( ).وهو القائل ( ) (( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )) ، وهذا خير دليل على ان العرب كانت عنــدهم مكــارم أخلاق وسجايا حسنه وأن الرسول ( ) بُعث ليتممها ويرتقي بمراتبها عند العرب. بل ليس من قبيل النظرة العشائرية المتعصبة أو الاقليمية الضيقة الأفق ولا من قبيل النظرة البدوية المتخلفة التحدث. أن البحث اليوم في موضوع الانساب ذلك لان العلم الحديث بفروعه العديده ومقتضياته الإنسانية يجعل البحوث الانثولوجية والانثروبولوجية ضرورة ثقافية علمية لسبر قضايا التركيب العشائري وعلاقاته في المجتمعات القديمة أو البدائية وهو سبر يعتبر بذاته مدخلاً جاداً وحديثاً لمعرفة العلاقات البشرية وتطورها في وطننا العربي المعاصر المترامي الاطراف . ولا يغير من حقيقة النسب كون ان القبيلة باجمعها سميت بأسم مكان نزلت به كما هو الحال في الغساسنة وغسان كما هو معروف أسم لنبع ماء معروف في اليمن الى اليوم أو كون تجمع قبلي أطلق عليه أسم (تنوخ) بالنظر لكون هذا التجمع أو التكتل القبلي اليمني اجتمع وتحالف وأناخ رجال جمعه الموحد في مكان معين . لقد فعل التحالف بين القبائل العربية فعله في تقرير انساب بعض القبائل لان التحالف بالنسبة للغالبية العظمى من القبائل كان ضرورة اجتماعية حياتيه تمليها المحافظة على الامن والدفاع عن المصالح والقضايا والمبادئ والاهداف المشتركة . واذا دام الحلف أمداً طويلاً وظلت الروابط التي جمعت شمل القبائل المتحالفة متينة فأن تلك الروابط تنتهي الى نسب . وللتحالف أهمية مقدسة بين القبائل العربية خاصة اليمنية منها . وغالباً ما تتم تلك التحالفات وفق طقوس دينية مقدسة لما لها من أثر عظيم في نفوس ابناء تلك القبائل المتحالفة .ومما كان في حكم النسب في عصر ما قبل الإسلام ( الجوار ) للفرد والقبيلة وهو أن يستجير شخص أو قبيلة أو أن تستجير قبيلة بقبيلة وما له حكم النسب ايضاً بالنسبة للافراد الاستلحاق والولاء والمؤاخات وذلك ما فعله النبي ( ) بين المهاجرين والانصار في المدينة في أول نشوء الحركة الاسلامية وكذلك العتق والعتاقة فهذه الحالات التي ذكرت لها قواعدها ونظمها وشروطها التي تنعقد بها ويترتب على بعضها الارث ولبعضها صلة الدم . والاصل في كافة هذه الحالات المؤازرة بين الافراد والجماعات وتبادل المنافع بينهم .وكان حرمة وينزل منزلة النسب في الاهمية لما له من قدسية متبادلة وليس أحد الطرفين في الجوار بأقل من الاخر في الالتزام والوفاء. والغاية من الجوار هو طلب الحماية والمحافظة على النفس والاهل والمال حيث تصل سلطة المجير وما صورة اللجوء السياسي في عصرنا الحاضر ألا صورة من صور ذلك التوجه الذي كان متعارفاً عليه ومعمولاً به عند العرب قديماً .وفي الاشارة مرة أخرى الى أسباب التحالف بين القبائل اضافة الى ما ذكرناه فقد تبرم التحالفات بين القبائل الضعيفة مع قبائل قوية حيث لا تستطيع الضعيفة أن تحمي نفسها أو تأخذ ثأرها أو تدافع وتذود عن كيانها واعراضها وشبيه بهذا التحالف العشائري معاهدات الدفاع المشترك بين الدول في العصر الحديث .والمشاهد ايضاً أن بعض البطون قد تنسلخ من قبيلتها الكبيرة لتنضم الى قبيلة كبيرة أخرى على أثر تصادم أو اقتتال في المصالح داخل القبيلة الاصلية . ولا ينبغي أن يدفع الانتساب المزدوج للبطن أو الفخذ من القبيلة الضعيفة الى القبيلة الكبيرة المتحالف معها الى الشك في عموم أوضاع وأعراف الانساب العربية وهذه نقطة ضعف عند بعض الباحثين الغربيين الذين لم يستوعبوا ما فيه الكفاية من قواعد الانساب العربية وتقاليدها كما أن الاخذ بهذا المشهد في الحصول على الانتساب من خلال السلخ والالتحاق ما هو معمول به بحصول الشخص على أكثر من جنسية فضلاً عن جنسية بلده الاصلي .أن النسابين لا يغفلون مثل هذا الانتساب المصلحي ، بل أنهم يشيرون اليه عندما يرون من قبيل الاحتراز بنسب الاشخاص النابعين من تلك البطون والأفخاذ المتفرعة من القبيلة الضعيفة الى القبيلة الكبرى التي تحالفت معها فيذكرون مثلاً فلان الفلاني المنتسب الى القبيلة الفلانية .بيد أن بعض الباحثين الناقلين عن النسابين ربما يغفلون أو اغفلوا هذا الاحتراز غفلة أو اهمالاً ووقعوا هم والذين يأخذون عنهم في محذور التخبط والخلط وأكبر شاهد على ذلك التخبط الذي سار عليه بعض الباحثين الاجانب الذين غامروا فتصدوا بتنفيذ الأنساب العربية .حيث أن اقدم نص وجده المستشرقون عند بحثهم عن مدلول كلمة العرب في اللغات السامية فقد عثروا على نص أشوري يعود على زمن شلمنصر الثاني ملك آشور حيث تبين أن مدلول هذه الكلمة يختلف عما تعنيه عندنا من معنى لغوي ،منهم كانوا يقصدون بها المشيخه التي كانت تنتشر سلطاتها في البادية المتاخمة للحدود الآشورية ، في حين أن معنى كلمة ( ارب ) التي في اللغة العربية تدل على معنى البداوة ولم تخصص هذه الكلمة بمعناها الذي يدل على العرب ، فتدل الا في العهود المتأخرة فأن كل المواضع التي وردت فيها كلمة ( ارب ) في سفر شعْيا وفي التلمود اريد بالعرب الاعراب أما في الاسفار القديمة فترد مرادفة لكلمة اسماعيلي التي يراد بها الأعراب ايضاً . أما في الآداب اليونانية فقد ورد ذكر أسم العرب عند اسكيلوس ( 525 – 265 ق.م)( ) ، هذا وقد جرت عادة المؤرخين والفقهاء والنسابين الاخذ بتقسيم العرب الى عرب عاربة وعرب مستعربة واعتبروه واقعاً لا شك فيه في مؤلفاتهم وكتاباتهم بالرغم أن قسماً منهم خالفوا ذلك فيرى البعض منهم أنه حيث جعلوا العرب العاربة هم الذين يطلق عليهم العرب البائدة وهذا ما تراه عند الجوهري أما المستعربة فهم الداخلون في العربية وهذا ما ذهب اليه ابن خلدون حيث رجح أن ( عاد ) الاولى وثمود وطسم وجديس واميم وجرهم وحضرموت والعمالقة من تلك العرب البائدة العاربة وأن بني حمير وكهلان واعقابهم من التبابعة ومن اليهم كانوا من العرب المستعربة ، وفي اختلاف الناس في قحطان يقول البلاذري ايضاً أن قسماً منهم قالوا هو قحطان ابن هود أبن عبد الله بن خلود بن عاد بن عوص بن أرم بن سام بن نوح وهو غير يقطان فالذي في التوراة ليس قحطان أما هشام بن الكلبي والشرقي القطامي وهما من اشهر النسابة واكثرهم ثقة واحتمال عند جميع النسابين يقولان أن قحطان هو بن الهميسع بن قيدار ( قيدر ) وهذا مصدق قول رسول الله () ويذهب جميع المؤرخين أن العرب تكلمت العربية حين اختلفت الألسن ببابل في حين أن اهل اليمن يقولون أن أول من تكلم بالعربية هو يعرب وهذا لا يمكن الاعتماد عليه والركون اليه فالعرب العاربة هلكت ولم يبق منها احد الا بنو اسماعيل فضلاً عن لغة العدنانيين هي العربية بدليل أن القرآن الكريم أنزل بلسان عربي مبين في قوله تعالى (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً)( ) ، (وهذا بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ) ( ).المصادر_____________ القرآن الكريمسورة الشعراء الآية 214 و195سورة البقرة = 215سورة الحجرات = 13 و214سورة القلم = 4سورة يوسف = 2مسند الأمام أحمد ج2 ص 473 المفصل في تأريخ العرب قبل الأسلام د 0 جواد علي ط / 1 للناشر آوند دانش