المؤرخ غازي النفاشي
17-05-2011, 21:15
• مثبّتات النسب للنسب عند العرب شأن كبير ، ولا يزال العربي يقيم له وزناً لا سيماء عند عرب البادية والارياف ، فعلى نسب المرء في البادية تقوم حقوق الافراد ، بل حياته في الغالب ، فنسب الانسان هو الذي يحميه ويصون حقوقه ويردع الظالم عنه ويأخذ حق المظلوم بموجبه .وقد يبدو ذلك لسكان المدن المتحضرة أمر غريب وغير مألوف ، الا أن حقيقة الامر هو أن أبن المدينة نفسه يعمل بحسب ضوابط النسب وفق قوانين واعراف عشائرية متفق عليها حتـــى ولــــو كــــان ذلك فــي حدود ضيقة .فهوية الانسان هي نسبه ..؟ وانتسابه الى عشيرته يحميه ويحفظ حقوقه ويدافع عنه والانسان العربي مضطر بفطرته الى حفظ نسبه وعدّ آبائه وأجداده وذكر قبيلته لانه بذلك يحافظ على جوانب مهمة في حياته ، فلو أراد شخص الاعتداء عليه ، عرف أن وراءه قوماً يدافعون عنه ويأخذون بحقه من المعتدي عليه ، وبذلك فأن النسب يمكن أن يكون رادعاً اجتماعياً يحد من ظاهرة التصادم بين الأفراد وعلى مستوى العشيرة ايضاً .وأما كون سكان المدن أقل اهتمام بأنسابهم وانتمائاتهم القبلية فأن الحاجة عندهم أقل من أهل البوادي .. كون حواضرهم آمنه ومستقرة ولديهم قوانين وحكومات تحميهم وتأخذ بحقوقهم .ثم أن ابناء المدن يتمتعون بمجال أوسع من الاختلاط والامتزاج بغير العرب وخصوصا ً أبناء المدن القريبة من الحدود والسواحل والتي تكثر بينهم وبين الاعاجم المصاهرات والاختلاطات الاخرى ومنها الانتقال للسكن والعيش في بلدانهم فيصعب عليهم بمرور السنين المحافظة على أنسابهم وتضعف عندهم وشائج الدم والنسب لذلك لم يعتنوا بها كما الاعراب في البوادي .أذن فالانتماء الى العشيرة او القبيلة هو حماية للمرء وهوية شفوية في الاعراف السابقة ولذلك اصبح انتماء الانسان والتزامه بعشيرته أمراً لازم له محتماً عليه .ولهذا كانت قومية أهل البوادي ضيقة لا تتعدى حدود القبيلة وحدود مصالحها وما يتفق عليه أهل الحل والعقد ومن هنا كانت القبائل كتلاً سياسية وكيانات لها أصول وقوانين لا تتعدى وحدتها القبلية وحدود مصالحها واصبحت عشائرها كتله ووحدة مستقله بأرتباطات مصلحية على وفق مبدأ القوة والفائدة ورابطة النسب .وفي العادة يجمع انتساب كل قبيلة أو عشيرة الى جد تنتمي اليه وتدعي أنها من صلبه وتتباهى به وتتفاخر ، فهو بطلها ورمزها وعلامتها الفارقة التي تميزها عن القبائل الاخرى .لذلك أهتم العرب في الجاهلية والاسلام بأنسابهم ، فحفظوها ، ورووها في جاهليتهم ، ودونوها في إسلامهم ، واصبحت لديهم علماً له قواعده واصوله وفوائده ، واذا أستقرأنا صفحات الماضي تاريخ العرب في الجاهلية ، وحاولنا تتبع أثار هذا العلم وبدايات وجوده ، نجد أن النسب ولد مع ولادة القبيلة العربية وتلازم معها ومع مراحل تطورها ، فالحاجة اليه كانت ملحة لان وجود القبيلة كان رهناً بوجوده ، فقد كانت الانساب بادئ ذي بدء وسيلة تجمع العرب الى بعضهم تضم شملهم وتشد أزرهم وكانت أنسابهم دِرْءاً يدفعون به كثيراً من الاخطار عنهم يوم لم يكن لهم دولة تحميهم وتجمعهم فوجوده كان الرباط القوي الذي يوحد صفوف أبناء القبيلة الواحدة ويميزها عن باقي المجتمعات المحيطة بها فهي الكيان الاجتماعي والسياسي والاخلاقي الذي تعيش ضمن إطاره لذلك كان حرص القبيلة على نسبها واعتزازها به من أهم ميزات الحياة الاجتماعية آنذاك فكل قبيلة ترى مكانتها العظيمة ومنزلتها الرفيعة مقرونة بعراقة نسبها وهذا ما تفاخر به ، وما يؤولها للسيادة على غيرها ، وأن ذلك الشعر الجاهلي الذي وصلنا من ذلك العصر حيث كان الشعراء والخطباء صوت إعلام القبيلة الذي يوصل ذكرها الى مسامع الاخرين.ولم يكن الشعر الجاهلي المصدر الوحيد الذي أكد أهتمام العرب بأنسابهم وأصولهم بل أيد ذلك أيضاً بعض الكتابات الجاهلية ، التي ذكرت أسماء جملة أجداد لاشخاص دونوا اسمائهم في تلك الكتابات ، فقد دون على شاهد قبر (معن)( ) أسم أبيه وجدين من أجداده وهنالك أمثلة أخرى تثبت عناية العرب في الجاهلية بأنسابهم وحفظها وهي من أهم المزايا التي حافظ عليها العرب الى هذا اليوم ، فحاجة العربي للنسب كحاجة إنسان اليوم للوطن والجنسية فهو الذي يحافظ على حقوقه ، ويردع الظالم عنه ويأخذ حق المظلوم منه ، ويعود سبب هذه العناية بالانساب الى طبيعة البناء القبلي الذي أثرت في تكوينه ظروف البيئة الطبيعية ، حيث كان النسب حجر الاساس الذي أقام عليه البناء والركن الهام الذي استمر وجوده ، ولم يكن من السهل الحياد عنه حتى بعد أن اقام العرب دولتهم الكبرى وأسسوا حواضر مزدهرة أرتبطت بها أطقاع شتى فالطبيعة والمناخ جعلا العصبية القبلية رابطة اساسية تجمع الافراد.ومن أهم شروط واولويات الباحث المحقق بالانساب في صحة ثبوت النسب عند التحقيق هو الاستناد على الأسس الاتية ليكون الاثبات شرعي وقانوني عند المقررا والقاضي معاً وهي :-- البينة .- الشهادة .- الشهرة.وقد ورد عن النبي (r) في خطبة حجة الوداع قوله (الولد للفراش وللعاهر الحجر) .. فتعددت التفاسير في الفراش وقرر الفقهاء أن نسب الولد الى أبيه يثبت بأحد الادلة التالية :-- الفراش : هو أن تعيّن المرأة فراشاً لشخص واحد ، ومعنى ذلك اعتبار المرأة فراشاً للرجل الواحد لتلدله أولاداً ، وهذا لا يتحقق الا بالزواج الشرعي .- الاقرار : هو أعتراف الزوج أمام المقرر أو القاضي أو أمام الاخرين بأن الولد أبنه ويكون الاقرار بذلك صريحاً او ضمنياً.- البيّنة : وتطلق في الشرع الاسلامي على البينة الشخصية أي (شهادة الشهود) وعرَّفها أصحاب الاختصاص بأنها الحجة القوية وثبوت النسب بها أقوى من ثبوته بمجرد الدعوى أو الاقرار .فالدعوى هي إخبار المدعي بدعواه ، أما الاقرار فهو حجة قاصرة.- الشهرة : وهي أن يشتهر الانسان في مجتمعه أنه أبن رجل معين ، وقد أقرتها كافة المذاهب الاسلامية كدليل على ثبوت النسب وهنا في حال ورود رأي في النسب يعارض المشهور يطرح ويبقى المشهور على ثبوته الا ان يأتي صاحب الرأي الجديد بدليل أقوى من الشهرة.- الشهادة : ومن أهم شروطها ان يكون الشاهدين عدلين حرين يتمتعون بالعقل والبلوغ والحفظ والكلام والعدالة والاسلام ، وانتفاء موانع الشهادة الزور بسبب الارتشاء أو التهمة أو العداوة والبغضاء وأن يكونون معروفين بالتزكية والاستقامة والصلاح ، عموماً فالشهادة في النسب يمكن أن تبنى في الاصل على السماع والشياع ، وهو جائز.- القيافة : وهي نوع من الضرب في الفراسة عند العرب عموماً وأهل النسب خصوصاً .. أي أنه بمجرد النظر الى ملامح وجه الانسان ورسومه قد يعرف المرء أبن من هذا وهي من أوجه التشخيص ، ولا تعتبر شرعاً لانها لا توجب سوى الظن وشأنها شأن سائر الظنون ، واما غيرها من الامور المشروحة في علم الاجنة فأذا أوجب العلم فالحكم حكمه والا فلا يوجب سوى الظن وهو لا يغني عن الحق شيئاً .وللمزيد من المعلومات للأخوة النسابين فأن فن القيافة والعيافة هو من الفنون المتواترة عند العرب، والقيافة هي نوع من الفراسة العقلية في التمييز بمجرد النظر الى وجه الرجل ومعرفته من ملامح الدم.أما العيافة فهي معرفة الدلالة في الطرق الصحراوية وغيرها.. ، فمثلاً يقال (الدليل فلان) أنه يقتفي أثر الطير في السماء أي أنه صاحب خبرة ودراية في مجال عمله ، نذكرها هنا للأستفادة .. ؟حجة السماع في أثبات النسب :-أولت العرب النسب أهمية لا تضاهى ، واحتفلت به أحتفالاً لم تعهده عند الامم الاخرى .وحرصت أن تعلمه لاولادها وان يتناقلوه بينهم لاعتقادها أنه خير حافظ للأصول والفروع والعادات والمفاخر والاحساب فكان الانسان العربي يحفظ نسبهُ الى ما يزيد على عشرين ظهراً حفظاً دقيقاً ، حتى ينتهي به الى الجد الجامع الذي سميت به القبيلة .وقد نص علماء الشرع والفقهاء على أن السماع في النسب حجة يؤخذ بها ويعتمد عليها وهو مايسمونه بـ (الاستفاضة) كونها الحجة الشرعية في أثبات النسب (أي الحكم بالسماع) والاستفاضة هنا هي الشهادة بنسب أحداً بناءً على السماع وبذلك لا يجوز بعده الطعن فيه أو في أهله.