الشيخ/عبدالله الواكد
14-04-2011, 20:20
تكملة لخطبتنا الماضية
عن رحمة الأطفال والصغار
والتي كانت بعنوان
من فجع هذه بولدها ؟
خطبة يوم الغد إن شاء الله
ستكون
بعنوان
الرحمةُ بالمسنينَ
كتبها
عبدالله بن فهد الواكد
إمام وخطيب جامع الواكد بحائل
الْخُطْبَةُ الأُولَى
الحَمْدُ للهِ ربِّ العالمينَ القائلِ ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ) أحمَدُهُ عددَ ما أصبَحَناَ وأمساناَ ، وأرشدَناَ للحَقِّ وهدَاناَ ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَه ، الذي أضحَكَناَ وأبكاناَ ، وأماتَناَ وأحياناَ ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ ، القائلُ صلى الله عليه وسلم ( إِنَّ مِنْ إِجْلاَلِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِى الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ ) اللهمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وبَارِكْ عَلَى سيدِنَا محمدٍ وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وأَصْحابِهِ الغُرِّ المَيامِينِ، والتَّابعينَ لَهُمْ بإحسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أمَّا بعدُ: فأوصيكُمْ ونفْسِي بتقوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ قالَ تعالَى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ )
أيُّها المسلمونَ : كانَ حديثُناَ في الجمعةِ الماضيةِ عن رحمةِ الأطفالِ والرفقِ بالصغارِ ، ورعايتِهم والإحسانِ إليهِم ، ولعلَّناَ اليومَ نتكلمُ عنِ الجانبِ الآخرِ في هذا المجتمعِ ، عنْ رحمةِ المسنينَ ، عن بِرِّ الآباءِ والأمهاتِ والعطفِ على الكبارِ والمسنينَ ، عن رحمةِ هؤلاءِ الضعفةِ ، الذينَ دبَّ فيهِمُ المشيبَ ، وسعى إليهِمْ أرذلَ العمرِ ، الذينَ تقاربَتْ خُطَاهُم ، ودنَتْ أبصارُهُمْ ، ورافقَهُمُ العَصى ، وآختْهُمُ العلةُ والدواءُ ، أيها المسلمُ الموفقُ : إذا وفقَّكَ اللهُ لبِرِّهِمْ ، والإحسانِ إليهِمْ ، فأبشرْ ، فثَمَّ دعوةُ اللهِ سبحانَهُ وتعالى القائلِ ( وقضى ربُّكَ ألاّ تعبدوا إلاّ إيَّاهُ وبالوالدينِ إحساناً إمّا يبلغنَّ عندَكَ الكبرَ أحدُهُما أو كلاهُما فلا تقلْ لهُما أُفٍّ ولا تنهرهُما وقلْ لهما قولاً كريماً * واخفضْ لهما جناحَ الذلِّ من الرحمةِ وقلْ ربِّ ارحمهُماَ كماَ ربَّياَني صغيراً )
أيُّهَا المسلمونَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ فِي بِرِّ أَبِيهِ : لاَ تَمْشِ أَمَامَ أَبِيكَ ، وَلاَ تَجْلِسْ قَبْلَهُ ، وَلاَ تَدَعُوهُ بِاسْمِهِ أيْ لاَ تنادِيهِ باسمِهِ بلْ تنادِيهِ بأحبِّ الأسماءِ إليهِ (الجامع لابن وهب )
وقدْ بيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أنَّ رضَا الوالدينِ سببٌ لرضَا اللهِ عزَّ وجلَّ فقالَ صلى اللهُ عليه وسلمَ :كما في شُعَبِ الإيمانِ ( رِضَا اللَّهِ فِي رِضَا الْوَالِدَيْنِ، وَسَخَطُ اللَّهِ فِي سَخَطِ الْوَالِدَيْنِ )
وبرُّ الوالدينِ يكونُ فِي حياتِهِمَا وبعدَ مماتِهِمَا،
أيها المسلمُ الوفيُّ ، أيها الشابُ التقيُّ : أبويكَ ، أمَّك وأباكَ ، بِرُّهُما وأحسنْ إليهِماَ ، قلْ ربِّ ارحمْ هذينِ الأبوينِ الكريمينِ ، كما تَعِبا في تربيَتِي ، قلْ ربِّ ارحمْهُما كماَ سهِراَ لأنامَ ، وجاعاَ لأشبعَ ، وضمئاَ لأروى ، فكمْ بذلوا الجهودَ المضنيةَ ليروا البسمةَ على وجوهِكُم ، ويمسحوا الدمعةَ من عيونِكُم ، كَمْ قَلِقُوا في مرضِكُم وسفرِكُم ، كم دَعَوْا لكم في ظهرِ الغيبِ ، كم شَقَوْا لتسعدونَ ، وكم حزنوا لتفرحونَ فـ (هل جزاءُ الإحسانِ إلاّ الإحسانَ )
كلمتُكَ الرقيقةُ ، شكرُكَ وثناؤُكَ وتقديرُكَ واعتزازُكَ بما قدَّماهُ هذانِ الأبوانِ بِرُّ ورحمةٌ ، تصرُّفُكَ الحاني وحنوُّكَ الداني ، معَ هذينِ الوالدينِ شفقةٌ ورحمةٌ ، دعاؤُكَ لهما بالخيرِ وطولِ العُمُرِ والعافيةِ دليلٌ على وفائِكَ ، إستشارتُهُما والأخذُ بنصائِحِهِما وطلبُ رضاهُما دليلٌ على تيمُّنِكَ وتواضُعِكَ ، الإنفاقُ عليهِمَا وإهداءُ ما جادتْ به نفسُكَ ويدُكَ من خيرٍ دليلٌ على كريمِ خصالِكَ ، وطيبِ معدَنِكَ ،
أيها المسلمونَ : ولو تأملتُمْ حالَ المسنينَ في الغربِ والدولِ التي تدَّعي التقدمَ والرقيَّ ، لعلمْتُم أنَّنَا في نعمةٍ ، لأ نَّهُم هناكَ يُحالُونَ إلى دُورِ العجزَةِ والمسنينَ أمَّا في بلادِناَ ومجتمعاتِنَا فإنَّ المسنينَ يتحوَّلُونَ بينَنَا وفي بيوتِنَا إلى شموعٍ مضيئةٍ ، وقناديلَ مؤنسةٍ ، تزدادُ البيوتُ بهِمْ بهجةً وسروراً ، يشعرُ الأطفالُ والصغارُ بعمقِ اللحمةِ ، وعظيمِ المودةِ والرحمةِ ، فهُمْ أُنسٌ وبهجةٌ لنا جميعاً للكبارِ والصغارِ ، قرأتُ منذُ سنواتٍ عديدةٍ عن أحدى الأخواتِ وكانتْ ترافقُ معَ أمِّ زوجِهاَ في أحدى المستششفياتِ في الرياضِ ، فكانتْ تتردَّدُ عليها في كلِّ يومٍ تُحْضِرُ لها ما تشتهيهِ من طعامٍ وشرابٍ ، فسألتْهاَ إحدى موظفاتِ الإستقبالِ وكانتْ غربيَّةً غيرَ مسلمةٍ ، سألَتْهاَ ، مَنِ التي تترددينَ عليهاَ ؟ قالتْ لهاَ أمُّ زوجِي ، فما كادتْ تصدِّقُ ذلكَ قالتُ يعني هيَ ليستْ أمَّكِ قالتْ لاَ ولكنَّهاَ أمُّ زوجِي ، قالتْ وما علاقتُكِ بهاَ قالتْ دينُناَ دينُ الإسلامِ يحثُّناَ على ذلكَ تقولُ فطلَبَتْ مِنِّي كُتُباً تعريفيةً عنِ الإسلامِ فأحضرْتُ لها كُتُباً بلغتِهاَ ومنها كتبٌ عن حقوق الزوجينِ وحقوقِ الوالدينِ في الإسلامِ تقولُ فما لبِثَتْ أنْ أسلَمَتْ ، دينُناَ أيها المسلمونَ دينٌ عظيمٌ واللهِ لو قُمْناَ بما فيهِ وعملناَ بنصوصِهِ وتوجيهاتِهِ ، لدخلَ الناسُ في دينِ اللهِ أفواجاً ،
أيها المسلمونَ : الإحسانُ فِي الإسلامِ قَدْ شَمَلَ الوالدينِ وكبارَ السنِّ جميعاً ، فالرجلُ المُسِنُّ والشيخُ الكبيرُ والمرأةُ العجوزُ أناسٌ صاغَتْهُمُ التجاربُ وعركتْهُمُ الحياةُ وصقلتهُمُ معاناةُ الدهرِ ومكابدةُ الأيامِ ، فصاروا ينطقونَ بالحكمةِ ويتكلمونَ بالموعظةِ ، فاستفدْ منهُمْ ، ولقدْ تميَّزَ الاسلامُ على غيرِهِ من الأديانِ والمللِ والنِّحلِ ، بالحثِّ الشديدِ على رعايةِ المسنينَ واحترامِهِم ، فيا أيُّها المسلمُ الكريمُ ، إذا رأيتَ شيخاً كبيراً أو رجلاً مسنّاً ، فاحملْ إليهِ رسالةَ المجتمعِ المتراحمِ ، إجعلْ لهُ في قلبِكَ من المودةِ وفي تصرفِكَ من التقديرِ ، ما يجعلُهُ يحمدُ اللهَ ويشعرُ أنهُ في جُوقةِ خيرٍ تحمِلُهُ وتسدُّ ضعفَهُ وترتُقُ شيبتَهُ إفسحْ لهُ الطريقَ وافسحْ لهُ المجلسَ ، قُمْ من مكانِكَ ليجلسَ فيهِ ويستريحَ ، في الترمذيِّ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أنه قَالَ: جَاءَ شَيْخٌ يُرِيدُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم فَأَبْطَأَ الْقَوْمُ عَنْهُ أَنْ يُوَسِّعُوا لَهُ ، فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم ( لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا )
إذا رأيتَهُ مهموماً مغموماً فاجلسْ إليهِ وحادِثْهُ ولاطِفْهُ حتَّى يزولَ ما بِهِ من غَمٍّ ، إذا رأيتَهُ وحيداً يستشعرُ الوحشةَ فاطردْ عنهُ أشباحَهاَ بالزيارةِ والتفقُّدِ وقضاءِ الحاجةِ والإحسانِ ولو بكلمةٍ طيِّبةٍ وابتسامةٍ مشفقةٍ مورقةٍ ، رحمتُكَ أيها المسلمُ بهؤلاءِ المسنينَ إنَّما هي شكرٌ لِماَ أنعمَ اللهُ عليكَ من شبابٍ وفتوةٍ ، وادخارٌ واستذخارٌ ، لرحمةٍ تحتاجُهاَ في مقبلِ أيامِكَ ، مِنْ أبنائِكَ ومجتمَعِكَ ، فكما تدينُ تُدانُ ، وسيقيِّضُ اللهُ لكَ منْ يرحَمُكَ كما رحِمْتَ غيرَكَ ، أيُّها الشبابُ : وعدَ رسُولُ اللَّهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ الشابَّ الذِي يُكرمُ المسنينَ ، بأنَّ اللهَ تعالَى سيسخِّرُ لَهُ مَنْ يكرِمُهُ فِي كبرِهِ ففي الترمذي ، قَالَ صلى الله عليه وسلم ( مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخاً لِسِنِّهِ إِلاَّ قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّهِ )
وقدْ كانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُكْرِمُ كبارَ السنِّ ويَعرفُ قدرَهُمْ، ففي مسندِ الإمامِ أحمدَ ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ الصديقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ: لَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ وَدَخَلَ الْمَسْجِدَ أَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ بِأَبِيهِ( أبي قحافة ) يَقُودُهُ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ( هَلاَّ تَرَكْتَ الشَّيْخَ فِى بَيْتِهِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا آتِيهِ فِيهِ ) قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ أَحَقُّ أَنْ يَمْشِىَ إِلَيْكَ مِنْ أَنْ تَمْشِىَ أَنْتَ إِلَيْهِ . قَالَ: فَأَجْلَسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ مَسَحَ صَدْرَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ ( أَسْلِمْ فَأَسْلَمَ ) وقدْ بشَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ يوقِّرُ الكبيرَ بمرافقتِهِ فِي الجنةِ، ففي شعب الإيمان ، عَنْ أَنَسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ ( يَا أَنَسُ وَقِّرِ الْكَبِيرَ وَارْحَمِ الصَّغِيرَ تُرَافِقُنِي فِي الْجَنَّةِ )
اللهمَّ أعنَّا علَى البرِّ بالوالدينِ والإحسانِ إليهِمَا، واجعلْنَا ممنْ يوقرُ كبارَ السنِّ ويقومُ علَى رعايتِهِمْ وخدمتِهِمْ. اللهمَّ وَفِّقْنَا لطاعتِكَ وطاعةِ مَنْ أمرتَنَا بطاعتِهِ ، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولكُمْ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانيةُ
الحَمْدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَه، وأَشْهَدُ أنَّ سيِّدَنا محمَّداً عبدُهُ ورسولُهُ، اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى سيدِنَا محمدٍ وعلَى آلِهِ الطيبينَ الطاهرينَ وعلَى أصحابِهِ أجمعينَ ، والتَّابعينَ لَهُمْ بإحسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أمَّا بَعْدُ أيها المسلمون : فإنَّ كبارَ السنِّ همُ الصلَةُ بيْنَ الماضِي والحاضِرِ، فالماضِي الذِي نعتزُّ ونفاخِرُ بهِ هُمْ صُنَّاعُهُ وروَّادُهُ، والحاضرُ الذِي ننعَمُ فيهِ بالخيرِ واليمنِ هُمْ مَنْ وَجَّهَ إليهِ ودلَّ عليهِ ، نسأل الله أن يوفقنا لرعايةِ المسنينَ والاعتناءِ بِهِمْ، وردِّ الجميلِ إليهِمْ، ورَفْعِ قدْرِهِمْ، فاحترامُ الكبيرِ وتوقيرُهُ ومساعدتُهُ خلقٌ كريمٌ ومظهرٌ حضاريٌّ وبابٌ مِنْ أبوابِ الخيرِ، ففي مسند الإمام أحمد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( تَدُلُّ الْمُسْتَدِلَّ عَلَى حَاجَةٍ لَهُ قَدْ عَلِمْتَ مَكَانَهَا ، وَتَسْعَى بِشِدَّةِ سَاقَيْكَ إِلَى اللَّهْفَانِ الْمُسْتَغِيثِ، وَتَرْفَعُ بِشِدَّةِ ذِرَاعَيْكَ مَعَ الضَّعِيفِ كُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَبْوَابِ الصَّدَقَةِ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ )
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أُمِرْتُمْ بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْه، قَالَ تَعَالَى:( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)
عن رحمة الأطفال والصغار
والتي كانت بعنوان
من فجع هذه بولدها ؟
خطبة يوم الغد إن شاء الله
ستكون
بعنوان
الرحمةُ بالمسنينَ
كتبها
عبدالله بن فهد الواكد
إمام وخطيب جامع الواكد بحائل
الْخُطْبَةُ الأُولَى
الحَمْدُ للهِ ربِّ العالمينَ القائلِ ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ) أحمَدُهُ عددَ ما أصبَحَناَ وأمساناَ ، وأرشدَناَ للحَقِّ وهدَاناَ ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَه ، الذي أضحَكَناَ وأبكاناَ ، وأماتَناَ وأحياناَ ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ ، القائلُ صلى الله عليه وسلم ( إِنَّ مِنْ إِجْلاَلِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِى الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ ) اللهمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وبَارِكْ عَلَى سيدِنَا محمدٍ وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وأَصْحابِهِ الغُرِّ المَيامِينِ، والتَّابعينَ لَهُمْ بإحسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أمَّا بعدُ: فأوصيكُمْ ونفْسِي بتقوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ قالَ تعالَى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ )
أيُّها المسلمونَ : كانَ حديثُناَ في الجمعةِ الماضيةِ عن رحمةِ الأطفالِ والرفقِ بالصغارِ ، ورعايتِهم والإحسانِ إليهِم ، ولعلَّناَ اليومَ نتكلمُ عنِ الجانبِ الآخرِ في هذا المجتمعِ ، عنْ رحمةِ المسنينَ ، عن بِرِّ الآباءِ والأمهاتِ والعطفِ على الكبارِ والمسنينَ ، عن رحمةِ هؤلاءِ الضعفةِ ، الذينَ دبَّ فيهِمُ المشيبَ ، وسعى إليهِمْ أرذلَ العمرِ ، الذينَ تقاربَتْ خُطَاهُم ، ودنَتْ أبصارُهُمْ ، ورافقَهُمُ العَصى ، وآختْهُمُ العلةُ والدواءُ ، أيها المسلمُ الموفقُ : إذا وفقَّكَ اللهُ لبِرِّهِمْ ، والإحسانِ إليهِمْ ، فأبشرْ ، فثَمَّ دعوةُ اللهِ سبحانَهُ وتعالى القائلِ ( وقضى ربُّكَ ألاّ تعبدوا إلاّ إيَّاهُ وبالوالدينِ إحساناً إمّا يبلغنَّ عندَكَ الكبرَ أحدُهُما أو كلاهُما فلا تقلْ لهُما أُفٍّ ولا تنهرهُما وقلْ لهما قولاً كريماً * واخفضْ لهما جناحَ الذلِّ من الرحمةِ وقلْ ربِّ ارحمهُماَ كماَ ربَّياَني صغيراً )
أيُّهَا المسلمونَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ فِي بِرِّ أَبِيهِ : لاَ تَمْشِ أَمَامَ أَبِيكَ ، وَلاَ تَجْلِسْ قَبْلَهُ ، وَلاَ تَدَعُوهُ بِاسْمِهِ أيْ لاَ تنادِيهِ باسمِهِ بلْ تنادِيهِ بأحبِّ الأسماءِ إليهِ (الجامع لابن وهب )
وقدْ بيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أنَّ رضَا الوالدينِ سببٌ لرضَا اللهِ عزَّ وجلَّ فقالَ صلى اللهُ عليه وسلمَ :كما في شُعَبِ الإيمانِ ( رِضَا اللَّهِ فِي رِضَا الْوَالِدَيْنِ، وَسَخَطُ اللَّهِ فِي سَخَطِ الْوَالِدَيْنِ )
وبرُّ الوالدينِ يكونُ فِي حياتِهِمَا وبعدَ مماتِهِمَا،
أيها المسلمُ الوفيُّ ، أيها الشابُ التقيُّ : أبويكَ ، أمَّك وأباكَ ، بِرُّهُما وأحسنْ إليهِماَ ، قلْ ربِّ ارحمْ هذينِ الأبوينِ الكريمينِ ، كما تَعِبا في تربيَتِي ، قلْ ربِّ ارحمْهُما كماَ سهِراَ لأنامَ ، وجاعاَ لأشبعَ ، وضمئاَ لأروى ، فكمْ بذلوا الجهودَ المضنيةَ ليروا البسمةَ على وجوهِكُم ، ويمسحوا الدمعةَ من عيونِكُم ، كَمْ قَلِقُوا في مرضِكُم وسفرِكُم ، كم دَعَوْا لكم في ظهرِ الغيبِ ، كم شَقَوْا لتسعدونَ ، وكم حزنوا لتفرحونَ فـ (هل جزاءُ الإحسانِ إلاّ الإحسانَ )
كلمتُكَ الرقيقةُ ، شكرُكَ وثناؤُكَ وتقديرُكَ واعتزازُكَ بما قدَّماهُ هذانِ الأبوانِ بِرُّ ورحمةٌ ، تصرُّفُكَ الحاني وحنوُّكَ الداني ، معَ هذينِ الوالدينِ شفقةٌ ورحمةٌ ، دعاؤُكَ لهما بالخيرِ وطولِ العُمُرِ والعافيةِ دليلٌ على وفائِكَ ، إستشارتُهُما والأخذُ بنصائِحِهِما وطلبُ رضاهُما دليلٌ على تيمُّنِكَ وتواضُعِكَ ، الإنفاقُ عليهِمَا وإهداءُ ما جادتْ به نفسُكَ ويدُكَ من خيرٍ دليلٌ على كريمِ خصالِكَ ، وطيبِ معدَنِكَ ،
أيها المسلمونَ : ولو تأملتُمْ حالَ المسنينَ في الغربِ والدولِ التي تدَّعي التقدمَ والرقيَّ ، لعلمْتُم أنَّنَا في نعمةٍ ، لأ نَّهُم هناكَ يُحالُونَ إلى دُورِ العجزَةِ والمسنينَ أمَّا في بلادِناَ ومجتمعاتِنَا فإنَّ المسنينَ يتحوَّلُونَ بينَنَا وفي بيوتِنَا إلى شموعٍ مضيئةٍ ، وقناديلَ مؤنسةٍ ، تزدادُ البيوتُ بهِمْ بهجةً وسروراً ، يشعرُ الأطفالُ والصغارُ بعمقِ اللحمةِ ، وعظيمِ المودةِ والرحمةِ ، فهُمْ أُنسٌ وبهجةٌ لنا جميعاً للكبارِ والصغارِ ، قرأتُ منذُ سنواتٍ عديدةٍ عن أحدى الأخواتِ وكانتْ ترافقُ معَ أمِّ زوجِهاَ في أحدى المستششفياتِ في الرياضِ ، فكانتْ تتردَّدُ عليها في كلِّ يومٍ تُحْضِرُ لها ما تشتهيهِ من طعامٍ وشرابٍ ، فسألتْهاَ إحدى موظفاتِ الإستقبالِ وكانتْ غربيَّةً غيرَ مسلمةٍ ، سألَتْهاَ ، مَنِ التي تترددينَ عليهاَ ؟ قالتْ لهاَ أمُّ زوجِي ، فما كادتْ تصدِّقُ ذلكَ قالتُ يعني هيَ ليستْ أمَّكِ قالتْ لاَ ولكنَّهاَ أمُّ زوجِي ، قالتْ وما علاقتُكِ بهاَ قالتْ دينُناَ دينُ الإسلامِ يحثُّناَ على ذلكَ تقولُ فطلَبَتْ مِنِّي كُتُباً تعريفيةً عنِ الإسلامِ فأحضرْتُ لها كُتُباً بلغتِهاَ ومنها كتبٌ عن حقوق الزوجينِ وحقوقِ الوالدينِ في الإسلامِ تقولُ فما لبِثَتْ أنْ أسلَمَتْ ، دينُناَ أيها المسلمونَ دينٌ عظيمٌ واللهِ لو قُمْناَ بما فيهِ وعملناَ بنصوصِهِ وتوجيهاتِهِ ، لدخلَ الناسُ في دينِ اللهِ أفواجاً ،
أيها المسلمونَ : الإحسانُ فِي الإسلامِ قَدْ شَمَلَ الوالدينِ وكبارَ السنِّ جميعاً ، فالرجلُ المُسِنُّ والشيخُ الكبيرُ والمرأةُ العجوزُ أناسٌ صاغَتْهُمُ التجاربُ وعركتْهُمُ الحياةُ وصقلتهُمُ معاناةُ الدهرِ ومكابدةُ الأيامِ ، فصاروا ينطقونَ بالحكمةِ ويتكلمونَ بالموعظةِ ، فاستفدْ منهُمْ ، ولقدْ تميَّزَ الاسلامُ على غيرِهِ من الأديانِ والمللِ والنِّحلِ ، بالحثِّ الشديدِ على رعايةِ المسنينَ واحترامِهِم ، فيا أيُّها المسلمُ الكريمُ ، إذا رأيتَ شيخاً كبيراً أو رجلاً مسنّاً ، فاحملْ إليهِ رسالةَ المجتمعِ المتراحمِ ، إجعلْ لهُ في قلبِكَ من المودةِ وفي تصرفِكَ من التقديرِ ، ما يجعلُهُ يحمدُ اللهَ ويشعرُ أنهُ في جُوقةِ خيرٍ تحمِلُهُ وتسدُّ ضعفَهُ وترتُقُ شيبتَهُ إفسحْ لهُ الطريقَ وافسحْ لهُ المجلسَ ، قُمْ من مكانِكَ ليجلسَ فيهِ ويستريحَ ، في الترمذيِّ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أنه قَالَ: جَاءَ شَيْخٌ يُرِيدُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم فَأَبْطَأَ الْقَوْمُ عَنْهُ أَنْ يُوَسِّعُوا لَهُ ، فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم ( لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا )
إذا رأيتَهُ مهموماً مغموماً فاجلسْ إليهِ وحادِثْهُ ولاطِفْهُ حتَّى يزولَ ما بِهِ من غَمٍّ ، إذا رأيتَهُ وحيداً يستشعرُ الوحشةَ فاطردْ عنهُ أشباحَهاَ بالزيارةِ والتفقُّدِ وقضاءِ الحاجةِ والإحسانِ ولو بكلمةٍ طيِّبةٍ وابتسامةٍ مشفقةٍ مورقةٍ ، رحمتُكَ أيها المسلمُ بهؤلاءِ المسنينَ إنَّما هي شكرٌ لِماَ أنعمَ اللهُ عليكَ من شبابٍ وفتوةٍ ، وادخارٌ واستذخارٌ ، لرحمةٍ تحتاجُهاَ في مقبلِ أيامِكَ ، مِنْ أبنائِكَ ومجتمَعِكَ ، فكما تدينُ تُدانُ ، وسيقيِّضُ اللهُ لكَ منْ يرحَمُكَ كما رحِمْتَ غيرَكَ ، أيُّها الشبابُ : وعدَ رسُولُ اللَّهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ الشابَّ الذِي يُكرمُ المسنينَ ، بأنَّ اللهَ تعالَى سيسخِّرُ لَهُ مَنْ يكرِمُهُ فِي كبرِهِ ففي الترمذي ، قَالَ صلى الله عليه وسلم ( مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخاً لِسِنِّهِ إِلاَّ قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّهِ )
وقدْ كانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُكْرِمُ كبارَ السنِّ ويَعرفُ قدرَهُمْ، ففي مسندِ الإمامِ أحمدَ ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ الصديقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ: لَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ وَدَخَلَ الْمَسْجِدَ أَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ بِأَبِيهِ( أبي قحافة ) يَقُودُهُ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ( هَلاَّ تَرَكْتَ الشَّيْخَ فِى بَيْتِهِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا آتِيهِ فِيهِ ) قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ أَحَقُّ أَنْ يَمْشِىَ إِلَيْكَ مِنْ أَنْ تَمْشِىَ أَنْتَ إِلَيْهِ . قَالَ: فَأَجْلَسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ مَسَحَ صَدْرَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ ( أَسْلِمْ فَأَسْلَمَ ) وقدْ بشَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ يوقِّرُ الكبيرَ بمرافقتِهِ فِي الجنةِ، ففي شعب الإيمان ، عَنْ أَنَسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ ( يَا أَنَسُ وَقِّرِ الْكَبِيرَ وَارْحَمِ الصَّغِيرَ تُرَافِقُنِي فِي الْجَنَّةِ )
اللهمَّ أعنَّا علَى البرِّ بالوالدينِ والإحسانِ إليهِمَا، واجعلْنَا ممنْ يوقرُ كبارَ السنِّ ويقومُ علَى رعايتِهِمْ وخدمتِهِمْ. اللهمَّ وَفِّقْنَا لطاعتِكَ وطاعةِ مَنْ أمرتَنَا بطاعتِهِ ، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولكُمْ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانيةُ
الحَمْدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَه، وأَشْهَدُ أنَّ سيِّدَنا محمَّداً عبدُهُ ورسولُهُ، اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى سيدِنَا محمدٍ وعلَى آلِهِ الطيبينَ الطاهرينَ وعلَى أصحابِهِ أجمعينَ ، والتَّابعينَ لَهُمْ بإحسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أمَّا بَعْدُ أيها المسلمون : فإنَّ كبارَ السنِّ همُ الصلَةُ بيْنَ الماضِي والحاضِرِ، فالماضِي الذِي نعتزُّ ونفاخِرُ بهِ هُمْ صُنَّاعُهُ وروَّادُهُ، والحاضرُ الذِي ننعَمُ فيهِ بالخيرِ واليمنِ هُمْ مَنْ وَجَّهَ إليهِ ودلَّ عليهِ ، نسأل الله أن يوفقنا لرعايةِ المسنينَ والاعتناءِ بِهِمْ، وردِّ الجميلِ إليهِمْ، ورَفْعِ قدْرِهِمْ، فاحترامُ الكبيرِ وتوقيرُهُ ومساعدتُهُ خلقٌ كريمٌ ومظهرٌ حضاريٌّ وبابٌ مِنْ أبوابِ الخيرِ، ففي مسند الإمام أحمد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( تَدُلُّ الْمُسْتَدِلَّ عَلَى حَاجَةٍ لَهُ قَدْ عَلِمْتَ مَكَانَهَا ، وَتَسْعَى بِشِدَّةِ سَاقَيْكَ إِلَى اللَّهْفَانِ الْمُسْتَغِيثِ، وَتَرْفَعُ بِشِدَّةِ ذِرَاعَيْكَ مَعَ الضَّعِيفِ كُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَبْوَابِ الصَّدَقَةِ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ )
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أُمِرْتُمْ بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْه، قَالَ تَعَالَى:( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)