ابو ضاري
05-04-2011, 02:13
الصفويون ودورهم الهدام في تاريخ الأمة ؟
[/URL]
[URL="http://www.lojainiat.com/index.cfm?do=cms.author&authorid=1625"]عمار المشهداني (http://www.lojainiat.com/attach/files/2009/11/بدون-عنوان-84_b.jpg)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى أله وصحبه ومن والاه وبعد :
كثيرة هي المحطات في تاريخ أمتنا الطويل والتي تستحق منا وقفات تأمل واستبصار لا للتغني أو التأسي بها بل ليكون هذا التأمل والاستبصار معينا على فهم الواقع المعاصر وملابساته ولمعرفة خلفيات الكثير من الظواهرو الأحداث والرموز الكبيرة المؤثرة في هذا العصرو التي غفل عنها البعض أو تغافلوا ولكي يكون ذلك أيضا عاملا مساعدا لفهم حركة التاريخ وفهم السنن الإلهية المضطردة في الأفراد والأمم والمجتمعات والتي تحكم هذه الحركة ، ولكي يكون ذلك أيضا دافعا لنا للانطلاق للأمام ومحفزا لعملية التغيير الايجابي المنشود الذي يتجاوز المظاهر الخادعة والشعارات الرنانة والعناوين الكبيرة التي يراد لها أن تعبر عن حقائق لها ما يسندها دينيا أو تاريخيا وواقعيا بزعم من يروجون ويطبلون لها صباح مساء ؟
إن دراسة العهد ألصفوي وتاريخ الصفويين من تلك المحطات التي تحتاج إلى مثل هذه الوقفات المتأملة المستبصرة وذاك يعود في نظرنا إلى عدة أسباب منها:
أولا :إن عهد الصفويين ليس عهدا بعيدا من الناحية الزمنية فتاريخ ظهورهم على مسرح الأحداث كان على يد زعيمهم إسماعيل ألصفوي عام 1501م أي قبل حوالي خمسة قرون تقريبا !.
ثانيا :إن دولتهم التي أسسها إسماعيل ألصفوي على كامل الأراضي الإيرانية تقريبا كانت دولة قوية واستطاع الشاه أن يوسعها ويضم لها العديد من المدن والأقاليم التي كانت متفرقة ومتشرذمة عقب انحطاط دولة تيمورلنك وتفككها إلى دويلات متناحرة .
ثالثا : إن هذه الدولة اتخذت من المذهب الشيعي ألاثني عشري مذهبا رسميا للبلاد وفرضته بقوة السلاح والإرهاب أصبحت الممثلة الرسمية له والمدافعة عنه بوجه الدولة العثمانية التي كانت تمثل الإسلام السني وقد كان ذلك التضاد في التوجهات مفتاحا لصراع دموي دام زهاء الثلاث قرون .
رابعا : إن الصراع الطويل بين العثمانيين والصفويين لم يكن عسكريا فحسب بل كان صراعا فكريا أيضا ولعل ذاك اخطر مافيه وبالنسبة للصفويين كان صراعهم مع العثمانيين ليس صراع إثبات وجود فحسب بل هو صراعا على الزعامة اوالمرجعية الإسلامية التي يدعون إنهم يمثلونها وبإيحاء من تلك المعتقدات ذات التوجه الباطني التي تعطي لهم هذا الحق بزعمهم ؟.
خامسا :إن الصفويين إبان نشأت دولتهم قد احيوا بعض العقائد والمعتقدات الشيعية المغالية والتي اندثرت مع انهيار دولة البويهيبن في بغداد والدولة الفاطمية في مصر ولا عجب أن تشير بعض المصادر التاريخية إلى وجود آثار لبعض أتباع الفاطميين ومواليهم في تلك الدولة الناشئة مع التذكير إن دور الصفويين لم يقتصر على الإحياء بل التطوير والتجديد والابتكار بحيث انتهت إليهم زعامة الفكر الشيعي الذي لازالت اغلب مظاهره موجودة ومؤثرة إلى وقتنا هذه ؟
سادسا : إن تاريخ الدولة الصفية ليؤكد مرة أخرى على دور اليهود في كل عصر وفي كل زمان وفي كل حدث وبنسق لايوحي بالعجب فحسب بل لقدرة هذه الجماعة على التغلغل والتأثير في حركة التاريخ وعلى طول الخط وكما سنرى
سابعا :إن نشأة الفكر ألصفوي في تلك الرقعة من العالم إلى يشير إلى خطورة دور البيئة الفاسدة في نشأة الفرق و الطغاة والعقائد المنحرفة والى دور الاستبداد من جهة أخرى في المساعدة على نشرها وكذلك إلى أساليب بعض الكذابين في التأثير على العوام ومدى خطورة أن تترك البدع تعشعش في المجتمعات الإسلامية وأن تهمل لأنها سوف تتشعب و تنتشر في المجتمع وتتجدد مع الزمن و مع توفر الضر وف الملائمة وبأثواب أخرى وطرق متنوعة .
ومن هذه المقدمة البسيطة سنحاول تسليط الضوء على هذه الفرقة التي لعبت دورا مهما وخطيرا ومؤثرا في تاريخ امتنا الإسلامية
من هم الصفويون ؟
ينسب الصفويون كما تؤكد المصادر التاريخية إلى الشيخ اسحق صفي الدين بن جبرائيل الاردبيلي 650-735ه 1252-1334 م وهو الجد الأعلى لإسماعيل ألصفوي مؤسس الدولة الصفوية وهو تركماني الأصل من مدينة اردبيل في أذربيجان وتبعد 35 ميل عن الساحل الجنوبي الغربي لبحر قزوين
ويزعم مؤرخو الدولة الصفوية إن صفي الدين هذا من أحفاد الإمام موسى الكاظم - رضي الله عنه- شأنهم بذلك شأن كل المتصوفة الذين يستغلون هذه الصلة لتسهيل نشر أفكارهم ومعتقداتهم مستغلين بذلك تعاطف الناس وانجذابهم لكل ما يمت للنبي عليه الصلاة والسلام بصلة .
وتؤكد المصادر أيضا انه هو وابنه صدر الدين كانا من أهل السنة الشوافع المذهب وكان صفي الدين من المتصوفة وله تنسب الطريقة الصفوية في اردبيل مسقط رأسه وكان له عدد كبير من الأتباع والمريدين والمتصوفة والدراويش الذين نشروا دعوتهم في كل الأرض الإيرانية وفي العراق وبلاد الشام ومدن أخرى وكانت طريقتهم غاية في الغلو الباطنية.علا غرار الطرق الموجدة حينها في بلاد الأناضول
ومن هذه الطرق المشهورة الآخية والبكتاشية و من هنا كانت بداية الانحراف
يقول الأستاذ علاء الدين المدرس في كتابه الصراع ألصفوي العثماني (إن حفيد صفي الدين- الخوجة علي- والذي تولى رئاسة الطريقة سنة 801 هـ/1339م تحول إلى التشيع وكان معتدلا غير متعصب لمذهبه الجديد غير إن ابنه إبراهيم أصبح متعصبا ومتحمسا لاثني عشرية فقاد أتباعه للصراع مع أهل السنة في داغستان وخلف في نفس الطريقة ابنه الشيخ حيدر والد إسماعيل ألصفوي والذي تولى رئاسة جماعته سنة 859هـ/1455م وكان أتباعه من التركمان وليس الإيرانيين وكانوا يسمون بالفزلباشية أي ذوو الرؤوس الحمراء وقد تزوج الشيخ حيدر من مارتا بنت حسن الطويل مؤسس دولة الخروف الأبيض التي حكمت شمال غرب إيران وأمها أي زوجة حسن الطويل مسيحية اسمها كاترينا وهي ابنة كارلو يوحنا ملك مملكة طرايزون اليونانية ، يقول كارل بروكلمان : والى هذه المصاهرة بالأسرة اليونانية يعود أصل عداء إسماعيل ألصفوي للعثمانيين الذين كانوا في عهد سلطانهم محمد الثاني قد قضوا على تلك الأسرة الحاكمة لطرايزون وقاموا بسوق آخر أباطرتها ونبلائها ومعظم سكانها إلى أسواق الرقيق) ويريد هذا المستشرق أن يعود بسبب الصراع ألعثمانيي ألصفوي إلى سبب عائلي شخصيي – ولا يخفى على احد مالهذا الإيحاء من دلالات - مستبعدا العامل المذهبي وهذا ليس صحيحا بل العاملين معا كانا سببا في الصراع .
وكان الشيخ حيدر متعصبا لمذهبه مقاتلا في سبيله حتى قتل في صراعه مع ملك شيروان الفارسي المتعصب لسنيته وكان من أعمال الشيخ حيدر ألصفوي انه نسب إليه تشكيل القوات العسكرية الصفوية و ابتكار رداء للرأس سمي - تاج حيدري - وهو عبارة عن عمامة قرمزية بها اثنا عشر قنزعة ) نسبة إلى عدد الأئمة الاثنى عشر عند الشيعة وخلفه ثلاثة أولاد أصغرهم كان إسماعيل
إسماعيل ألصفوي وبداية الدولة الصفوية
من الطبيعي إن تكون لكل تلك الظروف الإحداث والمواقف والمتغيرات عوامل البيئة الوراثة تأثيرها في شخصية الشاه إسماعيل مؤسس الدولة الصفوية فهو نشأ في بيئة مضطربة تعج بالفتن والحروب والخرافة والخزعبلات التي أوجدتها الفرق الصوفية الغالية والضالة والتي ينحدر الشاه نفسه من احدها، وأيضا أجداده قد عاشوا في كنف تيمور لنك الذي قربهم منه مع كل أصحاب الطرق الصوفية لأسباب سياسية نظرا لمكانتهم بين الناس حينها ومعروف عن تيمور لنك هذا انه كان من أبشع الحكام سيرة وسريرة في ذاك العصر وأكثرهم فتكا وتعصبا وكان الصوفية المعاصرين له وكما يقو ل الدكتور كامل ألشيبي في كتابه الفكر الشيعي والنزعات الصوفية ( يدعون له ويؤيدونه ويعتبرون أعماله كرامات صادرة عن الهام الهي وهاتف سماوي وأنباء الغيب ) واخذ يتقرب من شيعة خراسان الذين اشتد أمرهم هناك ولكي يبسط نفوذه عليهم بسك العملة بأسماء الأئمة ألاثني عشر و والخطبة بأسمائهم واحتل الشام تحت شعار الانتقام من أبناء يزيد ثأرا للحسين رضي الله عنه. هذا في ما يتعلق بالبيئة الخارجية التي نشأ فيها إسماعيل ألصفوي وأجداده
ومن جهة الأسرة فقد نشأ يتيم الأب فقد قتل أبوه وعمره سنة واحدة ولا يخفى على احد أن لوالدته مارته بنت حسن الطويل وأمها المسيحية كاترينا دور مهم في تربيته بعد وفاة أبيه المبكرة .
تولى الزعامة وعمره لم يتجاوز الثلاث عشرة سنة وخاض عدة معارك طاحنة مع ملك شيروان ثأرا لجده وأبيه الذين قتلا هناك والحق الهزيمة بملكها - فرخ يسار -وذلك سنة 1500م وتذكر المصادر التاريخية ومنها البدر الطالع في محاسن القرن السابع أن الشاه إسماعيل وإمعانا في قسوته وحقده وضع - فرخ يسار- ملك شيروان الذي وقع أسيرا - في قدر كبير وأمر أتباعه بأكله ؟ وتمكن بعدها من الاستيلاء على تبريز بعد معارك مع الوند ميرزا حاكم ألآق قوينلو في أذربيجان وانتصر عليهم وهناك أعلن قيام الدولة الصفوية عام 907 هـ/ 1501 م ووضع تاج أبيه ألديباجي على رأسه واستطاع خلال سنوات من توسيع حدود دولته وأصبحت عاصمتها أصفهان حيث ضم إليها ما وراء النهر وقفقاسيا والعراق
كيف نشر إسماعيل ألصفوي في إيران
لقد كان هذا الرجل داهية عصره وسفاح زمانه وكان طموحه المجنون لايحده حد استطاع أن يفرض المذهب الشيعي على أتباعه وجنوده أولا بغية التمايز المذهبي ثم عمد إلى نشره بين الإيرانيين بالقوة واستخدم لذلك كل الوسائل المتاحة سواء ماكان منها يعتمد عل القوة والسلاح والقهر أو تلك التي تعمد الإيحاء والمكر والتأثير النفسي ودغدغة مشاعر العوام وتهييج عواطفهم بشتى الوسائل من الناس الذين يسير بعضهم خلف كان ناعق وصاحب سلطان وكانت جل دعوته تركز على إظهار السب واللعن للخلفاء الراشدين الثلاثة وقد قام بامتحان الإيرانيين بذلك وأمر بأن يعلن السب في الشوارع وعلى المنابر و في الأسواق
وتذكر المصادر التاريخية تفاصيل مروعة عن طريقة نشره للمذهب الشيعي في إيران حيث يقول عنه قطب الدين الحنفي وكما جاء في كتاب البدر الطالع لمحاسن من بعد القرن السابع( انه قتل زيادة على ألف ألف نفس بحيث لا يعهد في الجاهلية ولا في الإسلام ولا في الأمم السابقة من قبل في قتل النفوس ما قتل إسماعيل ألصفوي وقتل عدة من أعظم العلماء بحيث لم يبقى من أهل العلم احد من بلاد العجم واحرق جميع كتبهم ومصاحفهم وكان شديد الرفض بخلاف أبائه )
وتؤكد المصادر أيضا انه لما دخل بغداد سنة 1508 م أعلن سب الخلفاء وقتل الكثير من أهل السنة ونبش قبر الإمام أبي حنيفة – رضي الله تبارك وتعالى عنه .
أما الأسلوب الثاني فكان أسلوبا ماكرا باطنيا خبيثا متسلسلا ابتدأ أولا مع بداية دعوته وكما تذكر كتب التاريخ الشيعي ومنها كتاب تاريخ الشاه إسماعيل وكتاب عالم آراي صفوي ( إن إسماعيل اخذ إجازة من المهدي المنتظر في الثورة والخروج على أمراء التركمان الذين كانوا يحكمون إيران وانه كان مرة في رحلة صيد فدخل كهفا وخرج وادعى انه التقى بالمهدي وانه حثه على اعلان الدولة الصفوية وقد ادعى بعد ذلك انه رأى الأمام علي في المنام ) ومن هنا كانت هاتين الدعوتين مسوغا كافيا لإعلان دعوته وإنشاء دولته وبتعبير الأستاذ احمد الكاتب –الكاتب الشيعي المعتدل المعروف –فإن هاتان الدعوتان أتاحتا للحركة الصفوية أن تتحرر من فكرة انتظار الإمام وتأسيس الدولة ألاثني عشرية وبناءا على ذلك فقد كان الشاه يعتبر نفسه نائب عن الله وخليفة رسول الله والأئمة المعصومين وممثل الإمام المهدي في غيبته وكان جنوده يعتبرونه تجسيدا لروح الله )
يقول الدكتور مصطفى ألشيبي (لقد كان إسماعيل رجلا صوفيا ومن شأن الصوفية أن تؤمن بالكشف أي الإلهام الغيبي وقد كان يعلن لمريديه انه لا تحرك الابمقتضى أوامر الأئمة ألاثني عشر وانه معصوم وليس بينه وبين المهدي فاصل.
ولا يخفى على احد إن هذه الأفكار هي التي شكلت النواة الأولى لفكرة ولاية الفقيه التي أقام الخميني قائد الثورة الإيرانية على أساسها دولته عام 1979 م ولا زالت لحد الآن.
ومن الأساليب التي اعتمدها الشاه إسماعيل أيضا في التأثير على العوام انه أمر بتنظيم الاحتفال بذكرى مقتل الحسين السبط – رضوان الله عليه – رغم انه تقليد بال كان على أيام البويهيين وكان قد أمر به معز الدولة بن بويه – قبحه الله - سنة 352هـ وأمر كذلك وكما يقول ابن كثر في البداية والنهاية ( أن تغلق الأسواق وان يلبس النساء المسوح من الشعر وان يخرجن في الأسواق حاسرات عن وجوههن ناشرات شعورهن يلطمن وجوههن وفي عشر ذي الحجة أمر كذلك بإظهار الزينة في بغداد وان تفتح الأسواق في الليل كما في الأعياد وان تضرب الدبادب والبوقات وان تشعل النيران في أبواب الأمراء وعند الشرط فرحا بعيد الغدير – غدير خم – فكان وقتا عجيبا وبدعة شنيعة ظاهرة منكرة ) وقد قام الشاه بتطوير هذه البدعة وأضاف لها مجالس التعزية وقد تطورت هذه البدع الشنيعة وفي عهد الدولة القاجارية ليصار إلى تمثيلها فيما يعرف بالتماثيل أو التشابيه واللطم وضرب السيوف وهو قريب مما بفعله بعض الصوفية قديما وحديثا التي تؤدى فيه الواقعة بشكل تمثيلي مؤثر في نفوس العامة في الشوارع وكل عام وقد أتت هذه الوسائل أؤكلها في تثبيت التشيع بصورته المغالية هذه ومعانا في بدعته فقد أمر بإدخال الشهادة الثالثة في الأذان تذكر بعض المصادر انه وفي فترات لاحقة كان يؤذن بأسماء الأئمة جميعا وكذلك صنع التربة الحسينية للسجود والتي لم تكن معروفة حتى أيام الدولة البويهية والفاطمية في القرنين الثالث والرابع الهجريين وكما صرح بذلك صاحب كتاب( من لايحضره الفقيه )
الصراع مع الدولة العثمانية وتآمره عليها
كان من الطبيعي أمام هذا الوضع الشاذ والغريب وأمام هذه المنكرات والبدع الامستحدثة وأمام هذا التغطرس ألصفوي الاسماعيلي أن تكون هناك ردة فعل عنيفة جدا لدى العثمانيين يقول الدكتور الصلابي في كتابه الدولة العثمانية : ( كان من لطبيعي أن يتصدى السلطان سليم زعيم الدولة السنية فأعلن ف اجتماع لكبار رجال الدولة والقضاة ورجال الساسة وهيئة العلماء في عام 920 هـ/1514 م أن اييران بحكومتها الشيعية ومذهبها الشيعي يمثلان خطرا لا على الدولة العثمانية بل على العالم الإسلامي كله وانه لهذا يرى الجهاد المقدس ضد الصفويين ) وقد مكن الله تعالى العثمانيين من سحق الصفويين على أرضهم في معركة جالديران عام 1514م واضطر بعدها الشاه للفرار هو من بقي معه ووقعت إحدى زوجاته في الأسر غير أن ترك السلطان سليم الشاه إسماعيل يفر مع عدم تعقبه بسبب فتنة الانكشارية في جيشه الذين امتنعوا عن المطاردة بحجة البرد ونقص المئونة مما أضاع علي العثمانيين فرصة القضاء على الدولة الصفوية نهائيا .
ومن هنا نجد أن الشاه وبعد آن التقط أنفاسه بدء بالتآمر على الدولة العثمانية من خلال الاتصال بالصليبيين وابتدأ مع البرتغاليين الذين تحالفوا معهم وكما يقول الدكتور زكريا بيومي انه ( اقر استيلائهم على هرمز في مقابل مساعدته على غزو البحرين وقطيف إلى جانب تعهدهم بمساندتهم ضد قوات الدولة العثمانية)
ولقد سن الشاه بهذا العمل سنة سيئة له ولأولاده ولأحفاده بالتحالف مع الكفرة تأسيا بمن سبقه من أجداده من الفاطميين وغيرهم من الذين لعبوا ذات الدور وكانوا سببا في سقوط بغداد على يد هولاكو سنة 656ه وهما القصير الطوسي وابن العلقمي وقد قال الخميني عن هذين الرجلين في كتابه الحكومة الإسلامية( أنهما قدما للإسلام خدمة عظيمة ؟ )
وتذكر المصادر التاريخية المؤكدة إن طهماسب ابن الشاه إسماعيل و كما يقول ستيفن لونكريك في كتابه أربعة قرون من تاريخ العراق (انه استهل عهده بإرسال الوفود والسفارات إلى أوروبا للتنسيق مع ملوكها بهدف موجهة العثمانيين ) حيث قام حفيده الشاه عباس الكبير الذي استعان بالانكليز في تدريب جيشه ووفق الطرز الانكليزية الحديثة وقتئذ وتمكن بمعيتهم من طرد البرتغاليين من مضيق هرمز وتمكن أيضا من احتلال بغداد عام مرة أخرى عام1623م وبعد حصار مرير دام ثلاث أشهر يقول الدكتور علي الوردي في كتابه لمحات اجتماعية( إن الشاه عباس فعل ببغداد عند احتلالها مثلما فعل جده الشاه وربما زاد عيليه فقد هدم مرقد الإمامين أبي حنيفة وعبد القادر الكيلاني رضي الله عنهما وقتل عددا كثيرا من أهل السنة وقد نجا الباقون بشفاعة كليدار الحضرة الحسينية )
ويقول الأستاذ علاء المدرس ( في سنة 1708م قام الشاه حسين ألصفوي بإرسال وفد رسمي إلى ملك فرنسا لويس الرابع عشر ووقع معاهدة تحالف بين فرنسا وإيران نصت في إحدى موادها على أن يقوم الفرنسيون بإرسال أسطول إلى الخليج العربي لمساعدة إيران على احتلال مسقط)
ولعا اخطر ما في هذه التحالفات المستمرة والمتعاقبة في كل مراحل التاريخ هو بعدها الفكري الذي استمر أثره حتى بعد زوال الدولة الصفوية بقرون ومجي دول أخرى على ارض فارس تحمل نفس التوجهات و إن بدرجات متفاوتة لكنها ضلت تشير إلى تلك الجذور الضارية في القدم والتي تستهدف نشر التشيع بأي وسيلة وهذا ماتم بالفعل إذ تحالفت الدولة القاجارية منتصف القرن التاسع عش مع الانكليز ووضعوا خطة محكمة لنشر التشيع بين العشائر العربية في جنوب العراق والخليج وتعهدت كما يقول الأستاذ علاء المدرس ( الحكومة الانكليزية بتسهيل مهمة الوافدين الإيرانيين واستحصال موافقة والي بغداد والباب العالي العثماني على ذلك و الترتيبات اللازمة له ويتعهد الجانب القاجاري بإرسال رجال الدين والأموال اللازمة لتنفيذ تلك الخطة وذلك بغية زعزعة قبضة الدولة العثمانية ووالي بغداد على العراق والخليج لتغمين طريق الهند التجاري والعسكري من خلال السيطرة الانكليزية على الطريق البري والبحري الإستراتيجي المتمثل بخط الشام – بغداد – البصرة – البحرين – رأس الخيمة – مسقط – موانئ إيران الجنوبية – الهند وفعلا تم تحويل انتماء بعض العشائر العربية إلى التشيع ألصفوي لتكفير باقي المسلمين وضمان ولائهم لإيران بما يعود إلى أضعاف العراق واستفادة السياسة الاستعمارية الانكليزية من الورقة الطائفية .
ويؤكد السيد حسين الموسوي – نظر الله وجهه- هذه الحقائق المرة وهو من علماء النجف المعروفين وصاحب الكتاب التصحيحي الشهير – لله ثم للتاريخ – إذ يقول في كتبه هذا الذي أولف أواخر التسعينات ( لقد رحت ابحث عن سبب كوني ولدت شيعيا وعن سبب تشيع أهلي وأقربائي فعرفت إن عشيرتي كانت على مذهب أهل السنة ولكن قبل حوالي مئة وخمسين سنة – أي منتصف القرن التاسع عشر بالضبط – جاء من إيران بعض دعاة التشيع إلى جنوب العراق فاتصلوا ببعض رؤساء العشائر واستغلوا طيب قلوبهم قلة علمهم فخدعوهم بزخرف القول فكان ذلك سببا في دخولهم في النهج الشيعي فهناك الكثير من العشائر والبطون تشيعت بهذه الطريقة بعد أن كانت على مذهب أهل السنة ومن الضروري – والكلام له - أن اذكر بعض هذه العشائر أداء للأمانة العلم فمنهم بنو ربيعة وبنو تميم والخز اعل والزبيدات والعمير وهم بطن من تميم والخزرج وشمر طوكة والدوار والداففعة وال محمد وهم من عشائر العمارة وعشائر الديوانية وهم آل اقرع وال بدير عفج والجبور والجليحة وعشيرة كعب وبنو لام وغيرهم كثير وهولاء كلهم من عشائر العراقية الأصيلة المعروفة وهم معروفون بشجاعتهم وكرمهم ونخوتهم وهم عشائر كبيرة لها وزنها وثقلها ولكن مع الأسف تشيعوا منذ أكثر من مئة وخمسين سنة بسبب موجات دعاة الشيعة الذين وفدوا إليهم من إيران فاحتالوا عليهم وشيعوهم
بطريقة أو بأخرى ) وهذه الحقائق معروفة وثابتة في العراق وباعتراف أهلها ولا ينكرها إلا متعصب أو جاهل أو معاند
اليهود ودورهم في معاونة الصفويين ليس غريبا أبدا أن تجد لليهود دور في كل ما يجر في العلم من أحداث في القديم
و الحديث و إن المتتبع لدورهم ليجد لهم موطئ قدم في كل مكان وليجد لهم دورا وإن كان دائما غير معلن خلف كل حدث
و من الجدير بالذكر إن تاريخ تواجد اليهود في أراضي الدولة العثمانية إنما يعود إلى عهد السلطان العثماني بايزيد الثاني فهو الذي سمح لهم بالهجرة إلى الدولة العثمانية هربا من أوربا التي طردهم ملوكها منها وقد اقطعهم بعض المناطق الغنية فأعطر لهم ذلك و كما يقول الدكتور احمد ألنعيمي ( إمكانية الإثراء لهولاء في الوقت الذي تميز هولاء بالفقر والعوز والمجاعة في مضى) قد استغل اليهود هذا الثراء أحسن استغلال كعادتهم حيث يذكر صاحب كتاب خلاصة تاريخ بغداد للأب انستانس الكر ملي ( وكان الشاه إسماعيل قد قتل كثيرا من مسلمي السنة وذبح جميع نصارى المدينة بغداد أما اليهود فإنه لم يتعرض بهم وكانوا يهدون له الهدايا الجليلة والأموال الطائلة لاحتياجه إليها يومئذ وان الشاه إسماعيل لم يعاد اليهود وترك لهم الحرية في أعمالهم وأشغالهم )
ولم يقتصر دور اليهود على رعايا الدولة العثمانية فقط بل شمل حتى أولئك الذين يعيشون خارجها ويؤكد يوسف غنيمة في كتابه نزهة المشتاق من تاريخ يهود بغداد 0 إن الموفدون البنادقة – نسبة لمدينة البندقية الايطالية وجلهم يهود – كانوا يحثون الشاه للقيام بذلك الغزو للأطراف الشرقية الدولة العثمانية ويعملون بحذق لتسليط قوة الشاه في حرب على مؤخرة العثمانيين فحرب كهذه ستخفف الضغط على فيينا وايطاليا والبحر المتوسط إذا أمكن إيقاد نارها )
موقف علماء ومفكري الشيعة من الدولة الصفوية
اغلب مراجع الشيعة تقريبا ومفكريها قديما وحديثا يدينون ضمنا وعلنا بالولاء والفضل للدولة الصفوية ولا يصدقون أو يبررون الكثير من إعمالها وذاك إنها في نظرهم سبب المحافظة على الكيان الشيعي وسبب انتشار التشيع وكذلك كانت من وجهة نظرهم سدا مانعا بوجه من يريدون الشر الشيعة بدليل إقرارهم لكل البدع التي أحدثوها وعدم إنكار شيء منها ومحاولتهم تأصيلها شرعيا و السعي لترسيخها بشكل متعمد في عقول أجيالهم مسخرين لأجلها كل الإمكانات والوسائل الإعلامية التقليدية والعصرية وبنسق لايوحي الا باعتقادهم بها وإيمانهم بأنها جزء لايتجزأ من فكرة التشيع لأهل البيت رضوان الله عليهم جميعا ضاربين بعرض الحائط إجماع الأمة المحمدية على خلافه .
يقول محسن الأمين العالمي وهو من أكابر علمائهم في كتابه الشيعة في مسارهم التاريخي وفي موقف المتظلم (وكان سلاطين بني عثمان لايزالون في حروب مع سلاطين الفرس الصفوية وقتل السلطان سليمان العثماني من الشيعة في الأناضول أكثر من أربعين ألف لم يكن له ذنب إلا أنهم شيعة )
فالرجل يسميهم سلاطين ولا يتعرض إلى شيء من فضائعهم في كل كتابه المذكور. وهو ماكر ره الخميني أيضا في كتابه كشف الأسرار دون أن يتعرض لهم بكلمة ؟
وليس هذا الحكم مطلقا بل وجد من نور الله عقله وقلبه وقاموا بجهود مشكورة في الإصلاح منهم السيد موسى الموسوي في كتابه الشيعة والتصحيح والسيد حسين الموسوي في كتابه - لله ثم للتاريخ - ومنهم أيضا الأستاذ حسن العلوي والسيد احمد الكاتب وله عدو كتب منها تطور الفكر الشيعي، والسنة والشيعة وحدة الدين وخلاف السياسة والتاريخ وهو احدث مؤلفاته ويقول في كتابه الأخير عن الصفويين( ومن المؤسف أن بعض الدول كالدولة الصفوية التي سيطرت على بلاد فارس غفي القرن العاشر الهجري وما بعده قد استغت ذلك التراث السلبي الأسطوري في صراعها مع الدولة العثمانية لكي تشن حملة شعواء على أهل السنة وتسن بدعة السب والعن للخلفاء الراشدين وتقيم دولة دكتاتورية مستبدة ابعد ماتكون عن سياسة أهل البيت أو عدالة الإسلام ولكنها تتظاهر بالتشيع القشري الممسوخ البعيد كل البعد عن التشيع الأول
ويضيف : مع إن الدولة الصفوية ذهبت مع التاريخ إلا أنها تركت بصماتها المشئومة على العلاقات الأخوية بين السنة والشيعة وخلفت ورائها تراثا ثقافيا متعفنا مليئا بالأحقاد )
أهم علماء الدولة الصفوية
من أهم علماء الدولة الصفوية المدعو الشيخ علي الكركي ألعاملي وكان الشاه طهماسب ابن الشاه إسماعيل قد استقدمه من جبل عامل في لبنان ؟
ولهذا الرجل دور كبير وأساسي في تثبيت التشيع ألصفوي لأنه هو الذي أبطل نظرية انتظار الإمام التي كان الشيعة يعملون بها طيلة فترة الغيبة المزعومة زمن ثم أجاز للشاه بفتاويه الحكم نيابة عن الإمام المهدي المنتظر.
وكما انه الذي اقر بدع السب والشهادة الثالثة في الأذان وأضاف لها بدعة المشي إلى كربلاء لغرض زيارة الإمام الحسين – رضي الله تعالى عنه – في العاشر من شهر محرم ووصولا إلى الأربعين في العشرين من شهر صفر والتي لازال العمل عليها إلى حد الآن .
ومن ابرز علماء الفترة الصفوية أيضا المدعو الملا محمد باقر ألمجلسي وهو من أهم علمائهم وأكثرهم تشددا ومن أهم كتبه وأكثرها شهرة كتابه بحار الأنوار يقول الخميني عن هذا الكتاب ( هو من تأليف العالم المعظم والمحدث الرفيع محمد باقر ألمجلسي وهو مجموعة تقرب من أربعمائة كتاب ورسالة فهو في الحقيقة مكتبة صغيرة تسمى باسم واحد ) ويعتبر من أهم كتب الشيعة الإمامية وهو مليء بالأحاديث والروايات والقصص والأساطير والأخبار من كل لون ولقد استغله الخطباء والمنبريون وقراء مجالس العزاء والعلماء أيضا حين اتخذوه مصدرا أساسيا لكونه في متناول أيديهم فملئوا أذان الناس العوام بالخرافات والدجل والأوهام شانه بذلك شأن كتب بعض المتصوفة في العصور الإسلامية المتقدمة التي تلت العصور المباركة والتي ملئت بالغث والسمين من الأحاديث والأخبار ومن خلال اطلاعي الشخصي على بعض أجزاء هذا الكتاب وجدت فيه الكثير من الروايات الباطلة التي بتداولها الصوفية - السنة - كتلك التي تتعلق بأخبار النبي عليه الصلاة والسلام قبل البعثة وغيرها .ولقد اهتم الساسة الصفو يون بهذا الكتاب أيما اهتمام حتى إن الشاه سليمان أوقف له أملاكه الخاصة في سيبل نسخه وتوفيره للطلبة وقامت الدولة القاجارية بعدئذ بالاستعانة بالمطابع الحجرية لذات الغرض ونشرته في العراق والخليج وكما يؤكد ذلك العلامة علي الوردي في كتابه لمحات اجتماعية
توفي هذا الرجل عام 1699م أي قبل سقوط الدولة الصفوية بثلاث وعشرين سنة .
إن وجود هذين الرجلين لايعني إن كل علماء الشيعة وقتئذ كانوا يوافقوهم في كل بدعهم وقد أكدت والمصادر الموثقة وقوف العديد من علماء الشيعة بوجه هذه التوجهات والفتاوى المستحدثة ومن هولاء الشيخ إبراهيم القطيفي ألنجفي والشيخ محمد البهائي والشيخ حسن بن عبد الصمد الذي هجر ديار الصفويين واستقر في البحرين وخلفه ابنه حسن البهائي وهولاء كلهم ظهر منهم مقاومة صريحة للفكر ألصفوي واستهجان صريح لأولئك الذين اختاروا أن يكونوا خَدَمة للعرش ألصفوي
هلاك إسماعيل ألصفوي ونهاية دولته
في عام 1524م هلك الشاه إسماعيل ألصفوي إذ لم يبارك الله في عمره فما ت ولما يتجاوز السابعة والثلاثين من العمر وورث ابنه طهماسب ثم ابنه الشاه عباس
وقد انهارت الدولة الصفوية عن وانمحت عن الوجود على يد إحدى القبائل الأفغانية عام أي بعد1722 دام أكثر من قرنين ومن الجدير بالذكر إن الصفويين قد احتلوا أجزاء واسعة من بلاد الأفغان واضطهدت الأفغان فيها كعادتها مع المخالفين بسبب فشلها في تحويلهم إلى التشيع كما نجحت في إيران ومناطق أخرى وقد كان الأفغان يتحينون الفرصة للقضاء على الصفويين وابتدأت الشرارة الأولى على يد أمير ويس لكنه توفي عام 1715م وخلفه ابنه أمير محمود والذي نجح في دك معاقلهم و فتح عاصمتهم وإعلان انتهاء دولتهم للأبد وذلك عام 1722م كان آخر ملوكهم يدعى الشاه حسين
وبعد فترة زمنية تولى مقاليد الحكم فيها نادر شاه وذاك سنة 1736م و وهو صاحب فكرة المذهب الخامس وقد كاتب الدولة العثمانية بذلك وقد بدا من سياسته وفي أواخر عهده نفس تصالحي باتجاه العالم الإسلامي وهو الذي حصل في عهده المؤتمر التقريبي الأول برعاية عثمانية وذاك في عام 1743م والذي انتهى بمقررات جيدة خففت من حدة التوتر الطائفي بين الشيعة والسنة والذي كان من ابرز الثمار الخبيثة للصراع ألصفوي العثماني والذي تولى كبره الصفو يون الذين اختاروا أن يرسخوا الخلاف بين المسلمين من خلال اتخاذهم من التشيع الباطني أداة لتحقيق مكاسبهم وتطلعاتهم التي تعبر عن مكنونات أنفسهم التي استحكم فيها الحقد الطائفي والعرقي والشعوبي بمفهومه الضيق فأعمى بصائرهم وصدهم عن صوت الحق وزين لهم أعمالهم بمخالفيهم وتأمرهم على المسلمين واتصالهم فيما بعد بالصليبيين مما وفر لهم فرصة تخفيف القبضة العثمانية على أوربا التي سعت لإشغال المسلمين بالحروب الداخلية
وقد قتل نادر شاه نفسه على يد أتباعه الغلاة من الذين لن يعجبهم صنيعه وذاك بعد ثلاثة أشهر فقط من عقد المؤتمر وعمت إيران فوضى عارمة استمرت عقودا حتى ظهور الدولة القاجارية عام 1796 لتعود بإيران إلى نفس السياسة الصفوية الطائفية الباطنية الخبيثة وبنسق أكثر تطرفا وعنادا وليعود الصراع مرة أخرى بينهم وبين العثمانيين ولتعطي تأكيدا على المدى الذي تغلغل فيه الفكر ألصفوي وغدا ظاهرة مترسخة في العقول والضمائر وأدبيات الحياة الاجتماعية والثقافية وحكمت هذه الدولة إيران حتى العقد الثاني من القرن العشرين لتخلفها الأسرة البهلوية والتي أطاحت بها حكومة الثورة في إيران عام 1979م بقيادة الخميني. وهذه الثورة ورثت كل تلك التركة الثقيلة من الأفكار والمعتقدات وأعطت لها بعدا حيا من خلال استثمارها سياسيا وإضفاء البعد الدستوري والقانوني عليها وتأسيس نظام حكم يختزل هذه الأفكار والمعتقدات ويصوغها في قالب ديني مفترض من اجل ضمان دوامه وإمكانية حمايته ولإضفاء نوع من أنواع الشرعية الدينية عليه ولعل المادة الخامسة والأساسية – أي الغر قابلة للتغيير- من هذه الدستور توضح هذه الحقائق بصورة جليه
تقول هذه المادة : في زمن غيبة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه تكون ولاية الأمر وإمامة الأمة في جمهورية إيران الإسلامية بيد الفقيه العادل المتقي البصير بأمور العصر الشجاع القادر على الإدارة )
وقد مر بنا كيف استحدثت هذه البدعة في عهد الصفويين وغيرها وهي اليوم يراد لها أن تعبر عن مضمون سياسي متلبس بعباءة دينية غيبية باطنية المنحى والتوجه.
وبعد :
إن كاتب هذه السطور يقدم في هذه الجهد المتواضع الذي استمر معه طوال شهر رمضان المبارك خلاصة أفكار وحقائق لها صلة أكيدة بالواقع المعاش في بلده وفي بعض بلدان العرب والمسلمين
كتبها وهو يعلم - وقد اختار أن يكتب اسمه من غير تمويه - أنها ستفتح عليه أبوابا كان حريا به أن يغلقها ولو في هذا الوقت أو أن لايحاول فتحها أبدا وأن يستمع إلى صوت الناصحين بوجوب الحذر من التقرب من هكذا مواضيع قد يوقض صداها بعض خفافيش الظلام الذين يزعجهم أن يسمعوا صوت الحق الذي سدوا أذانهم واستغشوا ثيابهم هربا منه.
وهو يعلم جيدا أيضا أن الفتنة التي شبت في بلده بعد الاحتلال وكانت أسوأ منه والتي كان عنوانها البارز طائفيا وعرقيا كانت تتغذى في الكثير من جوانبها على ذات الأفكار القديمة التي تتوالد مع الزمن مع وجود من يروج لها ويبثها بين الناس بل ويصر عليها رغم إنها تتصادم مع صريح الأدلة الدامغة الواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار ومع إجماع الأمة منذ العصور المباركة للإسلام وكذلك مع منطق العقل السليم الخالي من الرواسب والعقد المستحكمة التي تذهب بلب العاقل .
ولكنها السياسة وما أدراك ما السياسة إنها الوجاهة والمال والسلطة والحكم والنفوذ والصوت المعبر عن رغبة العوام صدقا كان ذاك أم كذبا في زمن استسهل فيه الكذب وغدا بضاعة رائجة لها أسواق عامرة وتجار يتهافتون ويقتتلون عليها ومستهلكون لايبالون من أين جاءتهم البضاعة إلا من رحم ربي ولا حول ولا قوة إلا بالله
[/URL]
[URL="http://www.lojainiat.com/index.cfm?do=cms.author&authorid=1625"]عمار المشهداني (http://www.lojainiat.com/attach/files/2009/11/بدون-عنوان-84_b.jpg)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى أله وصحبه ومن والاه وبعد :
كثيرة هي المحطات في تاريخ أمتنا الطويل والتي تستحق منا وقفات تأمل واستبصار لا للتغني أو التأسي بها بل ليكون هذا التأمل والاستبصار معينا على فهم الواقع المعاصر وملابساته ولمعرفة خلفيات الكثير من الظواهرو الأحداث والرموز الكبيرة المؤثرة في هذا العصرو التي غفل عنها البعض أو تغافلوا ولكي يكون ذلك أيضا عاملا مساعدا لفهم حركة التاريخ وفهم السنن الإلهية المضطردة في الأفراد والأمم والمجتمعات والتي تحكم هذه الحركة ، ولكي يكون ذلك أيضا دافعا لنا للانطلاق للأمام ومحفزا لعملية التغيير الايجابي المنشود الذي يتجاوز المظاهر الخادعة والشعارات الرنانة والعناوين الكبيرة التي يراد لها أن تعبر عن حقائق لها ما يسندها دينيا أو تاريخيا وواقعيا بزعم من يروجون ويطبلون لها صباح مساء ؟
إن دراسة العهد ألصفوي وتاريخ الصفويين من تلك المحطات التي تحتاج إلى مثل هذه الوقفات المتأملة المستبصرة وذاك يعود في نظرنا إلى عدة أسباب منها:
أولا :إن عهد الصفويين ليس عهدا بعيدا من الناحية الزمنية فتاريخ ظهورهم على مسرح الأحداث كان على يد زعيمهم إسماعيل ألصفوي عام 1501م أي قبل حوالي خمسة قرون تقريبا !.
ثانيا :إن دولتهم التي أسسها إسماعيل ألصفوي على كامل الأراضي الإيرانية تقريبا كانت دولة قوية واستطاع الشاه أن يوسعها ويضم لها العديد من المدن والأقاليم التي كانت متفرقة ومتشرذمة عقب انحطاط دولة تيمورلنك وتفككها إلى دويلات متناحرة .
ثالثا : إن هذه الدولة اتخذت من المذهب الشيعي ألاثني عشري مذهبا رسميا للبلاد وفرضته بقوة السلاح والإرهاب أصبحت الممثلة الرسمية له والمدافعة عنه بوجه الدولة العثمانية التي كانت تمثل الإسلام السني وقد كان ذلك التضاد في التوجهات مفتاحا لصراع دموي دام زهاء الثلاث قرون .
رابعا : إن الصراع الطويل بين العثمانيين والصفويين لم يكن عسكريا فحسب بل كان صراعا فكريا أيضا ولعل ذاك اخطر مافيه وبالنسبة للصفويين كان صراعهم مع العثمانيين ليس صراع إثبات وجود فحسب بل هو صراعا على الزعامة اوالمرجعية الإسلامية التي يدعون إنهم يمثلونها وبإيحاء من تلك المعتقدات ذات التوجه الباطني التي تعطي لهم هذا الحق بزعمهم ؟.
خامسا :إن الصفويين إبان نشأت دولتهم قد احيوا بعض العقائد والمعتقدات الشيعية المغالية والتي اندثرت مع انهيار دولة البويهيبن في بغداد والدولة الفاطمية في مصر ولا عجب أن تشير بعض المصادر التاريخية إلى وجود آثار لبعض أتباع الفاطميين ومواليهم في تلك الدولة الناشئة مع التذكير إن دور الصفويين لم يقتصر على الإحياء بل التطوير والتجديد والابتكار بحيث انتهت إليهم زعامة الفكر الشيعي الذي لازالت اغلب مظاهره موجودة ومؤثرة إلى وقتنا هذه ؟
سادسا : إن تاريخ الدولة الصفية ليؤكد مرة أخرى على دور اليهود في كل عصر وفي كل زمان وفي كل حدث وبنسق لايوحي بالعجب فحسب بل لقدرة هذه الجماعة على التغلغل والتأثير في حركة التاريخ وعلى طول الخط وكما سنرى
سابعا :إن نشأة الفكر ألصفوي في تلك الرقعة من العالم إلى يشير إلى خطورة دور البيئة الفاسدة في نشأة الفرق و الطغاة والعقائد المنحرفة والى دور الاستبداد من جهة أخرى في المساعدة على نشرها وكذلك إلى أساليب بعض الكذابين في التأثير على العوام ومدى خطورة أن تترك البدع تعشعش في المجتمعات الإسلامية وأن تهمل لأنها سوف تتشعب و تنتشر في المجتمع وتتجدد مع الزمن و مع توفر الضر وف الملائمة وبأثواب أخرى وطرق متنوعة .
ومن هذه المقدمة البسيطة سنحاول تسليط الضوء على هذه الفرقة التي لعبت دورا مهما وخطيرا ومؤثرا في تاريخ امتنا الإسلامية
من هم الصفويون ؟
ينسب الصفويون كما تؤكد المصادر التاريخية إلى الشيخ اسحق صفي الدين بن جبرائيل الاردبيلي 650-735ه 1252-1334 م وهو الجد الأعلى لإسماعيل ألصفوي مؤسس الدولة الصفوية وهو تركماني الأصل من مدينة اردبيل في أذربيجان وتبعد 35 ميل عن الساحل الجنوبي الغربي لبحر قزوين
ويزعم مؤرخو الدولة الصفوية إن صفي الدين هذا من أحفاد الإمام موسى الكاظم - رضي الله عنه- شأنهم بذلك شأن كل المتصوفة الذين يستغلون هذه الصلة لتسهيل نشر أفكارهم ومعتقداتهم مستغلين بذلك تعاطف الناس وانجذابهم لكل ما يمت للنبي عليه الصلاة والسلام بصلة .
وتؤكد المصادر أيضا انه هو وابنه صدر الدين كانا من أهل السنة الشوافع المذهب وكان صفي الدين من المتصوفة وله تنسب الطريقة الصفوية في اردبيل مسقط رأسه وكان له عدد كبير من الأتباع والمريدين والمتصوفة والدراويش الذين نشروا دعوتهم في كل الأرض الإيرانية وفي العراق وبلاد الشام ومدن أخرى وكانت طريقتهم غاية في الغلو الباطنية.علا غرار الطرق الموجدة حينها في بلاد الأناضول
ومن هذه الطرق المشهورة الآخية والبكتاشية و من هنا كانت بداية الانحراف
يقول الأستاذ علاء الدين المدرس في كتابه الصراع ألصفوي العثماني (إن حفيد صفي الدين- الخوجة علي- والذي تولى رئاسة الطريقة سنة 801 هـ/1339م تحول إلى التشيع وكان معتدلا غير متعصب لمذهبه الجديد غير إن ابنه إبراهيم أصبح متعصبا ومتحمسا لاثني عشرية فقاد أتباعه للصراع مع أهل السنة في داغستان وخلف في نفس الطريقة ابنه الشيخ حيدر والد إسماعيل ألصفوي والذي تولى رئاسة جماعته سنة 859هـ/1455م وكان أتباعه من التركمان وليس الإيرانيين وكانوا يسمون بالفزلباشية أي ذوو الرؤوس الحمراء وقد تزوج الشيخ حيدر من مارتا بنت حسن الطويل مؤسس دولة الخروف الأبيض التي حكمت شمال غرب إيران وأمها أي زوجة حسن الطويل مسيحية اسمها كاترينا وهي ابنة كارلو يوحنا ملك مملكة طرايزون اليونانية ، يقول كارل بروكلمان : والى هذه المصاهرة بالأسرة اليونانية يعود أصل عداء إسماعيل ألصفوي للعثمانيين الذين كانوا في عهد سلطانهم محمد الثاني قد قضوا على تلك الأسرة الحاكمة لطرايزون وقاموا بسوق آخر أباطرتها ونبلائها ومعظم سكانها إلى أسواق الرقيق) ويريد هذا المستشرق أن يعود بسبب الصراع ألعثمانيي ألصفوي إلى سبب عائلي شخصيي – ولا يخفى على احد مالهذا الإيحاء من دلالات - مستبعدا العامل المذهبي وهذا ليس صحيحا بل العاملين معا كانا سببا في الصراع .
وكان الشيخ حيدر متعصبا لمذهبه مقاتلا في سبيله حتى قتل في صراعه مع ملك شيروان الفارسي المتعصب لسنيته وكان من أعمال الشيخ حيدر ألصفوي انه نسب إليه تشكيل القوات العسكرية الصفوية و ابتكار رداء للرأس سمي - تاج حيدري - وهو عبارة عن عمامة قرمزية بها اثنا عشر قنزعة ) نسبة إلى عدد الأئمة الاثنى عشر عند الشيعة وخلفه ثلاثة أولاد أصغرهم كان إسماعيل
إسماعيل ألصفوي وبداية الدولة الصفوية
من الطبيعي إن تكون لكل تلك الظروف الإحداث والمواقف والمتغيرات عوامل البيئة الوراثة تأثيرها في شخصية الشاه إسماعيل مؤسس الدولة الصفوية فهو نشأ في بيئة مضطربة تعج بالفتن والحروب والخرافة والخزعبلات التي أوجدتها الفرق الصوفية الغالية والضالة والتي ينحدر الشاه نفسه من احدها، وأيضا أجداده قد عاشوا في كنف تيمور لنك الذي قربهم منه مع كل أصحاب الطرق الصوفية لأسباب سياسية نظرا لمكانتهم بين الناس حينها ومعروف عن تيمور لنك هذا انه كان من أبشع الحكام سيرة وسريرة في ذاك العصر وأكثرهم فتكا وتعصبا وكان الصوفية المعاصرين له وكما يقو ل الدكتور كامل ألشيبي في كتابه الفكر الشيعي والنزعات الصوفية ( يدعون له ويؤيدونه ويعتبرون أعماله كرامات صادرة عن الهام الهي وهاتف سماوي وأنباء الغيب ) واخذ يتقرب من شيعة خراسان الذين اشتد أمرهم هناك ولكي يبسط نفوذه عليهم بسك العملة بأسماء الأئمة ألاثني عشر و والخطبة بأسمائهم واحتل الشام تحت شعار الانتقام من أبناء يزيد ثأرا للحسين رضي الله عنه. هذا في ما يتعلق بالبيئة الخارجية التي نشأ فيها إسماعيل ألصفوي وأجداده
ومن جهة الأسرة فقد نشأ يتيم الأب فقد قتل أبوه وعمره سنة واحدة ولا يخفى على احد أن لوالدته مارته بنت حسن الطويل وأمها المسيحية كاترينا دور مهم في تربيته بعد وفاة أبيه المبكرة .
تولى الزعامة وعمره لم يتجاوز الثلاث عشرة سنة وخاض عدة معارك طاحنة مع ملك شيروان ثأرا لجده وأبيه الذين قتلا هناك والحق الهزيمة بملكها - فرخ يسار -وذلك سنة 1500م وتذكر المصادر التاريخية ومنها البدر الطالع في محاسن القرن السابع أن الشاه إسماعيل وإمعانا في قسوته وحقده وضع - فرخ يسار- ملك شيروان الذي وقع أسيرا - في قدر كبير وأمر أتباعه بأكله ؟ وتمكن بعدها من الاستيلاء على تبريز بعد معارك مع الوند ميرزا حاكم ألآق قوينلو في أذربيجان وانتصر عليهم وهناك أعلن قيام الدولة الصفوية عام 907 هـ/ 1501 م ووضع تاج أبيه ألديباجي على رأسه واستطاع خلال سنوات من توسيع حدود دولته وأصبحت عاصمتها أصفهان حيث ضم إليها ما وراء النهر وقفقاسيا والعراق
كيف نشر إسماعيل ألصفوي في إيران
لقد كان هذا الرجل داهية عصره وسفاح زمانه وكان طموحه المجنون لايحده حد استطاع أن يفرض المذهب الشيعي على أتباعه وجنوده أولا بغية التمايز المذهبي ثم عمد إلى نشره بين الإيرانيين بالقوة واستخدم لذلك كل الوسائل المتاحة سواء ماكان منها يعتمد عل القوة والسلاح والقهر أو تلك التي تعمد الإيحاء والمكر والتأثير النفسي ودغدغة مشاعر العوام وتهييج عواطفهم بشتى الوسائل من الناس الذين يسير بعضهم خلف كان ناعق وصاحب سلطان وكانت جل دعوته تركز على إظهار السب واللعن للخلفاء الراشدين الثلاثة وقد قام بامتحان الإيرانيين بذلك وأمر بأن يعلن السب في الشوارع وعلى المنابر و في الأسواق
وتذكر المصادر التاريخية تفاصيل مروعة عن طريقة نشره للمذهب الشيعي في إيران حيث يقول عنه قطب الدين الحنفي وكما جاء في كتاب البدر الطالع لمحاسن من بعد القرن السابع( انه قتل زيادة على ألف ألف نفس بحيث لا يعهد في الجاهلية ولا في الإسلام ولا في الأمم السابقة من قبل في قتل النفوس ما قتل إسماعيل ألصفوي وقتل عدة من أعظم العلماء بحيث لم يبقى من أهل العلم احد من بلاد العجم واحرق جميع كتبهم ومصاحفهم وكان شديد الرفض بخلاف أبائه )
وتؤكد المصادر أيضا انه لما دخل بغداد سنة 1508 م أعلن سب الخلفاء وقتل الكثير من أهل السنة ونبش قبر الإمام أبي حنيفة – رضي الله تبارك وتعالى عنه .
أما الأسلوب الثاني فكان أسلوبا ماكرا باطنيا خبيثا متسلسلا ابتدأ أولا مع بداية دعوته وكما تذكر كتب التاريخ الشيعي ومنها كتاب تاريخ الشاه إسماعيل وكتاب عالم آراي صفوي ( إن إسماعيل اخذ إجازة من المهدي المنتظر في الثورة والخروج على أمراء التركمان الذين كانوا يحكمون إيران وانه كان مرة في رحلة صيد فدخل كهفا وخرج وادعى انه التقى بالمهدي وانه حثه على اعلان الدولة الصفوية وقد ادعى بعد ذلك انه رأى الأمام علي في المنام ) ومن هنا كانت هاتين الدعوتين مسوغا كافيا لإعلان دعوته وإنشاء دولته وبتعبير الأستاذ احمد الكاتب –الكاتب الشيعي المعتدل المعروف –فإن هاتان الدعوتان أتاحتا للحركة الصفوية أن تتحرر من فكرة انتظار الإمام وتأسيس الدولة ألاثني عشرية وبناءا على ذلك فقد كان الشاه يعتبر نفسه نائب عن الله وخليفة رسول الله والأئمة المعصومين وممثل الإمام المهدي في غيبته وكان جنوده يعتبرونه تجسيدا لروح الله )
يقول الدكتور مصطفى ألشيبي (لقد كان إسماعيل رجلا صوفيا ومن شأن الصوفية أن تؤمن بالكشف أي الإلهام الغيبي وقد كان يعلن لمريديه انه لا تحرك الابمقتضى أوامر الأئمة ألاثني عشر وانه معصوم وليس بينه وبين المهدي فاصل.
ولا يخفى على احد إن هذه الأفكار هي التي شكلت النواة الأولى لفكرة ولاية الفقيه التي أقام الخميني قائد الثورة الإيرانية على أساسها دولته عام 1979 م ولا زالت لحد الآن.
ومن الأساليب التي اعتمدها الشاه إسماعيل أيضا في التأثير على العوام انه أمر بتنظيم الاحتفال بذكرى مقتل الحسين السبط – رضوان الله عليه – رغم انه تقليد بال كان على أيام البويهيين وكان قد أمر به معز الدولة بن بويه – قبحه الله - سنة 352هـ وأمر كذلك وكما يقول ابن كثر في البداية والنهاية ( أن تغلق الأسواق وان يلبس النساء المسوح من الشعر وان يخرجن في الأسواق حاسرات عن وجوههن ناشرات شعورهن يلطمن وجوههن وفي عشر ذي الحجة أمر كذلك بإظهار الزينة في بغداد وان تفتح الأسواق في الليل كما في الأعياد وان تضرب الدبادب والبوقات وان تشعل النيران في أبواب الأمراء وعند الشرط فرحا بعيد الغدير – غدير خم – فكان وقتا عجيبا وبدعة شنيعة ظاهرة منكرة ) وقد قام الشاه بتطوير هذه البدعة وأضاف لها مجالس التعزية وقد تطورت هذه البدع الشنيعة وفي عهد الدولة القاجارية ليصار إلى تمثيلها فيما يعرف بالتماثيل أو التشابيه واللطم وضرب السيوف وهو قريب مما بفعله بعض الصوفية قديما وحديثا التي تؤدى فيه الواقعة بشكل تمثيلي مؤثر في نفوس العامة في الشوارع وكل عام وقد أتت هذه الوسائل أؤكلها في تثبيت التشيع بصورته المغالية هذه ومعانا في بدعته فقد أمر بإدخال الشهادة الثالثة في الأذان تذكر بعض المصادر انه وفي فترات لاحقة كان يؤذن بأسماء الأئمة جميعا وكذلك صنع التربة الحسينية للسجود والتي لم تكن معروفة حتى أيام الدولة البويهية والفاطمية في القرنين الثالث والرابع الهجريين وكما صرح بذلك صاحب كتاب( من لايحضره الفقيه )
الصراع مع الدولة العثمانية وتآمره عليها
كان من الطبيعي أمام هذا الوضع الشاذ والغريب وأمام هذه المنكرات والبدع الامستحدثة وأمام هذا التغطرس ألصفوي الاسماعيلي أن تكون هناك ردة فعل عنيفة جدا لدى العثمانيين يقول الدكتور الصلابي في كتابه الدولة العثمانية : ( كان من لطبيعي أن يتصدى السلطان سليم زعيم الدولة السنية فأعلن ف اجتماع لكبار رجال الدولة والقضاة ورجال الساسة وهيئة العلماء في عام 920 هـ/1514 م أن اييران بحكومتها الشيعية ومذهبها الشيعي يمثلان خطرا لا على الدولة العثمانية بل على العالم الإسلامي كله وانه لهذا يرى الجهاد المقدس ضد الصفويين ) وقد مكن الله تعالى العثمانيين من سحق الصفويين على أرضهم في معركة جالديران عام 1514م واضطر بعدها الشاه للفرار هو من بقي معه ووقعت إحدى زوجاته في الأسر غير أن ترك السلطان سليم الشاه إسماعيل يفر مع عدم تعقبه بسبب فتنة الانكشارية في جيشه الذين امتنعوا عن المطاردة بحجة البرد ونقص المئونة مما أضاع علي العثمانيين فرصة القضاء على الدولة الصفوية نهائيا .
ومن هنا نجد أن الشاه وبعد آن التقط أنفاسه بدء بالتآمر على الدولة العثمانية من خلال الاتصال بالصليبيين وابتدأ مع البرتغاليين الذين تحالفوا معهم وكما يقول الدكتور زكريا بيومي انه ( اقر استيلائهم على هرمز في مقابل مساعدته على غزو البحرين وقطيف إلى جانب تعهدهم بمساندتهم ضد قوات الدولة العثمانية)
ولقد سن الشاه بهذا العمل سنة سيئة له ولأولاده ولأحفاده بالتحالف مع الكفرة تأسيا بمن سبقه من أجداده من الفاطميين وغيرهم من الذين لعبوا ذات الدور وكانوا سببا في سقوط بغداد على يد هولاكو سنة 656ه وهما القصير الطوسي وابن العلقمي وقد قال الخميني عن هذين الرجلين في كتابه الحكومة الإسلامية( أنهما قدما للإسلام خدمة عظيمة ؟ )
وتذكر المصادر التاريخية المؤكدة إن طهماسب ابن الشاه إسماعيل و كما يقول ستيفن لونكريك في كتابه أربعة قرون من تاريخ العراق (انه استهل عهده بإرسال الوفود والسفارات إلى أوروبا للتنسيق مع ملوكها بهدف موجهة العثمانيين ) حيث قام حفيده الشاه عباس الكبير الذي استعان بالانكليز في تدريب جيشه ووفق الطرز الانكليزية الحديثة وقتئذ وتمكن بمعيتهم من طرد البرتغاليين من مضيق هرمز وتمكن أيضا من احتلال بغداد عام مرة أخرى عام1623م وبعد حصار مرير دام ثلاث أشهر يقول الدكتور علي الوردي في كتابه لمحات اجتماعية( إن الشاه عباس فعل ببغداد عند احتلالها مثلما فعل جده الشاه وربما زاد عيليه فقد هدم مرقد الإمامين أبي حنيفة وعبد القادر الكيلاني رضي الله عنهما وقتل عددا كثيرا من أهل السنة وقد نجا الباقون بشفاعة كليدار الحضرة الحسينية )
ويقول الأستاذ علاء المدرس ( في سنة 1708م قام الشاه حسين ألصفوي بإرسال وفد رسمي إلى ملك فرنسا لويس الرابع عشر ووقع معاهدة تحالف بين فرنسا وإيران نصت في إحدى موادها على أن يقوم الفرنسيون بإرسال أسطول إلى الخليج العربي لمساعدة إيران على احتلال مسقط)
ولعا اخطر ما في هذه التحالفات المستمرة والمتعاقبة في كل مراحل التاريخ هو بعدها الفكري الذي استمر أثره حتى بعد زوال الدولة الصفوية بقرون ومجي دول أخرى على ارض فارس تحمل نفس التوجهات و إن بدرجات متفاوتة لكنها ضلت تشير إلى تلك الجذور الضارية في القدم والتي تستهدف نشر التشيع بأي وسيلة وهذا ماتم بالفعل إذ تحالفت الدولة القاجارية منتصف القرن التاسع عش مع الانكليز ووضعوا خطة محكمة لنشر التشيع بين العشائر العربية في جنوب العراق والخليج وتعهدت كما يقول الأستاذ علاء المدرس ( الحكومة الانكليزية بتسهيل مهمة الوافدين الإيرانيين واستحصال موافقة والي بغداد والباب العالي العثماني على ذلك و الترتيبات اللازمة له ويتعهد الجانب القاجاري بإرسال رجال الدين والأموال اللازمة لتنفيذ تلك الخطة وذلك بغية زعزعة قبضة الدولة العثمانية ووالي بغداد على العراق والخليج لتغمين طريق الهند التجاري والعسكري من خلال السيطرة الانكليزية على الطريق البري والبحري الإستراتيجي المتمثل بخط الشام – بغداد – البصرة – البحرين – رأس الخيمة – مسقط – موانئ إيران الجنوبية – الهند وفعلا تم تحويل انتماء بعض العشائر العربية إلى التشيع ألصفوي لتكفير باقي المسلمين وضمان ولائهم لإيران بما يعود إلى أضعاف العراق واستفادة السياسة الاستعمارية الانكليزية من الورقة الطائفية .
ويؤكد السيد حسين الموسوي – نظر الله وجهه- هذه الحقائق المرة وهو من علماء النجف المعروفين وصاحب الكتاب التصحيحي الشهير – لله ثم للتاريخ – إذ يقول في كتبه هذا الذي أولف أواخر التسعينات ( لقد رحت ابحث عن سبب كوني ولدت شيعيا وعن سبب تشيع أهلي وأقربائي فعرفت إن عشيرتي كانت على مذهب أهل السنة ولكن قبل حوالي مئة وخمسين سنة – أي منتصف القرن التاسع عشر بالضبط – جاء من إيران بعض دعاة التشيع إلى جنوب العراق فاتصلوا ببعض رؤساء العشائر واستغلوا طيب قلوبهم قلة علمهم فخدعوهم بزخرف القول فكان ذلك سببا في دخولهم في النهج الشيعي فهناك الكثير من العشائر والبطون تشيعت بهذه الطريقة بعد أن كانت على مذهب أهل السنة ومن الضروري – والكلام له - أن اذكر بعض هذه العشائر أداء للأمانة العلم فمنهم بنو ربيعة وبنو تميم والخز اعل والزبيدات والعمير وهم بطن من تميم والخزرج وشمر طوكة والدوار والداففعة وال محمد وهم من عشائر العمارة وعشائر الديوانية وهم آل اقرع وال بدير عفج والجبور والجليحة وعشيرة كعب وبنو لام وغيرهم كثير وهولاء كلهم من عشائر العراقية الأصيلة المعروفة وهم معروفون بشجاعتهم وكرمهم ونخوتهم وهم عشائر كبيرة لها وزنها وثقلها ولكن مع الأسف تشيعوا منذ أكثر من مئة وخمسين سنة بسبب موجات دعاة الشيعة الذين وفدوا إليهم من إيران فاحتالوا عليهم وشيعوهم
بطريقة أو بأخرى ) وهذه الحقائق معروفة وثابتة في العراق وباعتراف أهلها ولا ينكرها إلا متعصب أو جاهل أو معاند
اليهود ودورهم في معاونة الصفويين ليس غريبا أبدا أن تجد لليهود دور في كل ما يجر في العلم من أحداث في القديم
و الحديث و إن المتتبع لدورهم ليجد لهم موطئ قدم في كل مكان وليجد لهم دورا وإن كان دائما غير معلن خلف كل حدث
و من الجدير بالذكر إن تاريخ تواجد اليهود في أراضي الدولة العثمانية إنما يعود إلى عهد السلطان العثماني بايزيد الثاني فهو الذي سمح لهم بالهجرة إلى الدولة العثمانية هربا من أوربا التي طردهم ملوكها منها وقد اقطعهم بعض المناطق الغنية فأعطر لهم ذلك و كما يقول الدكتور احمد ألنعيمي ( إمكانية الإثراء لهولاء في الوقت الذي تميز هولاء بالفقر والعوز والمجاعة في مضى) قد استغل اليهود هذا الثراء أحسن استغلال كعادتهم حيث يذكر صاحب كتاب خلاصة تاريخ بغداد للأب انستانس الكر ملي ( وكان الشاه إسماعيل قد قتل كثيرا من مسلمي السنة وذبح جميع نصارى المدينة بغداد أما اليهود فإنه لم يتعرض بهم وكانوا يهدون له الهدايا الجليلة والأموال الطائلة لاحتياجه إليها يومئذ وان الشاه إسماعيل لم يعاد اليهود وترك لهم الحرية في أعمالهم وأشغالهم )
ولم يقتصر دور اليهود على رعايا الدولة العثمانية فقط بل شمل حتى أولئك الذين يعيشون خارجها ويؤكد يوسف غنيمة في كتابه نزهة المشتاق من تاريخ يهود بغداد 0 إن الموفدون البنادقة – نسبة لمدينة البندقية الايطالية وجلهم يهود – كانوا يحثون الشاه للقيام بذلك الغزو للأطراف الشرقية الدولة العثمانية ويعملون بحذق لتسليط قوة الشاه في حرب على مؤخرة العثمانيين فحرب كهذه ستخفف الضغط على فيينا وايطاليا والبحر المتوسط إذا أمكن إيقاد نارها )
موقف علماء ومفكري الشيعة من الدولة الصفوية
اغلب مراجع الشيعة تقريبا ومفكريها قديما وحديثا يدينون ضمنا وعلنا بالولاء والفضل للدولة الصفوية ولا يصدقون أو يبررون الكثير من إعمالها وذاك إنها في نظرهم سبب المحافظة على الكيان الشيعي وسبب انتشار التشيع وكذلك كانت من وجهة نظرهم سدا مانعا بوجه من يريدون الشر الشيعة بدليل إقرارهم لكل البدع التي أحدثوها وعدم إنكار شيء منها ومحاولتهم تأصيلها شرعيا و السعي لترسيخها بشكل متعمد في عقول أجيالهم مسخرين لأجلها كل الإمكانات والوسائل الإعلامية التقليدية والعصرية وبنسق لايوحي الا باعتقادهم بها وإيمانهم بأنها جزء لايتجزأ من فكرة التشيع لأهل البيت رضوان الله عليهم جميعا ضاربين بعرض الحائط إجماع الأمة المحمدية على خلافه .
يقول محسن الأمين العالمي وهو من أكابر علمائهم في كتابه الشيعة في مسارهم التاريخي وفي موقف المتظلم (وكان سلاطين بني عثمان لايزالون في حروب مع سلاطين الفرس الصفوية وقتل السلطان سليمان العثماني من الشيعة في الأناضول أكثر من أربعين ألف لم يكن له ذنب إلا أنهم شيعة )
فالرجل يسميهم سلاطين ولا يتعرض إلى شيء من فضائعهم في كل كتابه المذكور. وهو ماكر ره الخميني أيضا في كتابه كشف الأسرار دون أن يتعرض لهم بكلمة ؟
وليس هذا الحكم مطلقا بل وجد من نور الله عقله وقلبه وقاموا بجهود مشكورة في الإصلاح منهم السيد موسى الموسوي في كتابه الشيعة والتصحيح والسيد حسين الموسوي في كتابه - لله ثم للتاريخ - ومنهم أيضا الأستاذ حسن العلوي والسيد احمد الكاتب وله عدو كتب منها تطور الفكر الشيعي، والسنة والشيعة وحدة الدين وخلاف السياسة والتاريخ وهو احدث مؤلفاته ويقول في كتابه الأخير عن الصفويين( ومن المؤسف أن بعض الدول كالدولة الصفوية التي سيطرت على بلاد فارس غفي القرن العاشر الهجري وما بعده قد استغت ذلك التراث السلبي الأسطوري في صراعها مع الدولة العثمانية لكي تشن حملة شعواء على أهل السنة وتسن بدعة السب والعن للخلفاء الراشدين وتقيم دولة دكتاتورية مستبدة ابعد ماتكون عن سياسة أهل البيت أو عدالة الإسلام ولكنها تتظاهر بالتشيع القشري الممسوخ البعيد كل البعد عن التشيع الأول
ويضيف : مع إن الدولة الصفوية ذهبت مع التاريخ إلا أنها تركت بصماتها المشئومة على العلاقات الأخوية بين السنة والشيعة وخلفت ورائها تراثا ثقافيا متعفنا مليئا بالأحقاد )
أهم علماء الدولة الصفوية
من أهم علماء الدولة الصفوية المدعو الشيخ علي الكركي ألعاملي وكان الشاه طهماسب ابن الشاه إسماعيل قد استقدمه من جبل عامل في لبنان ؟
ولهذا الرجل دور كبير وأساسي في تثبيت التشيع ألصفوي لأنه هو الذي أبطل نظرية انتظار الإمام التي كان الشيعة يعملون بها طيلة فترة الغيبة المزعومة زمن ثم أجاز للشاه بفتاويه الحكم نيابة عن الإمام المهدي المنتظر.
وكما انه الذي اقر بدع السب والشهادة الثالثة في الأذان وأضاف لها بدعة المشي إلى كربلاء لغرض زيارة الإمام الحسين – رضي الله تعالى عنه – في العاشر من شهر محرم ووصولا إلى الأربعين في العشرين من شهر صفر والتي لازال العمل عليها إلى حد الآن .
ومن ابرز علماء الفترة الصفوية أيضا المدعو الملا محمد باقر ألمجلسي وهو من أهم علمائهم وأكثرهم تشددا ومن أهم كتبه وأكثرها شهرة كتابه بحار الأنوار يقول الخميني عن هذا الكتاب ( هو من تأليف العالم المعظم والمحدث الرفيع محمد باقر ألمجلسي وهو مجموعة تقرب من أربعمائة كتاب ورسالة فهو في الحقيقة مكتبة صغيرة تسمى باسم واحد ) ويعتبر من أهم كتب الشيعة الإمامية وهو مليء بالأحاديث والروايات والقصص والأساطير والأخبار من كل لون ولقد استغله الخطباء والمنبريون وقراء مجالس العزاء والعلماء أيضا حين اتخذوه مصدرا أساسيا لكونه في متناول أيديهم فملئوا أذان الناس العوام بالخرافات والدجل والأوهام شانه بذلك شأن كتب بعض المتصوفة في العصور الإسلامية المتقدمة التي تلت العصور المباركة والتي ملئت بالغث والسمين من الأحاديث والأخبار ومن خلال اطلاعي الشخصي على بعض أجزاء هذا الكتاب وجدت فيه الكثير من الروايات الباطلة التي بتداولها الصوفية - السنة - كتلك التي تتعلق بأخبار النبي عليه الصلاة والسلام قبل البعثة وغيرها .ولقد اهتم الساسة الصفو يون بهذا الكتاب أيما اهتمام حتى إن الشاه سليمان أوقف له أملاكه الخاصة في سيبل نسخه وتوفيره للطلبة وقامت الدولة القاجارية بعدئذ بالاستعانة بالمطابع الحجرية لذات الغرض ونشرته في العراق والخليج وكما يؤكد ذلك العلامة علي الوردي في كتابه لمحات اجتماعية
توفي هذا الرجل عام 1699م أي قبل سقوط الدولة الصفوية بثلاث وعشرين سنة .
إن وجود هذين الرجلين لايعني إن كل علماء الشيعة وقتئذ كانوا يوافقوهم في كل بدعهم وقد أكدت والمصادر الموثقة وقوف العديد من علماء الشيعة بوجه هذه التوجهات والفتاوى المستحدثة ومن هولاء الشيخ إبراهيم القطيفي ألنجفي والشيخ محمد البهائي والشيخ حسن بن عبد الصمد الذي هجر ديار الصفويين واستقر في البحرين وخلفه ابنه حسن البهائي وهولاء كلهم ظهر منهم مقاومة صريحة للفكر ألصفوي واستهجان صريح لأولئك الذين اختاروا أن يكونوا خَدَمة للعرش ألصفوي
هلاك إسماعيل ألصفوي ونهاية دولته
في عام 1524م هلك الشاه إسماعيل ألصفوي إذ لم يبارك الله في عمره فما ت ولما يتجاوز السابعة والثلاثين من العمر وورث ابنه طهماسب ثم ابنه الشاه عباس
وقد انهارت الدولة الصفوية عن وانمحت عن الوجود على يد إحدى القبائل الأفغانية عام أي بعد1722 دام أكثر من قرنين ومن الجدير بالذكر إن الصفويين قد احتلوا أجزاء واسعة من بلاد الأفغان واضطهدت الأفغان فيها كعادتها مع المخالفين بسبب فشلها في تحويلهم إلى التشيع كما نجحت في إيران ومناطق أخرى وقد كان الأفغان يتحينون الفرصة للقضاء على الصفويين وابتدأت الشرارة الأولى على يد أمير ويس لكنه توفي عام 1715م وخلفه ابنه أمير محمود والذي نجح في دك معاقلهم و فتح عاصمتهم وإعلان انتهاء دولتهم للأبد وذلك عام 1722م كان آخر ملوكهم يدعى الشاه حسين
وبعد فترة زمنية تولى مقاليد الحكم فيها نادر شاه وذاك سنة 1736م و وهو صاحب فكرة المذهب الخامس وقد كاتب الدولة العثمانية بذلك وقد بدا من سياسته وفي أواخر عهده نفس تصالحي باتجاه العالم الإسلامي وهو الذي حصل في عهده المؤتمر التقريبي الأول برعاية عثمانية وذاك في عام 1743م والذي انتهى بمقررات جيدة خففت من حدة التوتر الطائفي بين الشيعة والسنة والذي كان من ابرز الثمار الخبيثة للصراع ألصفوي العثماني والذي تولى كبره الصفو يون الذين اختاروا أن يرسخوا الخلاف بين المسلمين من خلال اتخاذهم من التشيع الباطني أداة لتحقيق مكاسبهم وتطلعاتهم التي تعبر عن مكنونات أنفسهم التي استحكم فيها الحقد الطائفي والعرقي والشعوبي بمفهومه الضيق فأعمى بصائرهم وصدهم عن صوت الحق وزين لهم أعمالهم بمخالفيهم وتأمرهم على المسلمين واتصالهم فيما بعد بالصليبيين مما وفر لهم فرصة تخفيف القبضة العثمانية على أوربا التي سعت لإشغال المسلمين بالحروب الداخلية
وقد قتل نادر شاه نفسه على يد أتباعه الغلاة من الذين لن يعجبهم صنيعه وذاك بعد ثلاثة أشهر فقط من عقد المؤتمر وعمت إيران فوضى عارمة استمرت عقودا حتى ظهور الدولة القاجارية عام 1796 لتعود بإيران إلى نفس السياسة الصفوية الطائفية الباطنية الخبيثة وبنسق أكثر تطرفا وعنادا وليعود الصراع مرة أخرى بينهم وبين العثمانيين ولتعطي تأكيدا على المدى الذي تغلغل فيه الفكر ألصفوي وغدا ظاهرة مترسخة في العقول والضمائر وأدبيات الحياة الاجتماعية والثقافية وحكمت هذه الدولة إيران حتى العقد الثاني من القرن العشرين لتخلفها الأسرة البهلوية والتي أطاحت بها حكومة الثورة في إيران عام 1979م بقيادة الخميني. وهذه الثورة ورثت كل تلك التركة الثقيلة من الأفكار والمعتقدات وأعطت لها بعدا حيا من خلال استثمارها سياسيا وإضفاء البعد الدستوري والقانوني عليها وتأسيس نظام حكم يختزل هذه الأفكار والمعتقدات ويصوغها في قالب ديني مفترض من اجل ضمان دوامه وإمكانية حمايته ولإضفاء نوع من أنواع الشرعية الدينية عليه ولعل المادة الخامسة والأساسية – أي الغر قابلة للتغيير- من هذه الدستور توضح هذه الحقائق بصورة جليه
تقول هذه المادة : في زمن غيبة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه تكون ولاية الأمر وإمامة الأمة في جمهورية إيران الإسلامية بيد الفقيه العادل المتقي البصير بأمور العصر الشجاع القادر على الإدارة )
وقد مر بنا كيف استحدثت هذه البدعة في عهد الصفويين وغيرها وهي اليوم يراد لها أن تعبر عن مضمون سياسي متلبس بعباءة دينية غيبية باطنية المنحى والتوجه.
وبعد :
إن كاتب هذه السطور يقدم في هذه الجهد المتواضع الذي استمر معه طوال شهر رمضان المبارك خلاصة أفكار وحقائق لها صلة أكيدة بالواقع المعاش في بلده وفي بعض بلدان العرب والمسلمين
كتبها وهو يعلم - وقد اختار أن يكتب اسمه من غير تمويه - أنها ستفتح عليه أبوابا كان حريا به أن يغلقها ولو في هذا الوقت أو أن لايحاول فتحها أبدا وأن يستمع إلى صوت الناصحين بوجوب الحذر من التقرب من هكذا مواضيع قد يوقض صداها بعض خفافيش الظلام الذين يزعجهم أن يسمعوا صوت الحق الذي سدوا أذانهم واستغشوا ثيابهم هربا منه.
وهو يعلم جيدا أيضا أن الفتنة التي شبت في بلده بعد الاحتلال وكانت أسوأ منه والتي كان عنوانها البارز طائفيا وعرقيا كانت تتغذى في الكثير من جوانبها على ذات الأفكار القديمة التي تتوالد مع الزمن مع وجود من يروج لها ويبثها بين الناس بل ويصر عليها رغم إنها تتصادم مع صريح الأدلة الدامغة الواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار ومع إجماع الأمة منذ العصور المباركة للإسلام وكذلك مع منطق العقل السليم الخالي من الرواسب والعقد المستحكمة التي تذهب بلب العاقل .
ولكنها السياسة وما أدراك ما السياسة إنها الوجاهة والمال والسلطة والحكم والنفوذ والصوت المعبر عن رغبة العوام صدقا كان ذاك أم كذبا في زمن استسهل فيه الكذب وغدا بضاعة رائجة لها أسواق عامرة وتجار يتهافتون ويقتتلون عليها ومستهلكون لايبالون من أين جاءتهم البضاعة إلا من رحم ربي ولا حول ولا قوة إلا بالله