راعي الوقيد
05-03-2011, 22:59
أبو العلاء المعري واسمه أحمد بن عبد الله بن سليمان
( 363-449 )
يعد شعره من أفضل الشعر في العصر العباسي
وهذه القصيدة في رثاء/ الفقيه الحنفي الحلبي تعدّ من أعظم قصائد الرثاء في تراثنا العربي
القديم والحديث ..
والشاعر هنا يتكلم عن الموت والحياة وينظر إليها نظرة الفيلسوف الحكيم .
يبدأ أبو العلاء قصيدته بطرح الفروق بين الموت والحياة فيذكر أن الحياة كالموت , والغناء كالبكاء . يقول :
غيرُ مجدٍ في ملّتي واعتقادي ** نوح باكٍ ولا ترنم شاد
ثم يقول أن صوت نعي الميت والبكاء عليه عند وفاته شبيه بصوت البشير الذي يبشر به عند ولادته في كل الأماكن والمجالس , ويشبّه الصوتين والتشابه بينهما بصوت الحمامة عندما تنوح فوق الأغصان , فنحن لا نعلم أحزينة هي أم سعيدة :
وشبيهٌ صوت النعيّ إذا قِيـ ** س بصوت البشير في كل ناد
أبَكَت تلكم الحمامة أم غـ *** نّت على فرع غصنها الميّاد
ثم يقول : يا عاقل و يافهيم! إذا كانت قبورنا نحن في حاضرنا تملأ الأرض الرحبة وفي كل مكان !!
فكيف بقبور الذين سبقونا ؟؟
لا شك أن الأرض عبارة عن مقبرة كبيرة ! :
صاح هذي قبورنا تملأ الرُحـ ** بَ فأين القبور من عهد عاد
ثم يقول لك أيها الحافظ لتراث أبائه وأجداده ألا يجدر بك أن تحترم رفاتهم وتقدر بقاياهم فقبيح بك أن تهينهم و إن طال العهد !!
وأقل ذلك أن تخفف من وطئك على الأرض فلا أظن ترابها إلا من أجساد أسلافك الذين سبقوك :
خفف الوطء ما أظن أديم الـ ** أرض إلا من هذه الأجساد
وقبيح بنا وإن قدُم العهـ ** د هوان الآباء والأجداد
ثم يذكر لك حلاً لذلك , فيقول لك :
إن استطعت أن تسير في الهواء على مهل فافعل ، بدلاً من أن تمشي باختيال على رفات وبقايا العباد !! :
سر إن اسطعت في الهواء رويداً ** لا اختيالاً على رفات العباد
ويقول في البيت التالي :
رب لحد قد صار لحداً عدة مرات حيث وضع فيه ميت وبعد فترة وضع فيه ميت آخر وهكذا !!
حتى إن اللحد نفسه ليضحك من كثرة من مر عليه من الأموات المتضادّين في الصفات مابين صالح وطالح وخير وشرير وذكي وأحمق وكريم وبخيل ... الخ , ويقول أيضاً أنه قد يدفن جسد في بقايا جسد سابق على مر العصور والسنين :
رُب لحدٍ قد صار لحداً مرارا ** ضاحكٍ من تزاحم الأضداد
ودفينٍ على بقايا دفين ** في طويل الأزمان والآباد
وبعدما بين لنا الشاعر أن تراب الأرض ماهو إلا بقايا من سبقونا , يحثنا هنا على سؤال الفرقدين وهما نجمان في بنات نعش الصغرى
"الدب الأصغر "، عن الأقوام والجماعات التي أقامت وارتحلت قبلنا , وعن البلاد التي أبصراها على مر الزمن , ويقول لك أيضاً إسألهما كم مرة مر عليهما منظر غروب الشمس وكم من مرة أنارا للسائرين في الظلمات واهتدى بهما التائهون في الصحراء السوداء ؟! :
فاسأل الفرقدين عمّن أحسّا ** من قبيلٍ وآنسا من بلاد
كم أقاما على زوال نهار ** وأنارا لمدلج في سواد
وفي البيت التالي يفجر الشاعر الحكيم قنبلة , حيث يقول أن الحياة الدنيا كلها تعب وشقاء , و أعجب شيء يحصل فيها هو حب الناس لها ورغبتهم في الزيادة منها مع أن كلها شقاء وتعب :
تعبٌ كلها الحياة فما أعـ ** جب إلا من راغبٍ في ازدياد
ثم يوضح لنا الشاعر بعد ذلك أمراً مهماً يدل على أن الحياة كلها تعب وعناء , فيقول إن الإنسان عند وفاته يحزن عليه الناس حزناً أضعاف ما سعدوا به عند ولادته :
إنّ حزناً في ساعة الموت أضعا**ف سرورٍ في ساعة الميلاد
وهنا ينتقد الشاعر على الأقوام التي تظن أن الناس قد خلقوا للفناء و أن الموت هو المحطة الأخيرة وأنهم لن يبعثوا . ويقول لهم: أن الناس إنما ينتقلون من الحياة الدنيا إلى الحياة الآخرة والتي إما أن تكون دار سعادة وإما أن تكون دار شقاء .
خُلق الناس للبقاء فضلّت ** أمة يحسبونهم للنفاد
إنما ينقلون من دار أعما ** لٍ إلى دار شِقوة أو رشاد
ثم يشبه الشاعر الموت بالنوم , والعيش بالسهر . فيقول أن ضجعة الموت إنما هي رقدة يستريح بها الجسم من الحياة التي هي مثل السهر المؤرّق وهو السهاد :
ضجعة الموت رقدة يستريح الـ ** جسم فيها والعيش مثل السهاد
والآن مع ابيات القصيدة :-
غيـرُ مـجـدٍ فــي ملّـتـي واعتـقـادي
نــــوح بــــاكٍ ولا تــرنـــم شـــــاد
وشـبـيـهٌ صـــوت الـنـعـيّ إذا قِـــي
س بصـوت البشيـر فـي كــل نــاد
أبَــكَـــت تــلــكــم الـحـمــامــة أم غ
نّــت عـلـى فــرع غصنـهـا المـيّـاد
صـاح ! هـذي قبـورنـا تـمـلأ الــرُح
بَ فـأيـن القـبـور مــن عـهـد عــاد
خـفـف الــوطء مــا أظــن أديــم ال
أرض إلا مــــن هــــذه الأجــســاد
وقـبـيــح بــنـــا وإن قـــــدُم الــعـــه
د هــــــوان الآبــــــاء والأجـــــــداد
سر إن اسطعت في الهـواء رويـداً
لااخـتـيـالاً عـلــى رفـــات الـعـبــاد
رُب لحـدٍ قـد صــار لـحـداً مــراراً
ضـاحــكٍ مـــن تـزاحــم الأضـــداد
ودفــيـــنٍ عــلـــى بـقــايــا دفـــيـــن
فـــي طـويــل الأزمــــان والآبــــاد
فـاســأل الفـرقـديـن عـمّــن أحــسّــا
مـــن قـبـيـلٍ وآنــســا مــــن بــــلاد
كــــم أقــامــا عــلــى زوال نــهــار
وأنـــــارا لـمــدلــج فـــــي ســــــواد
تــعــبٌ كـلـهــا الـحــيــاة فــمـــا أع
جـب إلا مـن راغــبٍ فــي ازديــاد
إنّ حزناً في ساعـة المـوت أضعـا
ف ســرورٍ فــي سـاعــة الـمـيـلاد
خُــلــق الــنــاس لـلـبـقـاء فـضـلّــت
أمــــــــة يـحـسـبـونــهــم لــلــنــفـــاد
إنــمــا يـنـقـلـون مــــن دار أعــمــا
لٍ إلــــى دار شِــقـــوة أو رشـــــاد
ضجعـة المـوت رقـدة يستريـح ال
جسـم فيـهـا والعـيـش مـثـل السـهـاد
أبَـنــات الـهـديـل أسـعــدن أو عــــد
ن قــلــيــلَ الـــعـــزاء بــالإســعــاد
إيـــــــه لله درّكـــــــن فــأنــتـــن ال
لــواتــي تـحـســنّ حــفــظ الـــــوداد
بـيـد أنّــي لا أرتـضـي مــا فعـلـت
نّ وأطـواقــكــنّ فــــــي الأجـــيـــاد
فـتـسـلّـبــن واســتــعــرن جـمـيــعــاً
مــن قمـيـص الـدجـى ثـيـاب حــداد
ثــم غـــردن فـــي الـمـآتـم وانـــدب
ن بشـجـوٍ مـــع الـغـوانـي الـخــراد
قصـد الدهـر مـن أبـي حمـزة الأّوّ
اب مولـى حِـجـىً وخــدن اقتـصـاد
وفـقـيـهـاً أفــكــاره شـــــدن لـلــنّــع
مـــان مـالــم يـشــده شـعــر زيـــاد
فـالــعــراقــيُّ بـــعــــده لـلــحــجــاز
يّ قـلـيـل الـخــلاف سـهــل الـقـيـاد
وخطيـبـاً لــو قــام بـيــن وحـــوش
عــلّــم الـضـاريــات بِــــرّ الـنِّــقــاد
راويــاً للحـديـث لــم يـحـوج الـمــع
روف مــن صـدقـه إلــى الأسـنــاد
أنفـق العـمـر ناسـكـاً يطـلـب الـعـل
م بـكـشـفٍ عـــن أصـلــه وانـتـقـاد
مستقـي الكـف مــن قلـيـبِ زجــاجٍ
بــغــروب الــيــراع مــــاء مـــــداد
ذا بـنــانٍ لا تـلـمـس الـذهــب الأح
مـر زهـداً فــي العسـجـد المستـفـاد
ودّعــــا أيــهـــا الـحـفـيّــان ذاك ال
شـخــص إنّ الـــوداع أيــســر زاد
واغسـلاه بالـدمـع إن كــان طـهـراً
وادفـنــاه بـيــن الـحـشــى والــفــؤاد
واحبواه الأكفـان مـن ورق المـص
حــف كـبـراً عــن أنـفـس الأبـــراد
واتـلـوَا النـعـش بـالـقـراءة والـتــس
بـــيـــح لا بـالـنـحـيــب والـــعــــداد
أســــفٌ غــيــرُ نــافــع واجـتــهــادٌ
لا يـــؤدّي إلــــى غَــنــاء اجـتـهــاد
طالما أخـرج الحزيـن جـوى الحـز
ن إلــــى غــيــر لائــــقٍ بـالـســداد
مـثـلَ مــا فـاتـت الـصــلاة سلـيـمـا
ن فـأنـحـى عـلــى رقـــاب الـجـيـاد
وهو من سُخـرت لـه الإنـس والـج
ن بـمـا صــح مــن شـهـادة صــاد
خاف غدر الأنـام فاستـودع الـرِّي
ح سـلــيــلاً تــغـــذوه درّ الـعــهــاد
وتــوخــى لــــه الـنـجــاة وقــــد أي
قــــــن أن الــحِــمــام بـالـمــرصــاد
فرمـتـه بـــه عـلــى جـانــب الـكــر
ســــيّ أم الـلُّـهَـيــم أخـــــت الــنـــآد
كيـف أصبحـت فـي محلّـك بـعـدي
يـاجـديـراً مــنــي بـحـســن افـتـقــاد
قــد أقـــرّ الطـبـيـب عـنــك بـعـجـز
وتــقـــضّـــى تَــــــــرددُ الــــعــــوّاد
وانتهى اليأس منك واستشعر الوج
د بــــأن لامــعــاد حــتــى الـمـعــاد
هـجــد الـسـاهـرون حــولــك لـلـتــم
ريـــض ويــــحٌ لأعــيــن الـهـجّــاد
مــن أســرة مـضـوَا غـيـر مـغـرو
ريــن مــن عيـشـة بــذات ضـمــاد
لا يـغـيّـركـم الـصـعـيــد وكــونـــوا
فيـه مـثـل السـيـوف فــي الأغـمـاد
فـعـزيــزٌ عــلــي خــلـــطُ الـلـيـالــي
رِمِّ أقــدامــكــم بِــــــرِمّ الـــهـــوادي
كـنـتَ خــل الـصـبـا فـلـمـا أراد ال
بـيـن وافـقـتَ رأيـــه فـــي الـمــراد
ورأيــــت الــوفــاء لـلـصـاحـب الأ
ول مـــن شـيـمـة الـكــرام الـجــواد
وخلعـت الشـبـاب غـضّـاً فـيـا لــي
تــــــك أبـلـيــتــه مــــــع الأنــــــداد
فـاذهـبـا خــيــر ذاهـبـيــن حـقـيـقـي
نِ بـسـقــيــا روائـــــــح وغـــــــواد
ومَـــــراثٍ لـــــو أنــهـــن دمـــــوعٌ
لـمَـحَـون الـسـطـور فـــي الإنـشــاد
زحــــلٌ أشــــرف الـكــواكــب داراً
مــن لـقــاء الـــردى عـلــى مـيـعـاد
ولِـنـار المـريـخ مــن حَـدَثَـان الــده
ر مـطـفٍ وإن عـلَــت فـــي اتـقــاد
والـثــريــا رهـيــنــةٌ بـافــتــراق ال
شـمـل حـتــى تُـعــدُّ فـــي الأفـــراد
فلـيـكـن للـمـحـسّـن الأجــــلُّ الــمــم
دودُ رغــمـــاً لآنــــــف الــحــســاد
وليـطـب عــن أخـيـه نفـسـاً وأبـنــا
ء أخـــيــــه جـــرائــــحِ الأكـــبــــاد
وإذا البحـر غــاض عـنـي ولــم أر
وَ فـــــلا رِيّ بـــادّخـــار الــثِّــمــاد
كــل بـيـت للهدم مــا تبتـنـي الــور
قــــاء والـسـيــد الـرفـيــع الـعــمــاد
والفـتـى ظـاعـنٌ ويكـفـيـه ظـــل ال
سـدر ضـربَ الأطـنـاب والأوتــاد
بــان أمـــر الإلـــه واخـتـلـف الـنــا
سُ فـــداع إلـــى ضــــلال وهــــاد
والــــذي حــــارت الـبـريــة فــيـــه
حـيــوان مسـتـحـدث مــــن جــمــاد
واللبـيـب اللبـيـب مــن لـيـس يـغـت
رُّ بـــكـــونٍ مــصــيــره لـلـفــســاد
( 363-449 )
يعد شعره من أفضل الشعر في العصر العباسي
وهذه القصيدة في رثاء/ الفقيه الحنفي الحلبي تعدّ من أعظم قصائد الرثاء في تراثنا العربي
القديم والحديث ..
والشاعر هنا يتكلم عن الموت والحياة وينظر إليها نظرة الفيلسوف الحكيم .
يبدأ أبو العلاء قصيدته بطرح الفروق بين الموت والحياة فيذكر أن الحياة كالموت , والغناء كالبكاء . يقول :
غيرُ مجدٍ في ملّتي واعتقادي ** نوح باكٍ ولا ترنم شاد
ثم يقول أن صوت نعي الميت والبكاء عليه عند وفاته شبيه بصوت البشير الذي يبشر به عند ولادته في كل الأماكن والمجالس , ويشبّه الصوتين والتشابه بينهما بصوت الحمامة عندما تنوح فوق الأغصان , فنحن لا نعلم أحزينة هي أم سعيدة :
وشبيهٌ صوت النعيّ إذا قِيـ ** س بصوت البشير في كل ناد
أبَكَت تلكم الحمامة أم غـ *** نّت على فرع غصنها الميّاد
ثم يقول : يا عاقل و يافهيم! إذا كانت قبورنا نحن في حاضرنا تملأ الأرض الرحبة وفي كل مكان !!
فكيف بقبور الذين سبقونا ؟؟
لا شك أن الأرض عبارة عن مقبرة كبيرة ! :
صاح هذي قبورنا تملأ الرُحـ ** بَ فأين القبور من عهد عاد
ثم يقول لك أيها الحافظ لتراث أبائه وأجداده ألا يجدر بك أن تحترم رفاتهم وتقدر بقاياهم فقبيح بك أن تهينهم و إن طال العهد !!
وأقل ذلك أن تخفف من وطئك على الأرض فلا أظن ترابها إلا من أجساد أسلافك الذين سبقوك :
خفف الوطء ما أظن أديم الـ ** أرض إلا من هذه الأجساد
وقبيح بنا وإن قدُم العهـ ** د هوان الآباء والأجداد
ثم يذكر لك حلاً لذلك , فيقول لك :
إن استطعت أن تسير في الهواء على مهل فافعل ، بدلاً من أن تمشي باختيال على رفات وبقايا العباد !! :
سر إن اسطعت في الهواء رويداً ** لا اختيالاً على رفات العباد
ويقول في البيت التالي :
رب لحد قد صار لحداً عدة مرات حيث وضع فيه ميت وبعد فترة وضع فيه ميت آخر وهكذا !!
حتى إن اللحد نفسه ليضحك من كثرة من مر عليه من الأموات المتضادّين في الصفات مابين صالح وطالح وخير وشرير وذكي وأحمق وكريم وبخيل ... الخ , ويقول أيضاً أنه قد يدفن جسد في بقايا جسد سابق على مر العصور والسنين :
رُب لحدٍ قد صار لحداً مرارا ** ضاحكٍ من تزاحم الأضداد
ودفينٍ على بقايا دفين ** في طويل الأزمان والآباد
وبعدما بين لنا الشاعر أن تراب الأرض ماهو إلا بقايا من سبقونا , يحثنا هنا على سؤال الفرقدين وهما نجمان في بنات نعش الصغرى
"الدب الأصغر "، عن الأقوام والجماعات التي أقامت وارتحلت قبلنا , وعن البلاد التي أبصراها على مر الزمن , ويقول لك أيضاً إسألهما كم مرة مر عليهما منظر غروب الشمس وكم من مرة أنارا للسائرين في الظلمات واهتدى بهما التائهون في الصحراء السوداء ؟! :
فاسأل الفرقدين عمّن أحسّا ** من قبيلٍ وآنسا من بلاد
كم أقاما على زوال نهار ** وأنارا لمدلج في سواد
وفي البيت التالي يفجر الشاعر الحكيم قنبلة , حيث يقول أن الحياة الدنيا كلها تعب وشقاء , و أعجب شيء يحصل فيها هو حب الناس لها ورغبتهم في الزيادة منها مع أن كلها شقاء وتعب :
تعبٌ كلها الحياة فما أعـ ** جب إلا من راغبٍ في ازدياد
ثم يوضح لنا الشاعر بعد ذلك أمراً مهماً يدل على أن الحياة كلها تعب وعناء , فيقول إن الإنسان عند وفاته يحزن عليه الناس حزناً أضعاف ما سعدوا به عند ولادته :
إنّ حزناً في ساعة الموت أضعا**ف سرورٍ في ساعة الميلاد
وهنا ينتقد الشاعر على الأقوام التي تظن أن الناس قد خلقوا للفناء و أن الموت هو المحطة الأخيرة وأنهم لن يبعثوا . ويقول لهم: أن الناس إنما ينتقلون من الحياة الدنيا إلى الحياة الآخرة والتي إما أن تكون دار سعادة وإما أن تكون دار شقاء .
خُلق الناس للبقاء فضلّت ** أمة يحسبونهم للنفاد
إنما ينقلون من دار أعما ** لٍ إلى دار شِقوة أو رشاد
ثم يشبه الشاعر الموت بالنوم , والعيش بالسهر . فيقول أن ضجعة الموت إنما هي رقدة يستريح بها الجسم من الحياة التي هي مثل السهر المؤرّق وهو السهاد :
ضجعة الموت رقدة يستريح الـ ** جسم فيها والعيش مثل السهاد
والآن مع ابيات القصيدة :-
غيـرُ مـجـدٍ فــي ملّـتـي واعتـقـادي
نــــوح بــــاكٍ ولا تــرنـــم شـــــاد
وشـبـيـهٌ صـــوت الـنـعـيّ إذا قِـــي
س بصـوت البشيـر فـي كــل نــاد
أبَــكَـــت تــلــكــم الـحـمــامــة أم غ
نّــت عـلـى فــرع غصنـهـا المـيّـاد
صـاح ! هـذي قبـورنـا تـمـلأ الــرُح
بَ فـأيـن القـبـور مــن عـهـد عــاد
خـفـف الــوطء مــا أظــن أديــم ال
أرض إلا مــــن هــــذه الأجــســاد
وقـبـيــح بــنـــا وإن قـــــدُم الــعـــه
د هــــــوان الآبــــــاء والأجـــــــداد
سر إن اسطعت في الهـواء رويـداً
لااخـتـيـالاً عـلــى رفـــات الـعـبــاد
رُب لحـدٍ قـد صــار لـحـداً مــراراً
ضـاحــكٍ مـــن تـزاحــم الأضـــداد
ودفــيـــنٍ عــلـــى بـقــايــا دفـــيـــن
فـــي طـويــل الأزمــــان والآبــــاد
فـاســأل الفـرقـديـن عـمّــن أحــسّــا
مـــن قـبـيـلٍ وآنــســا مــــن بــــلاد
كــــم أقــامــا عــلــى زوال نــهــار
وأنـــــارا لـمــدلــج فـــــي ســــــواد
تــعــبٌ كـلـهــا الـحــيــاة فــمـــا أع
جـب إلا مـن راغــبٍ فــي ازديــاد
إنّ حزناً في ساعـة المـوت أضعـا
ف ســرورٍ فــي سـاعــة الـمـيـلاد
خُــلــق الــنــاس لـلـبـقـاء فـضـلّــت
أمــــــــة يـحـسـبـونــهــم لــلــنــفـــاد
إنــمــا يـنـقـلـون مــــن دار أعــمــا
لٍ إلــــى دار شِــقـــوة أو رشـــــاد
ضجعـة المـوت رقـدة يستريـح ال
جسـم فيـهـا والعـيـش مـثـل السـهـاد
أبَـنــات الـهـديـل أسـعــدن أو عــــد
ن قــلــيــلَ الـــعـــزاء بــالإســعــاد
إيـــــــه لله درّكـــــــن فــأنــتـــن ال
لــواتــي تـحـســنّ حــفــظ الـــــوداد
بـيـد أنّــي لا أرتـضـي مــا فعـلـت
نّ وأطـواقــكــنّ فــــــي الأجـــيـــاد
فـتـسـلّـبــن واســتــعــرن جـمـيــعــاً
مــن قمـيـص الـدجـى ثـيـاب حــداد
ثــم غـــردن فـــي الـمـآتـم وانـــدب
ن بشـجـوٍ مـــع الـغـوانـي الـخــراد
قصـد الدهـر مـن أبـي حمـزة الأّوّ
اب مولـى حِـجـىً وخــدن اقتـصـاد
وفـقـيـهـاً أفــكــاره شـــــدن لـلــنّــع
مـــان مـالــم يـشــده شـعــر زيـــاد
فـالــعــراقــيُّ بـــعــــده لـلــحــجــاز
يّ قـلـيـل الـخــلاف سـهــل الـقـيـاد
وخطيـبـاً لــو قــام بـيــن وحـــوش
عــلّــم الـضـاريــات بِــــرّ الـنِّــقــاد
راويــاً للحـديـث لــم يـحـوج الـمــع
روف مــن صـدقـه إلــى الأسـنــاد
أنفـق العـمـر ناسـكـاً يطـلـب الـعـل
م بـكـشـفٍ عـــن أصـلــه وانـتـقـاد
مستقـي الكـف مــن قلـيـبِ زجــاجٍ
بــغــروب الــيــراع مــــاء مـــــداد
ذا بـنــانٍ لا تـلـمـس الـذهــب الأح
مـر زهـداً فــي العسـجـد المستـفـاد
ودّعــــا أيــهـــا الـحـفـيّــان ذاك ال
شـخــص إنّ الـــوداع أيــســر زاد
واغسـلاه بالـدمـع إن كــان طـهـراً
وادفـنــاه بـيــن الـحـشــى والــفــؤاد
واحبواه الأكفـان مـن ورق المـص
حــف كـبـراً عــن أنـفـس الأبـــراد
واتـلـوَا النـعـش بـالـقـراءة والـتــس
بـــيـــح لا بـالـنـحـيــب والـــعــــداد
أســــفٌ غــيــرُ نــافــع واجـتــهــادٌ
لا يـــؤدّي إلــــى غَــنــاء اجـتـهــاد
طالما أخـرج الحزيـن جـوى الحـز
ن إلــــى غــيــر لائــــقٍ بـالـســداد
مـثـلَ مــا فـاتـت الـصــلاة سلـيـمـا
ن فـأنـحـى عـلــى رقـــاب الـجـيـاد
وهو من سُخـرت لـه الإنـس والـج
ن بـمـا صــح مــن شـهـادة صــاد
خاف غدر الأنـام فاستـودع الـرِّي
ح سـلــيــلاً تــغـــذوه درّ الـعــهــاد
وتــوخــى لــــه الـنـجــاة وقــــد أي
قــــــن أن الــحِــمــام بـالـمــرصــاد
فرمـتـه بـــه عـلــى جـانــب الـكــر
ســــيّ أم الـلُّـهَـيــم أخـــــت الــنـــآد
كيـف أصبحـت فـي محلّـك بـعـدي
يـاجـديـراً مــنــي بـحـســن افـتـقــاد
قــد أقـــرّ الطـبـيـب عـنــك بـعـجـز
وتــقـــضّـــى تَــــــــرددُ الــــعــــوّاد
وانتهى اليأس منك واستشعر الوج
د بــــأن لامــعــاد حــتــى الـمـعــاد
هـجــد الـسـاهـرون حــولــك لـلـتــم
ريـــض ويــــحٌ لأعــيــن الـهـجّــاد
مــن أســرة مـضـوَا غـيـر مـغـرو
ريــن مــن عيـشـة بــذات ضـمــاد
لا يـغـيّـركـم الـصـعـيــد وكــونـــوا
فيـه مـثـل السـيـوف فــي الأغـمـاد
فـعـزيــزٌ عــلــي خــلـــطُ الـلـيـالــي
رِمِّ أقــدامــكــم بِــــــرِمّ الـــهـــوادي
كـنـتَ خــل الـصـبـا فـلـمـا أراد ال
بـيـن وافـقـتَ رأيـــه فـــي الـمــراد
ورأيــــت الــوفــاء لـلـصـاحـب الأ
ول مـــن شـيـمـة الـكــرام الـجــواد
وخلعـت الشـبـاب غـضّـاً فـيـا لــي
تــــــك أبـلـيــتــه مــــــع الأنــــــداد
فـاذهـبـا خــيــر ذاهـبـيــن حـقـيـقـي
نِ بـسـقــيــا روائـــــــح وغـــــــواد
ومَـــــراثٍ لـــــو أنــهـــن دمـــــوعٌ
لـمَـحَـون الـسـطـور فـــي الإنـشــاد
زحــــلٌ أشــــرف الـكــواكــب داراً
مــن لـقــاء الـــردى عـلــى مـيـعـاد
ولِـنـار المـريـخ مــن حَـدَثَـان الــده
ر مـطـفٍ وإن عـلَــت فـــي اتـقــاد
والـثــريــا رهـيــنــةٌ بـافــتــراق ال
شـمـل حـتــى تُـعــدُّ فـــي الأفـــراد
فلـيـكـن للـمـحـسّـن الأجــــلُّ الــمــم
دودُ رغــمـــاً لآنــــــف الــحــســاد
وليـطـب عــن أخـيـه نفـسـاً وأبـنــا
ء أخـــيــــه جـــرائــــحِ الأكـــبــــاد
وإذا البحـر غــاض عـنـي ولــم أر
وَ فـــــلا رِيّ بـــادّخـــار الــثِّــمــاد
كــل بـيـت للهدم مــا تبتـنـي الــور
قــــاء والـسـيــد الـرفـيــع الـعــمــاد
والفـتـى ظـاعـنٌ ويكـفـيـه ظـــل ال
سـدر ضـربَ الأطـنـاب والأوتــاد
بــان أمـــر الإلـــه واخـتـلـف الـنــا
سُ فـــداع إلـــى ضــــلال وهــــاد
والــــذي حــــارت الـبـريــة فــيـــه
حـيــوان مسـتـحـدث مــــن جــمــاد
واللبـيـب اللبـيـب مــن لـيـس يـغـت
رُّ بـــكـــونٍ مــصــيــره لـلـفــســاد