اسامه الدندشي
11-01-2011, 00:53
ملوك الغساسنة
وعدة ملوك الغساسنة على رواية حمزة اثنان وثلاثون ملكا، ملكوا ستمائة وست عشرة سنة. أما "المسعودي"، فجعل عددهم أحد عشر ملكا.
وقد رتب المسعودي اسماء الملوك على هذا النحو: "الحارث بن عمرو بن عامر بن حارثة بن امرىء القيس."، ثم "الحارث بن ثعلبة بن جفنة بن عمرو" ثم "النعمان بن الحارث بن جبلة بن الحارث بن ثعلبة بن جفنة"، ثم "المنذر أبو شمر بن جبلة بن ثعلبة"، ثم "عوف بن أبي شمر"، ثم "الحارث بن أبي شمر"، وكان ملكه حين بعث رسول الله، ثم جبلة بن الأيهم. والأسماء المذكورة هي أقل من الرقم المذكور كما نرى بكثير، إذ هي سبعة فقط، على حين يجب أن تكون بحسبروايته أحد عشر اسم.
وفي الذي ذكره حمزة عن مدة حكم الغساسنة، مبالغة فلو أخذنا بالعدد الذي ذكره لمجموع ملوكهم، وهو ست عشرة وستمائة سنة، لوجب علينا القول بأن ابتداء حكمهم كان حوالي الميلاد. وهو قول لم يقله أحد، ولا يؤيده أي سند أو دليل. والذي نعرفه أن مدة حكهم هي دون المدة المذكورة بكثير، كما أن في الترتيب الذي ذكره حمزة لملوكهم تكرارا وزيادات. وهو يخالف ما نراه عند المؤرخين الآخرين الذين تعرضوا لآل غسان.
وتختلف قائمة "ابن قتيبة الدينوري" بأسماء ملوك غسان اختلافا كبيرا عن قائمة "حمزة" وعن قائمة "المسعودي". وقد ذكرت فيما مضى أنه جعل "الحارث بن عمرو" المعروف بمحرق أول ملك من ملوك غسان، ثم جعل من بعده الحارث الأعرج،ثم الحارث الأصغر، ثم النعمان،وهو شقيق الحارث الأصغر. وقد ذكر أنه كان للنعمان بن الحارث ثلاثة بنين هم: حجر بن النعمان وبه كان يكنى، والنعمان بن النعمان، وعمرو بن النعمان. وقال إن فيهم يقول حسان ابن ثابت:
من يغر الدهر أو يأمنه من قتيل بعد عمرو وحجر
ملكا من جبل الثلج إلى جانبي أيلة من عبد وحر
وقال "ابن قتيبة الدينوري": ومن ولد الحارث الأعرج أيضا عمرو بن الحارث،الذي كان النابغة صار إليه حين فارق النعمان بن المنذر،وفيه يقول النابغة:
علي لعمرو نعمة بعد نعمة لوالده ليست بذات العقارب
قال: وكان يقال لعمرو أبو شمر الأصغر، ومن ولده المنذر بن الحارث، والأيهم بن الحارث، وهو والد جبلة بن الأيهم آخر ملوك غسان.
وقد ذكر في كتب السير والتواريخ اسم أمير غساني، هو الحارث بن أبي شمر الغساني، وهو الذي أرسل الرسول إليه شجاع بن وهب ليطلب إليه الدخول في الإسلام، وكان ملكه على ما يذكره الأخباريون في الشام، وكان له قصر منيف وحجاب. وذكر الطبري أنه كان "صاحب دمشق". وقد أدخله "محمد بن حبيب" في جملة "العرجان الأشراف. وقد عرف ب "الحارث الأصغر" في شعر لحسان بن ثابت.
وأرى إن الحارث بن أبي شمر هدا هو "الحارث" معاصر "جبلة بن الأيهم" الذي أشار حسان إليه.
وقد كان "حسان بن ثابت " زار الحارث بن أبى شمر الغساني، وكان النعمان بن المنذر اللخمي يساميه، فقال له وهو عنده: يا ابن الفريعة، لقد نبئت أنك تفضل النعمان علي فقال: وكيف أفضله عليك ثم أخذ يشرح تفضيله له على النعمان حتى سر الحارث، ثم عاد حسان فنظم ما قاله نثرا فيه في أبيات زادت من سروره، وحصل، على جوائزه وعطاياه.
وذكر أن حسان بن ثابت كان يفد على جبلة بن الأيهم سنة، ويقيم سنة في أهله. فقال: "لو وفدت على الحارث أبي شمر الغساني فإن له قرابة ورحما بصاحبي، وهو أبذل الناس للمعروف، وقد يئس مني ان أفد عليه لما يعرف من انقطاعي إلى جبلة. فخرج في السنة التي كان يقيم فيها بالمدينة، حتى قدم على الحارث، وقد هيأ له مديحا. فقال له حاجبه وكان له ناصحا: "إن الملك قد سر بقدومك عليه، وهو لا يدعك حتى تذكر جبلة. فإياك أن تقع فيه، فانما يريد أن يختبرك، وإن رآك قد وقعت فيه زهد فيك، وإن رآك تذكر محاسنه ثقل عليه، فلا تبتدئ بذكره، وإن سألك عنه، فلا تطنب في الثناء عليه ولا تعيبه، امسح ذكره مسحا وجاوزه إلى غيره. ثم نصحه بنصائح أخرى تنم عن سلوك الحارث، وقد أفادته كثيرا. فلما دخل عليه، حسنت منزلته عنده وصار يدعوه،ثم حباه وأعطاه خمسمئة دينار وكسي و ألطافا وعاد إلى أهله. ولو صح هذا الخبر، فانه يدل على إن أمر الغساسنة في هذا ألوقت لم يكن واحدا، وان حكمهم كان قد تبدد وتشتت. وان جبله بن جبلة كان يحكم على جماعة من غسان، والحارث بن أبي شمر كان يحكم في الوقت نفسه على جماعة أخرى، وكل منهما كان يحلي نفسه بحلية الملك، ومن يدري فلعل أشخاصا آخرين. كانوا ينازعونهما الحكم أيضا، ويحلون أنفسم بلقب "ملك"، اللقب الحبيب الذي لم يكن يرتفع في الواقع عن درجة سيد قبيلة أو "شيخ" عشيرة في اصطلاحنا في الوقت الحاضر.
وقد ذكر أهل الأخبار اسم رجل قالوا انه كان قائدا من قواد "الحارث بن ابي شمر"، ودعوه ب "النعمان بن وائل بن الجلاح الحلي"، وذكروا انه أغار على بني فزارة وبني ذبيان، فاستباحهم، وسبي سبيا من غطفان. وأخذ "عقرب" بنت النابغة الذبياني. فلما سألها، فانتسبت إلى أبيها، من عليها ثم أطلق له سبي غطفان. فلما سمع بذلك النابغة، مدحهه بقصيدة. وسبق أن تحدثت عن النعمان بن الجلاح الكلبي" في أثناء كلامي على الملك "النعمان بن الحارث" حين أغار قوم النابغة على أعراب "النعمان بن الحارث" بوادي أقر،وكان النابغة قد نهى قومه وحذرهم من التحرش بهم فخالفوا رأيه،فأوقع بهم "ابن الجلاح" خسائر فادحة.
وفي ديوان حسان قصيدة، مطلعها: إني حلفت يمينا غير كاذبة لو كان للحارث الجفني أصحاب
يذكر شراحها أنه نظمها في رثاء ألحارث الجفني"، وقالوا إن الحارث الجفني المذكور هو الحارث بن أبي شمر الغساني. وقد ذكروا أنه دافع فيها عن هزيمة أدركت الحارث في إحدى حروبه، فعاد ومن معه بغير أسلاب ولا أسرى بل يظهر من أبياتها أن العدو أوقع به فقتل من جمعه، وقد اعتذر الحارث بأن من معه لم يكونوا من "جذم غسان" وإنما كانوا من "مأشبة الناس" اي جماعة أوشاب الناس وأوباشهم أي الأخلاط التي تجتمع من كل أوب. ومثل هؤلاء لا تكرثهم الهزيمة، ولا يبالون بذلك، إذ لا أحساب لهم ولا شرف، فلا عجب إن أصيب بخيبة في هذه المعركة ومعه مثل هؤلاء الناس. ويظهر من القصيدة المذكورة، أن الحارث ين أبي شمر، كان قد توفي قبل "جبلة بن الأيهم ". وذلك لرثاء حسان له ولاجماع أهل الأخبار على إن جبلة عاش أمدا بعد ظهور الإسلام، وأنه مات في بلاد الروم بعيدا عن بلاد الشام وعن أرض آبائه وأجداده. وبدليل ما ورد في تأريخ الطبري من أن الرسول ارسل شجاعا بن وهب إلى رجل من غسان اسمه "المنذر بن الحارث بن أبي شمر الغساني". يدعوه إلى الإسلام. وهذا الرجل هو أحد أبناء الحارث المذكور. وذكر الأخباريون رجلا آخر من غسان، دعوه "عديا"، وقالوا إنه ابن اخت الحارث بن أبي شمر الغساني، وإنه اغار على بنى أسد، فلقيته "بنو سعد ابن ثعلبة بن دودان" بالفرات، ورئيسهم "ربيعه بن حذار الأسير"،فاقتتلوا قتالا شديدا، فقتلت بنو سعد عديا. وقد سمي "محمد بن حبيب" هذا اليوم الذي وقع فيه القتال "يوم الفرات".
وأشار الواقدي إلى ملك غساني اسمه "شرحبيل بن عمرو الغساني". وذكر أنه قتل رسول رسول الله الى ملك بصرى في مؤتة. ويشك "نولدكه"في نسبة هذا الأمير إلى الغسانيين، وحجته في ذلك أن الواقدي ذكره في موضع اخر مع أخويه "سدوس" و "بر"، ونسبه في هذا الموضع الى الأزد. ثم انه لم يكن من عادة الغساسنة على رأيه ذكر لقب الغساني بعد الاسم.
وأشير في كتب الأدب إلى اسم ملك من ملوك "غسان" قالوا له "قرص"، لم يذكروا عنه شيئا ذكروه في حديثهم عن. "عدي" قالوا: انه ابن "أخي قرص الغساني"، وكان "عدي" هذا قد غزا "بني أسد" فقتلوه،وأوردوا في ذلك شعرا نسبوه إلى الغساني:
لعمرك ما خشيت على عدي رماح بني مقيدة الحمار
ولكني خشيت على عدي رماح الجن أو اياك حار
ولم يرد اسم هذا الملك في القوائم التي وضعها المؤرخون أمثال اليعقوبي والطبري والمسعودي وابن خلدون وامثالهم لملوك غسان. وعدي المذكور في خبر "قرص"، هو "عدي" المتقدم ولا شك.
وقد وفد " حسان بن ثابت" على "عمرو بن الحارث"، فاعتاص الوصول إليه، فلما طال انتظاره، قال للحاجب: "إن أذنت لي عليه، وإلا هجوت اليمن كلها، ثم انقلبت عليكم". فأذن له ودخل عليه، فوجد عنده "النابغة" وهو جالس عن يمينه، و "علقمه بن عبدة" وهو جالس عن يساره، فقال له "عمرو": "يا ابن الفريعة قد عرفت عيصك ونسبك في غسان فارجع، فاني باعث اليك بحلة سنية ولا احتاج إلى الشعر، فإني أخاف عليك هذين السبعين: النابغة وعلقمة، أن يفضحاك، وفضيحتك فضيحتي" ثم تلا عليه شعرا مما قاله الشاعران في مدحه. فأبى إلا إن يقول شعرا فيه، وطلب من الشاعرين أن يسمحا له بالقول، فقال في قصيدته التي تبدأ بقوله:
أسألت رسم الدار أم لم تسأل بين الجوابي فالبضيع فحومل
وقد أورد في هذه القصيدة أسماء مواضع، منها: "الجوابي"، أي "جابية الجولان"، و "البضيع" أو "البصيع"، وهو جيل قصير أسود على تل بأرض البلسة فيما بين "سيل" و "ذات الصنمين" و "حومل" و "مرج الصفرين"، وهو موضع بغوطة دمشق، و"جاسم"، وهي قرية بينها وبين دمشق ثمانية فراسخ على يمين الطريق إلى طبرية. وكل هذه الأماكن الي ذكرها هي منازل كانت لال جفنة، الا انها خربت، وتركها أهلها حتى صارت دوارس تعاقبها الرياح.
ثم تطرق إلى ذكر من كان يناديهم ب "جلق "، وهو موضع قيل انه بقرب دمشق، وقيل انه "دمشق": كيف كانوا كرماء أجوادا يجودون على من يفد عليهم، لا فرق عندهم بين غني وفقير، يمشون في الحلل القشيبة المضاعف نسجها، ويجيرون من يستجير بقبر أبيهم "ابن مارية الكريم المفضل"،فلا يخاف من عدو ولا يخشى من اعتداء يقع عليه. كلابهم لا تهر، لأنها ألفت الضيوف وأنست بهم من كثرة تدفقهم عليهم، يسقون ماء باردا من "البريص"، ومن "بردا"، وهما نهران بدمشق، ممزوجا بالرحيق. ثم تذكر "قصر دومة" أي دومة الجندل، وكيف شرب الخمر في حانوتها من ساق متنطف أي مقرط وضع القرط في أذنه، والمنطقة في وسطه.
وجلق كما ذكرت موضع من مواضع الغساسنة، ويشير أن سلطان البيزنطيين لم يكن كبيرا عليه. وقد اشتهر ببساتينه وبكثرة أشجار الزيتون به، وبوفرة مياهه وقد تغنى به الشعراء في الإسلام، فورد ذكره في شعر أبي نواس. وكان الغساسنة يدفنون فيه موتاهم. ولهم ضريح ضم رفات ملوكهم. ومع شهرة المكان فقد اختلف الناس في تثبيت موضعه وتعيينه. والرأي الغالب انه ليس من أطراف دمشق كما ذهب، إلى ذلك بعض أهل الأخبار.
وقد ترك الروم ساقتهم ب "ثنية جلق"، وعليها صاحب الساقة، وذلك ليراقب المسلمين حينما تقدموا لطردهم من بلاد الشام. ولم يرد للغساسنة أي ذكر في الدفاع عن هذا المكان.
ويظهر من نظم هذه القصيدة، ومن أسلوبها ونفسها ومن تذكر "حسان" لآل جفنة بعد أن كبر وتقدمت به السن، إن هذا الشعر هو من الشعر ألمتأخر،ولا أستبعد أن يكون قد نظمه بعد زوال ملك "الغساسنة"، وقد أنشده أمام أحد الغساسنة المتأخرين، ولم يكن ملكا بالمعنى المفهوم من الملك.
وقد رثى حسان بن ثابت رجلا من غسان قتله كسرى، ولم يذكر اسمه، ولا الأسباب التي حملت كسرى على قتله، ولا الأحوال التي قتل فيها. ويظهر من سياق الشعر الذي رثي به ذلك القتيل أن هذا القتيل قد وقع بعد أفول نجم آل غسان وادبار الدنيا عنهم. ولعله كان قد قتله بعد احتلال الفرس لبلاد الشام. فكان هذا الغساني من المعارضين للفرس المناوئين لهم، ولذلك قتلوه في فترة احتلالهم لها.
وقد اشار "أبو الفرج الأصبهاني" إلى أمير غساني سماه: "يزيد بن عمرو الغساني"، ذكر أنه قتل الحارث بن ظالم. ولا نعرف من أمر هذا الأمر شيئا يذكر. وهناك روايات أخرى تنسب قتل الحارث إلى "النعمان الغساني"، على حين تنسبه روايات ثالثة إلى آل لخم ويرجح نولدكه الرأي الأخير.
وقد ورد في شعر لحسان بن ثابت هجاء ل"سلامة بن روح بن زنباع الجذامي"، وكان يلي العشور للروم، ولا بد أن يكون ذلك في أيام الغساسنة المتأخرين. وفد شبهه ب "سمية في لوح باب"، أي كأنه صورة مصورة، أو صنما معلقا على لوح باب.
ومن الأماكن التي وردت في شعر "حسان ين ثابت" على أنها من مواضع للغساسنة " الجواء" و "عذراء"، وهما موضعان بالشام بأكتاف دمشق. والى "عذراء" هذه يضاف "مرج عذراء"، وكانت في هذه المواضع منازل بني نجنة، لذلك ذكرها "حسان" في شعره. وذكر كذلك "بطن جلق" و "البلقاء"، و "المحبس" و "السند" و "بصرى" و "جبل الثلج".
أما ما يفهم من شعر، حسان وغير حسان من شمول ملك الغساسنة مدينة"دمشق" أو تجاورها ومن وصوله مواضع قريبة منها أو ملتصقة بها، فيجب أن نحمله محمل المجاز أو محمل مبالغات الشعراء في التفاخر والتباهي والمدح. فإذا استثنينا هذا الشعر لا نجد أي مورد تأريخي يقول باستيلاء الغساسنة على "دمشق" أو على مواضع متصلة بها. وكل ما نعرفه من الموارد التأريخية أن سلطانهم كان على أطراف بلاد الشام، أي على المواضع التي رأى الروم إن من الأصلح لهم تركها إلى أمراء غسان، لصعوبة ضبطها من الوجهة العسكرية بالنسبة اليهم. ولعل ما يذكره أولئك الشعراء هو تعبير عن قصور وأملاك اشتراها ملوك الغساسنة وأمراؤهم في "دمشق" وفي مواضع حضريه أخرى لقضاء بعض الوقت فيها كما يفعل الأمراء في الزمن الحاضر من شراء بيوت وقصور في لبنان وفي اوروبة يقيمون فيها بعض الوقت للتسلية والراحة. فزارهم فيها أولئك الشعراء، ووصفوها وصفا شاعريا، صور الشام وما حولها كأنها ملك من أملاك الغساسنة.
لقد كان "آل جفنة" كلهم على النصرانية عند ظهور الإسلام، وكانوا أصحاب دين وعقيدة، يدافعون عن مذهبهم كما رأينا. وكانت لهم بيع وكنائس بنوها لهم ولرعيتهم. وقد أشير إلى رجل عرف ب "أرطبان المرني"، قيل انه كان "شماسا،" في "بيعة غسان"، مما يدل على انها كانت بيعة خاصة بآل غسان.
وقد نسب بعض اهل الأخبار أماكن أخرى إلى الغساسنة، وذلك بالاضافة إلى الأماكن التي سبق إن تحدثت عنها. ومن هذه الأماكن: صفين. وقد زعموا إن منزل "جبلة بن النعمان" كان به، وقد كان في الوقت نفسه صاحب عين أباغ.
ومن الأماكن المنسوبة الى الغساسنة موضع "حارب". وقد ورد اسمه في شعر ينسب إلى النابغة حيث يقول: لئن كان للقبرين قبر بجلق وقبربصيداء التي عند حارب
وورد "قصر حارب". وقد نسبه "حمزة" إلى النعمان بن عمرو بن المنذر ويذ كر أهل الأخبار "السويداء" في جملة الأماكن التابعة للغساسنة. وقد رجع "حمزة" بناءها إن "النعمان بن عمرو بن المنذر". وتقع في "حوران". والرصافة من المواضع المهمة عند الغساسنة، ففيها مشهد القديس "سرجيوس" وهو من القديسين الجليلين عند الغساسنة، وكانوا يتبركون بزيارة قبره،ويتقربون إليه بالهدايا والنذور. وكان لآل جفنة مساكن فيها، وقد قاموا باصلاح ما كان يتهدم منها. فقام "النعمان بن الحارث بن الأيهم" باصلاح وترميم صهاريج المدينة. وكان "النعمان بن جبلة" فيمن أقام بها.
أما حدود مملكة الغساسنة، فلم تكن على وجه العموم ثابتة، بل كانت تتبدل وتتغير بحسب تبدل سلطة الملوك، وتغيرها، وهي عادة نجدها لدى جميع الممالك والامارات التي تكونت في البادية او على اطراف البوادي، حيث تكون معلرضة لغزو القبائل، ولنفوذ القبائل الفتية القوية التي تطمع في ملك الامارات التي تجد فيها شيئا من الوهن والضعف، وفي رؤسائها دعة او حزما . ولهذا نجد ملك الغساسنة يتوسع ويتقلص بحسب الظروف فيصل الى مقربة من دمشق، والى فلسطين الثانية و "الكورة العربية" و "فلسطين الثالثة" و"فينيقية لبنان". والى ولايات سورية الشمالية في بعض الاحيان. وفي مساحات شاسعة من البادية الى المدى الذي يصل اليه سلاحهم. ثم نجده تارة اخرى اقل من ذلك بكثير، لضعف الامير المالك ولطمع القبائل فيه ولأختلافه مع السلطات. ويظهر من شعر حسان ابن ثابت ان ملك الغساسنة كان يمتد من حوران الى خليج العقبة.
وتعد منطقة الجولان من من اشهر مناطق الغساسنة , وقد ورد ذكرها في الشعر العربي، وفيها قبر بعض الامراء الغسانيين. وهي من الارضين التابعة لولاية فلسطين الثانية في التقسيم الاداري عند الروم، وبها كان في الغالب مقر آل غسان. وقد اشتهرت الجابية بأنها مقر المولك، ولذلك عرفت بجابية الملوك، كما عرفت ايضا بجابية بجابية الجولان.
وقد ذهب بعض المستشرقين إلى أن قصر المشتى الذي نقلت بعض أحجار جدرانه المحفورة بالصور الجميلة إلى متحف برلين، هو من القصور الني أنشأها الغساسنة، وكذلك بعض الآثار الأخرى الواقعة في البادية.
وفي "البرج" عثر على كتابة يونانية جاء فيها: "البطريق الشريف والأمير المنذر". ويدل ذلك على أنه من آثار "المنذر" . أما بقية المواضع، وهي عديدة منتشرة في أماكن واسعة، فللعلماء في أصلها نظريات وآراء.
أمراء غساسنة
وذكر الأخباريون أمرا جفنيا دعوه "جفنة بن النعمان الجفني"، قالوا إنه غزا الحرة في أثناء ذهاب النعمان بن المنذر الذي قتله كسرى إلى البحرين،فأصاب في الحرة ما أحب. وذكروا أنه هو الذي عناه عدي بن زيد العبادي في قصيدة مطلعها:
سما صقر" فأشعل جانبيها والهاك المروح والعزيب
وذكر "ابو حنيفة الدينوري"اسم رجل من غسان، دعاه "خالد بن جبلة الغساني". قال عنه: "قالوا: وإن خالد بن جبلة الغساني غزا النعمان بن المنذر، وهو المنذر الأخر، وكانا منذرين، ونعمانين، فالمنذر الأول هو الذي قام بأمر بهرام جور، والمنذر الثاني الذي كان في زمان كسرى أنو شروان، وكان عمال كسرى على تخوم أرض العرب، فقتل من أصحاب المنذر مقتلة عظيمة، واستاق إبل المنذر وخيله، فكتب المنذر إلى كسرى أنو شروان يخبره بما ارتكبه منه خالد بن جبلة. وقد ذكره في موضع آخر، في أثناء كلآمه على ذهاب "كسرى" إلى قيصر، إذ قال: "وسار كسرى حتى" انتهى إلى اليرموك فخرج إليه خالد بن جبلة الغساني فقراه، ووجه معه خيلا حتى بلغ قيصر.
وقد مدح حسان بن ثابت الأنصاري أمرين من أمراء غسان، هما: عمرو وحجر. وقد ذكر أنها ملكا من "جبل الثلج حتى جانبي "أيلة" وانهما غزوا أرض فارس. ويرى "نولدكه" احتمال كون حجر هذا هو أحد أبناء النعمان الذي كني بأبي حجر.
وقد ذهب بعض الأخباريين الى أن عمرا المذكور في هذه الأبيات هو عمرو بن عدي ين حجر بن الحارث. وأما حجر، فهو حجر بن النعمان بن الحارث بن أبي شمر. والذي يتبين من هذه القصيدة أن الملكين المذكورين حكما في زمن واحد، وغزوا مشتركين أرض فارس، ويقتضي ذلك أن يكونا قريبين، كأن يكونا أبا أو ابنا، أو أخوين أو أن كل واحد منهما كان يحكم فرعا من فروع غسان، وذلك بعد تصدع أمر غسان وانقسامهم إلى جملة. "مشيخات".
ويرى "ابن الأثير" أن: أبا جبيلة عبيد بن مالك بن سالم، وهو ملك من ملوك غسان على رواية بعض الأخباريين، لم يكن من ال غسان، وانما كان من "بني غضب بن جشم بن الخزرج"،ذهب إلى غسان فصار عظيما عند ملكهم، مطاعا بينهم، واليه ذهب "مالك بن العجلان الخزرجي" مستجيرا به من يهود يثرب، فانجده وسار معه حتى أوقع في اليهود، ثم رجع عائدا إلى غسان. ولعل "أبا جبيلة الغساني"، الذي ذهب إليه الشاعر الجاهلي "الرمق بن زيد ابن غنم"، هو هذا الملك الذي نتحدث عنه.
ويتبين من شعر للاعشى ميمون بن قيس أنه زار الغساسنة، وصحب ملوكهم في ديار الشام، واتصل بهم، وقد خاطب احدهم بقوله: "اليك ابن جفنة" غير أنه لم يذكر اسمه.
ووصل الينا اسم أمير من غسان، هو "الشيظم بن الحارث الغساني"، قتل رجلا من قومه، وكان المقتول ذا أسرة، فخافهم فلحق بالعراق أو بالحيرة متنكرا، وكان من أهل بيت الملك، ومكث أمدأ متنكرا، حتى وافق غرة من القوم،فركب فرسا جوادا من خيل المنذر وخرج من الحيرة يتعسف الأرض، حتى نزل بحي، من "بهراء" فأخبرهم بشأنه، فأعطوه زادآ ورمحأ وسيفأ وخرج حتى أتى الشام فصادف الملك متبديا، فأتى قبته، وقص قصته،فبعث إلى أولياء المقتول فأرضاهم عن صاحبهم.
قوائم ملوك الغساسنة
ولا بد لي، وقد انتهيت من الكلام على الغساسنة، من الاشارة إلى ضعف مادة الأخباريين عنهم، وقلة معرفتهم بهم، فانت إذا درست هذا الذي رووه عنهم، وحللته تحليلاعلميا لا تخرج منه الا بنتائج تأريخية محدودة ضيقة تريك انهم لم يكونوا يعرفون من أمرهم الا القليل، وانهم لم يحفظوا من أسماء أفراد الأسرة الحاكمة غير أسماء قليلة، وما عداها فتكرار واعاسة لهذه الأسماء القليلة، او اوهام. وأنت إذا راجعت التواريخ مثل تأريخ الطبري لا تكاد تجد فيها شيئا يذكر عن هذه الأسرة. وقد تفوق كتب الأدب كتب التأريخ في هذا الباب، ويعود الفضل في ذلك إلى الشعر، فلعدد من شعراء الجاهلية أشعار في مدح آل جفنة أو ذمهم، ولهم معهم ذكريات حفظت بفضل هذا الشعر الذي يرويه الرواة ويروون المناسبات التي قيل فيها. فلولاه ضاع أيضا هذا القليل الذي عرفناه من اخبار الغساسنة.
وحتى القوائم، وهي جافة في الغالب، لا تستند أيضا إلى علم بالرغم من هذا الترتيب الذي يحاول أصحابه اظهاره لنا بمظهر الواقع والحق. ولن تكسب سنوات الحكم المذكورة مع كل ملك ثقتنا بها. ولا اعتمادنا عليها. وقد اعتمد أكثر من رتب أسماء أمراء الغساسنة على رواية "ابن الكلبى"، غير انهم كما يظهر من مدوناتهم لم يرووها عنه رواية تامة، بل تصرفوا فيها، فزاحوا عليها أو نقصوا منها وحرفوا فيها بعض التحريف. وأخذ آخرون من موارد أخرى، واستعان بعض آخر مما رواه "ابن الكلبي" وبما رراه غيره وأضافوا إليه مما عرفوا من أسماء المذكورين في الشعر، وهم من سادات قبيلة "غسان" ولم يكونوا كلهم ملوكا، فجاءت النتيجة قوائم متعددة بتعدد مشارب أصحابها وهي على العموم شاهد عدل على ضعف الأخبارين في المحاكمات وفي منطق التاريخ.
وقد درس "نولدكه" معظم القوائم التي رواها الأخباريون لأمراء الغساسنة، ونقدها وغربلها، وقارن الحاصل بما وجده في الموارد السريانية والبيزنطية، واستخلص من تلك الدراسة هذه القائمة: أبو شمر جبلة. حكم حوالي سنة500م تقريبأ.
الحارث بن جبلة. استمر حكمه من حوالي سنة 529حتى سنة 569م. أبوكرب المنذر بن الحارث. حكم من سنة 569حتى سنة 582م.
النعمان بن المنذر. وكان حكمه من سنة 582حتى.سنة 583م.
الحارث الأصغر بن الحارث الأكبر.
الحارث الأعرج بن الحارث الأصغر.
أبو حجر النعمان. بين سنة 583وسنة 614 م.
عمرو.
حجر بن النعمان.
جبلة بن الأيهم. حوالي سنة635 م.
ورتب "ابن قتيبة الدينوري"، أسماء ملوك الغساسنة على هذا النحو: الحارث بن عمرو بن محرقه، وهو "الحارث الأكبر"،ويكنى ب "أبا شمر". الحارث بن أبي شكر، وهو "الحارث اللأعرج بن الحارث الأكبر". وأمه "ماريه ذات القرطين".
الحارث بن الحارث بن الحارث. وهو الحارث الأصغر بن الحارث الأعرج ابن الحارث الاكبر.
وكان له أخوة، منهم: النعمان بن الحارث. وهو والد ثلاثة بنين: حجر ابن النعمان، وبه كان يكنى، والنعمان بن النعمان، وعمرو بن النعمان.
ومن ولد الحارث الأعرج أيضا عمرو بن الحارث، وكان يقال له: أبو شمر الأصغر. ومن ولده المنذر بن المنذر والأيهم بن الحارث. وهو أبو "جبلة ابن الأيهم"، وجبلة آخر ملوك غسان.
فاما المسعودي، فيرى أن عدة من ملكوا من آل غسان أحد عشر ملكا، ذكر منهنم:
1 - الحارث بن عمرو بن عامر بن حارثة بن امرىء القيس بن ثعلبة بن ماس "مازن "، وهو غسان بن الأزد بن الغوث.
2 - الحارث بن ثعلبة بن جفنة بن عمرو بن عامر بن حارثة. وأمه مارية ذات القرطين بنت أرقم بن ثعلبة بن جفنة بن عمر.
3 - النعمان بن الحارث بن ثعلبلأ بن جيلة بن جفنة بن عمرو.
4 - المنذر أبو شمر بن الحارث بن جبلة بن ثعلبة بن جفنة بن عمرو.
5 - عوف بن أبي شمر.
6 - الحارث بن أبي شمر. وكان ملكه حين بعث رسول الله.
7 - جبلة بن الايهم.
وذكر المسعودي، أن جميع من ملك من ملوك غسان بالشام أحد عشرملكا. ولم يذكرهم في قائمته كلهم.
أما ملوك "الغساسنة "، على ما جاء في "كتاب المحبر"، فانهم على هذا النحو: "ثعلبة"، فابنه " الحارث"، فابنه "جبلة"، فابنه "الحارث " وهو المعروف ب "ابن مارية ذات القرطين"، و "النعمان بن الحارث"، و "المنذر" ابنه، و "المنذر بن الحارث"، و "جبلة بن الحارث"، و "أبو شمر بن الحارث بن جبلة بن الحارث بن ثعلبة بن الحارث بن عمرو بن جفنة"، و "الحارث" الأعرج بن أبي شمر بن عمرو بن الحارث بن عوف بن عمرو بن عدي بن عمرو بن الحسحاس" وهو "حارثة بن بكر بن عوف بن عمرو بن عدي بن عمرو بن مازن بن الزتد" وليس بجفني، ولكن أمه جفنية، فلم يزل الملك فيهم حتى كان آخرهم "جبلة بن ألأجهم بن جبلة "، وهو الذي اتصل ملكه بخلافة عمربن الخطاب.
وجاء ترتيب ملوك الغساسنة في التعليقات النى طبعها "هرشفلد" مع ديوان "حسان" على هذا النحو: "كان أول من ملك من غسان: الحارث بن عمرو ابن عدي بن حجر بن الحارث، ثم عمرو بن الحارث، ثم الحارث بن عمرو، وهو أبو شمر الأكبر ثم الحارث بن الحارث بن أبي شمر، فالحارث الأصغر بن الحارث الأوسط وهو الأعرج، فالنعمان بن الحارث، فجبلة بن الأجهم، وهو الذي أدرك الإسلام.
قائمة حمزة
وأشهر قائمة ذكرها الأخباريون لملوك غسان، القائمة التي ذكرها حمزة الأصبهاني وتتألف من:
1 - جفنة بن عمرو المعروف بمزيقياء.
2 - عمرو بن جفنة.
3 - ثعلبة بن عمرو.
4 - الحارث بن ثعلبة.
5 - جبلة بن الحارث.
6 - الحارث بن جبلة.
7 - المنذر بن الحارث.
8 - النعمان بن الحارث.
9 - المنذر بن الحارث.
10- جبلة بن الحارث.
11- الأيهم بن الحارث.
12 - عمرو ين الحارث.
13 - جفنة بن المنذر الاكبر.
14 - النعمان بن المنذر الأكبر.
15 - النعمان بن عمرو.
16 - جبلة بن النعمان.
17 - النعمان بن الأيهم.
18 - الحارث بن الأيهم.
19 - النعمان بن الحارث.
20 - المنذر بن النعمان.
21 - عمرو بن النعمان.
22 - حجر بن النعمان.
23 - الحارث بن حجر.
24 - جبلة بن الحارث.
25 - الحارث بن جبلة "ابن أبي شمر".
26 - النعمان بن الحارث "أبو كرب".
27 - الأيهم بن جبلة بن الحارث.
28 - المنذر بن جبلة.
29 - شراحيل بن جبلة.
30 - عمرو بن جبلة.
31 - جبلة بن الحارث.
32 - جبلة بن الأيهم.
وقد نقل ابن خلدون من جملة كتب ألف منها الفصل الذي كتبه عن تأريخ آل غسان، وكذلك الفصل الذي دونه عن تأريخ الحيرة. أما الموارد التي نقل منها فصل آل غسان، فتواريخ ابن سعيد والمسعودي وابن الكلبي والجرجاني. وأما الموارد التي نقل منها ابن خلدون مادة فصله عن تأريخ الحيرة، فتواريخ السهيلي وأبي عبيد والطبري وابن اسحاق والمسعودي وابن سعيد والجرجاني والبيهقي. وأكثر اعتماده في النقل على الطبري.
وقد اكتفى ابن خلدون بالنبذ التي أخذها من هذه الموارد ولم يبد رأيه فيها ولم يرتبها ترتيبا زمنيا مع ذكر أهم الأعمال التي قام بها كل ملك من أولئك الملوك كما فعل حمزة مثلا، فأورد أسماء ملوك الغساسنة، كما ذكرتها الموارد التي أخذ منها، أو نقلها في شئ من الاختصار، فنقل قائمة المسعودي، والمسعودي نفسه لا يتقيد بالترتيب والتدقيق، ونقل قائمة الجرجاني وتبدأ بثعلبة بن عمرو شقيق جذع بن عمرو قاتل ملك سليح. وتنتقل بالملك بن ثعلبة إلى ابنه الحارث ابن ثعلبة، وهو ابن مارية عند بعضهم، يليه ابنه المنذر، ثم ابنه النعمان، ثم أبي شمر بن الحارث بن جبلة بن الحارث بن ثعلبة بن عمرو بن جبلة على رواية بعض النسابين أو أبي بشر بن عوف بن الحارث بن عوف بن عمرو بن عدي بن عمرو بن مازن، ثم الحارث الأعرج، ثم ابن أبي شمر، ثم عمرو ابن الحارث الأعرج، ثم المنذر بن الحارث الأعرج، ثم الأيهم بن جبلة بن الحارث بن جبلة بن الحارث بن ثعلبة بن عمرو بن جفنة، ثم ابنه جبلة.
وقد ناقش نولدكه في كتابه عن آل غسان هذه القوائم التي نقلها ابن خلدون كما ناقش غيرها من القوائم التي وجدها في التواريخ المخطوطة أو ألمطبوعة التي تمكن من الحصول عليها،وأظهر ما فيها من خلل ونقص في نهاية ذلك البحث.
اسامه الدندشي
وعدة ملوك الغساسنة على رواية حمزة اثنان وثلاثون ملكا، ملكوا ستمائة وست عشرة سنة. أما "المسعودي"، فجعل عددهم أحد عشر ملكا.
وقد رتب المسعودي اسماء الملوك على هذا النحو: "الحارث بن عمرو بن عامر بن حارثة بن امرىء القيس."، ثم "الحارث بن ثعلبة بن جفنة بن عمرو" ثم "النعمان بن الحارث بن جبلة بن الحارث بن ثعلبة بن جفنة"، ثم "المنذر أبو شمر بن جبلة بن ثعلبة"، ثم "عوف بن أبي شمر"، ثم "الحارث بن أبي شمر"، وكان ملكه حين بعث رسول الله، ثم جبلة بن الأيهم. والأسماء المذكورة هي أقل من الرقم المذكور كما نرى بكثير، إذ هي سبعة فقط، على حين يجب أن تكون بحسبروايته أحد عشر اسم.
وفي الذي ذكره حمزة عن مدة حكم الغساسنة، مبالغة فلو أخذنا بالعدد الذي ذكره لمجموع ملوكهم، وهو ست عشرة وستمائة سنة، لوجب علينا القول بأن ابتداء حكمهم كان حوالي الميلاد. وهو قول لم يقله أحد، ولا يؤيده أي سند أو دليل. والذي نعرفه أن مدة حكهم هي دون المدة المذكورة بكثير، كما أن في الترتيب الذي ذكره حمزة لملوكهم تكرارا وزيادات. وهو يخالف ما نراه عند المؤرخين الآخرين الذين تعرضوا لآل غسان.
وتختلف قائمة "ابن قتيبة الدينوري" بأسماء ملوك غسان اختلافا كبيرا عن قائمة "حمزة" وعن قائمة "المسعودي". وقد ذكرت فيما مضى أنه جعل "الحارث بن عمرو" المعروف بمحرق أول ملك من ملوك غسان، ثم جعل من بعده الحارث الأعرج،ثم الحارث الأصغر، ثم النعمان،وهو شقيق الحارث الأصغر. وقد ذكر أنه كان للنعمان بن الحارث ثلاثة بنين هم: حجر بن النعمان وبه كان يكنى، والنعمان بن النعمان، وعمرو بن النعمان. وقال إن فيهم يقول حسان ابن ثابت:
من يغر الدهر أو يأمنه من قتيل بعد عمرو وحجر
ملكا من جبل الثلج إلى جانبي أيلة من عبد وحر
وقال "ابن قتيبة الدينوري": ومن ولد الحارث الأعرج أيضا عمرو بن الحارث،الذي كان النابغة صار إليه حين فارق النعمان بن المنذر،وفيه يقول النابغة:
علي لعمرو نعمة بعد نعمة لوالده ليست بذات العقارب
قال: وكان يقال لعمرو أبو شمر الأصغر، ومن ولده المنذر بن الحارث، والأيهم بن الحارث، وهو والد جبلة بن الأيهم آخر ملوك غسان.
وقد ذكر في كتب السير والتواريخ اسم أمير غساني، هو الحارث بن أبي شمر الغساني، وهو الذي أرسل الرسول إليه شجاع بن وهب ليطلب إليه الدخول في الإسلام، وكان ملكه على ما يذكره الأخباريون في الشام، وكان له قصر منيف وحجاب. وذكر الطبري أنه كان "صاحب دمشق". وقد أدخله "محمد بن حبيب" في جملة "العرجان الأشراف. وقد عرف ب "الحارث الأصغر" في شعر لحسان بن ثابت.
وأرى إن الحارث بن أبي شمر هدا هو "الحارث" معاصر "جبلة بن الأيهم" الذي أشار حسان إليه.
وقد كان "حسان بن ثابت " زار الحارث بن أبى شمر الغساني، وكان النعمان بن المنذر اللخمي يساميه، فقال له وهو عنده: يا ابن الفريعة، لقد نبئت أنك تفضل النعمان علي فقال: وكيف أفضله عليك ثم أخذ يشرح تفضيله له على النعمان حتى سر الحارث، ثم عاد حسان فنظم ما قاله نثرا فيه في أبيات زادت من سروره، وحصل، على جوائزه وعطاياه.
وذكر أن حسان بن ثابت كان يفد على جبلة بن الأيهم سنة، ويقيم سنة في أهله. فقال: "لو وفدت على الحارث أبي شمر الغساني فإن له قرابة ورحما بصاحبي، وهو أبذل الناس للمعروف، وقد يئس مني ان أفد عليه لما يعرف من انقطاعي إلى جبلة. فخرج في السنة التي كان يقيم فيها بالمدينة، حتى قدم على الحارث، وقد هيأ له مديحا. فقال له حاجبه وكان له ناصحا: "إن الملك قد سر بقدومك عليه، وهو لا يدعك حتى تذكر جبلة. فإياك أن تقع فيه، فانما يريد أن يختبرك، وإن رآك قد وقعت فيه زهد فيك، وإن رآك تذكر محاسنه ثقل عليه، فلا تبتدئ بذكره، وإن سألك عنه، فلا تطنب في الثناء عليه ولا تعيبه، امسح ذكره مسحا وجاوزه إلى غيره. ثم نصحه بنصائح أخرى تنم عن سلوك الحارث، وقد أفادته كثيرا. فلما دخل عليه، حسنت منزلته عنده وصار يدعوه،ثم حباه وأعطاه خمسمئة دينار وكسي و ألطافا وعاد إلى أهله. ولو صح هذا الخبر، فانه يدل على إن أمر الغساسنة في هذا ألوقت لم يكن واحدا، وان حكمهم كان قد تبدد وتشتت. وان جبله بن جبلة كان يحكم على جماعة من غسان، والحارث بن أبي شمر كان يحكم في الوقت نفسه على جماعة أخرى، وكل منهما كان يحلي نفسه بحلية الملك، ومن يدري فلعل أشخاصا آخرين. كانوا ينازعونهما الحكم أيضا، ويحلون أنفسم بلقب "ملك"، اللقب الحبيب الذي لم يكن يرتفع في الواقع عن درجة سيد قبيلة أو "شيخ" عشيرة في اصطلاحنا في الوقت الحاضر.
وقد ذكر أهل الأخبار اسم رجل قالوا انه كان قائدا من قواد "الحارث بن ابي شمر"، ودعوه ب "النعمان بن وائل بن الجلاح الحلي"، وذكروا انه أغار على بني فزارة وبني ذبيان، فاستباحهم، وسبي سبيا من غطفان. وأخذ "عقرب" بنت النابغة الذبياني. فلما سألها، فانتسبت إلى أبيها، من عليها ثم أطلق له سبي غطفان. فلما سمع بذلك النابغة، مدحهه بقصيدة. وسبق أن تحدثت عن النعمان بن الجلاح الكلبي" في أثناء كلامي على الملك "النعمان بن الحارث" حين أغار قوم النابغة على أعراب "النعمان بن الحارث" بوادي أقر،وكان النابغة قد نهى قومه وحذرهم من التحرش بهم فخالفوا رأيه،فأوقع بهم "ابن الجلاح" خسائر فادحة.
وفي ديوان حسان قصيدة، مطلعها: إني حلفت يمينا غير كاذبة لو كان للحارث الجفني أصحاب
يذكر شراحها أنه نظمها في رثاء ألحارث الجفني"، وقالوا إن الحارث الجفني المذكور هو الحارث بن أبي شمر الغساني. وقد ذكروا أنه دافع فيها عن هزيمة أدركت الحارث في إحدى حروبه، فعاد ومن معه بغير أسلاب ولا أسرى بل يظهر من أبياتها أن العدو أوقع به فقتل من جمعه، وقد اعتذر الحارث بأن من معه لم يكونوا من "جذم غسان" وإنما كانوا من "مأشبة الناس" اي جماعة أوشاب الناس وأوباشهم أي الأخلاط التي تجتمع من كل أوب. ومثل هؤلاء لا تكرثهم الهزيمة، ولا يبالون بذلك، إذ لا أحساب لهم ولا شرف، فلا عجب إن أصيب بخيبة في هذه المعركة ومعه مثل هؤلاء الناس. ويظهر من القصيدة المذكورة، أن الحارث ين أبي شمر، كان قد توفي قبل "جبلة بن الأيهم ". وذلك لرثاء حسان له ولاجماع أهل الأخبار على إن جبلة عاش أمدا بعد ظهور الإسلام، وأنه مات في بلاد الروم بعيدا عن بلاد الشام وعن أرض آبائه وأجداده. وبدليل ما ورد في تأريخ الطبري من أن الرسول ارسل شجاعا بن وهب إلى رجل من غسان اسمه "المنذر بن الحارث بن أبي شمر الغساني". يدعوه إلى الإسلام. وهذا الرجل هو أحد أبناء الحارث المذكور. وذكر الأخباريون رجلا آخر من غسان، دعوه "عديا"، وقالوا إنه ابن اخت الحارث بن أبي شمر الغساني، وإنه اغار على بنى أسد، فلقيته "بنو سعد ابن ثعلبة بن دودان" بالفرات، ورئيسهم "ربيعه بن حذار الأسير"،فاقتتلوا قتالا شديدا، فقتلت بنو سعد عديا. وقد سمي "محمد بن حبيب" هذا اليوم الذي وقع فيه القتال "يوم الفرات".
وأشار الواقدي إلى ملك غساني اسمه "شرحبيل بن عمرو الغساني". وذكر أنه قتل رسول رسول الله الى ملك بصرى في مؤتة. ويشك "نولدكه"في نسبة هذا الأمير إلى الغسانيين، وحجته في ذلك أن الواقدي ذكره في موضع اخر مع أخويه "سدوس" و "بر"، ونسبه في هذا الموضع الى الأزد. ثم انه لم يكن من عادة الغساسنة على رأيه ذكر لقب الغساني بعد الاسم.
وأشير في كتب الأدب إلى اسم ملك من ملوك "غسان" قالوا له "قرص"، لم يذكروا عنه شيئا ذكروه في حديثهم عن. "عدي" قالوا: انه ابن "أخي قرص الغساني"، وكان "عدي" هذا قد غزا "بني أسد" فقتلوه،وأوردوا في ذلك شعرا نسبوه إلى الغساني:
لعمرك ما خشيت على عدي رماح بني مقيدة الحمار
ولكني خشيت على عدي رماح الجن أو اياك حار
ولم يرد اسم هذا الملك في القوائم التي وضعها المؤرخون أمثال اليعقوبي والطبري والمسعودي وابن خلدون وامثالهم لملوك غسان. وعدي المذكور في خبر "قرص"، هو "عدي" المتقدم ولا شك.
وقد وفد " حسان بن ثابت" على "عمرو بن الحارث"، فاعتاص الوصول إليه، فلما طال انتظاره، قال للحاجب: "إن أذنت لي عليه، وإلا هجوت اليمن كلها، ثم انقلبت عليكم". فأذن له ودخل عليه، فوجد عنده "النابغة" وهو جالس عن يمينه، و "علقمه بن عبدة" وهو جالس عن يساره، فقال له "عمرو": "يا ابن الفريعة قد عرفت عيصك ونسبك في غسان فارجع، فاني باعث اليك بحلة سنية ولا احتاج إلى الشعر، فإني أخاف عليك هذين السبعين: النابغة وعلقمة، أن يفضحاك، وفضيحتك فضيحتي" ثم تلا عليه شعرا مما قاله الشاعران في مدحه. فأبى إلا إن يقول شعرا فيه، وطلب من الشاعرين أن يسمحا له بالقول، فقال في قصيدته التي تبدأ بقوله:
أسألت رسم الدار أم لم تسأل بين الجوابي فالبضيع فحومل
وقد أورد في هذه القصيدة أسماء مواضع، منها: "الجوابي"، أي "جابية الجولان"، و "البضيع" أو "البصيع"، وهو جيل قصير أسود على تل بأرض البلسة فيما بين "سيل" و "ذات الصنمين" و "حومل" و "مرج الصفرين"، وهو موضع بغوطة دمشق، و"جاسم"، وهي قرية بينها وبين دمشق ثمانية فراسخ على يمين الطريق إلى طبرية. وكل هذه الأماكن الي ذكرها هي منازل كانت لال جفنة، الا انها خربت، وتركها أهلها حتى صارت دوارس تعاقبها الرياح.
ثم تطرق إلى ذكر من كان يناديهم ب "جلق "، وهو موضع قيل انه بقرب دمشق، وقيل انه "دمشق": كيف كانوا كرماء أجوادا يجودون على من يفد عليهم، لا فرق عندهم بين غني وفقير، يمشون في الحلل القشيبة المضاعف نسجها، ويجيرون من يستجير بقبر أبيهم "ابن مارية الكريم المفضل"،فلا يخاف من عدو ولا يخشى من اعتداء يقع عليه. كلابهم لا تهر، لأنها ألفت الضيوف وأنست بهم من كثرة تدفقهم عليهم، يسقون ماء باردا من "البريص"، ومن "بردا"، وهما نهران بدمشق، ممزوجا بالرحيق. ثم تذكر "قصر دومة" أي دومة الجندل، وكيف شرب الخمر في حانوتها من ساق متنطف أي مقرط وضع القرط في أذنه، والمنطقة في وسطه.
وجلق كما ذكرت موضع من مواضع الغساسنة، ويشير أن سلطان البيزنطيين لم يكن كبيرا عليه. وقد اشتهر ببساتينه وبكثرة أشجار الزيتون به، وبوفرة مياهه وقد تغنى به الشعراء في الإسلام، فورد ذكره في شعر أبي نواس. وكان الغساسنة يدفنون فيه موتاهم. ولهم ضريح ضم رفات ملوكهم. ومع شهرة المكان فقد اختلف الناس في تثبيت موضعه وتعيينه. والرأي الغالب انه ليس من أطراف دمشق كما ذهب، إلى ذلك بعض أهل الأخبار.
وقد ترك الروم ساقتهم ب "ثنية جلق"، وعليها صاحب الساقة، وذلك ليراقب المسلمين حينما تقدموا لطردهم من بلاد الشام. ولم يرد للغساسنة أي ذكر في الدفاع عن هذا المكان.
ويظهر من نظم هذه القصيدة، ومن أسلوبها ونفسها ومن تذكر "حسان" لآل جفنة بعد أن كبر وتقدمت به السن، إن هذا الشعر هو من الشعر ألمتأخر،ولا أستبعد أن يكون قد نظمه بعد زوال ملك "الغساسنة"، وقد أنشده أمام أحد الغساسنة المتأخرين، ولم يكن ملكا بالمعنى المفهوم من الملك.
وقد رثى حسان بن ثابت رجلا من غسان قتله كسرى، ولم يذكر اسمه، ولا الأسباب التي حملت كسرى على قتله، ولا الأحوال التي قتل فيها. ويظهر من سياق الشعر الذي رثي به ذلك القتيل أن هذا القتيل قد وقع بعد أفول نجم آل غسان وادبار الدنيا عنهم. ولعله كان قد قتله بعد احتلال الفرس لبلاد الشام. فكان هذا الغساني من المعارضين للفرس المناوئين لهم، ولذلك قتلوه في فترة احتلالهم لها.
وقد اشار "أبو الفرج الأصبهاني" إلى أمير غساني سماه: "يزيد بن عمرو الغساني"، ذكر أنه قتل الحارث بن ظالم. ولا نعرف من أمر هذا الأمر شيئا يذكر. وهناك روايات أخرى تنسب قتل الحارث إلى "النعمان الغساني"، على حين تنسبه روايات ثالثة إلى آل لخم ويرجح نولدكه الرأي الأخير.
وقد ورد في شعر لحسان بن ثابت هجاء ل"سلامة بن روح بن زنباع الجذامي"، وكان يلي العشور للروم، ولا بد أن يكون ذلك في أيام الغساسنة المتأخرين. وفد شبهه ب "سمية في لوح باب"، أي كأنه صورة مصورة، أو صنما معلقا على لوح باب.
ومن الأماكن التي وردت في شعر "حسان ين ثابت" على أنها من مواضع للغساسنة " الجواء" و "عذراء"، وهما موضعان بالشام بأكتاف دمشق. والى "عذراء" هذه يضاف "مرج عذراء"، وكانت في هذه المواضع منازل بني نجنة، لذلك ذكرها "حسان" في شعره. وذكر كذلك "بطن جلق" و "البلقاء"، و "المحبس" و "السند" و "بصرى" و "جبل الثلج".
أما ما يفهم من شعر، حسان وغير حسان من شمول ملك الغساسنة مدينة"دمشق" أو تجاورها ومن وصوله مواضع قريبة منها أو ملتصقة بها، فيجب أن نحمله محمل المجاز أو محمل مبالغات الشعراء في التفاخر والتباهي والمدح. فإذا استثنينا هذا الشعر لا نجد أي مورد تأريخي يقول باستيلاء الغساسنة على "دمشق" أو على مواضع متصلة بها. وكل ما نعرفه من الموارد التأريخية أن سلطانهم كان على أطراف بلاد الشام، أي على المواضع التي رأى الروم إن من الأصلح لهم تركها إلى أمراء غسان، لصعوبة ضبطها من الوجهة العسكرية بالنسبة اليهم. ولعل ما يذكره أولئك الشعراء هو تعبير عن قصور وأملاك اشتراها ملوك الغساسنة وأمراؤهم في "دمشق" وفي مواضع حضريه أخرى لقضاء بعض الوقت فيها كما يفعل الأمراء في الزمن الحاضر من شراء بيوت وقصور في لبنان وفي اوروبة يقيمون فيها بعض الوقت للتسلية والراحة. فزارهم فيها أولئك الشعراء، ووصفوها وصفا شاعريا، صور الشام وما حولها كأنها ملك من أملاك الغساسنة.
لقد كان "آل جفنة" كلهم على النصرانية عند ظهور الإسلام، وكانوا أصحاب دين وعقيدة، يدافعون عن مذهبهم كما رأينا. وكانت لهم بيع وكنائس بنوها لهم ولرعيتهم. وقد أشير إلى رجل عرف ب "أرطبان المرني"، قيل انه كان "شماسا،" في "بيعة غسان"، مما يدل على انها كانت بيعة خاصة بآل غسان.
وقد نسب بعض اهل الأخبار أماكن أخرى إلى الغساسنة، وذلك بالاضافة إلى الأماكن التي سبق إن تحدثت عنها. ومن هذه الأماكن: صفين. وقد زعموا إن منزل "جبلة بن النعمان" كان به، وقد كان في الوقت نفسه صاحب عين أباغ.
ومن الأماكن المنسوبة الى الغساسنة موضع "حارب". وقد ورد اسمه في شعر ينسب إلى النابغة حيث يقول: لئن كان للقبرين قبر بجلق وقبربصيداء التي عند حارب
وورد "قصر حارب". وقد نسبه "حمزة" إلى النعمان بن عمرو بن المنذر ويذ كر أهل الأخبار "السويداء" في جملة الأماكن التابعة للغساسنة. وقد رجع "حمزة" بناءها إن "النعمان بن عمرو بن المنذر". وتقع في "حوران". والرصافة من المواضع المهمة عند الغساسنة، ففيها مشهد القديس "سرجيوس" وهو من القديسين الجليلين عند الغساسنة، وكانوا يتبركون بزيارة قبره،ويتقربون إليه بالهدايا والنذور. وكان لآل جفنة مساكن فيها، وقد قاموا باصلاح ما كان يتهدم منها. فقام "النعمان بن الحارث بن الأيهم" باصلاح وترميم صهاريج المدينة. وكان "النعمان بن جبلة" فيمن أقام بها.
أما حدود مملكة الغساسنة، فلم تكن على وجه العموم ثابتة، بل كانت تتبدل وتتغير بحسب تبدل سلطة الملوك، وتغيرها، وهي عادة نجدها لدى جميع الممالك والامارات التي تكونت في البادية او على اطراف البوادي، حيث تكون معلرضة لغزو القبائل، ولنفوذ القبائل الفتية القوية التي تطمع في ملك الامارات التي تجد فيها شيئا من الوهن والضعف، وفي رؤسائها دعة او حزما . ولهذا نجد ملك الغساسنة يتوسع ويتقلص بحسب الظروف فيصل الى مقربة من دمشق، والى فلسطين الثانية و "الكورة العربية" و "فلسطين الثالثة" و"فينيقية لبنان". والى ولايات سورية الشمالية في بعض الاحيان. وفي مساحات شاسعة من البادية الى المدى الذي يصل اليه سلاحهم. ثم نجده تارة اخرى اقل من ذلك بكثير، لضعف الامير المالك ولطمع القبائل فيه ولأختلافه مع السلطات. ويظهر من شعر حسان ابن ثابت ان ملك الغساسنة كان يمتد من حوران الى خليج العقبة.
وتعد منطقة الجولان من من اشهر مناطق الغساسنة , وقد ورد ذكرها في الشعر العربي، وفيها قبر بعض الامراء الغسانيين. وهي من الارضين التابعة لولاية فلسطين الثانية في التقسيم الاداري عند الروم، وبها كان في الغالب مقر آل غسان. وقد اشتهرت الجابية بأنها مقر المولك، ولذلك عرفت بجابية الملوك، كما عرفت ايضا بجابية بجابية الجولان.
وقد ذهب بعض المستشرقين إلى أن قصر المشتى الذي نقلت بعض أحجار جدرانه المحفورة بالصور الجميلة إلى متحف برلين، هو من القصور الني أنشأها الغساسنة، وكذلك بعض الآثار الأخرى الواقعة في البادية.
وفي "البرج" عثر على كتابة يونانية جاء فيها: "البطريق الشريف والأمير المنذر". ويدل ذلك على أنه من آثار "المنذر" . أما بقية المواضع، وهي عديدة منتشرة في أماكن واسعة، فللعلماء في أصلها نظريات وآراء.
أمراء غساسنة
وذكر الأخباريون أمرا جفنيا دعوه "جفنة بن النعمان الجفني"، قالوا إنه غزا الحرة في أثناء ذهاب النعمان بن المنذر الذي قتله كسرى إلى البحرين،فأصاب في الحرة ما أحب. وذكروا أنه هو الذي عناه عدي بن زيد العبادي في قصيدة مطلعها:
سما صقر" فأشعل جانبيها والهاك المروح والعزيب
وذكر "ابو حنيفة الدينوري"اسم رجل من غسان، دعاه "خالد بن جبلة الغساني". قال عنه: "قالوا: وإن خالد بن جبلة الغساني غزا النعمان بن المنذر، وهو المنذر الأخر، وكانا منذرين، ونعمانين، فالمنذر الأول هو الذي قام بأمر بهرام جور، والمنذر الثاني الذي كان في زمان كسرى أنو شروان، وكان عمال كسرى على تخوم أرض العرب، فقتل من أصحاب المنذر مقتلة عظيمة، واستاق إبل المنذر وخيله، فكتب المنذر إلى كسرى أنو شروان يخبره بما ارتكبه منه خالد بن جبلة. وقد ذكره في موضع آخر، في أثناء كلآمه على ذهاب "كسرى" إلى قيصر، إذ قال: "وسار كسرى حتى" انتهى إلى اليرموك فخرج إليه خالد بن جبلة الغساني فقراه، ووجه معه خيلا حتى بلغ قيصر.
وقد مدح حسان بن ثابت الأنصاري أمرين من أمراء غسان، هما: عمرو وحجر. وقد ذكر أنها ملكا من "جبل الثلج حتى جانبي "أيلة" وانهما غزوا أرض فارس. ويرى "نولدكه" احتمال كون حجر هذا هو أحد أبناء النعمان الذي كني بأبي حجر.
وقد ذهب بعض الأخباريين الى أن عمرا المذكور في هذه الأبيات هو عمرو بن عدي ين حجر بن الحارث. وأما حجر، فهو حجر بن النعمان بن الحارث بن أبي شمر. والذي يتبين من هذه القصيدة أن الملكين المذكورين حكما في زمن واحد، وغزوا مشتركين أرض فارس، ويقتضي ذلك أن يكونا قريبين، كأن يكونا أبا أو ابنا، أو أخوين أو أن كل واحد منهما كان يحكم فرعا من فروع غسان، وذلك بعد تصدع أمر غسان وانقسامهم إلى جملة. "مشيخات".
ويرى "ابن الأثير" أن: أبا جبيلة عبيد بن مالك بن سالم، وهو ملك من ملوك غسان على رواية بعض الأخباريين، لم يكن من ال غسان، وانما كان من "بني غضب بن جشم بن الخزرج"،ذهب إلى غسان فصار عظيما عند ملكهم، مطاعا بينهم، واليه ذهب "مالك بن العجلان الخزرجي" مستجيرا به من يهود يثرب، فانجده وسار معه حتى أوقع في اليهود، ثم رجع عائدا إلى غسان. ولعل "أبا جبيلة الغساني"، الذي ذهب إليه الشاعر الجاهلي "الرمق بن زيد ابن غنم"، هو هذا الملك الذي نتحدث عنه.
ويتبين من شعر للاعشى ميمون بن قيس أنه زار الغساسنة، وصحب ملوكهم في ديار الشام، واتصل بهم، وقد خاطب احدهم بقوله: "اليك ابن جفنة" غير أنه لم يذكر اسمه.
ووصل الينا اسم أمير من غسان، هو "الشيظم بن الحارث الغساني"، قتل رجلا من قومه، وكان المقتول ذا أسرة، فخافهم فلحق بالعراق أو بالحيرة متنكرا، وكان من أهل بيت الملك، ومكث أمدأ متنكرا، حتى وافق غرة من القوم،فركب فرسا جوادا من خيل المنذر وخرج من الحيرة يتعسف الأرض، حتى نزل بحي، من "بهراء" فأخبرهم بشأنه، فأعطوه زادآ ورمحأ وسيفأ وخرج حتى أتى الشام فصادف الملك متبديا، فأتى قبته، وقص قصته،فبعث إلى أولياء المقتول فأرضاهم عن صاحبهم.
قوائم ملوك الغساسنة
ولا بد لي، وقد انتهيت من الكلام على الغساسنة، من الاشارة إلى ضعف مادة الأخباريين عنهم، وقلة معرفتهم بهم، فانت إذا درست هذا الذي رووه عنهم، وحللته تحليلاعلميا لا تخرج منه الا بنتائج تأريخية محدودة ضيقة تريك انهم لم يكونوا يعرفون من أمرهم الا القليل، وانهم لم يحفظوا من أسماء أفراد الأسرة الحاكمة غير أسماء قليلة، وما عداها فتكرار واعاسة لهذه الأسماء القليلة، او اوهام. وأنت إذا راجعت التواريخ مثل تأريخ الطبري لا تكاد تجد فيها شيئا يذكر عن هذه الأسرة. وقد تفوق كتب الأدب كتب التأريخ في هذا الباب، ويعود الفضل في ذلك إلى الشعر، فلعدد من شعراء الجاهلية أشعار في مدح آل جفنة أو ذمهم، ولهم معهم ذكريات حفظت بفضل هذا الشعر الذي يرويه الرواة ويروون المناسبات التي قيل فيها. فلولاه ضاع أيضا هذا القليل الذي عرفناه من اخبار الغساسنة.
وحتى القوائم، وهي جافة في الغالب، لا تستند أيضا إلى علم بالرغم من هذا الترتيب الذي يحاول أصحابه اظهاره لنا بمظهر الواقع والحق. ولن تكسب سنوات الحكم المذكورة مع كل ملك ثقتنا بها. ولا اعتمادنا عليها. وقد اعتمد أكثر من رتب أسماء أمراء الغساسنة على رواية "ابن الكلبى"، غير انهم كما يظهر من مدوناتهم لم يرووها عنه رواية تامة، بل تصرفوا فيها، فزاحوا عليها أو نقصوا منها وحرفوا فيها بعض التحريف. وأخذ آخرون من موارد أخرى، واستعان بعض آخر مما رواه "ابن الكلبي" وبما رراه غيره وأضافوا إليه مما عرفوا من أسماء المذكورين في الشعر، وهم من سادات قبيلة "غسان" ولم يكونوا كلهم ملوكا، فجاءت النتيجة قوائم متعددة بتعدد مشارب أصحابها وهي على العموم شاهد عدل على ضعف الأخبارين في المحاكمات وفي منطق التاريخ.
وقد درس "نولدكه" معظم القوائم التي رواها الأخباريون لأمراء الغساسنة، ونقدها وغربلها، وقارن الحاصل بما وجده في الموارد السريانية والبيزنطية، واستخلص من تلك الدراسة هذه القائمة: أبو شمر جبلة. حكم حوالي سنة500م تقريبأ.
الحارث بن جبلة. استمر حكمه من حوالي سنة 529حتى سنة 569م. أبوكرب المنذر بن الحارث. حكم من سنة 569حتى سنة 582م.
النعمان بن المنذر. وكان حكمه من سنة 582حتى.سنة 583م.
الحارث الأصغر بن الحارث الأكبر.
الحارث الأعرج بن الحارث الأصغر.
أبو حجر النعمان. بين سنة 583وسنة 614 م.
عمرو.
حجر بن النعمان.
جبلة بن الأيهم. حوالي سنة635 م.
ورتب "ابن قتيبة الدينوري"، أسماء ملوك الغساسنة على هذا النحو: الحارث بن عمرو بن محرقه، وهو "الحارث الأكبر"،ويكنى ب "أبا شمر". الحارث بن أبي شكر، وهو "الحارث اللأعرج بن الحارث الأكبر". وأمه "ماريه ذات القرطين".
الحارث بن الحارث بن الحارث. وهو الحارث الأصغر بن الحارث الأعرج ابن الحارث الاكبر.
وكان له أخوة، منهم: النعمان بن الحارث. وهو والد ثلاثة بنين: حجر ابن النعمان، وبه كان يكنى، والنعمان بن النعمان، وعمرو بن النعمان.
ومن ولد الحارث الأعرج أيضا عمرو بن الحارث، وكان يقال له: أبو شمر الأصغر. ومن ولده المنذر بن المنذر والأيهم بن الحارث. وهو أبو "جبلة ابن الأيهم"، وجبلة آخر ملوك غسان.
فاما المسعودي، فيرى أن عدة من ملكوا من آل غسان أحد عشر ملكا، ذكر منهنم:
1 - الحارث بن عمرو بن عامر بن حارثة بن امرىء القيس بن ثعلبة بن ماس "مازن "، وهو غسان بن الأزد بن الغوث.
2 - الحارث بن ثعلبة بن جفنة بن عمرو بن عامر بن حارثة. وأمه مارية ذات القرطين بنت أرقم بن ثعلبة بن جفنة بن عمر.
3 - النعمان بن الحارث بن ثعلبلأ بن جيلة بن جفنة بن عمرو.
4 - المنذر أبو شمر بن الحارث بن جبلة بن ثعلبة بن جفنة بن عمرو.
5 - عوف بن أبي شمر.
6 - الحارث بن أبي شمر. وكان ملكه حين بعث رسول الله.
7 - جبلة بن الايهم.
وذكر المسعودي، أن جميع من ملك من ملوك غسان بالشام أحد عشرملكا. ولم يذكرهم في قائمته كلهم.
أما ملوك "الغساسنة "، على ما جاء في "كتاب المحبر"، فانهم على هذا النحو: "ثعلبة"، فابنه " الحارث"، فابنه "جبلة"، فابنه "الحارث " وهو المعروف ب "ابن مارية ذات القرطين"، و "النعمان بن الحارث"، و "المنذر" ابنه، و "المنذر بن الحارث"، و "جبلة بن الحارث"، و "أبو شمر بن الحارث بن جبلة بن الحارث بن ثعلبة بن الحارث بن عمرو بن جفنة"، و "الحارث" الأعرج بن أبي شمر بن عمرو بن الحارث بن عوف بن عمرو بن عدي بن عمرو بن الحسحاس" وهو "حارثة بن بكر بن عوف بن عمرو بن عدي بن عمرو بن مازن بن الزتد" وليس بجفني، ولكن أمه جفنية، فلم يزل الملك فيهم حتى كان آخرهم "جبلة بن ألأجهم بن جبلة "، وهو الذي اتصل ملكه بخلافة عمربن الخطاب.
وجاء ترتيب ملوك الغساسنة في التعليقات النى طبعها "هرشفلد" مع ديوان "حسان" على هذا النحو: "كان أول من ملك من غسان: الحارث بن عمرو ابن عدي بن حجر بن الحارث، ثم عمرو بن الحارث، ثم الحارث بن عمرو، وهو أبو شمر الأكبر ثم الحارث بن الحارث بن أبي شمر، فالحارث الأصغر بن الحارث الأوسط وهو الأعرج، فالنعمان بن الحارث، فجبلة بن الأجهم، وهو الذي أدرك الإسلام.
قائمة حمزة
وأشهر قائمة ذكرها الأخباريون لملوك غسان، القائمة التي ذكرها حمزة الأصبهاني وتتألف من:
1 - جفنة بن عمرو المعروف بمزيقياء.
2 - عمرو بن جفنة.
3 - ثعلبة بن عمرو.
4 - الحارث بن ثعلبة.
5 - جبلة بن الحارث.
6 - الحارث بن جبلة.
7 - المنذر بن الحارث.
8 - النعمان بن الحارث.
9 - المنذر بن الحارث.
10- جبلة بن الحارث.
11- الأيهم بن الحارث.
12 - عمرو ين الحارث.
13 - جفنة بن المنذر الاكبر.
14 - النعمان بن المنذر الأكبر.
15 - النعمان بن عمرو.
16 - جبلة بن النعمان.
17 - النعمان بن الأيهم.
18 - الحارث بن الأيهم.
19 - النعمان بن الحارث.
20 - المنذر بن النعمان.
21 - عمرو بن النعمان.
22 - حجر بن النعمان.
23 - الحارث بن حجر.
24 - جبلة بن الحارث.
25 - الحارث بن جبلة "ابن أبي شمر".
26 - النعمان بن الحارث "أبو كرب".
27 - الأيهم بن جبلة بن الحارث.
28 - المنذر بن جبلة.
29 - شراحيل بن جبلة.
30 - عمرو بن جبلة.
31 - جبلة بن الحارث.
32 - جبلة بن الأيهم.
وقد نقل ابن خلدون من جملة كتب ألف منها الفصل الذي كتبه عن تأريخ آل غسان، وكذلك الفصل الذي دونه عن تأريخ الحيرة. أما الموارد التي نقل منها فصل آل غسان، فتواريخ ابن سعيد والمسعودي وابن الكلبي والجرجاني. وأما الموارد التي نقل منها ابن خلدون مادة فصله عن تأريخ الحيرة، فتواريخ السهيلي وأبي عبيد والطبري وابن اسحاق والمسعودي وابن سعيد والجرجاني والبيهقي. وأكثر اعتماده في النقل على الطبري.
وقد اكتفى ابن خلدون بالنبذ التي أخذها من هذه الموارد ولم يبد رأيه فيها ولم يرتبها ترتيبا زمنيا مع ذكر أهم الأعمال التي قام بها كل ملك من أولئك الملوك كما فعل حمزة مثلا، فأورد أسماء ملوك الغساسنة، كما ذكرتها الموارد التي أخذ منها، أو نقلها في شئ من الاختصار، فنقل قائمة المسعودي، والمسعودي نفسه لا يتقيد بالترتيب والتدقيق، ونقل قائمة الجرجاني وتبدأ بثعلبة بن عمرو شقيق جذع بن عمرو قاتل ملك سليح. وتنتقل بالملك بن ثعلبة إلى ابنه الحارث ابن ثعلبة، وهو ابن مارية عند بعضهم، يليه ابنه المنذر، ثم ابنه النعمان، ثم أبي شمر بن الحارث بن جبلة بن الحارث بن ثعلبة بن عمرو بن جبلة على رواية بعض النسابين أو أبي بشر بن عوف بن الحارث بن عوف بن عمرو بن عدي بن عمرو بن مازن، ثم الحارث الأعرج، ثم ابن أبي شمر، ثم عمرو ابن الحارث الأعرج، ثم المنذر بن الحارث الأعرج، ثم الأيهم بن جبلة بن الحارث بن جبلة بن الحارث بن ثعلبة بن عمرو بن جفنة، ثم ابنه جبلة.
وقد ناقش نولدكه في كتابه عن آل غسان هذه القوائم التي نقلها ابن خلدون كما ناقش غيرها من القوائم التي وجدها في التواريخ المخطوطة أو ألمطبوعة التي تمكن من الحصول عليها،وأظهر ما فيها من خلل ونقص في نهاية ذلك البحث.
اسامه الدندشي