الجازي
26-10-2010, 15:52
قرأت للأديب المبدع الراحل مصطفى الرافعي قصة قصيرة بعنوان (( غربة اللقطاء ))
أسلوبه الأدبي وتصويره الفني كان غاية في الروعة والإبداع تكلم فيها عن مأساة اللقطاء وأنهم ضحية شهوة أبطالها رجل وامرأة !!
وقد ناقش القضية على لسان الحصانين اللذين يقودان عربة اللقطاء أحدهما سماه الكميت والآخر الأدهم ثم انتقل بالحوار إلى الحوذي سائق العربة واسمه أبو علي وصديقه أبو هاشم ,,
كانا يتناقشان حول المتسبب الأكبر في هذه الجريمة أهو الرجل أم المرأة !!
ولكلٍ رأيه ,, لذا سأدرج لكم الفقرة التي تناولا فيها هذا الموضوع وأدعه بعد ذلك لكم لتدلوا بدلوكم ومع من تكونون !! مع الحوذي أم مع أبي هاشم !!؟
(( وهنا وقف على حُوذيّ العربة صديقٌ من أصدقائه فقال: من هؤلاء يا أبا علي؟
قال الحوذي: هؤلاء ... هؤلاء يا أبا هاشم. (( يريد بهم اللقطاء ))
قال أبو هاشم: سبحان الله! أما تترك طبعك في النكتة يا شيخ؟ قال الحوذي: وهل أعرفهم أنا؟ هم بضاعة العربة والسلام: اركبوا يا أولاد، انزلوا يا أولاد، هذا كلُّ ما أسمع.
قال أبو هاشم: ولكن ما بالك ساخطاً عليهم، كأنهم أولادُ أعدائك؟
قال الحوذي: ليت شعري من يدري أيُّ رجلٍ سيخرج من هذا الطفل، وأيَّةُ امرأةٍ ستكون من هذه الطفلة؟
انظر كيف تعلقت هذه البنت وعمرها سنتان، في عنق هذا الولد الذي كان من سنتين ابن سنتين. . .
لا أراني أحملُ في عربتي أطفالاً كالأطفال الذين تحملهم العربات إلى أبواب دورهم؛ فإن هؤلاء اللقطاء يُحملون إلى باب الملجأ، وهو بابٌ للحارات والسكك لا يأخذُ إلا منها؛ فلا يُرسل إلا إليها.
وأنا والله يا أبا هاشم، ضيِّقُ الصدر، كاسف البال من هذه المهنة؛ ويخيل إليَّ أني لا أحملُ في عربتي إلا الجنونَ، والفجورَ، والسرقةَ، والقتلَ، والدعارةَ، والسكْرَ، وعواصفَ، وزوابعَ.
قال أبو هاشم: ولكنَّ هؤلاء الأطفال مساكين، ولا ذنبَ لهم.
قال الحوذي: نعم لا ذنب لهم، غير أنهم هم في أنفسهم ذنوب؛ إنَّ كلّ واحد من هؤلاء إنْ هو إلا جريمة تُثبِتُ امتدادَ الإثم والشر في الدنيا؛ ولدتْهم أمهاتُهم لِغَيَّة,, فقطع صاحبُه عليه وقال: وهل وَلَدْنَهُمْ إلا كما تلد سائرُ الأمهات أولادَهن؟
قال: نعم، إنه عملٌ واحد، غير أن أحوالَه في الجهتين مختلفة لا تتكافأ؛ وهل تستوي حالُ من يشتري المتاع، ومن يسرقُ المتاع؟ .................................
فهؤلاء _ كما رأيتَ _ أولادُ الجُرأة على الله، والتعدي على الناس، والاستخفاف بالشرائع، والاستهزاء بالفضائل؛ وهم البغض الخارج من الحب، والوقاحة الآتية من الخجل، والاستهتارُ المنبعثُ من النَّدامة؛ وكلٌّ منهم مسألةُ شرّ تطلبُ حلَّها أو تعقيدها من الدنيا، وفيهم دماءٌ فوَّارة تجمعُ سمومها شيئاً فشيئاً كلما كبروا سنةً فسنة.
قال أبو هاشم: ألا لعنة الله على ذلك الرجل الفاسق الذي اغتر تلك المرأة فاستزلَّها وهوَّرها في هذه المَهواة، أكان حق الشهوة عليه أعظم من حق هذا الآدميّ؟ أما كان ينبغي أن يكون هذا الآخرُ هو الأول في الاعتبار، فيعلمَ أن هذا اللقيط المسكين هو سبيلُه إلى صاحبته، وهو البلاغ إلى ما يحاوله منها؛ فيكون كأنما دخل بين الاثنين ثالثٌ يراهما، فلعلهما يستحيان؟
قال الحوذيُّ الفيلسوف: لعنة الله على ذلك الرجل، ولعنات الله كلُّها، ولعناتُ الملائكة والناس أجمعين على تلك المرأة التي انقادت له واغترت به، إن الرجل ليس شيئاً في هذه الجريمة، فقد كانت بصقةٌ واحدةٌ تُغرقُه، وكانت صفعةٌ واحدةٌ تهزمه، وكان مع المرأة الحكومةُ والشرائعُ والفضائلُ، ومعها جهنمُ _ أيضاً _.
ألم تعلم الحمقاء أن الرجلَ الذي ليس زوجاً لها ليس رجلاً معها، وأن الشريعة لو أيقنت أنه رجلٌ لما حرمت عليها أن تخالطه؟
إنه ليس الرجلُ هو الذي ساور هذه المرأة، بل مادةُ الحياة التي رأت في المرأة مُستودعها، فتريد أن تقتحم إلى مقرها عنوةً أو خداعاً أو رضىً أو كما يتفق؛ إذ كان قانون هذه المادة أن توجد، ولا شيء إلا أن توجد؛ فلا تعرفُ خيراً ولا شرَّاً ، ولا فضيلةً ولا رذيلة.
لأيهما يجبُ التحصين: أللصاعقة المُنقضَّة، أم للمكان الذي يُخشى أن تنقضَّ عليه؟
لقد أجابت الشريعةُ الإسلامية: حصنوا المكان، ولكن المدنية أجابت: حصِّنوا الصاعقة! ))
أتركه بين أيديكم
أسلوبه الأدبي وتصويره الفني كان غاية في الروعة والإبداع تكلم فيها عن مأساة اللقطاء وأنهم ضحية شهوة أبطالها رجل وامرأة !!
وقد ناقش القضية على لسان الحصانين اللذين يقودان عربة اللقطاء أحدهما سماه الكميت والآخر الأدهم ثم انتقل بالحوار إلى الحوذي سائق العربة واسمه أبو علي وصديقه أبو هاشم ,,
كانا يتناقشان حول المتسبب الأكبر في هذه الجريمة أهو الرجل أم المرأة !!
ولكلٍ رأيه ,, لذا سأدرج لكم الفقرة التي تناولا فيها هذا الموضوع وأدعه بعد ذلك لكم لتدلوا بدلوكم ومع من تكونون !! مع الحوذي أم مع أبي هاشم !!؟
(( وهنا وقف على حُوذيّ العربة صديقٌ من أصدقائه فقال: من هؤلاء يا أبا علي؟
قال الحوذي: هؤلاء ... هؤلاء يا أبا هاشم. (( يريد بهم اللقطاء ))
قال أبو هاشم: سبحان الله! أما تترك طبعك في النكتة يا شيخ؟ قال الحوذي: وهل أعرفهم أنا؟ هم بضاعة العربة والسلام: اركبوا يا أولاد، انزلوا يا أولاد، هذا كلُّ ما أسمع.
قال أبو هاشم: ولكن ما بالك ساخطاً عليهم، كأنهم أولادُ أعدائك؟
قال الحوذي: ليت شعري من يدري أيُّ رجلٍ سيخرج من هذا الطفل، وأيَّةُ امرأةٍ ستكون من هذه الطفلة؟
انظر كيف تعلقت هذه البنت وعمرها سنتان، في عنق هذا الولد الذي كان من سنتين ابن سنتين. . .
لا أراني أحملُ في عربتي أطفالاً كالأطفال الذين تحملهم العربات إلى أبواب دورهم؛ فإن هؤلاء اللقطاء يُحملون إلى باب الملجأ، وهو بابٌ للحارات والسكك لا يأخذُ إلا منها؛ فلا يُرسل إلا إليها.
وأنا والله يا أبا هاشم، ضيِّقُ الصدر، كاسف البال من هذه المهنة؛ ويخيل إليَّ أني لا أحملُ في عربتي إلا الجنونَ، والفجورَ، والسرقةَ، والقتلَ، والدعارةَ، والسكْرَ، وعواصفَ، وزوابعَ.
قال أبو هاشم: ولكنَّ هؤلاء الأطفال مساكين، ولا ذنبَ لهم.
قال الحوذي: نعم لا ذنب لهم، غير أنهم هم في أنفسهم ذنوب؛ إنَّ كلّ واحد من هؤلاء إنْ هو إلا جريمة تُثبِتُ امتدادَ الإثم والشر في الدنيا؛ ولدتْهم أمهاتُهم لِغَيَّة,, فقطع صاحبُه عليه وقال: وهل وَلَدْنَهُمْ إلا كما تلد سائرُ الأمهات أولادَهن؟
قال: نعم، إنه عملٌ واحد، غير أن أحوالَه في الجهتين مختلفة لا تتكافأ؛ وهل تستوي حالُ من يشتري المتاع، ومن يسرقُ المتاع؟ .................................
فهؤلاء _ كما رأيتَ _ أولادُ الجُرأة على الله، والتعدي على الناس، والاستخفاف بالشرائع، والاستهزاء بالفضائل؛ وهم البغض الخارج من الحب، والوقاحة الآتية من الخجل، والاستهتارُ المنبعثُ من النَّدامة؛ وكلٌّ منهم مسألةُ شرّ تطلبُ حلَّها أو تعقيدها من الدنيا، وفيهم دماءٌ فوَّارة تجمعُ سمومها شيئاً فشيئاً كلما كبروا سنةً فسنة.
قال أبو هاشم: ألا لعنة الله على ذلك الرجل الفاسق الذي اغتر تلك المرأة فاستزلَّها وهوَّرها في هذه المَهواة، أكان حق الشهوة عليه أعظم من حق هذا الآدميّ؟ أما كان ينبغي أن يكون هذا الآخرُ هو الأول في الاعتبار، فيعلمَ أن هذا اللقيط المسكين هو سبيلُه إلى صاحبته، وهو البلاغ إلى ما يحاوله منها؛ فيكون كأنما دخل بين الاثنين ثالثٌ يراهما، فلعلهما يستحيان؟
قال الحوذيُّ الفيلسوف: لعنة الله على ذلك الرجل، ولعنات الله كلُّها، ولعناتُ الملائكة والناس أجمعين على تلك المرأة التي انقادت له واغترت به، إن الرجل ليس شيئاً في هذه الجريمة، فقد كانت بصقةٌ واحدةٌ تُغرقُه، وكانت صفعةٌ واحدةٌ تهزمه، وكان مع المرأة الحكومةُ والشرائعُ والفضائلُ، ومعها جهنمُ _ أيضاً _.
ألم تعلم الحمقاء أن الرجلَ الذي ليس زوجاً لها ليس رجلاً معها، وأن الشريعة لو أيقنت أنه رجلٌ لما حرمت عليها أن تخالطه؟
إنه ليس الرجلُ هو الذي ساور هذه المرأة، بل مادةُ الحياة التي رأت في المرأة مُستودعها، فتريد أن تقتحم إلى مقرها عنوةً أو خداعاً أو رضىً أو كما يتفق؛ إذ كان قانون هذه المادة أن توجد، ولا شيء إلا أن توجد؛ فلا تعرفُ خيراً ولا شرَّاً ، ولا فضيلةً ولا رذيلة.
لأيهما يجبُ التحصين: أللصاعقة المُنقضَّة، أم للمكان الذي يُخشى أن تنقضَّ عليه؟
لقد أجابت الشريعةُ الإسلامية: حصنوا المكان، ولكن المدنية أجابت: حصِّنوا الصاعقة! ))
أتركه بين أيديكم