الشيخ/عبدالله الواكد
27-08-2010, 02:59
خطبة يوم غد
السابع عشر رمضان 1431 هـ
غزوة بدر الكبرى والعشر الأواخر
الخطبة الأولي
روي ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه عن مدى أذى المشركين لصاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر صلى الله عليه وسلم فيقول : كنا يوما في الكعبة والرسول صلى الله عليه وسلم يصلي ويتعبد، ونحن من حوله ، فقال أبو جهل لجماعة من قريش : ألا رجل منكم يقوم الي بني فلان فقد ذبحوا جزورا ، فيأتي بكرشها وقذرها فيلقيه علي محمد وهو ساجد ، فننظر ماذا يصنع ذلك الرجل الذي يزعم أنه يتطهر لكل صلاة فقام عقبة بن أبي معيط من بين القوم ، وذهب الي الجزور وجاء بكرشها وانجاسها ثم ألقى ذلك علي النبي صلي الله عليه وسلم وهو ساجد في صلاته ، قال ابن مسعود رضي الله عنه : فلم يقدر واحد منا نحن المسلمين الذين حول النبي صلي الله عليه وسلم علي إبعاد ذلك عنه ، فقد كنا حينئذ قلة وكانوا كثرة وكنا ضعفاء وكانوا أقوياء ، ولم يزل الرسول ساجدا حتي جاءت ابنته فاطمة فلما رأته صرخت في وجوه القوم وأخذت تنحي سلا الجزور وكرشها عن أبيها وهي تبكي ، ثم جاءت بالماء وأخذت تطهر له ثوبه ، ولما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته رفع صوته بالدعاء عليهم ثم قال : اللهم عليك بقريش ثلاثا ، فلما سمعوا صوته وهو يدعو عليهم وكانوا يضحكون ويسخرون تناهوا عن الضحك وخافوا دعوته ، ثم قال الرسول صلي الله عليه وسلم : اللهم عليك بأبي جهل بن هشام ، وعتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، والوليد بن عتبة ، وأمية بن خلف ، وعقبة بن أبي معيط ، قال ابن مسعود : وذكر شخصا سابعا لم أحفظه ثم قال : والذي بعث محمدا بالحق ، لقد رأيت الذي سماهم النبي صلي الله عليه وسلم صرعي يوم بدر .
هذه غطرسة الباطل وبغيه وبطره ، له يوم يزول فيه ويهزم ويندحر ، معركة بدر الكبرى أيها المسلمون التي قتل فيها هؤلاء الكفرة المشركون المستهزؤون الظالمون ، وقتل معهم صناديد أهل مكة كانت في مثل يومكم هذا ، في السابع عشر من شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة غزوة بدر الكبرى التي سَمَّى الله يومها يوم الفرقان ، حيث نصر الله فيها عساكر الإيمان وجنود الرحمن، وهم : محمد رسول الله والذين معه وأذلَّ فيها جنود الشيطان وأنصار الشرك والطغيان، وهم: أبو جهل ومَن معه من قريش؛ خرج المسلمون في رمضان ، خرجوا أذِلّة في ضعف من العدة وقلَّة من العدد ليسوا سوى ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، معهم سبعون بعيرًا يعتقبونها وفَرَسان اثنان لا ثالث لهما ، لأنهم لا يريدون إلا عير قريش ، لا يريدون عدوهم ولكن الله عزَّ وجل بحكمته جمع بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد ليقضيَ الله أمرا كان مفعولا ، قال الله عزَّ وجل ( وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ) خرجوا من ديارهم ليمنعوا عيرهم كانوا قريبًا من ألف مقاتل ، ( خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) ، يقول قائلهم : ( والله لا نرجع حتى نقدم بدرًا ونقيم فيها ثلاثًا ننحر الجزور ونطعم الطعام ونسقي الخمور وتسمع بنا العرب فلا يزالون يهابوننا أبدًا ) ، قالوا ذلك - أيها الناس - ولكن الله - عزَّ وجل – قال ( إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب ) ، فقيّض الله لرسوله وأصحابه أسباب النصر على قلة عددهم وعدتهم فانتصروا وقتلوا من صناديد قريش فريقًا وفريقًا أَسروا وأُلقي من جثثهم في قليبِ بدر أربع وعشرون جثة، وقف النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الجثث يدعوهم بأسمائهم وأسماء آبائهم يقول: يا فلان ابن فلان، أَيَسُرُّكم أنكم أطعتم الله ورسوله فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقًّا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقًّا ؟ قيل: يا رسول الله، كيف تكلّم من قد جُيّفوا ؟ أي: صاروا جيفًا، فقال صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ، هكذا كانت هذه الجثث الخبيثة، هذه الجثث المنْتِنة ، هذا الجثث التي طالما صد أصحابها عن سبيل الله ، وطالما عذب أصحابها عباد الله تسمع توبيخ رسول الله صلى الله عليه وسلم لها ، وتقريعه لأصحابها ، ولكن هيهات هيهات ، إنتصر المسلمون أيها المسلمون ، فكان حديث العرب بعد هذه الغزوة كله عن هزيمة هؤلاء الكفار وهؤلاء الطغاة المتغطرسين ، لقد اقتص الله لعباده المستضعفين ، ومكنهم من الثأر فأعز الله رسوله بهذا النصر المبين ، وأعز الله بلال بن رباح الذي طالما جرجره أمية بن خلف في رمضاء مكة الملتهبة وهو يردد أحد أحد وهلك أمية بن خلف مع من هلكوا من طواغيت الكفر والضلال وألحق عقبة بن أبي معيط بزمرة الهالكين إلى السعير وتبعهم أبو جهل سيد الشرك والطغيان ، ألحق بزمرة الصرعى إلى جهنم وبئس المصير .
أيها المسلمون : لقد كان في قلة المسلمين مطمعا لخروج هؤلاء الصناديد المتغطرسين لينزل الله عليهم بأسه جملة واحدة ويقتلون بأيدي المسلمين تكريما لهذه الفئة المؤمنة وتقوية لشوكة الإسلام وأهله ، فنسأل الله أن يلحق بهم ظلمة هذا الزمان من اليهود والكافرين الذين تسلطوا على المستضعفين من المؤمنين لا يرحمون طفلا ولا شيخا كبيرا ، نسأل الله أن ينصر المسلمين في فلسطين وفي كل مكان على من تسلطوا عليهم وسلبوا ديارهم وأموالهم وأن يقيض للأقصى ليثا يفك أسره ويطهره من دنس الصهيونية الحاقدة الظالمة وأن يرزقنا الصلاة فيه وما ذلك على الله بعزيز وأن يعز الإسلام والمسلمين ، وأن يرد المسلمين إلى دينهم فهو مصدر عزهم ونصرتهم أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
أيها المسلمون : لقد تخطى شهركم نصيفه ، ولا تزالون تعيشون أيامه الشريفه ، فماذا صنعتم فيما مضى من شهركم يا أولي الألباب الحصيفه ؟ هل أنتم أضعتم أوقاته الثمينة فكنتم ممن يُمضون الليالي في السهر على ما لا خير فيه يمضي الليل كله في جهد ضائع والنهار كله نوم على الفرش ، فمن الناس مَن يقوم إلى الصلاة مع الجماعة فيَسْلَم من إثم ترك الجماعة، ومنهم مَن لا يصلي مع الجماعة، ومنهم مَن لا يصلي حتى يقوم في آخر النهار والعياذ بالله .هذه الأوقات غُرر في نواصي الأعمار لا يدري الإنسان أَتَرْجع إليه في عمره مرّة أخرى أم لا ترجع، فانتهزوها بالتوبة إلى الله من المعاصي وكثرة الطاعات والصدقات، وكثرة التسبيح والتهليل والتكبير وقراءة القرآن ولاسيما في العشر الأواخر من رمضان فإنها تبدأ ليلة الثلاثاء القادم ليلة الحادي والعشرين ، فالعشر الأواخر هي أفضل الشهر فيها ليلة القدر التي قال الله تعالى فيها ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْر ِ) ، كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخلت العشر شد مئزره وأيقظ أهله وأحيا ليله ، ينقطع عن أهله وعن بيته ، ينقطع في المسجد كل هذا ابتغاءً لهذه الليلة ليلة القدر فقد اعتكف النبي صلى الله عليه وسلم العشر الأُوَل ثم اعتكف العشر الوسط ثم أُري في المنام ليلة القدر أُري ليلة القدر فصادف ذلك ليلة إحدى وعشرين، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم مَن اعتكف معه أن يعتكف العشر الأواخر كما ورد عند أبي داود من حديث عمران بن الحصين رضي الله عنه وقال صلى الله عليه وسلم : كما في حديث بن عباس رضي الله عنهما في البخاري ( تَحَرَّوا ليلة القدر في السبع الأواخر من رمضان ) فانتهزوا هذه الليلة التي ينيف خيرها على ثلاث وثمانين سنة ، ولا يغرنكم ولا يضيعن الفرص عليكم من حدد ليلة القدر بالحساب ، فكل ذلك باطل لا أصل له ، فالتمسوا هدي النبي صلى الله عليه وسلم واقتفوا آثار صحابته ومن تبعهم بإحسان .
وإنه من المؤسف جدًّا أن بعض الناس يصلّون العشاء الآخرة مع الإمام فإذا سلّم الإمام انصرف كثير منهم ، فإلى أي شيء ينصرفون ؟ ينصرفون إلى هذه القشة الفانية ، هذه الدنيا الهالكة بما فيها ، إصبروا حتى ينصرف الإمام فيُكتب لكم قيام ليلة ؟ ( أما الركوع فعظِّموا فيه الله عزَّ وجل ) ، وأما الرفع بعد الركوع فأكثروا فيه من التحميد والتسبيح
( وأما السجود فأكْثروا فيه من الدعاء ، فإن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ) ، ( وأما الجلوس بين السجدتين فأكْثروا فيه من الدعاء أيضًا، ابدؤوا بما ورد ) ثم ادعوا بما شئتم
صلوا وسلموا على أفضل الخلق محمد
السابع عشر رمضان 1431 هـ
غزوة بدر الكبرى والعشر الأواخر
الخطبة الأولي
روي ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه عن مدى أذى المشركين لصاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر صلى الله عليه وسلم فيقول : كنا يوما في الكعبة والرسول صلى الله عليه وسلم يصلي ويتعبد، ونحن من حوله ، فقال أبو جهل لجماعة من قريش : ألا رجل منكم يقوم الي بني فلان فقد ذبحوا جزورا ، فيأتي بكرشها وقذرها فيلقيه علي محمد وهو ساجد ، فننظر ماذا يصنع ذلك الرجل الذي يزعم أنه يتطهر لكل صلاة فقام عقبة بن أبي معيط من بين القوم ، وذهب الي الجزور وجاء بكرشها وانجاسها ثم ألقى ذلك علي النبي صلي الله عليه وسلم وهو ساجد في صلاته ، قال ابن مسعود رضي الله عنه : فلم يقدر واحد منا نحن المسلمين الذين حول النبي صلي الله عليه وسلم علي إبعاد ذلك عنه ، فقد كنا حينئذ قلة وكانوا كثرة وكنا ضعفاء وكانوا أقوياء ، ولم يزل الرسول ساجدا حتي جاءت ابنته فاطمة فلما رأته صرخت في وجوه القوم وأخذت تنحي سلا الجزور وكرشها عن أبيها وهي تبكي ، ثم جاءت بالماء وأخذت تطهر له ثوبه ، ولما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته رفع صوته بالدعاء عليهم ثم قال : اللهم عليك بقريش ثلاثا ، فلما سمعوا صوته وهو يدعو عليهم وكانوا يضحكون ويسخرون تناهوا عن الضحك وخافوا دعوته ، ثم قال الرسول صلي الله عليه وسلم : اللهم عليك بأبي جهل بن هشام ، وعتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، والوليد بن عتبة ، وأمية بن خلف ، وعقبة بن أبي معيط ، قال ابن مسعود : وذكر شخصا سابعا لم أحفظه ثم قال : والذي بعث محمدا بالحق ، لقد رأيت الذي سماهم النبي صلي الله عليه وسلم صرعي يوم بدر .
هذه غطرسة الباطل وبغيه وبطره ، له يوم يزول فيه ويهزم ويندحر ، معركة بدر الكبرى أيها المسلمون التي قتل فيها هؤلاء الكفرة المشركون المستهزؤون الظالمون ، وقتل معهم صناديد أهل مكة كانت في مثل يومكم هذا ، في السابع عشر من شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة غزوة بدر الكبرى التي سَمَّى الله يومها يوم الفرقان ، حيث نصر الله فيها عساكر الإيمان وجنود الرحمن، وهم : محمد رسول الله والذين معه وأذلَّ فيها جنود الشيطان وأنصار الشرك والطغيان، وهم: أبو جهل ومَن معه من قريش؛ خرج المسلمون في رمضان ، خرجوا أذِلّة في ضعف من العدة وقلَّة من العدد ليسوا سوى ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، معهم سبعون بعيرًا يعتقبونها وفَرَسان اثنان لا ثالث لهما ، لأنهم لا يريدون إلا عير قريش ، لا يريدون عدوهم ولكن الله عزَّ وجل بحكمته جمع بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد ليقضيَ الله أمرا كان مفعولا ، قال الله عزَّ وجل ( وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ) خرجوا من ديارهم ليمنعوا عيرهم كانوا قريبًا من ألف مقاتل ، ( خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) ، يقول قائلهم : ( والله لا نرجع حتى نقدم بدرًا ونقيم فيها ثلاثًا ننحر الجزور ونطعم الطعام ونسقي الخمور وتسمع بنا العرب فلا يزالون يهابوننا أبدًا ) ، قالوا ذلك - أيها الناس - ولكن الله - عزَّ وجل – قال ( إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب ) ، فقيّض الله لرسوله وأصحابه أسباب النصر على قلة عددهم وعدتهم فانتصروا وقتلوا من صناديد قريش فريقًا وفريقًا أَسروا وأُلقي من جثثهم في قليبِ بدر أربع وعشرون جثة، وقف النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الجثث يدعوهم بأسمائهم وأسماء آبائهم يقول: يا فلان ابن فلان، أَيَسُرُّكم أنكم أطعتم الله ورسوله فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقًّا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقًّا ؟ قيل: يا رسول الله، كيف تكلّم من قد جُيّفوا ؟ أي: صاروا جيفًا، فقال صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ، هكذا كانت هذه الجثث الخبيثة، هذه الجثث المنْتِنة ، هذا الجثث التي طالما صد أصحابها عن سبيل الله ، وطالما عذب أصحابها عباد الله تسمع توبيخ رسول الله صلى الله عليه وسلم لها ، وتقريعه لأصحابها ، ولكن هيهات هيهات ، إنتصر المسلمون أيها المسلمون ، فكان حديث العرب بعد هذه الغزوة كله عن هزيمة هؤلاء الكفار وهؤلاء الطغاة المتغطرسين ، لقد اقتص الله لعباده المستضعفين ، ومكنهم من الثأر فأعز الله رسوله بهذا النصر المبين ، وأعز الله بلال بن رباح الذي طالما جرجره أمية بن خلف في رمضاء مكة الملتهبة وهو يردد أحد أحد وهلك أمية بن خلف مع من هلكوا من طواغيت الكفر والضلال وألحق عقبة بن أبي معيط بزمرة الهالكين إلى السعير وتبعهم أبو جهل سيد الشرك والطغيان ، ألحق بزمرة الصرعى إلى جهنم وبئس المصير .
أيها المسلمون : لقد كان في قلة المسلمين مطمعا لخروج هؤلاء الصناديد المتغطرسين لينزل الله عليهم بأسه جملة واحدة ويقتلون بأيدي المسلمين تكريما لهذه الفئة المؤمنة وتقوية لشوكة الإسلام وأهله ، فنسأل الله أن يلحق بهم ظلمة هذا الزمان من اليهود والكافرين الذين تسلطوا على المستضعفين من المؤمنين لا يرحمون طفلا ولا شيخا كبيرا ، نسأل الله أن ينصر المسلمين في فلسطين وفي كل مكان على من تسلطوا عليهم وسلبوا ديارهم وأموالهم وأن يقيض للأقصى ليثا يفك أسره ويطهره من دنس الصهيونية الحاقدة الظالمة وأن يرزقنا الصلاة فيه وما ذلك على الله بعزيز وأن يعز الإسلام والمسلمين ، وأن يرد المسلمين إلى دينهم فهو مصدر عزهم ونصرتهم أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
أيها المسلمون : لقد تخطى شهركم نصيفه ، ولا تزالون تعيشون أيامه الشريفه ، فماذا صنعتم فيما مضى من شهركم يا أولي الألباب الحصيفه ؟ هل أنتم أضعتم أوقاته الثمينة فكنتم ممن يُمضون الليالي في السهر على ما لا خير فيه يمضي الليل كله في جهد ضائع والنهار كله نوم على الفرش ، فمن الناس مَن يقوم إلى الصلاة مع الجماعة فيَسْلَم من إثم ترك الجماعة، ومنهم مَن لا يصلي مع الجماعة، ومنهم مَن لا يصلي حتى يقوم في آخر النهار والعياذ بالله .هذه الأوقات غُرر في نواصي الأعمار لا يدري الإنسان أَتَرْجع إليه في عمره مرّة أخرى أم لا ترجع، فانتهزوها بالتوبة إلى الله من المعاصي وكثرة الطاعات والصدقات، وكثرة التسبيح والتهليل والتكبير وقراءة القرآن ولاسيما في العشر الأواخر من رمضان فإنها تبدأ ليلة الثلاثاء القادم ليلة الحادي والعشرين ، فالعشر الأواخر هي أفضل الشهر فيها ليلة القدر التي قال الله تعالى فيها ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْر ِ) ، كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخلت العشر شد مئزره وأيقظ أهله وأحيا ليله ، ينقطع عن أهله وعن بيته ، ينقطع في المسجد كل هذا ابتغاءً لهذه الليلة ليلة القدر فقد اعتكف النبي صلى الله عليه وسلم العشر الأُوَل ثم اعتكف العشر الوسط ثم أُري في المنام ليلة القدر أُري ليلة القدر فصادف ذلك ليلة إحدى وعشرين، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم مَن اعتكف معه أن يعتكف العشر الأواخر كما ورد عند أبي داود من حديث عمران بن الحصين رضي الله عنه وقال صلى الله عليه وسلم : كما في حديث بن عباس رضي الله عنهما في البخاري ( تَحَرَّوا ليلة القدر في السبع الأواخر من رمضان ) فانتهزوا هذه الليلة التي ينيف خيرها على ثلاث وثمانين سنة ، ولا يغرنكم ولا يضيعن الفرص عليكم من حدد ليلة القدر بالحساب ، فكل ذلك باطل لا أصل له ، فالتمسوا هدي النبي صلى الله عليه وسلم واقتفوا آثار صحابته ومن تبعهم بإحسان .
وإنه من المؤسف جدًّا أن بعض الناس يصلّون العشاء الآخرة مع الإمام فإذا سلّم الإمام انصرف كثير منهم ، فإلى أي شيء ينصرفون ؟ ينصرفون إلى هذه القشة الفانية ، هذه الدنيا الهالكة بما فيها ، إصبروا حتى ينصرف الإمام فيُكتب لكم قيام ليلة ؟ ( أما الركوع فعظِّموا فيه الله عزَّ وجل ) ، وأما الرفع بعد الركوع فأكثروا فيه من التحميد والتسبيح
( وأما السجود فأكْثروا فيه من الدعاء ، فإن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ) ، ( وأما الجلوس بين السجدتين فأكْثروا فيه من الدعاء أيضًا، ابدؤوا بما ورد ) ثم ادعوا بما شئتم
صلوا وسلموا على أفضل الخلق محمد