الشيخ/عبدالله الواكد
07-05-2010, 00:09
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه خطبة جمعة بعنوان ( العدل بين الأولاد )
عبدالله بن فهد الواكد إمام وخطيب جامع الواكد بحائل
الخطبة الأولى
أيّها المسلمون ، العدلُ خلُق المؤمن، والمقسطون على منابر من نور يوم القيامة قال عليه الصلاة والسلام ((المقسِطون يومَ القيامة على منابرَ من نور عن يمين الرّحمن عزّ وجلّ وكلتا يديه يمين؛ الذين يعدِلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا))[1]. والمؤمِن متّصفٌ بالعدل، بعيدٌ كلَّ البُعد عن الظّلم، في تعامُله وفي ولايتِه، فالعدلُ مطلوبٌ منه في كلّ أحواله، قال تعالى ( إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإحْسَانِ ) [النحل:90]. فقد أمَر الله بالعدل ونهى عن الظّلم،
أيّها المسلم الكريم ، إن أحقَّ النّاس بالعدل أولادُك وبناتك الذين هم فلذةُ كبِدك، والذين أنعَم الله عليك بِهم، فإنّ الأولادَ نعمةٌ مِن نِعَم الله على العَبد، فهم امتدادٌ لحياته، و ذِكرٌ له بعد موتِه، وحياةٌ ثانية له بعدَ مفارقتِه الدّنيا، أمِر الشارع بالعنايةِ بهم؛ بتربيّتِهم وتوجيهِهم وتأديبِهم بالآداب الحَسَنة حتى يكونوا عونًا له على كلّ خير وسببًا لسعادتِه في دنياه وآخرته.
أيّها المسلمون ، إنّ من ظلمِ الأولاد أن يفرّق الأبُ بينهم، وأن يبتعِد عن العَدل فيما بينَهم، فيظهر لهم محبّتَه لبعضهم وكراهيتَه لبعضهم، يميل مع هذا دونَ هذا، هذا يقرّبه ويدنيه ويهَب له الهباتِ ويذلِّل أمامَه الصِّعاب ويلبّي طلباتِه ويعطيه مِن أمور الدّنيا ما يعطيه، وأولئك أولادٌ قد أُبعِدوا وأُقصُوا وجُفوا وحُرِموا ولم يُعطَوا مثلَما أُعطِي إخوانهم، لماذا؟! ألستَ أبَ الجميع أيّها الأب؟! أليسوا جميعًا أولادَك؟! فلِمَ هذه التّفرِقة؟! ولم هذا التجنّي؟! ولِمَ هذا الظّلم والعدوان؟!
لقد عصيتَ الله فحابيتَ بعضَهم دونَ بعض، عصيت الله بظلمِك لهم وحرمانِك بعضَهم وتفضيلِك للبعض، فأنتَ بهذا عاصٍ لله قبل كلّ شيء، ويومَ القيامة ترى مصيرَك السّيّئ، تلقى الله وأنت من الظّالمين.
ومع هذا العصيان ستجد العقوق من أولادك بسبب هذا الظلم فيعقّك أولئك الأولاد، ويجفونك، وتكون سببًا في عقوقِهم لك وقطيعتِهم لك ومعصيتهم لك وعدم رأفتهم بك؛ لأنّهم يرونَ منك القسوةَ والجفاء والغِلظة وسوءَ التصرّف.
ألا تعلم أيها الوالد الكريم ، والأب الرحيم ، أنك أججت نار الفتنة بين أولادك ، علمت أم لم تعلم فضَّلتَ بعضَهم على بعض فأوقدتَ بينهم نارَ العداوةِ، أشعلتَ بينهم الفِتنة، فرّقت قلوبَهم، مزّقتَ شملَهم، أحدثتَ بينهم القطيعةَ، تركتَهم متناحرين متقاطعين متباعدين، يبغِض بعضهم بعضًا، ويكرَه بعضهم بعضًا، فمَنِ المتسبِّب؟ ومَن الجانِي؟ إنّ الجاني أنتَ أيّها الأب، إذا لم تتَّق الله فيهم، إذا لم تعدِل بينهم، فستحمِل أوزارَهم؛ أوزارَ قطيعتِهم وتناحُرهم وشِقاقهم.
أيّها الأب الكريم، إنّ مِن توفيق الله لك أن تعدِل بين أولادِك، وأن تُظهِر لهم جميعًا أنّ منزلتَهم منك منزلةٌ واحدة، ولا فضلَ لبعضِهم على بعض، لا تُظهر لهم تفضيلَ بعضِهم بأيّ سبب.
كثير من هؤلاء الآباء ذريعتهم في عدم العدل بين أولادهم ، أن هذا ابنٌ يسمَعُ ويطيع، وهذا بارّ بي، وأولئك بعيدون عنّي، وأولئك لم أنتفِع بهم، وأولئك وأولئك... نعَم قد يكون مِن بعض الأولاد شيءٌ مِن هذا، وهذا ليسَ بمستبعَد، لكن هل الخطأ يُعالجَ بالخطأ؟! وهل القطيعة تُعالَج بالقطيعة؟! لأن التفضيل يزيد في القطيعة والبغضاء، أمّا العدل أيها الأب الكريم ، إذا عدلتَ بينهم فإنّ عدلَك بينهم بتوفيقٍ من الله يقرّب قلوبَهم، ويجمَع شتاتَهم، ويحبّب بعضَهم إلى بعض،
أبو النّعمان ، بشير بنُ سعد رضي الله عنه ، أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسولَ الله، إنّ أمَّ هذا طلبَت منّي أن أنحلَ ابنَها نحلة وأشهدُك عليها، فماذا قال الرحمة المهداة ماذا قال خير الورى وأفضل الناس صلى الله عليه وسلم ؟ وجّه السؤالَ إلى هذا الأب قائلاً: ((أكلّ ولدِك أعطيتَهم مثله؟)) هل هذه العطيّة شملت كلَّ الأولاد؟ قال: لا، قال: ((أُتحبُّ أن يكونوا لك في البرّ سواء؟!)) قال: نعم، قال: ((فلا إذًا))[2] سأله النبي صلى الله عليه وسلم : ((ألَه إخوة؟)) قال: نعم، قال: ((أكلاًّ أعطيتَ؟)) قال: لا، قال له: ((لا تشهِدني على جَور)) ، إذا كان الرسولُ صلى الله عليه وسلم امتنَع عن الشهادةِ دل هذا على قُبح ذلك التصرّفِ وقُبح ذلك العَطاء، وأنّ النبيَّ امتنع عن الشهادة عليه لفسادِه وظلمِه وجوره، وهو أبعدُ الخَلق عن الظلمِ والجور، وأحرصُهم على العَدل والإحسان.
أيّها الأب الكريم : إن كنت من أرباب التعدد ولك أكثر من زوجة فلا يحمِلنك حبُّك لأمّ بعضِهم وكراهيتك لأمِّ الآخرين ، أن تُغدِق على أولئك وتحجب عن أولئك، فإن الله لا يسألك عما في قلبك ولكن يسألك عن تصرفك ومعاملتك ، دع الجميعَ يشعرون أنّك الأب الحَنون الرّحيم الشفيق عليهم، كلٌّ يجِد في نفسِه أنّك كذلك. فإنّ سلفنا الصّالحَ التزموا هذا الأدبَ النبويّ في العدل بين أولادهم، حتّى قال بعض التابعين: كانوا يعدِلون بين الأبناء الصّغار حتى في تقبيلهم ، يعني: إذا قبّل الابنَ الصغير قبّل الآخرَ مثلَه حتّى لا يشعرَ هذا بأنّ هذا أفضلُ منه.
إنّ غرسَ الفضائل في النفوس وتدريبَ الأبناء على الأخلاق وتنشئَتهم على الصلةِ والمحبّة أمرٌ بيَد الله ثمّ بيدِك أيّها الأب، فإمّا أن تفارقَ الدنيا والأولادُ كلّهم يقولون: رحمَ الله أبانا، غفر الله لوالدنا، جزَى الله أبانا خيرًا، لقد ربّانا وأحسَن إلينا، وخلّف لنا من خير الألفة والتراحم والمودة ما ننعَم به، فكلٌّ يدعو لك ويترحّم عليك. و إمّا أن ترحلَ من الدنيا وهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف .
فاتقوا الله أيها المسلمون في أولادكم في أبنائكم وبناتكم واعلموا أنَّ البرَّ والصّلةَ أسبابُ كل خيرٍ، من بدأ بها وسنّها في أولادِه اقتدَوا به وتخلَّقوا بأخلاقِه، وإن أحدَث بينهم القطيعةَ والعداوةَ وأشعل نارَ الفتنة بينهم فإنّه المتحمِّل لتلك الأوزار.
أسأل الله لي ولكم الثباتَ على الحقّ والاستقامةَ عليه.
---------------------------
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِٱلْقِسْطِ شُهَدَاء للَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ ٱلْوٰلِدَيْنِ وَٱلأقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَٱللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا [النساء:135].
بارك الله ولكم في القرآن العظيم، ونفعَني وإيّاكم بما فيه من الآياتِ والذّكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
أمّا بعد: فيا أيّها الناس، اتّقوا الله تعالى حقَّ التقوى، والزَموا العدلَ فإنّ في العدلِ بركةً ورحمة.
أيّها الأب الكريم ، لا تظنَّ التفضيلَ سيزيد مالَ المفضَّل، أو علمه أو شهادته ، لأن بعض الآباء يعتني بعطية بعض الأولاد دون بعض أو بتعليم بعض أبنائه دون بعض ، فربَّما فضَّلتَ بعضَهم فأنزل الله المحقَ في مكسَبه، ونزعَ البركة ممّا نال من مال وعلم ، إخوانُه يدعون عليه ويبغِضونه ويمقتونه ويدعون عليك وعليه، كلّما نظروا إلى ما حصل عليه في كنف والده وهم ولم يُعطَوا شيئًا فإنّهم يدعون عليه ويَرَونَه ظالمًا لهم ، دعوة المظلوم أيها المسلمون ليس بينها وبين الله حجاب ، تحمل فوق الغمام ، فكم من دعوةِ مظلوم تصيبُ ذلك الظالمَ، وتمحَق بركة رزقه.
فاتّقوا الله أيها المسلمون ، الزَموا آدابَ الإسلام واعدِلوا في أولادكم ، فالخير والتوفيق فيما أمر الله به ، والبركةُ فيما بارك الله فيه، لا في الظلمِ والجورِ
واعلموا ـ رحمكم الله ـ أنَّ أحسنَ الحديثِ كتاب الله، وخير الهدي هدي محمّد ، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ بدعةٍ ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإنّ يد الله على الجماعة، ومن شذّ شذّ في النّار.
وصلّوا ـ رحمكم الله ـ على عبد الله ورسوله كما أمركم بذلك ربّكم، قال تعالى: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهمّ صلِّ وسلّم وبارك على عبدك ورسولك محمّد، اللهمّ ارضَ عن خلفائه الراشدين...
هذه خطبة جمعة بعنوان ( العدل بين الأولاد )
عبدالله بن فهد الواكد إمام وخطيب جامع الواكد بحائل
الخطبة الأولى
أيّها المسلمون ، العدلُ خلُق المؤمن، والمقسطون على منابر من نور يوم القيامة قال عليه الصلاة والسلام ((المقسِطون يومَ القيامة على منابرَ من نور عن يمين الرّحمن عزّ وجلّ وكلتا يديه يمين؛ الذين يعدِلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا))[1]. والمؤمِن متّصفٌ بالعدل، بعيدٌ كلَّ البُعد عن الظّلم، في تعامُله وفي ولايتِه، فالعدلُ مطلوبٌ منه في كلّ أحواله، قال تعالى ( إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإحْسَانِ ) [النحل:90]. فقد أمَر الله بالعدل ونهى عن الظّلم،
أيّها المسلم الكريم ، إن أحقَّ النّاس بالعدل أولادُك وبناتك الذين هم فلذةُ كبِدك، والذين أنعَم الله عليك بِهم، فإنّ الأولادَ نعمةٌ مِن نِعَم الله على العَبد، فهم امتدادٌ لحياته، و ذِكرٌ له بعد موتِه، وحياةٌ ثانية له بعدَ مفارقتِه الدّنيا، أمِر الشارع بالعنايةِ بهم؛ بتربيّتِهم وتوجيهِهم وتأديبِهم بالآداب الحَسَنة حتى يكونوا عونًا له على كلّ خير وسببًا لسعادتِه في دنياه وآخرته.
أيّها المسلمون ، إنّ من ظلمِ الأولاد أن يفرّق الأبُ بينهم، وأن يبتعِد عن العَدل فيما بينَهم، فيظهر لهم محبّتَه لبعضهم وكراهيتَه لبعضهم، يميل مع هذا دونَ هذا، هذا يقرّبه ويدنيه ويهَب له الهباتِ ويذلِّل أمامَه الصِّعاب ويلبّي طلباتِه ويعطيه مِن أمور الدّنيا ما يعطيه، وأولئك أولادٌ قد أُبعِدوا وأُقصُوا وجُفوا وحُرِموا ولم يُعطَوا مثلَما أُعطِي إخوانهم، لماذا؟! ألستَ أبَ الجميع أيّها الأب؟! أليسوا جميعًا أولادَك؟! فلِمَ هذه التّفرِقة؟! ولم هذا التجنّي؟! ولِمَ هذا الظّلم والعدوان؟!
لقد عصيتَ الله فحابيتَ بعضَهم دونَ بعض، عصيت الله بظلمِك لهم وحرمانِك بعضَهم وتفضيلِك للبعض، فأنتَ بهذا عاصٍ لله قبل كلّ شيء، ويومَ القيامة ترى مصيرَك السّيّئ، تلقى الله وأنت من الظّالمين.
ومع هذا العصيان ستجد العقوق من أولادك بسبب هذا الظلم فيعقّك أولئك الأولاد، ويجفونك، وتكون سببًا في عقوقِهم لك وقطيعتِهم لك ومعصيتهم لك وعدم رأفتهم بك؛ لأنّهم يرونَ منك القسوةَ والجفاء والغِلظة وسوءَ التصرّف.
ألا تعلم أيها الوالد الكريم ، والأب الرحيم ، أنك أججت نار الفتنة بين أولادك ، علمت أم لم تعلم فضَّلتَ بعضَهم على بعض فأوقدتَ بينهم نارَ العداوةِ، أشعلتَ بينهم الفِتنة، فرّقت قلوبَهم، مزّقتَ شملَهم، أحدثتَ بينهم القطيعةَ، تركتَهم متناحرين متقاطعين متباعدين، يبغِض بعضهم بعضًا، ويكرَه بعضهم بعضًا، فمَنِ المتسبِّب؟ ومَن الجانِي؟ إنّ الجاني أنتَ أيّها الأب، إذا لم تتَّق الله فيهم، إذا لم تعدِل بينهم، فستحمِل أوزارَهم؛ أوزارَ قطيعتِهم وتناحُرهم وشِقاقهم.
أيّها الأب الكريم، إنّ مِن توفيق الله لك أن تعدِل بين أولادِك، وأن تُظهِر لهم جميعًا أنّ منزلتَهم منك منزلةٌ واحدة، ولا فضلَ لبعضِهم على بعض، لا تُظهر لهم تفضيلَ بعضِهم بأيّ سبب.
كثير من هؤلاء الآباء ذريعتهم في عدم العدل بين أولادهم ، أن هذا ابنٌ يسمَعُ ويطيع، وهذا بارّ بي، وأولئك بعيدون عنّي، وأولئك لم أنتفِع بهم، وأولئك وأولئك... نعَم قد يكون مِن بعض الأولاد شيءٌ مِن هذا، وهذا ليسَ بمستبعَد، لكن هل الخطأ يُعالجَ بالخطأ؟! وهل القطيعة تُعالَج بالقطيعة؟! لأن التفضيل يزيد في القطيعة والبغضاء، أمّا العدل أيها الأب الكريم ، إذا عدلتَ بينهم فإنّ عدلَك بينهم بتوفيقٍ من الله يقرّب قلوبَهم، ويجمَع شتاتَهم، ويحبّب بعضَهم إلى بعض،
أبو النّعمان ، بشير بنُ سعد رضي الله عنه ، أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسولَ الله، إنّ أمَّ هذا طلبَت منّي أن أنحلَ ابنَها نحلة وأشهدُك عليها، فماذا قال الرحمة المهداة ماذا قال خير الورى وأفضل الناس صلى الله عليه وسلم ؟ وجّه السؤالَ إلى هذا الأب قائلاً: ((أكلّ ولدِك أعطيتَهم مثله؟)) هل هذه العطيّة شملت كلَّ الأولاد؟ قال: لا، قال: ((أُتحبُّ أن يكونوا لك في البرّ سواء؟!)) قال: نعم، قال: ((فلا إذًا))[2] سأله النبي صلى الله عليه وسلم : ((ألَه إخوة؟)) قال: نعم، قال: ((أكلاًّ أعطيتَ؟)) قال: لا، قال له: ((لا تشهِدني على جَور)) ، إذا كان الرسولُ صلى الله عليه وسلم امتنَع عن الشهادةِ دل هذا على قُبح ذلك التصرّفِ وقُبح ذلك العَطاء، وأنّ النبيَّ امتنع عن الشهادة عليه لفسادِه وظلمِه وجوره، وهو أبعدُ الخَلق عن الظلمِ والجور، وأحرصُهم على العَدل والإحسان.
أيّها الأب الكريم : إن كنت من أرباب التعدد ولك أكثر من زوجة فلا يحمِلنك حبُّك لأمّ بعضِهم وكراهيتك لأمِّ الآخرين ، أن تُغدِق على أولئك وتحجب عن أولئك، فإن الله لا يسألك عما في قلبك ولكن يسألك عن تصرفك ومعاملتك ، دع الجميعَ يشعرون أنّك الأب الحَنون الرّحيم الشفيق عليهم، كلٌّ يجِد في نفسِه أنّك كذلك. فإنّ سلفنا الصّالحَ التزموا هذا الأدبَ النبويّ في العدل بين أولادهم، حتّى قال بعض التابعين: كانوا يعدِلون بين الأبناء الصّغار حتى في تقبيلهم ، يعني: إذا قبّل الابنَ الصغير قبّل الآخرَ مثلَه حتّى لا يشعرَ هذا بأنّ هذا أفضلُ منه.
إنّ غرسَ الفضائل في النفوس وتدريبَ الأبناء على الأخلاق وتنشئَتهم على الصلةِ والمحبّة أمرٌ بيَد الله ثمّ بيدِك أيّها الأب، فإمّا أن تفارقَ الدنيا والأولادُ كلّهم يقولون: رحمَ الله أبانا، غفر الله لوالدنا، جزَى الله أبانا خيرًا، لقد ربّانا وأحسَن إلينا، وخلّف لنا من خير الألفة والتراحم والمودة ما ننعَم به، فكلٌّ يدعو لك ويترحّم عليك. و إمّا أن ترحلَ من الدنيا وهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف .
فاتقوا الله أيها المسلمون في أولادكم في أبنائكم وبناتكم واعلموا أنَّ البرَّ والصّلةَ أسبابُ كل خيرٍ، من بدأ بها وسنّها في أولادِه اقتدَوا به وتخلَّقوا بأخلاقِه، وإن أحدَث بينهم القطيعةَ والعداوةَ وأشعل نارَ الفتنة بينهم فإنّه المتحمِّل لتلك الأوزار.
أسأل الله لي ولكم الثباتَ على الحقّ والاستقامةَ عليه.
---------------------------
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِٱلْقِسْطِ شُهَدَاء للَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ ٱلْوٰلِدَيْنِ وَٱلأقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَٱللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا [النساء:135].
بارك الله ولكم في القرآن العظيم، ونفعَني وإيّاكم بما فيه من الآياتِ والذّكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
أمّا بعد: فيا أيّها الناس، اتّقوا الله تعالى حقَّ التقوى، والزَموا العدلَ فإنّ في العدلِ بركةً ورحمة.
أيّها الأب الكريم ، لا تظنَّ التفضيلَ سيزيد مالَ المفضَّل، أو علمه أو شهادته ، لأن بعض الآباء يعتني بعطية بعض الأولاد دون بعض أو بتعليم بعض أبنائه دون بعض ، فربَّما فضَّلتَ بعضَهم فأنزل الله المحقَ في مكسَبه، ونزعَ البركة ممّا نال من مال وعلم ، إخوانُه يدعون عليه ويبغِضونه ويمقتونه ويدعون عليك وعليه، كلّما نظروا إلى ما حصل عليه في كنف والده وهم ولم يُعطَوا شيئًا فإنّهم يدعون عليه ويَرَونَه ظالمًا لهم ، دعوة المظلوم أيها المسلمون ليس بينها وبين الله حجاب ، تحمل فوق الغمام ، فكم من دعوةِ مظلوم تصيبُ ذلك الظالمَ، وتمحَق بركة رزقه.
فاتّقوا الله أيها المسلمون ، الزَموا آدابَ الإسلام واعدِلوا في أولادكم ، فالخير والتوفيق فيما أمر الله به ، والبركةُ فيما بارك الله فيه، لا في الظلمِ والجورِ
واعلموا ـ رحمكم الله ـ أنَّ أحسنَ الحديثِ كتاب الله، وخير الهدي هدي محمّد ، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ بدعةٍ ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإنّ يد الله على الجماعة، ومن شذّ شذّ في النّار.
وصلّوا ـ رحمكم الله ـ على عبد الله ورسوله كما أمركم بذلك ربّكم، قال تعالى: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهمّ صلِّ وسلّم وبارك على عبدك ورسولك محمّد، اللهمّ ارضَ عن خلفائه الراشدين...