المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : علبة السجائر ( قصة قصيرة )



fouad ab
11-12-2009, 02:49
*** علبة السجائر ***
... قصة قصيرة ...

كنت أطالع أحد الكتب ، في مكاني المعتاد من كل مساء ، الباب يفتح ... أبني الكبير عاد من عمله ... كان في وجهه ابتسامة رضا ... سلم عليّ و جلس بجانبي ...
قال : عندي لك خبر سار .
قلت : بشر بسرعة ما هو ؟
قال : لقد عقدنا أنا و أخوتي اليوم صفقة كبيرة ، أرباحها جيدة جداً ...
قلت : الحمد لله ، هذا من فضل الله علينا .
قال : لقد اتفقنا أنا و أخوتي أن نخصص أرباح هذه الصفقة لزواج أخانا الأصغر ، فهل أنت راضي الآن ؟ هل تكتمل رسالتك بهذا ؟
أردف قائلاً : أنا و أخي الأوسط تزوجنا و عندنا بيوت ، و أخانا الأصغر بيته جاهز ، و لم يبقى ألا أن يتم زواجه
قلت : رسالتي ؟ أه من رسالة الوالدين .... إنها لا تنتهي أبداً ...
و هنا بينما كان أبني يشرح تفاصيل الصفقة التي سيسلمها ... و هو مسترسل بالكلام ... عدت بذاكرتي إلى أكثر من عشرين عاماً مضت ، إلى ذلك اليوم الذي بدأت فيه الفكرة ...
شعر أبني أني لست معه ... تركني و ذهب ليسلم على والدته .
عدت أنا لأفكاري تلك ، و تلك الفكرة الرائعة التي غيرت حياتنا كلنا .
كان ذلك في أحد الأيام منذ أكثر من عشرين عاماً ، حيث عدت من العمل ، و كالعادة بعد العشاء ، أضع كاس الشاي ، و علبة السجائر ، و انفث في جو البيت سموم سجائري ، و لا أبالي ... كانت آخر سيجارة من العلبة ... فوراً فتحت العلبة الأخرى ...
و إذ زوجتي تركض مسرعة و هي تبكي و تقول : تعال بسرعة و أنظر أبنك الصغير ما به ... كان يسعل سعالاً شديداً ... و بالكاد يتنفس ... و بسرعة كنا خارج البيت في سيارة أجرة ، و عند الفحص في إحدى المشافي كان عنده مرض صدري خطير ... و طُلب منا بقاءه لعدة أيام في المشفى ... بقيت عنده والدته و رجعت أنا إلى البيت ...
جلست مكاني ... و أنا أحترق على هذا الصغير و سعاله و ألمه ... مددت يدي لأشعل سيجارة ... و مسكت علبة السجائر لأفتحها ... شيء ما بداخلي جعلني أعيدها مكانها ... ... ...
ألم تكن هي السبب في ما حل لولدي ، ليس ذلك فحسب ، فأنا طوال اليوم ألعن الساعة التي تعلمت بها عادة التدخين ، أحتقر نفسي عندما أدخن إلى جانب الحمام في عملي الذي منع فيه التدخين ، و أنا أرقب نظرات رب العمل لي بازدراء ، أخشى أن أقترب من أحد كي لا يشم رائحة فمي ، أفتح النوافذ في سيارة الأجرة كي لا يعبق جوها برائحة ملابسي ، لا أصلي و لا أسبح إلى بعد ربع ساعة كي أتأكد أنه لا رائحة في فمي ، منبوذ في كل مكان بسببها ... عند الصباح ، أسعل سعال رجل في الثمانين من عمره ... و فوق كل هذا ثمنها يزداد كل فترة ... و تربحه الشركات العالمية التي تكبر و تطغى و نحن نخسر و نشقى ... نعيش بربع رئة ... نلهث لبضع درجات و نحن نصعد الدرج ... و ناهيك عن كل ذلك ، فهناك من حرمها شرعاً ... و مازالت قيد خلاف بين الأئمة ...
ما هذا الكابوس الذي أنا فيه ؟ ألم يئن الأوان لترك هذا الإخطبوط الذي ينهش بجسدي ، و يلتف حول عنقي ، ليقضي علي ؟
و خطرت لي فكرة رائعة ، عبقرية كما يقال ...
سوف أحول كل ذنب اقترفته بحق أولادي و نفسي إلى عمل صالح ، لماذا لا أدخر لأولادي مبلغ علبة السجائر ، و هنا جلبت الآلة الحاسبة و حسبت ثمن علبة سجائري ، و علبة سجائر زوجتي لمدة 20 عاماً كم يبلغ ... و أفاجئ برقم خيالي .
فقررت أن أشتري حصالات لأولادي الثلاثة ، و أضع فيها ثمن علبتي السجائر يومياً ، إلى أن يصبح أعمار أولادي ست و عشرون سنة ، ووزعت المبلغ لكل ولد بما يناسب عمره و يحصل على نفس مبلغ أخوته ...
فكان الولد الكبير عمره اثني عشر عام ، و الأوسط سبع سنوات ، و الصغير خمس سنوات
و بالإضافة لذلك كان هناك ، شرط لكسب أولادي المبلغ ... و هو أن يصلي كل منهم الصلوات الخمس و أفهمتهم أن هذا المبلغ هو جائزة صلواتهم ... و رضاي عليهم
قمت من مكاني و أخذت علبة السجائر و وضعتها في درج الطاولة و نويت أن احتفظ بهذه العلبة لأختبر إرادتي ، بعدم الأخذ منها
و فعلاً ، بعد شفاء أبني الصغير ، كان هناك الحصالات الثلاثة ، و كانت الفرحة تعم الأولاد الثلاثة عندما علموا أن كل منهم سيجمع مبلغاً ضخماً ، طبعاً بالنسبة لهم هو ثروة ، و باتوا يتراكضون للوضوء و الصلاة ، و أصبحنا نصلي جماعة ، و في النهار كان أبني الأكبر هو من يكون إماماً ، حتى أبني ذي الخمس سنوات ، كان لا يتخلف عن الصلاة ، فالجائزة و الحصالة و خشخشة النقود فيها كان يغريه .
و مع مرور الأيام ، أصبحت الصلاة جزء لا يتجزأ من تفكيرهم ، و عادة اعتادوها دون تفكير ، و كان الحصالة تمتلئ ، كل يوم أكثر فأكثر .
و كنت كل عامين أبدل النقود ، بقطعة ذهبية ، حتى لا يخطر ببال أحدهم أن يصرف من النقود .
و مع مرور الأيام وصل أبني الأكبر إلى سن السادسة و العشرون ، و كان اليوم المرتقب بالنسبة له فهو من الآن سيكون حر التصرف بالنقود ، و طبعاً كان هو أيضاً يضع فيها جزء من أجرته التي يأخذها ببعض الأعمال التي عمل بها ، بالإضافة لدراسته .
و كانت الحيرة الكبيرة ماذا يفعل بالنقود ، و كان اقتراحه جد رائع .
فقد طرح فكرة أن يأخذ نقود أخوته و يدخل بها بمشروع ، يقومون الثلاثة بإدارته ... و فعلاً وجد مشروع جيد و بدأ بتنفيذه ... و أصبح هذا المشروع يكبر يوماً بعد يوم ، و خصوصاً أن قلوب الأخوة الثلاثة كانت كلها مجتمعة في بوتقة واحدة ... و أن هذه النقود هي بسبب صلواتهم ... و رضا الله و رضا والديهم عليهم ... فكانت كل البركة فيها ... و أصبح هذا المشروع يدر الأرباح الطائلة و كنت أراقب عن كثب و أدعمهم بنصحي و إرشادي ...
و من ثمار هذا المشروع و أرباحه بقي المبلغ كما هو ، أو ربما زاد و من الأرباح فقط اشترى كل منهم بيت ، و تزوج اثنان منهم و ها هو الأخير على وشك الزواج ... ربنا يكملها معهم في هذه الصفقة ...
أفقت من شرود أفكاري ، و تـأملت هذه الذكريات ، و هذه الأيام ، و قلت في نفسي ، هل من المعقول أن يكون هذا ؟ مبلغ علبة السجائر و تخطيط سليم ، و تقوى إلى الله ، و إرشادات فعلت كل هذه الأشياء ... سبحان الله ... الذي أعطانا هذا العقل ؟ لكي نوجه كل ما حولنا لمصلحتنا و نستفيد منه ...
خطوت عدة خطوات إلى طاولتي و فتحت الدرج ، كانت علبة السجائر مازالت قابعة في تلك الزاوية منذ أكثر من عشرين عاماً ، تناولتها ... اصفرار في أوراقها البيضاء و ألوان باهتة على الغلاف ؟ و سألت نفسي هل أعود للتدخين ؟ فها هي كل أحلام أولادي تحققت ؟ و السبب الذي تركت التدخين لأجله زال ؟ أ أعود للتدخين مجدداً ...

شام
11-12-2009, 15:28
ومن استطاع ان يبتعد عن عادة التدخين وتخلص جسمه من النيكوتين لمدة 20 عاماً
لا يمكنه بأي حال من الأحوال أن يعود لتلك العادة الذميمة.
اعرف كثر ممن حولي بعد تركهم للتدخين أصبحوا يهربون من اي مكان فيه رائحة تبغ
و يبتعدون عن الاشخاص المدخنين ..
ثم للقصة أهداف أخرى تعلمنا كيفية الاقتصاد والتخطيط الناجح لمستقبل مشرق
فمن تحصيل ثمن علبة الدخان تمكن الاب من رسم معالم مشروع و هذا من افكار
صناع الحياة في المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
اذن لو فكرنا قليلاً بادخار تلك المبالغ التي تضيع على الهواتف النقالة و الانترنت
و ادوات التجميل للنساء و غيرها من النثريات التي ندفعها لوجدنا أنفسنا من ارباب المشاريع
التي تنهض بالوطن و المجتمع و الاسرة والفرد نفسه.
الحقيقة قد لا نكون مدخنين والحمدلله لكن للأسف نضيع أموالنا في أمور لا فائدة منها
وهنا أخص المبالغ التي ندفعها لقاء فواتير الخليوي و اجور الانترنت وغيرها ..
أسأل العلي القدير أن يلهمنا الرشد في أمور ديننا ودنيانا ..
من أجمل ماقرأت أخي الفاضل وكاتبنا الموهوب فؤاد
بارك الله بقلمك وفكرك ..
احترامي لفكرك النقي

fouad ab
11-12-2009, 17:29
بوركتي أختي شام على المرور الكريم ، و على نقاشك المفصل و تعليقاتك الرائعة
أحمد الله أن القصة نالت إعجابك ، و وصلت إلى الهدف المنشود منها و فكرتها التي اعتقد أنها رائعة و خصوصاًً ، أن أولاده لم يتركوا الصلاة أبداً منذ بدء ذلك اليوم ، في البداية كان المبلغ المادي هو من يدفعهم و في النتيجة كانت العادة هي من يحضهم على الصلاة ، و عندما كبروا وجدوا التوفيق لأنهم لم يقطعوا الصلاة يوماً على عكس غيرهم الذين لم يجدوا من يدلهم على الصواب
هي فكرة تشجيع للصلاة دون تخويف و دون ترهيب و دون ضرب ، أليس ذلك أفضل ، و بالنتيجة المال الذي كان يدفعه عائد له لأنه سيساعد أولاده في زواجهم و شراء بيتهم إن كان معه بعض المال و إن لم يكن معه تكون هذه طريقة لتأمين مستقبلهم بالتقسيط المريح جداً جداً

على كل أجمل من القصة هي مشاركتك و نقاشك الغالي علي
فعندما أكتب قصة أبقى خائف ألا تكون على المستوى المطلوب إلى أن أجد من يشجعني و يعجب بها فأرتاح

شكر لك و أدام الله شمس هذا المنتدى

حمــ الموت ـراء
13-12-2009, 22:09
...سوف اجعل منها حكايه ارويها لمن احب

قصة سوف اذكرها ..ليس من اجل المتعه بل من اجل الحكمه ..

طالما احببت رائحة الدخان بين جزئيات الرجل كانت جزء من سحره ..

رغم انها مرض على المدى البعيد ..ولكنها سحر ..حتى للجنس الناعم ..

قصة رائعه من كاتب اروع ..roooose



::


::



ملاحظه : عندما اكتب ان التدخين سحر لا يعني اني مدخنه :)


انما رائحه لاطالما جذبتني للرجل ..

fouad ab
13-12-2009, 23:33
أختي حمراء الموت تحياتي و لو أن أسمك لوحده يشعرني بالأسى ، لماذا لم تسمي نفسك شمس الحياة

على كل
شكر على الرد الجميل و و على مرورك الكريم
سعدت جداً لأن القصة أعجبتك ، و حققت القصة أهدافها

ذكرتني بحب المرأة لرائحة الدخان ، بقصيدة لنزار قباني سمعتها مرة " صديقتي و سجائري "

أذا وجدتها سوف أرسلها لك ، فهي تصف حب المراة لرائحة التبغ من الرجل

مع أني لا أتوقع أن الرائحة ذكية

سلام و تحية في الختام و أتركك بحفظ الرحمن

لوليتا
14-12-2009, 05:32
*
*


اذن انا على عكس النساء
لا احب رائحة السجائر الملتصقة بالرجال
لا اجدها عامل جذب لكنه تنفير


نعود للقصة

اسلوب تنفير جذاب
مشكلة وطرح الحل
مثال قيم وحكيم
مباشرة للمشكلة والهدف وهذا مناسب لاسلوب النصح المتبع هنا
وجميل ان نصل الى نهاية سعيدة
هكذا احب القصص:)

القصة رائعة فؤاد
انت قاص جميل تمتلك موهبة راقية
استمر
وننتظر المزيد فلا تتأخر


*
*

الساطع
14-12-2009, 17:14
شكراً عزيزي على القصـــة الرئعـــــــــــة ، لك الود والتقدير ،،،،،،،

fouad ab
15-12-2009, 23:14
أختي " لوليتا " المحترمة :

مرورك الكريم و نقاشك للقصة ، ما هو إلى دفع لي بأن أثابر للأمام ............

لك كل شكري و تحياتي لتعليقك الرائع و الهادف بنفس الوقت

سعدت جداً بمتابعتك للقصة و سعدت بكلماتك التي تنساب كشلال من قلم رقيق

أدامك الله بحفظه و سعادة لا متناهية و هناء

fouad ab
15-12-2009, 23:22
عندما أكتب لك رداً على مشاركتك أخي في الله " الساطع "

أخشى ألا تكون كلماتي تعبر عن إحساسي بالسعادة لمشاركتك الغالية

و أعجز لصياغة كلمات تعبر عما أكنه لك من احترام

الدفع الذي منحتني إياه جعلني أخشى من الكتابة من جديد خوفاً من عدم وصولي إلى مستوى تعجب به و يعجب به الكل

إنشاء الله سأكون عند حسن ظنكم جميعاً و لا أكتب إلا من القلب

تجياتي مجدداً و أتركك بحفظ الرحمن

fouad ab
16-12-2009, 20:45
بالنسبة لوعدي إلى الأخت " حمراء الموت " وجدت قصيدة نزار قباني و سأنشرها هنا لعدم تمكني من إرسال رسالة خاصة ، و كنت لا أحب أن تنشر هنا
كي لا تفهم أنها دعوة للتدخين فأنا ضد ذلك و لكني وعدت حمراء الموت و سأوفي بوعدي

و ها هي القصيدة


صديقتي وسجائري



واصل تدخينك يغرينــــي

رجل في لحظة تدخيـــــن
هي نقطة ضعفي كإمـرأة

فإستثمر ضعفي وجنوني

مأشهى تبغك والدنيـــــــــا

تستقبل أول تشريــــــــن

والقهوة والصحف الكسلى

ورؤى وحطام فناجيـــن

دخن لاأروع من رجــــــل

يفنى في الركن ويفنيني

رجل تنضم أصابعـــــــــــه

وتفكر من غير جبيــــن

أشعل واحدة من أخـــــرى

أشعلها من جمر عيوني

ورمادك ضعه على كفــــي

نيرانك ليست تؤذنــــــي

فأنا كإمرأة يرضينــــــــــــي

أن ألقى نفسي في مقعـــــد

ساعات في هذا المعبــــــــد

أتأمل في الوجه المجهــــــد

وأعد أعد عروق اليـــــــــد

فعروق يديك تسلينـــــي

وخيوط الشيب هنا وهنــــا

تنهي أعصابي تنهينــي

دخن لاأروع من رجـــــــل

يفنى في الركن ويفيني

أحرقني أحرق بي بيتــــي

وتصرف فيه كمجنــون

فأنا كإمرأة يعجبنــــــــــي

أن أشعر أنك تحمينــي

أن أشعر أن هناك يــــــداً

تتسلل من خلف المقعـــــد

كي تمسح رأسي وجبيني

تتسلل من خلف المقعـــــد

لتداعب أذني بسكونـي

ولتترك في شعري الأسود

عقداً من زهر الليمـون

دخن لاأروع من رجــــــل

يفنى في الركن ويفنيني

الحــــاكــــم
20-02-2010, 21:31
شكرا لك

أسأل العلي القدير ان يمنعنا ويحفضنا منه

معلا إبراهيم الأسعدي
14-03-2010, 07:55
الله يبارك فيك يالغالي قصه جميله

معلا إبراهيم الأسعدي
24-03-2010, 16:00
شكراً عزيزي على القصـــة الرئعـــــــــــة ، لك الود والتقدير