إضحوي الصعيـبـي
18-10-2009, 17:44
المرأة الجميلة
في قريتنا امرأة جميلة تبغضها النساء ويحتقرها الرجال. بغض النساء نابع من اعتقاد بأنها تستميل قلوب أزواجهن. والرجال يحتقرونها لسوء أخلاقها. فهي تذهب بمفردها إلى المدينة، وتمشي بلا عباءة، وتدخن أمام الناس، ولا تضفر شعرها الثر في جدائل وإنما تتركه سترة ضافية على ظهرها حتى تتاخم غدائره ردفيها إذا مرت. فلا يجد محتقروها ومبغضاتها بدا من إدامة النظر إلى هالة سحرها حتى تغيب. فإذا غابت نظر بعضهم إلى بعض وأرسلوا في أثرها لعنات. حتى الثلاثة المتهمون بعشقها.. سائق سيارة الأجرة، وصاحب الدكان، وابن المختار.. يشاركون في ذمها. السائق يقول إن ركوبها سيارته كل يوم لوث سمعته. وصاحب الدكان يزعم أنها تستدين منه ولا تسدد قبل مطال. وابن المختار يؤكد أن علاقته بها مؤقتة، لأنها لا تصلح زوجة لرجل محترم. لكن الجميع في القرية مشغولون بالحديث عنها... خرجت، رجعت، مرت وفي فمها علك، لفت الشعر على رقبتها، مازحت بائع الغاز، بصقت على الجوال.. ثم عادت واعتذرت منه، اشترت ثوبا بنفسجيا فكان ساحرا على بشرتها البيضاء ...
والصبايا يقلدن مشيتها وتسريحة شعرها وإظهارها النحر. والمراهقون يوقتون خروجهم ليتزامن مع مرورها. فتخزن أخيلتهم صورا ملتهبة قوتا للأرق. أما الحديث عما تفعله في المدينة فيختلط فيه الواقع بالخيال. والمصدر الرئيسي لقصصها المتنامية هو المعلم. لم يسأله احد عن كيفية حصوله على تلك القصص المثيرة. بل يتلاقفها المراهقون، ويضيفون إليها قبل تحويلها إلى الرجال الوقورين. والنساء يسترقن السمع، فيعم الخبر خلال دقائق آذان الجميع عدا المختار وإمام الجامع. فالإمام طلب من جلسائه أن لا يذكروا بحضرته شيئا عن تلك المرأة. ودعا الله أن يصلحها. وأعرب عن ثقته بأن الباري سيقيلها يوما.
أما المختار، الذي توهمنا ردحا من الزمن انه غافل عنها، فقد اتضح انه على علم بجميع الأمور، يوم شوهد ثائرا لإغوائها ابنه. وذكر في سورة الغضب كل عيوبها التي يعرفها القوم. وأضاف إليها أشياء جديدة . ومضى إلى دارها هائجا والخنجر في حزامه. فتجمع الرجال على الأبواب، والنساء على النوافذ، لرؤية رأسها مفصولا عن جسدها وشعرها الفاتن مخضبا بالدم. ولما تأخر في الدار أيقنوا انه الآن يمثل بالجثة. إلا أنهما خرجا معا بهدوء، منهمكين بحديث جاد. وتوقفا لدى الباب لإتمام الحديث الجاد . وطال بهما الموقف حتى اضطرت هي لإشعال سكاره. واضطر هو أن يربت على متنها لتأكيد ما يقول.
وبعدما يربت المختار على متنها لا يضير بائع الخضار أن يحمل على كاهله طلباتها إلى عمق بيتها، ثم يتحول إيصال الطلبات إلى زيارات. ويتفقد حارس المدرسة مدرسته أربع مرات في الليلة الواحدة. وفي كل مرة يطرق بابها ليشرب ماء. ويقصدها الخياط ليتأكد من أن ثيابها غير ممزقه.
وما تشاجر اثنان إلا عـَيـَّر احدهما الآخر بها. وما غاضبت امرأة زوجها إلا اتهمته بها. وما رمي بها واحد إلا استشاط كأنه مرمي بالكفر...إلا المعلم ! كان لا يكلف نفسه عناء النفي . وفي بعض الأحيان يعترف أو يلمح إلى انه يقابلها في المدينة. وانه يواعدها هناك. ومع ذلك فهو يحتقرها كالآخرين .
كنت احتقرها مثل أبناء جنسي. وابغضها مثل بنات جنس زوجتي. واستمع لما يحكى عنها مثل أمثالي من الوقورين. وانقل مغامراتها وأضيف إليها مثل المراهقين.
وذات مساء تأخرت في حقلي على غير عادة. وإذا بشبح يدب في قعر لجة النور التي يكدسها القمر فوق الأرض. اعترضته .. فلم يكن سواها! وقد بوغتت بي. وزعمت أن سيارة الأجرة تعطلت هناك مما حدا بها أن تؤوب راجلة.
اعترتني أحاسيس غريبة من الحبور. وانزوت في نفسي وتلاشت جميع المشاعر السلبية حيالها. كانت عطورها الأخاذة تجتاحني بقدرة لا تقهر. ووجهها الوضاح يتوقد على ضوء القمر . ووجدتني في لحظة واحدة اغفر لمن وقعوا في حبالها، واشعر نحوهم بالحنان.
ودعتني إلى مؤانستها صوب القرية. فانقدت لها باستسلام لذيذ. لكن صوتاً دعاها من الخلف، متخفضا وديعاً:
ـ (نسيت أن أقول لكِ..)
واضح انه يكمل سالفة. وخالجني ظن متزايد بأنه صوت الإمام. ثم أكدت ظني اللحية الطويلة. وقد فوجئ بي بقدر ما فوجئت به. وارتبك بقدر ارتباكي. وانهمك يقنعني بأنه التقاها ليهديها إلى جادة الصواب. لأنه وحده يعرف الآيات والأحاديث الكفيلة بإصلاحها. وطلب مني برجاء أن اكتم ما رأيت. ووعدني بأن يكتم ما رأى. لكن قصة الإمام شاعت رغم كتماني . وبذلك لم يبق منزهاً منها إلا النساء. بيد أن أحداهن اكتشفت صدفة أن هذه المرأة الجميلة ماهرة اليد في معالجة (السرة المشلوعة). (فتشلعت) في اليوم التالي سرات بعض النساء، ووقفن على بابها طابوراً للاستشفاء .
إضحوي الصعيب
في قريتنا امرأة جميلة تبغضها النساء ويحتقرها الرجال. بغض النساء نابع من اعتقاد بأنها تستميل قلوب أزواجهن. والرجال يحتقرونها لسوء أخلاقها. فهي تذهب بمفردها إلى المدينة، وتمشي بلا عباءة، وتدخن أمام الناس، ولا تضفر شعرها الثر في جدائل وإنما تتركه سترة ضافية على ظهرها حتى تتاخم غدائره ردفيها إذا مرت. فلا يجد محتقروها ومبغضاتها بدا من إدامة النظر إلى هالة سحرها حتى تغيب. فإذا غابت نظر بعضهم إلى بعض وأرسلوا في أثرها لعنات. حتى الثلاثة المتهمون بعشقها.. سائق سيارة الأجرة، وصاحب الدكان، وابن المختار.. يشاركون في ذمها. السائق يقول إن ركوبها سيارته كل يوم لوث سمعته. وصاحب الدكان يزعم أنها تستدين منه ولا تسدد قبل مطال. وابن المختار يؤكد أن علاقته بها مؤقتة، لأنها لا تصلح زوجة لرجل محترم. لكن الجميع في القرية مشغولون بالحديث عنها... خرجت، رجعت، مرت وفي فمها علك، لفت الشعر على رقبتها، مازحت بائع الغاز، بصقت على الجوال.. ثم عادت واعتذرت منه، اشترت ثوبا بنفسجيا فكان ساحرا على بشرتها البيضاء ...
والصبايا يقلدن مشيتها وتسريحة شعرها وإظهارها النحر. والمراهقون يوقتون خروجهم ليتزامن مع مرورها. فتخزن أخيلتهم صورا ملتهبة قوتا للأرق. أما الحديث عما تفعله في المدينة فيختلط فيه الواقع بالخيال. والمصدر الرئيسي لقصصها المتنامية هو المعلم. لم يسأله احد عن كيفية حصوله على تلك القصص المثيرة. بل يتلاقفها المراهقون، ويضيفون إليها قبل تحويلها إلى الرجال الوقورين. والنساء يسترقن السمع، فيعم الخبر خلال دقائق آذان الجميع عدا المختار وإمام الجامع. فالإمام طلب من جلسائه أن لا يذكروا بحضرته شيئا عن تلك المرأة. ودعا الله أن يصلحها. وأعرب عن ثقته بأن الباري سيقيلها يوما.
أما المختار، الذي توهمنا ردحا من الزمن انه غافل عنها، فقد اتضح انه على علم بجميع الأمور، يوم شوهد ثائرا لإغوائها ابنه. وذكر في سورة الغضب كل عيوبها التي يعرفها القوم. وأضاف إليها أشياء جديدة . ومضى إلى دارها هائجا والخنجر في حزامه. فتجمع الرجال على الأبواب، والنساء على النوافذ، لرؤية رأسها مفصولا عن جسدها وشعرها الفاتن مخضبا بالدم. ولما تأخر في الدار أيقنوا انه الآن يمثل بالجثة. إلا أنهما خرجا معا بهدوء، منهمكين بحديث جاد. وتوقفا لدى الباب لإتمام الحديث الجاد . وطال بهما الموقف حتى اضطرت هي لإشعال سكاره. واضطر هو أن يربت على متنها لتأكيد ما يقول.
وبعدما يربت المختار على متنها لا يضير بائع الخضار أن يحمل على كاهله طلباتها إلى عمق بيتها، ثم يتحول إيصال الطلبات إلى زيارات. ويتفقد حارس المدرسة مدرسته أربع مرات في الليلة الواحدة. وفي كل مرة يطرق بابها ليشرب ماء. ويقصدها الخياط ليتأكد من أن ثيابها غير ممزقه.
وما تشاجر اثنان إلا عـَيـَّر احدهما الآخر بها. وما غاضبت امرأة زوجها إلا اتهمته بها. وما رمي بها واحد إلا استشاط كأنه مرمي بالكفر...إلا المعلم ! كان لا يكلف نفسه عناء النفي . وفي بعض الأحيان يعترف أو يلمح إلى انه يقابلها في المدينة. وانه يواعدها هناك. ومع ذلك فهو يحتقرها كالآخرين .
كنت احتقرها مثل أبناء جنسي. وابغضها مثل بنات جنس زوجتي. واستمع لما يحكى عنها مثل أمثالي من الوقورين. وانقل مغامراتها وأضيف إليها مثل المراهقين.
وذات مساء تأخرت في حقلي على غير عادة. وإذا بشبح يدب في قعر لجة النور التي يكدسها القمر فوق الأرض. اعترضته .. فلم يكن سواها! وقد بوغتت بي. وزعمت أن سيارة الأجرة تعطلت هناك مما حدا بها أن تؤوب راجلة.
اعترتني أحاسيس غريبة من الحبور. وانزوت في نفسي وتلاشت جميع المشاعر السلبية حيالها. كانت عطورها الأخاذة تجتاحني بقدرة لا تقهر. ووجهها الوضاح يتوقد على ضوء القمر . ووجدتني في لحظة واحدة اغفر لمن وقعوا في حبالها، واشعر نحوهم بالحنان.
ودعتني إلى مؤانستها صوب القرية. فانقدت لها باستسلام لذيذ. لكن صوتاً دعاها من الخلف، متخفضا وديعاً:
ـ (نسيت أن أقول لكِ..)
واضح انه يكمل سالفة. وخالجني ظن متزايد بأنه صوت الإمام. ثم أكدت ظني اللحية الطويلة. وقد فوجئ بي بقدر ما فوجئت به. وارتبك بقدر ارتباكي. وانهمك يقنعني بأنه التقاها ليهديها إلى جادة الصواب. لأنه وحده يعرف الآيات والأحاديث الكفيلة بإصلاحها. وطلب مني برجاء أن اكتم ما رأيت. ووعدني بأن يكتم ما رأى. لكن قصة الإمام شاعت رغم كتماني . وبذلك لم يبق منزهاً منها إلا النساء. بيد أن أحداهن اكتشفت صدفة أن هذه المرأة الجميلة ماهرة اليد في معالجة (السرة المشلوعة). (فتشلعت) في اليوم التالي سرات بعض النساء، ووقفن على بابها طابوراً للاستشفاء .
إضحوي الصعيب