المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصص القرآن [ الجزء الثاني] للدكتور عمرو خالد



شام
23-08-2009, 22:19
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



تابعنا في شهر رمضان المبارك الماضي برنامج قصص القرآن الكريم بجزءه الأول
على شاشات الفضائيات ..
و هذا العام يذاع الجزء الثاني من برنامج قصص القرآن الكريم
ورغبة بعموم الفائدة و المنفعة الواردة في البرنامج
سيتم نشر ملخص يومي حول كل حلقة تذاع ...
الملخص سوف يتم اعداده بتصرف ..


يتناول برنامج قصص القرآن الكريم قصة نبي الله موسى عليه السلام و على نبينا
أفضل الصلاة و السلام ..
تعتبر قصة نبي الله ( موسى ) أطول قصة وردت في القرأن الكريم فلقد
ذكرت في (50) سورة من (114) سورة
و ذكر موسى عليه السلام في القرآن الكريم (136) مرة وذلك لأن موسى عليه السلام
حبيب الله وكليم الله و من أولي العزم من الرسل
يقول تعالى ({...وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (النساء:١٦٤).
ويقول تعالى في كتابه ( وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} (طه:۳۹)،
وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} (طه:۳۹)،
وأيضًا قال الله له: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} (طه:٤١)، وقال الله تعالى له: {... إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي ...}(الأعراف: ١٤٤)



المكان :
قصة موسى عليه حدثت في أربعة دول وهي مصر و الاردن و السعودية وفلسطين .

أولاً على ضفاف النيل و قبل مولد موسى عليه السلام:
حدثت القصة سنة ١۲۰۰ ق.م.، قبل ميلاد عيسى عليه السلام بـ١۲۰۰سنة، وبين النبي صلى الله عليه وسلم وعيسى ٦۰۰سنة، ولذلك فبيننا وبينها ۳۲۰۰سنة،
وستندهش من كثرة تشابه القيم والأحداث وتتساءل هل حدثت في١۲۰۰ ق.م. أم ۲۰۰۹ بعد الميلاد؟! وكان العالم يختلف تمامًا عما نحيا فيه الآن، فكان يتكون من آسيا وأفريقيا فقط، عالم ما قبل أوروبا وأمريكا، وكانت مصر هي مركز هذا العالم، مركز للحضارة والثقافة والقوة والثروة، وكان بها علماء من طراز نادر لم تكتشف علومهم إلى الآن: علم التحنيط والكيمياء، علم فن الرسم على المعابد والحوائط، علم المعمار والأهرامات، فلو كانت جائزة نوبل معروفة في ذلك الوقت لحصدت مصر 90% منها، لكن كان ينقُص مصر شيئين مهمين رغم كل ما كان لديها، وهما: الإيمان والعدل، ولهذا فهي أكثر القصص تكرارا في القرآن ولقد جاء من أجلهما بطل قصتنا فهو بطل الحرية ونصير المظلومين.
خرج بطل القصة من قلب مصر، وكان هناك نوعان من الناس: نوع غني ونوع فقير، النوع الفقير كان يسمى بنو إسرائيل، النوع الغني كان له كل الحقوق وكان يتمتع بكل ما يحتاج إليه الإنسان السعيد، أما النوع الفقير فكان محروما من كل الحقوق وكانوا يسمون بالعبيد على الرغم من كونهم أحرار وليسوا عبيدًا.
كان بنو إسرائيل يعيشون في أكواخ بائسة على ضفاف النيل، وكانت عاصمة مصر في ذلك الوقت مدينة تسمى رعمسيس، وكانت عاصمة العالم في ذلك الوقت، مثل لندن الآن، ومثل بغداد وقت الحضارة الإسلامية، وقد خرج بطل قصتنا منها وبدأت فيها أحداث القصة واستمرت فيها، واسم المدينة كلمة مصرية قديمة، فبر رع تعني: بيت الإله رع المتمثل في رمسيس، ومكان هذه المدينة اليوم بلدة تسمى: قمطير في الزقازيق بمحافظة الشرقية بمصر، وكانت فروع النيل الكثيرة وقتها تصل حتى هناك.


وكان قصر فرعون وسط أشجار تطل على النيل، وكانت هذه الأشجار تطل على مدينة بر رع مثل التي نحن عندها الآن، وكانت هناك طبقتان تعيشان على النيل: طبقة تحيا في قصور والأخرى تحيا في أكواخ، وفي كوخ من الأكواخ الفقيرة البائسة كانت هناك عائلة مكونة من أم حامل في شهرها الرابع اسمها يوكابد وزوجها يسمى عمران، ولديها ولد وبنت، البنت الكبرى شابة في العشرين من عمرها اسمها مريم، والابن الصغير يسمى هارون، وهي حامل في مولود سيأتي بعد عدة أشهر وهو بطل قصتنا.




ثانياً - المشهد المروع:
وهو في حي من أحياء بني إسرائيل في مصر القديمة، في سكون الليل بينما الحي نائما بأكمله، انقطع السكون فجأة على صوت صراخ رهيب لامرأة، وملأ الصوت الحي بأكمله فاستيقظوا وجروا على مصدر الصوت، فوجدوه بيت من بيوت بني إسرائيل ووجدوا جنودًا بعربات تجرها خيول يجرون مسرعين، فوجدوا أحد الجنود يمسك سكينًا يقطر دمًا، فجروا على البيت مصدر الصوت فوجدوا تحت الباب قطرات من الدماء، فدخلوا فوجدوا امرأة تصرخ وتبكي، كانت وضعت مولودها منذ شهرين، وفجأة اقتحم الجنود البيت وأزاحوا زوجها وسألوها إذا كانت وضعت مولودًا منذ شهرين، فردت: نعم! فطلبوا المولود، فأتى والده بالطفل فأخرج جندي سكينًا وذبح المولود، فصُدِمَت الأم وصُدِم كل بني إسرائيل، وتساءلوا عمن وراء هذه الجريمة؟!
سألوا والد الطفل عما فعله ليحدث معه هذا! وأيًّا كان ما فعله فهل يستحق هذا المشهد الوحشي؟! اجتمع بنو إسرائيل في حيهم بعد الفجر، يتحدثون عن الجريمة وسببها، وتساءلوا فيما بينهم: هل نشتكي أم نسكت؟ والعجيب أنهم خافوا من الشكوى حتى لا يحدث معهم أكثر من ذلك. وهنا ومع المشهد الأول تظهر أول صفة في قصتنا هذا العام وهي: الذل، الذي لم يترك لديهم أي قطرة نخوة حتى بعد ذبح أبنائهم.
وحدثت بعد أسبوع القصة نفسها لطفل آخر –ذكر- ذبح في بيت آخر، لكن الجديد في البيت الثاني شيء غريب! وهو أن الأم كان لديها ولد وبنت حديثي الولادة، فأخذ الجنود الولد وذبحوه، فجرت الأم على البنت واحتضنتها فضحك الجنود قائلين: لا تخافي فلدينا تعليمات ألا نقترب من الفتيات سنأخذها حين تكبر!
وتكررت الجريمة نفسها في الأسبوع الثالث في بيت ثالث، لكن هذه المرة قاموا بشيء جديد فبعدما ذبحوا الطفل ألقوه في النيل! وبعد شهر وصل عدد الأطفال الذين ذُبِحوا عشرة أطفال في عشرة بيوت، تخيلوا الرعب الذي عاشه الناس والأمهات هناك في ظل هذه الجريمة الوحشية، حيث لا توجد جريمة مثلها في التاريخ، والعجيب أن من حدثت معهم هذه الجرائم من أطفال أبرياء تدور الأيام ويقوموا بفعل ما حدث نفسه معهم في العالم اليوم، يتكرر الماضي لكن من عجائب القدر أنهم هم من يفعلونه في أطفال فلسطين، واسألوا محمد الدرة.



ثالثاً - أيقظ فطرتك:


ووسط دهشة أهل الحي بين كونها جريمة منظمة أم جندي مجهول أم تطهير عرقي؟ بدأ يدور في أذهانهم سؤال، أعرف أنكم أيضًا تسألونه الآن وهو: لماذا يا رب لم تمنع المجرم الذي قام بهذا؟ ولماذا لم يتدخل الله بمعجزة ببطشه ليقضي على هذا الوحش؟ ولماذا لم يتدخل القدر ليمنع هذه الوحشية التي هي أكبر من الظلم؟
لماذا يا رب تركته يحدث؟ هي ما تسمى: الفطرة البشرية، وقيمة اليوم:
أيقظ فطرتك، والفطرة هي بذرة الحق التي غرسها الله في كل قلب بشري، وهي جرس إنذار داخل القلب مثل الوخز عندما ترى ظلما شديدا أو وحشية، وهو ختم الله الذي ختمه على كل قلب وتستحيل إزالته من كل البشر {... فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ...} (الروم:۳۰) ويكون هذا الختم على اختلاف أجناسهم وأديانهم وأعمارهم.


إنه جهاز وضعه الله في كل النفوس يضطرب عند الظلم الشديد أو الوحشية، حيث تستريح تلك الفطرة كلما اقتربت من الحق و تضطرب كلما اقتربت من الظلم وتغضب وتستيقظ، وتخرج خارج حواجز العقل وترفض أي مبرر للوحشية والظلم الشديد حتى تقف وتواجه الظلم وتنتصر عليه، فهي جهاز مثل العين والأذن، وإذا تدخل الله تعالى بمعجزته، إذن ما قيمة الفطرة التي خلقها؟ فهي أيضًا معجزته، وإذا تدخل الله سبحانه وتعالى ببطشه فإذًا لا داعي للقلب أو الفطرة، فهي تستيقظ عند حدوث وحشية لأنها دليل قدرة الله فحركتها دليل على أنك مستيقظ.


وعندما حدث هذا الحادث الوحشي في بيوت بني إسرائيل بدأت الفطرة تستيقظ وكأنها أول النجاة والعزة فبداية القصة (فِطَر مستيقظة)، وقيمة اليوم: أيقظ فطرتك، حلقة اليوم كلها تريد أن تنقل لك هذا المعنى: هل أنت صاحب فطرة مستيقظة؟


فحين بدأت فِطَر بني إسرائيل في الاستيقاظ أخرج الله سبحانه وتعالى من بينهم صاحب فطرة عظيمة مستيقظة أيقظهم كلهم هو موسى عليه السلام،
وهو الذي كان يتأسى به النبي صلى الله عليه وسلم حين كان يؤذيه أحد ويقول: ((رحم الله أخي موسى لقد أوذي بأكثر من ذلك)) لأنه صاحب فطرة مستيقظة واجهت كل الظلم والوحشية التي رأيناها، موسى عليه السلام أكثر فطرة مستيقظة خرجت حين بدأت الفِطَر في بني إسرائيل تستيقظ في المكان الذي نحن نتحدث منه ونحكي عنه.


كيف تعرف إن كانت فطرتك مستيقظة أم لا؟ كلما اقتربت من الحق تستريح وتهدأ وكلما اقتربت من الباطل أو الظلم الشديد أو الوحشية تضطرب وتقلق وتريد أن تتحرك لتغيير هذا الظلم الشديد.



رابعاً - سؤال اليوم: كم درجة من عشرة تعطيها لنفسك في يقظة فطرتك؟


وبعدما حدث مع بني إسرائيل بدءوا يتساءلون: هل نقيم مأتما أم لا؟ فعدد الأطفال الذين ماتوا ليس قليلا، وبدءوا يسألون الحي الآخر لبني إسرائيل هل هو حادث فردي معهم لخطأ منهم أم لا؟ فكانت المفاجأة أنه ذُبِح من الحي الآخر عشرة أطفال أيضًا، فقرروا إقامة مأتم لأكبر مجزرة وحشية شهدها التاريخ، تخيل المأتم والأمهات العشرة الفاقدات أبناءهن في المأتم، وهذا مأتم آخر سيقام لأن عدد الأطفال وصل حتى ألف طفل، فمن المجرم الحقيقي؟ ولماذا قام بتلك الجريمة؟ وما السبب؟ سنعرف كل ذلك لاحقا بإذن الله.

شام
23-08-2009, 22:51
الحلقة الثانية

من قصص القرآن الكريم .. الجزء الثاني .. وقصة نبي الله موسى عليه السلام

قيمة العدل وعدم الظلم:

ويجب أن نركز على هذه القيمة الموجودة في قصة موسى ألا وهي "عدم ظلم الآخرين". إياك أن تقف أمام الله يوم القيامة وأنت ظالم أو معين لظالم أو ساكت على ظلم، فلا تظلم أمًّا أو تحرمها من أولادها، إياك وظلم الضعيف أو أن تظلم خادما أو خادمة تعمل لديك، إياك أن تظلم موظفا بسيطا أو أن تأكل حق يتيم أو أرملة، وإياك وظلم الأجير أو تأخير حقه، إياك ودعوة المظلوم فلا يوجد بينها وبين الله حجاب، إياك أن يراك المظلوم تقف مع الظالم أو تبتسم له فيدعوا عليك وعليه معا، فيغضب الله عليك كما غضب عليه، إياك أن تمشي على أرض الله وتحت سمائه وأنت ظالم، حيث يقول الله تعالى: {... فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} (الأعراف: الآية٤٤)،
فالظالم ملعونا لا يفلح أبدًا لا في الدنيا ولا في الآخرة، يقول تعالى:{... إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} (القصص: الآية ۳٧) فمهما كان مع الظالم أنصار ليساعدوه فإنهم في النهاية سيتخلون عنه {...وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} (المائدة: الآية ٧۲) إياك والظلم، إياك وأن تعدل مع الناس وتظلم أهل بيتك، إياك وظلم زوجتك، إياك وضربها أو إهانتها أو أن تعيّرها بأهلها أو تحرمها حقوقها، إياك وظلم أولادك في المعاملة، إياك وظلم أبويك بسوء المعاملة إلا أبويك فدعوتهما مستجابة سواءً إن كانت الدعوة لك أم عليك، إياك وظلم نفسك بأن تسكت وتقبل بالذل فتعتاد عليه فتصبح ظالما لنفسك.
إياك أن تدخل رمضان وأنت تظلم. هل تريد أن يعتقك الله هذا العام؟ هل ترغب في بلوغ ليلة القدر؟ هل تريد أن يكتب الله لك قصرا في الجنة ويغفر لك؟ لا يمكن وأنت ظالم وذلك لقوله تعالى: {...وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (هود: الآية ٤٤) وقوله أيضا: {... وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (البقرة: الآية ۲٥٨) ،أترى خطورة الموضوع؟
إذًا ما هي قيمة اليوم؟ قيمة اليوم هي العدل فلا بد منه، هل أنت مستعد لكل ذلك؟ فما بالك بيوم القيامة؟ يقول تعالى: {...إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا } (الكهف: الآية ۲۹) هذا عقاب الظالمين فإذا دعتك قوتك أن تظلم الناس فتذكر قوة الله عليك{...وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا...} (البقرة: الآية ١٦٥)،فالله تعالى أقوى من الجميع، هناك دائما قانون يقول بأنه إذا ظلمت يسلط الله عليك من يظلمك فيأخذ حق المظلوم منك، وكما ظَلمت يأتي من يظلِمُك ويؤذيك وينتقم منك، وتعالوا نعود لقصة موسى.

ذبح فرعون لذكران بني إسرائيل:

ذكرنا من قبل أن بني إسرائيل قُتل منهم أطفالهم، وكانوا أطفالاً رضعا، فكان الجنود يتركون الإناث ويأخذون الذكور فيذبحونهم ويلقون بهم في النيل. عشرة أطفال ولم تعلم بنو إسرائيل ما الأسباب؟ أو ما الجريمة التي ارتكبوها؟ ومن وراء هذه الجريمة؟ أو حتى لمن يشتكون؟ ففكروا أن يرفعوا الأمر لفرعون ويشتكون إليه، ولكن هل سيصل صوتهم إليه؟ أصعب شيء أن تُظلَم ولا تستطيع أن توصل صوتك إلى ولي الأمر، فأخذوا يستقصون الأمر وكانت المفاجئة أن من أصدر قرار ذبح الأطفال كان فرعون نفسه، أصابت بني إسرائيل مصيبة فقد أصدر فرعون قانون منذ شهر بقتل الذكور من بني إسرائيل، وقد قتل حتى الآن عشرة ولكن بعد ذلك سيصل العدد إلى ألف طفل ذبيح، وقد سمع بهذا الكلام عائلة مكونة من أم وأب وأطفالهما الاثنين، اسم الأم "يوكابد" وهي أم مؤمنة مخلصة قوية، واسم "يوكابد" في اللغة العبرية القديمة معناه عزيزة أو كريمة، يبدو أن من أسماها بذلك شعر بالأزمة التي يعيشها بنو إسرائيل من ذل، فأحب أن تكون ابنته غير ذلك فأسماها عزيزة أو كريمة هذه هي الأم، أما الأب فاسمه "عمران" وجدّ هذا الأب هو سيدنا يعقوب هؤلاء هم عائلة سيدنا موسى عليه السلام. تعالوا معنا لنعرف شجرة العائلة الخاصة بـ موسى ونعرف من هم أجداده ومن أين أتى؟ ومن أين أتى أبوه عمران؟

شجرة العائلة الخاصة بــ موسى:
تبدأ شجرة العائلة بيعقوب فهو الجد الأكبر لموسى، وتحت يعقوب ستجد الاثنى عشر أخا ليوسف، ومن أخوة يوسف أخ يسمى "لاوي" من نسله "عازر" فـ" قاهث".ينحدر بعد ذلك عمران وأخيرًا الأخوة الثلاثة: مريم وهارون وموسى عليه السلام، وبالمناسبة بين موسى و يوسف أربعمائة عام، فيوسف هو أخو جده.

ولكن تعالوا نعود إلى موسى، لما وقع الظلم على بني إسرائيل؟ وما السبب الذي جعل فرعون يذبح أولادهم؟ أم أنهم فعلوا شيئا ما؟ لكي نجيب على هذا السؤال يجب أن نعود إلى الوراء منذ أربعمائة عام مضت، فنعود لعصر سيدنا يوسف، لماذا جاء بنو إسرائيل إلى مصر من الأساس؟ وماذا حدث خلال الأربعمائة عام؟ وهل جاءوا معززين مكرمين أم جاءوا مذلولين؟ وما الذي حدث لهم خلال الأربعمائة عام حتى يصلوا لذبح أولادهم و يأتي موسى في النهاية ليخلصهم؟

لنعد إلى الوراء أربعمائة عام، ظَلم بنو إسرائيل فظُلِموا، وظَلم غيرهم فجاء من يظلِمه واستمرت الدائرة إلا واحد منهم كان عادلاً فظل كريما محترما عزيزا، ولم يكن موسى قد ولد بعد، لكي يعلمنا الله ألا نظلم، فالقصة كلها مبنية على خطورة الظلم في تاريخ البشرية.

كيف دخل بنو إسرائيل مصر؟
كان هناك طفل صغير يسمى يوسف عليه السلام ألقي في البئر فجاءت السيارة فأخذوه وباعوه لعزيز مصر وعاش في بيت عزيز مصر وربته امرأته فكبر، ثم راودته امراءة العزيز وعندما رفض تم إدخاله السجن، وحصلت بعد ذلك المجاعة والأزمة الاقتصادية بمصر فأصبح عزيز مصر ثم أصبح وزيرا مشهورا وأتى بعائلته، فكان يوسف عليه السلام أول من دخل إلى مصر من بني إسرائيل وهو طفل صغير. أترون تدبير الله عز وجل وكيف يدير الله الكون؟ كيف أن حدثا مثل رمي طفل صغير في البئر يكون سببا في تغيير مجرى تاريخ أمة وأمم أخرى كثيرة غيرها؟! عندما حدثت بمصر مجاعة شديدة رأى الملك رؤيا بأن سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف، وأمر الملك وقتها أن يخرجوا يوسف من السجن معززا مكرما- انظر إلى بداية يوسف معززا مكرما وانظر إلى نهايتهم وكيف سيصبح الظالمون مذلولين بسبب الظلم؟!- سيكون يوسف معززا لدرجة أن الملك سيقول كما جاء بالآية الكريمة { وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ{٥٤} قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِن الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ{٥٥} وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ .... {٥٦} } (سورة يوسف)، يقول خزائن الأرض وليس خزائن مصر لأن مصر كانت في هذا الوقت أقوى حضارة في العالم وبالتالي، عندها كل خزائن الأرض، فكان يوسف عليه السلام هو أشهر وزير في تاريخ مصر القديمة.

تُرى من كان الملك الذي حكم مصر في هذا الوقت؟
لقد حكم مصر في هذا الوقت قوم يسمون بالهكسوس، ولقد حكم الهكسوس مصر حوالي مائتي عام وذلك في خلال فترة وجود يوسف بمصر. لم يكن الهكسوس من مصر وكانت أول مرة تحكم مصر القديمة من قِبل غير المصريين، ولهذا كان المصريون مستائين جدا لأن من يحكم بلادهم هم في الواقع أغراب. أتى الهكسوس من أواسط آسيا ناحية الصين، كانت قبائل نزحت لظروف اقتصادية وكانوا أجناسا مختلفة تركت وسط آسيا واحتلوا العراق ومن ثم الشام ومن ثم فلسطين، وبعد ذلك دخلوا مصر فاحتلوها لمائتي عام، وظلموا المصريين ظلما شديدا، فكره المصريون الهكسوس كرها شديدا، لأن المصري بطبيعة الحال عزيز ولا يقبل أبدا أن تُحتَلّ أرضه حيث لم يحدث هذا في التاريخ المصري من قبل.

تولي يوسف للوزارة في عهد الهكسوس وسياسته مع الشعب:
كان الهكسوس يعلمون أن المصريين يكرهونهم فبحث الهكسوس عن أجناس أخرى غير المصريين ليساعدوهم، فوجدوا شخصا عبقريا عظيما يسمى يوسف عليه السلام، فسلموه إدارة الأزمة الاقتصادية العالمية كالأزمة الاقتصادية التي نجد أنفسنا بها الآن- من الجميل جدا أن تسمع عن مؤمن عابد لله وتقي يرفض المعصية وفي الوقت نفسه يدير أزمة اقتصادية إن يوسف نموذج غير عادي- فقام الهكسوس بتولية يوسف للوزارة لأنه غير مصري فهو من بني إسرائيل.

تولى يوسف الوزارة وكان يعلم بالمشكلة التي بين الهكسوس والمصريين، كيف سيحلها يوسف؟ هل سيُشاهد في الصورة مع الهكسوس وهو ظالم؟ هل سيُشاهد وهو غير ظالم ولكن في الوقت نفسه يساعد الهكسوس؟ اختار يوسف العدل، كيف؟ لقد تولى يوسف جميع خزائن العالم بمصر، فهو من يبعث بالطعام لجميع المناطق العربية فوضع يوسف قانون يسمى "حمل بعير" أي أن أي مواطن سواء كان مصريا أو من الهكسوس أو من عائلته أو أيًّا من كان ليس له إلا حمل بعير محملا بالغذاء، أتذكرون الآية حين قال لأخوته: {... وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ } (يوسف: الآية٧۲) به زعيم أي أن يوسف عليه السلام مسئول أن يحصل كل فرد على حمل بعير، ولأنه عادل فقد ظلت سيرته عطرة فأحبه المصريون وأحبه الهكسوس، ومهما تغيرت أحوال الدنيا فهو غالٍ لأنه عادل. إياك والظلم، إياك وظلم النساء، إياك وظلم الأيتام، إياك وأكل حقوق الناس، إياك ألا تعطي حق الموظف البسيط له، إياك أن تدخل رمضان وتؤدي العبادات وأنت ظالم يقول تعالى: {... وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (هود: الآية ٤٤).

لقد كان يوسف رمزًا للعدل فظل غاليًا، ولكن لما لم تبق آثاره؟ لأن قدماء المصريين لم يخلدوا آثار يوسف فبعد أن غادر الهكسوس مصر أزال المصريون كل آثارهم بما فيها آثار يوسف، لكنه بقي في نفوس المصريين كرمز غالٍ كبير. وبعد أن أتى يوسف إلى مصر واستقر بها استأذن ملك الهكسوس أن يحضر عائلته إلى مصر، وكانت هذه بداية دخول بني إسرائيل لمصر ولقد كان هذا في عهد الهكسوس - هنا نتطرق إلى نقطة مهمة: متى بنيت الأهرامات؟ بنيت منذ آلاف السنين فقد بنيت في عهد خوفو وخفرع، فقد كانت مصر مقسمة إلى أسر وقد بنيت الأهرامات في الأسرة الثالثة، وقد دخل الهكسوس مصر في الأسرة السادسة عشر، وهذا يهدم ما يزعمه اليهود الآن من قضية بنائهم للأهرامات، فهذه مغالطة تاريخية أدحضها الآن، لقد بنيت الأهرامات في الأسرة الثالثة أما دخول الهكسوس ويوسف وبني إسرائيل لمصر فقد كان في الأسرة السادسة عشر.

بعد موافقة ملك الهكسوس وترحيبه بمجئ عائلة يوسف أتى يعقوب ومعه الأخوة الاثنا عشر. إذًا، فبداية دخول بني إسرائيل لمصر كانت بدخول يعقوب وأخوة يوسف الاثنا عشر، كان مجموع عدد من دخل مصر من بني إسرائيل ستين فردا وكانوا جميعا أسرة يوسف وهم يعقوب والأخوة الاثنا عشر وأبناؤهم وأحفادهم، فدخلوا مصر ٦۰ فردا ولكن عندما خرجوا منها كانوا ستمائة ألف.

الأرض التي أقام عليها بنو إسرائيل:
أحب ملك الهكسوس أن يكرم يوسف فأراد إعطاءه أفضل أرض زراعية بمصر، طبعا هذه الأرض من قوت وجهد وتعب المصريين، فرفض يوسف حتى لا يكون مع الظالم ضد المظلوم، ولقد رفض بطريقة مهذبة ذكية، فقد قال له إنهم قوم لا يحترفون الزراعة ولكنهم يحترفون الرعي، وبالتالي طلب منه إعطاءه أرضا صحراوية بعيدة عن قلب مصر، حتى لا يكون قد أخذ حق المصريين، فأعطاه الملك أرض جاسان، وكانت أرض جاسان صحراوية لا يهتم المصريون بها، لأن المصريين يحترفون الزراعة وليس الرعي، وأتى يوسف بأهله، تقول الآية الكريمة: {... وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ} (يوسف: الآية۹۹)، لقد دخل يعقوب وأخوة يوسف الاثنا عشر مصر كضيوف، لو أتى شخص ما إلى بيتك كضيف فبعد عشرين عاما سيظل ضيفا، فلا يكون له الحق أن يقول هذه الأرض حقي لأنه ضيف، ولقد ذكرها القرآن في الآية السابقة واضحة فليس لهم أي حق، والعجيب أن موسى عندما أتى بعد أعوام طويلة طلب من فرعون أن يرسل معه بني إسرائيل، فقد كانوا ضيوفا ليعودوا معه، أترون هذه الحقائق؟ أترون كم توضح هذه المعلومات كثيرا من الحقائق.

موت يوسف وسياسة أخوته من بعده:
عاش يوسف عليه السلام هو وأخوته من بني إسرائيل في أرض جاسان، وقد فرح المصريون كثيرا بوجود مثل هذا الشخص العادل بينهم، لقد أدى كل من يعقوب يوسف عليهما السلام رسالته.
ويموت كل من يعقوب ثم يوسف ويدفنا في أرض مصر، وقبل أن يموت يوسف كان يعلم أن أخوته لن يحافظوا على ما عمله، فتنبأ نبوءة وهي أن رجلا من بني إسرائيل سيظهر الحق ويكسر الظلم ويخرج بني إسرائيل من الذل إلى الانتصار، وبعد موت كل من يعقوب ويوسف عليهما السلام غير بنو إسرائيل ما كان في عهد أخيهم، لم يظلموا ولكنهم وقفوا مع الهكسوس على حساب المصريين، رأوا ظلم المصريين بأعينهم ولم يتدخلوا فرفعوا شعار (إنه أمر لا يعنيني) وهذا في حد ذاته ظلم، فهو طالما أمر لا يخصني فهو إذًا لا يعنيني وطالما أنها ليست عائلتي ولا أولادي إذا فليُظلَموا، ولقد رأى المصريون ذلك، وزاد الطينة بلة عندما أرادوا مجاملة الهكسوس على حساب المصريين فإذا رأوا مصريا يضرب بالسوط قالوا إنه يستحق ذلك ليرضوا الهكسوس، وبدأ المصريون يرون بني إسرائيل في الصورة مع الظالم، فكرهوهم وبدأوا يدركون أن هناك فارقا كبيرا بينهم وبين يوسف وبدأت الكراهية الشديدة لهم حتى ترسخ في أذهان المصريين أنهم والظالمون سواء وأن بني إسرائيل مثلهم كمثل الهكسوس، ودارت الأيام وأتى شخص يسمى "أحمس" وطرد الهكسوس من مصر، وكما ظلم الهكسوس جاء أحمس ليذلهم ذلاً شديدا، وكل من وقف معهم تخلى عنهم {...وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} (البقرة: الآية۲٧۰). أرأيت دائرة الظلم؟ كما تظلِم ستُظلم، وتتبعهم أحمس بعد أن طردهم من مصر حتى وصلوا سوريا فتبعهم وقتلهم قتلا شديدا حتى قضى عليهم ومن بعدها اختفى الهكسوس وذلك لأنهم ظلموا. إياكم والظلم فهو دائرة إياكم أن تظلموا والديكم أو زوجاتكم أو أزواجكم، إياكم وظلم خادم أو خادمة إياكم، وظلم الأيتام والأرامل.

وعلى الباغي تدور الدوائر:
وجاء الدور على بني إسرائيل فبمجرد قضاء أحمس على الهكسوس جاء الدور على أعوانهم من بني إسرائيل وهذا درس كبير، فبدأ ينتقم منهم انتقامًا شديدًا وهنا بدأت تتغير حياة بني إسرائيل من العز إلى الذل لأنهم كانوا مع الظالمين، إياك أن تركن إلى ظالم انظر ماذا تقول الآية: {وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ} (هود: الآية ١١۳) تحذرنا الآية ألا نستعين بظالم أو نستند إليه ويقول النبي – صلى الله عليه وسلم-: (إذا رأيت أمتي تهاب الظالم أن تقول: إنك ظالم، فقد تودع منهم) أي لا فائدة منهم، ويقول النبي– صلى الله عليه وسلم- أيضا: (لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يوقع بكم عذابه ثم تدعونه فلا يستجيب لكم) لأنهم ظالمون.
ماذا سيحدث لبني إسرائيل؟
سيحدث لهم أشياء شديدة فقد سكتوا عن الظلم، وغيروا عدل يوسف، وشوهدوا في الصورة مع الظالمين فماذا سيحدث لهم؟ حدث لبني إسرائيل ستة أشياء غيرت خارطة مصر؛فقد قلنا أن الظلم يجلب الظلم والظلم أيضا يجلب الانتقام كما أنه يجلب الذل وطالما أنك لست ظالما حتى ولو كنت مظلوما فإنك بأمان كبير من غضب الله عز وجل، يجب أن تراجعوا حساباتكم لو أنكم أزواج أو زوجات أو آباء أو لديكم موظفون، فراجعوا أنفسكم حتى يبارك الله لكم في رمضان.

بعد أن انتصر المصريون وطردوا الهكسوس التفتوا إلى بني إسرائيل الذين كانوا أعوانا للهكسوس فغيروا ما بدأه يوسف عليه السلام، فتغيرت المعادلة تغيرًا كبيرًا من يوسف الداعي للعدل والرحمة وعدم الظلم إلى منتهى الذل لبني إسرائيل. إياكم والظلم أرأيتم ما حدث للهكسوس؟ وما حدث لبني إسرائيل، إن أحمس ومن جاء بعده من الفراعنة أيضا ظلَموا ظلما شديدا، أحيانا تكون مظلوما فتحاول أخذ حقك فتظلم غيرك فتتسع دائرة أخذ الحق فتتحول إلى ظالم فيرسل الله من يظلمك وهذا ما سيحدث لفرعون في النهاية.

حدث لبني إسرائيل على يد الفراعنة ستة أشياء:
أولاً: حولوهم كلهم من أحرار إلى عبيد، ولهذا قال فرعون في قصة موسى كما جاء في الآية الكريمة: {... وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ} (المؤمنون: الآية ٤٧) أي أنهم عبيد لدينا فقد تحول بنو إسرائيل بقرارٍ من أحرار إلى عبيد.
ثانيا: طردوا من أرض جاسان التي سكنوا بها عندما دخلوا مصر وصودرت ممتلكاتهم وتحولوا من أغنياء إلى فقراء لا يملكون شيئا.
ثالثا: طردوا من أحيائهم وبنيت لهم بيوت طينية وأكواخ ضعيفة على النيل وتحولوا إلى أحياء فقيرة جدا بعدما كانوا يسكنون إلى جانب ملوك الهكسوس.
رابعا: فرقوهم فلم يعودوا يسكنون إلى جانب بعضهم البعض فأصبح بعضهم في حي شمال النيل والبعض الآخر جنوب النيل حتى لا يصبحون معا قوة أو وحدة.
خامسا: حرموهم من التعليم لكي يظلوا على جهلهم.
سادسا: أجبروهم على العمل الشاق ليل نهار بلا أجر، بالمناسبة أيهما أسوأ البطالة أم العمل بلا أجر؟ أتعرفون أن العمل بلا أجر أفضل من البطالة؟ على الأقل فإنك استمتعت بإنتاج منتج معين، أما البطالة فلا أنت عملت ولا أنت أخذت أي أجر، إن كثيرا من الشباب في بلادنا مظلوم بسبب موضوع البطالة.

وصف للمدينة التي عاش بها بنو إسرائيل ومن بعدهم موسى:
تخيلوا معي المدينة التي عاش فيها بنو إسرائيل في وقت فرعون قبل أن يأتي موسى، وتخيلوا كيف تفرقوا؟ وكيف سكنوا العاصمة التي كانت تسمى: برعمسيسوالتي ستجري بها أحداث قصة موسى، وتقع برعمسيس حاليا في الشرقية ناحية بلبيس، وعلى خريطة مصر نجد فرعي النيل وقد كان هناك العديد من فروع النيل ومنها ما يصل لهذه المدينة قبل أن تنطمس هذه الفروع، نجد في الأعلى مساكن بني إسرائيل في الشمال، أما بالأسفل فيوجد أرض جاسان التي سكنوا بها ثم طردوا منها في النهاية، وبجانبها بيوت بني إسرائيل الأخرى، إذن يوجد حي في الشمال لبني إسرائيل وحي آخر في الجنوب لبني إسرائيل ويمر الاثنان على النيل، انتبهوا جيدا لهذه الخريطة فأم موسى حين ستلقيه في النيل سيمر على هذه الخريطة، أما قصر فرعون وهو القصر الملكي فموجود في منتصف الخريطة، إذن فبيوت بني إسرائيل في الأعلى وأيضا بيوت بني إسرائيل بالأسفل ويوجد القصر الملكي بالمنتصف، وحينما ألقت أم موسى "موسى" في النيل كانت تسكن الحي الجنوبي فجرفه التيار بالنيل حتى وصل إلى القصر الملكي وهو قصر فرعون، أما شمال قصر فرعون تجد معبد رع وبجانبه معبد آمون، هذه هي المدينة التي سيكبر بها موسى وأيضا هي نفسها المدينة التي عاش بها بنو إسرائيل، أرأيتم هذه الصورة؟ ربما هي المرة الأولى التي تتخيلون فيها هذا المنظر.

إياك والظلم لقد وصل الظلم ببني إسرائيل إلى شيء أسوأ فقد أصبحوا في ذل شديد فتعودوا أن يظلموا فيسكتوا فأصبحوا ظالمين لأنفسهم، أيضا عندما قبلوا وسكتوا واعتادوا على الظلم، فوصل بهم الذل أن يذبح أولادهم أمام أعينهم دون أن يستطيعوا التحرك. وصل الأمر أنه إذا ذكر فرعون ارتجف بنو إسرائيل خوفا حيث تقول الآية الكريمة {... يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ ...} (الأعراف: الآية١٤١).

لقد وصل بنو إسرائيل لقمة الحضيض في الذل فكانوا يرون أبناءهم يذبحون فيسكتون ويخافون، كانت بناتهم تستحيا أمامهم لتتجه إلى الرذيلة ولا يستطيعون أن يتكلموا أو يعترضوا. يا جماعة، إن الذل يشوه النفس أشد من التشوهات التي تحدث لو أن ماء النار ألقي على الوجه، لهذا كانت رسالة موسى في منتهى الصعوبة، ستبدأ بلا إله إلا الله لأن هذه العبارة معناها أنه لا ذل ولا خضوع إلا لله.

أرأيتم كيف أن موضوع الظلم كبير، لهذا تكررت قصة موسى في القرآن مرات عديدة فعدد سور القرآن (١١٤) سورة؛ خمسون سورة منها ذكرت قصة موسى، لأن أكبر مشكلة في تاريخ البشرية هي الظلم والذل.
بماذا نستفيد من هذا في النهاية؟ نستفيد بأن الحياة مليئة بالكثير من المظلومين والظالمين، أريد أن أختم بكلام لكلا الطرفين: بالله عليك - سواء كنت ظالمًا أو مظلومًا- راجع نفسك، أيها المظلوم لو اشتد الظلم عليك ولا تدري ماذا تفعل؟ ارفع يديك وادعو الله والجأ لأكبر قوة في الدنيا. أيها الظالم إذا وجدت المظلوم ضعيفا أمامك فانتبه بأن وراءه قوة عظمى هي قوة الله تعالى فلا تستهن بضعفه. أيها المظلوم أريد أن أبلغك رسالة أخرى إن من أسخف الأشياء في الدنيا أن تكون مظلوما وليس بيدك حيلة ولا ترفع يديك لتدعو الله.
دعوة المظلوم هي التي غيرت الدنيا، اتقوا دعوة المظلوم فليس بينها وبين الله حجاب يرفعها الله فوق الغمام يقول له وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين، أيها المظلوم ارفع يديك وقل: يا رب. أيها الظالم أحيانا تظلم شخصا ضعيفا ومن شدة خوفه منك لا ينبس ببنت شفة ولكن قد يقول قلبه: يا رب، فيقول الله وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين ليس بينها وبين الله حجاب. أيها المظلوم، لو اشتد الظلم بك فتحمل واصبر كما تقول الآية: {... إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} (الزمر: الآية١۰)، فتأتي يوم القيامة لتقف للحساب أنت وباقي الناس، فيقول الله لك لقد ظلمت وصبرت فإلى الجنة بغير حساب. أيها الظالم احذر عقوبة الله في الدنيا قبل الآخرة.
يحدثني الأستاذ راتب النابلسي وهو من علماء سوريا العظام ويحكي القصة ويقسم عليها ولقد كتبها في كتابه حيث يقول إن شابا مستهترا ظالما كان يسرع بسيارته ليري أصدقاءه الذين معه بالسيارة كم هو ماهر بالقيادة! كان هذا بفصل الشتاء وعلى الطريق الصحراوي، فوجد ***ا من شدة البرودة قد مد رجليه على الأسفلت بدلا من الرمل لأنه أدفأ، فقال الشاب لأصدقائه بأنه سيثبت لهم مهارته بالقيادة حيث سيمر على أرجل ال*** دون أن يقتله، فداس الشاب على أرجل ال*** فصرخ ال***، ولكن الله لا يقبل الظلم يقسم الأستاذ راتب النابلسي أنه بالأسبوع الذي يليه وبينما الشاب نفسه يقود سيارته وجد أن أحد عجلات سيارته قد أفرغت الهواء، فنزل الشاب من سيارته ليصلح العجلة ونزل على ركبته بينما سيقانه للخلف فأتت سيارة مسرعة ومرت على ساقيه ففقد ساقيه كما هو حال ال*** المسكين! أيها الظالم، احذر عقوبة الله. أيها المظلوم، ارفع يديك وقل يا الله ليهتز لدعوتك عرش الرحمن وعزتي وجلالي لأنصرنك. إياكم والظلم، يا جماعة، التزموا بالعدل. وقصة اليوم لقد ظلَم بنو إسرائيل فظُلِموا، وظلَم الهكسوس فظُلِموا، وظلَم الفراعنة فسيحدث لهم الشيء نفسه فيُظلَموا وربك المنتقم. اعمل ما شئت فكما تدين تدان.

ابو ضاري
24-08-2009, 07:25
بارك الله فيك على هذا المجهود الطيب

شام
24-08-2009, 16:22
أشكرك اخي الضاري
للحضور و المشاركة
و بانتظارك في الحلقة المقبلة
دمت بخير

شام
25-08-2009, 11:14
الحلقة الثالثة
بسم الله الرحمن الرحيم،
الحمد لله رب العالمين،
والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
مقدمة
نحن نتحدث كل يوم عن قصة متسلسلة من قصة موسى، ونتحدث عن قيمة من قيم القصة، لأن قصة موسى متداخلة مع القيم والأخلاق تداخلًا عميقًا، لأن هدفي ليس هو حكاية القصة فقط بل ترسيخ القيم، فرصيد القيم أهم من رصيد البنوك، رصيد البنك ينفد ولكن رصيد القيم يبني أممًا، انتبه من أن تهتم برصيد البنك أكثر من رصيد القيم والأخلاق، لا تقل لابنك: لقد تركت لك رصيدًا بنكيًا بكذا ولكن قل له: لقد تركت لك رصيدًا من القيم.
و اليوم سنتحدث عن مصر وعن الشخصيات الرئيسية أمام موسى، ونبدأ نرسم صورة لمهمة موسى، لأننا سنتحدث في المرة القادمة عن مولد موسى، فاليوم هو آخر حلقة في المقدمة لتتعرف على الظروف والأحوال.
موسى عليه السلام ..
لكي تعرف إنجاز موسى يجب أن تعلم ظروف مصر في هذا الوقت، فموسى حمل أضخم تكليف بشري في تاريخ الكون بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، أكبر قصة لمواجهة الظلم في تاريخ البشرية، سيقف أمام فرعون وحده، فرعون هو أعتى جبابرة الأرض، لا تقل هتلر، بل مليون ضعف! من قتل آلاف الأطفال وذبحهم؛ قتل عشرة آلاف مصريًا في الصحراء في يوم واحد، وسيواجهه موسى في وسط كل هذا، وسيدعوه هو والمصريين إلى لا إله إلا الله، وأراد أن يحرر بني إسرائيل من الذل إلى الحرية والعز، وأراد أن يخرج بني إسرائيل من مصر {أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} (الشعراء:17) ليبني بهم أمة جديدة.
الإخلاص:
إن أعظم مؤهل من مؤهلات موسى والقيمة التي ساعدته على مواجهة كل ذلك هي الإخلاص، قال تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا...} (مريم:51) فأول صفة هي أنه كان مخلصًا لله، وهذه هي قيمة اليوم. ففي وسط كل هذه الظروف والظلم كان يواجه فرعون لأنه كان مخلصًا لله، فإذا نشأ جيل مخلص يحب بلده ودينه يتغير وجه المسلمين وتتغير الأرض.
فالإخلاص هو أن لا تبتغي بعملك أي شيء إلا الله، أن لا ترى إلا الله، أن لا تطلب شاهدًا على عملك إلا الله، أن لا تريد من الدنيا والناس شيئًا ولا أموالًا ولا ثناءً ولا شكرًا، ولكن رضى الله هو الهدف، وأصبح كليم الله لأنه من أعظم المخلصين في تاريخ البشرية، موسىلم يأخذ شيئًا، لم يأخذ رئاسة ولا أموالًا ولا أي شيء، عاش مهددًا ومطاردًا من ترحال إلى ترحال مهددًا بالموت من المولد إلى الوفاة.

النبي صلى الله عليه وسلم يحب موسى ويقول: ( لا تفضلوني على موسى، فإن الناسَ يُصعقون يوم القيامة، فأكون أول من يفيق، فأجد موسى باطِشًا بساقِ العرش، فلا أدري هل أفاق قبلي، أو كان ممن استثنى اللـه؟ ) لا تقولوا أنه نبي بني إسرائيل وليس نبينا، انظر إلى منزلته العالية! سيد ولد آدم يقول هذا على موسى! يعلمنا أن نحبه ويقول: (نحن أولى بموسى منهم) لا تقل هو ليس نبينا! ويقول الله تعالى: {...لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ...} (البقرة:285) هذه ثوابت أساسية في كافة الحلقات.
ظروف مصر:
سنتعرف على وضع مصر لنرى إخلاص موسى، لنذهب إلى قصور الفراعنة ونرى ونحكي كيف نشأ موسى في وقت كان في منتهى الصعوبة ليكون حقًا بهذا الإخلاص.
في الحلقة الأول تساءل الناس كيف ذهبنا لبيوت بني إسرائيل، ولكن هذا لم يكن مكانًا حقيقيًا، هناك أماكن استطعنا أن نذهب إليها، هناك سبع عشرة حلقة مصورة في أماكن الأحداث الحقيقية ولكن بعض الأماكن لم نستطع تصويرها لكم كأنكم ترونها، فاستعنا بصور القصور والمعابد من الخرائط المصرية القديمة، وبنيناها بوسائل تقنية حديثة على الكمبيوتر بواسطة فريق من المهندسين المبدعين المصريين لتتمكن من تخيل القصة والشعور بعظمة موسى الذي واجه كل هذه الأحداث.

أول صعوبة في مواجهة موسىهي شخص يسمى فرعون، فرعون لقب وليس اسمًا، مثل هرقل ملك الروم، فكل ملك للروم يسمى هرقل، وكل ملك للفرس يسمى كسرى، ففرعون هو لقب الحاكم عند المصريين القدماء. وصف لنا القرآن أكثر وصف دقيق عما يفعله فرعون، بطشه وجبروته وظلمه.. ذكرت هذه الآيات من سورة القصص {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ} (القصص:4) خمسة أشياء، علا في الأرض أي لا سلطة ولا كلمة ولا قرار إلا له، تكبر وجمع كل السلطات في يده فهو الإنسان الوحيد الذي يتحدث، ومزق نسيج المجتمع المتماسك، وقسم الناس طبقات وفئات من باب فرق تسد، وليستطيع أن يسيطر عليهم أكثر، كأن الآية تقول لك إن أول من حقق تمييزًا عنصريًا وتفرقة عنصرية داخل المجتمع هو فرعون. النقطة الثالثة أنه "يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ" ليكونوا عبرة لغيرهم، وهم بنو إسرائيل، فيضربهم ضربًا مبرحًا، " يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ" لم توجد مذبحة في التاريخ لذبح الأطفال إلا لفرعون! ألف طفل! وقتل عشرة آلاف ساحر من المصريين في يوم واحد، القتل عنده شيء هين، ويأخذ قرار القتل بمنتهى البساطة! "..وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ.." يترك النساء ليكون عدد البنات أكثر من عدد الرجال، وتختل التركيبة السكانية فتكون الفتيات بلا زوج وبلا أب فيسهل انزلاقها للرذيلة وللخطأ "إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ" أفسد أخلاقيًا واجتماعيًا وماليًا.
أسباب بطش فرعون:
لماذا يفعل فرعون هذا مع بني إسرائيل ويذلهم كل هذا الذل والظلم؟ يقولون لشيئين، لبشارة ولرؤية، أما البشارة فهي أن بني إسرائيل تناقلوا فيما بينهم أن يوسف بُشر قبل أن يموت أن ابنًا من أبناء بني إسرائيل أي من أحفاده سيخرج ليزيل الظلم عن بني إسرائيل، يكسر الظلم ويرفع العدل، وبدأت هذه البشارة تنتقل إلى أن وصلت إلى فرعون.
وأما الرؤية فهي أنه قد رأي نارًا تخرج من بيوت بني إسرائيل متجهة إلى قصوره ومعابده حتى أبادته هو وجنوده، فاستيقظ قلقًا؛ فنادى الكهنة فأولوا هذه الرؤية وفسروها بأن غلامًا رضيعًا سيخرج من بني إسرائيل ويزيل ملكه، فبدأ يذبح الأطفال ويفعل كل هذا بسبب هذه البشارة وهذه الرؤية.
ولكن هناك أسبابًا أخرى، فإذا كانت هذه هي فقط الأسباب فمهمة موسىصعبة ولكن ليست مستحيلة، ولكن الأسباب الأخرى والأشد هي أن بني إسرائيل دخلوا مصر ستين فردًا وسيخرجون ستمائة ألف، أعلى معدل تزايد سكاني في التاريخ، فخاف منهم فرعون خوفًا شديدًا، لأنهم كانوا مع الهكسوس بمعنى أن بني إسرائيل من الممكن أن يكونوا قوة مع الأعداء ضد مصر، فبدأ يذبح فيهم، قد تقول أنه كان على حق لأنهم سيحدثون خللًا في المجتمع، ولكن لا يمكن أن يكون هذا مبررًا يؤدي إلى مجازر وحشية، الظلم الشديد غير مبرر! فكانت النتيجة أن فرعون بدأ يقتل ويذبح من بني إسرائيل، وكل هذا يصعب من مهمة موسىأكثر.
من هو فرعون؟
شيء آخر أود قوله، من هو فرعون؟ هذا الأمر فيه خلاف كبير، ولكن يجب في النهاية أن نختار ونرجح، وقد اخترنا بناءً على عدة أشياء، فمصر كانت عبارة عن أُسر، مصر كانت تُحكم في شكل أسر، الأسر القديمة ثلاثون أسرة، من أول أسرة مينا موحد القطرين حتى جاء الغزو الفارسي والإسكندر الأكبر وانتهت مصر القديمة وحضارة الفراعنة، خوفو وخفرع ومنقرع الذين بنوا الأهرامات كانوا من الأسرة الرابعة، الهكسوس كانوا في الأسرة الرابعة عشرة والخامسة عشرة والسادسة عشرة، هذا هو الوقت الذي دخل فيه يوسف مصر، فكل الأسر التي كانت قبل ذلك ليس منها فرعون موسى، الوقت بين يوسف وموسىأربعمائة سنة، لذلك أتى موسىفي الأسرة التاسعة عشرة، ففرعون من حكام الأسرة التاسعة عشرة. حكام الأسرة التاسعة عشرة هم رمسيس الأول الذي حكم لمدة سنتين، ثم سيتي الأول الذي حكم لمدة عشرسنوات، ولكن قصة موسىخمسة وخمسون سنة، الفرعون الوحيد الذي حكم لمدة سبع وستين سنة كاملة هو رمسيس الثاني، وهذا الرأي هو الغالب، وهو الوحيد الذي ادعى الألوهية بشكل واضح {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} (النازعات:24) وادعى أن الإله رع تمثل في أبيه وأصبح هو الإله رع وكتب هذا على المعابد.

ولقد بدأ رمسيس الثاني حكمه بشكل جيد، وقام بمعركة قادش التي انتصر فيها، ووسع مملكة مصر بقوة شديدة، لكنه تغير بعد ذلك وظلم وجحد وقتل وسجن بني إسرائيل في سجن كبير، فإبراهيم ويعقوب ويوسف كان لهم حرية التحرك والتنقل، ولكن جاء فرعون بظلمه وقال لهم: ممنوع الخروج من مصر، لذلك قال موسى؟ {أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} (الشعراء:17) لماذا تسجنهم في هذا السجن الكبير؟ أليسوا ضيوفًا على مصر! اتركهم يخرجون من مصر.

ولكن فرعون ليس وحده، معه الكهنة كمؤسسة دينية، ومعه السحرة كمؤسسة إعلامية، ومعه هامان الذي يمثل القوة التنفيذية، ومعه القوة العسكرية المتمثلة في جنوده، وموسىسيواجه كل ذلك. لذلك عندما وقف أمام فرعون للمرة الأولى وواجهه وقال له: {أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} وليبلغه أن لا إله إلا الله، قال له فرعون: "أمعك جيش؟" قال: "لا" قال: "أمعك قوة؟" قال: "لا" فقال فرعون وهو يبتسم بسخرية: "أجئت وحدك؟" قال: "نعم" فضحك فرعون وخاف، ضحك لأن موسىوحده، وخاف من قوة موسى. تخيل موسىيواجه فرعون وحده بلا حرس وفرعون بهذه القوة! ولكن موسى معه الحق.


سيطرة وتعدد آلهة:
تخيل قوة فرعون الذي استطاع أن يسيطر على مساحة شاسعة من الأراضي، لقد اتسعت حدود مصر وصار لها أكبر مساحة من الأراضي في عهد الفراعنة؛ بسبب قوة رمسيس الثاني غير العادية، وسيقف موسىوحده أمام من يملك ويسيطر على كل هذا المُلك! أي إخلاص هذا؟ وما هذه القوة الإيمانية؟!

كذلك تعددت أشكال الآلهة التي كان يعبدها المصريون في هذا الوقت، فمصر من جنوبها إلى شمالها كانت مليئة بكم كبير من الآلهة، ورغم كل ذلك ووسط كل هذه الأجواء سيدعو موسىالناس لقول لا إله إلا الله! وكان من بين هذه الآلهة المقدسة عند المصريين الحيات والثعابين، لذلك عصا موسىكانت تقلب إلى حية! كأن الرسالة تقول أن الإله الذي تعبده سيلتهمك! الحية التي هي رمز القوة عندكم ستلتهمك!

منزلة موسى عند الله:
منزلة موسىعالية عند الله، انظر إلى الآيات لكي تحبه، لأن من أهداف برنامجنا هو أن تحب موسى، يقول الله تعالى {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} (طه:41) خلقتك وهديتك وجعلتك تنجو من القتل على يد فرعون وعلمتك لتكون خالصًا لي، تخيل إلى من يقول الله تعالى هذه الجملة؟ يقول له الله تعالى {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ..} (طه:13) أي تكريم هذا؟ وقال له هذا وهو في الأربعين من عمره، كأن الله يقول له بعد أن اختبرت صدقك وإخلاصك وشهامتك ومروءتك ونصرتك للضعيف وحبك لله وعملك للإيمان وتجردك وإخلاصك {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ..} تخيل وهو يسمع اسمه من الله! فهو كليم الله، تقول الآية: {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى...} (الشعراء:10) أي شرف وتكريم هذا؟ موسىشخص من ضمن بلايين البشر على كوكب من وسط ملايين الكواكب على مجرة من وسط ملايين المجرات، واختاره الله من وسط كل هذا الكون الهائل.
من محبته أيضًا أن يقول له الله: {...وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} (طه:39) هل يمكن أن تصف لي إنسانًا قال له الله هذا؟ كيف يمكن أن يكون هذا الرجل؟ كم أتشوق لرؤية موسى، كيف تكون شخصيته وابتسامته وقوته وإيمانه وثقته بالله؟
تخيل أننا نظل ندعو أن ينظر إلينا الله لحظة بعين الرضا في رمضان، فتخيل أن حياة موسىبأكملها صنعت على عين الله! يقول الله تعالى { قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى} (طه:36) كل دعواتك مستجابة بلا تأخر للإجابة، لا ترد لك دعوة، فيدعو موسىكثيرًا {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي } (طه:25-28) ويرد الله على كل هذا ويقول له {... قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ...} كأنه سؤال واحد.


منزلة موسى عند النبي صلى الله عليه وسلم:
أتعلم كيف يحبه النبي صلى الله عليه وسلم؟ كان النبي دائمًا عندما يؤذيه أحد يقول: (رحم الله أخي موسى لقد ابتلي بأكثر من ذلك فصبر) كأن النبي يقول إن الذي يصبرني عليكم هو ما حدث لموسى.
في مرة كان أحد الصحابة جالسًا مع أحد اليهود في المدينة يتحدثون، فأقسم اليهودي وقال: "لا والذي اصطفى موسى على العالمين"، فغضب الصحابي، وقال: "أتقول ذلك ورسول الله بيننا؟" ولطم اليهودي، فذهب اليهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبره بما حدث، فاحمر وجه النبي عليه الصلاة والسلام، وقال: ( لا تفضلوني على موسى، فإن الناسَ يُصعقون يوم القيامة، فأكون أول من يفيق، فأجد موسى باطِشًا بساقِ العرش، فلا أدري هل أفاق قبلي، أو كان ممن استثنى اللـه؟ ).
أمر النبي الصحابة أن يصوموا يوم عاشوراء وجعلها سُنَة من حبه لموسى، عندما ذهب إلى المدينة سأل عن سبب صيام اليهود في هذا اليوم، فقالوا له أن هذا اليوم هو اليوم الذي نجى الله فيه موسىمن البحر، فقال: (نحن أحق بموسى منهم) فصاموا يوم عاشوراء حتى جاء صيام رمضان فجعله النبي سُنَة.


منزلة موسى عند الصحابة:
لقد تربى الصحابة على قصة موسىفي القرآن، نزل القرآن في مدة ثلاث وعشرين سنة، فعندما يُتهم النبي أنه ساحر وكاذب تنزل سورة الشعراء تصبر النبي بأن موسىقيل عليه كذلك. عندما تم إيذاء الصحابة وقتل منهم السيدة سمية، تنزل سورة طه أن سحرة فرعون حدث لهم كذا وكذا وصبر موسى. عندما انتقل الصحابة إلى المدينة وبدأ تكوين أمة جديدة فتنزل سورة البقرة تذكر الأخطاء التي فعلها بنو إسرائيل، وكيف صبر موسىعليهم وتعب معهم، فقصص موسىكانت تثبت الصحابة.
فالله والنبي والصحابة يحبون موسى، وموسىيحب المسلمين والمؤمنين، فعندما أمر الله تعالى محمد في رحلة المعراج بالصلاة خمسين صلاة نزل محمد ولكن قال له موسى: "ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك لا تطيق هذا" ويقولها له أربع مرات لأنه يحبنا ويحب هذه الأمة.

شام
25-08-2009, 11:20
http://forum.amrkhaled.net/image.php?u=798505&type=sigpic&dateline=1251017800

شام
25-08-2009, 11:21
http://www.amrkhaled.net/galleryimages/460egmap4-symb-text%20copy2.jpg

http://www.amrkhaled.net/galleryimages/483eg-hyth+text%20copy.jpg

شام
25-08-2009, 11:26
http://www.amrkhaled.net/galleryimages/11Family%20Tree03.jpg

سهو الليل
25-08-2009, 11:48
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

وجزاكي ربي الف الف مليون خير وخير على الجهود المبذولة


وجعلها ربي في موازين حسناتك

شام
25-08-2009, 15:57
اشكرك اخي سهو الليل
للمتابعة والمشاركة
و نفعنا الله بقصة موسى عليه السلام التي تذاع حالياً على اكثر من محطة فضائية
بارك الله بك وحفظك

المأسه
26-08-2009, 01:35
جزاكم الله خيراً وبارك فيكم

شام
26-08-2009, 11:10
اشكرك أختي الماسة
للرد و المشاركة
رمضان كريم

شام
28-08-2009, 18:13
يتبع