راقيه الجزائريه
04-07-2009, 15:19
بين عالم وشاعر
بين عالم وشاعر
الشيخ محمد البشير الإبراهيمي وقصة هذه المقالة أن مكاتبة خاصة دارت بين الشيخ الإبراهيمي وشاعر الشباب في الجزائر آنذاك محمد العيد الخليفة الذي أصبح فيما بعد شاعر الجزائر؛ حيث كتب الشاعر محمد العيد قصيدة تحمل معاني اليأس، والبؤس؛ بسبب طائف طاف به، وقد نشرت تلك القصيدة في مجلة الشهاب الجزء الثاني المجلد الثاني عشر ماي 1936 ص 74 تحت عنوان ( زفرات ) فلما قرأها الشيخ البشير كتب رسالة إلى الشاعر، ثم رد عليه الشاعر بقصيدة؛ فإليك كتاب العالم، ثم جواب الشاعر:
كتاب العالم
الحمد لله وحده
تلمسان يوم 3 صفر 1355
إلى ولدي الروحي الأستاذ محمد العيد
ولدي:
طالما قرأت في وجهك الشاحب آيات الحزن، وتلمحت في قسماتك دلائل الهم والأسى، وكم حَرَّكْتُك بمعاريض من القول علني أستبين شيئاً من حقيقة هذا الهم الدفين الذي تنطوي عليه أحناؤك وهذا الأسى المبرح الذي أعلم أنك تقاسيه.
فكنت كمن يستجلي المعنى الدقيق من اللفظ المعقّد، وإن بين التعقيد ونفوس الشعراء (( الأتقياء )) نسباً وثيقاً.
ويا لله للنفوس الشاعرة التقية وما تلاقيه من عناء مُمضٍّ يتقاضاها الشعر إطلاقاً، فيتقاضاها التقى تقييداً … لها الله فماذا تفعل؟!
أتظن أننا جاهلون بهذه المنازع العجيبة التي تنزعها في شعرك وبمناشئها من نفسك؛ فاحمد الله على أن في قومك من يعرفها ويتذوقها ويطرب لها…
ما لهذه النفس الكبيرة في هذا الهيكل الصغير يهفو بها الشعر في مضطربه الواسع فلا يبلغ مداه حتى يقول:
خلا القلب من حب العباد وبغضهم * وأصـبح بـيتاً لـلذي حرم البيتا
ويقول: وتبت يارب تبت
ويقول اليوم:
ولولا رجاء الذي * إلـيه أنـا زالف
إنها والله، لنَزوة الشعر تعتلج في الفؤاد بنزعة التقى.
طالما سمعت منك كلمة (( اليأس ))، وبودي أن لا أسمعها منك مرة أخرى؛ لأنني أعدها غميزة في شاعريتك.
ولولا شذوذ نعرفه في نفوس الشعراء كأنه من معاني كمالهم لما صدّقنا باجتماع اليأس والشعر، وكيف ييأس الشاعر وهو ملك مملكة الآمال وسلطان جو الخيال؛ فإن كان تقياً رجع من (( رجاء الله )) إلى ما لا يحدّ له أمد؛ فكيف تيأس نفس الشاعر لولا ذلك الشذوذ؟
لقد قال أولكم:
حرك مناك إذا اغتم * مـت فإنهن مراوح
وما قالها لغيره إلا بعد أن جربها في نفسه؛ فلا تيأس يابني، ولا تكذب إمامك الذي يقول:
خُلِقَ الشاعرُ سمحاً طرباً
قرأت زفراتك هذه الساعة في الشهاب وأنا طريح الفراش، أعالج زكاماً مستعصياً ونزلة شعبية، وسعالاً مزمناً، وأولاداً يطلبون القوت أربع مرات في اليوم، وتلاميذ يطلبون الدرس سبع مرات في اليوم والليلة؛ فقلت: وهذه أخرى.
إن ولدنا هذا لذو حق، وكتبت لك هذه الكلمات كما يكتب الأب الشفيق إلى ولده الرفيق.
وعسى أن يكون فيها ترويح لخاطرك.
محمد البشير الإبراهيمي
جواب الشاعر
أبي (( البشير )) سلامٌ * زاكٍ وشــوقٌ كـبيرُ
لا زلـت فـينا iiمناراً * بـضـوئه iiنـسـتنير
وافـى كـتابُك iiيهدي * إلـى الـمنى iiويـشير
تـذكو الـعبارة فـيه * مـا ليس يذكو iiالعبير
إذا فــؤاديَ iiســالٍ * بـه وطَـرْفي iiقـرير
قَـدِ ارتـددت iiبصيرا * فكيف يغوى iiالبصير؟
قـميص يـوسف iiألقى * بـه عليَّ ( البشير ) ii!
يـا آسيَ اليأسِ iiزدني * كـشفاً فـأنت خـبير
الـيأس داءٌ iiعـسيفٌ * والـبرء مـنه iiعسير
فَـرَّجت عن iiمستطار * بــلاؤه iiمـسـتطير
وكـدت تجلو iiضميري * لو كان يجلى iiالضمير!
فـليس يـجزيك عني * إلا الإلــه iiالـقـدير
غـفرانه لِـمَ iiيَـشْقَى * في الخلق جمٌّ غفير! ii؟
شـقّ الـمرائر iiإرْبـا * هـذا الـشقاء iiالمرير!
كـم لـلمعافَينَ جـارٌ * مـن بـوسه iiيستجير
يـرى كـجذلان حـرٍّ * وهـو الأسيف iiالأسير
يـا لاهج الذكر iiباسمي * والـجاحدون iiكـثير!
لا بـاد فـينا لك iiاسم * ولا انـقضى لك iiخير
عـفواً فـإن iiيـراعي * عـيٌّ وبـاعي قصير
عـفواً فـما لي iiجناح * بــه إلـيـك أطـير
لا قَـفْوَ إثـرَ iiسَـريٍّ * فـوق الـثريا iiيـسير
نـفـحتني بـخـطاب * كـالزهر وهو iiنضير
فـهـل تـعير iiبـياناً * لـرده هـل iiتـعير؟؟
يـعيا الـفرزدق iiعما * تـقـولـه وجـريـر
يا واصفَ الخيرِ iiزدني * من وصف ما تستخير
يـدق بـين iiضلوعي * قـلب كـسيف iiكسير
أخـشى عـليه iiانتكاسا * والانـتـكاس خـطير
صِفْ وصفة ليَ أخرى * فـيها الـشِّفاء الأخير
محمد العيد
مقالة في 1 / 277 من الآثار
...........................اتمنى أن تكونوا قد استمتعتم .........................اختكم خنساء الجزائر
بين عالم وشاعر
الشيخ محمد البشير الإبراهيمي وقصة هذه المقالة أن مكاتبة خاصة دارت بين الشيخ الإبراهيمي وشاعر الشباب في الجزائر آنذاك محمد العيد الخليفة الذي أصبح فيما بعد شاعر الجزائر؛ حيث كتب الشاعر محمد العيد قصيدة تحمل معاني اليأس، والبؤس؛ بسبب طائف طاف به، وقد نشرت تلك القصيدة في مجلة الشهاب الجزء الثاني المجلد الثاني عشر ماي 1936 ص 74 تحت عنوان ( زفرات ) فلما قرأها الشيخ البشير كتب رسالة إلى الشاعر، ثم رد عليه الشاعر بقصيدة؛ فإليك كتاب العالم، ثم جواب الشاعر:
كتاب العالم
الحمد لله وحده
تلمسان يوم 3 صفر 1355
إلى ولدي الروحي الأستاذ محمد العيد
ولدي:
طالما قرأت في وجهك الشاحب آيات الحزن، وتلمحت في قسماتك دلائل الهم والأسى، وكم حَرَّكْتُك بمعاريض من القول علني أستبين شيئاً من حقيقة هذا الهم الدفين الذي تنطوي عليه أحناؤك وهذا الأسى المبرح الذي أعلم أنك تقاسيه.
فكنت كمن يستجلي المعنى الدقيق من اللفظ المعقّد، وإن بين التعقيد ونفوس الشعراء (( الأتقياء )) نسباً وثيقاً.
ويا لله للنفوس الشاعرة التقية وما تلاقيه من عناء مُمضٍّ يتقاضاها الشعر إطلاقاً، فيتقاضاها التقى تقييداً … لها الله فماذا تفعل؟!
أتظن أننا جاهلون بهذه المنازع العجيبة التي تنزعها في شعرك وبمناشئها من نفسك؛ فاحمد الله على أن في قومك من يعرفها ويتذوقها ويطرب لها…
ما لهذه النفس الكبيرة في هذا الهيكل الصغير يهفو بها الشعر في مضطربه الواسع فلا يبلغ مداه حتى يقول:
خلا القلب من حب العباد وبغضهم * وأصـبح بـيتاً لـلذي حرم البيتا
ويقول: وتبت يارب تبت
ويقول اليوم:
ولولا رجاء الذي * إلـيه أنـا زالف
إنها والله، لنَزوة الشعر تعتلج في الفؤاد بنزعة التقى.
طالما سمعت منك كلمة (( اليأس ))، وبودي أن لا أسمعها منك مرة أخرى؛ لأنني أعدها غميزة في شاعريتك.
ولولا شذوذ نعرفه في نفوس الشعراء كأنه من معاني كمالهم لما صدّقنا باجتماع اليأس والشعر، وكيف ييأس الشاعر وهو ملك مملكة الآمال وسلطان جو الخيال؛ فإن كان تقياً رجع من (( رجاء الله )) إلى ما لا يحدّ له أمد؛ فكيف تيأس نفس الشاعر لولا ذلك الشذوذ؟
لقد قال أولكم:
حرك مناك إذا اغتم * مـت فإنهن مراوح
وما قالها لغيره إلا بعد أن جربها في نفسه؛ فلا تيأس يابني، ولا تكذب إمامك الذي يقول:
خُلِقَ الشاعرُ سمحاً طرباً
قرأت زفراتك هذه الساعة في الشهاب وأنا طريح الفراش، أعالج زكاماً مستعصياً ونزلة شعبية، وسعالاً مزمناً، وأولاداً يطلبون القوت أربع مرات في اليوم، وتلاميذ يطلبون الدرس سبع مرات في اليوم والليلة؛ فقلت: وهذه أخرى.
إن ولدنا هذا لذو حق، وكتبت لك هذه الكلمات كما يكتب الأب الشفيق إلى ولده الرفيق.
وعسى أن يكون فيها ترويح لخاطرك.
محمد البشير الإبراهيمي
جواب الشاعر
أبي (( البشير )) سلامٌ * زاكٍ وشــوقٌ كـبيرُ
لا زلـت فـينا iiمناراً * بـضـوئه iiنـسـتنير
وافـى كـتابُك iiيهدي * إلـى الـمنى iiويـشير
تـذكو الـعبارة فـيه * مـا ليس يذكو iiالعبير
إذا فــؤاديَ iiســالٍ * بـه وطَـرْفي iiقـرير
قَـدِ ارتـددت iiبصيرا * فكيف يغوى iiالبصير؟
قـميص يـوسف iiألقى * بـه عليَّ ( البشير ) ii!
يـا آسيَ اليأسِ iiزدني * كـشفاً فـأنت خـبير
الـيأس داءٌ iiعـسيفٌ * والـبرء مـنه iiعسير
فَـرَّجت عن iiمستطار * بــلاؤه iiمـسـتطير
وكـدت تجلو iiضميري * لو كان يجلى iiالضمير!
فـليس يـجزيك عني * إلا الإلــه iiالـقـدير
غـفرانه لِـمَ iiيَـشْقَى * في الخلق جمٌّ غفير! ii؟
شـقّ الـمرائر iiإرْبـا * هـذا الـشقاء iiالمرير!
كـم لـلمعافَينَ جـارٌ * مـن بـوسه iiيستجير
يـرى كـجذلان حـرٍّ * وهـو الأسيف iiالأسير
يـا لاهج الذكر iiباسمي * والـجاحدون iiكـثير!
لا بـاد فـينا لك iiاسم * ولا انـقضى لك iiخير
عـفواً فـإن iiيـراعي * عـيٌّ وبـاعي قصير
عـفواً فـما لي iiجناح * بــه إلـيـك أطـير
لا قَـفْوَ إثـرَ iiسَـريٍّ * فـوق الـثريا iiيـسير
نـفـحتني بـخـطاب * كـالزهر وهو iiنضير
فـهـل تـعير iiبـياناً * لـرده هـل iiتـعير؟؟
يـعيا الـفرزدق iiعما * تـقـولـه وجـريـر
يا واصفَ الخيرِ iiزدني * من وصف ما تستخير
يـدق بـين iiضلوعي * قـلب كـسيف iiكسير
أخـشى عـليه iiانتكاسا * والانـتـكاس خـطير
صِفْ وصفة ليَ أخرى * فـيها الـشِّفاء الأخير
محمد العيد
مقالة في 1 / 277 من الآثار
...........................اتمنى أن تكونوا قد استمتعتم .........................اختكم خنساء الجزائر