الحيمري
26-04-2009, 07:38
(( " القصة الكاملة لرحيل عائلة يوسف المحمد الزامل في الحريق " ))
"بسم الله الرحمن الرحيم"
ورحلت عائلتي الصغيره الى الرفيق الأعلى
الفقير إلى ربه ـــ يوسف بن محمد بن منصور الزامل
قال تعالى : (( "وكان أمر الله قدرا ً مقدورا ً " ))
في يوم الأربعاء الموافق
20/2/1429هـ
توفيت زوجتي خوله سلمان السلمان وابنتي الكبيرة جوري وفي يوم الأحد الموافق 24/2/1429ه
ـ لحقت بهم ابنتي الصغيرة حنان اثر حادث حريق نجم عنه اختناقهم رحمهم الله وأسكنهم فسيح جناته .
(( البداية ))
كانت بإتصال على جوالي الساعة (1,40) ظهرآ من أحد القاطنين في العمارة السكنية التي أسكنها وحينها خرجت مسرعا ً من عملي وتوجهت فوراً لسيارتي وفي أثناء سيري قمت بالإتصال بزوجتي لأطمئن على أحوالهم وقد كانوا بأتم الصحة والعافية , وما إن وصلت إلى العمارة إلا وأجد الشارع مكتظا ً بالسيارات والناس مجتمعون بذهول واقتربت أكثر والخوف والأمل يسبقني بأن أجد زوجتي وابنتاي بخير وعند العمارة وجدت الإسعافات والدفاع المدني يقومون بإخلاء العمارة السكنية والكل يبحث عن أبناءه وقد اشغله همه عن التفكير بغيره والتفت يمينا ًوشمالا ًلأرى الجميع وقد تعلق بعائلته واحتضنهم وأنا أترقب من بينهم وابحث وسط الجموع الغفيرة عن عائلتي وأنا اصرخ وأنادي بأعلى صوتي بأسمائهم وأرمي النوافذ من أسفل وحالما صعد الدفاع المدني إلى الطابق الذي توجد فيه شقتي إلا و كسروا باب الشقة ثم قام بإعطائنا إشارة من أحد غرف الشقة بان الأمور جيده وتمت السيطرة على الوضع ونفوا وجود أشخاص حينها لاح لي بصيص الأمل بوجودهم وابلغوني بوجود عائلة بسطح العمارة ففرحت وتوجهت للدفاع المدني حيث حملتني الرافعة الخاصة بهم للسطح فلما رفعتني لأعلى التفت يميناً ويساراً لعلهم هنا أو هناك نزلنا بالرافعة ووجدت أبناء أخي احمد وهم بأتم الصحة والعافية ولله الحمد فنزلت مع الدرج وذهبت للشقة وكان المكان يعج بدخان كثيف دخلت الشقة وكانت مظلمة سرت بخطوات ثقيلة ويدان ترتجفان وأنا أنادي خوله ...جوري...حنان ولا مجيب فنزلت مسرعا ًمع الدرج فوجدت بمنتصفه عباءة أم جوري وسجادة جوري وقد ألقيتا على الأرض فساورني الشك وسرى شعور غريب لم أعرف تفسيرا ًله فتوجهت مباشرة ًإلى الضابط وسألته قائلا أين نقلتوا المصابين؟ فقال لقد تم نفلهم إلى مستشفى رعاية الرياض (التأمينات سابقا ً).
(( قال : كــارثـة !! ))
فذهبت مسرعا ً إلى المستشفى وفي هذه اللحظة قمت بالإتصال على أختي لعلي أجد أملا ً في وجودهم عندها حيث أن ابنتي جوري بعد أن تخرج من المدرسة تذهب أحيانا ً إلى عمتها وتجلس عندهم لبعض الوقت فسألتها : جوري عندكم ؟!!! قالوا لي لا فتجدد الحزن والخوف في نفسي وعندما دخلت للمستشفى توجهت فورآ لغرفة الطوارئ وحينها شاهدت منظرا ً لم أكن اتخيل في يوم من الأيام أن اراه !! منظر مؤلم !!! وجدت زوجتي وابنتاي قد سجيت أجسادهم فوق أسرة الطوارئ البيضاء في حالة يرثى لها كانت أم جوري بالمنتصف وجوري عن يسارها وحنان عن يمينها والوضع في غاية الصعوبة اتجهت نحوهم وامسكت بيد زوجتي بقوه وأناديها علّي أجد إجابه شافيه لعبراتي وحزني كان الأطباء في حالة استنفار وقد تم وضع الأجهزة عليهم والوضع حرجٌ جدا ً وكان الأطباء يعملون جاهدين على إنقاذ ما يستطيعون فقال لي الطبيب بلهجة قويه من انت ؟ أخرج من هنا فورا ً ؟ قلت له ودموعي تسابق كلماتي أنا والدهم فقال لي بلهجة ساخطه هاذي كارثه!! كان كلامه كالماء الحار على وجهي ,, خرجت كلماته سهاما ً تطعن ما تبقى من قلبي المكلوم ,,, عندها انهرت !! لا ادري ما العمل ولا كيف السبيل أين أذهب؟ ماذا أقول ؟ كيف افقدهم هكذا بلمحة بصر!! سبقتني أقدار الله فلم أن أسأل عائلتي ماذا دهاكم لتكونوا هكذ1!! لقد قتلت كلماته ما تبقى من الأمل في صدري !!!
((قال تعالى :"ولاتهنوا ولا تحزنوا وانتم الأعلون إن كنتم مؤمنين " ))
وفي غمرة تساؤلات ضجت بها أفكاري كنت حينها سأفقد عقلي ، أحسست بيد حانية تمسكني وكانت طبيبه سعوديه قالت لي : أنا أختك في الله ناصحه لك اكبر منك وأعلم منك , أعلم يا أخي أن كل هذه الأجهزة والأطباء سبب فقط لكنهم لن يغيروا من شي أراده الله وتأكد أنهم لو اجتمعو على أن يأتوا بشي لم يكتبه الله لن يستطيعوا,, قم يا أخي الآن وأغتسل وصل ركعتين وادع لهم لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا كانت كلماتها كالبلسم الشافي لجراحي لن أنس ما قامت به من أجلي , بالرغم من كونها كلمات لكنها حفرت أثرها في قلبي حتى هذه اللحظة فجزاها الله خيرا ً وأسأل الله أن يكثر من امثالها . خرجت من غرفة الطوارئ أجر خطواتي المثقلة بذكريات السنين وقد تمثلت أمامي عائلتي بكل أحوالهم ـ ضحكاتهم وأيام ٌ عشتها وسنين كنا فيها معا ً بحلوها ومرها . ذهبت للمكتب المجاور واتصلت على أخي أحمد وقلت له بلهجة المكسور : ( أحمد الحق عيالي تعبانين ) فتقدم لي المدير المناوب وامسك بي ؛ فتوضأت وصليت ودعوت الله أن يريني خيرا ً وأن يحفظهم لي .
((قال تعالى : " يا أيتها النفس المطمئنه ارجعي إلى ربك راضية مرضية " ))
ثم رجعت الى غرفه الطوارئ ولما دخلت وإذا زوجتي أم جوري قد رفعت عنها الأجهزة قلت للدكتور والذهول يملوء جوارحي ماذا حدث؟ قال لي مافيه فايده البقية بحياتك) !!!!! ورجع أدراجه دون أن يرى ماذا سيحل بي !؟ يا إلهي ,,, هكذا فقط ! بدون أي مقدمات ترحل زوجتي ؟!! لم أتمالك نفسي فانهرت باكيا ً حزينا ً وفي هذه اللحظة دخل أخي أحمد ورآني فأمسك بي وضمني إلى صدره وذهب بي لغرفه أخرى ذكروني بالله و أعطوني كأس ماء لأشربه ثم لم أستطع الصبر فعدت ثانيه إلى الإسعاف فوجدت أمامي ابنتي جوري وقد حل بها ما حل بأمها فقد تم إزالة الأجهزة عنها وقال لي دكتور الأطفال لقد أعطيناها صدمات كهربائيه ثم رجع لها نبض خفيف لكنه لم يستمر وقد سلمت روحها إلى بارئها أما ابنتك الأخرى حنان فقد عاد لها النبض من جديد وأرسلت إلى العناية المركزة للأطفال!! عندها وفي لحظتها لم يكن حالي يسر حتى عدوي فقد كنت كمن وقف جسده معلقا ً لا أرض ٌ تقيه ولا سماء !
(( قال تعالى : " وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد " ))
حينذاك حضرت أختي وزوجها عبدالحميد وأخو زوجتي عاصم السلمان وحضر عبد الرحمن العوهلي وأبناء عمي وجمع من الزملاء والجيران وقفوا بجانبي وذكروني بالله وخففوا من مصابيي وانا ولله الحمد اكرر إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم آجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها ولساني لم يفتر عن ذكر الله ولله الحمد و المنة , جلست في ساحة المستشفى بين المصدق والمكذب أحسست من هول المصاب أن الزمن توقف وانني لم ولن استطيع الحراك أو حتى التفكير!! يا الله كأنه حلم كأنني أعيش قصه قد نسجت فصولها من خيال ! هكذا بغمضة عين ذهبت زوجتي وابنتي جوري !! رحمهما الله جميعا ً وابنتي حنان في حاله حرجه لا إله إلا الله سبحان من بيده ملكوت كل شيء . عدت مرة ً أخرى إلى الدور العلوي إلى العناية المركزة للأطفال حيث ترقد ابنتي الصغيرة حنان ذهبت لأطمئن على حالها وكلي أمل بأن يكتب الله لها الشفاء وأن تلملم شتاتي بفقد أمها وأختها جلست أنظر لها ودموعي سيلا ًجاريا ً إنها لا تتكلم ولا تتحرك بل أنها لا تشعر بمن حولها أبدا ً مسكينة صغيرتي حنان أين مشاغبتك أين طفولتك أين صوتك الشجي العذب أين وأين و أين ؟!!! إنه ألم وحرقة وغصة لم أعشه يوما ً ولم اقرأه في أساطير الروايات !!!!!!! وفي أثناء غرقي بواقعي المر وماضيي المفقود قال لي أقاربي ومن كان معي هيا بنا لنتحرك عن المستشفى ونسافر لمدينة عنيزة مسقط رأسي أنا وزوجتي حيث الأهل والأقرباء لكن اعترضت وقلت كيف اذهب وقد فقدت زوجتي وابنتي ولم تبق لي غير صغيرتي حنان كيف اتركها وحدها هنا وسط أناس لا أعلم مدى الرحمة في قلوبهم ؟ كيف اتركها واذهب وهي في أمس الحاجة لي ؟ قلت لهم لا لن أذهب سأجلس عندها لن أفارقها , قالوا لي لابد أن تذهب معنا لتصلي على أم جوري وجوري رحمهم الله فقال عبد الحميد لي أطمأن بعدها سيعودون بك لتجلس بجانب ابنتك حنان أما الآن فسنبقى بجانبها أنا وعمتها لا تخف هي ابنتنا وفي أعيننا فأصروا علي فاطمأننت وذهبت أودع أبنتي الصغيرة حنان وأستودعها الله الذي لا تضيع ودائعه ومن ثم ذهبنا بالسيارة متوجهين لمدينة عنيزة وأما جثمان زوجتي وابنتي فقد تم نقلهم بسيارة خاصة استلم قيادتها أخو زوجتي (عاصم) . في الطريق كنت أحس بتوقف الحياة ومرارة اللحظات ولولا الله ثم وقوف الجميع معي لم أكن لأستطيع أن أتمالك نفسي في تلك اللحظات ,, كنت أتجرع مرارة لم أتذوقها طوال حياتي كنت أحس بوحدة موحشة وحزن عميق قطع نياط قلبي النازف بطعون الفراق . دعوات والدي ووالدتي كانت تزيدني قوة ً وعزيمة ً وإيمانا ً بالله عز وجل ولن أنسى والد ووالدة زوجتي المكلومين بفقد ابنتهم حيث لم تثنيهم مصيبتهم عن الإطمئنان علي طوال الطريق .
وعندما وصلت إلى مدينة عنيزة وجدت الكل بانتظاري استقبلوني بكل حب واحتضنوني بشوق لم أحتج في ذلك الوقت لشيء سواه , وأطمأنوا لوضعي ,وفي الطرف الآخر وصل أخو زوجتي وتوجه إلى مغسلة الموتى ليسلم أحبتي ويضعونهما في ثلاجة الموتى ,, مرت الساعات ثقيلة مليئة بالهم والحزن ومشبعة ً بغصات الألم وحرارة الفراق ساعات ٍعشتها لن أتمن ِّ تذكرها إطلاقا ً , كانت ليلة كدهر لم اهنأ فيها بالراحة كما كنت ولم أتذوق فيها النوم الهنيء كما كنت أعيشه سابقا ً .
((طبعت على كدر وأنت تريدها " " صفوا ً من الأقذاء والأكدار !! ))
وجاء الغد يوم الخميس 21/2/1429هـ أشرقت شمسه حارقة ! لم تكن كما كانت مثل كل يوم لم أعد أرى الصبح جميلا ً كما كان ولم أعد أحس بنسماته الساحرة كان صباحا ً مكتظا ً بالألم والحزن , لم يمضي كما كان يمضي سريعا ً,, ارتفع صوت المؤذن معلنا ً دخول وقت الظهر , ذهبنا إلى الصلاة وبعدها توجهنا مباشرة ً لمغسلة الأموات حيت توجد زوجتي وابنتي بثلاجة الموتى وبعد أن تم تغسيلهما ذهبت لرؤيتهما . الأجساد على الحدائد موضوعة ً بلا حراك وقد انقطع كل حبل للحياة فيها ,, كم أنزلت عليها من دموعي الحاره لتدفيء ما شاء الله لها وكم نظرت ونظرت لأشبع عيناي قبل الفراق !! لكن لن ولم ترتو من أحباب قلبي ؛ فلم أمل ِّمن الحياة معهم والأنس بهم لكن لكل أجل كتاب والحمد لله على كل حال , قمت بوضع الطيب بمواضع سجودهم وقبلتهم واستودعتهم الله الذي لا تضيع ودائعه ثم دعوت لهم دعاء من القلب مصدره يكسوه الحنين لهم ويغطيه الأمل بلقائهم بجنات عرضها السموات والأرض بنعيم لا ينفذ وقرة عين لا تزول ,, أسعدني ما رأيت من نور ٍ يكسو وجوههم ورائحة زكيه عذبه تفوح بأرجاء المكان زينتها سبابة أم جوري وقد ارتفعت بشهادة أسأل الله أن يتقبلها شهيدة عنده وأن يجعل ابنتي جوري شفيعة ً لي ولوالدتها يوم القيامه .
((لا تعذل المشتاق في أشواقه " "حتى يكون حشاك في أحشائه ))
بعدها لبسوا أحباب قلبي أكفانا ً بيضاء كما وجوههم عندها حجب عني أحبابي فلم أعد أستطيع أن أمتع عيني برؤيتهم ولم أعد أستلذ بالحديث معهم وحملوا إلى المسجد وكان موعد صلاة العصر بجامع الشيخ ابن عثيمين وبعد أن صلينا العصر قمنا للصلاة على الجنائز فنظرت خلفي لأرى المصلين فوجدت جموعا ً غفيره من المصلين ولله الحمد وقد صلى على الجنائز الشيخ سامي الصقير وزاد تكبيرة للدعاء جزاه الله خيرا ً , بعدها حملنا الجنائز للمقبرة وقلبي يسبقهم شوقا ً لهم وحزنا ً لفراقهم فلما وصلنا للمقبرة وجدناها مليئة بحشود لم يتمكنوا من الصلاة بالمسجد وقاموا بالصلاة على الجنائز بعدها جاء وقت الدفن جاءت لحظه ما كنت أتخيل أن أعيشها !! لحظه ينزف فيها القلب دما ًحارقا ً !! وتنزف العيون فيها دمعا ًغزيرا ً!! لحظه أليمه تلك التي تضع فيها أغلى البشر على قلبك في التراب !! كانت الدنيا في عيني يكسوها السواد الحالك والحزن العميق حملتها وكان معي والدها وأخوها عماد ثم أنزلناها للقبر ووضعناها في اللحد وحررنا الأربطة وبدأنا بوضع اللبن لنسد آخر الحواجز بيننا وبينها ولنغلق بعدها باب الدنيا الفانية أمام أم جوري رحمها الله وبعدها حثثت ثلاثا ً من التراب بيدي وأنا ادعوا الله لها بالرحمة والغفران والقبول الحسن ,, أنثر التراب تبلله دمعات ٌ ساخنة تخرج من مقلتي بلا انقطاع ولسان لم ولن يفتر بإذن الله عن الدعاء لها بظهر الغيب وذكر محاسنها وأخلاقها العالية وعفتها في الدنيا جعلها الله من الشهداء ثم ودعتها الوداع الأخير وكلي أمل بلقائها بجنات عدن واستودعتها الله الذي لا تضيع ودائعه ,,, توجهت بعدها مباشرة إلى قبر فلذة كبدي ابنتي الكبرى جوري وقد نزل في قبرها ودفنها أخي منصور فحثثت ثلاثا ً من التراب على قبرها كما والدتها وعيناي لا زالتا تذرفان الدمع والقلب يعتصر ألم الوداع والفراق وقد لاح أمام ناظري لعبها وضحكاتها وملاطفتي لها رأيتها منذ أن رأت النور عينيها وحتى آخر لحظات حياتها بثوان قصيرة لم أجد لطولها تفسيرا ً .
وقفنا لجموع المعزين بأحبابي وقد كانوا بأعداد كبيره جدا ً غصت بها المقبرة من الأهل والأصحاب والأصدقاء وزملاء العمل أتوا من كل مكان ليقفوا بجانبي في مصابي فجزاهم الله عني خير الجزاء , ولم ننته إلا بصوت أذان المغرب يدوي بأرجاء الأرض معلنا ً دخول أول ليلة ٍ لي في الحياة الدنيا بعد فراق أحبتي ومهجة فؤادي .
(( لاتحسبوا رقصي بينكم طربا ً * * * فالطير يرقص مذبوحا ً من الألم !! ))
توجهنا للصلاة ثم بعدها بدأ الناس بالحضور ليقدموا واجب العزاء حيث الرجال بمنزلنا (منزل والدي حفظه الله ) والنساء بمنزل أهل زوجتي كان الكل في حال ذهول وحزن لمصابنا والناس بين الباكي ومن غصت به عبراته وألسنتهم تلهج بالدعاء بالرحمة والمغفرة لأحبابي أما أنا !!! فقد كنت بحال لا يعلمه إلا الله عز وجل ,,, كنت جسدا ً بلا روح ,, كنت كمن فقد كل شي ولم يبق معه شيء .!!! كان يوما ً أثقل من الجبل على صدري ,, الم فضيع أحسه وحزن لا أتمناه لمن أحب ما حييت !! مرت الساعات تلو الساعات والهموم تزداد والحزن يتعمق في داخل صدري والألم يتغلغل بأعماقي ,, حرارة الفراق لا زلت أشعر بها لم تفارقن ِ والشوق لهم يحرق جوفي ويفقدني صوابي ,, عقلي حائر ٌبين اليأس بلقياهم من جديد وبين ابنتي الصغيرة التي لا زالت ترقد في العناية المركزة في مستشفى الملك فيصل التخصصي حيث تم نقلها ,, كانت اتصالاتي لا تنقطع مع أختي وزوجها الذين يرقدون مع ابنتي في المستشفى وقد كانوا على اطلاع بحالتها وكانوا يمهدون لي الوضع لأنها كانت بحالة وفاة دماغيه ولا أمل من الشفاء إلا بمعجزة من الله سبحانه وتعالى وكلما أسألهم عنها يقولون لي ادع الله بأن يختار لها الصالح فإن حالتها حرجه .
(( أحلاهما مر!!؟ ))
وما إن أشرقت شمس صباح يوم السبت إلا وتوجهت لمدينة الرياض حيث ترقد ابنتي بالمستشفى وقد كان الجميع معي ( والد زوجتي /أخواني أحمد وعبد العزيز / أخواتي/ زوج أختي عبد الحميد الزامل / خالها بدر / ابن عمي خالد البراهيم الزامل ) أما أخي منصور فقد بقي مع والدي ّ , ولما دخلنا لغرفة العناية وتوجهنا لسريرها وجدت الأجهزة وقد ملأت جسدها الصغير العذب وهي في حالة يرثى لها تجدد فيها حزني وألمي ودعوت الله بأن يختار لها ما يريحها ومافيه الخير لها حتى لا تظل بهذا الوضع المؤلم ,, بعد ذلك حضر خالها عماد ونايف وأبناء عمي وبعض أصحابي جزاهم الله خيرا ً, وقد حصل لي موقف أثناء مكوثي بجوار ابنتي بعد منتصف الليل الساعة
(1 صباحا) حيث دخلت الطبيبة الفلبينية وأنا أقرأ القرآن على صغيرتي وإذا بها تنهرني بلهجة حادة وترفع صوتها وتشير إلى الملابس الخاصة بزوار العناية لسلامة المرضى وتأمرني أن أقوم بلبسها فاقتربت وهي تحمل اللباس ولما رأتني أقرأ القرآن على ابنتي بكل خشوع أشارة بإصبعها إلى حنان تسألني من تكون هذه الطفلة ؟؟ فقلت لها بكل هدوء أنها ابنتي !! حينها اعتلى الذهول قسمات وجهها وقالت لي بكل أسى ( سوري أنا ما يعرف أنك بابا ؟؟) ثم بادرت كلماتها بسؤال محير خرج من بين آلاف الإستفهامات الواضحة في عينيها ( وين ماما ؟؟ ) فقلت لها بأن والدتها توفيت قبل ثلاثة أيام هي وابنتي الكبيرة فانفجرت باكيه من هول ما سمعت وقالت لي بلهجة حزينة ( وأنت جالس كذا ؟؟ ) فقد استغربت بقائي دون أن أضع حدا ًلحياتي بعد رحيلهم وهذه حالة الكفار الذي لا دين لهم نسأل الله أن يثبتنا على ديننا ,, قلت لها : الحمد لله فربي موجود حي لا يموت عندها خرجت تبكي دون أن تكمل الحديث .
وفي صباح يوم الأحد الساعة
( 7 صباحا ً ) أتى إلي استشاري المخ والأعصاب وطلب مني الحضور لغرفة الاجتماعات بنفس القسم وبدأ بالحديث معي بكل هدوء بداية عن كيفية الحادثة وكل ما يتعلق بها وبالتدريج بدأ يذكرني بالله عز وجل وحكمته وأمره الذي لا مرد له سبحانه جل في علاه وقام بشرح حالة صغيرتي بالتفصيل وبكل عقلانيه ومراعاة لحالتي النفسية جزاه الله خيرا ً,, فشتان بين أسلوبه ومقدماته وبين أسلوب ومقدمات الأطباء في حالة زوجتي وابنتي الكبرى رحمهم الله ,, والحمد لله على كل حال , وبعد أن وضح لي كل شيء وصل لأهم نقطه في كل الموضوع فقال لي : ( هل تريد أن تعيش ابنتك طوال حياتها على الأجهزة ؟؟ هي ميتة دماغيا ً فالدم لا يصل إلى رأسها أبدا ً ؟؟ ما ترى لو قمنا بنزع الأجهزة عنها فهي في عداد الأموات وإكرام الميت دفنه ) فقلت له الله يختار لها الصالح لكن أعطني وقتا ً لأستشير وأستخير وبعد مشاورات واتصالات وفتاوى من كبار العلماء توصلنا لجواز نزع الأجهزة فإكرام الميت دفنه .
(( وما المال والأهلون إلا وديعة ٌ ** ولا بد يوما ً أن ترد الودائع ))
وجاءت آخر خطوه وهي صلاة الإستخاره فتوجهت إلى غرفتها وتوضأت وصليت ودعوت الله بالخير لها ولما انتهيت من الصلاة وقفت أمامها فو الله الذي لا إله إلا هو لم أجد سوى دمعه نزلت من عينها وكأن لسان حالها يقول ..
( تعبت يا بابا ) فخرجت وتوجهت للطبيب وكان الكل بانتظاري ودخلت عليهم بغرفة الاجتماعات وقلت بكل إيمان توكلوا على الله وانزعوا الأجهزة إكراما ً وراحة ً لها فاتفقنا على نزع الأجهزة بعد صلاة المغرب وبعد الصلاة توجهنا مباشره لغرفتها ودخل الفريق الطبي مع والد زوجتي وأخي أحمد وأنا بصالة الانتظار أقرآ آواخر سورة البقرة علي أجد الراحة من حزني وألمي بعدها بلحظات قدم إلي والد زوجتي حفظه الله وقال لي :
( الحمد لله على قضاءه وقدره إن شاء الله أنّ الله اختار لها الصالح فقد توقف القلب فورا ً عندما خفضوا جهاز التنفس الصناعي )
الحمد لله فقد كانت ابنتي تعيش على التنفس الصناعي فقط أسأل الله أن يجعل ما أصابنا زيادة في الأجر والمثوبة , بعدها توجهت إلى غرفتها ودخلت لأراها قبلت جبينها الطاهر وصليت ركعتين أحمد الله فيهن على قضاءه وسبحان من بدل حالها فقد اقتلبت زرقة لونها إلى بياض ٍناصع وأصبح وجهها كالملاك وكالقمر المنير ,, التفت فوجدت الممرضة الفلبينية التي بالأمس قد وقفت إلى جانب سريرها وقد بدت متأثرة أشد من ذي قبل فبدأت بلفها ورافقتنا إلى أن وضعناها بسيارة أخي زوجتي عماد وتوجهنا بها إلى مدينة عنيزة يرافقنا ابن عمي خالد البراهيم الزامل صلينا العشاء بطريق العودة ووصلنا إلى عنيزة عند الساعة ( 11 مساء ً) وتوجهنا فورا ًلمغسلة الأموات حيث كان بانتظارنا المسؤول عن المغسلة جزاه الله خيرا ًوإخوان زوجتي عاصم وناصر فوضعنا حنان بثلاجة الموتى وعدت إلى المنزل لأعيش ذكريات الألم من جديد وأتذوق الحزن الذي لم ينقطع منذ رحل فيه أحبابي !! عشت ليلة الاثنين وأنا أتجرع مرارة فقد الأحبة أستشعر فيه ضيق عيش الدنيا ولساني لا يفتر من الدعاء لهم بالرحمة والمغفرة ولي بالصبر والسلوان .
(( النـهـايـة ))
وعندما أشرقت شمس يوم الاثنين 25/2/1429هـ اقترب فيه وداع جسد صغيرتي من هذه الدنيا لحظات لم تكن بأقل مرارة عن سابقتها وما أن صلينا الظهر حتى توجهنا للمغسلة ودخلت لأرى أبنتي وأودعها الوداع الأخير فأخذت أطيب مواضع السجود وأنا أسمع ضحكاتها مدوية وأرى ابتسامتها لم تفارق مخيلتي أبدا ً وعندما أعود للواقع لا أجد أمامي سوى جسد ٍ بلا روح . منظرها الطفولي البريء لن أنساه ما حييت ورائحتها الزكية لن تفارقني أبدا ًوالنور الذي أعتلى جسدها ووجهها أرى بريقه في كل أرجاء المكان قبلتها بكل حب وبكل شوق ثم حملناها للمسجد حيث صلينا عليها صلاة الميت في جامع الشيخ ابن عثيمين بعدها توجهنا بها إلى المقبرة التي امتلأت بالحشود الغفيرة من كل مكان فأنزلتها للقبر وقد لاح أمام عيني صغر الدنيا وضيق عيشها ودعتها الله الذي لا تضيع ودائعه وحثثت ثلاثا ًسبقت فيها دموعي حبات التراب ثم تركتها مودعا ً آخر وردة بشجرة عائلتي الصغيرة الغالية ,,,,,
(( قال تعالى : " أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء " ))
اللهم آجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا ً منها ,, اللهم وكما أخذتهم مني على عجل فهنأني بهم في جنات النعيم .
ولم تمر الأيام بأقل من سابقاتها بالحزن والألم لكن إلى الله المشتكى والملتجى قال تعالى : " وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا ً مؤجلا ً " فالحمد لله على كل حال . وعندما انتهت أيام العزاء توجهت مباشرة ً مع أخي زوجتي بدر إلى مكة المكرمة حيث أخذت عمرة لزوجتي الغالية رحمها الله رحمة واسعة وتقبلها من الشهداء الأبرار والتي لم أر منها في حياتها إلا ما يسرني ,, كانت تسهر الليالي الطويلة إذا تعبت تفتش عن راحتي وتبحث عن رضاي ,, تهتم بكل شي يخصني صغيرا ً كان أم كبيرا ً بكل شاردة ووارده ,, تكرم أهلي وضيوفي وتشقى لأسعد ويسعد كل من أحب ,, ترفع رأسي بكل المناسبات والاجتماعات ,,,رحمك الله يا خولة السلمان رحمة ً واسعة .
(( وقــفـة ))
وإذا هممت فناج نفسك بالمنى ** وعدا ً فخيرات الجنان عدات
واجعل رجاءك دون يأسك جنة ** حتى تزول بهمك الأوقات
واستر عن الجلساء بثك إنما ** جلساؤك الحساد والشمات
ودع التوقع للحوادث إنه ** للحي من قبل الممات ممات
فالهم ليس له ثبات مثل ما ** في أهله ما للسرور ثبات
لولا مغالطة النفوس عقولها ** لم تصف للمتيقظين حياة
((لحظات خالدة في ذاكرتي )) :
في صباح الأربعاء الذي توفيت فيه زوجتي وابنتي وقبل أن تذهب ابنتي جوري إلى المدرسة قامت جوري بترديد سورة الليل على مسامعي حيث كانت مقرره لهم بالمدرسة فهي تدرس بالصف الأول الابتدائي لتحفيظ القرآن الكريم حينما قرعت جرس الباب زوجة السائق
( أبو المقداد ) لتحمل ابنتي لمدرستها ؛ ودعتها بقبلات حارة فأبت أن تذهب دون أن ترافقها أختها الصغيرة فقلت لحنان اذهبي مع جوري فذهبت مسرعة دون أن تنتعل حذائها وكانت لحظات لم ولن أنساها أبدا ً فقد كانت آخر أيامي معهم جعلهن الله شافعات لي ولوالدتهن يوم القيامة بعدها رجعت لأم جوري وكانت تجلس في سجادتها تقرأ القرآن كعادتها كل يوم بعد صلاة الفجر حتى تودعنا وتطمئن علينا فتجاذبت معها أطراف الحديث وتكلمنا عن خططنا التي سنقوم بها في إجازة منتصف النصف الثاني وأشياء كثيرة . فقمت متوجها ًإلى العمل فقامت معي تودعني إلى باب الشقة وقالت لي كلماتها المعتادة في كل يوم
( لا تنس تورد على البنات وعلينا وانتبه لنفسك ) !!!!!!!
ولكن لا أقول سوى ....الحمد لله على كل حال وإنا لله وإنا إليه راجعون.
((ما أقصر العيش لولا فسحة الأمل))
ولله در من قال لي هذه الأبيات مواسيا ً وهو شخص غالي علي وله مكانه خاصه في قلبي :
دع الأيام تفعل ما تشاء وطب نفسا ً إذا حكم القضاء
ولا تجزع لحادثة الليالي فما لحوادث الدنيا بقاء
وكن رجلا ً على الأهوال جلدا ً وشيمتك السماحة والوفاء
وإن كثرت عيوبك في البرايا وسرك أن يكون لها غطاء
تستر بالسخاء فكل عيب يغطيه كما قيل السخاء
ولا تري للأعادي قط ذلا ً فإن شماتة الأعداء بلاء
ولا ترج السماحة من بخيل فما في النار للضمآن ماء
ورزقك ليس ينقصه التأني وليس يزيد في الرزق العناء
ولاحزن يدوم ولا سرور ولا بؤس عليك ولا رخاء
إذا ما كنت ذا قلب قنوع فأنت ومالك الدنيا سواء
ومن نزلت بساحته المنايا فلا أرض تقيه ولا سماء
وأرض الله واسعة ولكن إذا نزل القضاء ضاق الفضاء
دع الأيام تغدر كل حين فما يغني عن الموت الدواء
(( شكر من القلب))
(حكم المنية في البريئة جاري " " ماهذه الدنيا بدار قرار
بينا يرى الإنسان فيها مخبرا " " حتى يرى خبرا ً من الأخبار
لله در النائبات فإنها " " صدء اللئام وصقيل الأحرار)
قال صلى الله عليه وسلم: "من لا يشكر الناس لا يشكر الله "
كلمة أخيره إلى كل من وقف معي في مصابي من قريب وبعيد وصغير وكبير وذكر وأنثى سواء بمواساة أو تعزيه أو تخفيف مصاب ولكل من تصدق أو ساهم بمشروع خيري لزوجتي وابنتاي أو دعا لهم سرا و علانية ...
لكم جميعا ً دعوة من القلب مصدرها أسأل الله أن لا يريكم مكروها ً فيمن أحببتم وأن يجعل ما قدمتموه في موازين حسناتكم يوم تلقونه يوم لا ينفع مال ٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم وأن يفتح رب العزة والجلال لكم بابا ً من الرزق لا يسد في الدنيا والآخرة وأن يجمعنا بجنات عرضها السموات والأرض في عليين في الفردوس الأعلى على سرر متقابلين .
(( وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.))
القصه منقوله نقلتها كماهي لأنه لايحق لي التصرف
"بسم الله الرحمن الرحيم"
ورحلت عائلتي الصغيره الى الرفيق الأعلى
الفقير إلى ربه ـــ يوسف بن محمد بن منصور الزامل
قال تعالى : (( "وكان أمر الله قدرا ً مقدورا ً " ))
في يوم الأربعاء الموافق
20/2/1429هـ
توفيت زوجتي خوله سلمان السلمان وابنتي الكبيرة جوري وفي يوم الأحد الموافق 24/2/1429ه
ـ لحقت بهم ابنتي الصغيرة حنان اثر حادث حريق نجم عنه اختناقهم رحمهم الله وأسكنهم فسيح جناته .
(( البداية ))
كانت بإتصال على جوالي الساعة (1,40) ظهرآ من أحد القاطنين في العمارة السكنية التي أسكنها وحينها خرجت مسرعا ً من عملي وتوجهت فوراً لسيارتي وفي أثناء سيري قمت بالإتصال بزوجتي لأطمئن على أحوالهم وقد كانوا بأتم الصحة والعافية , وما إن وصلت إلى العمارة إلا وأجد الشارع مكتظا ً بالسيارات والناس مجتمعون بذهول واقتربت أكثر والخوف والأمل يسبقني بأن أجد زوجتي وابنتاي بخير وعند العمارة وجدت الإسعافات والدفاع المدني يقومون بإخلاء العمارة السكنية والكل يبحث عن أبناءه وقد اشغله همه عن التفكير بغيره والتفت يمينا ًوشمالا ًلأرى الجميع وقد تعلق بعائلته واحتضنهم وأنا أترقب من بينهم وابحث وسط الجموع الغفيرة عن عائلتي وأنا اصرخ وأنادي بأعلى صوتي بأسمائهم وأرمي النوافذ من أسفل وحالما صعد الدفاع المدني إلى الطابق الذي توجد فيه شقتي إلا و كسروا باب الشقة ثم قام بإعطائنا إشارة من أحد غرف الشقة بان الأمور جيده وتمت السيطرة على الوضع ونفوا وجود أشخاص حينها لاح لي بصيص الأمل بوجودهم وابلغوني بوجود عائلة بسطح العمارة ففرحت وتوجهت للدفاع المدني حيث حملتني الرافعة الخاصة بهم للسطح فلما رفعتني لأعلى التفت يميناً ويساراً لعلهم هنا أو هناك نزلنا بالرافعة ووجدت أبناء أخي احمد وهم بأتم الصحة والعافية ولله الحمد فنزلت مع الدرج وذهبت للشقة وكان المكان يعج بدخان كثيف دخلت الشقة وكانت مظلمة سرت بخطوات ثقيلة ويدان ترتجفان وأنا أنادي خوله ...جوري...حنان ولا مجيب فنزلت مسرعا ًمع الدرج فوجدت بمنتصفه عباءة أم جوري وسجادة جوري وقد ألقيتا على الأرض فساورني الشك وسرى شعور غريب لم أعرف تفسيرا ًله فتوجهت مباشرة ًإلى الضابط وسألته قائلا أين نقلتوا المصابين؟ فقال لقد تم نفلهم إلى مستشفى رعاية الرياض (التأمينات سابقا ً).
(( قال : كــارثـة !! ))
فذهبت مسرعا ً إلى المستشفى وفي هذه اللحظة قمت بالإتصال على أختي لعلي أجد أملا ً في وجودهم عندها حيث أن ابنتي جوري بعد أن تخرج من المدرسة تذهب أحيانا ً إلى عمتها وتجلس عندهم لبعض الوقت فسألتها : جوري عندكم ؟!!! قالوا لي لا فتجدد الحزن والخوف في نفسي وعندما دخلت للمستشفى توجهت فورآ لغرفة الطوارئ وحينها شاهدت منظرا ً لم أكن اتخيل في يوم من الأيام أن اراه !! منظر مؤلم !!! وجدت زوجتي وابنتاي قد سجيت أجسادهم فوق أسرة الطوارئ البيضاء في حالة يرثى لها كانت أم جوري بالمنتصف وجوري عن يسارها وحنان عن يمينها والوضع في غاية الصعوبة اتجهت نحوهم وامسكت بيد زوجتي بقوه وأناديها علّي أجد إجابه شافيه لعبراتي وحزني كان الأطباء في حالة استنفار وقد تم وضع الأجهزة عليهم والوضع حرجٌ جدا ً وكان الأطباء يعملون جاهدين على إنقاذ ما يستطيعون فقال لي الطبيب بلهجة قويه من انت ؟ أخرج من هنا فورا ً ؟ قلت له ودموعي تسابق كلماتي أنا والدهم فقال لي بلهجة ساخطه هاذي كارثه!! كان كلامه كالماء الحار على وجهي ,, خرجت كلماته سهاما ً تطعن ما تبقى من قلبي المكلوم ,,, عندها انهرت !! لا ادري ما العمل ولا كيف السبيل أين أذهب؟ ماذا أقول ؟ كيف افقدهم هكذا بلمحة بصر!! سبقتني أقدار الله فلم أن أسأل عائلتي ماذا دهاكم لتكونوا هكذ1!! لقد قتلت كلماته ما تبقى من الأمل في صدري !!!
((قال تعالى :"ولاتهنوا ولا تحزنوا وانتم الأعلون إن كنتم مؤمنين " ))
وفي غمرة تساؤلات ضجت بها أفكاري كنت حينها سأفقد عقلي ، أحسست بيد حانية تمسكني وكانت طبيبه سعوديه قالت لي : أنا أختك في الله ناصحه لك اكبر منك وأعلم منك , أعلم يا أخي أن كل هذه الأجهزة والأطباء سبب فقط لكنهم لن يغيروا من شي أراده الله وتأكد أنهم لو اجتمعو على أن يأتوا بشي لم يكتبه الله لن يستطيعوا,, قم يا أخي الآن وأغتسل وصل ركعتين وادع لهم لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا كانت كلماتها كالبلسم الشافي لجراحي لن أنس ما قامت به من أجلي , بالرغم من كونها كلمات لكنها حفرت أثرها في قلبي حتى هذه اللحظة فجزاها الله خيرا ً وأسأل الله أن يكثر من امثالها . خرجت من غرفة الطوارئ أجر خطواتي المثقلة بذكريات السنين وقد تمثلت أمامي عائلتي بكل أحوالهم ـ ضحكاتهم وأيام ٌ عشتها وسنين كنا فيها معا ً بحلوها ومرها . ذهبت للمكتب المجاور واتصلت على أخي أحمد وقلت له بلهجة المكسور : ( أحمد الحق عيالي تعبانين ) فتقدم لي المدير المناوب وامسك بي ؛ فتوضأت وصليت ودعوت الله أن يريني خيرا ً وأن يحفظهم لي .
((قال تعالى : " يا أيتها النفس المطمئنه ارجعي إلى ربك راضية مرضية " ))
ثم رجعت الى غرفه الطوارئ ولما دخلت وإذا زوجتي أم جوري قد رفعت عنها الأجهزة قلت للدكتور والذهول يملوء جوارحي ماذا حدث؟ قال لي مافيه فايده البقية بحياتك) !!!!! ورجع أدراجه دون أن يرى ماذا سيحل بي !؟ يا إلهي ,,, هكذا فقط ! بدون أي مقدمات ترحل زوجتي ؟!! لم أتمالك نفسي فانهرت باكيا ً حزينا ً وفي هذه اللحظة دخل أخي أحمد ورآني فأمسك بي وضمني إلى صدره وذهب بي لغرفه أخرى ذكروني بالله و أعطوني كأس ماء لأشربه ثم لم أستطع الصبر فعدت ثانيه إلى الإسعاف فوجدت أمامي ابنتي جوري وقد حل بها ما حل بأمها فقد تم إزالة الأجهزة عنها وقال لي دكتور الأطفال لقد أعطيناها صدمات كهربائيه ثم رجع لها نبض خفيف لكنه لم يستمر وقد سلمت روحها إلى بارئها أما ابنتك الأخرى حنان فقد عاد لها النبض من جديد وأرسلت إلى العناية المركزة للأطفال!! عندها وفي لحظتها لم يكن حالي يسر حتى عدوي فقد كنت كمن وقف جسده معلقا ً لا أرض ٌ تقيه ولا سماء !
(( قال تعالى : " وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد " ))
حينذاك حضرت أختي وزوجها عبدالحميد وأخو زوجتي عاصم السلمان وحضر عبد الرحمن العوهلي وأبناء عمي وجمع من الزملاء والجيران وقفوا بجانبي وذكروني بالله وخففوا من مصابيي وانا ولله الحمد اكرر إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم آجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها ولساني لم يفتر عن ذكر الله ولله الحمد و المنة , جلست في ساحة المستشفى بين المصدق والمكذب أحسست من هول المصاب أن الزمن توقف وانني لم ولن استطيع الحراك أو حتى التفكير!! يا الله كأنه حلم كأنني أعيش قصه قد نسجت فصولها من خيال ! هكذا بغمضة عين ذهبت زوجتي وابنتي جوري !! رحمهما الله جميعا ً وابنتي حنان في حاله حرجه لا إله إلا الله سبحان من بيده ملكوت كل شيء . عدت مرة ً أخرى إلى الدور العلوي إلى العناية المركزة للأطفال حيث ترقد ابنتي الصغيرة حنان ذهبت لأطمئن على حالها وكلي أمل بأن يكتب الله لها الشفاء وأن تلملم شتاتي بفقد أمها وأختها جلست أنظر لها ودموعي سيلا ًجاريا ً إنها لا تتكلم ولا تتحرك بل أنها لا تشعر بمن حولها أبدا ً مسكينة صغيرتي حنان أين مشاغبتك أين طفولتك أين صوتك الشجي العذب أين وأين و أين ؟!!! إنه ألم وحرقة وغصة لم أعشه يوما ً ولم اقرأه في أساطير الروايات !!!!!!! وفي أثناء غرقي بواقعي المر وماضيي المفقود قال لي أقاربي ومن كان معي هيا بنا لنتحرك عن المستشفى ونسافر لمدينة عنيزة مسقط رأسي أنا وزوجتي حيث الأهل والأقرباء لكن اعترضت وقلت كيف اذهب وقد فقدت زوجتي وابنتي ولم تبق لي غير صغيرتي حنان كيف اتركها وحدها هنا وسط أناس لا أعلم مدى الرحمة في قلوبهم ؟ كيف اتركها واذهب وهي في أمس الحاجة لي ؟ قلت لهم لا لن أذهب سأجلس عندها لن أفارقها , قالوا لي لابد أن تذهب معنا لتصلي على أم جوري وجوري رحمهم الله فقال عبد الحميد لي أطمأن بعدها سيعودون بك لتجلس بجانب ابنتك حنان أما الآن فسنبقى بجانبها أنا وعمتها لا تخف هي ابنتنا وفي أعيننا فأصروا علي فاطمأننت وذهبت أودع أبنتي الصغيرة حنان وأستودعها الله الذي لا تضيع ودائعه ومن ثم ذهبنا بالسيارة متوجهين لمدينة عنيزة وأما جثمان زوجتي وابنتي فقد تم نقلهم بسيارة خاصة استلم قيادتها أخو زوجتي (عاصم) . في الطريق كنت أحس بتوقف الحياة ومرارة اللحظات ولولا الله ثم وقوف الجميع معي لم أكن لأستطيع أن أتمالك نفسي في تلك اللحظات ,, كنت أتجرع مرارة لم أتذوقها طوال حياتي كنت أحس بوحدة موحشة وحزن عميق قطع نياط قلبي النازف بطعون الفراق . دعوات والدي ووالدتي كانت تزيدني قوة ً وعزيمة ً وإيمانا ً بالله عز وجل ولن أنسى والد ووالدة زوجتي المكلومين بفقد ابنتهم حيث لم تثنيهم مصيبتهم عن الإطمئنان علي طوال الطريق .
وعندما وصلت إلى مدينة عنيزة وجدت الكل بانتظاري استقبلوني بكل حب واحتضنوني بشوق لم أحتج في ذلك الوقت لشيء سواه , وأطمأنوا لوضعي ,وفي الطرف الآخر وصل أخو زوجتي وتوجه إلى مغسلة الموتى ليسلم أحبتي ويضعونهما في ثلاجة الموتى ,, مرت الساعات ثقيلة مليئة بالهم والحزن ومشبعة ً بغصات الألم وحرارة الفراق ساعات ٍعشتها لن أتمن ِّ تذكرها إطلاقا ً , كانت ليلة كدهر لم اهنأ فيها بالراحة كما كنت ولم أتذوق فيها النوم الهنيء كما كنت أعيشه سابقا ً .
((طبعت على كدر وأنت تريدها " " صفوا ً من الأقذاء والأكدار !! ))
وجاء الغد يوم الخميس 21/2/1429هـ أشرقت شمسه حارقة ! لم تكن كما كانت مثل كل يوم لم أعد أرى الصبح جميلا ً كما كان ولم أعد أحس بنسماته الساحرة كان صباحا ً مكتظا ً بالألم والحزن , لم يمضي كما كان يمضي سريعا ً,, ارتفع صوت المؤذن معلنا ً دخول وقت الظهر , ذهبنا إلى الصلاة وبعدها توجهنا مباشرة ً لمغسلة الأموات حيت توجد زوجتي وابنتي بثلاجة الموتى وبعد أن تم تغسيلهما ذهبت لرؤيتهما . الأجساد على الحدائد موضوعة ً بلا حراك وقد انقطع كل حبل للحياة فيها ,, كم أنزلت عليها من دموعي الحاره لتدفيء ما شاء الله لها وكم نظرت ونظرت لأشبع عيناي قبل الفراق !! لكن لن ولم ترتو من أحباب قلبي ؛ فلم أمل ِّمن الحياة معهم والأنس بهم لكن لكل أجل كتاب والحمد لله على كل حال , قمت بوضع الطيب بمواضع سجودهم وقبلتهم واستودعتهم الله الذي لا تضيع ودائعه ثم دعوت لهم دعاء من القلب مصدره يكسوه الحنين لهم ويغطيه الأمل بلقائهم بجنات عرضها السموات والأرض بنعيم لا ينفذ وقرة عين لا تزول ,, أسعدني ما رأيت من نور ٍ يكسو وجوههم ورائحة زكيه عذبه تفوح بأرجاء المكان زينتها سبابة أم جوري وقد ارتفعت بشهادة أسأل الله أن يتقبلها شهيدة عنده وأن يجعل ابنتي جوري شفيعة ً لي ولوالدتها يوم القيامه .
((لا تعذل المشتاق في أشواقه " "حتى يكون حشاك في أحشائه ))
بعدها لبسوا أحباب قلبي أكفانا ً بيضاء كما وجوههم عندها حجب عني أحبابي فلم أعد أستطيع أن أمتع عيني برؤيتهم ولم أعد أستلذ بالحديث معهم وحملوا إلى المسجد وكان موعد صلاة العصر بجامع الشيخ ابن عثيمين وبعد أن صلينا العصر قمنا للصلاة على الجنائز فنظرت خلفي لأرى المصلين فوجدت جموعا ً غفيره من المصلين ولله الحمد وقد صلى على الجنائز الشيخ سامي الصقير وزاد تكبيرة للدعاء جزاه الله خيرا ً , بعدها حملنا الجنائز للمقبرة وقلبي يسبقهم شوقا ً لهم وحزنا ً لفراقهم فلما وصلنا للمقبرة وجدناها مليئة بحشود لم يتمكنوا من الصلاة بالمسجد وقاموا بالصلاة على الجنائز بعدها جاء وقت الدفن جاءت لحظه ما كنت أتخيل أن أعيشها !! لحظه ينزف فيها القلب دما ًحارقا ً !! وتنزف العيون فيها دمعا ًغزيرا ً!! لحظه أليمه تلك التي تضع فيها أغلى البشر على قلبك في التراب !! كانت الدنيا في عيني يكسوها السواد الحالك والحزن العميق حملتها وكان معي والدها وأخوها عماد ثم أنزلناها للقبر ووضعناها في اللحد وحررنا الأربطة وبدأنا بوضع اللبن لنسد آخر الحواجز بيننا وبينها ولنغلق بعدها باب الدنيا الفانية أمام أم جوري رحمها الله وبعدها حثثت ثلاثا ً من التراب بيدي وأنا ادعوا الله لها بالرحمة والغفران والقبول الحسن ,, أنثر التراب تبلله دمعات ٌ ساخنة تخرج من مقلتي بلا انقطاع ولسان لم ولن يفتر بإذن الله عن الدعاء لها بظهر الغيب وذكر محاسنها وأخلاقها العالية وعفتها في الدنيا جعلها الله من الشهداء ثم ودعتها الوداع الأخير وكلي أمل بلقائها بجنات عدن واستودعتها الله الذي لا تضيع ودائعه ,,, توجهت بعدها مباشرة إلى قبر فلذة كبدي ابنتي الكبرى جوري وقد نزل في قبرها ودفنها أخي منصور فحثثت ثلاثا ً من التراب على قبرها كما والدتها وعيناي لا زالتا تذرفان الدمع والقلب يعتصر ألم الوداع والفراق وقد لاح أمام ناظري لعبها وضحكاتها وملاطفتي لها رأيتها منذ أن رأت النور عينيها وحتى آخر لحظات حياتها بثوان قصيرة لم أجد لطولها تفسيرا ً .
وقفنا لجموع المعزين بأحبابي وقد كانوا بأعداد كبيره جدا ً غصت بها المقبرة من الأهل والأصحاب والأصدقاء وزملاء العمل أتوا من كل مكان ليقفوا بجانبي في مصابي فجزاهم الله عني خير الجزاء , ولم ننته إلا بصوت أذان المغرب يدوي بأرجاء الأرض معلنا ً دخول أول ليلة ٍ لي في الحياة الدنيا بعد فراق أحبتي ومهجة فؤادي .
(( لاتحسبوا رقصي بينكم طربا ً * * * فالطير يرقص مذبوحا ً من الألم !! ))
توجهنا للصلاة ثم بعدها بدأ الناس بالحضور ليقدموا واجب العزاء حيث الرجال بمنزلنا (منزل والدي حفظه الله ) والنساء بمنزل أهل زوجتي كان الكل في حال ذهول وحزن لمصابنا والناس بين الباكي ومن غصت به عبراته وألسنتهم تلهج بالدعاء بالرحمة والمغفرة لأحبابي أما أنا !!! فقد كنت بحال لا يعلمه إلا الله عز وجل ,,, كنت جسدا ً بلا روح ,, كنت كمن فقد كل شي ولم يبق معه شيء .!!! كان يوما ً أثقل من الجبل على صدري ,, الم فضيع أحسه وحزن لا أتمناه لمن أحب ما حييت !! مرت الساعات تلو الساعات والهموم تزداد والحزن يتعمق في داخل صدري والألم يتغلغل بأعماقي ,, حرارة الفراق لا زلت أشعر بها لم تفارقن ِ والشوق لهم يحرق جوفي ويفقدني صوابي ,, عقلي حائر ٌبين اليأس بلقياهم من جديد وبين ابنتي الصغيرة التي لا زالت ترقد في العناية المركزة في مستشفى الملك فيصل التخصصي حيث تم نقلها ,, كانت اتصالاتي لا تنقطع مع أختي وزوجها الذين يرقدون مع ابنتي في المستشفى وقد كانوا على اطلاع بحالتها وكانوا يمهدون لي الوضع لأنها كانت بحالة وفاة دماغيه ولا أمل من الشفاء إلا بمعجزة من الله سبحانه وتعالى وكلما أسألهم عنها يقولون لي ادع الله بأن يختار لها الصالح فإن حالتها حرجه .
(( أحلاهما مر!!؟ ))
وما إن أشرقت شمس صباح يوم السبت إلا وتوجهت لمدينة الرياض حيث ترقد ابنتي بالمستشفى وقد كان الجميع معي ( والد زوجتي /أخواني أحمد وعبد العزيز / أخواتي/ زوج أختي عبد الحميد الزامل / خالها بدر / ابن عمي خالد البراهيم الزامل ) أما أخي منصور فقد بقي مع والدي ّ , ولما دخلنا لغرفة العناية وتوجهنا لسريرها وجدت الأجهزة وقد ملأت جسدها الصغير العذب وهي في حالة يرثى لها تجدد فيها حزني وألمي ودعوت الله بأن يختار لها ما يريحها ومافيه الخير لها حتى لا تظل بهذا الوضع المؤلم ,, بعد ذلك حضر خالها عماد ونايف وأبناء عمي وبعض أصحابي جزاهم الله خيرا ً, وقد حصل لي موقف أثناء مكوثي بجوار ابنتي بعد منتصف الليل الساعة
(1 صباحا) حيث دخلت الطبيبة الفلبينية وأنا أقرأ القرآن على صغيرتي وإذا بها تنهرني بلهجة حادة وترفع صوتها وتشير إلى الملابس الخاصة بزوار العناية لسلامة المرضى وتأمرني أن أقوم بلبسها فاقتربت وهي تحمل اللباس ولما رأتني أقرأ القرآن على ابنتي بكل خشوع أشارة بإصبعها إلى حنان تسألني من تكون هذه الطفلة ؟؟ فقلت لها بكل هدوء أنها ابنتي !! حينها اعتلى الذهول قسمات وجهها وقالت لي بكل أسى ( سوري أنا ما يعرف أنك بابا ؟؟) ثم بادرت كلماتها بسؤال محير خرج من بين آلاف الإستفهامات الواضحة في عينيها ( وين ماما ؟؟ ) فقلت لها بأن والدتها توفيت قبل ثلاثة أيام هي وابنتي الكبيرة فانفجرت باكيه من هول ما سمعت وقالت لي بلهجة حزينة ( وأنت جالس كذا ؟؟ ) فقد استغربت بقائي دون أن أضع حدا ًلحياتي بعد رحيلهم وهذه حالة الكفار الذي لا دين لهم نسأل الله أن يثبتنا على ديننا ,, قلت لها : الحمد لله فربي موجود حي لا يموت عندها خرجت تبكي دون أن تكمل الحديث .
وفي صباح يوم الأحد الساعة
( 7 صباحا ً ) أتى إلي استشاري المخ والأعصاب وطلب مني الحضور لغرفة الاجتماعات بنفس القسم وبدأ بالحديث معي بكل هدوء بداية عن كيفية الحادثة وكل ما يتعلق بها وبالتدريج بدأ يذكرني بالله عز وجل وحكمته وأمره الذي لا مرد له سبحانه جل في علاه وقام بشرح حالة صغيرتي بالتفصيل وبكل عقلانيه ومراعاة لحالتي النفسية جزاه الله خيرا ً,, فشتان بين أسلوبه ومقدماته وبين أسلوب ومقدمات الأطباء في حالة زوجتي وابنتي الكبرى رحمهم الله ,, والحمد لله على كل حال , وبعد أن وضح لي كل شيء وصل لأهم نقطه في كل الموضوع فقال لي : ( هل تريد أن تعيش ابنتك طوال حياتها على الأجهزة ؟؟ هي ميتة دماغيا ً فالدم لا يصل إلى رأسها أبدا ً ؟؟ ما ترى لو قمنا بنزع الأجهزة عنها فهي في عداد الأموات وإكرام الميت دفنه ) فقلت له الله يختار لها الصالح لكن أعطني وقتا ً لأستشير وأستخير وبعد مشاورات واتصالات وفتاوى من كبار العلماء توصلنا لجواز نزع الأجهزة فإكرام الميت دفنه .
(( وما المال والأهلون إلا وديعة ٌ ** ولا بد يوما ً أن ترد الودائع ))
وجاءت آخر خطوه وهي صلاة الإستخاره فتوجهت إلى غرفتها وتوضأت وصليت ودعوت الله بالخير لها ولما انتهيت من الصلاة وقفت أمامها فو الله الذي لا إله إلا هو لم أجد سوى دمعه نزلت من عينها وكأن لسان حالها يقول ..
( تعبت يا بابا ) فخرجت وتوجهت للطبيب وكان الكل بانتظاري ودخلت عليهم بغرفة الاجتماعات وقلت بكل إيمان توكلوا على الله وانزعوا الأجهزة إكراما ً وراحة ً لها فاتفقنا على نزع الأجهزة بعد صلاة المغرب وبعد الصلاة توجهنا مباشره لغرفتها ودخل الفريق الطبي مع والد زوجتي وأخي أحمد وأنا بصالة الانتظار أقرآ آواخر سورة البقرة علي أجد الراحة من حزني وألمي بعدها بلحظات قدم إلي والد زوجتي حفظه الله وقال لي :
( الحمد لله على قضاءه وقدره إن شاء الله أنّ الله اختار لها الصالح فقد توقف القلب فورا ً عندما خفضوا جهاز التنفس الصناعي )
الحمد لله فقد كانت ابنتي تعيش على التنفس الصناعي فقط أسأل الله أن يجعل ما أصابنا زيادة في الأجر والمثوبة , بعدها توجهت إلى غرفتها ودخلت لأراها قبلت جبينها الطاهر وصليت ركعتين أحمد الله فيهن على قضاءه وسبحان من بدل حالها فقد اقتلبت زرقة لونها إلى بياض ٍناصع وأصبح وجهها كالملاك وكالقمر المنير ,, التفت فوجدت الممرضة الفلبينية التي بالأمس قد وقفت إلى جانب سريرها وقد بدت متأثرة أشد من ذي قبل فبدأت بلفها ورافقتنا إلى أن وضعناها بسيارة أخي زوجتي عماد وتوجهنا بها إلى مدينة عنيزة يرافقنا ابن عمي خالد البراهيم الزامل صلينا العشاء بطريق العودة ووصلنا إلى عنيزة عند الساعة ( 11 مساء ً) وتوجهنا فورا ًلمغسلة الأموات حيث كان بانتظارنا المسؤول عن المغسلة جزاه الله خيرا ًوإخوان زوجتي عاصم وناصر فوضعنا حنان بثلاجة الموتى وعدت إلى المنزل لأعيش ذكريات الألم من جديد وأتذوق الحزن الذي لم ينقطع منذ رحل فيه أحبابي !! عشت ليلة الاثنين وأنا أتجرع مرارة فقد الأحبة أستشعر فيه ضيق عيش الدنيا ولساني لا يفتر من الدعاء لهم بالرحمة والمغفرة ولي بالصبر والسلوان .
(( النـهـايـة ))
وعندما أشرقت شمس يوم الاثنين 25/2/1429هـ اقترب فيه وداع جسد صغيرتي من هذه الدنيا لحظات لم تكن بأقل مرارة عن سابقتها وما أن صلينا الظهر حتى توجهنا للمغسلة ودخلت لأرى أبنتي وأودعها الوداع الأخير فأخذت أطيب مواضع السجود وأنا أسمع ضحكاتها مدوية وأرى ابتسامتها لم تفارق مخيلتي أبدا ً وعندما أعود للواقع لا أجد أمامي سوى جسد ٍ بلا روح . منظرها الطفولي البريء لن أنساه ما حييت ورائحتها الزكية لن تفارقني أبدا ًوالنور الذي أعتلى جسدها ووجهها أرى بريقه في كل أرجاء المكان قبلتها بكل حب وبكل شوق ثم حملناها للمسجد حيث صلينا عليها صلاة الميت في جامع الشيخ ابن عثيمين بعدها توجهنا بها إلى المقبرة التي امتلأت بالحشود الغفيرة من كل مكان فأنزلتها للقبر وقد لاح أمام عيني صغر الدنيا وضيق عيشها ودعتها الله الذي لا تضيع ودائعه وحثثت ثلاثا ًسبقت فيها دموعي حبات التراب ثم تركتها مودعا ً آخر وردة بشجرة عائلتي الصغيرة الغالية ,,,,,
(( قال تعالى : " أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء " ))
اللهم آجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا ً منها ,, اللهم وكما أخذتهم مني على عجل فهنأني بهم في جنات النعيم .
ولم تمر الأيام بأقل من سابقاتها بالحزن والألم لكن إلى الله المشتكى والملتجى قال تعالى : " وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا ً مؤجلا ً " فالحمد لله على كل حال . وعندما انتهت أيام العزاء توجهت مباشرة ً مع أخي زوجتي بدر إلى مكة المكرمة حيث أخذت عمرة لزوجتي الغالية رحمها الله رحمة واسعة وتقبلها من الشهداء الأبرار والتي لم أر منها في حياتها إلا ما يسرني ,, كانت تسهر الليالي الطويلة إذا تعبت تفتش عن راحتي وتبحث عن رضاي ,, تهتم بكل شي يخصني صغيرا ً كان أم كبيرا ً بكل شاردة ووارده ,, تكرم أهلي وضيوفي وتشقى لأسعد ويسعد كل من أحب ,, ترفع رأسي بكل المناسبات والاجتماعات ,,,رحمك الله يا خولة السلمان رحمة ً واسعة .
(( وقــفـة ))
وإذا هممت فناج نفسك بالمنى ** وعدا ً فخيرات الجنان عدات
واجعل رجاءك دون يأسك جنة ** حتى تزول بهمك الأوقات
واستر عن الجلساء بثك إنما ** جلساؤك الحساد والشمات
ودع التوقع للحوادث إنه ** للحي من قبل الممات ممات
فالهم ليس له ثبات مثل ما ** في أهله ما للسرور ثبات
لولا مغالطة النفوس عقولها ** لم تصف للمتيقظين حياة
((لحظات خالدة في ذاكرتي )) :
في صباح الأربعاء الذي توفيت فيه زوجتي وابنتي وقبل أن تذهب ابنتي جوري إلى المدرسة قامت جوري بترديد سورة الليل على مسامعي حيث كانت مقرره لهم بالمدرسة فهي تدرس بالصف الأول الابتدائي لتحفيظ القرآن الكريم حينما قرعت جرس الباب زوجة السائق
( أبو المقداد ) لتحمل ابنتي لمدرستها ؛ ودعتها بقبلات حارة فأبت أن تذهب دون أن ترافقها أختها الصغيرة فقلت لحنان اذهبي مع جوري فذهبت مسرعة دون أن تنتعل حذائها وكانت لحظات لم ولن أنساها أبدا ً فقد كانت آخر أيامي معهم جعلهن الله شافعات لي ولوالدتهن يوم القيامة بعدها رجعت لأم جوري وكانت تجلس في سجادتها تقرأ القرآن كعادتها كل يوم بعد صلاة الفجر حتى تودعنا وتطمئن علينا فتجاذبت معها أطراف الحديث وتكلمنا عن خططنا التي سنقوم بها في إجازة منتصف النصف الثاني وأشياء كثيرة . فقمت متوجها ًإلى العمل فقامت معي تودعني إلى باب الشقة وقالت لي كلماتها المعتادة في كل يوم
( لا تنس تورد على البنات وعلينا وانتبه لنفسك ) !!!!!!!
ولكن لا أقول سوى ....الحمد لله على كل حال وإنا لله وإنا إليه راجعون.
((ما أقصر العيش لولا فسحة الأمل))
ولله در من قال لي هذه الأبيات مواسيا ً وهو شخص غالي علي وله مكانه خاصه في قلبي :
دع الأيام تفعل ما تشاء وطب نفسا ً إذا حكم القضاء
ولا تجزع لحادثة الليالي فما لحوادث الدنيا بقاء
وكن رجلا ً على الأهوال جلدا ً وشيمتك السماحة والوفاء
وإن كثرت عيوبك في البرايا وسرك أن يكون لها غطاء
تستر بالسخاء فكل عيب يغطيه كما قيل السخاء
ولا تري للأعادي قط ذلا ً فإن شماتة الأعداء بلاء
ولا ترج السماحة من بخيل فما في النار للضمآن ماء
ورزقك ليس ينقصه التأني وليس يزيد في الرزق العناء
ولاحزن يدوم ولا سرور ولا بؤس عليك ولا رخاء
إذا ما كنت ذا قلب قنوع فأنت ومالك الدنيا سواء
ومن نزلت بساحته المنايا فلا أرض تقيه ولا سماء
وأرض الله واسعة ولكن إذا نزل القضاء ضاق الفضاء
دع الأيام تغدر كل حين فما يغني عن الموت الدواء
(( شكر من القلب))
(حكم المنية في البريئة جاري " " ماهذه الدنيا بدار قرار
بينا يرى الإنسان فيها مخبرا " " حتى يرى خبرا ً من الأخبار
لله در النائبات فإنها " " صدء اللئام وصقيل الأحرار)
قال صلى الله عليه وسلم: "من لا يشكر الناس لا يشكر الله "
كلمة أخيره إلى كل من وقف معي في مصابي من قريب وبعيد وصغير وكبير وذكر وأنثى سواء بمواساة أو تعزيه أو تخفيف مصاب ولكل من تصدق أو ساهم بمشروع خيري لزوجتي وابنتاي أو دعا لهم سرا و علانية ...
لكم جميعا ً دعوة من القلب مصدرها أسأل الله أن لا يريكم مكروها ً فيمن أحببتم وأن يجعل ما قدمتموه في موازين حسناتكم يوم تلقونه يوم لا ينفع مال ٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم وأن يفتح رب العزة والجلال لكم بابا ً من الرزق لا يسد في الدنيا والآخرة وأن يجمعنا بجنات عرضها السموات والأرض في عليين في الفردوس الأعلى على سرر متقابلين .
(( وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.))
القصه منقوله نقلتها كماهي لأنه لايحق لي التصرف