راقيه الجزائريه
19-02-2009, 13:55
غزة ..والصمت الرهيب في 16/1/1429هـ
الحمد الله قاصم الجبابرة قهراً، وكاسر الأكاسرة كسراً، وواعد المؤمنين من لدنه نصراً، يكشف كربًا، ويغفر ذنبًا، ويُغيث ملهوفًا، يجبر كسيراً، ويجير خائفاً، ويرسل بالآيات تخويفًا، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة أرجوها عنده ذخراً، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، أعز به بعد الذلة، وأغنى به بعد العَيْلَة، وجمع به بعد الفرقة، فعلت به أمته ذكراً، وشرفت به قدراً، صلى الله وبارك عليه، وعلى صحبه والتابعين، ومن تبعهم يإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: وقف ضميري صارخاً في أعماقي عن أي شيء ستخطب هذا الأسبوع؟ ظهر علي تردد وشرود..فقطعها علي معاتباً بشدة: وهل تطيب الخطابة عن أي شيء؟! وصرخات الثكالى في غزة تنادي: وإسلاماه؟! والأم: يا طفلاه؟! والطفل: يا أماه؟! في غزة هذه الأيام، صوت المدافع يصم الآذان، في السماء طائرات، وفي الأرض دبابات وقاذفات، وبينهما هدير الرشاشات، وأزيز القناصات، فياليت شعري: كيف تغفل أو تتغافل عنهم؟! - نزف الضمير بغضب وعناد- وهو يقول: هل تستطيع أن تسكت أو تتهرب وأنت ترى نحو مليون ونصف المليون مسلم يحاصرون في بضع كيلومترات، برد قارس، وشظف عيش، يحاصرون حتى في كسرة الخبز ونور الكهرباء، شباب ورجال بين قتلى وأسرى، وأطفال يركضون ويصرخون، ولكن إلى أين؟! لا يدرون؟! طاعنون في السن لا حيلة لهم يتساقطون؟! نساء يحتضن الرضع، ويمسكن الأطفال بالأيدي، اثنين وثلاثة وهم وهن يصرخون ويبكون؟! اختلطت الأصوات: بكاء الأطفال، أنين اليتامى، وآهات الجرحى، توسلات الثكالى، تحليلات وتقارير وأخبار، حتى أصبح الليل في غزة كالنهار، شرذمة صهيونية تُحاصر شعباً مسلماً؟ تمنع عنه ضرورات الحياة ليموت، وتمن عليهم بكمية وقود تشعل مستشفى يئن فيه مئات المرضى والمصابين؟! منعوا دخول الوقود؟ سمحوا بدخول كميات منه؟ أطفئوا محطات الكهرباء، سمحوا بتشغيلها؟ أغلقوا المعبر.. سمحوا بفتحه؟! يا الله! أي ذل وهوان هذا؟!..فهل بعد هذا كله نصم الآذان، ونتجاهل الأحداث حتى الآن؟! لماذا القلب أصبح كالحجر؟! ألا نشعر بالخجل، حتى مجرد الحديث عنهم أصابنا فيه الفتور والكسل أم يا ترى هو الخوف؟! مساكين (أهلنا) في غزة، لا ترى في عيونهم سوى الذهول والأسى، وصرخات النجدة والإغاثة يتردد صداها ولا مجيب؟! وأسئلة لا إجابات لها: لماذا نحن محاصرون؟ ولماذا هكذا بنا يفعلون؟ أليس لنا أهل؟ أليس لنا إخوة في الدين؟ ألسنا عربًا؟ فأين العرب؟! ألسنا بشرًا من الناس، فأين الناس عنا..؟! أليس هناك من يرحم أو يعطف علينا؟! أين العالم من أسر شعب كامل داخل سجن كبير؟ ماذا يقول الضمير العالمي عن ما يجري في غزة هذه الأيام؟ صرخت بضمير كفى..قف..ماذا بيدي أن أفعل؟! أنا فرد أنا ضعيف لا حول لي ولا قوة؟! وبكل صراحة لا أخفيكم خشيت أن يواصل الضمير استنكاره واستفساره فيقول: أين حكام المسلمين؟! أين البرلمانات العربية؟! أين المؤسسات الحقوقية والقانونية والإنسانية؟! لماذا هذا الصمت الرهيب المخزي؟! خشيت أن يفضحني ضميري بمثل هذه الأسئلة، فأقع في حرج ومسائلة؟! فأنا كغيري سأضمن كسرة خبز لي ولأولادي..، فاستجمعت قواي أمام ضميري لأخرج من حرج الموقف والمعاتبة..فسددت سهام كلماتي للعامة من أمثالي وأمثالكم ..فمالي والسياسة،
أنا لا أعلم عن نيّاتيهم يعـلم الله بما قد أبرموا
إنما أسال عن مِلْيارنا عن بني قومي لماذا وجموا؟
أيُّها المِلْيارُ هل أنت على أرضنا؟ هل لك وجهٌ وفَمُ ؟!
أيُّها المليارُ لو ناصَرَنا منك مليونٌ لزال الألَمُ
لو بعثتم دِرْهَماً لابتسمتْ أُسَرٌ ليس لديها دِرْهَمُ
أيُّها المليارُ ، القدس على جُرُفٍ هارٍ، فأين الهِمَمُ ؟
إنما جرَّأ أعداء الهدى أننا نمنا، وهم لم ينموا
فيا مسلمون: هل نستقيظ؟ وهل سنبذل وسعنا في فعل الأسباب؟ فالدموع وحدها لن تجدي؟ ولن نبقى أمة تندب وتنوح؟ فلم لا نصارح أنفسنا كأفراد؟ فنحن نبخل على قضية فلسطين حتى بالزكاة المفروضة، ونبخل عليهم بمجرد الدعاء، أو حتى دريهمات الخبز والدواء؟ إن الله يحبُ أن يرى غيرتنا وهمنا لديننا وإخواننا، وعندها كن أخي على يقين أن الله لن يسألك إلا عما تستطيع وتقدر؟ فهل سألت نفسك بشفافية: هل بذلت جهدك بما تستطيع؟! أين الشعور بالجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى؟! لماذا نغضب ونطالب الآخرين بالقيام بواجبهم ولم نقم بالواجب الذي علينا مهما كان حجمه، فالناصر هو الله {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ}، بدرهم، بدعاء، بقلمِ صحفيٍ، بكلمةِ دعويٍ، بصورةِ إعلاميٍ، بتقريرِ إخباريٍ، بقرارِ سياسيٍ، فأوجه النصرة لا حصر لها، لكننا نخشى أن يتحرك بعض الغيورين من شبابنا للنصرة في الطريق الخطأ، كردود أفعال غاضبة متشنجة، فنحن نحتاج لتربية لمجاهدة أنفسنا وضبطها في مثل هذه الظروف؟ فلا يشك عاقل أن سياسات الحرمان والتجريد، والعزل والخنق، والقهر والاستذلال هي التي تُغذي التطرف وحب الانتقام وسلوك مسلك الإرهاب، لكن هذا لا يُبرر لأحد التشنج والتهور، بل نحتاج لتربية أنفسنا على التخطيط للفعل السليم في الوقت السليم، وليس رد فعل غاضب متشنج يُفسد أكثر مما يُصلح؟ فمثلاً: كيف سيجاهد بنفسه، من لم يجاهد بماله؟ كيف وبعض المسلمين يمن على إخوانه في غزة حتى مجرد المساعدة المادية من أجل طعام أو غطاء، أو شراب أو كساء؟ كيف والفضائيات العربية تغرق في بحور الشهوات المحرمة من رقص وعري ومجون، وكأن الأمر لا يعنيها؟ هلا سألناها عبر الرسائل والمداخلات وقد أخذت على عاتقها همّ الأمانة الصحفية والإعلامية..!! أين دورها في نصرة القضية؟! هلا طالبناهم بالقيام بواجبهم؟! وآداء الأمانة المهنية التي تحملوها؟! يا أمة العقيدة اسمعي هذه الكلمة وردديها: إن الأمة التي لا يعطيها أهلها إلا الفضلات من الهم والأعمال، والوقت والأموال، لا يمكن أن تعز أو تهز، ولا يمكن أبداً أن تهش أو تنش؟! إنها الأمانة التي أبت الأرض والسموات أن تحملها، فحملتها أنت أيها الإنسان، فهل بعد هذا تخون الأمانة، وتصبح صريعاً أسيراً للشهوات واللذات المحرمة..أيها المسلمون: افعلوا الأسباب وأروا الله من أنفسكم لإخوانكم خيراً، هكذا أيها المسلم اعقلها وتوكل، أما مجرد التباكي والتلاوم والصراخ فلن يُجدِي نفعاً؟! فتحرك أيها المسلم في أي موقع كنت، تحرك أخي ففي مقدورك كفرد الكثير، فـ"إنَما يرحمَ الله مِنْ عبادِهِ الرحماءَ"وصاحب القلب الرحيم يمسح على رأس اليتيم، ويطعم المسكين، وتدمع عينه لصرخات المكلومين، ويخفق قلبه لأنين المتوجعين، ويلهج لسانه بالدعاء لرب العالمين أن ينصر المستضعفين ويهلك المعتدين. فإذا فعلت ذلك فبعدها ردد: اللهم إن هذا الجهد وعليك التكلان، فأنت تعلم حالنا وضعفنا وقلة حيلتنا، فاحفظ إخواننا في غزة المنكوبة، وفي فلسطين كلها وسائر بلاد المسلمين. إخوة الإيمان: إن سحابة التنازع والاختلاف بين الإخوة في فلسطين..أمنية غالية لليهود، وفيها دروس ثمينة جداً لنا نحن المسلمين في كل مكان، فهل نستوعب الدرس، نسأل الله أن يوحد صف إخواننا في فلسطين، وأن يجمع بين كلمتهم، فهم بكل فخر أهل بطولة وشجاعة، وقد شرفهم الله بالدفاع عن الأقصى، واصطفى منهم شهداء وهي أمنية يتلهف لها الكثير، ورفع الله ذكرهم وبطولتهم في العالمين، ولا شك أن مما يُشهد به لهم طوال السنين: تماسكهم ووحدة صفهم في وجه عدوهم رغم تعدد الأحزاب والآراء، وهذا مصدر قوتهم وسلاحهم، وتلك وربي هي البطولة الحقيقية، وهي النصر وأي نصر، ونحن على يقين وفأل بمشيئة الله بعودة تماسكهم، فاتحدوا إخواننا ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب قوتكم {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ}، فتواصوا يا أهل فلسطين بسياسة ضبط النفس والتماسك، فدهاء عدوكم ومكره تزول منه الجبال، فالمسلمون في كل مكان ينتظرون منكم إخلاصاً للقضية، وتجرداً من حظوظ النفوس وأطماعها، ينتظرون قراراً شجاعاً بوضع الكف بالكف ودحض تلك المحاولات والمؤامرات الماكرة التي تريد الالتفاف على وحدتكم، فتماسكوا واصبروا وصابروا ورابطوا، ولا يضركم من خذلكم، فحسبكم أن الله معكم .
وأخيراً: لفلسطين التي يقتاتها..النسيانُ، والطغيانُ، والقهرُ..
لفلسطين التي يغتالها الإلحاد، والإشراك، والكفرُ.
لفلسطين التي في العين ، والقلبِ .
لإخوان لنا فيها ، لأحباب لنا فيها،
أقولُ تمسكوا بالدين. واصطبروا، ..فإن الدين منتصرٌ، وإن الكفر مندحرُ .
ومهما طالَ ليل الظلم،..ليل الذل..ليل القهر..سوف يزيله الإسلامُ.. نعم سوف يزيله الإسلام الصادق، فإن الظهور والغلبة في النهاية إن شاء الله تعالى للمسلمين الصادقين مهما طال الطريق وكثرت العقبات {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ*إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ*وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}.
وإن طوقتنا جيوش الظلام فإنا على ثقة بـالصباح
اللهم انصر إخواننا في فلسطين، اللهم أمّن خوفهم، واربط على قلوبهم، واحفظ دينهم، ووحد صفهم، وسدد رميهم، وقو عزيمتهم،واجمع كلمتهم. اللهم ليس لهم إلا أنت، وكفى بك نصيراً، اللهم أنت حسبهم وكفى بك حسيباً، اللهم لا حول لهم ولا قوة إلا بك، فلا تكلهم لأنفسهم طرفة عين، اللهم اجعل لهم من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا ، اللهم كن للأرامل واليتامى والمساكين، والمحصورين والمأسورين، اللهم رد عنهم كيد الكائدين، وعدوان الغاشمين، اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب اهزم اليهود وانصر المسلمين عليهم، اللهم اشدد وطأتك عليهم، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف. اللهم عليك باليهود ومن ناصرهم، فإنهم لا يعجزونك. اللهم مزقهم، وخالف بين قلوبهم وصفوفهم، اللهم إنك تعلم حال إخواننا، وتعلم حالنا وضعفنا وقلة حيلتنا فأعنا على القيام بحق إخواننا على الوجه الذي يرضيك عنا، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
لخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله..وبعد: اتقوا الله حقيقة التقوى، واعلموا أن أقدامنا على النار لا تقوى، وتذكروا أن حقيقة التقوى في السلوك والتطبيق، وأن الدين المعاملة.
عباد الله! غداً الامتحانات، نسأل الله أن يوفق ويسدد الطلاب والطالبات، وأن يعين الآباء والأمهات، والمعلمين والمعلمات، ونذكر الطلاب بأهمية الإخلاص في المذاكرة، وأن القصد العلم والانتفاع، وليس فقط الحفظ والنجاح، كما نُذكر الآباء بأهمية الاهتمام بالأبناء في أيام الاختبارات بالتوجيه والإعانة، ورعايتهم والرفق بهم، فهذا من أكبر المؤثرات على نتائج الطلاب ونجاحهم، وننبه الآباء ونحذرهم مما يجري عادة بمثل هذه المناسبات، خاصة في الصباح بعد خروج الطلاب والطالبات من التسكع والتفحيط وانتشار مروجي المخدرات، ولصوص الأعراض، فلا بد من حسن المتابعة لهم، فهذا أوان انتشار الشياطين، نعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق اللهم بارك لنا في أولادنا، وارزقهم التوفيق والنجاح، والصلاح والفلاح في الدنيا والآخرة، واجعلهم قرة عين لنا وللمسلمين في كل مكان، اللهم احفظ المسلمين المستضعفين في فلسطين، وفي كل مكان يارب العالمين، اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين في كل مكان بسوء فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه. اللهم اجمع كلمة المسلمين، ووفق قادتهم لنصرة المستضعفين في فلسطين، اللهم اجمع قلوبهم على التوحيد والقرآن، وألف بينهم وبين شعوبهم، ووحد صفوفهم، اللهم وفق ولاة أمورنا خاصة لخير الإسلام والمسلمين، واجعلهم مفاتيح خير مباركين، وملاذاً للمستضعفين والمساكين، اللهم فرج هم المهمومين، واشف مرضى المسلمين، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجميعن والحمد لله رب العالمين . فضيلة الشيخ ابراهيم الدويش
الحمد الله قاصم الجبابرة قهراً، وكاسر الأكاسرة كسراً، وواعد المؤمنين من لدنه نصراً، يكشف كربًا، ويغفر ذنبًا، ويُغيث ملهوفًا، يجبر كسيراً، ويجير خائفاً، ويرسل بالآيات تخويفًا، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة أرجوها عنده ذخراً، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، أعز به بعد الذلة، وأغنى به بعد العَيْلَة، وجمع به بعد الفرقة، فعلت به أمته ذكراً، وشرفت به قدراً، صلى الله وبارك عليه، وعلى صحبه والتابعين، ومن تبعهم يإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: وقف ضميري صارخاً في أعماقي عن أي شيء ستخطب هذا الأسبوع؟ ظهر علي تردد وشرود..فقطعها علي معاتباً بشدة: وهل تطيب الخطابة عن أي شيء؟! وصرخات الثكالى في غزة تنادي: وإسلاماه؟! والأم: يا طفلاه؟! والطفل: يا أماه؟! في غزة هذه الأيام، صوت المدافع يصم الآذان، في السماء طائرات، وفي الأرض دبابات وقاذفات، وبينهما هدير الرشاشات، وأزيز القناصات، فياليت شعري: كيف تغفل أو تتغافل عنهم؟! - نزف الضمير بغضب وعناد- وهو يقول: هل تستطيع أن تسكت أو تتهرب وأنت ترى نحو مليون ونصف المليون مسلم يحاصرون في بضع كيلومترات، برد قارس، وشظف عيش، يحاصرون حتى في كسرة الخبز ونور الكهرباء، شباب ورجال بين قتلى وأسرى، وأطفال يركضون ويصرخون، ولكن إلى أين؟! لا يدرون؟! طاعنون في السن لا حيلة لهم يتساقطون؟! نساء يحتضن الرضع، ويمسكن الأطفال بالأيدي، اثنين وثلاثة وهم وهن يصرخون ويبكون؟! اختلطت الأصوات: بكاء الأطفال، أنين اليتامى، وآهات الجرحى، توسلات الثكالى، تحليلات وتقارير وأخبار، حتى أصبح الليل في غزة كالنهار، شرذمة صهيونية تُحاصر شعباً مسلماً؟ تمنع عنه ضرورات الحياة ليموت، وتمن عليهم بكمية وقود تشعل مستشفى يئن فيه مئات المرضى والمصابين؟! منعوا دخول الوقود؟ سمحوا بدخول كميات منه؟ أطفئوا محطات الكهرباء، سمحوا بتشغيلها؟ أغلقوا المعبر.. سمحوا بفتحه؟! يا الله! أي ذل وهوان هذا؟!..فهل بعد هذا كله نصم الآذان، ونتجاهل الأحداث حتى الآن؟! لماذا القلب أصبح كالحجر؟! ألا نشعر بالخجل، حتى مجرد الحديث عنهم أصابنا فيه الفتور والكسل أم يا ترى هو الخوف؟! مساكين (أهلنا) في غزة، لا ترى في عيونهم سوى الذهول والأسى، وصرخات النجدة والإغاثة يتردد صداها ولا مجيب؟! وأسئلة لا إجابات لها: لماذا نحن محاصرون؟ ولماذا هكذا بنا يفعلون؟ أليس لنا أهل؟ أليس لنا إخوة في الدين؟ ألسنا عربًا؟ فأين العرب؟! ألسنا بشرًا من الناس، فأين الناس عنا..؟! أليس هناك من يرحم أو يعطف علينا؟! أين العالم من أسر شعب كامل داخل سجن كبير؟ ماذا يقول الضمير العالمي عن ما يجري في غزة هذه الأيام؟ صرخت بضمير كفى..قف..ماذا بيدي أن أفعل؟! أنا فرد أنا ضعيف لا حول لي ولا قوة؟! وبكل صراحة لا أخفيكم خشيت أن يواصل الضمير استنكاره واستفساره فيقول: أين حكام المسلمين؟! أين البرلمانات العربية؟! أين المؤسسات الحقوقية والقانونية والإنسانية؟! لماذا هذا الصمت الرهيب المخزي؟! خشيت أن يفضحني ضميري بمثل هذه الأسئلة، فأقع في حرج ومسائلة؟! فأنا كغيري سأضمن كسرة خبز لي ولأولادي..، فاستجمعت قواي أمام ضميري لأخرج من حرج الموقف والمعاتبة..فسددت سهام كلماتي للعامة من أمثالي وأمثالكم ..فمالي والسياسة،
أنا لا أعلم عن نيّاتيهم يعـلم الله بما قد أبرموا
إنما أسال عن مِلْيارنا عن بني قومي لماذا وجموا؟
أيُّها المِلْيارُ هل أنت على أرضنا؟ هل لك وجهٌ وفَمُ ؟!
أيُّها المليارُ لو ناصَرَنا منك مليونٌ لزال الألَمُ
لو بعثتم دِرْهَماً لابتسمتْ أُسَرٌ ليس لديها دِرْهَمُ
أيُّها المليارُ ، القدس على جُرُفٍ هارٍ، فأين الهِمَمُ ؟
إنما جرَّأ أعداء الهدى أننا نمنا، وهم لم ينموا
فيا مسلمون: هل نستقيظ؟ وهل سنبذل وسعنا في فعل الأسباب؟ فالدموع وحدها لن تجدي؟ ولن نبقى أمة تندب وتنوح؟ فلم لا نصارح أنفسنا كأفراد؟ فنحن نبخل على قضية فلسطين حتى بالزكاة المفروضة، ونبخل عليهم بمجرد الدعاء، أو حتى دريهمات الخبز والدواء؟ إن الله يحبُ أن يرى غيرتنا وهمنا لديننا وإخواننا، وعندها كن أخي على يقين أن الله لن يسألك إلا عما تستطيع وتقدر؟ فهل سألت نفسك بشفافية: هل بذلت جهدك بما تستطيع؟! أين الشعور بالجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى؟! لماذا نغضب ونطالب الآخرين بالقيام بواجبهم ولم نقم بالواجب الذي علينا مهما كان حجمه، فالناصر هو الله {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ}، بدرهم، بدعاء، بقلمِ صحفيٍ، بكلمةِ دعويٍ، بصورةِ إعلاميٍ، بتقريرِ إخباريٍ، بقرارِ سياسيٍ، فأوجه النصرة لا حصر لها، لكننا نخشى أن يتحرك بعض الغيورين من شبابنا للنصرة في الطريق الخطأ، كردود أفعال غاضبة متشنجة، فنحن نحتاج لتربية لمجاهدة أنفسنا وضبطها في مثل هذه الظروف؟ فلا يشك عاقل أن سياسات الحرمان والتجريد، والعزل والخنق، والقهر والاستذلال هي التي تُغذي التطرف وحب الانتقام وسلوك مسلك الإرهاب، لكن هذا لا يُبرر لأحد التشنج والتهور، بل نحتاج لتربية أنفسنا على التخطيط للفعل السليم في الوقت السليم، وليس رد فعل غاضب متشنج يُفسد أكثر مما يُصلح؟ فمثلاً: كيف سيجاهد بنفسه، من لم يجاهد بماله؟ كيف وبعض المسلمين يمن على إخوانه في غزة حتى مجرد المساعدة المادية من أجل طعام أو غطاء، أو شراب أو كساء؟ كيف والفضائيات العربية تغرق في بحور الشهوات المحرمة من رقص وعري ومجون، وكأن الأمر لا يعنيها؟ هلا سألناها عبر الرسائل والمداخلات وقد أخذت على عاتقها همّ الأمانة الصحفية والإعلامية..!! أين دورها في نصرة القضية؟! هلا طالبناهم بالقيام بواجبهم؟! وآداء الأمانة المهنية التي تحملوها؟! يا أمة العقيدة اسمعي هذه الكلمة وردديها: إن الأمة التي لا يعطيها أهلها إلا الفضلات من الهم والأعمال، والوقت والأموال، لا يمكن أن تعز أو تهز، ولا يمكن أبداً أن تهش أو تنش؟! إنها الأمانة التي أبت الأرض والسموات أن تحملها، فحملتها أنت أيها الإنسان، فهل بعد هذا تخون الأمانة، وتصبح صريعاً أسيراً للشهوات واللذات المحرمة..أيها المسلمون: افعلوا الأسباب وأروا الله من أنفسكم لإخوانكم خيراً، هكذا أيها المسلم اعقلها وتوكل، أما مجرد التباكي والتلاوم والصراخ فلن يُجدِي نفعاً؟! فتحرك أيها المسلم في أي موقع كنت، تحرك أخي ففي مقدورك كفرد الكثير، فـ"إنَما يرحمَ الله مِنْ عبادِهِ الرحماءَ"وصاحب القلب الرحيم يمسح على رأس اليتيم، ويطعم المسكين، وتدمع عينه لصرخات المكلومين، ويخفق قلبه لأنين المتوجعين، ويلهج لسانه بالدعاء لرب العالمين أن ينصر المستضعفين ويهلك المعتدين. فإذا فعلت ذلك فبعدها ردد: اللهم إن هذا الجهد وعليك التكلان، فأنت تعلم حالنا وضعفنا وقلة حيلتنا، فاحفظ إخواننا في غزة المنكوبة، وفي فلسطين كلها وسائر بلاد المسلمين. إخوة الإيمان: إن سحابة التنازع والاختلاف بين الإخوة في فلسطين..أمنية غالية لليهود، وفيها دروس ثمينة جداً لنا نحن المسلمين في كل مكان، فهل نستوعب الدرس، نسأل الله أن يوحد صف إخواننا في فلسطين، وأن يجمع بين كلمتهم، فهم بكل فخر أهل بطولة وشجاعة، وقد شرفهم الله بالدفاع عن الأقصى، واصطفى منهم شهداء وهي أمنية يتلهف لها الكثير، ورفع الله ذكرهم وبطولتهم في العالمين، ولا شك أن مما يُشهد به لهم طوال السنين: تماسكهم ووحدة صفهم في وجه عدوهم رغم تعدد الأحزاب والآراء، وهذا مصدر قوتهم وسلاحهم، وتلك وربي هي البطولة الحقيقية، وهي النصر وأي نصر، ونحن على يقين وفأل بمشيئة الله بعودة تماسكهم، فاتحدوا إخواننا ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب قوتكم {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ}، فتواصوا يا أهل فلسطين بسياسة ضبط النفس والتماسك، فدهاء عدوكم ومكره تزول منه الجبال، فالمسلمون في كل مكان ينتظرون منكم إخلاصاً للقضية، وتجرداً من حظوظ النفوس وأطماعها، ينتظرون قراراً شجاعاً بوضع الكف بالكف ودحض تلك المحاولات والمؤامرات الماكرة التي تريد الالتفاف على وحدتكم، فتماسكوا واصبروا وصابروا ورابطوا، ولا يضركم من خذلكم، فحسبكم أن الله معكم .
وأخيراً: لفلسطين التي يقتاتها..النسيانُ، والطغيانُ، والقهرُ..
لفلسطين التي يغتالها الإلحاد، والإشراك، والكفرُ.
لفلسطين التي في العين ، والقلبِ .
لإخوان لنا فيها ، لأحباب لنا فيها،
أقولُ تمسكوا بالدين. واصطبروا، ..فإن الدين منتصرٌ، وإن الكفر مندحرُ .
ومهما طالَ ليل الظلم،..ليل الذل..ليل القهر..سوف يزيله الإسلامُ.. نعم سوف يزيله الإسلام الصادق، فإن الظهور والغلبة في النهاية إن شاء الله تعالى للمسلمين الصادقين مهما طال الطريق وكثرت العقبات {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ*إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ*وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}.
وإن طوقتنا جيوش الظلام فإنا على ثقة بـالصباح
اللهم انصر إخواننا في فلسطين، اللهم أمّن خوفهم، واربط على قلوبهم، واحفظ دينهم، ووحد صفهم، وسدد رميهم، وقو عزيمتهم،واجمع كلمتهم. اللهم ليس لهم إلا أنت، وكفى بك نصيراً، اللهم أنت حسبهم وكفى بك حسيباً، اللهم لا حول لهم ولا قوة إلا بك، فلا تكلهم لأنفسهم طرفة عين، اللهم اجعل لهم من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا ، اللهم كن للأرامل واليتامى والمساكين، والمحصورين والمأسورين، اللهم رد عنهم كيد الكائدين، وعدوان الغاشمين، اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب اهزم اليهود وانصر المسلمين عليهم، اللهم اشدد وطأتك عليهم، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف. اللهم عليك باليهود ومن ناصرهم، فإنهم لا يعجزونك. اللهم مزقهم، وخالف بين قلوبهم وصفوفهم، اللهم إنك تعلم حال إخواننا، وتعلم حالنا وضعفنا وقلة حيلتنا فأعنا على القيام بحق إخواننا على الوجه الذي يرضيك عنا، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
لخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله..وبعد: اتقوا الله حقيقة التقوى، واعلموا أن أقدامنا على النار لا تقوى، وتذكروا أن حقيقة التقوى في السلوك والتطبيق، وأن الدين المعاملة.
عباد الله! غداً الامتحانات، نسأل الله أن يوفق ويسدد الطلاب والطالبات، وأن يعين الآباء والأمهات، والمعلمين والمعلمات، ونذكر الطلاب بأهمية الإخلاص في المذاكرة، وأن القصد العلم والانتفاع، وليس فقط الحفظ والنجاح، كما نُذكر الآباء بأهمية الاهتمام بالأبناء في أيام الاختبارات بالتوجيه والإعانة، ورعايتهم والرفق بهم، فهذا من أكبر المؤثرات على نتائج الطلاب ونجاحهم، وننبه الآباء ونحذرهم مما يجري عادة بمثل هذه المناسبات، خاصة في الصباح بعد خروج الطلاب والطالبات من التسكع والتفحيط وانتشار مروجي المخدرات، ولصوص الأعراض، فلا بد من حسن المتابعة لهم، فهذا أوان انتشار الشياطين، نعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق اللهم بارك لنا في أولادنا، وارزقهم التوفيق والنجاح، والصلاح والفلاح في الدنيا والآخرة، واجعلهم قرة عين لنا وللمسلمين في كل مكان، اللهم احفظ المسلمين المستضعفين في فلسطين، وفي كل مكان يارب العالمين، اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين في كل مكان بسوء فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه. اللهم اجمع كلمة المسلمين، ووفق قادتهم لنصرة المستضعفين في فلسطين، اللهم اجمع قلوبهم على التوحيد والقرآن، وألف بينهم وبين شعوبهم، ووحد صفوفهم، اللهم وفق ولاة أمورنا خاصة لخير الإسلام والمسلمين، واجعلهم مفاتيح خير مباركين، وملاذاً للمستضعفين والمساكين، اللهم فرج هم المهمومين، واشف مرضى المسلمين، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجميعن والحمد لله رب العالمين . فضيلة الشيخ ابراهيم الدويش