المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : موعد -- قصه قصيرة بقلمي



mars
29-12-2008, 22:25
دخل إلى ذلك المقهى المتواجد على ناصية الشارع ورمق المتواجدين بنظرة سريعة بحثاً عن مكان يجلس فيه
وقعت عيناه على طاولة بالقرب من النوافذ الزجاجية الكبيرة التي تطل على الاتجاهين اللذين يقبع المقهى على نقطة إلقائهما , توجه إليها و سحب الكرسي بعصبية و توتر بالغين مما أدى إلى صدور ذلك الصوت المزعج الذي غطى على الموسيقى الهادئة و الرومانسية التي كانت تعبث في أرجاء المكان .
توقف للحظات سريعة أدار فيها بصره بين وجوه المتواجدين التي رمقته بنظرة حانقه ورفع يده و هز برأسه إشارة إلى أسفه لما حصل .
جلس بهدوء على الكرسي و جعل وجهه قباله زجاج النافذة حتى يشاهد المارة في الشارع كأنه يبحث عن شيء ما
أمسك الجريدة التي كانت بحوذته و بدا يطالعها حيناً و بنظر إلى القادم البعيد حيناً آخر و حيناً يرمق ساعته بنظره عجلى

اقترب منه عامل المقهى و خاطبه بلهجة هادئة
- ماذا تريد سيدي
- فنجان قهوة حالياً
- كيف هي قهوتك
- حلوة
- حاضر
و أنصرف كما أتى بهدوء , أما هو فعاد برأسه إلى صفحات الجريدة ليطالع العناوين
مد يده إلى جيب سترته و اخرج هاتفه النقال ووضعه أمامه على الطاولة كأنه ينتظر اتصال مهماً
كان موقع طاولته الاستراتيجي يسمح له بمشاهدة كل قادم إلى المقهى حتى قبل أن يدخل , بل كان يسمح له بمراقبه المارة في الشارعين اللذين يطل المقهى عليهما , كانت عيناه تدوران في محجريهما و تبحثان في كل اتجاه تدققان في كل الوجوه النسائية العابرة
و يتساءل في قرارة نفسه ترى كيف تكون ؟ .... هل هي كما قالت أم أجمل ؟!!!
هل ستشبه الصورة التي رسمها لها في مخيلته أم أروع ؟؟!!
الكثير و الكثير من الأسئلة كانت تدور في رأسه
قطع عليه شروده صوت عامل المقهى و هو يقول له :
- تفضل قهوتك يا أستاذ
- شكرا لك
- هل تأمر بشيء آخر
- كلا شكراً
نظر إلى ساعته مرة أخرى و أحس بأن الزمن قد توقف و أن الوقت يسير ببطء شديد..
لقد حضر قبل الموعد بنصف ساعة لا يعلم لما
انه موعده الأول معها و لا يريد أن يتأخر ارتدى ملابسه و غيرها أكثر من مرة ... كذلك غير عطره أكثر من مرة حتى ان رائحته أصبحت كرائحة شخص يعمل في محل تعبئه عطورات , حتى ذقنه حلقها مرتين هذا الصباح

مع اقتراب الموعد كانت دقات قلبه تزداد قوة حتى خيّل له بأن كل من في المقهى يسمعونها و بدا ينظر إلى وجوههم نظرات سريعة مسروقة و يحدث نفسه هل يسمعون صوت قلبي يا ترى ؟؟؟!!

لقد بقي خمس دقائق على الموعد فقط
تعلق بصره بالباب المقابل في تلك اللحظة فتح الباب لتطل منه فتاة في مقتبل العمر وقفت لحظات و دارت ببصرها في ارجاء المكان ثم ارتسمت على وجهها ابتسامة خفيفة ساحرة و رفعت يدها عن الباب الذي كانت تدفعه و دخلت بهدوء إنها تتجه نحوه بخطى ثابته
أصبحت دقات قلبه لأكثر عنفاً تمنى ألا تصل أبداً
بدء يشعر بحرارة الجو رغم أن الفصل بداية الشتاء بدأت قطرات من العرق البارد تتسلل من مسام جلد جبينه
هل يقف و يذهب لاستقبالها ؟؟!!
كانت تقترب أكثر و أكثر
وضع يديه على الطاولة و حاول الوقوف
لقد وصلت إلى جانب الطاولة و مرت حتى بدون أن تلقي نظرة واحدة إليه
أراد أن يصرخ و يقول الست أنت و يناديها باسمها

لكنه قرر الصمت و تابعها بنظراته وهي تختفي بين سحب الدخان المتصاعد من الاراجيل و سجائر التبغ مبتعدة باتجاه طاولة تقبع في ركن قصي من المقهى كان ينتظرها هناك قريب أو حبيب

تنفس الصعداء و عاود الجلوس بهدوء و في قرارة نفسه كأنه تمنى ألا تأتي أبداً أو على الأقل ألا تكون هي
أمسك فنجان قهوته و رفعه إلى شفتيه و استمتع بطعم القهوة , وضع يده في جيب سترته كأنما يبحث عن شيء ما
آه صحيح لقد اقلع عن التدخين

ابتسم وهو يتذكر ذلك

لقد بدأت تتأخر و اخذ الوقت يزداد بطئاً كان ينظر إلى عقارب الساعة في يده كأن هناك ما يشدها إلى الخلف وهي تقاوم جاهدة للسير قدماً
ألقى بيده بعصبية واضحة على جريدته فوق الطاولة و سحبها أمام وجهه بعنف و بدأت نظراته تضيع بين السطور و بدأت الكلمات تتمازج مع بعضها البعض ..
نظر إلى هاتفه المحمول و كأنه ينتظر قدوم شيء منه وضع يده عليه و بدا يحركه بحركات دائرية فوق الطاولة و كأنه يبحث عن إشارة ما
لقد انقضى الموعد و مرت خمس دقائق

عشر دقائق

ربع ساعة

أمسك الهاتف و بحث بين الأسماء و قرر الاتصال ضغط على زر الاتصال و انتظر

عزيزي المتصل إن الرقم المطلوب مغلق أو خارج نطاق التغطية يرجى المحاوله لاحقاً
أنهى الاتصال و نهض .. وضع الهاتف في جيبه و اخرج محفظة النقود و استل منها قطعة نقدية ورقية رماها بجانب فنجان القهوة و تحرك باتجاه الباب بخطى ثقيله ناسياً جريدته

فتح الباب شعر ببروده الجو تلفه وجهه الساخن وضع يديه في جيبه و رفع كتفيه في محاولة لدفن رقبته في الدفء وهو يرتجف قليلاً من البرد و يقووول "" آح """

و أحس بقطرات المطر التي بدأت تتساقط معلنة قدوم شتاء جديد .. رفع نظره إلى السماء ليشاهد الوافد الجديد إلى الأرض بعد غياب طويل .
ومن ثم أسرع الخطى باتجاه الكشك الموجود في الطرف المقابل للشارع وقف أمامه و ابتاع لنفسه علبه سجائر فاخرة
فتحها برفق و اخرج منها سيجاره تمناها منذ قليل مع فنجان القهوة وضعها في فمه و أشعلها و أخذ منها نفساً عميقاً أشعره بالدفء الكاذب و أخرج الدخان من فمه بنفخة طويلة هادئة كأنما يريد بها أن تخفي كل الكون

ومضى من جديد يسير ببطء و مشاعر كثيرة تتصارع في داخله و حبات المطر تسقي أحزانه و تطهر ما بقي من روحة

شام
29-12-2008, 23:16
رائع يا مارس
عهدي بفكرك كما هو
وقلمك الحر كما هو
وقصة رسمت ملامح ابداعية
لك فائق التقدير والاحترام

mars
30-12-2008, 22:19
شام يشرفني هذا التواجد هنا بين سطوري