هند القاضي
08-08-2008, 21:16
محبطات الأعمال
الحمد لله، معز من أطاعه واتقاه، ومذل من أضاع أمره وعصاه، وفق أهل طاعته لما يحبه ويرضاه، وأصلي وأسلم على خير عبد اجتباه، وأفضل رسول اصطفاه، نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبعد
فقد تحدثت في العدد الماضي عن شروط قبول الأعمال، وتأسيًا بالصحابي الجليل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه في قوله «كان الناس يسألون رسول الله عن الخير، وكنت أسأل عن الشر مخافة أن يدركني» متفق عليه
وقول الشاعر الحكيم عرفت الشَّرَ لا للشر لكن لتوقيه
ومن لا يعرف الشر من الخير يقع فيه
أحببت أن أذكّر نفسي وإخواني وأخواتي بمحبطات الأعمال، نسأل الله السلامة والعافية لنا وللمسلمين والمسلمات من أي قول أو عمل من شأنه يحبط أعمال العبد، لأن الحسرة تكون كبيرة عندما يقوم العبد بعملٍ من الأعمال، وقد يبذل فيه جهدًا ثُمَّ لا ينال من ورائه خيرًا
ولقد كان السَّلَفُ الصالح يخافُونَ ألا يُتقبَّل منهم عَمَلُهُمْ
سألت أم المؤمنين عائشةُ رضي الله عنها رسول الله عن أهل هذه الآية وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ المؤمنون 60، أهمُ الذين يزنون ويسرقون ويشربون الخمر؟ قال «لا يا ابنة الصِّديق، ولكنهم الذين يصلون ويصومون ويتصدقون ويخافون ألا يُقبل منهم» صحيح ابن ماجه
من أسباب محبطات الأعمال «الشرك»
قال الله تعالى وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ الزمر 65
والمعنى لئن أشركت ليبطلنَّ عملك الصالح، ولتكونَنَّ في الآخرة من جملة الخاسرين بسبب ذلك، وهذا على سبيل الفرض والتقدير، وإلا فالرسول قد عصمه الله وحاشاه له أن يشرك بالله، وهو الذي جاء لإقامة صرح التوحيد
وقال تعالى بعد ذكر جملة من الأنبياء ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ الأنعام 88
والمعنى أنَّ هؤلاء الأنبياء المذكورين لو أشركوا بالله لحبطت أعمالهم، وهذا شرط، والشرط لا يقتضي جواز الوقوع
فالشرك إذا خالط العبادة أفسدها وأحبط العمل وصار صاحبه من الخالدين في النار، قال الله تعالى مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ التوبة 17 ، فالعبادة لا تُسمى عبادة إلا مع التوحيد، كما أن الصلاة لا تسمى صلاة إلا مع الطهارة، فإذا دخل الشرك فيها فسدت كالحدث إذا دخل في الصلاة وقد وعد الله تعالى بالمغفرة لمن لقيه لا يشرك به
عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم«قال الله تعالى يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثُم لقيتني لا تُشرك بي شيئًا، لأتيتك بقرابها مغفرةً» صحيح الجامع 4338
وقد دَلَّ هذا الحديث على أنَّ الإنسان مهما أتى من ذنوب، واقترف من آثام، ولكنه سلم من الإشراك بدَّل الله سيئاته حسنات، وآتاه بدل هذه الذنوب مغفرة، فظهر أنَّ الذنوب تتضاءل أمام عقيدة التوحيد، وأن بركتها تغشى المذنب فتمحو خطاياه، كما أن للشرك شؤمًا وظلمة تغطي على جميع الحسنات، وتحبط جميع العبادات، فكان الفاسق الموحد خيرًا من المتقي المشرك
عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم«أتى جبريل، فقال بشِّر أمتك أنه من مات لا يُشرك بالله شيئًا دخل الجنة، قلت يا جبريل، وإن سرق وإن زنا ؟ قال نعم، قلت وإن سرق وإن زنا ؟ قال نعم، قلت وإن سرق وإن زنا ؟ قال نعم، وإن شرب الخمر» صحيح الجامع 66
والشرك يمنع من شفاعة النبي
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم«لكلِّ نبي دعوةٌ مستجابة، فتعجل كلُّ نبي دعوته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يُشرك بالله شيئًا» رواه مسلم
ألا وإن َّ من مظاهر الشرك دُعاء غير الله فمن دعا أحدًا غير الله فقد عبده، فإنَّ الله سمى الدعاء عبادة، قال تعالى وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ غافر60 وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم«الدُّعاءُ هو العبادة» صحيح أبي داود1329
وقال تعالى حاكيًا عن خليله إبراهيم عليه السلام وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنَا نَبِيًّا مريم 48، 49، فسمى الله الدعاء عبادة
وقد أفصح القرآن في مواضع بالنهي عن دعاء غير الله فقال تعالى وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا الجن 18
وأخبر سبحانه أنَّ دعاء غيره ظلم، فقال تعالى وَلاَ تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنْفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ يونس106 ، وقال تعالى وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ الرعد 14 ، والمعنى وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ أي من دون الله من سائر المعبودات، لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ أي لا يجيبونهم بإعطائهم شيئًا مما يطلبون منهم، إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ أي إلا كاستجابة من بسط يديه، أي فتحهما ومدهما إلى الماء، والماء في قعر البئر فلا كفاه تصل إلى الماء ولا الماء يصل إلى كفيه وهو عطشان، ويظل كذلك حتى يهلك عطشًا، هذا مثل من يعبد غير الله تعالى بدعاء أو ذبح أو نذر أو خوف أو رجاء فهو محروم الاستجابة خائب في مسعاه، ولن تكون له عاقبة إلا النار والخسران، فليس هناك معبود مع الله يصح أن يُدعى، فهو سبحانه دافع الضر ومالك النفع، المتفرِّدُ بالملك والقهر والعطاء، بيده وحَدهُ ملكوتُ كل شيء، قضاؤه نافذٌ، وقدرُهُ كائنٌ، لا مانعَ لما أعطى، ولا معطي لما منعَ، هو سبحانه المؤمَّل وحده لكشف كلِّ بلاءٍ، ودفع كلِّ بأساءٍ، قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ الزمر38، ومنها النذر لغير الله، مثل أن يقول لفلان عليَّ نذر، أو لهذا القبر عليَّ نذر، وحكم النذر لغير الله شرك، لأنه عبادة للمنذور له، وإذا كان عبادة، فقد صرفها لغير الله، ومنها الذبح لغير الله الذبحُ عبادة أمر الله بها وقرنها بأهم أركان الدين الصلاة، فقال تعالى إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ الكوثر1،2، والمراد بالنحر الذبح، أي اجعل نحرك لله، كما أنَّ صلاتك له، قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ الأنعام162،163، فلا يجوز لمسلم أن يذبح لغير الله، فإنْ فعلَ فقد أشرك، وقد لعن رسول الله من ذبح لغير الله، عن علي رضي الله عنه قال حدثني رسول الله بأربع كلماتٍ «لَعَنَ اللهُ من ذبح لغير الله، لعن اللهُ من لَعَنَ والديه، لعن اللهُ من آوى محدثًا، لعن الله مَن غيَّرَ منارَ الأرض» رواه مسلم
واللعن من الله الطرد والإبعاد عن رحمة الله
منها الطواف حول الأضرحة والقبور
الطواف عبادة، وقد تعبَّدنا الله بالطواف حول بيته العتيق قال تعالى ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ الحج29
وعليه فمن طاف ببيت غير بيت الله من قبر أو ضريح أو مشهد أو غير ذلك معظمًا لما يطوف متقربًا إليه أو به، فقد ابتدع وأشرك، وطوافه ذلك شرك أكبر، وبدعة ضلالة، ومن أشنع البدع وأقبحها لما فيه من التشريع، وهو حق الله تعالى وحده دون سواه، فلا يجوز لمسلم أن يطوف بأي بناء، أو أن يتمسح بأي جدار، أو يُقبّل حجرًا غير الحجر الأسود، فالذي يطوف بالقبور والقباب، ويُقبَّل الأعتاب، ويتمسح بالجدران، والحديد المنصوب حول الضريح فقد أشرك
فالتوحيد التوحيد، قال ابن عيينة رحمه الله ما أنعم الله على عبد من العباد نعمة أعظم من أن عرَّفهم «لا إله إلا الله»، فالهدايةُ للتوحيد فضلُ الله يؤتيه من يشاء، قال الله تعالى عن يوسف الصديق عليه السلام قوله مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ يوسف38
«اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم» صحيح الترغيب
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى
مجلة التوحيد
الحمد لله، معز من أطاعه واتقاه، ومذل من أضاع أمره وعصاه، وفق أهل طاعته لما يحبه ويرضاه، وأصلي وأسلم على خير عبد اجتباه، وأفضل رسول اصطفاه، نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبعد
فقد تحدثت في العدد الماضي عن شروط قبول الأعمال، وتأسيًا بالصحابي الجليل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه في قوله «كان الناس يسألون رسول الله عن الخير، وكنت أسأل عن الشر مخافة أن يدركني» متفق عليه
وقول الشاعر الحكيم عرفت الشَّرَ لا للشر لكن لتوقيه
ومن لا يعرف الشر من الخير يقع فيه
أحببت أن أذكّر نفسي وإخواني وأخواتي بمحبطات الأعمال، نسأل الله السلامة والعافية لنا وللمسلمين والمسلمات من أي قول أو عمل من شأنه يحبط أعمال العبد، لأن الحسرة تكون كبيرة عندما يقوم العبد بعملٍ من الأعمال، وقد يبذل فيه جهدًا ثُمَّ لا ينال من ورائه خيرًا
ولقد كان السَّلَفُ الصالح يخافُونَ ألا يُتقبَّل منهم عَمَلُهُمْ
سألت أم المؤمنين عائشةُ رضي الله عنها رسول الله عن أهل هذه الآية وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ المؤمنون 60، أهمُ الذين يزنون ويسرقون ويشربون الخمر؟ قال «لا يا ابنة الصِّديق، ولكنهم الذين يصلون ويصومون ويتصدقون ويخافون ألا يُقبل منهم» صحيح ابن ماجه
من أسباب محبطات الأعمال «الشرك»
قال الله تعالى وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ الزمر 65
والمعنى لئن أشركت ليبطلنَّ عملك الصالح، ولتكونَنَّ في الآخرة من جملة الخاسرين بسبب ذلك، وهذا على سبيل الفرض والتقدير، وإلا فالرسول قد عصمه الله وحاشاه له أن يشرك بالله، وهو الذي جاء لإقامة صرح التوحيد
وقال تعالى بعد ذكر جملة من الأنبياء ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ الأنعام 88
والمعنى أنَّ هؤلاء الأنبياء المذكورين لو أشركوا بالله لحبطت أعمالهم، وهذا شرط، والشرط لا يقتضي جواز الوقوع
فالشرك إذا خالط العبادة أفسدها وأحبط العمل وصار صاحبه من الخالدين في النار، قال الله تعالى مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ التوبة 17 ، فالعبادة لا تُسمى عبادة إلا مع التوحيد، كما أن الصلاة لا تسمى صلاة إلا مع الطهارة، فإذا دخل الشرك فيها فسدت كالحدث إذا دخل في الصلاة وقد وعد الله تعالى بالمغفرة لمن لقيه لا يشرك به
عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم«قال الله تعالى يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثُم لقيتني لا تُشرك بي شيئًا، لأتيتك بقرابها مغفرةً» صحيح الجامع 4338
وقد دَلَّ هذا الحديث على أنَّ الإنسان مهما أتى من ذنوب، واقترف من آثام، ولكنه سلم من الإشراك بدَّل الله سيئاته حسنات، وآتاه بدل هذه الذنوب مغفرة، فظهر أنَّ الذنوب تتضاءل أمام عقيدة التوحيد، وأن بركتها تغشى المذنب فتمحو خطاياه، كما أن للشرك شؤمًا وظلمة تغطي على جميع الحسنات، وتحبط جميع العبادات، فكان الفاسق الموحد خيرًا من المتقي المشرك
عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم«أتى جبريل، فقال بشِّر أمتك أنه من مات لا يُشرك بالله شيئًا دخل الجنة، قلت يا جبريل، وإن سرق وإن زنا ؟ قال نعم، قلت وإن سرق وإن زنا ؟ قال نعم، قلت وإن سرق وإن زنا ؟ قال نعم، وإن شرب الخمر» صحيح الجامع 66
والشرك يمنع من شفاعة النبي
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم«لكلِّ نبي دعوةٌ مستجابة، فتعجل كلُّ نبي دعوته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يُشرك بالله شيئًا» رواه مسلم
ألا وإن َّ من مظاهر الشرك دُعاء غير الله فمن دعا أحدًا غير الله فقد عبده، فإنَّ الله سمى الدعاء عبادة، قال تعالى وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ غافر60 وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم«الدُّعاءُ هو العبادة» صحيح أبي داود1329
وقال تعالى حاكيًا عن خليله إبراهيم عليه السلام وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنَا نَبِيًّا مريم 48، 49، فسمى الله الدعاء عبادة
وقد أفصح القرآن في مواضع بالنهي عن دعاء غير الله فقال تعالى وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا الجن 18
وأخبر سبحانه أنَّ دعاء غيره ظلم، فقال تعالى وَلاَ تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنْفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ يونس106 ، وقال تعالى وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ الرعد 14 ، والمعنى وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ أي من دون الله من سائر المعبودات، لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ أي لا يجيبونهم بإعطائهم شيئًا مما يطلبون منهم، إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ أي إلا كاستجابة من بسط يديه، أي فتحهما ومدهما إلى الماء، والماء في قعر البئر فلا كفاه تصل إلى الماء ولا الماء يصل إلى كفيه وهو عطشان، ويظل كذلك حتى يهلك عطشًا، هذا مثل من يعبد غير الله تعالى بدعاء أو ذبح أو نذر أو خوف أو رجاء فهو محروم الاستجابة خائب في مسعاه، ولن تكون له عاقبة إلا النار والخسران، فليس هناك معبود مع الله يصح أن يُدعى، فهو سبحانه دافع الضر ومالك النفع، المتفرِّدُ بالملك والقهر والعطاء، بيده وحَدهُ ملكوتُ كل شيء، قضاؤه نافذٌ، وقدرُهُ كائنٌ، لا مانعَ لما أعطى، ولا معطي لما منعَ، هو سبحانه المؤمَّل وحده لكشف كلِّ بلاءٍ، ودفع كلِّ بأساءٍ، قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ الزمر38، ومنها النذر لغير الله، مثل أن يقول لفلان عليَّ نذر، أو لهذا القبر عليَّ نذر، وحكم النذر لغير الله شرك، لأنه عبادة للمنذور له، وإذا كان عبادة، فقد صرفها لغير الله، ومنها الذبح لغير الله الذبحُ عبادة أمر الله بها وقرنها بأهم أركان الدين الصلاة، فقال تعالى إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ الكوثر1،2، والمراد بالنحر الذبح، أي اجعل نحرك لله، كما أنَّ صلاتك له، قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ الأنعام162،163، فلا يجوز لمسلم أن يذبح لغير الله، فإنْ فعلَ فقد أشرك، وقد لعن رسول الله من ذبح لغير الله، عن علي رضي الله عنه قال حدثني رسول الله بأربع كلماتٍ «لَعَنَ اللهُ من ذبح لغير الله، لعن اللهُ من لَعَنَ والديه، لعن اللهُ من آوى محدثًا، لعن الله مَن غيَّرَ منارَ الأرض» رواه مسلم
واللعن من الله الطرد والإبعاد عن رحمة الله
منها الطواف حول الأضرحة والقبور
الطواف عبادة، وقد تعبَّدنا الله بالطواف حول بيته العتيق قال تعالى ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ الحج29
وعليه فمن طاف ببيت غير بيت الله من قبر أو ضريح أو مشهد أو غير ذلك معظمًا لما يطوف متقربًا إليه أو به، فقد ابتدع وأشرك، وطوافه ذلك شرك أكبر، وبدعة ضلالة، ومن أشنع البدع وأقبحها لما فيه من التشريع، وهو حق الله تعالى وحده دون سواه، فلا يجوز لمسلم أن يطوف بأي بناء، أو أن يتمسح بأي جدار، أو يُقبّل حجرًا غير الحجر الأسود، فالذي يطوف بالقبور والقباب، ويُقبَّل الأعتاب، ويتمسح بالجدران، والحديد المنصوب حول الضريح فقد أشرك
فالتوحيد التوحيد، قال ابن عيينة رحمه الله ما أنعم الله على عبد من العباد نعمة أعظم من أن عرَّفهم «لا إله إلا الله»، فالهدايةُ للتوحيد فضلُ الله يؤتيه من يشاء، قال الله تعالى عن يوسف الصديق عليه السلام قوله مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ يوسف38
«اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم» صحيح الترغيب
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى
مجلة التوحيد