مشاهدة النسخة كاملة : •°ღ°• امير القصة العربية •°ღ°•
http://3arabstar.info/up/uploads/fb7c307fde.gif (http://3arabstar.info/up)
*
*
قليلون فقط هم الذين يملكون آراء شخصية, وأقل منهم أولئك الذين يستطيعون الجهر بآرائهم تلك دون وجل في حضرة الناس, ونادرون هم أولئك الجريئون الذين يستطيعون الذود عن آرائهم إذا هوجمت, وأقل القليلين هو من تتفق له الجرأة والمنطق فيستطيع ليس فقط أن يعبر عن رأيه ويدافع عنه إذا هوجم, ولكنه يستطيع فوق هذا إقناع الناس به.نادرون جداً أولئك الناس, ولكن هذا لا ينفى الحقيقة. والحقيقة أن كلا منا حكيم في حدود , ولكن ليس كل منا قادرا علي التبشير بحكمته " .
(http://3arabstar.info/up)http://3arabstar.info/up/uploads/903b51e917.gif (http://3arabstar.info/up)
اخوانى الاعزاء
لنا هنا وقفة
بالتعرف على اسطورة القصة القصيرة
واشهر كتابها على الاطلاق
الا وهو
الاديب الرائع
«®°·.¸.•°°·.¸¸.•°°·.¸.•°®»يوســـف ادريـــس«®°·.¸.•°°·.¸¸.•°°·.¸.•°®»
(http://3arabstar.info/up)http://3arabstar.info/up/uploads/da32a714ee.jpg (http://3arabstar.info/up)
(http://3arabstar.info/up)http://3arabstar.info/up/uploads/903b51e917.gif (http://3arabstar.info/up)
يوسف إدريس علي.. أمير القصة العربية، من مواليد 19 مايو 1927م في البيروم الشرقية
. مفكر وأديب مصري كبير، قدم للأدب العربى عشرين مجموعة قصصية وخمس روايات وعشر مسرحيات.
ترجمت أعماله إلى 24 لغة عالمية منها 65 قصة ترجمت إلى الروسية.
كتب عدة مقالات هامة في الثمانينيات بجريدة الاهرام صدرت في كتاب فقر الفكر وفكر القصة و أشهر المجددين في فنونها
.تخرج في كلية الطب عام 1952 ، ثم حصل على دبلوم الأمراض النفسية ، ودبلوم الصحة العامة.
شارك في تحرير أول مجلة يصدرها الجيش بعد قيام ثورة يوليو وهي مجلة التحرير التي صدرت في سبتمبر .1952
بدأ كتابة القصة القصيرة منذ وقت مبكر بعد التحاقه بكلية الطب ، وجذبت قصصه الأولى الانتباه إلى أن اسم يوسف إدريس سيصبح من الأسماء اللامعة في فترة وجيزة وهو ما حدث بالفعل خاصة بعد كتابة قصة " أنشودة الغرباء "
والتي نشرت في مجلة " القصة " عام 1950 ، ثم تابع نشر قصصه في مجلة " روز اليوسف " ، ثم قدمه عبد الرحمن
الخميسي إلى قراء جريدة " المصرى " التي كان ينشر فيها قصصه بانتظام أصدر يوسف إدريس مجموعته القصصية
الأولى " أرخص ليالي " عام 1954 ، وقد لاقت ترحيبا كبيرا من النقاد والقراء.
(http://3arabstar.info/up)http://3arabstar.info/up/uploads/903b51e917.gif (http://3arabstar.info/up)
يتبع
*
*
(http://3arabstar.info/up)
*
*
http://3arabstar.info/up/uploads/903b51e917.gif (http://3arabstar.info/up)
http://3arabstar.info/up/uploads/a771b20232.jpg (http://3arabstar.info/up)
حصل على جائزة الدولة التشجيعية في الأدب عام 1966م والتشجيعية عام 1991م،
ويقول دنيس جونسون ديفز إن أسمه كان ضمن أسماء المرشحين المحتملين لنيل جائزة نوبل للأداب عام 1988م والتي حظي بها الأديب العالمي نجيب محفوظ .
كما أنه واحد من أشهر الأطباء الذين تركوا الطب ليمتهنوا الأدب.
كان يتلمس الالغام الاجتماعية المحرمة ويتعمد تفجيرها بقلمه وظل يتمتع بحيوية الرفض لكل ما يحد من حريةالانسان في كل ما يكتب.
جدير بالذكر انّ الاقصوصة في العالم العربي قبل سنوات الخمسين كانت ما تزال في مراحلها وخطواتها الأولى ،
ثمّ جاء يوسف إدريس ورسّخها وثبّت أقدامها ونقلها من المحليّة إلى العالميّة.
http://3arabstar.info/up/uploads/903b51e917.gif (http://3arabstar.info/up)
حين سئل يوسف إدريس عن تعريف القصة القصيرة، فقط.. أشرع كفه وحك إبهامه بالوسطي، محدثا تلك الطرقعة الشهيرة، الدالة علي المباغتة والاكتناز والسرعة والتكثيف والإيجاز..
هكذا عرف إدريس القصة القصيرة وهكذا كان يكتبها وبتعريفه هذا اختصر إدريس كتبا كثيرة حاولت استكناه ملامح وجماليات أكثر الفنون قدرة علي المراوغة والخداع
http://3arabstar.info/up/uploads/903b51e917.gif (http://3arabstar.info/up)
إختار يوسف إدريس مواضيع مسحوبة من حياة الإنسان العربي المهمّش.
إدريس خلق أقصوصة عربيّة، بلغة عربيّة مصرية قريبة من لغة الإنسان العادي وبذلك نقلها من برجها العاجي إلى لغة التخاطب اليومي.
ووفقا للنقاد فإن رؤية إدريس الأدبية والفكرية تستند إلى حساسية فائقة وإدراك نافذ لمظاهر الوجود الإنساني وحقائقه، أكثر مما تستند إلى "معرفة " معلوماتية محدودة، ويجمعون علي أن كتابته تتسم بمعرفة عميقة للواقع
الاجتماعي المصري وبأسلوب ساخر تشوبه روح الفكاهة معتمداً على استعمال اللغة العامية في أغلب الحوارات
http://3arabstar.info/up/uploads/903b51e917.gif (http://3arabstar.info/up)
وبالنسبة لشخصيات قصصه نلمس أنّه ثمّة نمطين من أنماط الشّخصيّة القصصيّة يركز إدريس عليهما وهما على النحو التالي:
1. شخصيّة المرأة باعتبار أنّ المرأة عنصرًا مسحوقًا ومهمّشًا أكثر من غيره، فنذر حياته للدّفاع عنها وللكتابة من أجلها .
2. الشّخصيات الرّجوليّة وهي شخصيّات ،بمعظم الحالات، من قاعدة الهرم، من الشريحة المظلومة في مصر .
فشخصياته معظمها تمثيل للإنسان المصري الذي يعيش على هامش الحياة المصرية بكل مستوياتها .
وقد شهد نهج يوسف إدريس في كتابة الفصّة القصيرة تغيّرًا جذريًا، في نهاية الخمسينيات وااوائل الستينيات.
فالتصوير الواقعي، البسيط، للحياة كما هي في الطبقات الدنيا من المجتمع الريفي، وفي حواري القاهرة، يتلاشى، ويظهر نمط للقصّة أكثر تعقيدًا.
وتدريجيًا، أصبحت المواقف والشخصيات أكثر عموميّة وشموليّة، إلى أن قارب نثره تجريد الشعر المطلق .
ويشيع جو من التشاؤم، وينغمس أبطال القصص في الاستبطان والاحتدام، ويحل التمثيل الرمزي للموضوعات الأخلاقية والسياسية محل الوصف الخارجي والفعل المتلاحق .
http://3arabstar.info/up/uploads/903b51e917.gif (http://3arabstar.info/up)
ظهرت موهبة ادريس فى مجموعته ""العسكرى الأسود "" التى صدرت عام 1955 والتى وصفها أحد النقاد بأنها تجمع بين سمات (دستوفسكى ) وسمات (كافكا) .
http://3arabstar.info/up/uploads/903b51e917.gif (http://3arabstar.info/up)
يتبع
*
*
*
*
http://3arabstar.info/up/uploads/903b51e917.gif (http://3arabstar.info/up)
" صعاب الحياة هي الحياة، وأن نحيا معناها التغلب علي هذه الصعاب، فالحياة ليست نزهة أو وليمة ، إنها معركة ..
من لا يحاربها ميت وان ظلت تحمله الأقدام"
http://3arabstar.info/up/uploads/903b51e917.gif (http://3arabstar.info/up)
ويقول عميد الأدب العربى ( طه حسين ) أجد فيه من المتعة و القوة و دقة الحس ورقة الذوق وصدق الملاحظة و براعة الأداء مثل ما وجدت فى كتابه الأول (أرخص ليالى )على تعمق للحياة وفقه لدقائقها و تسجيل صارم لما يحدث فيها
ويقول عنه الناقد سمير عمر: من الباب الملكي للأدب والأدباء دخل علينا يوسف إدريس أميرا للقصة العربية وكاتبا متميزا رافعا اسم مصر في العالم العربي، عاش حياته على فوهة بركان فقد كان يتلمس الألغام الاجتماعية المُحرمة ويتعمد تفجيرها بقلمه وظل يتمتع بحيوية الرفض لكل ما يحد من حرية الإنسان في كل ما يكتب.
كما قال الناقد أسامة عفيفي : إن إدريس رغم إنجازاته الإبداعية ظل كاتبا هاويا لكنه كان دائما متمردا محترفا وقناصا بارعا يعرف كيفية اقتناص الجمال في فوضى الحياة .
http://3arabstar.info/up/uploads/903b51e917.gif (http://3arabstar.info/up)
أعماله
مجموعات قصص قصيرة
أرخص ليالي. 1954 وهي أوّل مجموعة قصصية ليوسف إدريس
جمهورية فرحات
أليس كذلك.
قاع المدينة.
لغة الآي آي.
بيت من لحم 1971.
آخر الدنيا.
البطل.
النداهة.
أنا سلطان قانون الوجود.
حادثة شرف.
مشوار .
أحمد المجلس البلدي.
روايات
العيب 1962.
الحرام 1959.
العسكري الأسود.
البيضاء (رواية).
مسرحيات
ملك القطن.
المهزلة الأرضية.
الجنس الثالث.
الفرافير 1964.
المخططين.
البهلوان.
اللحظة الحرجة.-
آخر مؤلفاته " الأب الغائب"
http://3arabstar.info/up/uploads/903b51e917.gif (http://3arabstar.info/up)
- الجوائز التي حصل عليها :
حصل على جائزة عبد الناصر في الآداب عام 1969 ، وجائزة صدام حسين للآداب عام 1980
حصل على جائزة الدولة التقديرية عام1990 .
.توفى في 1/8/1991
http://3arabstar.info/up/uploads/903b51e917.gif (http://3arabstar.info/up)
رحل يوسف ادريس ليترك بصماته على تطور القصة العربية وتأثيراته الظاهرة على عدد من الأدباء الشبان والعالم العربى
يوسف إدريس رحل وما زال متربعاً علي عرش القصة القصيرة، أراد أن يغير العالم من حوله
فكان يقول "أسوأ ما فينا إننا نفكر بطريقة ونحيا بطريقة أخري، أسوأ ما فينا هو ركوننا للعادة ".
http://3arabstar.info/up/uploads/903b51e917.gif (http://3arabstar.info/up)
اعتقد ان هذه المقولة ليوسف ادريس صحيحة الى حد كبير بالنسبة للكثير منا
كما ان واقع الحال يفرض علينا كثير التعايش على هذه الوتيرة
اعتقد ان يوسف ادريس كان فيلسوف نابغة بالفعل
الا تعتقدون معى ذلك؟؟!!
http://3arabstar.info/up/uploads/903b51e917.gif (http://3arabstar.info/up)
وتقديرا لهذا الكاتب المبدع
سنتناول معا فى صفحاتنا التالية كل ما يتوفر من قصصه القصيرة
وسنعرضها تباعا ونحاول معا تفهمها والتعمق بها والخروج على مواطن الابداع فيها
وسابدأ معكم اشهر قصصه على الاطلاق والتى ما زالت تدرس لطلاب الادب والقصة
قصة ...((نظرة))
فلنتابع
http://3arabstar.info/up/uploads/903b51e917.gif (http://3arabstar.info/up)
*
*
*
*
نظـــــــرة
http://3arabstar.info/up/uploads/903b51e917.gif
كان غريبا أن تسأل طفلة صغيرة مثلها إنسانا كبيرا مثلي لا تعرفه في بساطة وبراءة أن يعدل من وضع ما تحمله،
وكان ما تحمله معقدا حقا ففوق رأسها تستقر «صينية بطاطس بالفرن»، وفوق هذه الصينية الصغيرة يستوي حوض واسع من الصاج مفروش بالفطائر المخبوزة، وكان الحوض قد انزلق رغم قبضتها الدقيقة التي استماتت عليه حتي أصبح ما تحمله كله مهددا بالسقوط.
ولم تطل دهشتي وأنا أحدق في الطفلة الصغيرة الحيري، وأسرعت لإنقاذ الحمل، وتلمست سبلا كثيرة وأنا أسوي الصينية فيميل الحوض، وأعدل من وضع الصاج فتميل الصينية. ثم أضبطهما معا فيميل رأسها هي.
ولكنني نجحت أخيراً في تثبيت الحمل، وزيادة في الاطمئنان نصحتها أن تعود إلي الفرن وكان قريبا، حيث تترك الصاج وتعود فتأخذه.
ولست أدري ما دار في رأسها، فما كنت أري لها رأسا وقد حجبه الحمل. كل ما حدث أنها انتظرت قليلا لتتأكد من قبضتها ثم مضت وهي تغمغم بكلام كثير، لم تلتقط أذناي منه غير كلمة (ستي)..
ولم أحول عيني عنها وهي تخترق الشارع العريض المزدحم بالسيارات، ولا عن ثوبها الواسع المهلهل الذي يشبه قطعة القماش التي ينظف بها الفرن، أو حتي عن رجليها اللتين كانتا تطلان من ذيله الممزق كمسمارين رفيعين.
وراقبتها في عجب وهي تنشب قدميها العاريتين كمخالب الكتكوت في الأرض، وتهتز وهي تتحرك، ثم تنظر هنا وهناك بالفتحات الصغيرة الداكنة السوداء في وجهها، وتخطو خطوات ثابتة قليلة، وقد تتمايل بعض الشيء ولكنها سرعان ما تستأنف المضي.
راقبتها طويلا حتي امتصتني كل دقيقة من حركاتها، فقد كنت أتوقع في كل ثانية أن تحدث الكارثة.
وأخيراً استطاعت الخادمة الطفلة أن تخترق الشارع المزدحم في بطء كحكمة الكبار.
واستأنفت سيرها علي الجانب الآخر، وقبل أن تختفي شاهدتها تتوقف ولا تتحرك.
وكادت عربة تدهمني وأنا أسرع لإنقاذها. وحين وصلت كان كل شيء علي ما يرام والحوض والصينية في أتم اعتدال،
أما هي فكانت واقفة في ثبات تتفرج، ووجهها المنكمش الأسمر يتابع كرة من المطاط يتقاذفها أطفال في مثل حجمها وأكبر منها، وهم يهللون ويصرخون ويضحكون.
ولم تلحظني، ولم تتوقف كثيرا، فمن جديد راحت مخالبها الدقيقة تمضي بها. وقبل أن تنحرف استدارت علي مهل واستدار الحمل معها، وألقت علي الكرة والأطفال نظرة طويلة ثم ابتلعتها الحارة.
http://3arabstar.info/up/uploads/903b51e917.gif
اخوانى الافاضل
كانت تلك قصة نظرة
وفى انتظار ارائكم وتحليلكم للقصة والموضوع
http://3arabstar.info/up/uploads/903b51e917.gif
والحديث عن يوسف ادريس وقصصه القصيرة ونبوءاته ما زال مستمرا
فى انتظاركم
*
*
هند القاضي
25-06-2008, 14:19
موضوع رائع لوليتا
دائماً مميزه في طرحكِ للمواضيع
دمتِ هـ كذا ..
roooose
شخصيه غنيه جدا ومعروفه وقد احسنتِ لوليتا في الاحاطه بجوانب هذه الشخصيه ,,فلك الشكر
*
*
هند
حضور يغرينى بمزيد من عطاء
وشكر يلزمنى به خافقى لاجلك انتِ
امتنان من نبع لا ينضب
ودى
*
*
*
*
يوسف إدريس أديب مكشوف عنه الحجاب،
ففى يونيو 1970 كتب قصة قصيرة عنوانها
«الرحيل»
تنبأ فيها بقرب رحيل الزعيم جمال عبد الناصر.. النبوءة سبقت الغياب المفجع بثلاثة شهور ونحن ننشر أغلب مقاطع النبوءة الأدبية المثيرة.
الرحيل
أنت وأنا ومن بعدنا الطوفان، لا تخف! سنرحل حالا، سنرحل إلى بعيد بعيد. إلى حيث لا ينالك أو ينالنى أحد. إلى حيث نكون أحرارا تماما نحيا بمطلق قوننا وإرادتنا وبلا خوف. لا تخف! لقد اتخذت الاحتياطات كلها. لا تخف! كل شىء سيتم على ما يرام. أعرف أنك تفضل اللون الكحلى. ها هو البنطلون إذن. ها هى السترة. بالتأكيد ربطة العنق المحمرة فأنا أعرف طبعك.. لست بالغ الأناقة نعم ولكنك ترتدى دائما ما يجب، ما يليق. سأساعدك فى تصفيف شعرك. أنت لا تعرف أنى أحب شعرك. خفيف هو متناثر وكأنما صنع خصيصا ليخفى صلعتك ولكنه أبيض كله سهل التمشيط. بيدى سأمشطه. بعدها وبالفرشاة نفسها أسوى شاربك. حتى هذا النوع من الشوارب أحبه. هكذا رأيتك مئات المرات تفعل، وهكذا أحببت كل ما تفعل. كل ما أصبح لك عادة، حتى كل ما يصدر كنزوة. أتعرف أنى فرحان فرحة لا حد لها. فرحة الإقدام على أمر لن يعرفه سوانا. لست مريضا هذه المرة وأستصحبك كالعادة إلى طبيب، ولسنا فى طريقنا لزيارة أقارب مملين، فليظل الأمر إذن سرا بينى وبينك.
باب المصعد يغلق.. من أسفل يسحب، لابد أن أحدا فى القاع ينتظر. لا يهمك أرح جسدك.. اتكئ على ولا يهمك. ما أكثر ما اتكأت أنا عليك، ما أكثر ما حملتنى وأنا صاح ومدعى النوم، فقط كى تحملنى، كى أحس أنى على كتفك أنت أستقر وأن ذراعك هى التى تحوطنى وأنى أشعر بالأمان.. أحلى وأعذب وأمتع أمان. اتكئ ولا تخف، ولينظر لنا الداخلون إلى المصعد بريبة، وليظنوا بك أو بى الظنون. إنها أول مرة نراهم فيها وآخر مرة. البواب سهل أمره، بيدى وبالنصف الريال يا عم عبدالله افتح العربة. ها هو يجرى ويسبقنا. ها هو يساعدنى فى إراحتك على المقعد. الآن استرح واجلس. ضع ساقا فوق ساق كما يريحك دائما أن تفعل. أشكو من ضيق عربتى الصغيرة ومن طول ساقيك، فلكم أحب دائما أن أبتسم لك وأسمع. المارش والفتيس والأول.. العربة تنطلق. الثانى.. غادرنا الشارع. الثالث.. نلف حول الميدان. وحدنا أنت وأنا والعربة تستقيم وتنطلق. لقد نجحنا! بضربة حظ جبارة نجحنا! والعربة ها هى بنا أخيرا، ووحدنا، تنطلق.
تعرف أنها ليست المرة الأولى التى أجلستك فى عربتى وأسوق أنا، ليست الأولى التى ننفرد فيها معا، ولكنك لا تعرف أنى هذه المرة أحس بحق أنى لأول مرة ربما أكون معك.. بكل كيانى معك، ولك، بكل كيانك لى ومعى. الآن لا شريك لك فى ولا شريك لى فيك. أنت لى تماما كما أنا لك. والأجمل أننا ـ تصور ـ سنظل هكذا إلى الأبد.
الشوارع المزدحمة، الناس محيط، العربة جزيرتنا، العيون تنصب كزواحف ديناصورية رهيبة تقتحم الجزيرة، تملؤها، تغرقنا، تلتهمنا.
يا سيدة، يا عانس، انظر أمامك. ألم تر أبدا شابا يسوق وبجواره رجل يرتدى بدلة كحلية ورباط عنق محمر. أعجوبة هى؟ أظاهرة؟ يا خسارة! الإشارة أغلقت، النور أحمر، الحمرة طالت، امتدت، أصبحت زمنا. الزمن يحمر ويتوهج، الزمن يحترق، أشم رائحته.. رائحة جلد آدمى يحترق.. جلدى أنا. الأصفر يومض، الحريق يلتئم، الأخضر، السهم المنطلق الأخضر، النور المخضر يمتد يصبح مساحات.. زرعا ونباتا وأشجارا. النور يحيا، يتجسد، يزهر. الأصفر، اللا أحمر، الأصفر قمح، القمح يتماوج، الموج يعلو، قمم الأشجار تتمايل، رأسك أيضا يتمايل. أنت موافق إذن؟ أنا سعيد. أحسب أنك تهورت الآن مثلى أو أنا تعملقت مثلك. صغرت أنت أم كبرت أنا لا أعرف، ما أعرفه أن كل ما أردته فيك وأردت أن أكونه، هآنذا الآن فيه. كل ما كرهته لم أعد أكرهه. كل ما كان لا يعجبك فىّ قد أصبح بمعجزة يعجبك، تريد أن أكون أنت، وأريد أن تكون أنا، تطابقنا، وها نحن نطير، وبالعربة وبك أطير، ألامس الأرض وأطير، أتلوى جذلا وأسوق. أنت لا تعرف كيف تسوق، أنت من جيل القطار.. القطار الذى لا خيار فيه، لا تختار إلا عبوديتك، أنا من جيل العربة، الحرية عربة، الرأى عربة، وحدك تحدد متى وأين، وحدك تعدل، تمضى، تلف، تدور، النهاية فى يدك لحظة تريد. قف.
لابد أن نقف! نحن فى طريقنا إلى خارج المدينة، وهنا تفتيش. نعم يا سيدى، البطاقات. هذه بطاقتى، وهذه رخصة قيادتى. من هذا؟ أين بطاقته؟ أنا بطاقته. ألا ترى أنفى من أنفه؟ حواجبى لها استدارة حواجبه؟ عرقى حتى له طعم عرقه؟ شكرا يا سيدى العسكرى، شكرا! جميل شاربك والله العظيم جميل.
لننطلق! وقد أصبحت بطاقتك. أحبك وأنا مسئول عنك، نفس حبى لك وأنت فى طريقك إلى النوم، وأنت فى طريقك إلى اليقظة، وأنت تجاهد لترفع صوتك المغلوش بآثار النوم وتطلب الشاى. أحبك عائدا من العمل، متعبا، تخلع عنك الحذاء والجوراب، ونضمخ أنوفنا الصغيرة برائحة أقدامك، ونفصل أصابعك الملتصقة تعبا ووقووفا عن بعضها البعض، وأتولى أنا توزيعها على أخوتى وأختص نفسى بالأصبع الأكبر.
ولكن ألذ من الذكرى الحاضر، وألذ من الحاضر أننا كالسهم ننطلق. طبعا أنت لا تريد أن تعرف إلى أين، متعتك الكبرى مثل متعتى أن تفاجأ. إنك لا تعرف.. المعرفة قيد، طبعا فى رأيك المعرفة قيد، المعرفة وصول، وأنت وأنا لا نريد أن نصل. أنا شخصيا باستمرار أريد أن أبدأ، حتى نهاىتى أريدها بداية، فأنا لا أحب النهاية.. النهاية سخف وضيق أفق. ما أروع أن نبدأ دائما، وأن نبدأ بأن نبدأ، وأن تكون البداية بداية لبداية أجد وأمتع.
رجل بوليس آخر يقترب. كشك. أنا لا أخاف شىئا ما دمت معى. أنت الوحيد فى الدنيا الذى كنت أخافه.. كنت دائما هناك فى بيتنا تربطنى، تشدنى أنَّى أذهب، ألف وأعود وكأن لى فى بيتنا جذرا.. الآن جذرى معى. أنا النبات الذى تحرر وانطلق. رجل البوليس يشير، بيده كالسيمافور الأبيض والأسود يشير. لم أضق قبلا برجال البوليس مثلما أضيق بهم الآن. لماذا هم كثيرون؟ لماذا دائما يقطعون الطريق؟ أفندم! الرقم والرخصة والبطاقة. أفندم! لماذا دائما دائما يقطعون الطريق؟ أفندم! الرقم والرخصة والبطاقة. أفندم! لماذا تمد أنفك فى العربة وتتشمم؟ وتبلغ بك الجرأة أن تسأل؟ لم يا سيدى لا أشم رائحة، لا رائحة هناك. أين هى الرائحة؟
وداعا يا سيدى يا ذا الأنف الطويل وداعا.
بالطبع هو لا يفهم.. كيف يسمى رائحتك رائحة.. هو لا يعرفها، لا يدرك انتماءها إليه مثلما أدرك وأحس أنا. تطابقنا تماما أيها العزيز حتى أصبحت رائحتك نفسها هى رائحتى.
الآن أنا فى حاجة إلى سيجارة. ألا تلاحظ أننا لا نختلف وأنك لأول مرة توافق أن أدخن أمامك؟ لماذا كنا نختلف؟ لماذا كنت تصر وتلح أن أتنازل عن رأىى وأقبل رأيك؟ لماذا كنت دائما أتمرد؟ لماذا كرهتك فى أحيان؟ لماذا تمنيت فى لحظات أن تموت لأتحرر؟ مستحيل أن أكون نفس شخصى الآن الذى يدرك أنه حر الحرية الكاملة بوجودك معه، إلى جواره، موافقا على كل ما يفعل.
املأ يا فتى خزان البنزين إلى آخره، وضع زيتا أيضا وافحص الإطارات. أجل، نحن على سفر.. سفر طويل لو علمت كم يطول. هذه هى النقود.. خذ.. رائحة؟ رائحة البنزين على ما أعتقد؟ ماذا تقول؟ ميت؟ فلتمت أنت! اخل الطريق يا وغد، ولا أرانى الله وجهك.
تصور! السافل يظن أن معنا ميتا فى حين ليس معى سواك. أمؤامرة هى بين رجل البوليس وعامل البنزين، مؤامرة طولها مائة كيلو متر؟
لقد خدعناهم جميعا.. أليس كذلك؟ ما أجمل أحيانا أن ينخدع بكلامنا الآخرون!
هذه المدينة فقدت العقل. أنَّى نذهب يفتح الناس أفواههم خلفنا دهشة، ويمدون عيونهم إلى آخر المدى يبصرون. قبل أن نصلهم أنوفهم تستنشق الهواء البعيد وتتشمم. بعد أن نغادرهم يسرعون خلفنا يصرخون.. الجثة! تصور يريدونك أنت الحى جثة يدفنونها. مستحيل، يقتلوننى قبل أن يأخذوك، ففى أخذك موتى، فى اختفائك نهايتى، وأنا أكره النهاية كما تعلم.. أكرهها أكرهها.
المدينة التالية هجرها سكانها قبل أن نصل، لابد أن الرائحة كما يزعمون وصلتهم قبل أن نصل. جميل هذا جميل. يكفى أن تكون معى ليكون العالم كله معى. يكفى هذا وليهجر المدن سكانها، ولتحترق القرى والنجوع، يكفى أنك معى. أنت أنا.. أنت تاريخى وأنا مجرك حاضرك.. والمستقبل كله لنا. مستحيل أن أدعهم يأخذونك، يميتونك، يقتلونك.
*
*
*
*
ونتوالى فى نشر بعض القصص القصيرة ليوسف ادريس
ü المرتبة المقعرة ü
من مجموعة قصص النداهة
« في ليلة الدخلة » و«المرتبة» جديدة وعالية ومنفوشة، رقد فوقها بجسده الفارع الضخم، واستراح إلي نعومتها
وفخامتها، وقال لزوجته التي كانت واقفة إذ ذاك بجوار النافذة :
- انظري .. هل تغيرت الدنيا ؟
ونظرت الزوجة من النافذة، وقالت :
- لا ... لم تتغير.
- فلأنم يوما إذن.
ونام أسبوعا، وحين صحا كان جسده قد غور قليلا في المرتبة. فرمق زوجته وقال:
- انظري.. هل تغيرت الدنيا؟
فنظرت الزوجة من النافذة، ثم قالت :
- لا .. لم تتغير.
- فلأنم أسبوعا إذن.
ونام عاما، وحين صحا كانت الحفرة التي حفرها جسده في المرتبة قد عمقت أكثر، فقال لزوجته :
- انظري.. هل تغيرت الدنيا؟
فنظرت الزوجة من النافذة ثم قالت :
- لا .. لم تتغير.
- فلأنم عاما إذن.
ونام عشرة أعوام. كانت المرتبة قد صنعت لجسده أخدودا عميقا. وكان قد مات وسحبوا الملاءة فوقه فاستوي سطحها
بلا أي انبعاج، وحملوه بالمرتبة التي تحولت إلي لحد وألقوه من النافذة إلي أرض الشارع الصلبة.
حينذاك وبعد أن شاهدت سقوط المرتبة اللحد حتي مستقرها الأخير، نظرت الزوجة من النافذة، وأدارت بصرها في
الفضاء، وقالت :
- يا الهي ! لقد تغيرت الدنيا !
!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
*
*
*
*
وقصة جديدة من قصص يوسف ادريس
المهزلة الأرضية
صفر: انت خدعته والا هو اللي خدعك ؟
محمد الثالث: أنا، أنا نفسي كنت عايز أروح المستشفي واستعملته كوسيلة
صفر: انت؟!
محمد الثالث:أيوه أنا
صفر:طب وتعمل كدة ليه؟ حد يعمل كدة ؟ حد يحب يخش مستشفي امراض عقلية هنا ؟
محمد الثالث: أنا
صفر: ليه علشان أيه؟
محمد الثالث:لأن أنا الجاني الحقيقي انتوا مش بتدوروا علي الجاني ..أنا الجاني.
صفر: جاني جنايتك أيه؟ يا تري أنت راخر عملت أيه؟ الظاهر ياما لسة هنشوف من أولاد قارون
محمد الثالث: أنا جنايتي كبيرة أوي شاملة بعدد كل حرف اتعلمته وكل قانون من قوانين الكون عرفته وكل سطر من
كل كتاب اطلعت عليه
صفر: إيه ده كله أنت عملت أيه ؟
محمد الثالث:هربت . ساعة الجد هربت من دوري ومنكم .. في وسط المعركة بدل ما أضرب فريت واستخبيت جوه نفسي
صفر: بس لو مكنتوش تستعملوا الكلام اللي ما بيفهموش حد ده؟وحتي إذا الناس فهمته عبال ما توصل لمعناه يكون
طار ..... ما تقولنا ببساطة يا أخي قضيتك أيه؟
محمد الثالث: ما هي المصيبة أن ما لياش قضية حتي ولو خسرانة..حتي ولو قضية باطل أنا جريمتي كبيرة أوي أنا
العين اللي الحياة قعدت عشرة مليون سنة علشان تعملها فلما عملتها أختارت أنها تغمض وإذا فتحت تدعي أنها مش
شايفة وإذا شافت تدعي انها مش عارفة وإذا عرفت تشكك في اللي عرفته . أنا اللي حاطط الكلمة فوق الأنسان
والقانون فوق الحياة والقيمة المثالي بمعني اني عايز كل الناس تبقي مثلي أنا اللي مش عاجبه حد والنتيجة انه مش
عاجب حد أنا اللي من كتر لومي لنفسي أدمنت الغلط ومن كثر ما أنا عايز أعمل حجات مبعملش حاجة خالص ومن شدة
تصميمي عايش متردد
صفر: أيوه بس أيه اللي حصل وخلاك تفر وتستخبي زي ما بتقول ؟
محمد الثالث: الحريقة زادت
صفر: حريقة أيه ؟
محمد الثالث: اللي أنا دخانها
صفر: برضه مش فهمتش
محمد الثالث: الحريقة بين الأرض الكبيرة والناس الصغار بين الحاكم والمحكوم والمحكومين والحكام بين الظالمين لأنهم
مظاليم والخايفين من ناس خايفين بين العلم والدجل بين الحقيقة والكذب ، الكذب عيني عينك وفي وشك وبالبنط العريض
ويا ويلك لو قلت تلت التلاته كام
صفر: برضه وحياتك انت ما فهمت
محمد الثالث: المهزلة الأرضية ! كنت عايز أبقي المتفرج الوحيد علي المهزلة الأرضية بس أندمجت أوي وولعت النار .. أنا
مأساتي..
صفر: مأساتك أيه بقي ما أنت لسة مسميها مهزلة
محمد الثالث: ما هي مهزلة الناس وإنما مأساتي أنا
صفر:إيه الحكاية اللي بوشين دي؟
محمد الثالث: حياتنا
صفر: بيعجبني والله لعبكم بالكلام ده . حريفة كلام بشكل الواحد منكم ما يسبش المعني الا وهو ماسكه في خانة اليك
تقدر تقولي من غير حرفنة كدة إيه اللي قومها في دماغك وخلاك تعمل العملة دي
محمد الثالث: ما قدرتش أصمد أعمل أيه ؟ لا قادر أعملها زي ما أنا عايز ولا عارف أعيش فيها زي ما هي لا أنا بطل
علشان أغيرها ولا أنا أرضي أنها تغيرني
صفر: والنبي تسهلها علينا وعلي نفسك يا شيخ
محمد الثالث: أقول لكم إيه بس أقول لكم كنت عايش مغمض فتحت مرة وسألت لقيت طريق السؤال صعب إنما في نفس
الوقت لقتني موش عارف أرجع واغمض تاني لا أنا عارف أرضي ضميري ولا قادر أسكته وارشيه ماعادليش مكان بينكم
ومكاني الحقيقي عالي عايز صفر لا انا شجاع علشان أقدر أنتحر ولا جبان علشان أقدر أعيش ولا جرئ علشان أسأل
ولا عبيط علشان ما اسألش فكل اللي قدرت أعمله اني أروح مع اللي ما بيسألوش موش عن خوف أو جبن إنما عن مرض
مع المحرومين مع القدرة علي السؤال أروح من غير شماته .. لا أنا شمتان فيكم ولا عايزكم تشمتوا في. لا أنا باعايركم
بخيبتكم ولا أنتم تعايروني بقصر ديلي ليكم حياتكم السعيدة المزعومة ولي ديني
صفر:تعرفش تقولي باختصار كدة وانت محيرنا كلنا حتي الدكتور الغلبان محيره
معاك . أنت عاقل ولا مجنون
محمد الثالث:بعد كل ده معرفتش
صفر: يمين الله ما عرفت
محمد الثالث: يبقي تقدر تسميني العاقل جدا لدرجة أن الناس فاهمة أنه مجنون أوي المجنون جدا لدرجة أنه فاهم انه عاقل........
!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!! !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
*
*
*
*
الطــابور
من جمهورية فرحات
تتشابه الأسواق في الأرياف ولا تكاد تختلف ، فكل منها فضاء واسع يحده سور وله باب وعلى أرضه دكاكين بضاعة ذات رفوف فارغة قد لوحت أخشابها حرارة الشمس وليالي الشتاء ، ثم مصاطب مبعثرة مصنوعة من تبن يؤلف بينه طين . ويوم السوق هو بلا شك أروع الأيام وأشهرها وهو الزحمة التي تحدث كل حين مرة معلنة وكأنها ساعة بشرية هائلة انقضاء سبعة أيام ، وفراغ جيوب وامتلاء جيوب ، وقبض أجور واختلاس أجور ، و شبع ناس و جوع ناس ، و تقيس العمر ..
وبعد أن ينفض السوق يبقى الفضاء لا يؤمه إلا الغربان وأسراب الخرفان والماعز الطوافة وفرق الرياضة من التلاميذ والمباريات وكرة القدم ..
وتتشابه الأسواق في الأرياف إلا سوق السبت في تلك الناحية فقد كان يتميز بظاهرة غريبة ، فيسوره كله كان مصنوعا من حدائد لها أطراف مدببة ماعدا جزءا صغيرا لا يتجاوز المترين قد بني من الدبش والأسمنت وأحكم بناؤه .
ومن قديم والناس يختلفون في امر ذلك الحائط الصغير ..
كانوا يقولون أول الأمر إن تحت الحائط كنزا يفتح عن ديك يؤذن ذات فجر ويكون للموعود . ولكن ما لبث هذا القول إن بهت واصبح التسليم به كالإيمان بطلوع ليلة القدر . حكاية تذكر من قبيل التمني
ثم قالوا إن الحائط اقيم فوق فوهة بئر كانت تتسرب منها الجن من باطن الأرض إلى ظاهرها . فأقيم الحائط ووضع فيه مصحف وبخارى وأحجبة وقطع زجاج مكسور ليمنع تسرب الجان ولكن هذا القول كسابقه لم يعمر طويلا .
ثم شب جيل كان أقل خيالا من سابقيه راى في الحائط الصغير تجربة كان القصد منها بناء السور كله بالدبش والاسمنت وفشلت التجربة .
ولا يكف الناس أبدا عن ايجاد التعليل .
ومع هذا بقي السر الحقيقي لا يكاد يصدقه أحد ..
فالسوق أول الأمر لم تكن سوقا وإنما كانت قطعة ارض بور لا ينبت فيها زرع . رأى أهل القرى المجاورة أنها أقرب مكان يفدون إليه مثقلين بالغلة والبلح والجبن ويعودون وقد خفت احمالهم بالدمور والمرايا والسكاكين الخارجة لتوها من تحت يد الحداد . وكانت تلك الأرض جزءا من الأملاك الواسعة التي آلات لأحد أعيام الجهة التذي ينحدر من سلالة من الترك أو المماليك والله وحده أعلم .
ورأى المالك في قدوم الناس ومواشيهم إلى أرضه البور كسبا له وطريقة لإخصاب الأرض حتى يزرعها بعد حين . ولهذا سمح لهم بالقدوم بل كان يشجعهم على القدوم حين يمر عليهم وسط الزحمة راكبا فرسه موزعا ابتساماته الراضيات ..
ولما راى أن الارض قد استوت للزرع بما خلفته المواشي من بقايا ، أراد حرثها وحرثها ، ومع هذا قدم إليها الناس مثقلين وغادروها خفيفين ، وبططوا الحرث وأقاموا السوق ..
وطرد الناس وحرثها مرة أخرى .
وفي الأسبوع التالي أقيم السوق أيضا وبطط الحرث .
واشار عليه ناظره العجوز أن يستغل الأرض بطريقة أخرى فيترك الناس يجيئون ويذهبون على أن يأخذ ضريبة على المتسوقين ، وأخذ المالك بنصحه ، وفي الأسبوع التانلي انطلق محصلوه يترصدون القادمين ويجمعون الإتاوة ، ولكي يزيد الإيراد ويقلل المصاريف اقام حول الفضاء سورا من الخشب جعل له بابا على الطريق الزراعي وجعل على الباب محصلا واحــــدا .
وهكذا وجدت سوق السبت وما لبثت أن عمرت وازدهرت واضيفت إلى بلادها بلاد واضيفت إليها سويقات للحمير والجمال واكتملت اصنافها حتى من البوظة والعرقسوس .
وكنت تعرف أن السبت يومها حين تجد الناس في الصباح الباكر يزحفون صوب السوق من كل اتجاه وتجد الطري قالمؤدية إليه قد قد حفلت بلابسي العمائم والجلاليب والذين بلا عمائم أو جلابيب وراكبي الحمير وساحبي الأبقار . وحاملي المقاطف وطالقي الجواميس والمتوكلين على الله .
وبم يكن على أهل القرى الغربية أكثر من أن يعبوا الطريق الزراعي ويدخلوا الباب ليصبحوا في السوق أما أهل القرى الشرقية فالمسألة بالنسبة لهم كانت أصعب فالمشايات التي تنحدر من قراهم كانت تلتقي عند الساقية القديمة في مشاية واحدة ضيقةتنتهي عند نقطة في السور الشرقي للسوق تقابل الباب في الجهة الغربية وكان عليهم لكي يدخلوا أن يلتفوا حلو السور كله وهذا تعب ومشقة فاختصروا الطريق وكسروا خشبة في السور وأصبح الأمر لا يكلفهم إلا المروق من بين الخشبتين ليصبحوا في قلب السوق .
وبمضي الوقت أصبحت المشاية الضيقة طريقا معترفا به من السوق وإليه . واصبحت الفجوة التي في السور بابا كاحسن ما يكون الباب .
وكان لصاحب الأرض سراية تطلع على السوق كلها مشربيات وشرفات وسلاملكيات واشياء من هذا القبيل والظاهر أنه كان واقفا في شرفته ذات يوم فراى طابورا لم يكن يعرف كيف يبدأ لكنه رآه ينتهي في السوق من خلال السور فجن جنونه وركب راسه . وركب كذلك حصانه وانطلق يرى الأمر وهناك راى الفتحة فشلضم وبرطم وامر بإصلاح الخشبة المكسورة في الحال .
ويوم السوق التالي وقف في الشرفة يشمت في الطابور الذي لا ريب سينكسر عند السور ولكن آلاف العفاريت ركبته حين رأى الطابور يواصل سيره المعتاد .
ولما أسرع يعاين وجد الخشبة الجديدة مكسورة ويقولون إنه جلد النجار الذي أصلحها وجلده مرة أخرى ليصلحها . يل وقف على راسه حتى أتمها وامتحن متانتها بنفسه وفي السبت التالي رجع فإذا الخشبة مكسورة .
واحمر وجه الرجل من الحنق حتى كاد يدمى وقطع شجرتين من أشجار السنط وكومها حتى سدت الفرجة ..
وما مر أسبوع حتى كانت الشجرتان كل في أقصا ناحية والطابور لا يزال لا بداية له لكنه ينتهي في السوق من خلال تلك الفجوة .
وكاد شريان من شرايين الرجل ينفجر وهذه المرة كلفه استعمال عقله ليلة كاملة وفي الصباح أحضر فرقة من الصعايدة بكريكاتهم وفؤوسهم وما انتهى الأسبوع حتى كانوا قد حفروا ترعة حول السور كالخندق واطلق فيها الماء .
ولم يتعب نفسه ويقف يوم السوق في الشرفة ولا بعده من أسواق فقد كانت متاكدا من انقطاع الرجل .
والذي حدث أن شجرتي السنط جيء بهما ووضعتا في الخندق وبقي ظاهرا منهما ما يكفي ليخطوا الإنسان عليه في أول سوق بعد الترعة ثم قلقلت قطع من الطين الجاف – نفس الطين الذي نتج عن حفر الترعة – وأسقط فوق جذعي الشجرتين ثم ما لبث الطين أن ردم الترعة واتصلت المشاية بالفجوة .
ويبدو أن الرجل كان يركب فرسه يتنزه ذات يوم فوجد المشابة واصلة إلى السور وظل يسب ويرطن أياما وظل كذلك اياما يكظم غيظه واصبحت المسألة مسألة كرامة وعند وتحد من الفلاحين العبط فاتقى من بين خفرائه ثلاثة طوالا عراضا وقال لهم : خراب بيوتكم إن مر احــد .
ويوم السوق تلكا الطابور لاول مرة وما لبث أن توقف فقد نشبت عند السور خناقة كبيرة وفي الضحى حُمل الطوال العراض إلى السراي ودمهم يسيل .
واستعداد الطابور بقية اليوم سيره وسرعته وطاب الخفرتء وعادوا يحرسون الثغرة ونشبت معارك أقل حدة وتلكأ الطابور مرار ثم كف عن تلكئه واستأنف سيره تحت وابل من حفن الجميز وخيارتين أو طور بلح أو نفس دخان أو حتى عواف عليكو يا رجالة .
وذات مرة راى صاحب الأرض خفراءه جالسين يستظلون بشجرة الجميز وتأتيهم المنح من الذاهب إلى السوق والعائد منه فطرد الخفراء واحضر بنائين واحجارا وبنى ذلك الحائط العالي الذي أغلق الفجوة تماما وأغلق كذلك في نفسه كل فجوة يمكن أن يتسرب منها الشك في احتمال فشل الحائط .
ولم يكد سبت واحد يمضي حتى اكتشف الرجل مخبولا أم الخشبة التي بجوار السور تماما قد كسرت وان فجوة جديدة صنــعت .
وأقسم يومها أن يبيع السوق ..
ولم يتح له ان يبر بقسمه إذ استولت عليه شركة الأسواق بناء على مرسوم وامتياز طويل الأجل .
ومع أن الشركة قد أقامت بدل السور الخشب سورا من الحديد كلما بلي جددته ومع أنها لم تركب راسها كالصاحب القديم فتستأجر فتوات أو تقيم حائطا بل استعانت بالمركز فجعل لها كل سبت كوكبة من الخيالة تجوب السور رائحة غادية .
مع هذا إلا انك اذا وقفت في الصباح الباكر من أي سبت فسوف تجد المشاية تحفل بالطابور الذي لا تعرف كيف يبدأ ولكنك تراه ينتهي في السوق من خلال السور .
ودائــما هناك خشبة مكسورة
!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
*
*
*
*
أرخــــص لـيـــــــالي
من مجموعة أرخص ليالي 1954
بعد صلاة العشاء كانت خراطيم من الشتائم تتدفق بغزارة من فم عبدالكريم فتصيب آباء القرية وأمهاتها، وتأخذ في
طريقها الطنطاوي وأجداده.
والحكاية أن عبدالكريم ما كاد يخطف الأربع ركعات حتي تسلل من الجامع ومضي في الزقاق الضيق وقد لف يده وراء
ظهره وجعلها تطبق علي شقيقتها في ضيق وتبرم،وأحني صدره في تزمت شديد وكأن أكتافه تنوء بحمل (البشت)
الثقيل الذي غزله بيده من صوف النعجة.
ولم يكتف بهذا بل طوي رقبته في عناد وراح يشمشم بأنفه المقوس الطويل الذي كله حفر سوداء صغيرة، ويزوم، وقد
أطبق فمه فانكمش جلد وجهه النحاسي الأصفر،ووازت أطراف شاربه قمم حواجبه التي كانت ماتزال مبللة بماء الوضوء.
والذي بلبل كيانه، أنه ما ان دخل إلي الزقاق حتي ضاعت منه ساقاه الغليظتان المنفوختان، ولم يعديعرف موضع قدميه
الكبيرتين المفلطحتين اللتين تشقق أسفلهما حتي يكاد الشق يبلع المسمار فلا يبين له رأس.
ارتبك الرجل رغم القسوة التي ضم بها نفسه لان الزقاق كان يمتليء بصغار كالفتافيت يلعبون ويصرخون، ويتسربون
بين رجليه، ويسرح واحد من بعيد وينطحه، ويشد آخر (البشت) من ورائه، ويصيبه شقي بصفيحة في اصبع قدمه
الكبيرةالنافرة عن بقية أصابعه.
ولم يستطع إزاء هذا كله إلا أن يسلط عليهم لسانه، فيخرب البيوت فوق رؤوس آبائهم وأجدادهم، ويلعن الداية التي شدت
رجل الواحد منهم، والبذرةالحرام التي أنبتته.
ويرتعش عبدالكريم بالحنق وهو يسب ويمخض ويبصق علي البلدالخائب الذي أصبح كله صغار في صغار. ويتساءل، و
(بشته) يهتز، عن معمل التفريخ الذي يأتي منه من هم أكثر من شعر رأسه. ويزدرد غيظه وهو يطمئن نفسه أن الغد كفيل
بهم،وأن الجوع لامحالة قاتلهم، و(الكوريره) سرعان ما تجيء فتطيح بنصفهم.
وتشهدعبدالكريم وهو يشعر براحة حقيقية حين خلف النحل وراءه في الزقاق وأصبح يشرف علي الواسعة التي تحيط
بالبركة في وسط البلد.
وانبسط الظلام الكثير امامه حيث تعشش البيوت المنخفضة الداكنة، وترقد أمامها أكوام السباخ التي طال عليها
الإهمال،ولاشيء بقي يدل علي الأحياء المكدسين تحت السقوف إلا مصابيح متناثرة في الدائرةالمظلمة الواسعة وكأنها
عيون جنيات رابضات يقدح منها الشرر!، ويأتي نورها الأحمرالداكن متبخترا من بعيد ليغرق في سواد البركة.
وتشتت بصر عبدالكريم في الظلام الفاضي، ودار برأسه هنا وهناك، ورائحة الماء الصديء في المستنقع تتلوي مع
تقوس خياشيمه. وفي الحال شعر بالضيق يكتم فتات أنفه، فشدد من قبضة يده، وزاد انحناءه،وكاد يرمي (بالبشت)
علي حافة البركة.
وكان ما ضايقه وكتم أنفاسه شخير الأرانب أهل بلده، وهو يمتد مع انتشار الظلام، ولحظتها كان ما يلهلب سخطه أكثر
هو طنطاوي الخفير، وكوب الشاي (الزردة) التي عزم عليه بها في حبكة المغرب، والتي لولا دناوته،وجريان ريقه
عليها، ما ذاقها.
وتمشي عبدالكريم في الواسعة وأذنه لاتسمع حسا ولاحركة، ولا حتي صيحة فرخة، وكأنه وسط جبانة وليس في رحاب
بلدة فيها ما فيها من خلق الله.
وحين بلغ منتصف الواسعة توقف. وكانت لوقفته حكمة، فهو إذا أطاع ساقيه ومشي، أصبح بعد خطوات قليلة في قلب
بيته. وإذا أغلق دونه باب الدار، كان عليه أن يخمد أنفاسه وينام. وهذه اللحظة لم تكن في عينيه قمحة واحدة من النوم،
بل كان مخه أروق من ماء (الطرمبة)، وأصفي من العسل الأبيض، ولا يهمه السهر ولو لهلال رمضان.
وكل هذا بسبب دناوته، وسواد الشاي في الكوب، وأفعوانية طنطاوي وبسمته الزرقاء، ودعوته التي لم يفكر في
رفضها..
ليس هناك نوم؟.. طيب.
ورجال البلدةالخناشير قد انكفأوا يغطون من زمان، وتركوا الليل لصغارهم الملاعين! فماذا يفعل عبدالكريم؟
يسهر؟ وأين يسهر؟..
صحيح؟!.. أين يسهر؟..
هل يلعب (الاستغماية) مع الأولاد؟..
أو تزفه البنات وهن يقلن: يابوالريش.. إن شا الله تعيش؟
صحيح.. أين يسهر وهو أنظف من الصيني بعد غسيله، وليس معه قرش صاغ واحد حتي يذهب إلي (غرزة) أبوالإسعاد
ويطلب القهوة علي البيشة، ويتبعها بكرسي الدخان، ويجلس ما شاء بعد ذلك علي ريحة القهوة والكرسي، يراقب
حريفة (الكوتشينة) من صبيان المحامين، ويستمع إلي ما لايفهمه في الراديو، ويضحك ملء قلبه مع السباعي، ويلكز
أبوخليل وهو يقهقه، ثم ينتقل إلي مجلس المعلم عمارة مع تجار البهائم، وقد يشارك في الحديث عن سوقها التي ركدت
ونامت..
ليس معه قرش!.. جازاك الله ياطنطاوي!..
وهو لايستطيع أن يخطف رجله إلي الشيخ عبدالمجيد، حيث يجده متربعا والمدفأة أمامه، والكنكة النحاسية
تغلي وتوشوش علي مهل، والشيحي جالس بجواره، يقص بكل ما في صوته من رنين، ما حدث في الليالي التي شاب لها
شعره، والأيام التي انقضت وأخذت معها بصاغته من عقول الناس القدامي الفارغة الطيبة، وجعلته يتوب عن النصب
والسرقة وقلع الزرع علي أيدي النماردة من سكان هذا الجيل.
لايستطيع أن يتنحنح ويطرق باب الشيخ عبدالمجيدلأنه، أول الأمس فقط، دفع الرجل من فوق مدار الساقية فأوقعه في
الحوض، وأضحك عليه الشارد والوارد، لما دب الخلاف بينهما علي مصاريف إصلاح الساقية. ومن ساعتها ولسان الشيخ
لايلافظ لسانه.
كان الشيطان ساعتها شاطرا.. ولكن طنطاوي بدعوته أشطر.. الله يخرب بيتك ياطنطاوي..
وماذا عليه لو سحب عصاته (المشمش) ذات الكعب الحديدومر علي سمعان، وانطلقا إلي عزبة البلابسة، فهناك سامر،
وليلة حنة، وغوازي، وشخلعة،وعود، وهات إيدك..
وإنما.. من أين ياعبدالكرم (النقطة)؟ ثم.. المساء قد دخل ويجوز أن سمعان ذهب يصالح امرأته من خالها والطريق خائنة،
والدنيا كحل..
ياناس!.. لماذا هو الخائب الساهر وحده؟ وطنطاوي لاشك قد استنظف مصطبة رقدعليها في (دركه)، وراح في النوم..
نامت عليه البعيد أثقل حائط.
وماذا يحدث لوعاد إلي بيته هكذا كالناس الطيبين، ولكز امرأته فأيقظها، وجعلها تنير المصباح،وتمسح زجاجته،
وتشعل الموقد، وتسخن له رغيفا وتحضر الفلفل الباقي من الغداء، وحبذالو كان قد بقي شيء من الفطيرة التي غمزتها
بها أمها في الصباح، وآه لوصنعت له بعدها كوزا من الحلبة، وجلس كسلطان زمانه يرقع الثلاثة مقاطف التي بليت
مقاعدها ويصنع لهاآذانا وقد تملصت آذانها؟..
ماذا يحدث بالله إذا كان هذا؟..
هل تنتقل المحطةمن مكانها؟!..
هل يعمل العمدة ليلة لوجه الله؟..
وهل تنطبق السماء علي جرن القمح؟..
أبدا.. لن يحدث شيء من هذا..
ولكنه أعرف الناس بامرأته، وأعرف من شمهورش برقدتها كزكيبة الذرة المفروطة وقد تبعثر حولها الصغار الستة
كالكلاب الهافتة، ولن تصحو حتي لو نفخ إسرافيل في نفيره، وإذا تفتحت ليلة القدر وقامت فماذاتفعل؟..
أهو يحاول الضحك علي نفسه؟..
وهل الذي يزمر يغطي ذقنه؟..
المصباح بالعربي ليس فيه (جاز) إلا ما يملأ نصفه، والمرأة في حاجة إليه كله لتعجن وتخبز طولالليلة الآتية إذا عاش أحد.
ثم الأولاد لاريب قد جاعوا ساعة المغرب، وأكلوا الفلفل وبآخر رغيف في (المشنة).
وهل تبقي فطيرة الصبح لتنتظر سهرته؟.. وعليه أن يطمئن نفسه، فلك الحمد، ليس في داره حلبة ولاسكر، ولايحزنون..
ولن يستطيع طول عمره أن يحظي بكوب مثل التي لحسها لحسا عند طنطاوي..
الله يجحم روحك ياطنطاوي يابن زبيدة!..
***
ولو أن أحدا عنٌ له أن يقضي حاجته في الواسعة، رأي عبدالكريم في وقفته، مزروعا كزوال المقاتة أمام وجه البركة
الداكن، لظن في التو، أن الرجل مسه شيطان أو لبسته شيخة!
وعبدالكريم معذور، فالحيرة التي كان فيها أوسع منه، والمسألة أنه رجل علي نياته، لايقرأ الليل ولايكتبه، والجيب
خال، والليلةشتاء، والشاي يكوي رأسه، وجهلة السهر من أمثاله قد غيبهم النوم من سنة مضت في سابع أرض.
طالت من أجل ذلك حيرة الرجل، وطال وقوفه، وأخيرا فعلها وقر قراره.
وقطع الباقي من الواسعة في استسلام وقد رأي أن يقضي ليلته كما اعتاد قضاء البارد من لياليه..
وأخيرا استقر في وسط داره، وقد أغلق الباب بالضبة وراءه. وتخطي أولاده وهو يزحف في الظلام علي قبوة الفرن
حيث يتناثرون. ومصمص بشفتيه وهو يئن منهم ومن الظلام، ويعتب بينه وبين نفسه علي الذي رزقه بستة بطون تأكل
الطوب.
وكان يعرف طريقه، فطالما علمته ليالي البرد الطريق. وعثر آخر الأمر علي امرأته. ولم يزغدها،وإنما أخذ يطقطق لها
أصابع يديها، ويدعك قدميها اللتين عليهما التراب بالقنطار ويزغزغها في خشونة بعثت اليقظة المقشعرة في جسدها.
وصحت المرأة علي آخر لعنةأصابت طنطاوي في ليلته.
وسألته في غير لهفة وفمها يملؤه التثاؤب عما جناه الرجل حتي يسبه في عز الليل.
فقال وهو ينضو ثيابه، ويستعد لما سيكون:
هه.. الله يخرب بيت اللي كان السبب..
***
بعد شهور كانت النساء كالعادة يبشرنه بولد جديد، وكان هويعزي نفسه علي السابع الذي جاء في آخر الزمان،
والذي لن يملأ طوب الأرض بطنه هوالآخر..
وبعد شهور وسنوات كان عبدالكريم لايزال يتعثر في جيش النمل من الصغارالذين يزحمون طريقه في ذهابه وأوبته وكان
لايزال يتساءل كل ليلة أيضا، ويداه خلف ظهره، وأنفه يشمشم حوله، عن الفتحة التي في الأرض أو السماء، والتي منها
يجيئون!..
!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!! !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
*
*
يبــــــدو ان اديبنا لم يأخـــذ حظه إعلامياً .. هنا يتجلـــــــى الابداع في الطرح ، والولوج الى النفس بسهوله . والاديب المتميز هو الذي يدخل اليها من الباب بلا طرق .. ومدعي الادب احيانا يكسر الابواب بعد قرعها وما علم ان للناس ثلاثُ عوراتٍ من بعد الفجر ، وحين يضعون ثيابهم من الظهيره ، ومن بعد صلاة العشاء . فإدريس هذا يُفتح له الباب من بعد الفجر والظهيره وبعد صلاة العشاء .. نشكر لك جهدك المتميز ،
دمت بخير ،،،،،،
*
*
ريم شمر
ولوج
ذا
جمال
شاكرة لك التواجد النير والمتابعة الطيبة
دمتى لنا ولمضايفنا العامرة
لكِ الود
*
*
*
*
اخى الساطع
الاديب والطبيب يوسف ادريس
وصل العالمية ورشح لجائزة نوبل فى الاداب وترجمت كتاباته الى لغات عديدة
وله العديد من القصص والروايات التى تحولت الى افلام سنيمائية ومسرحيات
كذلك لم يسلم من دائرة النقد التى تناولته فى اكثر من جانب
وقصة نظرة من القصص التى تدرس الى لدارسى الادب العربى كمثال للقصة القصيرة
ومدى ابداعه وتوجيه الانظار لهذا النوع من الادب
اشكرك اخى الفاضل على مرورك على الموضوع وتعقيبك الثرى
لك ارق تحيااتى
*
*
((عبدالله بن غيث))
02-07-2008, 09:28
أخت لوليتا رمز التألق دائماً....!
بارك الله فيك ...
لك تحياتي
*
*
كحل المحاجر
لك الشكر شاعرنا على مرورك العطر
واتمنى ان يكون الموضوع قد نال اعجابك
وقدم شئ مفيد
ارق تحياااتى لك
*
*
*
*
وقصة اخرى من قصص المبدع يوسف ادريس
لحظة قمر
فجأة، رأيت القمر ..
وليست هناك خدعة ما في التعبير،فصحيح أن الإنسان أبدا لا يري القمر فجأة، فالقمر لا يظهر فجأة،
والشمس لاتشرق فجأة، إذ المفاجأة دائما في العمل غير المنتظر، وشروق القمر وغياب الشمس أعمال
لامفاجأة فيها ولا جديد. ولكنك بالتأكيد ستحس بصدمتي وأنا أري القمر فجأة في شريحة من شرائح القاهرة،
شريحة تسمح لك برؤية السماء، رأيت القمر عجيبا جدا .
الشريحةالسماوية التي تبدي منها. كانت مسافة بين عمارتين عاليتين من عمائر القاهرة،عاليتان إلي درجة
تكاد تحجب عنك رؤية السماء كلها. ولولا المسافة الكائنة بينهما ماسمحت لهذه الفرجة السماوية أن تظهر.
وقد كان حريا بظهورها ألا يثير أدني دهشة أوابتئاس لولا أن تلك الشريحة السماوية كانت تحوي، في هذا
الوقت بالذات القمر، القمرفي محاقه الأخير، القمر حين يبدو الجزء المضيء منه مخنوقا بعض الشيء. من
لون البدريتناول تدريجيا فاقدا لمعة فضيته، ثم بياضه مكتسبا بعض الصفرة، بعض العتمة، حين يكاد نوره
يصبح وكأنه نور قادم من عمود نور البلدية، أو هو بالضبط كما بدا لي من خلال فرجة السماء هذه القائمة
بين عمارتين، شققهما العليا مفجرة الأضواء والضجيج،بدا لي وكأنه النور القادم من شقة ثالثة مفروشة
ومؤجرة للسياح ومن الباطن، حتي لوكان هذا الباطن علي تلك الدرجة الشاهقة من العلو، فالمهم أن نور
القمر المخنوق اختلط بأنوار الكهرباء الباذلة جهدها كي تلعلع وتبرق ومع ذلك فهي بالكاد تصل إلي مستوي
نور القمر المخنوق هذا .
فجأة، رأيت القمر .
ويبدو أيضا أن المفاجأةكانت كاملة وكان من المستغرب تماما في ظروف القاهرة تلك، ظروف الخروج من
المعركةوالاستعداد الكامل المطلق لأي معركة مقبلة، أن يكون هناك قمر .
ربما نحن نسيناه تماما .نسينا الكون الأكبر المحيط بنا، ضعنا تماما في اختناقاتنا اليومية الصغيرةالمستمرة
المتكثرة التي نغرق فيها وتغرقنا، ومع هذا فمفروض ونحن غرقي هكذا أن نفكرفي انقاذ أنفسنا بل ونقوم
بهذا الانقاذ فعلا، ويخيل لنا أن كل شيء قد انتهي إلي لاشيء مرة، ومرة أخري أدهي يخيل إلينا كما لو كان
أي شيء قد استحال إلي شيء .ومابين اللاشيء وكل شيء رحنا نرقص. رقصا لاضابط له ولا نغم، نحن
فيه علي وجه الدقة كرة) بنج بونج) مضروبة مضروبة، لكي تقتحم أرض الخصم، لكي تدافع مضروبة،
من اليمين التي نزاولها بمنتهي عدم الدهشة وبمنتهي الجدية والخطورة، رقصة التفتت والتحلل إلي اللاشيئية
لتصبح الكل شيئية.. أنستنا هذه الرقصة المحمومة، ليس فقط أننا نرقص أوأننا أحياء، ولكن يبدو وكأنها
أنستنا أيضا أننا جزء من كون هائل الضخامة كبير،عوالم أخري، شموس وأفلاك ومجرات، حركة تاريخ
ضاربة إلي أسحق بعد من الماضي وواضح أيضا إلي أسحق بعد في المستقبل ..
أجل.. نسينا هذا كله. كل مراكز عقولنا محملةفوق طاقتها بأكوام من الأرقام والحسابات والديون والمطالب
والاحتمالات وخراب البيوتات، المركز الواحد أمامه طابور أفكار برمته ولا طابور الجمعية.
نسيناالقمر ..
وفجأة، رأيت القمر .
مخنوقا لا يهم، محمر الضوء كالحه لا يهم، شقةمفروشة بتليفون وحمامين وأنوار والعة مولعة ومجهزة
إلي حد الصاجات لإحياء ليالي ألف ليلة بعشرات من الشهرزادات المنتظرات، فقط، تليفون، وإذا الكل علي
واحدة ونص انضبط،مع كل واحد، يتخلخل تماما ويتفكك مع كل نص في ومضه يعود إلي الانضباط. شقة
مفروشة باهرة الأضواء بين عمارتين لزوم السادة السياح، ما عليك فقط إلا أن تشير، مجرد تشير، أو تفكر،
مجرد تفكر، وإذا بجميع ما تحلم به يتحقق حتي لو الشقة في القمر، ولوالقمر بين عمارتين تتلألأ شققهما
بأنوار .
فجأة، رأيت القمر ..
إذن فأنت القمر. تراك أين كنت أيها العربيد. ماذا ضيعك منا أو بالأصح ماذا ضيعنا منك؟ أخيراهللت،
وظهرت، ورأيناك؟ !
صحيح لم تكن مفاجأة، ولكنها كانت في حد ذاتها حدثا .
لا أعرف ماذا حدث لي بالضبط حين رأيت ذلك المخنوق بالوهج القمري، ولكن الشيءالمؤكد هو أنني
أحسست بارتباح طاغ .
القيامة إذن لم تكن قد قامت .
والطريق الذي قطعناه طويل هذا صحيح .
متعبين، مثخنين بالجراح والأنواء، نحن .
ولكن ...
ها هو القمر .
ها هو وجهه يذكرك بإنسانيتك، بأنك أنت مما كنت، ومهما كانت أوضاعك فأنت هو الإنسان، أنت العظيم وسط
هذا الكون الهائل الفراغ والظلام .
ذلك أن هذا النظام نفسه يؤكد أنك سيد هذا الكون، أنك الوحيد بين مكوناته القادر أن تتحرك بإرادتك المستقلة
وبحريتك في أي اتجاه تختاره، إنك السيد، وكل ما تفعله عظمةالكون كلما عن لها أن تؤكد نفسها فإنها في
نفس الوقت تؤكد عظمتك، أنت عظمة السيد .
فجأة، رأيت القمر ..
لا أعرف لماذا كانت بعض الديانات القبلية في أمريكاالجنوبية وأفريقيا تخصص أياما محددة من العام تجتمع
فيها القبيلة كلها ومن كافةالأنحاء، في مكان محدد عند هضبة جبلية، هناك حيث يعسكر أهل القبيلة،
ويقضون الوقت في تأمل صامت للشمس وهي تشرق وتميل ثم تغيب، والقمر وهو يعتلي قبة السماء
ويتغيرشكله وطبيعة نوره لا أعرف، ولكن الدارسين لهذه العبادات والقبائل يؤكدون علي أن الغرض من هذا
كان عمل نوع من الاتصال بين الإنسان والكون، بحيث يبقي للإنسان ذلك الاتصال الكوني الروحي الذي
يزوده بزاد يكفيه حتي حلول العام القادم .
لا أحديعرف إذن ماذا يعنيه هذا الاتصال بين الإنسان والكون أو بالضبط ماذا يحدث للنفس البشرية إذا أجبرت
علي الابتعاد عن الظواهر الكونية أو إذا عاشت واختلطت بتلك الظواهر. لا أحد بالضبط يعرف ماذا يحدث
للإنسان ولكن الذي لا شك فيه أن الإنسان) الكوني) أقوي بكثير من الإنسان بلا بعد كوني، فالإنسان ذو
البعد الكوني إنسان أقرب إلي حقيقته الإنسانية وطبعه البشري، أقرب إلي فطرته وأصالته، أقرب إلي تفرده
وتسيده من ذلك الذي غشي عليه فلم يعد يري أمسه من غده، أو ليله من نهاره .
فجأة، رأيت القمر ..
رفرفت في صدري أجنحة عصفور زقزق في قلبي كالزغرودة وهفهف بجناحيه مرحبا، وكأن الأمر عيد يهش
له .
وبدا كما لو كنت أستعيد حياتي كلها في شريط سريع أمام القمر أو بالضبط أمام لحظة القمر .
لا أعرف، ولكن، لأمر ما، كل شيء يأخذ حجمه الطبيعي، بل بدأت أنا نفسي آخذ عند نفسي حجمها الطبيعي،
أو ذلك الذي أبدو فيه أكبر من كل مشاكلي. تلك الصورة التقليدية التي يبدو فيها الإنسان، ومهما كان
التحدي القابع أمامه، منتصرا، أو علي وجهه علامات الانتصار الأكيد..
فجأة، رأيت القمر ..
في فجوة سماوية بين عمارتين.. شقة مفروشة.. كون هائل فارغ ومظلم ومنظم.. عصفوريزقزق في قلبي
طربا .
لحظة ..
وفجأة أيضا، ضاع القمر ..
سدت السماء أدوارالعمارات العالية .
أصبح لا معني أن تنظر للسماء إذ لا سماء هناك .
عليك، لكي تخطو، فقط لكي تخطو، أن تنظر إلي الأرض .
وإلي الأرض تظل تنظر، حتي لاتسقط، تنظرحتي لاتسقط فما أكثر الحفر في شوارعنا هذه الأيام .
فجأة، رأيت القمر ..
ولحظة واحدة عشتها معه .
وفجأة، ضاع القمر بين عمارتين، وضاع بصري بحثا عن موطيء قدم .
ولكن قلبي لا يزال يرفرف بالسعادة، إذ يكفي أني، بعيني، رأيت القمرالذي لا أراه.
!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!! !!!!!!!!!!!!!
اخوانى .. هل رايتم القمر؟؟؟!!!!!
*
*
Powered by vBulletin® Version 4.2.5 Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir