منصور الغايب
14-05-2008, 09:30
اتصل بي صديق لي قبل فترة ..
وأخبرني بوفاة جدته رحمها الله تعالى ..
ذهبت إلى المقبرة وبعد أداء صلاة الجنازة توجهنا لندفن الفقيدة رحمها الله تعالى ..
أنزلوا الجثمان الى القبر وتسابق ابناؤها وأحفادها كي ينزلوا معها في القبر ليلحدوها ..
وكان ممن نزل ابنها الاكبر .. انه شيخ هرم .. لم يثنه ضعف جسمه .. ولاتقدمه في السن .. أن يزل مع امه في القبر ليشهد تلكم اللحظات الاخيرة ..
وما أصعبها من لحظات ...
وبهد أن وضعوا اللبن على اللحد ... ناوش أحد الواقفين على حافة القبر يده لذلك الشيخ .. ورفعه أحد الموجودين معه في داخل القبر حتى يتمكن من الخروج ..
عندها .. نسيت كل شئ .. لم انتبه لما حولي .. بل كانت عيوني لاترى إلا شيئا واحدا .. إنه ذلك الشيخ الطاعن في السن ..
أخذت أرمقه وانظر إليه ...
كان يلقي النظرات الاخيرة على القبر والناس يحثون التراب على أمه ..
فتذكرت قول فاطمة البتول رضي الله عنها حين سألت عليا رضي الله عنه (هل طاوعتكم أنفسكم أن تحثوا التراب على وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟!)
فكأني به يقول في نفسه كما قالت الزهراء رضي الله عنها ..
ولكنها سنة الله في خلقه .. ولن تجد لسنة الله تبديلا .. ولن تجد لسنة الله تحويلا ..
واصلت النظر اليه .. ناسيا أو متناسيا ماحولي ومن حولي ..
وجدته يعض على شفتيه محاولا ان يتمالك نفسه .. ولاحظت لمعة في عينيه فعلمت أن ثمة معركة تدور بين عيونه ودموعه ... ولا اعلم الانتصار سيكون لمن .. إلا أن دموعه تكاد تكون أقوى ..
والدمعة اللي تاصل الحلق وتطير = ياقربها لو قيل لي ياعويني
وبالفعل .. انتصرت دموعه على عينيه .. فرأيت قطرات كحبات اللؤلؤ .. سالت على خديه .. وأطلقت معها صرخات مدوية .. تنادي في أرجاء المكان ....
أمي .... أمي ....
تناول شماغه البالي .. وأخذ يمسح به دموعه دون أن يشعر به أحد .. سواي ..
ومالبث أن عاد إليه عنفوانه .. وأخذ يعض على شفتيه مرة أخرى وهو يقول للدموع إياك أن تنزلي ...
ياااااااااااااه ما أجمل كبرياء أجدادنا وآبائنا ...
نزلت دمعة أخرى ... فجففها سريعا ولسان حاله يقول :
الحقيقة مابغيت أبكي ولكني بكيت = سالت دموعي على خدي على ذيا وذاه
بعد أن انتهى ذلكم المشهد .. أخذت أفكر ..
سبحان الله ... هل وفاة الام يؤثر في ذلك الشيخ الكبير ؟!
هل لازال محتاجا إلى أمه ؟!
ما أحكم من قال : لايزال الرجل طفلا مادامت أمه على قيد الحياة فإن ماتت أمه شاب !!
ثم أخذت أفكر في عنفوان ذلكم الشيخ .. وكيف أنه لا يحب أن يراه أجد وهو يبكي .. رغم أن تلكم الدموع قد سالت لفراق عزيز .. ولكنها عزة نفس آبائنا وأجدادنا ...
لا يحبون أن يظهروا بمظهر الضعيف .. حتى ولو كان من أجل عزيز ...
منذ عدة سنوات .. أدخلت إحدى بنات أخي (يصادف اليوم ذكرى ميلادها) العناية المركزة .. وكانت بين الحياة الموت .. بل نكاد نجزم بحسب كلام الاطباء أنها لن تعيش ..
تحول بيتنا الى مايشبه مجلس العزاء رغما عنا ...وكانت دموعنا تنهمر أمام أعين الجميع ..
إلا شخصا واحدا كان متماسكا وقابض على زمام نفسه ولم تسقط منه دمعة واحدة ..
إنه أبي حفظه الله.. جاء الى البيت .. وصاح بأعلى صوته ..
حطوا غدانا !!
يااااااااااااااااااااااااااه من له نفس للاكل في مثل ذلك الموقف ؟!
جاء الجواب من أبي حفظه الله سريعا .. وبلهجته الشمالية الجميله ...
(حنا نرده عن الموت لا بغى الله ياخذ روحه؟! ربه أرحم به منكم)
نظرت إليه حينها وقلت في نفسي .. اقسم بالله انك قد مرت عليك في دنياك مواقف أشد وأعتى من ذلك الموقف .. وقد تعلمت من الحياة أن الحياة لاتتوقف عند حدث معين أو موقف معين ..
لا أشك في أن والدي كان متأثرا .. ولكنه أراد أن يعطينا درسا ... وما أجمله من درس ..
تبا لك أيتها الدموع ...
عندما نريد منك أن تنهمري في الصلاة والذكر والدعاء .. أراك تنحبسين ..
وعندما تمر بنا مثل هذه المواقف .. ما أسرع هطولك .. على الخدين ...
وكأني بك تريدين أن تفضحينا .. وتظهري ضعفنا ..
والله إني من رجال يضدون الرجال = لكن الحظ الردي ساق دمعي كل ابيه
لم نستطع قهرك .. ولكن بالتأكيد فقد قهرك آباؤنا وأجدادنا ..
كتبه
منصور الغايب
14/5/2008
وأخبرني بوفاة جدته رحمها الله تعالى ..
ذهبت إلى المقبرة وبعد أداء صلاة الجنازة توجهنا لندفن الفقيدة رحمها الله تعالى ..
أنزلوا الجثمان الى القبر وتسابق ابناؤها وأحفادها كي ينزلوا معها في القبر ليلحدوها ..
وكان ممن نزل ابنها الاكبر .. انه شيخ هرم .. لم يثنه ضعف جسمه .. ولاتقدمه في السن .. أن يزل مع امه في القبر ليشهد تلكم اللحظات الاخيرة ..
وما أصعبها من لحظات ...
وبهد أن وضعوا اللبن على اللحد ... ناوش أحد الواقفين على حافة القبر يده لذلك الشيخ .. ورفعه أحد الموجودين معه في داخل القبر حتى يتمكن من الخروج ..
عندها .. نسيت كل شئ .. لم انتبه لما حولي .. بل كانت عيوني لاترى إلا شيئا واحدا .. إنه ذلك الشيخ الطاعن في السن ..
أخذت أرمقه وانظر إليه ...
كان يلقي النظرات الاخيرة على القبر والناس يحثون التراب على أمه ..
فتذكرت قول فاطمة البتول رضي الله عنها حين سألت عليا رضي الله عنه (هل طاوعتكم أنفسكم أن تحثوا التراب على وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟!)
فكأني به يقول في نفسه كما قالت الزهراء رضي الله عنها ..
ولكنها سنة الله في خلقه .. ولن تجد لسنة الله تبديلا .. ولن تجد لسنة الله تحويلا ..
واصلت النظر اليه .. ناسيا أو متناسيا ماحولي ومن حولي ..
وجدته يعض على شفتيه محاولا ان يتمالك نفسه .. ولاحظت لمعة في عينيه فعلمت أن ثمة معركة تدور بين عيونه ودموعه ... ولا اعلم الانتصار سيكون لمن .. إلا أن دموعه تكاد تكون أقوى ..
والدمعة اللي تاصل الحلق وتطير = ياقربها لو قيل لي ياعويني
وبالفعل .. انتصرت دموعه على عينيه .. فرأيت قطرات كحبات اللؤلؤ .. سالت على خديه .. وأطلقت معها صرخات مدوية .. تنادي في أرجاء المكان ....
أمي .... أمي ....
تناول شماغه البالي .. وأخذ يمسح به دموعه دون أن يشعر به أحد .. سواي ..
ومالبث أن عاد إليه عنفوانه .. وأخذ يعض على شفتيه مرة أخرى وهو يقول للدموع إياك أن تنزلي ...
ياااااااااااااه ما أجمل كبرياء أجدادنا وآبائنا ...
نزلت دمعة أخرى ... فجففها سريعا ولسان حاله يقول :
الحقيقة مابغيت أبكي ولكني بكيت = سالت دموعي على خدي على ذيا وذاه
بعد أن انتهى ذلكم المشهد .. أخذت أفكر ..
سبحان الله ... هل وفاة الام يؤثر في ذلك الشيخ الكبير ؟!
هل لازال محتاجا إلى أمه ؟!
ما أحكم من قال : لايزال الرجل طفلا مادامت أمه على قيد الحياة فإن ماتت أمه شاب !!
ثم أخذت أفكر في عنفوان ذلكم الشيخ .. وكيف أنه لا يحب أن يراه أجد وهو يبكي .. رغم أن تلكم الدموع قد سالت لفراق عزيز .. ولكنها عزة نفس آبائنا وأجدادنا ...
لا يحبون أن يظهروا بمظهر الضعيف .. حتى ولو كان من أجل عزيز ...
منذ عدة سنوات .. أدخلت إحدى بنات أخي (يصادف اليوم ذكرى ميلادها) العناية المركزة .. وكانت بين الحياة الموت .. بل نكاد نجزم بحسب كلام الاطباء أنها لن تعيش ..
تحول بيتنا الى مايشبه مجلس العزاء رغما عنا ...وكانت دموعنا تنهمر أمام أعين الجميع ..
إلا شخصا واحدا كان متماسكا وقابض على زمام نفسه ولم تسقط منه دمعة واحدة ..
إنه أبي حفظه الله.. جاء الى البيت .. وصاح بأعلى صوته ..
حطوا غدانا !!
يااااااااااااااااااااااااااه من له نفس للاكل في مثل ذلك الموقف ؟!
جاء الجواب من أبي حفظه الله سريعا .. وبلهجته الشمالية الجميله ...
(حنا نرده عن الموت لا بغى الله ياخذ روحه؟! ربه أرحم به منكم)
نظرت إليه حينها وقلت في نفسي .. اقسم بالله انك قد مرت عليك في دنياك مواقف أشد وأعتى من ذلك الموقف .. وقد تعلمت من الحياة أن الحياة لاتتوقف عند حدث معين أو موقف معين ..
لا أشك في أن والدي كان متأثرا .. ولكنه أراد أن يعطينا درسا ... وما أجمله من درس ..
تبا لك أيتها الدموع ...
عندما نريد منك أن تنهمري في الصلاة والذكر والدعاء .. أراك تنحبسين ..
وعندما تمر بنا مثل هذه المواقف .. ما أسرع هطولك .. على الخدين ...
وكأني بك تريدين أن تفضحينا .. وتظهري ضعفنا ..
والله إني من رجال يضدون الرجال = لكن الحظ الردي ساق دمعي كل ابيه
لم نستطع قهرك .. ولكن بالتأكيد فقد قهرك آباؤنا وأجدادنا ..
كتبه
منصور الغايب
14/5/2008