حمتو
30-04-2008, 10:58
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره وانتهج منهجه الى أن يلقاه
وبعد
موضوع المسعى نازلة من نوازل هذا العصر وقد تجاذب العلماء فيه ولكن سنطرح وجهات نظرهم على حلقات متتالية ونقابلها ببعض ونعلم أدلة هاؤلاء وهاؤلاء وعلى القارئ معرفة ما يبري ذمته به أمام الله
وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا) (النساء: 83) ومع أن الآية تتحدث عن أمر الحرب وما يحصل فيها من الأمن بالنصر والخوف من الهزيمة، إلا أن بعض المفسرين قد فسر أولي الأمر بأهل العلم والفقه، قاله الحسن وقتاده وغيرهما(1). فهنا أمرنا بالرد إلى الرسول – صلى الله عليه وسلم – في حال حياته والرد إلى أهل العلم بعد وفاته؛ هذا فى أمر الحرب التي هي ألصق بالسياسة التي هي جزء من الدين ولكنها تحتاج إلى أهل الخبرة من الولاة والعسكر مع أهل العلم الذين يضبطون الأحكام بضوابط الشرع، فكيف بمسألة توسعة المسعى التي هي مسألة شرعية بحته، بل مسألة تعبدية ترتبط بركن من أركان الإسلام!
إن في الطريقة التي تناولها موضوع توسعة المسعى من عرضٍ للموضوع على مجلس هيئة كبار العلماء في دورته الرابعة والستين في 18/2/1427 هـ وصدور قرار الهيئة رقم 227 في 22/2/1427 هـ القاضي "بأنه وبعد الدراسة والمناقشة والتأمل رأى المجلس بالأكثرية أن العمارة الحالية للمسعى شاملة لجميع أرضه، ومن ثم فإنه لا يجوز توسعتها، ويمكن حل المشكلة رأسياً، بإضافة بناء فوق المسعى" وتوقيع جميع الأعضاء على القرار مع تحفظ ثلاثة فقط، أي بالأغلبية المطلقة! وقد استندت الفتوى على قرار اللجنة المشكلة من قبل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم في 10/2/1378 هـ، والتي ضمت في عضويتها عدد من المشائخ وأعيان أهل مكة(2) وكانت قبل البنيان مما مكنها من تصور عرض المسعى تصوراً دقيقاً. وبعد ذلك – وللأسف الشديد – يبدأ العمل على توسعة المسعى من جهة الشرق وكأن قرار هيئة كبار العلماء كان على العكس تماماً!
مما لا شك فيه أن المسؤولين والمهندسين يحسنون النظر في آلية التوسعة والشركة المناسبة لعمل الإنشاءآت واعتماد الميزانية المناسبة للمشروع؛ ولكنهم بلا شك أيضاً ليس لديهم الأهلية لإصدار الحكم الشرعي الذي يحدد جواز هذا العمل من عدمه. الجميع يعلم أن العلماء الكبار قد أفتوا بعدم جواز التوسعة الجديدة للمسعى ما عدا الشيخ ابن جبرين – حفظه الله – وعلى هذا فهناك شبه إجماع من أهل النظر والإجتهاد على المنع من هذه التوسعة، أما من تكلم في هذه النازلة التي هي من عضل المسائل من غير أهل الإجتهاد فلا عبرة بكلامه. يقول الأمام الشاطبي – رحمه الله – : " الاجتهاد الواقع في الشريعة ضربان: أحدهما: الاجتهاد المعتبر شرعاً، وهو الصادر عن أهله .... والثاني: غير المعتبر، وهو الصادر عمن ليس بعارف بما يفتقر الاجتهاد إليه .... إلخ"(3) وقد تسبب تصدر بعض طلبة العلم للفتوى بعامة وفي مسألة المسعى الجديد بخاصة مع وجود العلماء الكبار اضطراباً وتخبطاً كبيرين خطيرين.
وقبل أن أقف بعض الوقفات مع مسألة المسعى الجديد وما صاحبها من تخبط، أورد أسماء العلماء الكبار الذين أفتوا بعدم جواز توسعة المسعى:
1. الشيخ محمد بن إبراهيم – رحمه الله – مفتي عام المملكة العربية السعودية سابقاً(4).
2. الشيخ صالح بن فوزان الفوزان(5).
3. الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الغديان(6).
4. الشيخ صالح بن محمد اللحيدان – رئيس المجلس الأعلى للقضاء(7).
5. الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ – مفتي عام المملكة العربية السعودية(8).
وغيرهم من الكبار كالشيخ ابن باز – رحمه الله – والشيخ عبدالرحمن البراك والشيخ عبدالكريم الخضير؛ الذين افتوا بعدم جواز التوسعة بالمنطوق أو بالمفهوم وكوني لم أستطع الحصول على مستند مكتوب لتوثيق فتاواهم وللأمانة العلمية فقد أحجمت عن ضمهم للقائمة إعلاه.
أقول لقد تحيرت أن أكتب شيئاً بعد ذكر هؤولاء الكبار الذين يكفي لمعرفة قوة القول بعدم جواز التوسعة كونهم قالوا به؛ مع عدم وجود المخالف لهم من الكبار سوى واحدٍ أو اثنين على الأكثر. وقد آن الآوان للوقوف مع الموضوع وقفات تأمل وتحليل:
الوقفة الأولى: أن الأدلة والشهود الذين أتي بهم ويقال أن عددهم وصل إلى أكثر من ثلاثين شاهداً لم تعلن شهاداتهم، وجلهم إنما طُلبوا بعد البدء في التوسعة! وعلى هذا فإن الأمر لا يعدوا استدلالا بعد إصدار الحكم؛ وهذا اسلوب خطير في التعامل مع المسائل الشرعية. يقول الإمام الشاطبي في معرض كلامه عن الاجتهاد غير المعتبر : " فتراه آخذاً ببعض جزئياتها في هدم كلياتها حتى يصير منها إلى ما ظهر له ببادئ رأيه من غير إحاطة بمعانيها ولا راجع رجوع الافتقار إليها، ولا مسلم لما روي عنهم في فهمها..."(9) بل يرجع إليها رجوع الاستظهار بها على صحة غرضه في النازلة(10). ومصداقاً لهذا الكلام فقد سمعت في أيام الحج الماضي أحد المشائخ يجيز السعي في الجديد ويتهكم بمن يمنعون من ذلك من العلماء الكبار، وتفاجئت وبعد شهرين من إنتهاء الحج أنه يقول في أحد المجالس: هنالك سبعة شهود شهدوا بامتداد الصفا والمروة ولكني لم أطلع على الصك!!!
الوقفة الثانية: من العجب العجاب أن بعض المجيزين يهاجم العلماء الكبار ويتهمهم بأنهم أصحاب فتاوىً فردية، مع أن رأيهم هو رأي هيئة كبار العلماء المشار إليه آنفاً. فمن الذي فتواه فرديه!! وقد نقلت جريدة الرياض عن أحد المشائخ الذين تصدروا في الانتصار لجواز توسعة المسعى، تقول الجريدة: " حَمَل عضو هيئة كبار العلماء على بعض طلبة العلم الذين يتسرعون ويستعجلون في إصدار الفتاوى في قضايا مهمة وكبيرة تهز الأمة بأسرها مؤكدا أن الاجتهاد الفردي (الأحادي) لا يجوز لوجود مؤسسات الاجتهاد الجماعي كهيئة كبار العلماء ومجمع الفقه الإسلامي ولجنة الإفتاء".
الوقفة الثالثة: وهي أن علماء الأمة الإسلامية الذين استكتبوا في مسألة المسعى ونشرت أراءهم كما فعلت جريدة الرياض السعودية ومجلة الدعوة، يظهر لي من خلال الإطلاع على أقوالهم أنهم أحد رجلين: إما شيخ لم يعلم بالخلاف في المسألة – لعدم طرح رأي المانعين في وسائل الإعلام – وثقةً بعلماء السعودية بارك العمل وأثنى عليه؛ وإما شيخ من مشائخ التيسير الذين يجعلون التيسير أصلاً من أصول الشريعة مع أن الشريعة هي اليسر وليس ما نراه نحن يسيراً سهلاً يكون هو الشريعة! وقد وقفت على فتاواهم فوجدتها تعلل الجواز بإرادة التيسير على الناس. وقد جاء في موقع الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي الإلكتروني حول رأيه في توسعة المسعى: (وأكد أنه لا يوجد مانع شرعي في التوسعة بل يوجد ما يؤيدها، مشيرا إلى أن الشرع قام على التيسير لا التعسير، مستندا لقول الله عز وجل: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)، وبقوله سبحانه: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ). وقوله عز وجل: (يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ). وقول النبي عليه الصلاة والسلام: (إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين، يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا))(11).
الوقفة الرابعة: أن كثيراً من المجيزين قد أحتجوا بكون الموضوع محل خلاف وولى الأمر هو من يرفع الخلاف في مثل هذه الحالة. وقد أجاب شيخنا عبدالكريم الخضير على هذه الشبهة في معرض رده على سؤال حول المسعى، يقول: " وبعضهم يقول حُكم الحاكم يرفع الخِلاف، والمشايخ اختلفوا وولي الأمر رأى أن الرجحان مع من يجيز، وأحضر شهود يشهدون أن المسعى أعرض من المسعى القائم، ورأى ولي الأمر، ولا يشك يعني في إرادة المصلحة في مثل هذا؛ لكن الإرادة والنيَة وحدها لا تكفي؛ بل لا بُد من الصدور عن أقوال أهل العلم؛ لأن العبادات محضة ما تخضع للاجتهاد"(12).
الوقفة الخامسة: تحيز وسائل الإعلام لرأي المجيزين وعدم تحقيقهم لأصول المهنة الإعلامية التي من أهمها الحيادية. بل وصل الأمر بهم بأن استكتبوا علماء ومفكرين كثر ولم ينشروا إلى لمن أجاز التوسعة! وهذا والله عين الكذب وخداع القارئ الذي حجب عنه الجزء الآخر من الحقيقة. ومما يؤسف له أن بعض المواقع الإسلامية قد خصصت ملحقاً خاصاً لمناقشة توسعة المسعى ولم تذكر سوى أقوال المجيزين!! وإن المتابع لوسائل الإعلام يجد التهميش الواضح والتعتيم الكامل لفتاوى العلماء الكبار المانعين من التوسعة، مما جعل عامة الناس يحسبون أن الحق في الموضوع مع المجيزين وأن المانعين رأيهم شاذ وغير معتبر.
الوقفة الأخيرة: إنه لمن المؤسف أن يتصدر للفتوى في النوازل طلبة العلم الصغار والمتوسطين مع وجود العلماء الكبار، وهذا لعمري هو عين الفتنة ولو أن الناس صدروا عن علمائهم الكبار لما صار الخلاف مسرحاً للنيل من العلماء والتخبط في الفتوى الذي يفرق الأمة ويشتتها؛ فعندما يهمش الكبار يحصل البلاء والإنحراف عن الصراط المستقيم!
وإنه مما يؤسف له أن الذي يحصل من التخبط وتهميش العلماء الكبار الراسخين في العلم ومحاولة استبدالهم بغيرهم ممن هو اقل منهم أو استبدالهم بعلماء من خارج البلاد لهو فتنة عظيمة تنال من الدين وأهله وتسعى لتشويه صورة الكبار واهدار مكانتهم عند الناس، (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (يوسف: من الآية 21) أسأل الله بمنه وكرمه أن يحفظ علماءنا من كل سوء وأن يثبتهم على الحق وأن يريهم الحق حقاً ويرزقهم اتباعه ويريهم الباطل باطلاً ويرزقهم اجتنابه، كما أسأله تعالى أن يعيينا على الذب عن علماءنا واقتفاء أثرهم إنه سميع مجيب.
____________________
(1) الجامع لأحكام القرآن.
(2) فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم (5/141).
(3) الموفقات، تحقيق أبو عبيده آل سلمان (5/131).
(4) أشير لفتوى سماحته في قرار هيئة كبار العلماء رقم 227 وتاريخ 22/2/1427هـ.
(5) للشيخ بيان في الموضوع منشور في موقعه الإلكتروني.
(6) قرار هيئة كبار العلماء رقم 227 وتاريخ 22/2/1427 هـ.
(7) المصدر السابق.
(8) المصدر السابق.
(9) الموفقات، تحقيق أبو عبيده آل سلمان (5/142).
(10) حاشية الموفقات، تحقيق أبو عبيده آل سلمان (5/142).
(11) موقع الشيخ يوسف القرضاوي الإلكتروني.
(12) موقع الشيخ عبدالكريم الخضير الإلكتروني.
منقول من بعض الأخوان
د/حمتو
بسم الله الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره وانتهج منهجه الى أن يلقاه
وبعد
موضوع المسعى نازلة من نوازل هذا العصر وقد تجاذب العلماء فيه ولكن سنطرح وجهات نظرهم على حلقات متتالية ونقابلها ببعض ونعلم أدلة هاؤلاء وهاؤلاء وعلى القارئ معرفة ما يبري ذمته به أمام الله
وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا) (النساء: 83) ومع أن الآية تتحدث عن أمر الحرب وما يحصل فيها من الأمن بالنصر والخوف من الهزيمة، إلا أن بعض المفسرين قد فسر أولي الأمر بأهل العلم والفقه، قاله الحسن وقتاده وغيرهما(1). فهنا أمرنا بالرد إلى الرسول – صلى الله عليه وسلم – في حال حياته والرد إلى أهل العلم بعد وفاته؛ هذا فى أمر الحرب التي هي ألصق بالسياسة التي هي جزء من الدين ولكنها تحتاج إلى أهل الخبرة من الولاة والعسكر مع أهل العلم الذين يضبطون الأحكام بضوابط الشرع، فكيف بمسألة توسعة المسعى التي هي مسألة شرعية بحته، بل مسألة تعبدية ترتبط بركن من أركان الإسلام!
إن في الطريقة التي تناولها موضوع توسعة المسعى من عرضٍ للموضوع على مجلس هيئة كبار العلماء في دورته الرابعة والستين في 18/2/1427 هـ وصدور قرار الهيئة رقم 227 في 22/2/1427 هـ القاضي "بأنه وبعد الدراسة والمناقشة والتأمل رأى المجلس بالأكثرية أن العمارة الحالية للمسعى شاملة لجميع أرضه، ومن ثم فإنه لا يجوز توسعتها، ويمكن حل المشكلة رأسياً، بإضافة بناء فوق المسعى" وتوقيع جميع الأعضاء على القرار مع تحفظ ثلاثة فقط، أي بالأغلبية المطلقة! وقد استندت الفتوى على قرار اللجنة المشكلة من قبل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم في 10/2/1378 هـ، والتي ضمت في عضويتها عدد من المشائخ وأعيان أهل مكة(2) وكانت قبل البنيان مما مكنها من تصور عرض المسعى تصوراً دقيقاً. وبعد ذلك – وللأسف الشديد – يبدأ العمل على توسعة المسعى من جهة الشرق وكأن قرار هيئة كبار العلماء كان على العكس تماماً!
مما لا شك فيه أن المسؤولين والمهندسين يحسنون النظر في آلية التوسعة والشركة المناسبة لعمل الإنشاءآت واعتماد الميزانية المناسبة للمشروع؛ ولكنهم بلا شك أيضاً ليس لديهم الأهلية لإصدار الحكم الشرعي الذي يحدد جواز هذا العمل من عدمه. الجميع يعلم أن العلماء الكبار قد أفتوا بعدم جواز التوسعة الجديدة للمسعى ما عدا الشيخ ابن جبرين – حفظه الله – وعلى هذا فهناك شبه إجماع من أهل النظر والإجتهاد على المنع من هذه التوسعة، أما من تكلم في هذه النازلة التي هي من عضل المسائل من غير أهل الإجتهاد فلا عبرة بكلامه. يقول الأمام الشاطبي – رحمه الله – : " الاجتهاد الواقع في الشريعة ضربان: أحدهما: الاجتهاد المعتبر شرعاً، وهو الصادر عن أهله .... والثاني: غير المعتبر، وهو الصادر عمن ليس بعارف بما يفتقر الاجتهاد إليه .... إلخ"(3) وقد تسبب تصدر بعض طلبة العلم للفتوى بعامة وفي مسألة المسعى الجديد بخاصة مع وجود العلماء الكبار اضطراباً وتخبطاً كبيرين خطيرين.
وقبل أن أقف بعض الوقفات مع مسألة المسعى الجديد وما صاحبها من تخبط، أورد أسماء العلماء الكبار الذين أفتوا بعدم جواز توسعة المسعى:
1. الشيخ محمد بن إبراهيم – رحمه الله – مفتي عام المملكة العربية السعودية سابقاً(4).
2. الشيخ صالح بن فوزان الفوزان(5).
3. الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الغديان(6).
4. الشيخ صالح بن محمد اللحيدان – رئيس المجلس الأعلى للقضاء(7).
5. الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ – مفتي عام المملكة العربية السعودية(8).
وغيرهم من الكبار كالشيخ ابن باز – رحمه الله – والشيخ عبدالرحمن البراك والشيخ عبدالكريم الخضير؛ الذين افتوا بعدم جواز التوسعة بالمنطوق أو بالمفهوم وكوني لم أستطع الحصول على مستند مكتوب لتوثيق فتاواهم وللأمانة العلمية فقد أحجمت عن ضمهم للقائمة إعلاه.
أقول لقد تحيرت أن أكتب شيئاً بعد ذكر هؤولاء الكبار الذين يكفي لمعرفة قوة القول بعدم جواز التوسعة كونهم قالوا به؛ مع عدم وجود المخالف لهم من الكبار سوى واحدٍ أو اثنين على الأكثر. وقد آن الآوان للوقوف مع الموضوع وقفات تأمل وتحليل:
الوقفة الأولى: أن الأدلة والشهود الذين أتي بهم ويقال أن عددهم وصل إلى أكثر من ثلاثين شاهداً لم تعلن شهاداتهم، وجلهم إنما طُلبوا بعد البدء في التوسعة! وعلى هذا فإن الأمر لا يعدوا استدلالا بعد إصدار الحكم؛ وهذا اسلوب خطير في التعامل مع المسائل الشرعية. يقول الإمام الشاطبي في معرض كلامه عن الاجتهاد غير المعتبر : " فتراه آخذاً ببعض جزئياتها في هدم كلياتها حتى يصير منها إلى ما ظهر له ببادئ رأيه من غير إحاطة بمعانيها ولا راجع رجوع الافتقار إليها، ولا مسلم لما روي عنهم في فهمها..."(9) بل يرجع إليها رجوع الاستظهار بها على صحة غرضه في النازلة(10). ومصداقاً لهذا الكلام فقد سمعت في أيام الحج الماضي أحد المشائخ يجيز السعي في الجديد ويتهكم بمن يمنعون من ذلك من العلماء الكبار، وتفاجئت وبعد شهرين من إنتهاء الحج أنه يقول في أحد المجالس: هنالك سبعة شهود شهدوا بامتداد الصفا والمروة ولكني لم أطلع على الصك!!!
الوقفة الثانية: من العجب العجاب أن بعض المجيزين يهاجم العلماء الكبار ويتهمهم بأنهم أصحاب فتاوىً فردية، مع أن رأيهم هو رأي هيئة كبار العلماء المشار إليه آنفاً. فمن الذي فتواه فرديه!! وقد نقلت جريدة الرياض عن أحد المشائخ الذين تصدروا في الانتصار لجواز توسعة المسعى، تقول الجريدة: " حَمَل عضو هيئة كبار العلماء على بعض طلبة العلم الذين يتسرعون ويستعجلون في إصدار الفتاوى في قضايا مهمة وكبيرة تهز الأمة بأسرها مؤكدا أن الاجتهاد الفردي (الأحادي) لا يجوز لوجود مؤسسات الاجتهاد الجماعي كهيئة كبار العلماء ومجمع الفقه الإسلامي ولجنة الإفتاء".
الوقفة الثالثة: وهي أن علماء الأمة الإسلامية الذين استكتبوا في مسألة المسعى ونشرت أراءهم كما فعلت جريدة الرياض السعودية ومجلة الدعوة، يظهر لي من خلال الإطلاع على أقوالهم أنهم أحد رجلين: إما شيخ لم يعلم بالخلاف في المسألة – لعدم طرح رأي المانعين في وسائل الإعلام – وثقةً بعلماء السعودية بارك العمل وأثنى عليه؛ وإما شيخ من مشائخ التيسير الذين يجعلون التيسير أصلاً من أصول الشريعة مع أن الشريعة هي اليسر وليس ما نراه نحن يسيراً سهلاً يكون هو الشريعة! وقد وقفت على فتاواهم فوجدتها تعلل الجواز بإرادة التيسير على الناس. وقد جاء في موقع الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي الإلكتروني حول رأيه في توسعة المسعى: (وأكد أنه لا يوجد مانع شرعي في التوسعة بل يوجد ما يؤيدها، مشيرا إلى أن الشرع قام على التيسير لا التعسير، مستندا لقول الله عز وجل: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)، وبقوله سبحانه: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ). وقوله عز وجل: (يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ). وقول النبي عليه الصلاة والسلام: (إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين، يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا))(11).
الوقفة الرابعة: أن كثيراً من المجيزين قد أحتجوا بكون الموضوع محل خلاف وولى الأمر هو من يرفع الخلاف في مثل هذه الحالة. وقد أجاب شيخنا عبدالكريم الخضير على هذه الشبهة في معرض رده على سؤال حول المسعى، يقول: " وبعضهم يقول حُكم الحاكم يرفع الخِلاف، والمشايخ اختلفوا وولي الأمر رأى أن الرجحان مع من يجيز، وأحضر شهود يشهدون أن المسعى أعرض من المسعى القائم، ورأى ولي الأمر، ولا يشك يعني في إرادة المصلحة في مثل هذا؛ لكن الإرادة والنيَة وحدها لا تكفي؛ بل لا بُد من الصدور عن أقوال أهل العلم؛ لأن العبادات محضة ما تخضع للاجتهاد"(12).
الوقفة الخامسة: تحيز وسائل الإعلام لرأي المجيزين وعدم تحقيقهم لأصول المهنة الإعلامية التي من أهمها الحيادية. بل وصل الأمر بهم بأن استكتبوا علماء ومفكرين كثر ولم ينشروا إلى لمن أجاز التوسعة! وهذا والله عين الكذب وخداع القارئ الذي حجب عنه الجزء الآخر من الحقيقة. ومما يؤسف له أن بعض المواقع الإسلامية قد خصصت ملحقاً خاصاً لمناقشة توسعة المسعى ولم تذكر سوى أقوال المجيزين!! وإن المتابع لوسائل الإعلام يجد التهميش الواضح والتعتيم الكامل لفتاوى العلماء الكبار المانعين من التوسعة، مما جعل عامة الناس يحسبون أن الحق في الموضوع مع المجيزين وأن المانعين رأيهم شاذ وغير معتبر.
الوقفة الأخيرة: إنه لمن المؤسف أن يتصدر للفتوى في النوازل طلبة العلم الصغار والمتوسطين مع وجود العلماء الكبار، وهذا لعمري هو عين الفتنة ولو أن الناس صدروا عن علمائهم الكبار لما صار الخلاف مسرحاً للنيل من العلماء والتخبط في الفتوى الذي يفرق الأمة ويشتتها؛ فعندما يهمش الكبار يحصل البلاء والإنحراف عن الصراط المستقيم!
وإنه مما يؤسف له أن الذي يحصل من التخبط وتهميش العلماء الكبار الراسخين في العلم ومحاولة استبدالهم بغيرهم ممن هو اقل منهم أو استبدالهم بعلماء من خارج البلاد لهو فتنة عظيمة تنال من الدين وأهله وتسعى لتشويه صورة الكبار واهدار مكانتهم عند الناس، (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (يوسف: من الآية 21) أسأل الله بمنه وكرمه أن يحفظ علماءنا من كل سوء وأن يثبتهم على الحق وأن يريهم الحق حقاً ويرزقهم اتباعه ويريهم الباطل باطلاً ويرزقهم اجتنابه، كما أسأله تعالى أن يعيينا على الذب عن علماءنا واقتفاء أثرهم إنه سميع مجيب.
____________________
(1) الجامع لأحكام القرآن.
(2) فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم (5/141).
(3) الموفقات، تحقيق أبو عبيده آل سلمان (5/131).
(4) أشير لفتوى سماحته في قرار هيئة كبار العلماء رقم 227 وتاريخ 22/2/1427هـ.
(5) للشيخ بيان في الموضوع منشور في موقعه الإلكتروني.
(6) قرار هيئة كبار العلماء رقم 227 وتاريخ 22/2/1427 هـ.
(7) المصدر السابق.
(8) المصدر السابق.
(9) الموفقات، تحقيق أبو عبيده آل سلمان (5/142).
(10) حاشية الموفقات، تحقيق أبو عبيده آل سلمان (5/142).
(11) موقع الشيخ يوسف القرضاوي الإلكتروني.
(12) موقع الشيخ عبدالكريم الخضير الإلكتروني.
منقول من بعض الأخوان
د/حمتو