فهد الشودحي
18-02-2008, 12:52
خرجت من اليمن وانتشرتفي الوطن العربي
ثقافة شعبية ... الفنونالقولية لقبيلة شمر نموذجاً للتراث القيمي والروحي
رداً على ما أورده الظاهري حول نسب آل الجربا نقول: قبيلة شمر التي تعد من أكبر القبائل العربية، التي يصح ان نطلق عليها قبيلة كوزموبوليتانية نظرا للانتشار الكبير لأبنائها في العديد من الدول الخليجية والعربية على حد علمنا، وهي قبيلة قحطانية وبيت الرئاسة فيها لآل الجربا، وآل الجربا ينتسبون الى الشريف محمد الجد الأعلى للجربا وهم بيت الرئاسة على شمر والذي ينحدر نسبه من الشريف بركات (حامد محمد خضر، ثائر، تاريخ آل محمد الجربا وقبيلة شمّر العربية في اقليم نجد والجزيرة، الدار العربية للموسوعات، ط ،1 بيروت 2002م ص 32) وقد نزحت هذه القبيلة من نجد باتجاه بوادي العراق في حدود عام 1674م بحثاً عن مراع خصبة. (المصدر السابق، ص 34)
فهد الشودحي
في سنة 1791 سار شيخها “مطلق الجربا” إلى سورية وتوجه إلى الحج مع احمد باشا الجزار والي عكا وعاد إلى بادية العراق وأصاب نفوذاً عظيماً. (المصدر السابق، ص 72) كان الشيخ مطلق على رأس قبائل شمر في النصف الثاني من القرن الثامن عشر وأبوه هو الشيخ حميدي الامسح، وكان الشيخ مطلق فارسا جوادا سخيا ذا حكمة وعلم تناقلت أخباره أعداؤه قبل أهله وأصدقائه وخير من وصف هذا الشيخ الشمري ابن سند الوائلي (عثمان بن سند الوائلي، مطالع السعود في طيب أخبار الوزير داؤد، بغداد:1991م) بقوله: هذا مطلق من كرام العرب عريق النجاد شريف النسب من الشجعان والفرسان الذين لايمتري بشجاعتهم إنسان، له مواقف يشهد لها في السنان والقاضب ووقائع اعترف لها بالبسالة فيها العدو والصاحب، أما كرمه فهو البحر، حدث عنه ولا حرج، وأما أخلاقه فألطف من الشمول وأذكى من الخزامى في الأرج وأما بيته فكعبة المحتاجين وركن الملتمسين، جمع البسالة والكرم في ردائه بحيث نادت ألسنة نظرائه انه العلم الفرد والشمري الذي لايوقف لكرمه على حد، ولقد والله اعجز من بعده من سراة البادية بمكارم لاتوصف إلا بأنها ظاهرة بادية. وعرف الشيخ مطلق الجربا بالعديد من الألقاب منها الزكام، واخو جوزه، والعيط، وتحدث العديد من الشعراء عنه وعن كرمه وشجاعته. وللشيخ مطلق الجربا قصيدة رائعة تعد من عيون التراث الشعري الشمري، بل تعد من أشهر ماقيل في رثاء الخيل طبقت شهرتها الآفاق، تلك المحاورة الشعرية الشهيرة الرائعة التي يتناقلها إلى اليوم رواة الشعر الشعبي، فقد كان الشيخ مطلق يقول الشعر ويجيده، ولعل قصيدته التي وصلت إلينا على لسان فرسه ضمن حوار خيالي تصويري جميل بينه وبينها، وهي العزيزة على قلبه. ويعلم البدو كم تكون الفرس غالية لدى فارسها خاصة البدوي الشجاع. وكان الدهر قد آلى أن يذهب ببصر هذه الفرس، فحزن عليها الشيخ حزناً شديداً، ووضع هذه القصيدة التي اشتملت على خصال فرسه، وعلى صدق الأحاسيس التي كان الشيخ يكنها لها. وهي لوحة إنسانية غاية في الصدق؛ صدق مشاعر الإنسان البدوي تجاه فرسه الأصيلة إذ يتذكر هذا البدوي الشجاع الأيام التي خاض على ظهرها غمار المعارك دفاعاً عن أرضه وشرف قبيلته ومكانتها. والقصيدة طويلة، نورد منها هذه الأبيات: التي يبدؤها بهذا السؤال من فرسه، حين تطلب منه أن يبحث عن الدواء الذي يشفي بصرها، فتقول مخاطبة إياه بأحد ألقابه الزكَام:
قم يا زكم للريف دَوّر دوانا
هات الطبيب اللي يداوي عمانا
أنا طلبت الله يوم ابتلانا
لن الوضاح بعين خطو الردوحي
فيجيب الزكام:
لو الدوا ينفع لعينج شريناه
لو هو بغالي ثمناً خسرناه
مار عينج له نظير دفق ماه
ولا ينفع العطشان كثر السبوحي
فتذكره بأيام خلت، أيام كانت ترى وتبصر:
تنساني يوم أكسر عريشي عن الذيل
مثل الشقايا تلاقا به السيل
أما حديث الرمح بالجري والحيل
للجرف هو ويا الخياري جموحي
فيجيبها بقوله:
من غير بَرّي لج حليب وقلصان
والبر الآخر مرتعش فوق حوشان
أريد إليا من صار للخيل ميدان
أطلع عليهم مثل برقٍ يلوحي
وترد عليه فرسه، وتخاطبه بلقب له آخر، وهو “العيط”:
يا العيط حوشان تعلوه شمّر
خصّ إليا جونا على كوار ضمّر
كم نوبةٍ سرجك علينا تجمّر
والشيخ يطلب عفتك وأنت توحي
ويخاطب العيط فرسه هنا بحرقة قلب وتوجع على مصابها، فيقول:
وجدي على الشّقرَة إليا صاح صيّاح
تعلوهن طوال السبايا والارماح
كم واحدٍ على صابره طاح
عليه عذرا كل ليلة تنوحي
فتذكره بإحدى معاركه:
يا العيط جيناهم من الشرق للشام
وتعللت بن مجالس بني لام
وكم نوبةٍ طير المنايا عَلَي حام
والي العلا يفك روحك و روحي
فيزداد توجعه على فرسه مع توارد هذه الذكريات الحميمة... ويزداد ألمه:
وجدي على الشقرة لو جن مع الريع
ثلث مجاويخ وثلث مداريع
مسرجاتن سدن الفج والريع
واطلع عليهم مثل ظفر سبوحي
وجدي على الشقره لو كطو بنا
لحجوا علينا بالطلب كل فنا
ياما بتاليهم كحوم تثنّا
لو هاب عشيج البنات الطموحي
ولما تكلم حمد بن محمد بن لعبون في كتابه تاريخ ابن لعبون عن شمر أبي القبيلة قال: وقد غلبت هذه النسبة شمر على أهل جبل طيء من البادية وبعض الحاضرة والظاهر أنهم كلهم ليسوا من نسله، ولا يبعد أن ينسب إليه غير من يجتمع معه في عمود نسبه من سائر طيء وكذلك من خالطهم أو نازلهم من جار أو حليف قد يُنسب إليهم، مع تطاول الأزمان.
ثم يعقب على كلام ابن لعبون بالقول، إذن عبدة من أكبر قبائل شمر الطائية حلفاً، وهي من قبيلة جنب المذحجية نسباً.
فهم أبناء عم عبيدة من قحطان:
إن سَلْت عَنَا يالسّويطي قحاطين
عواصم واللّي حذانا لفايق
حنّا وعبدة والضيا غم بجدّين
لَطّامة يوم اللقا كل مايق
فأما عن عموم طيء فقد ذكر النسابون أن قبيلة طيء خرجت من اليمن على أثر خروج الأزد منه، ونزلوا وادي طريب وما حوله فترة من الزمن ثم انتقلوا فنزلوا سميراء وفَيْد، في جوار بني أسد، ثم غلبوا بني أسد على أجا وسلمى فعرفا فيما بعد بجبلي طيء. وشمّر بطن من طيء، ولكنها في العصور المتأخرة أصبحت مجمع البطون الطائية مع أخلاط أخرى دخلت فيها بالحلف.
وكان أمراء الجبل قبل هجرة عبدة من قبيلة زبيد، فتغلبت عبدة عليهم حتى أجلوهم، وآخر زعمائهم بهيج، وفي ذلك يقول شعراء شمّر فيما بعد:
قبلك بهيج حَدّروه السناعيس
من عْقدِةَ اللي ما يْحدر قناها
والمعروف ان عزوة شمّر هي “السناعيس” واحدهم سنعوسي.
ويورد المؤلف معلومات مفصلة عن علاقة الضياغم بقبيلة شمر، فيذكر أن عرار بن شهوان آل ضيغم هو جد آل رشيد أمراء حائل وأنه عاش سنة 850ه. وإليه تنسب نجائب من الخيل تدعى الدّهم الشهوانيات:
لنا منزل ما بين الأفلاج والحسا
وما بين صنعا والسّليل وجود
إلى حودروا يبغون الاسعار بالقرى
حدرنا على مثل الغمام السود
كبار الشوادي ميرنا من زود عها
غراير بلا حطب ولا وقود
إلى حاضها سبع الخلابات جايع
بباطنها مثل النسور لبود
وعن رحيل آل الجرباء الى العراق، فيذكر المؤلف نقلاً عن عباس العزاوي أن محمد آل الجرباء أمراء شمّر برئاسة فارس الجرباء مالوا إلى العراق في أوائل القرن الثالث عشر الهجري.
وذكر عبدالجبار الراوي أن نجداً أصابها محل، فاضطر شيخ عشيرة فارس إلى الهجرة مع أربعين بيتاً من قومه طلباً للمرعى، حتى وصل إلى جزيرة العراق، فنزل جاراً على عشائر العُبَيْد، ثم ذكر قصة شبه خرافية، لا سيما ما يتعلق برثاثة شمّر في حين أنه من المعروف عند أهل نجد شهرة قبائل الشمال وبالأخص الشمامرة - باللباس الأنيق والمظهر الباذخ.
ويستدرك المؤلف على ما ذكره الرواة من أن الجرباء هو لقب حمله آل محمد لأن أمهم اصيبت بالجدري، فيذكر أن فارساً ليس هو أول من لُقّب بذلك كما زعم يوسف البسام والراوي، لأنني وجدت هذا اللقب مستعملاً قبل مولد فارس بن محمد الجرباء بعشرات السنين، فقد ذكر مؤرخو نجد في أحداث سنة 1100ه قتل عمار الجرباء. وذكر في أحداث سنة 1103ه أو 1104ه قتل مصلط الجرباء.
كما يشير المؤلف إلى أن زعامة آل الجرباء للجبل “يقصد جبل شمر أو جبلي أجا وسملى” إنما هي زعامة لكافة قبائل شمر كزعامة ابن ربيعان مثلاً لكافة قبائل عُتيبة وكزعامة ابن هادي لكافة قبائل قحطان.
ثم تحولت زعامة الجبل بادية وحاضرة من شيخ كافة البادية التقليدي وهو الجرباء إلى أمير خاصة الحاضرة وهو ابن علي. وليس من شرط هذا التحول أن يكون مُقَرّاً في عرف مشيخة البادية أو أن تكون قبائل شمر مذعنة لهذا التحول. وإنما تكون زعامة الجبل بادية وحاضرة لابن علي، ثم لابن رشيد، بحيث يعتبر من شَذّ عن هذه الطاعة من قبائل شمّر متمرداً.
ثم يستعرض المؤلف بعض مشاهير أسُر آل الجرباء فيشير إلى أن أول من رحل من نجد إلى الجزيرة في العراق هو فارس الجرباء، فهو إذن الرئيس الأول لآل محمد شيوخ شمّر في الجزيرة.
ولسؤدد آل الجرباء صارت بادية شمّر في العراق تسمى شمّر الجرباء. وبقي آل الجرباء على ذكر من أهل نجد يقصدهم الشعراء وينالون منحهم ويستفزع بهم أبناء عمهم في شمال نجد.
وقد خلف فارس جماعة سميت باسم آل فارس، واشتهر من هؤلاء صفوق، واشتهر من أولاد صفوق فرحان باشا المشهور، وقد خلف فرحان باشا أولاداً كثيرين، انقسموا أربعة فروع كل فرع انتسب إلى امه “اي إلى إحدى زوجات فرحان باشا” وهذه الفروع هي الدرة والجدعة والسرحة والباشات.
ومن أبرز أعلامهم في الجزيرة وسوريا مطلق بن محمد بن سالم الجرباء الذي تزعّم من هاجر معه إلى العراق الشمريين بصبحة أخيه فارس بعدما قُتِلَ قرينيس بن محمد وابنه مصلط بن مطلق. ومن مشاهيرهم أيضاً بنيّة بن قرينيس الجرباء، وقد تولى قيادة المعارك في عهد عمه فارس ويصفه ابن سند بأنه من فرسان العرب وكرمائهم، وكانت له كعمه فارس أيام الوزير علي باشا أبُهة عظيمة وصدارة. ويورد المؤلف أبياتاً قالتها عَبْطاء رثاءً لوالدها بنيّة تقول فيها:
جَمّع حباله ثم لَمّه وشاله
وتقنطرت من كثر الاقفا والاقبال
عَزّات ياذيب السبايا جفاله
يا نعم والله ياهل الخيل خيّال
ياما عَطا من كل قُبّا سلاله
سبّاقة الغارة من الخيل مشوال
ياما شربتوا من حلاوي دْلاله
وقت القسا يرخص لكم غالي المال
ياما نحا بالسيف من صعب قاله
وياما لطم من دونكم كل من عال
مَحْد زَرَق رمحه ولا حد ثناله
ما حصل عنده عركة تسمح البال
وبنية بن قرينيس الجر باء هو الذي أمر بغسل جواد الوضيحي ثلاث مرات بالصابون، لأن بصرياً الوضيحي “الشاعر المشهور” فرّ عليها هارباً من حرب للجر باء مع الرولة
ثقافة شعبية ... الفنونالقولية لقبيلة شمر نموذجاً للتراث القيمي والروحي
رداً على ما أورده الظاهري حول نسب آل الجربا نقول: قبيلة شمر التي تعد من أكبر القبائل العربية، التي يصح ان نطلق عليها قبيلة كوزموبوليتانية نظرا للانتشار الكبير لأبنائها في العديد من الدول الخليجية والعربية على حد علمنا، وهي قبيلة قحطانية وبيت الرئاسة فيها لآل الجربا، وآل الجربا ينتسبون الى الشريف محمد الجد الأعلى للجربا وهم بيت الرئاسة على شمر والذي ينحدر نسبه من الشريف بركات (حامد محمد خضر، ثائر، تاريخ آل محمد الجربا وقبيلة شمّر العربية في اقليم نجد والجزيرة، الدار العربية للموسوعات، ط ،1 بيروت 2002م ص 32) وقد نزحت هذه القبيلة من نجد باتجاه بوادي العراق في حدود عام 1674م بحثاً عن مراع خصبة. (المصدر السابق، ص 34)
فهد الشودحي
في سنة 1791 سار شيخها “مطلق الجربا” إلى سورية وتوجه إلى الحج مع احمد باشا الجزار والي عكا وعاد إلى بادية العراق وأصاب نفوذاً عظيماً. (المصدر السابق، ص 72) كان الشيخ مطلق على رأس قبائل شمر في النصف الثاني من القرن الثامن عشر وأبوه هو الشيخ حميدي الامسح، وكان الشيخ مطلق فارسا جوادا سخيا ذا حكمة وعلم تناقلت أخباره أعداؤه قبل أهله وأصدقائه وخير من وصف هذا الشيخ الشمري ابن سند الوائلي (عثمان بن سند الوائلي، مطالع السعود في طيب أخبار الوزير داؤد، بغداد:1991م) بقوله: هذا مطلق من كرام العرب عريق النجاد شريف النسب من الشجعان والفرسان الذين لايمتري بشجاعتهم إنسان، له مواقف يشهد لها في السنان والقاضب ووقائع اعترف لها بالبسالة فيها العدو والصاحب، أما كرمه فهو البحر، حدث عنه ولا حرج، وأما أخلاقه فألطف من الشمول وأذكى من الخزامى في الأرج وأما بيته فكعبة المحتاجين وركن الملتمسين، جمع البسالة والكرم في ردائه بحيث نادت ألسنة نظرائه انه العلم الفرد والشمري الذي لايوقف لكرمه على حد، ولقد والله اعجز من بعده من سراة البادية بمكارم لاتوصف إلا بأنها ظاهرة بادية. وعرف الشيخ مطلق الجربا بالعديد من الألقاب منها الزكام، واخو جوزه، والعيط، وتحدث العديد من الشعراء عنه وعن كرمه وشجاعته. وللشيخ مطلق الجربا قصيدة رائعة تعد من عيون التراث الشعري الشمري، بل تعد من أشهر ماقيل في رثاء الخيل طبقت شهرتها الآفاق، تلك المحاورة الشعرية الشهيرة الرائعة التي يتناقلها إلى اليوم رواة الشعر الشعبي، فقد كان الشيخ مطلق يقول الشعر ويجيده، ولعل قصيدته التي وصلت إلينا على لسان فرسه ضمن حوار خيالي تصويري جميل بينه وبينها، وهي العزيزة على قلبه. ويعلم البدو كم تكون الفرس غالية لدى فارسها خاصة البدوي الشجاع. وكان الدهر قد آلى أن يذهب ببصر هذه الفرس، فحزن عليها الشيخ حزناً شديداً، ووضع هذه القصيدة التي اشتملت على خصال فرسه، وعلى صدق الأحاسيس التي كان الشيخ يكنها لها. وهي لوحة إنسانية غاية في الصدق؛ صدق مشاعر الإنسان البدوي تجاه فرسه الأصيلة إذ يتذكر هذا البدوي الشجاع الأيام التي خاض على ظهرها غمار المعارك دفاعاً عن أرضه وشرف قبيلته ومكانتها. والقصيدة طويلة، نورد منها هذه الأبيات: التي يبدؤها بهذا السؤال من فرسه، حين تطلب منه أن يبحث عن الدواء الذي يشفي بصرها، فتقول مخاطبة إياه بأحد ألقابه الزكَام:
قم يا زكم للريف دَوّر دوانا
هات الطبيب اللي يداوي عمانا
أنا طلبت الله يوم ابتلانا
لن الوضاح بعين خطو الردوحي
فيجيب الزكام:
لو الدوا ينفع لعينج شريناه
لو هو بغالي ثمناً خسرناه
مار عينج له نظير دفق ماه
ولا ينفع العطشان كثر السبوحي
فتذكره بأيام خلت، أيام كانت ترى وتبصر:
تنساني يوم أكسر عريشي عن الذيل
مثل الشقايا تلاقا به السيل
أما حديث الرمح بالجري والحيل
للجرف هو ويا الخياري جموحي
فيجيبها بقوله:
من غير بَرّي لج حليب وقلصان
والبر الآخر مرتعش فوق حوشان
أريد إليا من صار للخيل ميدان
أطلع عليهم مثل برقٍ يلوحي
وترد عليه فرسه، وتخاطبه بلقب له آخر، وهو “العيط”:
يا العيط حوشان تعلوه شمّر
خصّ إليا جونا على كوار ضمّر
كم نوبةٍ سرجك علينا تجمّر
والشيخ يطلب عفتك وأنت توحي
ويخاطب العيط فرسه هنا بحرقة قلب وتوجع على مصابها، فيقول:
وجدي على الشّقرَة إليا صاح صيّاح
تعلوهن طوال السبايا والارماح
كم واحدٍ على صابره طاح
عليه عذرا كل ليلة تنوحي
فتذكره بإحدى معاركه:
يا العيط جيناهم من الشرق للشام
وتعللت بن مجالس بني لام
وكم نوبةٍ طير المنايا عَلَي حام
والي العلا يفك روحك و روحي
فيزداد توجعه على فرسه مع توارد هذه الذكريات الحميمة... ويزداد ألمه:
وجدي على الشقرة لو جن مع الريع
ثلث مجاويخ وثلث مداريع
مسرجاتن سدن الفج والريع
واطلع عليهم مثل ظفر سبوحي
وجدي على الشقره لو كطو بنا
لحجوا علينا بالطلب كل فنا
ياما بتاليهم كحوم تثنّا
لو هاب عشيج البنات الطموحي
ولما تكلم حمد بن محمد بن لعبون في كتابه تاريخ ابن لعبون عن شمر أبي القبيلة قال: وقد غلبت هذه النسبة شمر على أهل جبل طيء من البادية وبعض الحاضرة والظاهر أنهم كلهم ليسوا من نسله، ولا يبعد أن ينسب إليه غير من يجتمع معه في عمود نسبه من سائر طيء وكذلك من خالطهم أو نازلهم من جار أو حليف قد يُنسب إليهم، مع تطاول الأزمان.
ثم يعقب على كلام ابن لعبون بالقول، إذن عبدة من أكبر قبائل شمر الطائية حلفاً، وهي من قبيلة جنب المذحجية نسباً.
فهم أبناء عم عبيدة من قحطان:
إن سَلْت عَنَا يالسّويطي قحاطين
عواصم واللّي حذانا لفايق
حنّا وعبدة والضيا غم بجدّين
لَطّامة يوم اللقا كل مايق
فأما عن عموم طيء فقد ذكر النسابون أن قبيلة طيء خرجت من اليمن على أثر خروج الأزد منه، ونزلوا وادي طريب وما حوله فترة من الزمن ثم انتقلوا فنزلوا سميراء وفَيْد، في جوار بني أسد، ثم غلبوا بني أسد على أجا وسلمى فعرفا فيما بعد بجبلي طيء. وشمّر بطن من طيء، ولكنها في العصور المتأخرة أصبحت مجمع البطون الطائية مع أخلاط أخرى دخلت فيها بالحلف.
وكان أمراء الجبل قبل هجرة عبدة من قبيلة زبيد، فتغلبت عبدة عليهم حتى أجلوهم، وآخر زعمائهم بهيج، وفي ذلك يقول شعراء شمّر فيما بعد:
قبلك بهيج حَدّروه السناعيس
من عْقدِةَ اللي ما يْحدر قناها
والمعروف ان عزوة شمّر هي “السناعيس” واحدهم سنعوسي.
ويورد المؤلف معلومات مفصلة عن علاقة الضياغم بقبيلة شمر، فيذكر أن عرار بن شهوان آل ضيغم هو جد آل رشيد أمراء حائل وأنه عاش سنة 850ه. وإليه تنسب نجائب من الخيل تدعى الدّهم الشهوانيات:
لنا منزل ما بين الأفلاج والحسا
وما بين صنعا والسّليل وجود
إلى حودروا يبغون الاسعار بالقرى
حدرنا على مثل الغمام السود
كبار الشوادي ميرنا من زود عها
غراير بلا حطب ولا وقود
إلى حاضها سبع الخلابات جايع
بباطنها مثل النسور لبود
وعن رحيل آل الجرباء الى العراق، فيذكر المؤلف نقلاً عن عباس العزاوي أن محمد آل الجرباء أمراء شمّر برئاسة فارس الجرباء مالوا إلى العراق في أوائل القرن الثالث عشر الهجري.
وذكر عبدالجبار الراوي أن نجداً أصابها محل، فاضطر شيخ عشيرة فارس إلى الهجرة مع أربعين بيتاً من قومه طلباً للمرعى، حتى وصل إلى جزيرة العراق، فنزل جاراً على عشائر العُبَيْد، ثم ذكر قصة شبه خرافية، لا سيما ما يتعلق برثاثة شمّر في حين أنه من المعروف عند أهل نجد شهرة قبائل الشمال وبالأخص الشمامرة - باللباس الأنيق والمظهر الباذخ.
ويستدرك المؤلف على ما ذكره الرواة من أن الجرباء هو لقب حمله آل محمد لأن أمهم اصيبت بالجدري، فيذكر أن فارساً ليس هو أول من لُقّب بذلك كما زعم يوسف البسام والراوي، لأنني وجدت هذا اللقب مستعملاً قبل مولد فارس بن محمد الجرباء بعشرات السنين، فقد ذكر مؤرخو نجد في أحداث سنة 1100ه قتل عمار الجرباء. وذكر في أحداث سنة 1103ه أو 1104ه قتل مصلط الجرباء.
كما يشير المؤلف إلى أن زعامة آل الجرباء للجبل “يقصد جبل شمر أو جبلي أجا وسملى” إنما هي زعامة لكافة قبائل شمر كزعامة ابن ربيعان مثلاً لكافة قبائل عُتيبة وكزعامة ابن هادي لكافة قبائل قحطان.
ثم تحولت زعامة الجبل بادية وحاضرة من شيخ كافة البادية التقليدي وهو الجرباء إلى أمير خاصة الحاضرة وهو ابن علي. وليس من شرط هذا التحول أن يكون مُقَرّاً في عرف مشيخة البادية أو أن تكون قبائل شمر مذعنة لهذا التحول. وإنما تكون زعامة الجبل بادية وحاضرة لابن علي، ثم لابن رشيد، بحيث يعتبر من شَذّ عن هذه الطاعة من قبائل شمّر متمرداً.
ثم يستعرض المؤلف بعض مشاهير أسُر آل الجرباء فيشير إلى أن أول من رحل من نجد إلى الجزيرة في العراق هو فارس الجرباء، فهو إذن الرئيس الأول لآل محمد شيوخ شمّر في الجزيرة.
ولسؤدد آل الجرباء صارت بادية شمّر في العراق تسمى شمّر الجرباء. وبقي آل الجرباء على ذكر من أهل نجد يقصدهم الشعراء وينالون منحهم ويستفزع بهم أبناء عمهم في شمال نجد.
وقد خلف فارس جماعة سميت باسم آل فارس، واشتهر من هؤلاء صفوق، واشتهر من أولاد صفوق فرحان باشا المشهور، وقد خلف فرحان باشا أولاداً كثيرين، انقسموا أربعة فروع كل فرع انتسب إلى امه “اي إلى إحدى زوجات فرحان باشا” وهذه الفروع هي الدرة والجدعة والسرحة والباشات.
ومن أبرز أعلامهم في الجزيرة وسوريا مطلق بن محمد بن سالم الجرباء الذي تزعّم من هاجر معه إلى العراق الشمريين بصبحة أخيه فارس بعدما قُتِلَ قرينيس بن محمد وابنه مصلط بن مطلق. ومن مشاهيرهم أيضاً بنيّة بن قرينيس الجرباء، وقد تولى قيادة المعارك في عهد عمه فارس ويصفه ابن سند بأنه من فرسان العرب وكرمائهم، وكانت له كعمه فارس أيام الوزير علي باشا أبُهة عظيمة وصدارة. ويورد المؤلف أبياتاً قالتها عَبْطاء رثاءً لوالدها بنيّة تقول فيها:
جَمّع حباله ثم لَمّه وشاله
وتقنطرت من كثر الاقفا والاقبال
عَزّات ياذيب السبايا جفاله
يا نعم والله ياهل الخيل خيّال
ياما عَطا من كل قُبّا سلاله
سبّاقة الغارة من الخيل مشوال
ياما شربتوا من حلاوي دْلاله
وقت القسا يرخص لكم غالي المال
ياما نحا بالسيف من صعب قاله
وياما لطم من دونكم كل من عال
مَحْد زَرَق رمحه ولا حد ثناله
ما حصل عنده عركة تسمح البال
وبنية بن قرينيس الجر باء هو الذي أمر بغسل جواد الوضيحي ثلاث مرات بالصابون، لأن بصرياً الوضيحي “الشاعر المشهور” فرّ عليها هارباً من حرب للجر باء مع الرولة