رحمك الله يا شيخ
توفي بالأمس فضيلة الشيخ الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد (رئيس مجمع الفقه الإسلامي الدولي, عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء سابقـًا).
فبأسمي وبأسم مضايف شمر نتقدم الى أسرة الشيخ وأحبابه وتلامذته بأحر التعازي وأخلص المواساة ونسئل الله للفقيد الرحمة والمغفرة
والشخ من العلماء العاملين أصحاب المواقف الثابتة والواضحة في مناصرة الحق وأهله نحسبه كذلك والله حسيبة وله كثير من المؤلفات المفيدة من أفضلها وأكثرها تداولاً هو كتابه الردود والذي وضعه رحمه الله دفاعاً عن أخوانه العلماء والدعاة بوجه فئة تدثرت بمنهج أهل الحديث المشهور بالجرح والتعديل لتستخدمه في تشويه صور الدعاة وخاصة المشهورين وقد كان كتابة بداية النهاية لتلك الفرقة التي تشرذمت بعد أن رجع الكثير من أتباعها الى الحق وكفوا ألسنتهم عن أخوانهم الدعاة !
والردود عبارة عن مجلد، ويحتوي على خمس رسائل هي:
50- [الرد على المخالف].
51- [تحريف النصوص].
52- [براءة أهل السنة من الوقيعة في علماء الأمة].
53- [عقيدة ابن أبي زيد القيرواني وعبث بعض المعاصرين بها].
54- [التحذير من مختصرات الصابوني في التفسير].
رحم الله الشيخ بكر أبو زيد وتقبله في عباده الصالحين وجعله من ورثة جنة النعيم
تحياتي
وهذا مقال جميل بقلم الدكتور يوسف بن أحمد القاسم حول مؤلفات الشيخ
لقد فجعت الأمة الإسلامية قبل أيام بموت عالم من كبار العلماء, ومصنف من كبار المصنفين في زمانه, وهو الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد, المحدث الفقيه, واللغوي النسابة, وذلك بعد معاناة طويلة مع المرض- نسأل الله تعالى أن يجعلها تكفيراً لسيئاته, ورفعة لدرجاته- لقد رحل رحمه الله, فترك فراغاً كبيراً في العالم الإسلامي عموماً, وفي المكتبة الإسلامية خصوصا, حيث كانت مصنفاته عملاً رائعاً, وأنموذجاً فريداً, حازت على إعجاب كبار العلماء قبل صغارهم, فتطلعوا إليها, وتسابقوا إلى اقتنائها, ولا غرو, فقد كان ذا علم غزير, وقلم رفيع, يعود بالذاكرة إلى الرعيل الأول, ممن عرفوا بوفرة العلم, وجودة البيان, ولهذا كانت مؤلفاته نهراً متدفقاً, يغترف منه أهل العلم, وينهل منه أهل الحق والإيمان, أما أهل الباطل, فقد ضاقوا بكتبه ذرعاً, وشرقوا بها زمناً- ولا زالوا- على اختلاف مشاربهم.
فكتاباه "هجر المبتدع", و"تحريف النصوص من مأخذ أهل الأهواء في الاستدلال" شرق بهما دعاة الأهواء, والبدع.
وكتاباه "تصنيف الناس بين الظن واليقين", و"براءة أهل السنة من الوقيعة في علماء الأمة" شرق بهما دعاة التصنيف, والتبديع.
وكتابه"الإبطال لنظرية الخلط بين دين الإسلام وغيره من الأديان"و"المدارس العالمية الأجنبية الاستعمارية: تاريخها ومخاطرها"و"حراسة الفضيلة" شرق بها دعاة التقريب, والتغريب...الخ.
وكما اهتم رحمه الله بتنقية أهل الإسلام من كل داء ينخر في معتقدهم, وعبادتهم, وقيمهم, وثوابتهم, فقد حرص أشد الحرص على تحلية أهل الإسلام بالأخلاق الفاضلة, والآداب الكريمة, بدأ بكتابه:"حلية طالب العلم", ومروراً بكتابه"فتوى جامعة في آداب العزاء الشرعية", ووصولاً إلى كتابه:"أدب الهاتف", وكأن شأن أخلاق العامة والخاصة جزء لا يتجزأ من أحاسيسه, وهمومه, وهكذا كان قَدَرُه رحمه الله!
وكما اهتم بقضايا العقيدة والسلوك, فقد اعتنى أيضاً بقضايا الفكر, ولهذا أصدر كتابه القيم"حكم الانتماء إلى الفرق والأحزاب والجماعات الإسلامية" والذي عالج فيه قضايا الأحزاب والجماعات الإسلامية معالجة راقية, وعلى ضوء الكتاب والسنة, وفهم سلف الأمة.
وفي مجال الفقه والتفقه لم ينأ عن واقع زمانه, أو ينسج خارج حدوده, بل كان يتلمس واقعهم, فيتناول بعلمه وقلمه كثيراً من الموضوعات النازلة التي تمس واقع المسلمين, وتتحسس حياتهم اليومية, ولهذا أصدر كتباً ورسائل عدة حول هذه النوازل الفقهية, ومنها"بطاقة الائتمان: حقيقتها البنكية التجارية وأحكامها الشرعية", و"المرابحة للآمر بالشراء", و"طرق الإنجاب في الطب الحديث وحكمها الشرعي", و"أجهزة الانعاش وحقيقة الوفاة بين الفقهاء والأطباء", و"حكم إثبات أول الشهر القمري وتوحيد الرؤية", و"خطاب الضمان", كما اهتم بفقه الحنابلة, ومصطلحاتهم, فألف كتابه الماتع:"المدخل المفصل إلى فقه الإمام أحمد بن حنبل" كما كان حفياً بالعلماء عموماً, وبالحنابلة خصوصاً, فألف دليلاً معلمياً لعلمائهم, رتبه حسب التسلسل الزمني من عصر الإمام أحمد إلى عصرنا الحاضر, وقد سماه:"علماء الحنابلة", كما أعطى علم الحديث ورجاله قسطاً وافراً من العناية والاهتمام, فألف-على سبيل المثال لا الحصر-كتابه الفذ:"التأصيل لأصول التخريج وقواعد الجرح والتعديل", ولم تقف همته عند هذا الحد, بل ألف أيضاً في علم النسب, فألف كتابه الموسوم بـ"طبقات النسابين", هذه إلماحة سريعة لنزر يسير من مؤلفات هذا العالم الهمام, ناهيك عن كتبه الأخرى التي لم تر النور, ونأمل أن تراه قريباً, بإذن الله تعالى.
ومما يتميز به الشيخ بكر أبو زيد عنايته بكتب السلف الصالح, واهتمامه بالعلماء المحققين, من أمثال شيخ الإسلام ابن تيمية, والحافظ ابن كثير, والذهبي, وابن القيم..., رحم الله الجميع, وقد كان لهذا الأخير حفاوة خاصة, وقديماً قيل:"رب أخٍ لك لم تلده أمك", ولا أظن بكراً كان أخاً لابن القيم فحسب, بل كان ابناً باراً له, حيث قرّب للناس كتبه عبر كتابه"التقريب لعلوم ابن القيم", وكشف لهم عن شخصيته, وحياته, وآثاره, وموارده, وذلك عبر كتابه الحافل"ابن قيم الجوزية: حياته, آثاره, موارده", وقد ظهرت آثار شخصية ابن القيم في شخص الشيخ رحمهما الله تعالى, ولا أبالغ إذا قلت: إنهما قرينان, في ظهور الحجة, وقوة البيان.
ولم تقف جهود الشيخ رحمه الله عند تأليف الكتب, وإعداد البحوث والرسائل, بل تقلد مناصب كثيرة, بذل فيها من علمه, وحكمته, وقوة شخصيته, ما تقر به العين, وينشرح له الصدر, بدءاً بعمله مدرساً وإماماً وخطيباً في المسجد النبوي, وقاضياً في المدينة المنورة, ومروراً بتقلده وكالة وزارة العدل, ثم وصولاً بتعيينه عضواً في اللجنة الدائمة للإفتاء وفي هيئة كبار العلماء, ورئيساً لمجمع الفقه الإسلامي, وقد تركت شخصيته العلمية الفذة, وحنكته, وجرأته في كلمة الحق, أثراً ظاهراً في كل المناصب التي تقلدها, وكانت بالنسبة له عبءًا وتكليفاً, لا تشريفاً!!
ومع سعة علمه, وعظم فضله رحمه الله, فإنه لم يكن محبّاً للظهور في وسائل الإعلام, ولا راغباً في مخالطة الأنام, بل كان بعيداً عن الأضواء, منصرفاً عن الشهرة, وهي تركض وراءه, وهو يفر منها مترجلاً وراكباً, لدرجة أنه أوصى أن يصلى عليه بعد وفاته دون أن يعلم به أحد, ولكن دون جدوى! فقد تقاطر الناس من كل ناحية إلى مسجده الذي يجهله أكثر من شهد جنازته, وفي ليلة ظلماء, باردة!!- فسبحان من غرس محبته في قلوب الناس- وبهذا قدم للناس دروساً عملية في التواضع والإخلاص بعد وفاته, كما كان يقدمها أثناء حياته!! وسبحان الله العظيم! علماء أجلاء يفرون من الشهرة, فرارهم من الأسد, وهي تلاحقهم, وتدنو منهم, وتوقعهم في شراكها, وهم محمولون على النعش!! ومتعالمون يلهثون وراءها, ويركضون خلفها, وهي تفر منهم يمنة ويسرة, وقد تكر عليهم, فتصيبهم في مقتل, عياذاً بالله؟!!
رحم الله الشيخ بكراً, فقد كان يذود عن الإسلام وثوابته بكتبه وقلمه, ولهذا كانت جنازته مشهودة ليلة الأربعاء الماضي, حتى أعادت بنا هذه الحشود الكبيرة مقولة الإمام أحمد:"بيننا وبينكم يوم الجنائز" فاللهم ارحمه, وارفع درجته في المهديين, واخلفه في عقبه في الغابرين, آمين, آمين, آمين يا رب العالمين.
Powered by vBulletin® Version 4.2.5 Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir