باجي
02-02-2008, 23:09
أخطاء في كتاب سعاد الصباح عن العلاقات بين والدي ومبارك
الرأي العام الكويتية
--------------------------------------------------------------------------------
بقلم:
" الامير سلمان بن عبد العزيز "
------------------------------
ما يجمع المملكة العربية السعودية ودولة الكويت تاريخ تعتقت كلماته بتبر ذهبي صاف لا تبدله الأزمنة ولا تطغى عليه سمات المراحل العابرة. ما يجمع البلدين كلمة محبة، كانت دوماً هي الحاضرة، كما خط بيان أميرة الكلمة الدكتورة سعاد الصباح في كتابها «مبارك الكبير...مؤسس دولة الكويت الحديثة» وما بادله من ملحوظات رئيس مجلس إدارة «دارة الملك عبد العزيز» صاحب السمو الملكي أمير منطقة الرياض سلمان بن عبد العزيز الذي يؤكد أن المجتمعين السعودي والكويتي نسيج واحد.
بيان الأميرة وملحوظات صاحب السمو الملكي اختارا «الراي» لنثر صفوة الكلمات على صفحاتها، ليس باللغة التي تنضح منها وشائج التاريخ التي صنعت الحاضر ورسمت المستقبل فقط، وإنما بلغة العلم التي ترتكن إلى المصادر والمراجع في عرضها البحثي، ليبدو شرف التنافس في استقراء الأحداث للوصول إلى الحقيقة المبتغاة.
«الراي» التي نشرت فصول كتاب الصباح على مدى أربعة وعشرين يوماً كانت عيون الأخوة في «دارة الملك عبدالعزيز» تجول في محطات التاريخ المشترك التي يوردها، فتوقف الأمير سلمان عند ملحوظات، لا يجول فيها إلا أهلها، تتعلق بعلاقة الملك عبد العزيز والشيخ مبارك، وكتب فيها لأمرين، الأول لكونه رئيساً لمجلس إدارة «دارة الملك عبدالعزيز» التي تهدف إلى خدمة تاريخ المملكة العربية السعودية والخليج العربي والجزيرة العربية والعالم العربي والإسلامي والوصول إلى تسجيل ذلك التاريخ بصورته الحقيقية عن طريق التثبت والرجوع إلى المصادر الموثوقة، والثاني: باعتباره أحد أبناء الملك عبدالعزيز ومواطناً سعودياً يهتم بتاريخ وطنه والتاريخ عموماً، وأرسل ما كتب إلى «الراي» على طبق التحايا لتنشره، تاركاً تقييمه لميزان التاريخ، وهذا نص الملحوظات:
-----النص------------
سعادة رئيس تحرير صحيفة «الراي» في دولة الكويت الشقيقة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد: فقد اطلعت على ما نشرتموه عن كتاب «مبارك الصباح: مؤسس دولة الكويت الحديثة» الذي قامت بتأليفه الشيخة الدكتورة سعاد محمد الصباح في حلقات بدأت في العدد (10379 بتاريخ 1 ديسمبر 2007 ميلادية الموافق 21 ذو القعدة 1428هجرية)، وتابعتها لأهمية تاريخ الشيخ مبارك الصباح (رحمه الله) ودوره في تأسيس دولة الكويت الحديثة.
وعندما يكتب تاريخ الكويت فإن من أهم الجوانب التي سيتم تناولها هو علاقة ذلك التاريخ وتكامله مع تاريخ المملكة العربية السعودية. فالكويت والمملكة العربية السعودية بلدان شقيقان تحكمهما أسرتان مرتبطتان نسباً وتاريخاً وعلاقة ممتدة الجذور قوية التلاحم خاصة في عهد الملك عبدالعزيز وأبنائه سعود وفيصل وخالد وفهد طيب الله ثراهم، وإلى يومنا هذا في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله ابن عبدالعزيز آل سعود وأخيه صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر آل صباح (حفظهما الله). كما أن المجتمع السعودي والمجتمع الكويتي نسيج واحد، ولا يكاد يذكر اسم أسرة في الكويت إلا تجد لها امتداداً داخل المملكة العربية السعودية، وهذا يدل بلا شك على العمق الاجتماعي والتاريخي بين سكان البلدين.
وعندما انتهيت من قراءة ما نشرتموه في الحلقة الخامسة عشرة (العدد 10393 بتاريخ 15 ديسمبر 2007 ميلادية) والحلقة السادسة عشرة (العدد 10394 بتاريخ 16 ديسمبر 2007 ميلادية والحلقة السابعة عشرة (العدد 10395 بتاريخ 17 ديسمبر 2007ميلادية)، تبين لي أن هناك ضرورة لإحاطة القراء الكرام ببعض الملحوظات لتصحيح بعض المعلومات والأخطاء التي وردت في تلك الحلقات التي تناولت العلاقات بين الملك عبدالعزيز والشيخ مبارك والتي أُبرز بعضها بخطوط عريضة وهي غير دقيقة. وما دفعني إلى التنبيه إلى هذه الملحوظات هو أمران: أولهما: لكوني رئيساً لمجلس إدارة «دارة الملك عبدالعزيز» التي تهدف إلى خدمة تاريخ المملكة العربية السعودية والخليج العربي والجزيرة العربية والعالم العربي والإسلامي والوصول إلى تسجيل ذلك التاريخ بصورته الحقيقة عن طريق التثبت والرجوع إلى المصادر الموثوقة، وثانيهما: باعتباري أحد أبناء الملك عبدالعزيز ومواطناً سعودياً يهتم بتاريخ وطنه والتاريخ بصفة عامة. ومن أبرز تلك الملحوظات ما يأتي:
أولاً: ورد في الحلقة الخامسة عشرة في الصحيفة ما يلي: «اتسمت العلاقات بين نجد والكويت بالتوتر والعداء في السنوات السابقة لتولي الشيخ مبارك الحكم، وارتبط ذلك بالصراع بين آل سعود وآل رشيد حول حكم نجد».
وهذا النص فيه اختزال وإغفال لبعض الحقائق التاريخية المهمة التي لم يُشر إليها على رغم أنه ترتب عليها ما حدث في الكويت خلال فترة حكم الشيخ مبارك، وخاصة أحداث عام 1313هجرية/ 1896 ميلادية التي يعرفها الجميع وكانت سبباً في توتر العلاقة بين ابن رشيد والشيخ مبارك(1). وقد عبر الشيخ مبارك عن ذلك في رسالة له للسلطات البريطانية قائلاً: «... انه لا يحسن به أن يجلس في الكويت بينما يوسف الإبراهيم باق مع ابن رشيد يحرضه للتحرك ضده...»(2).
وورد في الحلقة ذاتها أن عبدالعزيز بن متعب آل رشيد هو الذي قوّض أركان الدولة السعودية الثانية وهزم آل سعود في معركة المليداء 1308هجرية/1890 ميلادية وذلك غير صحيح لأن حاكم حائل آنذاك والذي قاد المعركة هو محمد بن عبدالله بن رشيد ثم إن وقعة المليداء كانت بين أنصار الإمام عبدالرحمن في القصيم وابن رشيد.
ازداد التوتر بين حائل والكويت عندما تولى عبدالعزيز بن متعب بن رشيد حاكم حائل بعد وفاة عمه محمد بن عبدالله بن رشيد سنة 1315هجرية/1897 ميلادية، لا سيما أن يوسف الإبراهيم ظل يحرّض حاكم حائل على الشيخ مبارك، وليس من المستبعد أن يكون لدى حاكم حائل الطموح لحيازة الكويت كما كان لديه الطموح نفسه للسيطرة على نجد.
كما أن الكويت في ذلك الوقت كانت تمر بمرحلة حاسمة في ما يتعلق بالتنافس بين كل من بريطانيا والدولة العثمانية، خاصة أن الشيخ مبارك بدأ في سياسة الميل نحو بريطانيا على خلاف ما كان يسير عليه الشيخ محمد بن صباح حاكم الكويت السابق الذي كان ميالاً نحو الدولة العثمانية. فلذلك وقّع الشيخ مبارك في رمضان 1316هجرية/يناير 1899 ميلادية اتفاقية حماية سرية مع بريطانيا (3) لكي يحمي بلاده من نتائج ذلك التنافس ويعزز استقلالها. وهذا أدى إلى أن تقوم الدولة العثمانية بدعم حاكم حائل وتعزيزه في تحركاته ضد الكويت.
ورصدت المصادر التاريخية الكثير من المواجهات والتحركات بين حائل والكويت، ومنها على سبيل التمثيل عندما عاد عبدالعزيز بن رشيد من العراق عام 1316هجرية/1898 ميلادية أغار على القبائل المقيمة في أطراف الكويت، ثم بدأ بالتحرش بالتجار المتوجهين إلى الكويت. وقد أدى ذلك إلى أن يحشد الشيخ مبارك قواته بقيادة أخيه الشيخ حمود الصباح وابنه الشيخ سالم المبارك حيث أغاروا على عربان لابن رشيد في الرخيمية وانتصروا عليهم (4).
وتشير الأحداث أيضاً إلى أمر آخر وهو أن الشيخ مبارك استخدم وجود الإمام عبدالرحمن وأسرته في الكويت للمفاوضة مع ابن رشيد للتخلي عن يوسف الإبراهيم من جانبه، وذلك لإدراكه بخطورة تحركات ابن رشيد ضده مدعوماً بالدولة العثمانية وبعض القبائل المحيطة بالكويت من شمر وغيرها، لذلك سعى الشيخ مبارك إلى عقد اتفاق مع ابن رشيد تضمن نفي يوسف الإبراهيم من حائل لأنه مصدر التحريض الأساس، وعرض مقابل ذلك أن يقوم بإجلاء الإمام عبدالرحمن وأسرته من الكويت. فاستفاد الشيخ مبارك من خروج الإمام عبدالرحمن وأبنائه إلى نجد في عام 1317هجرية/1900 ميلادية للإغارة على بعض القبائل الموالية لابن رشيد قرب روضة سدير، وكتب إلى ابن رشيد يفيده بأنه نفى الجلوية من آل سعود مطالباً بنفي يوسف الإبراهيم فكتب الشيخ مبارك إلى الإمام عبدالرحمن يفيده بأنه اتفق مع ابن رشيد وطلب عدم رجوعهم إلى الكويت أو الاقتراب منها.
يقول مقبل الذكير: «... وفعلاً نفذ هذا الأمر ووصل إليهم الكتاب بعد إغارتهم على قحطان فضاقت عليهم الأرض لا يعلمون أي جهة يسلكون فبلدان نجد وبواديها كلها تحت أمر ابن رشيد، فاقتضى رأيهم أن يتعلقوا مع العجمان إلى أن يدبروا أمرهم فرجعوا معتمدين على ذلك بعد أن أغلق عنهم ابن صباح أبواب الكويت فبينما هم في طريقهم إذا برسول آخر من ابن صباح يستدعيهم للرجوع إلى الكويت ويستحثهم على ذلك...» (5). ولم ينجح الشيخ مبارك في التخلص من يوسف الإبراهيم عن طريق الاتفاق مع ابن رشيد الذي أدرك أن خروج الإمام عبدالرحمن ومن معه لم يكن بسبب نفيهم وإنما للقيام بالإغارة على القبائل التابعة له. وتؤكد رسائل علي غلوم رضا، الوكيل الإخباري لبريطانيا في الكويت، أن خروج الإمام عبدالرحمن إلى نجد لم يكن بسبب نفي الشيخ مبارك لهم وإنما كان بسبب تلك الرسائل التي وردت إليهم من نجد تستحثهم على القدوم والمساندة. يقول علي غلوم رضا في رسالته المؤرخة في 20 ربيع الآخر 1318هجرية الموافق 17 أغسطس 1900ميلادية: «... وفي 6 من شهر ربيع الثاني جاءته رسائل من جماعته المقيمين في نجد تحت حكم الأمير عبدالعزيز بن رشيد تطلب منه عند وصول هذه الرسائل أن يقبل عليهم...». وقال أيضاً علي غلوم رضا: «... عزم (الإمام عبدالرحمن) على الذهاب إلى نجد في 22 من ربيع الثاني وليس لدى عبدالعزيز بن رشيد إطلاع على هذا الأمر لأنه إذا عرف أن عبدالرحمن الفيصل وصل إلى نجد فسوف يؤدي ذلك إلى فتنة كبيرة وقتال كثير بينهما، مع العلم بأن الشيخ مبارك الصباح كان راضياً عن هذا الأمر بشأن عبدالعزيز آل رشيد...» (6).
ونتيجة لذلك كله يتبين أن الصراع بين الشيخ مبارك وآل رشيد كان سببه الرئيس هو وجود حالة التوتر والعداء بين حائل والكويت لأسباب تتعلق بالكويت نفسها أكثر مما تتعلق فقط بوجود آل سعود فيها . ثانياً: لا ينكر أي أحد ما حظي به الإمام عبدالرحمن الفيصل وابنه عبدالعزيز وإخوانه من مكانة لدى الشيخ مبارك وأسرة آل صباح أثناء إقامتهم في الكويت خلال الفترة من 1311هجرية/1893 ميلادية ـ وحتى 1319هجرية/1902 ميلادية، وهذا يدل دلالة جازمة على العلاقة الحميمة بين الأسرتين التي ظلت متوطدة إلى يومنا هذا.
فالإمام عبدالرحمن عندما غادر الرياض وأسرته اتجه إلى بادية آل مرة والعجمان قرب الأحساء، وأرسل ابنه عبدالعزيز لمفاوضة المتصرف العثماني في شأن إقامتهم في الأحساء فرفض طلبه فأستأذن الإمام عبدالرحمن الشيخ محمد بن صباح بالإقامة في الكويت فاعتذر، وأقام الإمام عبدالرحمن وأسرته في البادية مرة أخرى سبعة أشهر تقريباً اكتسب من خلالها عبدالعزيز الكثير من التجارب في التعامل مع الصحراء وأسلوب القيادة ومواجهة الصعاب وغيرها (7)، إلى جانب ما يتمتع به من شخصية وخلفية تاريخية ودينية. ثم أقام الإمام عبدالرحمن في قطر، ونظراً لاختلاف الدولة العثمانية مع الشيخ قاسم بن ثاني اقترحت إقامتهم في الكويت ليكونوا تحت أنظارها واستقر الإمام عبدالرحمن وأسرته في الكويت منذ عام 1311هجرية/1893 ميلادية، وحظوا بتقدير من شيخ الكويت ومن الدولة العثمانية.
وقد أظهر الملك عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ استعداداً واضحاً للقيادة قبل وصوله للكويت من خلال اشتراكه في المفاوضات مع محمد بن رشيد أثناء حصار الرياض سنة 1308هجرية/1890ميلادية، وقيامه بزيارة الشيخ عيسى بن خليفة أمير البحرين لطلب الإذن لإقامة أسرة الإمام عبدالرحمن لديه في البحرين، واتصاله بالمتصرف العثماني في الأحساء، وما تعلمه أيضاً من إقامته في الصحراء وما تلقاه من تعليم في الرياض قبل خروجه منها، إضافة إلى إرث أسرته الديني والتاريخي والسياسي.
ولا شك أن الملك عبدالعزيز الذي قدم إلى الكويت وعمره نحو ثمانية عشر عاماً، وليس ثماني سنوات كما ذُكر في الحلقة الخامسة عشرة في الصحيفة، قد استفاد من وجوده في الكويت التي كانت مسرحاً للتنافس واطلع على كثير من مجريات السياسة الدولية، وكان للشيخ مبارك فضل في إتاحة الفرصة للملك عبدالعزيز لحضور مجالسه والإطلاع على ما كان يدور فيها من جوانب سياسية. ولم تكن إقامة الملك عبدالعزيز في الكويت مصدراً لصياغة شخصيته وسياسته كما ورد في الصحيفة، وها هو ذا الملك عبدالعزيز يوضح ذلك عندما سأله الصحافي المصري المعروف كريم ثابت قائلاً: «...إن بعض المؤلفين الأجانب قالوا إن المدة التي قضاها جلالته في الكويت في حداثته كانت بمثابة مدرسة له...». قال الملك عبدالعزيز: «... لا، لا تصدقوهم فلم يكن هناك شيء أتعلمه ولكن التجارب هي التي علمتني بعد ذلك...» (8).
ثالثاً: ورد في الحلقة السادسة عشرة في الصحيفة أيضاً ما يأتي: «كان تفكير الشيخ في ضرورة إنهاء المصدر الدائم لتهديد بلاده والذي تحقق بدعمه لآل سعود من أجل استعادة ملكهم في الرياض وهو ما تحقق في 15 يناير عام 1902 ميلادية بدخول الأمير عبدالعزيز مدينة الرياض». فمن المعروف أن تحرك الملك عبدالعزيز نحو الرياض كان نتيجة طبيعية لما كان يحمله الملك عبدالعزيز في ذهنه من طموح لإعادة تأسيس الدولة السعودية، ذلك الطموح والهدف الذي عاش معه منذ أن غادر الرياض. ومما يدل على تعمق الرغبة في العودة إلى الرياض في قلب الملك عبدالعزيز جوابه للسؤال الذي وجهه إليه الشيخ عيسى بن علي آل خليفة ملاطفاً له عندما زاره عام 1309هجرية/1891 ميلادية: يا عبدالعزيز قطر أحسن أم البحرين؟ فأجابه عبدالعزيز على الفور: الرياض أحسن منهما، فقال الشيخ عيسى: سيكون لهذا الغلام شأن (9). وقد نقل الرواة الذين زاروا الكويت في ذلك الوقت عزم الإمام عبدالرحمن والملك عبدالعزيز وإخوانه على العودة إلى الرياض. ولا أدل على ذلك من استثمار الملك عبدالعزيز لخروج الشيخ مبارك إلى معركة الصريف للتوجه إلى الرياض في محاولته الأولى لاسترداد الرياض والتي منيت بالفشل. أما مصدر التهديد الحقيقي للكويت كما أشرت سابقاً وما ورد في الصحيفة في مواضع أخرى فهو واضح من خلال الأحداث والوثائق البريطانية وبعض المراسلات المحلية التي تشير إلى أن ما كان يحدث في ساحة الكويت وما حولها من توتر كان مصدره طموح ابن رشيد في الكويت مدعوماً بالرغبة العثمانية في تضييق الخناق على الشيخ مبارك الذي ارتبط مع الجانب البريطاني بمعاهدة حماية وباتصالات مستمرة. ففي تقرير سلدانها المتعلق بأحداث أغسطس إلى نوفمبر 1900 ميلادية (ربيع الآخر ـ رجب 1318هجرية) يتبين القلق البريطاني من تحركات ابن رشيد ضد الكويت ومحاولتها إبعاد أي تدخل تركي في الكويت بسبب ذلك. وواصلت بريطانيا رصد الأحداث مشيرة إلى خشيتها من وجود دوافع تركية من وراء تلك التحركات (10).
وهذا دليل واضح على أن التوتر بين الكويت وحائل كان سببه الأساس هذا التنافس بين الجانب العثماني المتمثل في ابن رشيد والجانب البريطاني المتمثل في الشيخ مبارك وحلفائه.
رابعاً: أما ما يتعلق بمعركة الصريف فقد ورد في الحلقة السادسة عشرة أخطاء كثيرة يظهر لي أنها نشأت من الاعتماد على بعض المراجع أو بعض الوثائق البريطانية التي كانت تنقل أخبار معركة الصريف غير المؤكدة عن الرواة آنذاك. فلقد ورد أن الشيخ مبارك «فتح العارض من دون قتال، وأسند أمورها إلى الأمير عبدالعزيز بن سعود. ثم فتح كلاً من مدينتي عنيزة وبريدة من دون قتال تقريباً» فحقائق التاريخ تشير إلى تحركات الشيخ مبارك قبيل حدوث معركة الصريف بوضوح. فالشيخ مبارك لم يصل إلى العارض، لأن العارض يشمل الرياض وما حولها من البلدان. كما أن الملك عبدالعزيز انفصل عن جيش الشيخ مبارك عند الشوكي ليتجه إلى الرياض والشوكي ليس في العارض وإنما في العرمة وهو أحد أوديتها الذي يصب في روضة التنهات. والمعروف أن الملك عبدالعزيز تمكن من دخول الرياض ولكنه لم يستطع السيطرة على قلعة المصمك والقضاء على عامل ابن رشيد المحتمي فيه حتى تسند إليه أمورها بسبب هزيمة الصريف. أما ما ورد في الصحيفة عن قيام الشيخ مبارك الصباح بفتح بريدة وعنيزة فإن ذلك مخالف لما حدث فعلاً، فلقد اتجه آل سليم إلى عنيزة وآل مهنا إلى بريدة أثناء تحركهما مع الشيخ مبارك والإمام عبدالرحمن نحو الصريف ودخلوها من دون مقاومة من أهلها ذلك لأنهم أمراؤها السابقون في الدولة السعودية الثانية، إلا أنهم خرجوا بعد هزيمة الصريف، ولم يتم دخول بريدة وعنيزة إلا في عام 1322هجرية/1904 ميلادية عندما تمكن الملك عبدالعزيز من دخول عنيزة بعد طرد حامية ابن رشيد منها، ثم تمكن من دخول بريدة بعد حصار حاميتها نحو الشهرين ونصف الشهر، وبذلك ضم الملك عبدالعزيز منطقة القصيم في ذلك العام. وعندما التقى الجيشان في الصريف انهزمت قوات الشيخ مبارك واضطر الملك عبدالعزيز إلى فك الحصار على قلعة المصمك بالرياض وعاد ليلتقي مع والده الإمام عبدالرحمن ورجعا معاً إلى الكويت. إن الهدف الأساس من معركة الصريف لم يكن لدعم تحرك الملك عبدالعزيز نحو الرياض، وإنما لمواجهة ابن رشيد في مناطقه وردعه عن الهجوم على الكويت.
ونقل سيف مرزوق الشملان عن دهام بن مثقال الظفيري أحداث معركة الصريف التي حضرها، وجاء فيها أن مبارك بن عذبي الصباح الذي كان مع يوسف الإبراهيم في حائل نصح عبدالعزيز بن رشيد بالإسراع في قتال الشيخ مبارك مذكراً إياه بما حدث عام 1313هجرية/1896 ميلادية (11). وما أشير إليه في الحلقة السادسة عشرة من أسباب هزيمة الشيخ مبارك في الصريف وأن هناك من يرى أن «السبب الرئيس هو انقسام قوات مبارك إلى رتلين هما رتل آل صباح ورتل آل سعود، وعدم وجود التنسيق الكامل بين الرتلين»، فإنه بالنظر في المصادر والوثائق التي تناولت معركة الصريف يتبين أن ما ذكر عن وجود الرتلين وعدم التنسيق بينهما غير دقيق، فالجيش كان جيشاً واحداً بقيادة الشيخ مبارك تضمن الإمام عبدالرحمن والقبائل والحاضرة.
خامساً: تناول الحديث في الحلقة السادسة عشرة أيضاً أن الشيخ مبارك خطط «ليشغل آل رشيد عسكرياً في الوقت الذي يقوم فيه عبدالعزيز بن سعود باقتحام الرياض». وهذا النص يتناقض مع الأحداث التاريخية لأن محاولة الملك عبدالعزيز الثانية بدأت بمرحلتين هما: الأولى التي حدثت فيها الغارات التي قام بها الملك عبدالعزيز على بعض القبائل واجتمع حوله أكثر من ألفي مقاتل، والثانية هي المرحلة السرية التي باغت فيها الرياض بعدد قليل من أقاربه وأتباعه وقصتها معروفة في المصادر. وليس هناك شك في ما قدمه الشيخ مبارك من دعم بالأسلحة والجمال لعدد من الرجال المرافقين للملك وخاصته الذين خرجوا من الكويت. ولكن تظهر المبالغة فيما ذكر عن دعم الشيخ مبارك بأنه أرسل بعد دخول الملك عبدالعزيز الرياض الأسلحة والذخيرة والمؤن (على شكل قوافل الواحدة تلو الأخرى) وهذا غير دقيق. يقول الريحاني وهو من نقل معلوماته مباشرة من الملك عبدالعزيز في ما يتعلق بدعم الشيخ مبارك للملك عبدالعزيز حين خرج عام 1319هجرية/1901 ميلادية لاسترداد الرياض بقوله: «...اثنان وأربعون رجلاً من عائلة آل سعود وخدامهم (12) السابقين حاضرون لا يلزمهم غير الركائب والبنادق والزاد وشيء من المال أجاب الشيخ مبارك الطلب فأعطى عبدالعزيز أربعين ذلولاً وثلاثين بندقية ومئتي ريال وبعض الزاد خرج بهذه الشرذمة من الكويت خرج ينحر (13) البوادي ليزيد على الأقل عدد رجاله. نحرو العجمان فتردد الرؤساء فيهم ولكن كثيرين من العامة (14) انضموا إلى غزو ابن سعود وكذلك آل مرة وسبيع والسهول فاشتد ساعد عبدالعزيز. أصبح معه بدل الأربعين ذلولاً ألف ذلول وأربعمئة خيال...» (15).
والملك عبدالعزيز لم ينس فضل الشيخ مبارك ودعمه له بعد دخوله الرياض مباشرة حيث قال في روايته المشهورة التي ذكرها فؤاد حمزة: «... وبعد شهر أرسلوا لنا أخي سعد ومعه مئة رجل وبعض الذخيرة من الكويت...» (16). وتؤكد المصادر التاريخية أن ما تم بعد الخروج من الكويت كان يعتمد بعد الله سبحانه وتعالى على حنكة الملك عبدالعزيز وشجاعته في غاراته الجريئة على عدد من القبائل الموالية لابن رشيد لنحو أربعة أشهر بهدف التمويه عن مقصده الأساس وهو التوجه نحو الرياض واستردادها. وما تلا ذلك من أحداث تدل على أن الملك عبدالعزيز اختار عدداً من رجاله الذين لم يتجاوز عددهم ثلاثة وستين رجلاً ليتخذ معهم سياسة الاختباء والابتعاد عن الأنظار وسمح لغيرهم ممن سبق أن التف حوله بعد خروجه من الكويت بالعودة إلى قبائلهم.
ظل الملك عبدالعزيز مع الصفوة من رجاله الذين اختارهم معه في صحراء الجافورة بعيداً عن الأنظار نحو الشهرين ويقول الملك عبدالعزيز في ذلك: «...أخذنا أرزاقاً وسرنا وسط الربع الخالي ولم يدر أحد عنا أين كنا فجلسنا شعبان بطوله إلى عشرين رمضان ثم سرنا إلى العارض كانت رواحلنا ردية ولم نرد أبو جفان الواقع على طريق الحسا إلا أيام العيد...» (17).
وقد بين سياق الأحداث لنا أن الملك عبدالعزيز حينما زادت الضغوط العثمانية عليه وحرّض ابن رشيد القبائل عليه، وصلته وهو في يبرين رسالة من والده يأمره بالعودة أمام هذه التطورات الصعبة واختلاف الظروف التي بدأت فيها تلك المحاولة، ولكن الملك عبدالعزيز اتخذ قراره بأن يتجه للرياض بإمكاناته الذاتية وبرجاله القلائل مستخدماً السرية وسياسة المباغتة وها هو يقول: «... افتكرنا مع ربعنا فيما نعمل فاتفق الرأي على السطو على الرياض فلربما حصلت لنا فرصة في القلعة نأخذها بسياسة لأنه في الظاهر كانت علينا جواسيس...» (18).
ومن هنا يتبين أن هذه المرحلة السرية التي انتهجها الملك عبدالعزيز في خطته لاسترداد الرياض أصبحت مرحلة ذاتية تعتمد بعد الله عز وجل على التخطيط والدهاء واستعمال الأساليب الفردية والشجاعة لاقتحام قلعة المصمك. وتشير رواية الملك عبدالعزيز التي نشرها فؤاد حمزة في كتابه «البلاد العربية السعودية» إلى تمكنه من المباغتة برجاله القلائل الذين رافقوه إلى داخل الرياض لحامية ابن رشيد والقضاء على عجلان عامل ابن رشيد ودخول المصمك والسيطرة على الرياض من دون الحاجة إلى جيش كبير أو قوات ضخمة.
إن ما أشير إلى دعم الشيخ مبارك للملك عبدالعزيز في بداية المحاولة أمر لا يمكن إغفاله، لكن إيراد معلومات غير دقيقة عن أحداث تناولتها ووثقتها المصادر يخالف المنهج العلمي. ومن الملاحظ أيضاً ما ورد في الحلقة ذاتها من نصوص نقلت عن بعض الوثائق البريطانية من دون تدقيق، فمثلاً ما ذكر أن «مباركاً كان يرسم الخطط الحربية له (أي الملك عبدالعزيز) وهو في مدينته». أليس هذا النص جدير بأن ينتقد ويعرض أمام المصادر التاريخية؟ أليست الأحداث واضحة ونتائجها تدل على أن الملك عبدالعزيز كان يقوم بقيادة جيوشه ويرسم لها خططها الحربية وتمكن من توحيد بلاد شاسعة في ظروف يعلمها الجميع؟ كان بالأحرى في رأيي أن يناقش مثل هذا النص عند إيراده.
سادساً: ومن الأخطاء التي لاحظتها ما ورد أيضاً عن أحداث معركة «جولبن»، فلقد ورد النص الآتي: «ففي عام 1903 ميلادية سيّر الشيخ مبارك حملة بقيادة عبدالعزيز بن سعود والشيخ جابر بن مبارك ضد سلطان الدويش شيخ مطير الذي كان قد تحالف مع ابن رشيد»، بينما الذي حدث حقيقة وذكرته المصادر هو أن ابن رشيد أغار على بوادي الكويت وتخوف الشيخ مبارك من قربه من الكويت وانحياز سلطان الدويش إلى جانب ابن رشيد فكتب إلى الملك عبدالعزيز يستنجده، فلبى طلبه وأقبل ومعه ما يزيد على خمسة آلاف مقاتل. يذكر المؤرخ مقبل الذكير في تاريخه «... فتأمل في قدرة الله سبحانه فقد صار منجداً من كان بالأمس مستنجداً...» (19).
وقال الزركلي: إن الملك عبدالعزيز وصل إليه نجّاب من الشيخ مبارك الصباح يحمل رسالة يخاطبه فيها كعادته (يا ولدي) ويخبره أن ابن رشيد ضيّق الحصار على الكويت ويسأله النجدة، ونهض عبدالعزيز بجموع من العارض واستنفر بوادي الأحساء وما حولها وبلغ الكويت في نحو عشرة آلاف مقاتل أكثرهم من العجمان وآل مرة وبني خالد وبني هاجر والعوازم والمناصير وسبيع والسهول (20). وفي نهاية أحداث «جولبن» حسب ما ورد في الصحيفة جاءت العبارة الآتية: «وبالفعل أدرك الكويتيون الدويش وأنزلوا به خسائر فادحة»؟ ألم تكن قوات الملك عبدالعزيز مشاركة في المعركة؟ يقول أمين الريحاني عن هذه المعركة: «... ولبى عبدالعزيز دعوة الشيخ مبارك فسار فزعاً إلى الكويت بجيش لا يقل عن عشرة آلاف وهو الذي خرج منها بأربعين ذلولاً منذ سنتين فرحبت الكويت به وهللت له وانضم منها إلى جيشه ما كان قد جنده الشيخ مبارك بقيادة ابنه جابر الصباح...» (21).
وورد في الحلقة ذاتها معلومات أخرى مخالفة لما ورد في المصادر التاريخية مفادها أن الملك عبدالعزيز طلب النجدة من الشيخ مبارك عندما علم باتجاه ابن رشيد إلى الرياض وأن الشيخ مبارك أصدر الأوامر إلى جيشه العائد من «جولبن» بالسير إلى الرياض. يقول مقبل الذكير: «...أما ابن سعود فبعد مغزاه على مطير سار إلى الكويت وبلغه أن ابن رشيد قصد الرياض فهمّ أن يرجع إليها ولكن جاءه رسول من والده يخبره بهجوم ابن رشيد على الرياض وطرده منها فاطمأن باله واهتم في نقل عائلتهم التي لم تزل في الكويت...» (22).
سابعاً: جاء في الحلقة السابعة عشرة أن الملك عبدالعزيز شعر أنه قد «آن الآوان لكي يخرج من عباءة الشيخ مبارك وأن تكون له ديبلوماسيته الخاصة به». وهذا النص لا يستند إلى ما يدعمه من مصادر واستنتاجات، كما أن الشيخ مبارك والملك عبدالعزيز كانا يتمتعان بشخصيتهما المستقلة، ولم يكن أحد منهما في عباءة الآخر. كما أن الشيخ مبارك ساعد الملك عبدالعزيز في أول أمره، ثم ساعد الملك عبدالعزيز الشيخ مبارك بعد ذلك مرات عدة، كما سطرتها المصادر التاريخية.
ثامناً: تناولت الحلقة السابعة عشرة أيضاً موضوع دعم الشيخ مبارك للملك عبدالعزيز عندما تعرض للتهديد من قبل العجمان بعد موقعة جراب وأن الشيخ مبارك أرسل جيشاً بقيادة ابنه الشيخ سالم وحفيده الشيخ أحمد الجابر لنجدة عبدالعزيز ورجاله وأن الكويتيين نجحوا في رفع الحصار وهزيمة قوات العجمان؟
وقد استغربت بشدة أمر هذا النقل، لأنه لا يستند إلى ما دونه المؤرخون وأثبتته الوثائق التاريخية. وموجز ما ورد في المصادر التاريخية هو أن العجمان بعد معركة جراب أغاروا على بوادي الكويت ونهبوها فطلب الشيخ مبارك من الملك عبدالعزيز استرجاع ما نهبوه وألحّ عليه، فقال له الملك عبدالعزيز، بأن العجمان خذلوه في معركة جراب وكانوا سبباً في هزيمته ويرى التريث في مواجهتهم لانشغاله بأمور أخرى. وأمام إلحاح الشيخ مبارك وافق الملك عبدالعزيز على أن يقوم بتأديبهم مقابل مساعدة الشيخ مبارك وعدم اتخاذ سياسة مغايرة أو استقبالهم إذا لجأوا إليه وعدم التوسط بالصلح بينه وبينهم، فوافق الشيخ مبارك على ذلك (23).
سار الملك عبدالعزيز بقواته وواجه العجمان في كنزان وهزم وأصيب وقتل أخوه سعد ثم انسحب إلى الأحساء وتحصن بها وطلب مدداً من والده الإمام عبدالرحمن والشيخ مبارك الصباح. ونتيجة لذلك وصلت حملة بقيادة الأمير محمد بن عبدالرحمن لمساندة الملك عبدالعزيز، بينما تباطأ الشيخ مبارك في الإجابة، وبعد إلحاح من الملك عبدالعزيز في طلب المساندة أرسل الشيخ مبارك ابنه سالماً ومعه مئة وخمسين من الحضر ومثلهم من البدو فانضموا إلى جيش الملك عبدالعزيز الذي ضمهم إلى القوات التي كان يقودها أخوه الأمير محمد بن عبدالرحمن. وهاجم الملك عبدالعزيز العجمان وعندما انسحبوا من أطراف الأحساء طلب من أخيه الأمير محمد بن عبدالرحمن ومعه الشيخ سالم الصباح مهاجمتهم لكن سالماً أبى قائلاً أنه أتى مراقباً لا مقاتلاً (24).
ولقد أشارت الوثائق البريطانية إلى ورود رسالة من الملك عبدالعزيز إلى الوكيل السياسي البريطاني في البحرين في شأن قيام الشيخ مبارك باستقبال العجمان رغم اتفاقه معه بعدم حدوث ذلك وأنه لم يحارب العجمان إلا دفاعاً عن حقوق رعايا كويتيين (25).
ومن الأمثلة على مواقف الشيخ مبارك المتغيرة مع الملك عبدالعزيز أنه في أوج مواجهة الملك عبدالعزيز مع ابن رشيد، نجد أن الشيخ مبارك يتفق مع ابن رشيد مع أنه عاهد الملك عبدالعزيز على محاربته لاتفاق المصالح بينهما. ففي آخر سنة 1323هجرية/ 1905 ميلادية وأثناء استعداد الملك عبدالعزيز لمواجهة ابن رشيد في القصيم اتضح أمر الشيخ مبارك عندما جاء نجّاب يحمل خطاباً للملك عبدالعزيز تبين أنه ورد إليه بالخطأ لأنه كان موجهاً إلى عبدالعزيز بن رشيد وفيه: «...إني متكدر من أعمال ابن سعود وقد جرت الأمور في نجد على غير ما أشتهي أما الآن فأنا وإياكم عليه والكويت وحائل شقيقتان ومصلحة البلدين واحدة ولكم مني ما تشاءون من المساعدة ...» (26).
وجاء في الخطاب الذي وصل إلى ابن رشيد بالخطأ نفسه وهو موجه للملك عبدالعزيز «...أوليدي يا ولدي أنا معك في كل حال وحين قواك الله وتولاك...فحل الشول(27) ولا تدعه يستريح ولا تصالحه أنا أبوك مستعد لمساعدتك في كل ما تريد...» (28).
ويذكر خير الدين الزركلي أن الشيخ مبارك أرسل الكتاب الخاص بابن رشيد إلى الملك عبدالعزيز وقيل إنه خطأ من كاتب الشيخ مبارك واسمه الملا عبدالعزيز العتيقي(29)
ومثال آخر من مواقف الشيخ مبارك التي أزعجت الملك عبدالعزيز ما رواه الشيخ محمد بن عبدالله آل الشيخ المعاصر للأحداث والذي كان حاضراً في المعركة مع الملك عبدالعزيز فذكر أنه بعد مقتل عبدالعزيز بن رشيد في روضة مهنا عام 1324هجرية /1906 ميلادية وجد الملك عبدالعزيز في معسكر ابن رشيد خطاباً من الشيخ مبارك إلى ابن رشيد يعده فيه بالمساعدة، وخطاباً آخر من صالح المهنا يطلب منه نزول بريدة بعد أن ينتصر على الملك عبدالعزيز فأخفى الملك عبدالعزيز كتاب ابن مهنا، أما كتاب الشيخ مبارك فقرأه على الحضور فكتب الملك عبدالعزيز للشيخ مبارك يبشره بالنصر في تلك المعركة وجاء فيه: «... يا والدي مبارك أنا علّمتك عن الناس لا تثق بهم وهذا كتاب مزور عليك لابن رشيد وأنا ما أصدق بذلك ولا ألحقك شك ...».
وشمّع الخطاب وسلمه للأمير ناصر بن سعود بن فرحان الذي سلمه لعبدالعزيز الرباعي الذي اتجه به إلى الكويت(30).
ووردت إجابة الشيخ مبارك مع أحد رجاله وهو زيد المعرقب يقول فيها «...إني لك دائما يا ولدي عبدالعزيز أنا أبوك وعونك وعضدك ولم أصالح ابن رشيد إلا لأقهر الترك، ولكنني مستعد أن أمدك بما تحتاج إليه من المال والرجال المال مالك يا ولدي عبدالعزيز والحلال حلالك ...» (31).
وعلى رغم كل هذا إلا أن الملك عبدالعزيز تعامل مع الأمر من باب الوفاء للشيخ مبارك الصباح وللكويت التي كانت بيته الثاني فلم يدفعه غضبه من هذا إلى اتخاذ موقف معاد من الشيخ مبارك، بل صبر عليه وجعل الأحداث تتحدث عن نفسها وأفعاله هي التي تحدد طبيعة العلاقة مع ابن رشيد وهو ما حدث بعد ذلك بتوفيق من الله.
تاسعاً: يلاحظ أن هناك إغفالاً لبعض الأحداث المتعلقة بالملك عبدالعزيز والشيخ مبارك التي لم ترد في الحلقات المذكورة المنشورة في الصحيفة؛ فمثلاً نجد أن معركة هدية التي حدثت في عام 1328هجرية/ 1910 ميلادية أغفلت رغم أهميتها.
خلاصة أحداثها أن الشيخ مبارك استنجد بالملك عبدالعزيز عندما علم بعزم سعدون باشا على التحرك ضد الكويت. فوصل الملك عبدالعزيز إلى الكويت لنجدته، وعندما وصل إليها ورأى قوة الشيخ مبارك غير كافية اقترح عليه أن يتوسط بالصلح بينه وبين سعدون باشا، إلا أن الشيخ مبارك عدّ ذلك جبناً من الملك عبدالعزيز وعندما اقترح الملك عبدالعزيز على الشيخ جابر الصباح أن تستخدم أساليب الحرب المباغتة رفض الشيخ جابر ذلك وقرر الهجوم. وعندما التقى الفريقان ودارت المعركة والقيادة للشيخ جابر المبارك انتصر سعدون وانهزم رجال ابن صباح ومعهم الملك عبدالعزيز ورجاله تاركين ما معهم من خيل وإبل وأمتعة وأموال غنيمة بمثابة الهدية لجيش ابن سعدون فسميت المعركة بذلك.
وعندما عاد الملك عبدالعزيز بعد هذه الوقعة إلى الكويت استبقاه الشيخ مبارك فيها رغم حاجة الملك عبدالعزيز للعودة لمعالجة عدد من المشاكل التي ظهرت في أراضيه مثل نقض سعود بن رشيد اتفاقه مع الملك عبدالعزيز وزحفه على القصيم وتحرك الشريف حسين إلى نجد وغير ذلك من المشكلات. يقول الملك عبدالعزيز لأمين الريحاني «... استحيت منه بعد هذا الكلام وبقيت ...» (32).
وظل الملك عبدالعزيز في الكويت مدة ثلاثة أشهر بناء على طلب الشيخ مبارك الذي أراد الاطمئنان بوجوده وقواته خشية من سعدون باشا (33). وعندما أغار بعض من مطير على بعض القبائل التابعة للملك عبدالعزيز من قحطان وسبيع ولجأ المعتدون إلى ابن رشيد وكانوا قريبين من أطراف الكويت طلب الملك عبدالعزيز من الشيخ مبارك أن يأذن له بتأديبهم ولكنه رفض فاختلف الرجلان وغادر الملك عبدالعزيز الكويت إلى الرياض.
عاشراً: ومن الأحداث التي أغفلت أيضاً رغم أهميتها استنجاد الشيخ مبارك بالملك عبدالعزيز بعد علمه بعزم سعدون باشا المنصور زعيم المنتفق على غزو الكويت مرة أخرى.
فقد أورد حسين خلف الشيخ خزعل في تاريخه أن الشيخ مبارك أرسل وفداً إلى الملك عبدالعزيز ومعهم ذلولان ورسالة جاء فيها: أنني أرسل إليك ذلولتي، وقد كنت أركبها إلى الغزو وأنا الآن عاجز من الركوب والمغازي، أنا والدك يا عبدالعزيز، والذلولان اللذان شهدا الغزوات والمعارك العديدة هما لك يا ولدي وهما يطلبان منك أن تأخذ بثأر والدك من ابن سعدون. فأجابه الملك عبدالعزيز بأنه مشغول في مسائل أخرى في بلاده، ولكن الشيخ مبارك ألح في الطلب، قائلاً: أنا أصيح وأناديك، وأنت يا ولدي تصمّ أذنيك. فتحرك الملك عبدالعزيز ومعه ألف وخمسمئة من الحضر وخمسة ألاف من البدو، وكتب إلى الشيخ مبارك يعلمه بقدومه وأنه سينزل في الحفر، ولكن الشيخ مبارك فاوض ابن سعدون على الصلح وأنذر ابن سويط رئيس الظفير بقدوم الملك عبدالعزيز لقتالهم، مما عده الملك عبدالعزيز تغيراً في المواقف فاضطر للاستمرار في مقاتلة ابن سعدون وغنم غنائم كثيرة (34).
حادي عشر: رغم التوتر الذي شاب العلاقات بين الجانبين في أوقات محددة فإن الملك عبدالعزيز استطاع أن يتعامل مع حكام الكويت بعد الشيخ مبارك وهم الشيخ جابر المبارك والشيخ سالم الجابر والشيخ أحمد الجابر بأسلوب لم تتأثر به العلاقات رغم المشكلات التي حدثت والتي كانت تتعلق بالإخوان من جهة، والحدود ومسائل التجارة والمسابلة وغيرها من جهة أخرى.
وعلى الرغم من أن هناك من فسّر مخطئاً بعض الأحداث في تلك الفترة على أنها مشاريع للملك عبدالعزيز للسيطرة على الكويت، فإن ما حدث يدل بالفعل على تمسك الملك عبدالعزيز بعلاقته القوية مع أسرة آل صباح وشعب الكويت ووفائه الكبير لهم، بذلك كله استطاع أن يتجاوز معهم تلك المشكلات.
ومما يؤكد ذلك رسالة من الملك عبدالعزيز إلى الشيخ سالم المبارك الصباح في عام 1338هجرية/1920 ميلادية في شأن غزو الدويش على عربان الكويت قال «والله العظيم وبالله الكريم اني من ظهرت من الكويت إلى ساعتي هذي فلا رضيت في الكويت ولا أهله بغبي(35) يعلمه الله ولا بيّن للناس بجميع سوء، ومن طرف مسألة الصباح وآل سعود فمثل ما قيل: تهدى الأمور بأهل الرأي إن صلحت وإن تولت فبالأشرار تنقاد والله ما عندنا شك في هذا يا ولد مبارك، ولو نحلم حلم إن بيصير بين آل سعود والصباح أدنى شيء من التخالف ما والله نعبره (36)»...(37).
وتنقل المصادر التاريخية موقفاً آخر للملك عبدالعزيز يبين عمق العلاقة وامتداد جذورها المتينة، وذلك عندما أذاع الملك غازي ملك العراق بياناً في عام 1358هجرية/1939 ميلادية بأن الكويت من العراق، والعراق من الكويت، وذلك تشجيعاً للتمرد الذي حدث في الكويت، أدرك الملك عبدالعزيز خطورة هذه المواقف فخاطب بريطانيا مباشرة مطالباً بعودة الملك غازي عن تصريحاته تلك والإعلان بنفسه أن العراق ليس من الكويت وأن الكويت ليست من العراق (38). كما حرّك الملك عبدالعزيز قواته إلى حدود الكويت للدفاع عنها إذا اقتضى الأمر.
وامتد ذلك التواصل والتلاحم في عهد أبناء الملك عبدالعزيز فالملك سعود ابن عبدالعزيز هبّ لنجدة الكويت عند تعرضها لتهديدات عبدالكريم قاسم رئيس الجمهورية العراقية في محرم 1381هجرية/يونيو 1961 ميلادية حيث رابطت القوات السعودية لحماية الكويت. واستمر الوئام والتعاون بين البلدين في عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز والملك خالد بن عبدالعزيز، ثم تجلت معاني الإخاء والوفاء بأسمى صورها ومعانيها بين الأسرتين الحاكمتين والشعبين الشقيقين عندما اتخذ خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز قراره التاريخي بتحرير الكويت ووضع الإمكانات المادية والبشرية والعسكرية كافة والاستعانة بقوات الدول الحليفة العربية والإسلامية والدولية لتحقيق ذلك. كما تجسدت معاني الإخاء والوفاء في المواقف السعودية الرسمية والشعبية عندما استقبلت المملكة العربية السعودية شعب الكويت وقيادتها بعد الاحتلال الغاشم في عام 1990 ميلادية، وأصبح البيت السعودي بيتاً لإخوانهم الكويتيين.
واليوم يواصل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وأخوه سمو الشيخ صباح الأحمد الصباح إحكام البناء وتلاحم الإخاء في سياستهما المشتركة لتحقيق مصالح البلدين وحمايتها. وسوف تستمر بإذن الله هذه العلاقات الحميمة بين هاتين الأسرتين وهذين الشعبين لتوافر أسباب ذلك من عمق الجذور ونبل المقاصد وتكامل المصالح، ولن يضير تلك العلاقة التاريخية ما يكتب أو يقال من إساءة لاستخدام التاريخ للإضرار بها عن طريق بث معلومات غير دقيقة عنها.
وما قام به الشيخ مبارك من تأسيس دولة الكويت الحديثة ليس مجالاً للشك أو التساؤل، وما بذله من جهود لحماية بلاده في ظل تنافس دولي محموم واعتبارات سياسية كثيرة يدل على شخصيته المتميزة ومكانه في تاريخ المنطقة.
وما قام به الملك عبدالعزيز من تحقيق أول وحدة عربية وإسلامية في الجزيرة العربية وتأسيس المملكة العربية السعودية، وجمع كثير من البلاد المتناحرة والشاسعة لتصبح دولة واحدة ومجتمعاً واحداً لدليل على عظم تلك الشخصية، والتي حفظ لها التاريخ انجازها ومواقفها. والأحداث التي صاغها الملك عبدالعزيز والمعارك التي خاضها، والديبلوماسية التي مارسها والسياسة التي اتخذها مع الدول الغربية والشرقية والحكمة التي اتسم بها جعلت منه شخصية تاريخية لا تنسى.
وبما أن تاريخ أمتنا أمانة في أعناقنا فإنه يجب علينا سعوديين وكويتيين أن نحافظ عليه، وأن ندرس ما فيه من عبر ومواقف وأن نوقن بحقيقة واحدة مفادها أن الاختلاف في أمر من الأمور لا ينبغي أن يكون وسيلة لنقض نسيج تلك العلاقة الرائعة والمتميزة التي نفخر برابطتها، ونسعى جميعاً من أجل المحافظة عليها، ونوصي بذلك عليها أبناءنا وأحفادنا لتستمر أواصر المحبة بإذن الله بين البلدين الشقيقين.
ولا أنسى ما حظي به سيدي الأخ سلطان بن عبدالعزيز، ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام (حفظه الله)، وما حظيت به شخصياً عند زيارتنا للكويت في شوال 1428هجرية من تقدير جمّ من سمو أمير البلاد صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح (حفظه الله) ومن جميع أسرة آل صباح ومن الشعب الكويتي المضياف، ذلك التقدير والحب الذي نكنه أيضاً في المملكة العربية السعودية للكويت قيادة وشعباً.
والله أسأل أن يديم نعمة الإسلام علينا جميعاً، وأن يوفقنا إلى خدمة بلادنا وشعوبنا وأن نحافظ على مكتسباتنا وعلاقاتنا التاريخية المتميزة. والله الموفق.
سلمان بن عبدالعزيز
رئيس مجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز
المراجع
http://www.alraialaam.com/Templates/frNewsPaperArticleDetail.aspx?npaId=19434
الرأي العام الكويتية
--------------------------------------------------------------------------------
بقلم:
" الامير سلمان بن عبد العزيز "
------------------------------
ما يجمع المملكة العربية السعودية ودولة الكويت تاريخ تعتقت كلماته بتبر ذهبي صاف لا تبدله الأزمنة ولا تطغى عليه سمات المراحل العابرة. ما يجمع البلدين كلمة محبة، كانت دوماً هي الحاضرة، كما خط بيان أميرة الكلمة الدكتورة سعاد الصباح في كتابها «مبارك الكبير...مؤسس دولة الكويت الحديثة» وما بادله من ملحوظات رئيس مجلس إدارة «دارة الملك عبد العزيز» صاحب السمو الملكي أمير منطقة الرياض سلمان بن عبد العزيز الذي يؤكد أن المجتمعين السعودي والكويتي نسيج واحد.
بيان الأميرة وملحوظات صاحب السمو الملكي اختارا «الراي» لنثر صفوة الكلمات على صفحاتها، ليس باللغة التي تنضح منها وشائج التاريخ التي صنعت الحاضر ورسمت المستقبل فقط، وإنما بلغة العلم التي ترتكن إلى المصادر والمراجع في عرضها البحثي، ليبدو شرف التنافس في استقراء الأحداث للوصول إلى الحقيقة المبتغاة.
«الراي» التي نشرت فصول كتاب الصباح على مدى أربعة وعشرين يوماً كانت عيون الأخوة في «دارة الملك عبدالعزيز» تجول في محطات التاريخ المشترك التي يوردها، فتوقف الأمير سلمان عند ملحوظات، لا يجول فيها إلا أهلها، تتعلق بعلاقة الملك عبد العزيز والشيخ مبارك، وكتب فيها لأمرين، الأول لكونه رئيساً لمجلس إدارة «دارة الملك عبدالعزيز» التي تهدف إلى خدمة تاريخ المملكة العربية السعودية والخليج العربي والجزيرة العربية والعالم العربي والإسلامي والوصول إلى تسجيل ذلك التاريخ بصورته الحقيقية عن طريق التثبت والرجوع إلى المصادر الموثوقة، والثاني: باعتباره أحد أبناء الملك عبدالعزيز ومواطناً سعودياً يهتم بتاريخ وطنه والتاريخ عموماً، وأرسل ما كتب إلى «الراي» على طبق التحايا لتنشره، تاركاً تقييمه لميزان التاريخ، وهذا نص الملحوظات:
-----النص------------
سعادة رئيس تحرير صحيفة «الراي» في دولة الكويت الشقيقة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد: فقد اطلعت على ما نشرتموه عن كتاب «مبارك الصباح: مؤسس دولة الكويت الحديثة» الذي قامت بتأليفه الشيخة الدكتورة سعاد محمد الصباح في حلقات بدأت في العدد (10379 بتاريخ 1 ديسمبر 2007 ميلادية الموافق 21 ذو القعدة 1428هجرية)، وتابعتها لأهمية تاريخ الشيخ مبارك الصباح (رحمه الله) ودوره في تأسيس دولة الكويت الحديثة.
وعندما يكتب تاريخ الكويت فإن من أهم الجوانب التي سيتم تناولها هو علاقة ذلك التاريخ وتكامله مع تاريخ المملكة العربية السعودية. فالكويت والمملكة العربية السعودية بلدان شقيقان تحكمهما أسرتان مرتبطتان نسباً وتاريخاً وعلاقة ممتدة الجذور قوية التلاحم خاصة في عهد الملك عبدالعزيز وأبنائه سعود وفيصل وخالد وفهد طيب الله ثراهم، وإلى يومنا هذا في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله ابن عبدالعزيز آل سعود وأخيه صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر آل صباح (حفظهما الله). كما أن المجتمع السعودي والمجتمع الكويتي نسيج واحد، ولا يكاد يذكر اسم أسرة في الكويت إلا تجد لها امتداداً داخل المملكة العربية السعودية، وهذا يدل بلا شك على العمق الاجتماعي والتاريخي بين سكان البلدين.
وعندما انتهيت من قراءة ما نشرتموه في الحلقة الخامسة عشرة (العدد 10393 بتاريخ 15 ديسمبر 2007 ميلادية) والحلقة السادسة عشرة (العدد 10394 بتاريخ 16 ديسمبر 2007 ميلادية والحلقة السابعة عشرة (العدد 10395 بتاريخ 17 ديسمبر 2007ميلادية)، تبين لي أن هناك ضرورة لإحاطة القراء الكرام ببعض الملحوظات لتصحيح بعض المعلومات والأخطاء التي وردت في تلك الحلقات التي تناولت العلاقات بين الملك عبدالعزيز والشيخ مبارك والتي أُبرز بعضها بخطوط عريضة وهي غير دقيقة. وما دفعني إلى التنبيه إلى هذه الملحوظات هو أمران: أولهما: لكوني رئيساً لمجلس إدارة «دارة الملك عبدالعزيز» التي تهدف إلى خدمة تاريخ المملكة العربية السعودية والخليج العربي والجزيرة العربية والعالم العربي والإسلامي والوصول إلى تسجيل ذلك التاريخ بصورته الحقيقة عن طريق التثبت والرجوع إلى المصادر الموثوقة، وثانيهما: باعتباري أحد أبناء الملك عبدالعزيز ومواطناً سعودياً يهتم بتاريخ وطنه والتاريخ بصفة عامة. ومن أبرز تلك الملحوظات ما يأتي:
أولاً: ورد في الحلقة الخامسة عشرة في الصحيفة ما يلي: «اتسمت العلاقات بين نجد والكويت بالتوتر والعداء في السنوات السابقة لتولي الشيخ مبارك الحكم، وارتبط ذلك بالصراع بين آل سعود وآل رشيد حول حكم نجد».
وهذا النص فيه اختزال وإغفال لبعض الحقائق التاريخية المهمة التي لم يُشر إليها على رغم أنه ترتب عليها ما حدث في الكويت خلال فترة حكم الشيخ مبارك، وخاصة أحداث عام 1313هجرية/ 1896 ميلادية التي يعرفها الجميع وكانت سبباً في توتر العلاقة بين ابن رشيد والشيخ مبارك(1). وقد عبر الشيخ مبارك عن ذلك في رسالة له للسلطات البريطانية قائلاً: «... انه لا يحسن به أن يجلس في الكويت بينما يوسف الإبراهيم باق مع ابن رشيد يحرضه للتحرك ضده...»(2).
وورد في الحلقة ذاتها أن عبدالعزيز بن متعب آل رشيد هو الذي قوّض أركان الدولة السعودية الثانية وهزم آل سعود في معركة المليداء 1308هجرية/1890 ميلادية وذلك غير صحيح لأن حاكم حائل آنذاك والذي قاد المعركة هو محمد بن عبدالله بن رشيد ثم إن وقعة المليداء كانت بين أنصار الإمام عبدالرحمن في القصيم وابن رشيد.
ازداد التوتر بين حائل والكويت عندما تولى عبدالعزيز بن متعب بن رشيد حاكم حائل بعد وفاة عمه محمد بن عبدالله بن رشيد سنة 1315هجرية/1897 ميلادية، لا سيما أن يوسف الإبراهيم ظل يحرّض حاكم حائل على الشيخ مبارك، وليس من المستبعد أن يكون لدى حاكم حائل الطموح لحيازة الكويت كما كان لديه الطموح نفسه للسيطرة على نجد.
كما أن الكويت في ذلك الوقت كانت تمر بمرحلة حاسمة في ما يتعلق بالتنافس بين كل من بريطانيا والدولة العثمانية، خاصة أن الشيخ مبارك بدأ في سياسة الميل نحو بريطانيا على خلاف ما كان يسير عليه الشيخ محمد بن صباح حاكم الكويت السابق الذي كان ميالاً نحو الدولة العثمانية. فلذلك وقّع الشيخ مبارك في رمضان 1316هجرية/يناير 1899 ميلادية اتفاقية حماية سرية مع بريطانيا (3) لكي يحمي بلاده من نتائج ذلك التنافس ويعزز استقلالها. وهذا أدى إلى أن تقوم الدولة العثمانية بدعم حاكم حائل وتعزيزه في تحركاته ضد الكويت.
ورصدت المصادر التاريخية الكثير من المواجهات والتحركات بين حائل والكويت، ومنها على سبيل التمثيل عندما عاد عبدالعزيز بن رشيد من العراق عام 1316هجرية/1898 ميلادية أغار على القبائل المقيمة في أطراف الكويت، ثم بدأ بالتحرش بالتجار المتوجهين إلى الكويت. وقد أدى ذلك إلى أن يحشد الشيخ مبارك قواته بقيادة أخيه الشيخ حمود الصباح وابنه الشيخ سالم المبارك حيث أغاروا على عربان لابن رشيد في الرخيمية وانتصروا عليهم (4).
وتشير الأحداث أيضاً إلى أمر آخر وهو أن الشيخ مبارك استخدم وجود الإمام عبدالرحمن وأسرته في الكويت للمفاوضة مع ابن رشيد للتخلي عن يوسف الإبراهيم من جانبه، وذلك لإدراكه بخطورة تحركات ابن رشيد ضده مدعوماً بالدولة العثمانية وبعض القبائل المحيطة بالكويت من شمر وغيرها، لذلك سعى الشيخ مبارك إلى عقد اتفاق مع ابن رشيد تضمن نفي يوسف الإبراهيم من حائل لأنه مصدر التحريض الأساس، وعرض مقابل ذلك أن يقوم بإجلاء الإمام عبدالرحمن وأسرته من الكويت. فاستفاد الشيخ مبارك من خروج الإمام عبدالرحمن وأبنائه إلى نجد في عام 1317هجرية/1900 ميلادية للإغارة على بعض القبائل الموالية لابن رشيد قرب روضة سدير، وكتب إلى ابن رشيد يفيده بأنه نفى الجلوية من آل سعود مطالباً بنفي يوسف الإبراهيم فكتب الشيخ مبارك إلى الإمام عبدالرحمن يفيده بأنه اتفق مع ابن رشيد وطلب عدم رجوعهم إلى الكويت أو الاقتراب منها.
يقول مقبل الذكير: «... وفعلاً نفذ هذا الأمر ووصل إليهم الكتاب بعد إغارتهم على قحطان فضاقت عليهم الأرض لا يعلمون أي جهة يسلكون فبلدان نجد وبواديها كلها تحت أمر ابن رشيد، فاقتضى رأيهم أن يتعلقوا مع العجمان إلى أن يدبروا أمرهم فرجعوا معتمدين على ذلك بعد أن أغلق عنهم ابن صباح أبواب الكويت فبينما هم في طريقهم إذا برسول آخر من ابن صباح يستدعيهم للرجوع إلى الكويت ويستحثهم على ذلك...» (5). ولم ينجح الشيخ مبارك في التخلص من يوسف الإبراهيم عن طريق الاتفاق مع ابن رشيد الذي أدرك أن خروج الإمام عبدالرحمن ومن معه لم يكن بسبب نفيهم وإنما للقيام بالإغارة على القبائل التابعة له. وتؤكد رسائل علي غلوم رضا، الوكيل الإخباري لبريطانيا في الكويت، أن خروج الإمام عبدالرحمن إلى نجد لم يكن بسبب نفي الشيخ مبارك لهم وإنما كان بسبب تلك الرسائل التي وردت إليهم من نجد تستحثهم على القدوم والمساندة. يقول علي غلوم رضا في رسالته المؤرخة في 20 ربيع الآخر 1318هجرية الموافق 17 أغسطس 1900ميلادية: «... وفي 6 من شهر ربيع الثاني جاءته رسائل من جماعته المقيمين في نجد تحت حكم الأمير عبدالعزيز بن رشيد تطلب منه عند وصول هذه الرسائل أن يقبل عليهم...». وقال أيضاً علي غلوم رضا: «... عزم (الإمام عبدالرحمن) على الذهاب إلى نجد في 22 من ربيع الثاني وليس لدى عبدالعزيز بن رشيد إطلاع على هذا الأمر لأنه إذا عرف أن عبدالرحمن الفيصل وصل إلى نجد فسوف يؤدي ذلك إلى فتنة كبيرة وقتال كثير بينهما، مع العلم بأن الشيخ مبارك الصباح كان راضياً عن هذا الأمر بشأن عبدالعزيز آل رشيد...» (6).
ونتيجة لذلك كله يتبين أن الصراع بين الشيخ مبارك وآل رشيد كان سببه الرئيس هو وجود حالة التوتر والعداء بين حائل والكويت لأسباب تتعلق بالكويت نفسها أكثر مما تتعلق فقط بوجود آل سعود فيها . ثانياً: لا ينكر أي أحد ما حظي به الإمام عبدالرحمن الفيصل وابنه عبدالعزيز وإخوانه من مكانة لدى الشيخ مبارك وأسرة آل صباح أثناء إقامتهم في الكويت خلال الفترة من 1311هجرية/1893 ميلادية ـ وحتى 1319هجرية/1902 ميلادية، وهذا يدل دلالة جازمة على العلاقة الحميمة بين الأسرتين التي ظلت متوطدة إلى يومنا هذا.
فالإمام عبدالرحمن عندما غادر الرياض وأسرته اتجه إلى بادية آل مرة والعجمان قرب الأحساء، وأرسل ابنه عبدالعزيز لمفاوضة المتصرف العثماني في شأن إقامتهم في الأحساء فرفض طلبه فأستأذن الإمام عبدالرحمن الشيخ محمد بن صباح بالإقامة في الكويت فاعتذر، وأقام الإمام عبدالرحمن وأسرته في البادية مرة أخرى سبعة أشهر تقريباً اكتسب من خلالها عبدالعزيز الكثير من التجارب في التعامل مع الصحراء وأسلوب القيادة ومواجهة الصعاب وغيرها (7)، إلى جانب ما يتمتع به من شخصية وخلفية تاريخية ودينية. ثم أقام الإمام عبدالرحمن في قطر، ونظراً لاختلاف الدولة العثمانية مع الشيخ قاسم بن ثاني اقترحت إقامتهم في الكويت ليكونوا تحت أنظارها واستقر الإمام عبدالرحمن وأسرته في الكويت منذ عام 1311هجرية/1893 ميلادية، وحظوا بتقدير من شيخ الكويت ومن الدولة العثمانية.
وقد أظهر الملك عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ استعداداً واضحاً للقيادة قبل وصوله للكويت من خلال اشتراكه في المفاوضات مع محمد بن رشيد أثناء حصار الرياض سنة 1308هجرية/1890ميلادية، وقيامه بزيارة الشيخ عيسى بن خليفة أمير البحرين لطلب الإذن لإقامة أسرة الإمام عبدالرحمن لديه في البحرين، واتصاله بالمتصرف العثماني في الأحساء، وما تعلمه أيضاً من إقامته في الصحراء وما تلقاه من تعليم في الرياض قبل خروجه منها، إضافة إلى إرث أسرته الديني والتاريخي والسياسي.
ولا شك أن الملك عبدالعزيز الذي قدم إلى الكويت وعمره نحو ثمانية عشر عاماً، وليس ثماني سنوات كما ذُكر في الحلقة الخامسة عشرة في الصحيفة، قد استفاد من وجوده في الكويت التي كانت مسرحاً للتنافس واطلع على كثير من مجريات السياسة الدولية، وكان للشيخ مبارك فضل في إتاحة الفرصة للملك عبدالعزيز لحضور مجالسه والإطلاع على ما كان يدور فيها من جوانب سياسية. ولم تكن إقامة الملك عبدالعزيز في الكويت مصدراً لصياغة شخصيته وسياسته كما ورد في الصحيفة، وها هو ذا الملك عبدالعزيز يوضح ذلك عندما سأله الصحافي المصري المعروف كريم ثابت قائلاً: «...إن بعض المؤلفين الأجانب قالوا إن المدة التي قضاها جلالته في الكويت في حداثته كانت بمثابة مدرسة له...». قال الملك عبدالعزيز: «... لا، لا تصدقوهم فلم يكن هناك شيء أتعلمه ولكن التجارب هي التي علمتني بعد ذلك...» (8).
ثالثاً: ورد في الحلقة السادسة عشرة في الصحيفة أيضاً ما يأتي: «كان تفكير الشيخ في ضرورة إنهاء المصدر الدائم لتهديد بلاده والذي تحقق بدعمه لآل سعود من أجل استعادة ملكهم في الرياض وهو ما تحقق في 15 يناير عام 1902 ميلادية بدخول الأمير عبدالعزيز مدينة الرياض». فمن المعروف أن تحرك الملك عبدالعزيز نحو الرياض كان نتيجة طبيعية لما كان يحمله الملك عبدالعزيز في ذهنه من طموح لإعادة تأسيس الدولة السعودية، ذلك الطموح والهدف الذي عاش معه منذ أن غادر الرياض. ومما يدل على تعمق الرغبة في العودة إلى الرياض في قلب الملك عبدالعزيز جوابه للسؤال الذي وجهه إليه الشيخ عيسى بن علي آل خليفة ملاطفاً له عندما زاره عام 1309هجرية/1891 ميلادية: يا عبدالعزيز قطر أحسن أم البحرين؟ فأجابه عبدالعزيز على الفور: الرياض أحسن منهما، فقال الشيخ عيسى: سيكون لهذا الغلام شأن (9). وقد نقل الرواة الذين زاروا الكويت في ذلك الوقت عزم الإمام عبدالرحمن والملك عبدالعزيز وإخوانه على العودة إلى الرياض. ولا أدل على ذلك من استثمار الملك عبدالعزيز لخروج الشيخ مبارك إلى معركة الصريف للتوجه إلى الرياض في محاولته الأولى لاسترداد الرياض والتي منيت بالفشل. أما مصدر التهديد الحقيقي للكويت كما أشرت سابقاً وما ورد في الصحيفة في مواضع أخرى فهو واضح من خلال الأحداث والوثائق البريطانية وبعض المراسلات المحلية التي تشير إلى أن ما كان يحدث في ساحة الكويت وما حولها من توتر كان مصدره طموح ابن رشيد في الكويت مدعوماً بالرغبة العثمانية في تضييق الخناق على الشيخ مبارك الذي ارتبط مع الجانب البريطاني بمعاهدة حماية وباتصالات مستمرة. ففي تقرير سلدانها المتعلق بأحداث أغسطس إلى نوفمبر 1900 ميلادية (ربيع الآخر ـ رجب 1318هجرية) يتبين القلق البريطاني من تحركات ابن رشيد ضد الكويت ومحاولتها إبعاد أي تدخل تركي في الكويت بسبب ذلك. وواصلت بريطانيا رصد الأحداث مشيرة إلى خشيتها من وجود دوافع تركية من وراء تلك التحركات (10).
وهذا دليل واضح على أن التوتر بين الكويت وحائل كان سببه الأساس هذا التنافس بين الجانب العثماني المتمثل في ابن رشيد والجانب البريطاني المتمثل في الشيخ مبارك وحلفائه.
رابعاً: أما ما يتعلق بمعركة الصريف فقد ورد في الحلقة السادسة عشرة أخطاء كثيرة يظهر لي أنها نشأت من الاعتماد على بعض المراجع أو بعض الوثائق البريطانية التي كانت تنقل أخبار معركة الصريف غير المؤكدة عن الرواة آنذاك. فلقد ورد أن الشيخ مبارك «فتح العارض من دون قتال، وأسند أمورها إلى الأمير عبدالعزيز بن سعود. ثم فتح كلاً من مدينتي عنيزة وبريدة من دون قتال تقريباً» فحقائق التاريخ تشير إلى تحركات الشيخ مبارك قبيل حدوث معركة الصريف بوضوح. فالشيخ مبارك لم يصل إلى العارض، لأن العارض يشمل الرياض وما حولها من البلدان. كما أن الملك عبدالعزيز انفصل عن جيش الشيخ مبارك عند الشوكي ليتجه إلى الرياض والشوكي ليس في العارض وإنما في العرمة وهو أحد أوديتها الذي يصب في روضة التنهات. والمعروف أن الملك عبدالعزيز تمكن من دخول الرياض ولكنه لم يستطع السيطرة على قلعة المصمك والقضاء على عامل ابن رشيد المحتمي فيه حتى تسند إليه أمورها بسبب هزيمة الصريف. أما ما ورد في الصحيفة عن قيام الشيخ مبارك الصباح بفتح بريدة وعنيزة فإن ذلك مخالف لما حدث فعلاً، فلقد اتجه آل سليم إلى عنيزة وآل مهنا إلى بريدة أثناء تحركهما مع الشيخ مبارك والإمام عبدالرحمن نحو الصريف ودخلوها من دون مقاومة من أهلها ذلك لأنهم أمراؤها السابقون في الدولة السعودية الثانية، إلا أنهم خرجوا بعد هزيمة الصريف، ولم يتم دخول بريدة وعنيزة إلا في عام 1322هجرية/1904 ميلادية عندما تمكن الملك عبدالعزيز من دخول عنيزة بعد طرد حامية ابن رشيد منها، ثم تمكن من دخول بريدة بعد حصار حاميتها نحو الشهرين ونصف الشهر، وبذلك ضم الملك عبدالعزيز منطقة القصيم في ذلك العام. وعندما التقى الجيشان في الصريف انهزمت قوات الشيخ مبارك واضطر الملك عبدالعزيز إلى فك الحصار على قلعة المصمك بالرياض وعاد ليلتقي مع والده الإمام عبدالرحمن ورجعا معاً إلى الكويت. إن الهدف الأساس من معركة الصريف لم يكن لدعم تحرك الملك عبدالعزيز نحو الرياض، وإنما لمواجهة ابن رشيد في مناطقه وردعه عن الهجوم على الكويت.
ونقل سيف مرزوق الشملان عن دهام بن مثقال الظفيري أحداث معركة الصريف التي حضرها، وجاء فيها أن مبارك بن عذبي الصباح الذي كان مع يوسف الإبراهيم في حائل نصح عبدالعزيز بن رشيد بالإسراع في قتال الشيخ مبارك مذكراً إياه بما حدث عام 1313هجرية/1896 ميلادية (11). وما أشير إليه في الحلقة السادسة عشرة من أسباب هزيمة الشيخ مبارك في الصريف وأن هناك من يرى أن «السبب الرئيس هو انقسام قوات مبارك إلى رتلين هما رتل آل صباح ورتل آل سعود، وعدم وجود التنسيق الكامل بين الرتلين»، فإنه بالنظر في المصادر والوثائق التي تناولت معركة الصريف يتبين أن ما ذكر عن وجود الرتلين وعدم التنسيق بينهما غير دقيق، فالجيش كان جيشاً واحداً بقيادة الشيخ مبارك تضمن الإمام عبدالرحمن والقبائل والحاضرة.
خامساً: تناول الحديث في الحلقة السادسة عشرة أيضاً أن الشيخ مبارك خطط «ليشغل آل رشيد عسكرياً في الوقت الذي يقوم فيه عبدالعزيز بن سعود باقتحام الرياض». وهذا النص يتناقض مع الأحداث التاريخية لأن محاولة الملك عبدالعزيز الثانية بدأت بمرحلتين هما: الأولى التي حدثت فيها الغارات التي قام بها الملك عبدالعزيز على بعض القبائل واجتمع حوله أكثر من ألفي مقاتل، والثانية هي المرحلة السرية التي باغت فيها الرياض بعدد قليل من أقاربه وأتباعه وقصتها معروفة في المصادر. وليس هناك شك في ما قدمه الشيخ مبارك من دعم بالأسلحة والجمال لعدد من الرجال المرافقين للملك وخاصته الذين خرجوا من الكويت. ولكن تظهر المبالغة فيما ذكر عن دعم الشيخ مبارك بأنه أرسل بعد دخول الملك عبدالعزيز الرياض الأسلحة والذخيرة والمؤن (على شكل قوافل الواحدة تلو الأخرى) وهذا غير دقيق. يقول الريحاني وهو من نقل معلوماته مباشرة من الملك عبدالعزيز في ما يتعلق بدعم الشيخ مبارك للملك عبدالعزيز حين خرج عام 1319هجرية/1901 ميلادية لاسترداد الرياض بقوله: «...اثنان وأربعون رجلاً من عائلة آل سعود وخدامهم (12) السابقين حاضرون لا يلزمهم غير الركائب والبنادق والزاد وشيء من المال أجاب الشيخ مبارك الطلب فأعطى عبدالعزيز أربعين ذلولاً وثلاثين بندقية ومئتي ريال وبعض الزاد خرج بهذه الشرذمة من الكويت خرج ينحر (13) البوادي ليزيد على الأقل عدد رجاله. نحرو العجمان فتردد الرؤساء فيهم ولكن كثيرين من العامة (14) انضموا إلى غزو ابن سعود وكذلك آل مرة وسبيع والسهول فاشتد ساعد عبدالعزيز. أصبح معه بدل الأربعين ذلولاً ألف ذلول وأربعمئة خيال...» (15).
والملك عبدالعزيز لم ينس فضل الشيخ مبارك ودعمه له بعد دخوله الرياض مباشرة حيث قال في روايته المشهورة التي ذكرها فؤاد حمزة: «... وبعد شهر أرسلوا لنا أخي سعد ومعه مئة رجل وبعض الذخيرة من الكويت...» (16). وتؤكد المصادر التاريخية أن ما تم بعد الخروج من الكويت كان يعتمد بعد الله سبحانه وتعالى على حنكة الملك عبدالعزيز وشجاعته في غاراته الجريئة على عدد من القبائل الموالية لابن رشيد لنحو أربعة أشهر بهدف التمويه عن مقصده الأساس وهو التوجه نحو الرياض واستردادها. وما تلا ذلك من أحداث تدل على أن الملك عبدالعزيز اختار عدداً من رجاله الذين لم يتجاوز عددهم ثلاثة وستين رجلاً ليتخذ معهم سياسة الاختباء والابتعاد عن الأنظار وسمح لغيرهم ممن سبق أن التف حوله بعد خروجه من الكويت بالعودة إلى قبائلهم.
ظل الملك عبدالعزيز مع الصفوة من رجاله الذين اختارهم معه في صحراء الجافورة بعيداً عن الأنظار نحو الشهرين ويقول الملك عبدالعزيز في ذلك: «...أخذنا أرزاقاً وسرنا وسط الربع الخالي ولم يدر أحد عنا أين كنا فجلسنا شعبان بطوله إلى عشرين رمضان ثم سرنا إلى العارض كانت رواحلنا ردية ولم نرد أبو جفان الواقع على طريق الحسا إلا أيام العيد...» (17).
وقد بين سياق الأحداث لنا أن الملك عبدالعزيز حينما زادت الضغوط العثمانية عليه وحرّض ابن رشيد القبائل عليه، وصلته وهو في يبرين رسالة من والده يأمره بالعودة أمام هذه التطورات الصعبة واختلاف الظروف التي بدأت فيها تلك المحاولة، ولكن الملك عبدالعزيز اتخذ قراره بأن يتجه للرياض بإمكاناته الذاتية وبرجاله القلائل مستخدماً السرية وسياسة المباغتة وها هو يقول: «... افتكرنا مع ربعنا فيما نعمل فاتفق الرأي على السطو على الرياض فلربما حصلت لنا فرصة في القلعة نأخذها بسياسة لأنه في الظاهر كانت علينا جواسيس...» (18).
ومن هنا يتبين أن هذه المرحلة السرية التي انتهجها الملك عبدالعزيز في خطته لاسترداد الرياض أصبحت مرحلة ذاتية تعتمد بعد الله عز وجل على التخطيط والدهاء واستعمال الأساليب الفردية والشجاعة لاقتحام قلعة المصمك. وتشير رواية الملك عبدالعزيز التي نشرها فؤاد حمزة في كتابه «البلاد العربية السعودية» إلى تمكنه من المباغتة برجاله القلائل الذين رافقوه إلى داخل الرياض لحامية ابن رشيد والقضاء على عجلان عامل ابن رشيد ودخول المصمك والسيطرة على الرياض من دون الحاجة إلى جيش كبير أو قوات ضخمة.
إن ما أشير إلى دعم الشيخ مبارك للملك عبدالعزيز في بداية المحاولة أمر لا يمكن إغفاله، لكن إيراد معلومات غير دقيقة عن أحداث تناولتها ووثقتها المصادر يخالف المنهج العلمي. ومن الملاحظ أيضاً ما ورد في الحلقة ذاتها من نصوص نقلت عن بعض الوثائق البريطانية من دون تدقيق، فمثلاً ما ذكر أن «مباركاً كان يرسم الخطط الحربية له (أي الملك عبدالعزيز) وهو في مدينته». أليس هذا النص جدير بأن ينتقد ويعرض أمام المصادر التاريخية؟ أليست الأحداث واضحة ونتائجها تدل على أن الملك عبدالعزيز كان يقوم بقيادة جيوشه ويرسم لها خططها الحربية وتمكن من توحيد بلاد شاسعة في ظروف يعلمها الجميع؟ كان بالأحرى في رأيي أن يناقش مثل هذا النص عند إيراده.
سادساً: ومن الأخطاء التي لاحظتها ما ورد أيضاً عن أحداث معركة «جولبن»، فلقد ورد النص الآتي: «ففي عام 1903 ميلادية سيّر الشيخ مبارك حملة بقيادة عبدالعزيز بن سعود والشيخ جابر بن مبارك ضد سلطان الدويش شيخ مطير الذي كان قد تحالف مع ابن رشيد»، بينما الذي حدث حقيقة وذكرته المصادر هو أن ابن رشيد أغار على بوادي الكويت وتخوف الشيخ مبارك من قربه من الكويت وانحياز سلطان الدويش إلى جانب ابن رشيد فكتب إلى الملك عبدالعزيز يستنجده، فلبى طلبه وأقبل ومعه ما يزيد على خمسة آلاف مقاتل. يذكر المؤرخ مقبل الذكير في تاريخه «... فتأمل في قدرة الله سبحانه فقد صار منجداً من كان بالأمس مستنجداً...» (19).
وقال الزركلي: إن الملك عبدالعزيز وصل إليه نجّاب من الشيخ مبارك الصباح يحمل رسالة يخاطبه فيها كعادته (يا ولدي) ويخبره أن ابن رشيد ضيّق الحصار على الكويت ويسأله النجدة، ونهض عبدالعزيز بجموع من العارض واستنفر بوادي الأحساء وما حولها وبلغ الكويت في نحو عشرة آلاف مقاتل أكثرهم من العجمان وآل مرة وبني خالد وبني هاجر والعوازم والمناصير وسبيع والسهول (20). وفي نهاية أحداث «جولبن» حسب ما ورد في الصحيفة جاءت العبارة الآتية: «وبالفعل أدرك الكويتيون الدويش وأنزلوا به خسائر فادحة»؟ ألم تكن قوات الملك عبدالعزيز مشاركة في المعركة؟ يقول أمين الريحاني عن هذه المعركة: «... ولبى عبدالعزيز دعوة الشيخ مبارك فسار فزعاً إلى الكويت بجيش لا يقل عن عشرة آلاف وهو الذي خرج منها بأربعين ذلولاً منذ سنتين فرحبت الكويت به وهللت له وانضم منها إلى جيشه ما كان قد جنده الشيخ مبارك بقيادة ابنه جابر الصباح...» (21).
وورد في الحلقة ذاتها معلومات أخرى مخالفة لما ورد في المصادر التاريخية مفادها أن الملك عبدالعزيز طلب النجدة من الشيخ مبارك عندما علم باتجاه ابن رشيد إلى الرياض وأن الشيخ مبارك أصدر الأوامر إلى جيشه العائد من «جولبن» بالسير إلى الرياض. يقول مقبل الذكير: «...أما ابن سعود فبعد مغزاه على مطير سار إلى الكويت وبلغه أن ابن رشيد قصد الرياض فهمّ أن يرجع إليها ولكن جاءه رسول من والده يخبره بهجوم ابن رشيد على الرياض وطرده منها فاطمأن باله واهتم في نقل عائلتهم التي لم تزل في الكويت...» (22).
سابعاً: جاء في الحلقة السابعة عشرة أن الملك عبدالعزيز شعر أنه قد «آن الآوان لكي يخرج من عباءة الشيخ مبارك وأن تكون له ديبلوماسيته الخاصة به». وهذا النص لا يستند إلى ما يدعمه من مصادر واستنتاجات، كما أن الشيخ مبارك والملك عبدالعزيز كانا يتمتعان بشخصيتهما المستقلة، ولم يكن أحد منهما في عباءة الآخر. كما أن الشيخ مبارك ساعد الملك عبدالعزيز في أول أمره، ثم ساعد الملك عبدالعزيز الشيخ مبارك بعد ذلك مرات عدة، كما سطرتها المصادر التاريخية.
ثامناً: تناولت الحلقة السابعة عشرة أيضاً موضوع دعم الشيخ مبارك للملك عبدالعزيز عندما تعرض للتهديد من قبل العجمان بعد موقعة جراب وأن الشيخ مبارك أرسل جيشاً بقيادة ابنه الشيخ سالم وحفيده الشيخ أحمد الجابر لنجدة عبدالعزيز ورجاله وأن الكويتيين نجحوا في رفع الحصار وهزيمة قوات العجمان؟
وقد استغربت بشدة أمر هذا النقل، لأنه لا يستند إلى ما دونه المؤرخون وأثبتته الوثائق التاريخية. وموجز ما ورد في المصادر التاريخية هو أن العجمان بعد معركة جراب أغاروا على بوادي الكويت ونهبوها فطلب الشيخ مبارك من الملك عبدالعزيز استرجاع ما نهبوه وألحّ عليه، فقال له الملك عبدالعزيز، بأن العجمان خذلوه في معركة جراب وكانوا سبباً في هزيمته ويرى التريث في مواجهتهم لانشغاله بأمور أخرى. وأمام إلحاح الشيخ مبارك وافق الملك عبدالعزيز على أن يقوم بتأديبهم مقابل مساعدة الشيخ مبارك وعدم اتخاذ سياسة مغايرة أو استقبالهم إذا لجأوا إليه وعدم التوسط بالصلح بينه وبينهم، فوافق الشيخ مبارك على ذلك (23).
سار الملك عبدالعزيز بقواته وواجه العجمان في كنزان وهزم وأصيب وقتل أخوه سعد ثم انسحب إلى الأحساء وتحصن بها وطلب مدداً من والده الإمام عبدالرحمن والشيخ مبارك الصباح. ونتيجة لذلك وصلت حملة بقيادة الأمير محمد بن عبدالرحمن لمساندة الملك عبدالعزيز، بينما تباطأ الشيخ مبارك في الإجابة، وبعد إلحاح من الملك عبدالعزيز في طلب المساندة أرسل الشيخ مبارك ابنه سالماً ومعه مئة وخمسين من الحضر ومثلهم من البدو فانضموا إلى جيش الملك عبدالعزيز الذي ضمهم إلى القوات التي كان يقودها أخوه الأمير محمد بن عبدالرحمن. وهاجم الملك عبدالعزيز العجمان وعندما انسحبوا من أطراف الأحساء طلب من أخيه الأمير محمد بن عبدالرحمن ومعه الشيخ سالم الصباح مهاجمتهم لكن سالماً أبى قائلاً أنه أتى مراقباً لا مقاتلاً (24).
ولقد أشارت الوثائق البريطانية إلى ورود رسالة من الملك عبدالعزيز إلى الوكيل السياسي البريطاني في البحرين في شأن قيام الشيخ مبارك باستقبال العجمان رغم اتفاقه معه بعدم حدوث ذلك وأنه لم يحارب العجمان إلا دفاعاً عن حقوق رعايا كويتيين (25).
ومن الأمثلة على مواقف الشيخ مبارك المتغيرة مع الملك عبدالعزيز أنه في أوج مواجهة الملك عبدالعزيز مع ابن رشيد، نجد أن الشيخ مبارك يتفق مع ابن رشيد مع أنه عاهد الملك عبدالعزيز على محاربته لاتفاق المصالح بينهما. ففي آخر سنة 1323هجرية/ 1905 ميلادية وأثناء استعداد الملك عبدالعزيز لمواجهة ابن رشيد في القصيم اتضح أمر الشيخ مبارك عندما جاء نجّاب يحمل خطاباً للملك عبدالعزيز تبين أنه ورد إليه بالخطأ لأنه كان موجهاً إلى عبدالعزيز بن رشيد وفيه: «...إني متكدر من أعمال ابن سعود وقد جرت الأمور في نجد على غير ما أشتهي أما الآن فأنا وإياكم عليه والكويت وحائل شقيقتان ومصلحة البلدين واحدة ولكم مني ما تشاءون من المساعدة ...» (26).
وجاء في الخطاب الذي وصل إلى ابن رشيد بالخطأ نفسه وهو موجه للملك عبدالعزيز «...أوليدي يا ولدي أنا معك في كل حال وحين قواك الله وتولاك...فحل الشول(27) ولا تدعه يستريح ولا تصالحه أنا أبوك مستعد لمساعدتك في كل ما تريد...» (28).
ويذكر خير الدين الزركلي أن الشيخ مبارك أرسل الكتاب الخاص بابن رشيد إلى الملك عبدالعزيز وقيل إنه خطأ من كاتب الشيخ مبارك واسمه الملا عبدالعزيز العتيقي(29)
ومثال آخر من مواقف الشيخ مبارك التي أزعجت الملك عبدالعزيز ما رواه الشيخ محمد بن عبدالله آل الشيخ المعاصر للأحداث والذي كان حاضراً في المعركة مع الملك عبدالعزيز فذكر أنه بعد مقتل عبدالعزيز بن رشيد في روضة مهنا عام 1324هجرية /1906 ميلادية وجد الملك عبدالعزيز في معسكر ابن رشيد خطاباً من الشيخ مبارك إلى ابن رشيد يعده فيه بالمساعدة، وخطاباً آخر من صالح المهنا يطلب منه نزول بريدة بعد أن ينتصر على الملك عبدالعزيز فأخفى الملك عبدالعزيز كتاب ابن مهنا، أما كتاب الشيخ مبارك فقرأه على الحضور فكتب الملك عبدالعزيز للشيخ مبارك يبشره بالنصر في تلك المعركة وجاء فيه: «... يا والدي مبارك أنا علّمتك عن الناس لا تثق بهم وهذا كتاب مزور عليك لابن رشيد وأنا ما أصدق بذلك ولا ألحقك شك ...».
وشمّع الخطاب وسلمه للأمير ناصر بن سعود بن فرحان الذي سلمه لعبدالعزيز الرباعي الذي اتجه به إلى الكويت(30).
ووردت إجابة الشيخ مبارك مع أحد رجاله وهو زيد المعرقب يقول فيها «...إني لك دائما يا ولدي عبدالعزيز أنا أبوك وعونك وعضدك ولم أصالح ابن رشيد إلا لأقهر الترك، ولكنني مستعد أن أمدك بما تحتاج إليه من المال والرجال المال مالك يا ولدي عبدالعزيز والحلال حلالك ...» (31).
وعلى رغم كل هذا إلا أن الملك عبدالعزيز تعامل مع الأمر من باب الوفاء للشيخ مبارك الصباح وللكويت التي كانت بيته الثاني فلم يدفعه غضبه من هذا إلى اتخاذ موقف معاد من الشيخ مبارك، بل صبر عليه وجعل الأحداث تتحدث عن نفسها وأفعاله هي التي تحدد طبيعة العلاقة مع ابن رشيد وهو ما حدث بعد ذلك بتوفيق من الله.
تاسعاً: يلاحظ أن هناك إغفالاً لبعض الأحداث المتعلقة بالملك عبدالعزيز والشيخ مبارك التي لم ترد في الحلقات المذكورة المنشورة في الصحيفة؛ فمثلاً نجد أن معركة هدية التي حدثت في عام 1328هجرية/ 1910 ميلادية أغفلت رغم أهميتها.
خلاصة أحداثها أن الشيخ مبارك استنجد بالملك عبدالعزيز عندما علم بعزم سعدون باشا على التحرك ضد الكويت. فوصل الملك عبدالعزيز إلى الكويت لنجدته، وعندما وصل إليها ورأى قوة الشيخ مبارك غير كافية اقترح عليه أن يتوسط بالصلح بينه وبين سعدون باشا، إلا أن الشيخ مبارك عدّ ذلك جبناً من الملك عبدالعزيز وعندما اقترح الملك عبدالعزيز على الشيخ جابر الصباح أن تستخدم أساليب الحرب المباغتة رفض الشيخ جابر ذلك وقرر الهجوم. وعندما التقى الفريقان ودارت المعركة والقيادة للشيخ جابر المبارك انتصر سعدون وانهزم رجال ابن صباح ومعهم الملك عبدالعزيز ورجاله تاركين ما معهم من خيل وإبل وأمتعة وأموال غنيمة بمثابة الهدية لجيش ابن سعدون فسميت المعركة بذلك.
وعندما عاد الملك عبدالعزيز بعد هذه الوقعة إلى الكويت استبقاه الشيخ مبارك فيها رغم حاجة الملك عبدالعزيز للعودة لمعالجة عدد من المشاكل التي ظهرت في أراضيه مثل نقض سعود بن رشيد اتفاقه مع الملك عبدالعزيز وزحفه على القصيم وتحرك الشريف حسين إلى نجد وغير ذلك من المشكلات. يقول الملك عبدالعزيز لأمين الريحاني «... استحيت منه بعد هذا الكلام وبقيت ...» (32).
وظل الملك عبدالعزيز في الكويت مدة ثلاثة أشهر بناء على طلب الشيخ مبارك الذي أراد الاطمئنان بوجوده وقواته خشية من سعدون باشا (33). وعندما أغار بعض من مطير على بعض القبائل التابعة للملك عبدالعزيز من قحطان وسبيع ولجأ المعتدون إلى ابن رشيد وكانوا قريبين من أطراف الكويت طلب الملك عبدالعزيز من الشيخ مبارك أن يأذن له بتأديبهم ولكنه رفض فاختلف الرجلان وغادر الملك عبدالعزيز الكويت إلى الرياض.
عاشراً: ومن الأحداث التي أغفلت أيضاً رغم أهميتها استنجاد الشيخ مبارك بالملك عبدالعزيز بعد علمه بعزم سعدون باشا المنصور زعيم المنتفق على غزو الكويت مرة أخرى.
فقد أورد حسين خلف الشيخ خزعل في تاريخه أن الشيخ مبارك أرسل وفداً إلى الملك عبدالعزيز ومعهم ذلولان ورسالة جاء فيها: أنني أرسل إليك ذلولتي، وقد كنت أركبها إلى الغزو وأنا الآن عاجز من الركوب والمغازي، أنا والدك يا عبدالعزيز، والذلولان اللذان شهدا الغزوات والمعارك العديدة هما لك يا ولدي وهما يطلبان منك أن تأخذ بثأر والدك من ابن سعدون. فأجابه الملك عبدالعزيز بأنه مشغول في مسائل أخرى في بلاده، ولكن الشيخ مبارك ألح في الطلب، قائلاً: أنا أصيح وأناديك، وأنت يا ولدي تصمّ أذنيك. فتحرك الملك عبدالعزيز ومعه ألف وخمسمئة من الحضر وخمسة ألاف من البدو، وكتب إلى الشيخ مبارك يعلمه بقدومه وأنه سينزل في الحفر، ولكن الشيخ مبارك فاوض ابن سعدون على الصلح وأنذر ابن سويط رئيس الظفير بقدوم الملك عبدالعزيز لقتالهم، مما عده الملك عبدالعزيز تغيراً في المواقف فاضطر للاستمرار في مقاتلة ابن سعدون وغنم غنائم كثيرة (34).
حادي عشر: رغم التوتر الذي شاب العلاقات بين الجانبين في أوقات محددة فإن الملك عبدالعزيز استطاع أن يتعامل مع حكام الكويت بعد الشيخ مبارك وهم الشيخ جابر المبارك والشيخ سالم الجابر والشيخ أحمد الجابر بأسلوب لم تتأثر به العلاقات رغم المشكلات التي حدثت والتي كانت تتعلق بالإخوان من جهة، والحدود ومسائل التجارة والمسابلة وغيرها من جهة أخرى.
وعلى الرغم من أن هناك من فسّر مخطئاً بعض الأحداث في تلك الفترة على أنها مشاريع للملك عبدالعزيز للسيطرة على الكويت، فإن ما حدث يدل بالفعل على تمسك الملك عبدالعزيز بعلاقته القوية مع أسرة آل صباح وشعب الكويت ووفائه الكبير لهم، بذلك كله استطاع أن يتجاوز معهم تلك المشكلات.
ومما يؤكد ذلك رسالة من الملك عبدالعزيز إلى الشيخ سالم المبارك الصباح في عام 1338هجرية/1920 ميلادية في شأن غزو الدويش على عربان الكويت قال «والله العظيم وبالله الكريم اني من ظهرت من الكويت إلى ساعتي هذي فلا رضيت في الكويت ولا أهله بغبي(35) يعلمه الله ولا بيّن للناس بجميع سوء، ومن طرف مسألة الصباح وآل سعود فمثل ما قيل: تهدى الأمور بأهل الرأي إن صلحت وإن تولت فبالأشرار تنقاد والله ما عندنا شك في هذا يا ولد مبارك، ولو نحلم حلم إن بيصير بين آل سعود والصباح أدنى شيء من التخالف ما والله نعبره (36)»...(37).
وتنقل المصادر التاريخية موقفاً آخر للملك عبدالعزيز يبين عمق العلاقة وامتداد جذورها المتينة، وذلك عندما أذاع الملك غازي ملك العراق بياناً في عام 1358هجرية/1939 ميلادية بأن الكويت من العراق، والعراق من الكويت، وذلك تشجيعاً للتمرد الذي حدث في الكويت، أدرك الملك عبدالعزيز خطورة هذه المواقف فخاطب بريطانيا مباشرة مطالباً بعودة الملك غازي عن تصريحاته تلك والإعلان بنفسه أن العراق ليس من الكويت وأن الكويت ليست من العراق (38). كما حرّك الملك عبدالعزيز قواته إلى حدود الكويت للدفاع عنها إذا اقتضى الأمر.
وامتد ذلك التواصل والتلاحم في عهد أبناء الملك عبدالعزيز فالملك سعود ابن عبدالعزيز هبّ لنجدة الكويت عند تعرضها لتهديدات عبدالكريم قاسم رئيس الجمهورية العراقية في محرم 1381هجرية/يونيو 1961 ميلادية حيث رابطت القوات السعودية لحماية الكويت. واستمر الوئام والتعاون بين البلدين في عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز والملك خالد بن عبدالعزيز، ثم تجلت معاني الإخاء والوفاء بأسمى صورها ومعانيها بين الأسرتين الحاكمتين والشعبين الشقيقين عندما اتخذ خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز قراره التاريخي بتحرير الكويت ووضع الإمكانات المادية والبشرية والعسكرية كافة والاستعانة بقوات الدول الحليفة العربية والإسلامية والدولية لتحقيق ذلك. كما تجسدت معاني الإخاء والوفاء في المواقف السعودية الرسمية والشعبية عندما استقبلت المملكة العربية السعودية شعب الكويت وقيادتها بعد الاحتلال الغاشم في عام 1990 ميلادية، وأصبح البيت السعودي بيتاً لإخوانهم الكويتيين.
واليوم يواصل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وأخوه سمو الشيخ صباح الأحمد الصباح إحكام البناء وتلاحم الإخاء في سياستهما المشتركة لتحقيق مصالح البلدين وحمايتها. وسوف تستمر بإذن الله هذه العلاقات الحميمة بين هاتين الأسرتين وهذين الشعبين لتوافر أسباب ذلك من عمق الجذور ونبل المقاصد وتكامل المصالح، ولن يضير تلك العلاقة التاريخية ما يكتب أو يقال من إساءة لاستخدام التاريخ للإضرار بها عن طريق بث معلومات غير دقيقة عنها.
وما قام به الشيخ مبارك من تأسيس دولة الكويت الحديثة ليس مجالاً للشك أو التساؤل، وما بذله من جهود لحماية بلاده في ظل تنافس دولي محموم واعتبارات سياسية كثيرة يدل على شخصيته المتميزة ومكانه في تاريخ المنطقة.
وما قام به الملك عبدالعزيز من تحقيق أول وحدة عربية وإسلامية في الجزيرة العربية وتأسيس المملكة العربية السعودية، وجمع كثير من البلاد المتناحرة والشاسعة لتصبح دولة واحدة ومجتمعاً واحداً لدليل على عظم تلك الشخصية، والتي حفظ لها التاريخ انجازها ومواقفها. والأحداث التي صاغها الملك عبدالعزيز والمعارك التي خاضها، والديبلوماسية التي مارسها والسياسة التي اتخذها مع الدول الغربية والشرقية والحكمة التي اتسم بها جعلت منه شخصية تاريخية لا تنسى.
وبما أن تاريخ أمتنا أمانة في أعناقنا فإنه يجب علينا سعوديين وكويتيين أن نحافظ عليه، وأن ندرس ما فيه من عبر ومواقف وأن نوقن بحقيقة واحدة مفادها أن الاختلاف في أمر من الأمور لا ينبغي أن يكون وسيلة لنقض نسيج تلك العلاقة الرائعة والمتميزة التي نفخر برابطتها، ونسعى جميعاً من أجل المحافظة عليها، ونوصي بذلك عليها أبناءنا وأحفادنا لتستمر أواصر المحبة بإذن الله بين البلدين الشقيقين.
ولا أنسى ما حظي به سيدي الأخ سلطان بن عبدالعزيز، ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام (حفظه الله)، وما حظيت به شخصياً عند زيارتنا للكويت في شوال 1428هجرية من تقدير جمّ من سمو أمير البلاد صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح (حفظه الله) ومن جميع أسرة آل صباح ومن الشعب الكويتي المضياف، ذلك التقدير والحب الذي نكنه أيضاً في المملكة العربية السعودية للكويت قيادة وشعباً.
والله أسأل أن يديم نعمة الإسلام علينا جميعاً، وأن يوفقنا إلى خدمة بلادنا وشعوبنا وأن نحافظ على مكتسباتنا وعلاقاتنا التاريخية المتميزة. والله الموفق.
سلمان بن عبدالعزيز
رئيس مجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز
المراجع
http://www.alraialaam.com/Templates/frNewsPaperArticleDetail.aspx?npaId=19434