ريتاج
12-12-2007, 05:18
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين اتقوا الله عباد الله وعظموا شعائر الله ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب أيها المسلم اعمل لدنياك بقدر بقائك فيها واعمل لآخرتك بقدر بقائك فيها وإياك والتسويف فالموت أمامك والمرض يطرقك والأشغال تتابعك وحوادث الزمان ستفاجئك والخلاص بأمان من ذلك كله أن تستعين بالله وتبادر إلى عمل الصالحات وتثمن الأيام الفاضلات وليس يخفاك فضل عشر ذي الحجة التي أنصرم شطرها وشطرها الآخر يسير على عجل لا ينتظر الغافلين حتى يتذكروا ولا الغارقين في سبات نوم عميق حتى يستيقظوا أيها المتردد في الذهاب للحج وليس ثمة ما يمنعك من مرض أو حاجة استعن بالله واعقد العزم فلا يزال في الأمر فرصة والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ألا أيها المتقاعس عن المسارعة للخيرات في هذه الأيام الفاضلة استدرك ما فاتك والحق من سبقك واعمل صالحا لنفسك فلا يزال في الأيام فرصة لمن تحركت فيه همم الشوق إلى الجنان .
أيها المسلمون : إن أحب الأشهر إلى الله تعالى الأشهر الحرم ، وأحب أشهرها إليه شهر ذي الحجة ، وأفضل أيام ذي الحجة العشر الأول ، التي أقسم الله بها في كتابه تبارك وتعالى ، فقال : " والفجر * وليال عشر " قال ابن عباس ومجاهد ومقاتل وغيرهم هي عشر ذي الحجة . وهي أفضل أيام الدنيا كما جاء ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال : " أفضل أيام الدنيا أيام العشر " [ رواه البزار وابن حبان وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 1144 ] ، وقال صلى الله عليه وسلم : " ما من أيام أعظم عند الله ، ولا أحب إلى الله العمل فيهن من أيام العشر ، فأكثروا فيهن من التسبيح ، والتحميد ، والتهليل ، والتكبير " [ رواه أحمد والطبراني ] .
ومن فضائل العشر من ذي الحجة :
1- أن الله أقسم بها في كتابه العزيز حيث قال سبحانه : " والفجر وليال عشر " .
2- ومن فضائلها أن الله أمر فيها بكثرة التسبيح التهليل والتكبير والتحميد فيها .
3- ومن فضائل العشر أن فيها يوم التروية وهو اليوم الثامن من ذي الحجة ، فإذا قدم الحاج إلى مكة يوم الثامن فإنه يتجه إلى منى ليبقى بها إلى اليوم التاسع فيصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء قصراً بلا جمع ، ويبقى بها حتى يصلي صلاة الفجر يوم التاسع من ذي الحجة ، والمبيت بمنى يوم الثامن سنة من سنن الحج ينبغي على المسلم فعلها وعدم تركها .
4- ومن فضائل العشر أن فيها يوم عرفة وهو الركن الأعظم من أر كان الحج ، الذي لا يتم الحج إلا به ، فالحج عرفة كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم ، فعلى الحاج أن يدفع من منى بعد طلوع شمس اليوم التاسع من ذي الحجة متجهاً إلى عرفة فيصلي بها الظهر والعصر جمعاً وقصراً ، جمع تقديم ، بأذان واحد وإقامتين ، ثم يتفرغ للدعاء والتضرع إلى الله تعالى في ذلك اليوم العظيم المشهود ، ويلح على ربه في الدعاء بخشوع وحضور قلب ، ويسأل ربه من خيري الدنيا والآخرة ، فيقف منكسراً بين يدي ربه يرجو رحمته ومغفرته ، ويخاف عقابه وعذابه ، ويحاسب نفسه ويجدد التوبة النصوح ، فهو في أعظم موقف بين يدي الله عز وجل ، ويبقى الحجاج بعرفات إلى غروب الشمس والتحقق من غياب قرصها ، والوقوف بعرفة إلى غروب الشمس واجب من واجبات الحج من تركه ودفع قبل الغروب وجب عليه أن يرجع ، فإن لم يرجع وجب عليه دم ، ومن أتى عرفة بعد غروب الشمس بسبب الزحام وتعسر حركة المرور أو لأي طارئ كان فيكفيه أقل وقوف يقفه ، وفي أي مكان وقف الحاج أجزأه الوقوف ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف " لكن عليه أن يرفع عن بطن عرنة لأنه ليس من عرفة .
5- ومن فضائل العشر من ذي الحجة أن فيها صيام يوم عرفة فقد سن النبي صلى الله عليه وسلم صيامه لغير الحاج ، أما الحاج فعليه أن لا يصوم ذلك اليوم ليتفرغ للدعاء ويتقوى على العبادة هناك ، وأما غير الحاج فالمستحب له ألا يترك صيام ذلك اليوم العظيم ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " صوم يوم عرفة يكفر سنتين ، ماضية ومستقبلة . . . " [ رواه مسلم وأحمد والترمذي ] .
6- ومن فضائل العشر أن فيها ليلة مزدلفة ، والمبيت بها واجب من واجبات الحج ، وتسمى جَمْع والمشعر الحرام ، فإذا وصل الحاج إليها بدأ بالصلاة قبل أن يضع رحله فيصلي المغرب والعشاء جمعاً وقصراً بأذان واحد وإقامتين ، ويجب على الحاج أن يبيت بالمزدلفة إلى طلوع الفجر ، ثم يؤدي صلاة الفجر فيها وينتظر حتى يسفر جداً ثم يدفع من مزدلفة قبل طلوع الشمس مخالفة للمشركين ، الذين كانوا ينتظرون طلوع الشمس ثم يدفعون من المزدلفة ، فإذا وصل وادي محسر أسرع السير لأنه واد تعسر فيه الفيل الذي أتي به لهدم الكعبة ، وقيل هو مكان من أمكنة العذاب ، وهذه عادة النبي صلى الله عليه وسلم الإسراع في المواضع التي نزل بها عذاب الله بأعدائه كمدائن صالح وديار مدين وثمود ، ومن ترك المبيت بمزدلفة وجب عليه دم ، جبراناً لنسكه ولا يأكل منه شيء بل يقدمه لفقراء الحرم ومساكينه ، ويسن الوقوف في أي مكان منها ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " وقفت هاهنا وجمع كلها موقف " [ رواه مسلم ] ، أما الضعفاء والمرضى والأطباء ومن يُحتاج إليهم فلهم الدفع من مزدلفة بعد منتصف الليل ، وكذلك من كان مرافقاً لهم .
7- ومن فضائل العشر أن فيها رمي جمرة العقبة وهي القريبة من مكة ، فإذا وصل الحاج منى بدأ برمي جمرة العقبة ، وقطع التلبية ، فيرميها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ، ويجوز أن يلتقط الحصى من أي مكان تيسر له ، ويستحب أن يرمي الجمرة من بطن الوادي فيجعل الكعبة عن يساره ومنى عن يمينه ، وإن رماها من أي مكان أجزأه ذلك ، المهم أن يقع الحصى داخل الحوض ، فإن وقع داخل الحوض ثم خرج فالرمي صحيح ، أما إذا وقع الحصى في الشاخص وهو العمود الذي في وسط الحوض ثم خرجت الحصاة وجب عليه أن يعيدها ، ثم بعد ذلك ينحر هديه إن كان متمتعاً أو قارناً ، أما المفرد فلا هدي عليه ، ثم يحلق أو يقصر والحلق أفضل ، وعليه أن يعمم جميع رأسه بالحلق أو التقصير ، والمرأة تقص من شعرها قدر أنملة وهو ما يعادل رأس الإصبع ، ثم يحل إحرامه بعد ذلك فيحل له كل شئ حرم عليه بسبب الإحرام إلا النساء ، فإذا طاف طواف الإفاضة حل له كل شئ حتى النساء ، ألا فاعلموا أيها الناس أن طواف الإفاضة ركن من أركان الحج ، لا يتم الحج إلا به ، وبعد الطواف يصلي ركعتين خلف المقام إن تيسر وإلا ففي أي مكان ، وعلى المتمتع سعي الحج ، وكذلك القارن والمفرد إذا لم يكونا قد سعيا مع طواف القدوم ، فإذا رمى جمرة العقبة وحلق أو قصر وطاف بالبيت فقد تحلل التحلل الأكبر أو التحلل الثاني ، وإذا فعل اثنين من ثلاثة فقد تحلل التحلل الأصغر ، ومن حصل منه جماع قبل التحلل الأصغر فقد فسد حجه وعليه أن يكمله ويمضي فيه ، ويجب عليه أن يقضيه من العام المقبل ، وتلزمه فدية وهي ذبح بدنه ، وإن حصل الجماع بعد التحلل الأول فيلزمه ذبح شاة وحجه صحيح .
وبعد تلك الأعمال التي يعملها الحجاج يوم النحر ، يرجعون إلى منى فيبيتون بها يوم الحادي عشر والثاني عشر لمن تعجل ، والثالث عشر لمن تأخر ، فيرمون الجمرات الثلاث كل يوم بدءاً بالصغرى ثم الوسطى فالكبرى ، يرميها الحاج بسبع حصيات ، ثم يقف ويدعو بعد رمي الأولى والثانية ، ولا يقف بعد رمي الكبرى وهي الثالثة ، ويبدأ الرمي بعد الزوال من كل يوم ولا يجزئ قبله ويمتد إلى طلوع الفجر للضرورة ، نتيجة للزحام وكثرة الحجاج ، والمبيت بمنى أيام التشريق ورمي الجمار واجب من واجبات الحج من تركه فعليه دم يجبره لقول ابن عباس رضي الله عنهما : " من ترك نسكه أو نسيه فليهرق دماً " ، وبعد الرمي يتجه الحاج إلى مكة لأداء طواف الوداع ومن ثم الرجوع إلى بلده ، إلا أن طواف الوداع يسقط عن الحائض والنفساء ، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : " أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض " ويدخل في حكم الحائض النفساء . وطواف الوداع واجب من واجبات الحج من تركه لزمه دم يوزعه على فقراء الحرم .
8- ومن فضائل العشر من ذي الحجة أنها أفضل من الجهاد في سبيل الله ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله عز وجل من هذه الأيام ، يعني العشر ، قالوا يا رسول الله : ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء " [ رواه البخاري وغيره ] .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم .
الحمد لله وكفى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له هو أهل المغفرة وأهل التقوى ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير الورى ، صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً . . . أما بعد :
9- فمن فضائل العشر أن فيها يوم النحر وفيه ذبح الهدي والأضاحي ، والأضحية سنة مؤكدة فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحث على فعلها لما فيها من التقرب إلى الله عز وجل بإراقة الدماء ، ولما فيها من سد لحاجة الفقراء والمساكين ، وفيها إحياء لسنة أبينا إبراهيم عليه السلام ، وقد قال بعض العلماء بوجوبها مستندين لقوله صلى الله عليه وسلم : " من كان له سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا " [ رواه ابن ماجة وحسن الألباني ] ، فهي سنة مؤكدة على كل مسلم حاجاً أو غير حاج ذكراً أو أنثى ، ينبغي لكل قادر موسر ألا يدعها ، لأنها شعيرة عظيمة من شعائر الدين الإسلامي الحنيف قال الله تعالى : " لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم " ، وقال تعالى : " فصل لربك وانحر " ، وعن أنس رضي الله عنه قال : " ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين ، ذبحهما بيده وسمى وكبر ، ووضع رجله على صفاحهما " [ رواه مسلم ] ، وعن عبدالله ابن عمر رضي الله عنهما : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر يوم الأضحى بالمدينة ، قال : وكان إذا لم ينحر يذبح بالمصلى " [ رواه النسائي وهو حديث صحيح ] ، وقال بن الملقن : لا خلاف أنها من شعائر الدين ، ويبدأ وقت ذبحها بعد صلاة العيد ، قال صلى الله عليه وسلم : " من كان قد ذبح قبل الصلاة فليعد " [ متفق عليه ] ، وينتهي وقت الذبح بغروب شمس اليوم الثالث عشر من أيام التشريق ، أي أن وقت الأضحية يوم العيد وثلاثة أيام بعده على الراجح من أقوال العلماء . والمجزئ من الأضاحي ما كان من بهيمة الأنعام وهي الإبل والبقر والضأن والمعز ذكراً كانت أم أنثى ، والسن المعتبرة في ذلك بالنسبة للإبل ما بلغ خمس سنين ودخل في السادسة ، وفي البقر ما بلغ سنتين ودخل في الثالثة ، وفي المعز ما بلغ سنة ودخل في الثانية ، وفي الضأن ما بلغ ستة أشهر فما فوق ، ولا يجزئ ما كان أقل من ذلك ، أما العيوب التي تمنع الإجزاء فهي المذكورة في حديث البراء بن عازب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أربع لا تجوز في الأضاحي : العوراء البين عورها ، والمريضة البين مرضها ، والعرجاء البين ضلعها ، والعجفاء التي لا تنقي " [ رواه الخمسة ] والعجفاء هي الهزيلة التي لا مخ فيها . وهناك عيوب أقبح من التي ذكرت في الحديث وهي أولى بعدم الإجزاء : كالعمياء ، ومقطوعة اللسان ، ومقطوعة الأنف ، والجرباء ، والكسيرة ، ومقطوعة الإلية أو أكثرها ، والجلالة وهي التي تأكل النجاسة ، فلا يضحى بها حتى تحبس ويطيب لحمها ، وهناك عيوب أخرى تكره في الأضاحي وتجزئ الأضحية بها لكن غيرها أولى منها ، وتجزئ الأضحية الواحدة أو سبع البدنة أو سبع البقرة عن الرجل وأهل بيته الأحياء منهم والأموات حتى الجنين في بطن أمه ، فيجوز للمضحي أن يشرك معه في أضحيته من شاء من الناس الأحياء والأموات ، لكن لا يجوز أن يشترك في ثمن الأضحية من الغنم أو سبع البدنة والبقرة أكثر من شخص واحد ، فالاشتراك في الثواب جائز ، أما الاشتراك في التمليك فلا يجوز ، ويجوز ذبح الأضحية ليلاً أو نهاراً لعدم الدليل على المنع والنهار أفضل ، وتوزع الأضحية ثلاثة أثلاث : ثلث يأكله المضحي ، وثلث يهديه ، وثلث يتصدق به على الفقراء والمساكين ، هذه هي سنة محمد صلى الله عليه وسلم ، ومن رغب عنها فلا خير فيه .
عباد الله : يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي ، فلا يمس من شعره ، ولا من بشره شيئاً " [ رواه مسلم وغيره ] ، وقال صلى الله عليه وسلم : " من رأى منكم هلال ذي الحجة ، وأراد أن يضحي ، فلا يأخذ من شعره ولا من أظافره حتى يضحي " [ رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة وصححه الألباني ] ، فمن أراد أن يضحي ودخل عليه العشر من ذي الحجة فلا يأخذ شيئاً من شعره ولا من أظافره ولا من بشرته ، وهذا الحكم منوط بالمضحي دون المضحى عنه ، ومن أخذ من ذلك شيئاً متعمداً فهو آثم وعليه التوبة والاستغفار وأضحيته صحيحة بإذن الله . ومن المستحب للمسلم أن يقوم بصيام هذه الأيام المباركات لفضلها وعظيم أجرها . فاغتنموا عباد الله هذه الأيام بالأعمال الصالحة من بر وصلة رحم ، وصدقة وذكر لله تعالى ، وكثرة للنوافل وقراءة القرآن بتدبر وخشوع ، وكثرة الدعاء إلى الله عز وجل ، وأكثروا من الصلاة والسلام على أفضل الأنبياء والمرسلين نبيكم وقدوتكم محمد صلى الله عليه وسلم فقد أمركم الله بذلك فقال قولاً كريماً : " إن الله وملائكته يصلون على النبي * يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً " ، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان ، اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم يا ذا الجلال والإكرام ، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان ، اللهم اجعل الدائرة على أعدائك يا قوي يا عزيز ، يا جبار السموات والأرض ، اللهم من أراد المسلمين بسوء فأشغله بنفسه ، واجعل كيده في نحره ، اللهم أبرم لهذه الأمة أمراً رشداً يعز فيه أهل الطاعة ، ويذل فيه أهل المعصية ، ويؤمر فيه بالمعروف ، وينهى فيه عن المنكر ، اللهم وفق إمامنا لما تحب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى ، اللهم أصلح له بطانته ، اللهم وفقه لكل خير وبر ، واجعله معيناً لأوليائك ، حرباً على أعدائك يا ذا الجلال والإكرام ، اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، اللهم إنا نسألك الجنة ونعوذ بك من النار ، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي في معاشنا ، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر ، اللهم طهر مجتمعات المسلمين من جميع المنكرات ، اللهم سلم الحجاج والمعتمرين ، وتقبل منهم طاعتهم يارب العالمين ، اللهم أعدهم إلى أهليهم سالمين غانمين ، مأجورين غير مأزورين يا أرحم الراحمين ، اللهم تقبل من الصائمين صيامهم ، ومن المضحين ضحاياهم ، واجعل ذلك ذخراً لهم ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار برحمتك يا عزيز يا غفار ، عباد الله : إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكرك ، واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين اتقوا الله عباد الله وعظموا شعائر الله ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب أيها المسلم اعمل لدنياك بقدر بقائك فيها واعمل لآخرتك بقدر بقائك فيها وإياك والتسويف فالموت أمامك والمرض يطرقك والأشغال تتابعك وحوادث الزمان ستفاجئك والخلاص بأمان من ذلك كله أن تستعين بالله وتبادر إلى عمل الصالحات وتثمن الأيام الفاضلات وليس يخفاك فضل عشر ذي الحجة التي أنصرم شطرها وشطرها الآخر يسير على عجل لا ينتظر الغافلين حتى يتذكروا ولا الغارقين في سبات نوم عميق حتى يستيقظوا أيها المتردد في الذهاب للحج وليس ثمة ما يمنعك من مرض أو حاجة استعن بالله واعقد العزم فلا يزال في الأمر فرصة والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ألا أيها المتقاعس عن المسارعة للخيرات في هذه الأيام الفاضلة استدرك ما فاتك والحق من سبقك واعمل صالحا لنفسك فلا يزال في الأيام فرصة لمن تحركت فيه همم الشوق إلى الجنان .
أيها المسلمون : إن أحب الأشهر إلى الله تعالى الأشهر الحرم ، وأحب أشهرها إليه شهر ذي الحجة ، وأفضل أيام ذي الحجة العشر الأول ، التي أقسم الله بها في كتابه تبارك وتعالى ، فقال : " والفجر * وليال عشر " قال ابن عباس ومجاهد ومقاتل وغيرهم هي عشر ذي الحجة . وهي أفضل أيام الدنيا كما جاء ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال : " أفضل أيام الدنيا أيام العشر " [ رواه البزار وابن حبان وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 1144 ] ، وقال صلى الله عليه وسلم : " ما من أيام أعظم عند الله ، ولا أحب إلى الله العمل فيهن من أيام العشر ، فأكثروا فيهن من التسبيح ، والتحميد ، والتهليل ، والتكبير " [ رواه أحمد والطبراني ] .
ومن فضائل العشر من ذي الحجة :
1- أن الله أقسم بها في كتابه العزيز حيث قال سبحانه : " والفجر وليال عشر " .
2- ومن فضائلها أن الله أمر فيها بكثرة التسبيح التهليل والتكبير والتحميد فيها .
3- ومن فضائل العشر أن فيها يوم التروية وهو اليوم الثامن من ذي الحجة ، فإذا قدم الحاج إلى مكة يوم الثامن فإنه يتجه إلى منى ليبقى بها إلى اليوم التاسع فيصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء قصراً بلا جمع ، ويبقى بها حتى يصلي صلاة الفجر يوم التاسع من ذي الحجة ، والمبيت بمنى يوم الثامن سنة من سنن الحج ينبغي على المسلم فعلها وعدم تركها .
4- ومن فضائل العشر أن فيها يوم عرفة وهو الركن الأعظم من أر كان الحج ، الذي لا يتم الحج إلا به ، فالحج عرفة كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم ، فعلى الحاج أن يدفع من منى بعد طلوع شمس اليوم التاسع من ذي الحجة متجهاً إلى عرفة فيصلي بها الظهر والعصر جمعاً وقصراً ، جمع تقديم ، بأذان واحد وإقامتين ، ثم يتفرغ للدعاء والتضرع إلى الله تعالى في ذلك اليوم العظيم المشهود ، ويلح على ربه في الدعاء بخشوع وحضور قلب ، ويسأل ربه من خيري الدنيا والآخرة ، فيقف منكسراً بين يدي ربه يرجو رحمته ومغفرته ، ويخاف عقابه وعذابه ، ويحاسب نفسه ويجدد التوبة النصوح ، فهو في أعظم موقف بين يدي الله عز وجل ، ويبقى الحجاج بعرفات إلى غروب الشمس والتحقق من غياب قرصها ، والوقوف بعرفة إلى غروب الشمس واجب من واجبات الحج من تركه ودفع قبل الغروب وجب عليه أن يرجع ، فإن لم يرجع وجب عليه دم ، ومن أتى عرفة بعد غروب الشمس بسبب الزحام وتعسر حركة المرور أو لأي طارئ كان فيكفيه أقل وقوف يقفه ، وفي أي مكان وقف الحاج أجزأه الوقوف ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف " لكن عليه أن يرفع عن بطن عرنة لأنه ليس من عرفة .
5- ومن فضائل العشر من ذي الحجة أن فيها صيام يوم عرفة فقد سن النبي صلى الله عليه وسلم صيامه لغير الحاج ، أما الحاج فعليه أن لا يصوم ذلك اليوم ليتفرغ للدعاء ويتقوى على العبادة هناك ، وأما غير الحاج فالمستحب له ألا يترك صيام ذلك اليوم العظيم ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " صوم يوم عرفة يكفر سنتين ، ماضية ومستقبلة . . . " [ رواه مسلم وأحمد والترمذي ] .
6- ومن فضائل العشر أن فيها ليلة مزدلفة ، والمبيت بها واجب من واجبات الحج ، وتسمى جَمْع والمشعر الحرام ، فإذا وصل الحاج إليها بدأ بالصلاة قبل أن يضع رحله فيصلي المغرب والعشاء جمعاً وقصراً بأذان واحد وإقامتين ، ويجب على الحاج أن يبيت بالمزدلفة إلى طلوع الفجر ، ثم يؤدي صلاة الفجر فيها وينتظر حتى يسفر جداً ثم يدفع من مزدلفة قبل طلوع الشمس مخالفة للمشركين ، الذين كانوا ينتظرون طلوع الشمس ثم يدفعون من المزدلفة ، فإذا وصل وادي محسر أسرع السير لأنه واد تعسر فيه الفيل الذي أتي به لهدم الكعبة ، وقيل هو مكان من أمكنة العذاب ، وهذه عادة النبي صلى الله عليه وسلم الإسراع في المواضع التي نزل بها عذاب الله بأعدائه كمدائن صالح وديار مدين وثمود ، ومن ترك المبيت بمزدلفة وجب عليه دم ، جبراناً لنسكه ولا يأكل منه شيء بل يقدمه لفقراء الحرم ومساكينه ، ويسن الوقوف في أي مكان منها ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " وقفت هاهنا وجمع كلها موقف " [ رواه مسلم ] ، أما الضعفاء والمرضى والأطباء ومن يُحتاج إليهم فلهم الدفع من مزدلفة بعد منتصف الليل ، وكذلك من كان مرافقاً لهم .
7- ومن فضائل العشر أن فيها رمي جمرة العقبة وهي القريبة من مكة ، فإذا وصل الحاج منى بدأ برمي جمرة العقبة ، وقطع التلبية ، فيرميها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ، ويجوز أن يلتقط الحصى من أي مكان تيسر له ، ويستحب أن يرمي الجمرة من بطن الوادي فيجعل الكعبة عن يساره ومنى عن يمينه ، وإن رماها من أي مكان أجزأه ذلك ، المهم أن يقع الحصى داخل الحوض ، فإن وقع داخل الحوض ثم خرج فالرمي صحيح ، أما إذا وقع الحصى في الشاخص وهو العمود الذي في وسط الحوض ثم خرجت الحصاة وجب عليه أن يعيدها ، ثم بعد ذلك ينحر هديه إن كان متمتعاً أو قارناً ، أما المفرد فلا هدي عليه ، ثم يحلق أو يقصر والحلق أفضل ، وعليه أن يعمم جميع رأسه بالحلق أو التقصير ، والمرأة تقص من شعرها قدر أنملة وهو ما يعادل رأس الإصبع ، ثم يحل إحرامه بعد ذلك فيحل له كل شئ حرم عليه بسبب الإحرام إلا النساء ، فإذا طاف طواف الإفاضة حل له كل شئ حتى النساء ، ألا فاعلموا أيها الناس أن طواف الإفاضة ركن من أركان الحج ، لا يتم الحج إلا به ، وبعد الطواف يصلي ركعتين خلف المقام إن تيسر وإلا ففي أي مكان ، وعلى المتمتع سعي الحج ، وكذلك القارن والمفرد إذا لم يكونا قد سعيا مع طواف القدوم ، فإذا رمى جمرة العقبة وحلق أو قصر وطاف بالبيت فقد تحلل التحلل الأكبر أو التحلل الثاني ، وإذا فعل اثنين من ثلاثة فقد تحلل التحلل الأصغر ، ومن حصل منه جماع قبل التحلل الأصغر فقد فسد حجه وعليه أن يكمله ويمضي فيه ، ويجب عليه أن يقضيه من العام المقبل ، وتلزمه فدية وهي ذبح بدنه ، وإن حصل الجماع بعد التحلل الأول فيلزمه ذبح شاة وحجه صحيح .
وبعد تلك الأعمال التي يعملها الحجاج يوم النحر ، يرجعون إلى منى فيبيتون بها يوم الحادي عشر والثاني عشر لمن تعجل ، والثالث عشر لمن تأخر ، فيرمون الجمرات الثلاث كل يوم بدءاً بالصغرى ثم الوسطى فالكبرى ، يرميها الحاج بسبع حصيات ، ثم يقف ويدعو بعد رمي الأولى والثانية ، ولا يقف بعد رمي الكبرى وهي الثالثة ، ويبدأ الرمي بعد الزوال من كل يوم ولا يجزئ قبله ويمتد إلى طلوع الفجر للضرورة ، نتيجة للزحام وكثرة الحجاج ، والمبيت بمنى أيام التشريق ورمي الجمار واجب من واجبات الحج من تركه فعليه دم يجبره لقول ابن عباس رضي الله عنهما : " من ترك نسكه أو نسيه فليهرق دماً " ، وبعد الرمي يتجه الحاج إلى مكة لأداء طواف الوداع ومن ثم الرجوع إلى بلده ، إلا أن طواف الوداع يسقط عن الحائض والنفساء ، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : " أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض " ويدخل في حكم الحائض النفساء . وطواف الوداع واجب من واجبات الحج من تركه لزمه دم يوزعه على فقراء الحرم .
8- ومن فضائل العشر من ذي الحجة أنها أفضل من الجهاد في سبيل الله ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله عز وجل من هذه الأيام ، يعني العشر ، قالوا يا رسول الله : ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء " [ رواه البخاري وغيره ] .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم .
الحمد لله وكفى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له هو أهل المغفرة وأهل التقوى ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير الورى ، صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً . . . أما بعد :
9- فمن فضائل العشر أن فيها يوم النحر وفيه ذبح الهدي والأضاحي ، والأضحية سنة مؤكدة فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحث على فعلها لما فيها من التقرب إلى الله عز وجل بإراقة الدماء ، ولما فيها من سد لحاجة الفقراء والمساكين ، وفيها إحياء لسنة أبينا إبراهيم عليه السلام ، وقد قال بعض العلماء بوجوبها مستندين لقوله صلى الله عليه وسلم : " من كان له سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا " [ رواه ابن ماجة وحسن الألباني ] ، فهي سنة مؤكدة على كل مسلم حاجاً أو غير حاج ذكراً أو أنثى ، ينبغي لكل قادر موسر ألا يدعها ، لأنها شعيرة عظيمة من شعائر الدين الإسلامي الحنيف قال الله تعالى : " لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم " ، وقال تعالى : " فصل لربك وانحر " ، وعن أنس رضي الله عنه قال : " ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين ، ذبحهما بيده وسمى وكبر ، ووضع رجله على صفاحهما " [ رواه مسلم ] ، وعن عبدالله ابن عمر رضي الله عنهما : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر يوم الأضحى بالمدينة ، قال : وكان إذا لم ينحر يذبح بالمصلى " [ رواه النسائي وهو حديث صحيح ] ، وقال بن الملقن : لا خلاف أنها من شعائر الدين ، ويبدأ وقت ذبحها بعد صلاة العيد ، قال صلى الله عليه وسلم : " من كان قد ذبح قبل الصلاة فليعد " [ متفق عليه ] ، وينتهي وقت الذبح بغروب شمس اليوم الثالث عشر من أيام التشريق ، أي أن وقت الأضحية يوم العيد وثلاثة أيام بعده على الراجح من أقوال العلماء . والمجزئ من الأضاحي ما كان من بهيمة الأنعام وهي الإبل والبقر والضأن والمعز ذكراً كانت أم أنثى ، والسن المعتبرة في ذلك بالنسبة للإبل ما بلغ خمس سنين ودخل في السادسة ، وفي البقر ما بلغ سنتين ودخل في الثالثة ، وفي المعز ما بلغ سنة ودخل في الثانية ، وفي الضأن ما بلغ ستة أشهر فما فوق ، ولا يجزئ ما كان أقل من ذلك ، أما العيوب التي تمنع الإجزاء فهي المذكورة في حديث البراء بن عازب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أربع لا تجوز في الأضاحي : العوراء البين عورها ، والمريضة البين مرضها ، والعرجاء البين ضلعها ، والعجفاء التي لا تنقي " [ رواه الخمسة ] والعجفاء هي الهزيلة التي لا مخ فيها . وهناك عيوب أقبح من التي ذكرت في الحديث وهي أولى بعدم الإجزاء : كالعمياء ، ومقطوعة اللسان ، ومقطوعة الأنف ، والجرباء ، والكسيرة ، ومقطوعة الإلية أو أكثرها ، والجلالة وهي التي تأكل النجاسة ، فلا يضحى بها حتى تحبس ويطيب لحمها ، وهناك عيوب أخرى تكره في الأضاحي وتجزئ الأضحية بها لكن غيرها أولى منها ، وتجزئ الأضحية الواحدة أو سبع البدنة أو سبع البقرة عن الرجل وأهل بيته الأحياء منهم والأموات حتى الجنين في بطن أمه ، فيجوز للمضحي أن يشرك معه في أضحيته من شاء من الناس الأحياء والأموات ، لكن لا يجوز أن يشترك في ثمن الأضحية من الغنم أو سبع البدنة والبقرة أكثر من شخص واحد ، فالاشتراك في الثواب جائز ، أما الاشتراك في التمليك فلا يجوز ، ويجوز ذبح الأضحية ليلاً أو نهاراً لعدم الدليل على المنع والنهار أفضل ، وتوزع الأضحية ثلاثة أثلاث : ثلث يأكله المضحي ، وثلث يهديه ، وثلث يتصدق به على الفقراء والمساكين ، هذه هي سنة محمد صلى الله عليه وسلم ، ومن رغب عنها فلا خير فيه .
عباد الله : يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي ، فلا يمس من شعره ، ولا من بشره شيئاً " [ رواه مسلم وغيره ] ، وقال صلى الله عليه وسلم : " من رأى منكم هلال ذي الحجة ، وأراد أن يضحي ، فلا يأخذ من شعره ولا من أظافره حتى يضحي " [ رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة وصححه الألباني ] ، فمن أراد أن يضحي ودخل عليه العشر من ذي الحجة فلا يأخذ شيئاً من شعره ولا من أظافره ولا من بشرته ، وهذا الحكم منوط بالمضحي دون المضحى عنه ، ومن أخذ من ذلك شيئاً متعمداً فهو آثم وعليه التوبة والاستغفار وأضحيته صحيحة بإذن الله . ومن المستحب للمسلم أن يقوم بصيام هذه الأيام المباركات لفضلها وعظيم أجرها . فاغتنموا عباد الله هذه الأيام بالأعمال الصالحة من بر وصلة رحم ، وصدقة وذكر لله تعالى ، وكثرة للنوافل وقراءة القرآن بتدبر وخشوع ، وكثرة الدعاء إلى الله عز وجل ، وأكثروا من الصلاة والسلام على أفضل الأنبياء والمرسلين نبيكم وقدوتكم محمد صلى الله عليه وسلم فقد أمركم الله بذلك فقال قولاً كريماً : " إن الله وملائكته يصلون على النبي * يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً " ، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان ، اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم يا ذا الجلال والإكرام ، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان ، اللهم اجعل الدائرة على أعدائك يا قوي يا عزيز ، يا جبار السموات والأرض ، اللهم من أراد المسلمين بسوء فأشغله بنفسه ، واجعل كيده في نحره ، اللهم أبرم لهذه الأمة أمراً رشداً يعز فيه أهل الطاعة ، ويذل فيه أهل المعصية ، ويؤمر فيه بالمعروف ، وينهى فيه عن المنكر ، اللهم وفق إمامنا لما تحب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى ، اللهم أصلح له بطانته ، اللهم وفقه لكل خير وبر ، واجعله معيناً لأوليائك ، حرباً على أعدائك يا ذا الجلال والإكرام ، اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، اللهم إنا نسألك الجنة ونعوذ بك من النار ، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي في معاشنا ، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر ، اللهم طهر مجتمعات المسلمين من جميع المنكرات ، اللهم سلم الحجاج والمعتمرين ، وتقبل منهم طاعتهم يارب العالمين ، اللهم أعدهم إلى أهليهم سالمين غانمين ، مأجورين غير مأزورين يا أرحم الراحمين ، اللهم تقبل من الصائمين صيامهم ، ومن المضحين ضحاياهم ، واجعل ذلك ذخراً لهم ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار برحمتك يا عزيز يا غفار ، عباد الله : إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكرك ، واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .