مجاهد
27-04-2002, 20:22
بعيدا عن مداخلات الأخوة والأخوات في مسألة مشاركة المرأة في المنتديات الحوارية والتي اتهجت إلى ردود سريعة على تفريعات بعيده ، حادت بنا عن أس القضية ، رأيت أن أضع بين يدي أخواني وأخواتي ما يجلي الأمر ويقرب وجهة الاختلاف ، والتي يتضح أنها آلت إلى مسألتين ، الأولى : مدى مشروعية محادثة الرجل للمرأة في الماسنجر . والثانية : مدى مشروعية مشاركة المرأة في الساحات الحوارية .
ورأت أن اقتصرت القول هنا على محادثات الماسنجر لكونها أعظم وأخطر ، ولأننا متى اتفقنا على قول واحد فيها فما بعدها أيسر ، فأقول :
إن محادثة الرجل للمرأة في الماسنجر ليس لها نظير يقاس عليها من كل وجه ، والاستدلال بسؤالات الصحب الكرام لعائشة وغيرها لتجويز محادثات الماسنجر استدلال غريب وبعيد جدا ، وأقرب ما قد يمثل لمحادثات الماسنجر خيالا هو أن يأتي الرجل للمرأة أو العكس ، فيتحدثان من وراء جدر البيت وخلف الأبواب بما يشكل عليهما ، وهذا لو فعله الرجل أو المرأة بشكل يومي أو شبه يومي لارتاب بهم الناس وظنوا بهم شنع الظنون ، ودارة عليهم دائرة السوء مهما بلغا في العلم والتقوى مبلغا عظيما ، وحديث ( إنها صفية ) وقوله صلى الله عليه وسلم فيه ( إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ) خير ما يذكر هنا ، وهذه الصورة الخيالية التي ذكرناها مع استبعاد فعلها من ذوي الفطر السليمة إلا أنها أخير بكثير من محادثات الماسنجر بل لا أرى وجه للمقارنة بينهما ، فضلا عن قياس أحدهما على الآخر ، والفوارق بينهما كثيرة من أهمها ما يلي :
1- أن ذلك اللقاء بين الرجل والمرأة على تلك الصورة الخياليه التي ذكرناها أبعد عن الخلوة من لقاء الماسجر لكون جسد الرجل ظاهر أمام أعين الناس ، خلافا للماسنجر الذي لا يظهر من جسد الشخصين شيئ فكلاهما مستتر عن أعين الناس لا يشغل قلبه غير صاحبه ، وعليه فالخلوة بينهما متحققه بلا ريب في لقاءات الماسنجر .
2- أنه لا يمكن في ذلك اللقاء الخيالي أن تسول النفس لأحدهما أن يطيل الحديث مع صاحبه أو يجاريه بما يخرجهما عن حد الأدب والعصمة ، إما حياء من الناس أو لخشية جلب الأنظار لهما ، وهذا منتفي في محادثات الماسنجر فإنهما متى استحسنا الحديث مع بعضهما فلن يردعهما رادع إلا أن يعصمهما الله تعالى ، وليعلما أنهما واقعافي الإثم وإن لم يخرجا عن الأدب لوجود الخلوة بينهما كما تقدم ( وما خلى رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما ) .
3- أنه لا يمكن في ذلك اللقاء الخيالي أن يرى الرجل المرأة مطلقا ويصعب ذلك جدا إلا أن يجاهرا بمعصية الله ، أو تخرج المرأة مع الرجل لمكان لا يراها فيه أحد غيره ، أما في لقاء الماسنجر فالأمر هين جدا كما هو معلوم ، بل ربما سجلت المرأة شريطا حفظت به حركاتها ومشيتها وتغنجها وأرسلته لصاحبها بعلة أنه يريد خطبتها فكان من حقه رؤيتها ، أو يستعملا الكاميرات المباشرة لينظر بعضهما إلى بعض للعلة نفسها ، ول تحسب أني أذكر هذا من خيال ، بل يعلم الله أني أذكره عن واقع مؤسف وقع ضحيته بعض إخواننا وأخواتنا الخيرين والذي لا يتصور وقوع مثل ذلك منهم لولا اعترافهم واعتزالهم للنت بعد ذلك ، ومما لا ينبغي الذهول عنه أن تلبيس إبليس في هذه المواطن عظيم جدا خاصة على أصحاب الخير والفضيلة . نسأل الله السلامة .
4- أنه لا يمكن في ذلك اللقاء الخيالي أن يلتق الرجل بالمرأة في أوقات الريبة كوقت السحر ومنتصف الليل وأوقات راحة الناس ونومهم ، وهذا معدوم في لقاءات الماسنجر ، بل لا أتصور من الصالح أن يدمن على الإنترنت في مثل هذ الأوقات الفاضلة وليس في قلبه نوع غفلة ، فضلا أن يكلم امرأة تحرم عليه في هذا الوقت ، والعجيب من بعض إخواننا أنه لا يقر بغفلته ولو سهر من أول ليله إلى إقامة صلاة الفجر ، فإذا أقيمت الصلاة أتاها بآخر أنفاس يقضته ، فإذا انقضت رجع للإنترنت نشيطا وكأن إرهاق النوم لم يصبه ، ثم يجلس عليه ساعات حتى إذا كل الجسد وفتر ، رقد ففوت عليه صلاة الظهر ، ثم يزعم بعد ذلك أن لا غفلة أصابت قلبه . فاللهم رحماك .
5- أن في اللقاء الخيالي ربما لا يجد الشخص في نفسه حرج من اطلاع الناس عليه ، بعكس أحاديث الماسنجر فإن القلب يطرب والحديث ينقطع إذا دخل على أحدهما داخل ، وهذا يدل على وجود ما يستحى منه في لقاءهما ، بل وعلى إثم خفي لم يشعرا به أو شعرا ولكن أدمناه فثقل عليهما تركه ( والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس ) وهذا الوجه يتجلى في المرأة أكثر من الرجل ، وفي الرجل المتزوج أغلب من الأعزب ، لكونهما أقرب إلى أن تقطع خلواتهما ، وهذا مما يؤكد أن لقاء الماسنجر يتضمن خلوة حقيقة بين الرجل والمرأة .
6- أن في ذلك اللقاء الخيالي ينقطع اللقاء بين الرجل والمرأة بمجرد ذهاب أحدهما وانقضاء مجلس المسائلة ، وتصعب المعاودة ليه وتكراره ، وربما جحد أحدهما بعد زمن وقوعه بينهما نسيانا ، أما الماسنجر فلا ينقطع اللقاء بينهما أبدا حتى يحذف أحدهما بريد صاحبه ، وهو مما لا يفعله إخواننا وأخواتنا اليوم ، معللين ذلك بأوهن الأسباب ، فيبقى أثر المحادثة الأولى بينهما متصلا يرى أحدهما صاحبه أمام عينيه كل وقت وحين ، ولو أراد العود للحديث معه لعاد دونما تردد .
7- أن في اللقاء الخيالي لا يمكن للرجل الإطلاع على أحوال المرأة وحياتها مطلقا ، أما في لقاء الماسنجر فيمكن للرجل أن يعرف الشيء الكثير عن المرأة فمن ذلك معرفة وقت دخولها للنت ، ودد ساعات مكوثها عليه ، و ينبني على هذا معرفة وقت نومها واستيقاظها ، ومدى استغلالها لوقتها خارج النت ، وبعض عباداتها كقيامها الليل أو صلاة الضحى من عدمهما ، ومعرفة حالتها المادية ، ومعرفة طبع أهلها من تشدد أو تساهل ، وذلك بحسب وقت تواجدها على الماسنجر ، بل ويمكن معرفة إن كانت طالبة أم لا بانقطاعها وقت الاختبارات الدراسية ، ومعرفة انشغالها أو مرضها إذا افتقدها .. وهكذا مما لا يمكن معرفته في اللقاءات قديما ، بل لا يوجد هذا في أي لقاء غير الماسنجر إذ هو أشبه بمراقبة جاسوسية ، فكيف يشك العاقل بعد هذا أن الماسنر من أعظم ما يقوي العلاقة ويغذيها ، وأنه من أجل أبواب الفتن على الرجل والمرأة ، وأن تجويزه مصادمة كبيرة لحديث ( اتقوا الدنيا واتقوا النساء ) .
8- أن اللقاء الخيالي لا يمكن لأحد أن ينتحل شخصية طالب العلم أو العالم ، وأما الماسنجر فقد يسطو عليه غيره ويستعمله كذئب فطن يستدرج به فتيات المسلمين ممن قد وثقن بالشيخ أو الطالب فأضفنه لسؤاله واستفتاءه ، وقد وقفت على سذاجة بعض أخواتنا بشكل لا يوصف ولست أحده بحد ، فرأيت وثوق بعضهن بالشيخ ثقة عمياء فلا تستنكر عليه أمرا أبدا ولو طلب منها أن تبعث بصورتها إليه ، وأن تلتقي به في مكان عام ، وربما خاص كما وقع لأحد إخواننا حمله عليه حب الاطلاع ومعرفة إلى أي مدى وصل نزع الحياء من قلب صاحبته . نسأل الله السلامة .
9- أن لقاءات الماسنجر باب عظيم للاستحسان ، والاستحسان بريد الحب ومنشأه ، وهو باب خطير جدا إذا وقع بين الجنسين ، فسدا للذريعة لا بد من غلق هذا الباب وعدم فتحه مطلقا ، إلا عند الحاجة الماسة مع مراعاة أنها مقدرة بقدرها .
فإن قلت : كيف يكون الماسنجر باب عظيم للاستحسان ؟
فالجواب : أن هذا أمر جلي ليس به خفاء ليسأل عنه ومع ذلك أقول :
كل ذيلب يعلم أن مجرد تكرار دخول المرأة على الرجل أو العكس لابد وأن يستهوي أحدهما للحديث ، سواء كان ذلك في الماسنجر أم في الواقع ، وقد يغذي ذاك ويزيده في الماسنجر غير ما تقدم أمور كثيرة منها : استحسان أحدهما من صاحبه انضباطه والتزامه واستقامته لكونه لا يكلمه إلا حين يجب ، أو يستحسن منه وقت دخوله للإنترنت أو قلته ، أو يستحسن منه رجاحة عقله ، أو حسن تعامله ، أو صقله للكلام وتحبيره ، أو قوة علمه وطرحه ، أو فقهه للواقع ، أو شعوره بمقاربته لفهمه ومنهجه ، أو لتجانسه مع طبعه وسماته ، أو لسؤاله عنه إذا افتقده ، أو لتعاده بالإهداءات المفيدة ، وغير ذلك مما يضعه الله في قلب العبد من غير سابق إنذار ، فإذا استحسن الرجل المرأة أو هي استحسنته ، ورآها كل يوم تدخل عليه ، وهو يبحث عن الزوجة الصالحة ، وهي تبحث عن الكفؤ الذي لم تجده في أقاربها ، أتراهما يمسك أحدهما وجدانه عن الانفلات ليخلق المعاذير ليحدث صاحبه أنصاف الساعات إن لم تكن سويعات في كل لقاء علها تكون رفيقة الدرب ، أو يكون هو فارس الأحلام . يسأل هذا عن أحوالها ، وآخر كتاباتها ، وحسن صياغتها ، وحاجة المنتديات لعلمها ، وتبدي هي تواضعها وقلة حيلتها وتثني على طرحه ، وتسأله احافها بالجديد ، فيرسل لها كل جديد ويستشيرها قبل نشره ، فتبارك جهده وسعة اطلاعه ، ويبارك هو ملاحظاتها ودقة فهمها ، ثم ربما أشعرها أو أشعرته بضيق الصدر وكآبة القلب ، فتشاطرا الحزن والهموم ، وتعاهدا على التعاون على البر والتقوى ، فقد جمعتهما أخوة الدين ، وغربة الحق ، وراحا يروحون عن أنفسهما بين الحين والحين ، أليس من أفضل الأعمال إلقاء السرورعلى محيا المسلمين ، فنشأ بينهما المزاح ، وتنادى بأحب الأسماء ، فانفتح ما كان موصدا ، وانفرج ما كان مغلقا ، وتقاربت الأرواح ، وخفة النفس ، وتغيب العقل ، وناب الهوى ، وعلتصرخات الجوى ، ونادت العادة لا حياة لي إن لم أره ، فهو أنس ليلي ، وبلسم فؤادي … ولنا أن نتسائل هنا هل كانا يظنان أن تصل بهما الحال إلى هذا الحد ؟ و إلى أي مدى يا ترى سيرضى منهما إبليس اللعين ؟ نسأل الله السلامة والثبات على دينه .
ولست هنا لسرد بعض القصص الواقعية التي وقفت على بعضها بنفسي ، والتي وقعت من خيرة إخواننا وأخواتنا بكل ما تعنيه كلمة الخيرية ، وإنما أردت بيان أن لقاء الماسنجر بين الرجل والمرأة لا مثيل له قديما ليقاس عليه ، ولا نظير له شرعا ليقال بجوازه ، وأما مساءلات الصحابة لعائشة وغيرها كانت على الملأ ، وبعد الاستئذان قبل اللقاء ، وبعد تهيئة مكان المسائلة شرعا ، فلا خلوة فيه ، ولا ريبة ، ولا خيانة لما أتمنها عليه أهلها . وهذه مما لا يتوفر في لقاءات الماسنجر كما لا يخفى ، فكيف بربك يصح يقاس الظلمات على النور .
والحاصل : أن ههنا بضعة عشرة وجها لمفارقة لقاءات الماسنجر للقاءات المساءلة قديما ، فلا يصح قياس أحدهما على الآخر . وأنه يجب على الرجل إذا أضافته المرأة إلى ماسنجرها لتسأله عما أشكل عليها ، أن يقوم بثلاثة أمور :
ا- أن يجيبها عن سؤلها ، ولا يكتم العلم إن كانت المسألة مم لا تحتمل التأجيل كما هو معلوم .
ب- أن يبين لها خطورة إضافة الرجال في الماسنجر ، إذا شعر أنها مما تستهين بالأمر ، وإلا فقد خان نفسه وسكت عن منكر ظهر له .
ج- أن يحظرها بعد انتهاء اللقاء ويوصيها بحظره ، والأفضل عندي أن يحذف بريدها ويوصيها بحذف بريده مع الاحتفاظ به إن شاءت ، فإن أشكل عليها أمر في المستقبل لا يحتمل التأجيل أضافته مره أخرى لتسأل عما استجد ، هذا إن لم تجد غيره ، وإلا فلا يصح أن يعلقها بذاته وشخصه ، ووجه هذه الوصية أمور :
منها : عملا بحديث ( إنها صفية ) أعني أن الصالح يجبعليه تبرئة ذمته مما قد يجلب لها الشكوك ، ويسقط حرمة عرضه من عقلاء الناس وسفهاءهم ، فإن من طبع بني آدم حينما يرى شخص اسم امرأة في ماسنجر رجل مهما كان ذاك الرجل صالح أو غير صالح وهي غير محظوره ، فلا بد وأن يقوم في نفسه بذرة شك تسقيها الأيام بالظنون لتنبت كل حنظل مرير ، فالواجب على العاقل التنزه عن مواطن الريب ، وقد أغنى الله الناس بحلاله عن حرامه ، فعلام الحرص على بقاءها في الماسنجر يرى دخولها أمام ناظريه آناء الليل وأطراف نهار ، وما الحكمة في ذلك ؟.
ومنها : أن تكرار دخول المرأة على الرجل كما هو الحل في الماسنجر لابد وأن يقذف في القلب استحسانا لها ، ويشحذ الذهن لتذكر اللقاء الأول والحديث الذي دار بينهما ، فلا تأمن بعدها ما سيكون بينهما كما تقدم ، ومن جلف طبعه عن فهم هذا فهو جاهل بأمور القلوب فليدعه فليس الخطاب له ، ويكفيه ما تقدم .
وبهذا اكتفي وإن كنت أجملت كثير من الأوجه بعضها ببعض حتى لا أطيل القول وقد طال ، فأسأل الله تعالى أن يتقبل المقال ، ويحسن الأعمال ، ويختم لنا بخير الأحوال .
ورأت أن اقتصرت القول هنا على محادثات الماسنجر لكونها أعظم وأخطر ، ولأننا متى اتفقنا على قول واحد فيها فما بعدها أيسر ، فأقول :
إن محادثة الرجل للمرأة في الماسنجر ليس لها نظير يقاس عليها من كل وجه ، والاستدلال بسؤالات الصحب الكرام لعائشة وغيرها لتجويز محادثات الماسنجر استدلال غريب وبعيد جدا ، وأقرب ما قد يمثل لمحادثات الماسنجر خيالا هو أن يأتي الرجل للمرأة أو العكس ، فيتحدثان من وراء جدر البيت وخلف الأبواب بما يشكل عليهما ، وهذا لو فعله الرجل أو المرأة بشكل يومي أو شبه يومي لارتاب بهم الناس وظنوا بهم شنع الظنون ، ودارة عليهم دائرة السوء مهما بلغا في العلم والتقوى مبلغا عظيما ، وحديث ( إنها صفية ) وقوله صلى الله عليه وسلم فيه ( إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ) خير ما يذكر هنا ، وهذه الصورة الخيالية التي ذكرناها مع استبعاد فعلها من ذوي الفطر السليمة إلا أنها أخير بكثير من محادثات الماسنجر بل لا أرى وجه للمقارنة بينهما ، فضلا عن قياس أحدهما على الآخر ، والفوارق بينهما كثيرة من أهمها ما يلي :
1- أن ذلك اللقاء بين الرجل والمرأة على تلك الصورة الخياليه التي ذكرناها أبعد عن الخلوة من لقاء الماسجر لكون جسد الرجل ظاهر أمام أعين الناس ، خلافا للماسنجر الذي لا يظهر من جسد الشخصين شيئ فكلاهما مستتر عن أعين الناس لا يشغل قلبه غير صاحبه ، وعليه فالخلوة بينهما متحققه بلا ريب في لقاءات الماسنجر .
2- أنه لا يمكن في ذلك اللقاء الخيالي أن تسول النفس لأحدهما أن يطيل الحديث مع صاحبه أو يجاريه بما يخرجهما عن حد الأدب والعصمة ، إما حياء من الناس أو لخشية جلب الأنظار لهما ، وهذا منتفي في محادثات الماسنجر فإنهما متى استحسنا الحديث مع بعضهما فلن يردعهما رادع إلا أن يعصمهما الله تعالى ، وليعلما أنهما واقعافي الإثم وإن لم يخرجا عن الأدب لوجود الخلوة بينهما كما تقدم ( وما خلى رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما ) .
3- أنه لا يمكن في ذلك اللقاء الخيالي أن يرى الرجل المرأة مطلقا ويصعب ذلك جدا إلا أن يجاهرا بمعصية الله ، أو تخرج المرأة مع الرجل لمكان لا يراها فيه أحد غيره ، أما في لقاء الماسنجر فالأمر هين جدا كما هو معلوم ، بل ربما سجلت المرأة شريطا حفظت به حركاتها ومشيتها وتغنجها وأرسلته لصاحبها بعلة أنه يريد خطبتها فكان من حقه رؤيتها ، أو يستعملا الكاميرات المباشرة لينظر بعضهما إلى بعض للعلة نفسها ، ول تحسب أني أذكر هذا من خيال ، بل يعلم الله أني أذكره عن واقع مؤسف وقع ضحيته بعض إخواننا وأخواتنا الخيرين والذي لا يتصور وقوع مثل ذلك منهم لولا اعترافهم واعتزالهم للنت بعد ذلك ، ومما لا ينبغي الذهول عنه أن تلبيس إبليس في هذه المواطن عظيم جدا خاصة على أصحاب الخير والفضيلة . نسأل الله السلامة .
4- أنه لا يمكن في ذلك اللقاء الخيالي أن يلتق الرجل بالمرأة في أوقات الريبة كوقت السحر ومنتصف الليل وأوقات راحة الناس ونومهم ، وهذا معدوم في لقاءات الماسنجر ، بل لا أتصور من الصالح أن يدمن على الإنترنت في مثل هذ الأوقات الفاضلة وليس في قلبه نوع غفلة ، فضلا أن يكلم امرأة تحرم عليه في هذا الوقت ، والعجيب من بعض إخواننا أنه لا يقر بغفلته ولو سهر من أول ليله إلى إقامة صلاة الفجر ، فإذا أقيمت الصلاة أتاها بآخر أنفاس يقضته ، فإذا انقضت رجع للإنترنت نشيطا وكأن إرهاق النوم لم يصبه ، ثم يجلس عليه ساعات حتى إذا كل الجسد وفتر ، رقد ففوت عليه صلاة الظهر ، ثم يزعم بعد ذلك أن لا غفلة أصابت قلبه . فاللهم رحماك .
5- أن في اللقاء الخيالي ربما لا يجد الشخص في نفسه حرج من اطلاع الناس عليه ، بعكس أحاديث الماسنجر فإن القلب يطرب والحديث ينقطع إذا دخل على أحدهما داخل ، وهذا يدل على وجود ما يستحى منه في لقاءهما ، بل وعلى إثم خفي لم يشعرا به أو شعرا ولكن أدمناه فثقل عليهما تركه ( والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس ) وهذا الوجه يتجلى في المرأة أكثر من الرجل ، وفي الرجل المتزوج أغلب من الأعزب ، لكونهما أقرب إلى أن تقطع خلواتهما ، وهذا مما يؤكد أن لقاء الماسنجر يتضمن خلوة حقيقة بين الرجل والمرأة .
6- أن في ذلك اللقاء الخيالي ينقطع اللقاء بين الرجل والمرأة بمجرد ذهاب أحدهما وانقضاء مجلس المسائلة ، وتصعب المعاودة ليه وتكراره ، وربما جحد أحدهما بعد زمن وقوعه بينهما نسيانا ، أما الماسنجر فلا ينقطع اللقاء بينهما أبدا حتى يحذف أحدهما بريد صاحبه ، وهو مما لا يفعله إخواننا وأخواتنا اليوم ، معللين ذلك بأوهن الأسباب ، فيبقى أثر المحادثة الأولى بينهما متصلا يرى أحدهما صاحبه أمام عينيه كل وقت وحين ، ولو أراد العود للحديث معه لعاد دونما تردد .
7- أن في اللقاء الخيالي لا يمكن للرجل الإطلاع على أحوال المرأة وحياتها مطلقا ، أما في لقاء الماسنجر فيمكن للرجل أن يعرف الشيء الكثير عن المرأة فمن ذلك معرفة وقت دخولها للنت ، ودد ساعات مكوثها عليه ، و ينبني على هذا معرفة وقت نومها واستيقاظها ، ومدى استغلالها لوقتها خارج النت ، وبعض عباداتها كقيامها الليل أو صلاة الضحى من عدمهما ، ومعرفة حالتها المادية ، ومعرفة طبع أهلها من تشدد أو تساهل ، وذلك بحسب وقت تواجدها على الماسنجر ، بل ويمكن معرفة إن كانت طالبة أم لا بانقطاعها وقت الاختبارات الدراسية ، ومعرفة انشغالها أو مرضها إذا افتقدها .. وهكذا مما لا يمكن معرفته في اللقاءات قديما ، بل لا يوجد هذا في أي لقاء غير الماسنجر إذ هو أشبه بمراقبة جاسوسية ، فكيف يشك العاقل بعد هذا أن الماسنر من أعظم ما يقوي العلاقة ويغذيها ، وأنه من أجل أبواب الفتن على الرجل والمرأة ، وأن تجويزه مصادمة كبيرة لحديث ( اتقوا الدنيا واتقوا النساء ) .
8- أن اللقاء الخيالي لا يمكن لأحد أن ينتحل شخصية طالب العلم أو العالم ، وأما الماسنجر فقد يسطو عليه غيره ويستعمله كذئب فطن يستدرج به فتيات المسلمين ممن قد وثقن بالشيخ أو الطالب فأضفنه لسؤاله واستفتاءه ، وقد وقفت على سذاجة بعض أخواتنا بشكل لا يوصف ولست أحده بحد ، فرأيت وثوق بعضهن بالشيخ ثقة عمياء فلا تستنكر عليه أمرا أبدا ولو طلب منها أن تبعث بصورتها إليه ، وأن تلتقي به في مكان عام ، وربما خاص كما وقع لأحد إخواننا حمله عليه حب الاطلاع ومعرفة إلى أي مدى وصل نزع الحياء من قلب صاحبته . نسأل الله السلامة .
9- أن لقاءات الماسنجر باب عظيم للاستحسان ، والاستحسان بريد الحب ومنشأه ، وهو باب خطير جدا إذا وقع بين الجنسين ، فسدا للذريعة لا بد من غلق هذا الباب وعدم فتحه مطلقا ، إلا عند الحاجة الماسة مع مراعاة أنها مقدرة بقدرها .
فإن قلت : كيف يكون الماسنجر باب عظيم للاستحسان ؟
فالجواب : أن هذا أمر جلي ليس به خفاء ليسأل عنه ومع ذلك أقول :
كل ذيلب يعلم أن مجرد تكرار دخول المرأة على الرجل أو العكس لابد وأن يستهوي أحدهما للحديث ، سواء كان ذلك في الماسنجر أم في الواقع ، وقد يغذي ذاك ويزيده في الماسنجر غير ما تقدم أمور كثيرة منها : استحسان أحدهما من صاحبه انضباطه والتزامه واستقامته لكونه لا يكلمه إلا حين يجب ، أو يستحسن منه وقت دخوله للإنترنت أو قلته ، أو يستحسن منه رجاحة عقله ، أو حسن تعامله ، أو صقله للكلام وتحبيره ، أو قوة علمه وطرحه ، أو فقهه للواقع ، أو شعوره بمقاربته لفهمه ومنهجه ، أو لتجانسه مع طبعه وسماته ، أو لسؤاله عنه إذا افتقده ، أو لتعاده بالإهداءات المفيدة ، وغير ذلك مما يضعه الله في قلب العبد من غير سابق إنذار ، فإذا استحسن الرجل المرأة أو هي استحسنته ، ورآها كل يوم تدخل عليه ، وهو يبحث عن الزوجة الصالحة ، وهي تبحث عن الكفؤ الذي لم تجده في أقاربها ، أتراهما يمسك أحدهما وجدانه عن الانفلات ليخلق المعاذير ليحدث صاحبه أنصاف الساعات إن لم تكن سويعات في كل لقاء علها تكون رفيقة الدرب ، أو يكون هو فارس الأحلام . يسأل هذا عن أحوالها ، وآخر كتاباتها ، وحسن صياغتها ، وحاجة المنتديات لعلمها ، وتبدي هي تواضعها وقلة حيلتها وتثني على طرحه ، وتسأله احافها بالجديد ، فيرسل لها كل جديد ويستشيرها قبل نشره ، فتبارك جهده وسعة اطلاعه ، ويبارك هو ملاحظاتها ودقة فهمها ، ثم ربما أشعرها أو أشعرته بضيق الصدر وكآبة القلب ، فتشاطرا الحزن والهموم ، وتعاهدا على التعاون على البر والتقوى ، فقد جمعتهما أخوة الدين ، وغربة الحق ، وراحا يروحون عن أنفسهما بين الحين والحين ، أليس من أفضل الأعمال إلقاء السرورعلى محيا المسلمين ، فنشأ بينهما المزاح ، وتنادى بأحب الأسماء ، فانفتح ما كان موصدا ، وانفرج ما كان مغلقا ، وتقاربت الأرواح ، وخفة النفس ، وتغيب العقل ، وناب الهوى ، وعلتصرخات الجوى ، ونادت العادة لا حياة لي إن لم أره ، فهو أنس ليلي ، وبلسم فؤادي … ولنا أن نتسائل هنا هل كانا يظنان أن تصل بهما الحال إلى هذا الحد ؟ و إلى أي مدى يا ترى سيرضى منهما إبليس اللعين ؟ نسأل الله السلامة والثبات على دينه .
ولست هنا لسرد بعض القصص الواقعية التي وقفت على بعضها بنفسي ، والتي وقعت من خيرة إخواننا وأخواتنا بكل ما تعنيه كلمة الخيرية ، وإنما أردت بيان أن لقاء الماسنجر بين الرجل والمرأة لا مثيل له قديما ليقاس عليه ، ولا نظير له شرعا ليقال بجوازه ، وأما مساءلات الصحابة لعائشة وغيرها كانت على الملأ ، وبعد الاستئذان قبل اللقاء ، وبعد تهيئة مكان المسائلة شرعا ، فلا خلوة فيه ، ولا ريبة ، ولا خيانة لما أتمنها عليه أهلها . وهذه مما لا يتوفر في لقاءات الماسنجر كما لا يخفى ، فكيف بربك يصح يقاس الظلمات على النور .
والحاصل : أن ههنا بضعة عشرة وجها لمفارقة لقاءات الماسنجر للقاءات المساءلة قديما ، فلا يصح قياس أحدهما على الآخر . وأنه يجب على الرجل إذا أضافته المرأة إلى ماسنجرها لتسأله عما أشكل عليها ، أن يقوم بثلاثة أمور :
ا- أن يجيبها عن سؤلها ، ولا يكتم العلم إن كانت المسألة مم لا تحتمل التأجيل كما هو معلوم .
ب- أن يبين لها خطورة إضافة الرجال في الماسنجر ، إذا شعر أنها مما تستهين بالأمر ، وإلا فقد خان نفسه وسكت عن منكر ظهر له .
ج- أن يحظرها بعد انتهاء اللقاء ويوصيها بحظره ، والأفضل عندي أن يحذف بريدها ويوصيها بحذف بريده مع الاحتفاظ به إن شاءت ، فإن أشكل عليها أمر في المستقبل لا يحتمل التأجيل أضافته مره أخرى لتسأل عما استجد ، هذا إن لم تجد غيره ، وإلا فلا يصح أن يعلقها بذاته وشخصه ، ووجه هذه الوصية أمور :
منها : عملا بحديث ( إنها صفية ) أعني أن الصالح يجبعليه تبرئة ذمته مما قد يجلب لها الشكوك ، ويسقط حرمة عرضه من عقلاء الناس وسفهاءهم ، فإن من طبع بني آدم حينما يرى شخص اسم امرأة في ماسنجر رجل مهما كان ذاك الرجل صالح أو غير صالح وهي غير محظوره ، فلا بد وأن يقوم في نفسه بذرة شك تسقيها الأيام بالظنون لتنبت كل حنظل مرير ، فالواجب على العاقل التنزه عن مواطن الريب ، وقد أغنى الله الناس بحلاله عن حرامه ، فعلام الحرص على بقاءها في الماسنجر يرى دخولها أمام ناظريه آناء الليل وأطراف نهار ، وما الحكمة في ذلك ؟.
ومنها : أن تكرار دخول المرأة على الرجل كما هو الحل في الماسنجر لابد وأن يقذف في القلب استحسانا لها ، ويشحذ الذهن لتذكر اللقاء الأول والحديث الذي دار بينهما ، فلا تأمن بعدها ما سيكون بينهما كما تقدم ، ومن جلف طبعه عن فهم هذا فهو جاهل بأمور القلوب فليدعه فليس الخطاب له ، ويكفيه ما تقدم .
وبهذا اكتفي وإن كنت أجملت كثير من الأوجه بعضها ببعض حتى لا أطيل القول وقد طال ، فأسأل الله تعالى أن يتقبل المقال ، ويحسن الأعمال ، ويختم لنا بخير الأحوال .