ابو راكــــــــان
12-06-2007, 04:11
بسم الله الرحمن الرحيم
آفة التطلع إلى الصدارة وطلب الريادة
أولا
توطئة بين يدي الموضوع
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون )( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا )( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما )، أما بعد/
فإن دوافع كتابة هذا الموضوع كثيرة ، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر....
1 / قبض كثير من العلماء ، مما جعل الناس يتخذون رؤوسا جهالا ، يفتون بغير علم ولا هدى من الله تعالى ..
كما روى البخاري والترمذي والنسائي في الكبرى من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا..
2/ كثرة من توجه هذه الوجهة العظيمة الخطيرة ، وهي وجهة الكلام بغير علم ، والفتوى بغير علم ، حتى أصبح الكلام في الدين مهنة من لا مهنة له ، فلو رأى الناس من يتكلم في الطب وهو ليس من أهل الطب أو رأوا من يتكلم في التكنلوجيا وهو من العوام لسارعوا بالإنكار عليه ولبادروا إلى تسفيهه نظرا لأنه تكلم بغير علم ، فما بالنا يا قوم نغض طرفا عن هؤلاء الجهال الذين يقولون على الله ما لا يعلمون ،،
3/ تأثر كثير من العوام بمظهر هؤلاء وكلامهم ، وظنوا أنهم من طلبة العلم فأخذوا كلامهم على أنه علم راسخ ولم يعلموا بأنه جهل مركب ، والكل يعلم بأن أول بدعة ظهرت في الأمة هي بدعة الخوارج الذين يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الشرك والأوثان ، وقد كان سبب ظهورهم هو الجهل نسأل الله العافية والسلامة ،
4/ أكثر العامة سواء كانوا شبابا أم شيبا يتأثرون بالمواقف الشخصية والتي لا تمت للعلم بصلة من قريب ولا من بعيد ، مما حملهم على أخذ كل ما يقوله الجاهل ولو كان معارضا لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فمثلا يقوم أحد الناس ببذل معروف لأحد العامة من مال أو وساطة أو غير ذلك ، فيحب هذا العامي ذلك الشخص ( ولا غرابة أو إشكال في هذا ) ولكن الإشكال أن هذا العامي وغيره من العامة ينزلون الذي بذل لهم المعروف منزلة أهل العلم والفتوى فيستفتونه ويفتنونه ، لأنهم لا يميزون بين حق وباطل وصواب وخطأ ،
أمثلة باختصار 1/ سئل أحدهم ما معنى قوله تعالى ( إنما النسيء زيادة في الكفر ) فقال النسيء هو الربا ،
أقول : وهذا تفسير لكلام الله تعالى بغير علم ، والنسيء هو تأخير الأشهر الحرم عن وقتها من أجل القتال فيها وهذا كان في الجاهلية فمن أين لهذا المتحدث وأشباهه أن الربا زيادة في الكفر ؟؟ ، نعم هو كبيرة ولكن لا يخرج المسلم عن الإسلام فضلا عن أن يكون زيادة في الكفر،
2/ سئل أحدهم عن صلاة الاستسقاء فقال : تصلى بخطبتين اثنتين فلما لم يجد دليلا من كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم على قوله هذا أجاب بقوله ( صلينا مع الشيخ ابن عثيمين رحمه الله هكذا ) ، فلو كانت الكذبة على عالم حي لكان الأمر أخف ( وإن كان الكذب كله قبيحا )، ولكن يكذب على العلماء الأموات ، فذهبت لشيخنا عبدالرحمن الدهش حفظه الله تعالى وهو من أكبر وأقدم طلاب شيخنا محمد العثيمين رحمه الله تعالى فقلت هل صلى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله صلاة الاستسقاء بخطبتين ؟ فقال : هذا الكلام ليس بصحيح ولم يفعله رحمه الله تعالى ،، فليت هذا الأخ وأمثاله قرؤوا وعملوا بما روى الإمام أبو داوود والبيهقي من طريق عمارة بن غزية عن يحيى بن راشد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله ومن خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط الله حتى ينزع عنه ومن قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال..
3/ أحدهم سئل عن تعبير رؤيا فقال للسائل ( هذا إيذان باقتراب أجلك ) أتدرون لماذا ؟
لأنه جهل قول الله تعالى (وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت )..
4/ يقول أحدهم قلت لأحدهم: هلك بابا الفاتيكان ولله الحمد ، فقال : لا يمكن أن نحكم عليه بشيء لأنه قد يكون أسلم ونحن لا نعلم ، أقول وبالله أستعين : وهذا قد بلغ في الجهل غايته ، إذ كيف يشك بمن حكم الله تعالى عليه بالكفر ؟؟!! بمجرد ظن ؟ وقد حكم الله تعالى على اليهود والنصارى بأنهم كفار كما في القرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ولقد صدق الله تعالى إذ يقول ( إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا )، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، قال إبراهيم المازني
رويدك ليس الحسن وقفاً عليكم وأكثر ما تملي الظنون غرور ..
ثانيا /
مفهوم الصدارة والريادة
يراد بها :التقدم والترؤس والرغبة في التقدم على الغير ، بل سؤال ذلك صراحة أو القعود عن الواجب وأداء الرسالة ،
ثالثا :ـ
في أي الأمور تكون الصدارة والريادة .
1ـ تكون عند بعض المسلمين في حب المنصب والجاه ، بحيث يكون أعلى من غيره والغير بحاجة إليه ( بل قد قال طالب في بداية دراسته الجامعية في كلية شرعية: سأحرص على أن أكون مسئولا كبيرا ومرجعا للجميع ) ،
2ـ تكون عند بعض الناس حب الصدارة بالمال بحيث يطلب أن يكون غنيا مقصودا رائدا للناس بماله ولا يؤدي في المال حقه .
3ـ بعض المسلمين يكون عنده حب الريادة والصدارة في الحسب والنسب فلا يرى أحدا من المسلمين إلا احتقره وازدراه ورآه أقل منه ، وظن أنه أفضل الناس حسبا ونسبا ، وفي الحديث (من تعزى عليكم بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا ) أخرجه الإمام أحمد في المسند والنسائي وابن حبان والطبراني في الكبير والضياء المقدسي عن أبيّ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ..
4ـ بعض المسلمين يطلب الصدارة والريادة في أمور الشرع ، في العلم النافع والعمل الصالح ، وقد روى الإمام أحمد وأبو داوود من طريق سعيد بن يسار عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من تعلم علما مما يبتغي به وجه الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة ، قال سريج في حديثه : يعني ريحها) .
5ـ بعض المسلمين يطلب الريادة والصدارة في أي أمر يعرض عليه سواء كان أمرا شرعيا أو أمرا دنيويا ، أو غيرها من الأمور وسواء كان الأمر يليق أولا يليق، وسواء كان من خوارم المروءة أو غير ذلك فعنده الغاية تبرر الوسيلة، فإنا لله وإنا راجعون .
رابعا : التطلع إلى الصدارة وطلب الريادة في الدين الإسلامي ....
اعلم رحمك الله أن ذاك التطلع مذموم ومنهي عنه ، بل يترتب عليه وعيد شديد في القرآن والسنة ، ومن الأدلة على ذلك ،
القرآن الكريم
1- قوله تعالى مخاطبا إبليس اللعين (أستكبرت أم كنت من العالين ) ، والمحب للصدارة والريادة محب للعلو وقد اتصف بصفة من صفات إبليس عدو الله .
2ـ قال تعالى (ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وملئه فاستكبروا وكانوا قوما عالين ).....
3ـ قال تعالى (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين ) ، فانظر رحمك الله كيف نفى الله تعالى عمن أراد العلو أن يكون له حظ في الآخرة .
بل قال ( والعاقبة للمتقين ) وليس من أراد العلو في الأرض من المتقين لأن إرادة العلو تخالف التقوى .
السنة النبوية
1- جاء في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إنا والله لا نولي على هذا العمل أحدا سأله ولا أحدا حرص عليه ) ،
2ــ وفي الصحيحين أيضا أن النبي صلى الله عله وسلم قال لعبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه ( يا عبدالرحمن لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها وإن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها ).
3- في صحيح مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه (قال : قلت يا رسول الله ألا تستعملني ؟ قال فضرب بيده على منكبي ثم قال : يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه منها ).
4- روى الحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عله وسلم يقول : ( ليوشك رجل أن يتمنى أنه خر من الثريا ولم يل من أمر الناس شيئا ) الحديث حسن ، فيه عاصم بن أبي النجود إمام في القراءة حديثه حسن ،
رابعا :ـ
أسباب التطلع إلى الصدارة وطلب الريادة :ـ
1ـ العجب ورؤية النفس قال صلى الله عليه وسلم ( ثلاث مهلكات هوى متبع وشح مطاع وإعجاب المرء بنفسه ) رواه البزار عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم .،
قال خليل مطران ....... وَقالَ هَذَا مُكْسِبِي لا شكَّ إِعْجَابَ البَشَرْ..
قال ابن دانيال .........ويكاد يسبق ظله ويسيل من .... حقويه من زهو ومن إعجاب ..
2ـ اتباع الهوى فقد يقود الهوى صاحبه إلى هذا التطلع والتصدر قال تعالى ( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون ) ،
3ـ محبة التحرر من سيطرة الآخرين وذلك أن بعض الناس ينشأ دون أن يذوق طعم الطاعة لأحد من الناس فإذا اجتمع مع الناس فإنه يكبر في نفسه أن يكون فوقه أحد لذلك تراه تتعلق نفسه تعلقا شديدا بالصدارة ويسعى جاهدا لسؤال الريادة حتى يصل إلى ما يصبو إليه ، ولو كان عبر أي طريق ،،
مثال على ذلك /
بعضهم يكذب على غيره من أقرانه ويحرف الكلم عن حقيقته يحذف ويضيف ويزيد وينقص فإذا هدم غيره لم يبق سواه ( على حد زعمه ) .،حتى أني رأيت أحد الطلاب الذين لم يحفظوا من القرآن إلا الأجزاء اليسيرة وليس له باع في علم ولا دعوة يقول عن بعض من هو أصغر منه من الطلاب في الحلقة ( هؤلاء طلابي )، وأذكر أن أحد الطلاب لما أهديت لمجموعة من الطلاب بعض الكتب ، (كتبت عبارة هدية للطالب فلان ) فغضب أحدهم وصرح لي بعدها أنه لو أراد أن يغضب من شيء لغضب من هذه الكلمة ، فسبحان الله العظيم ..
4ـ الرغبة في تحصيل شيء من الأغراض الدنيوية :
فيتعلق قلب هذا الجاهل بالدنيا ويتمنى أن يقوم بخدمته الجميع وكل من يراه ، فيتصور أنه لا يكون كذلك إلا بالصدارة فلذا تراه متعلق النفس بالصدارة ساعيا بجدية واهتمام بسؤال أو طلب الريادة .، روى الإمام الترمذي في الجامع عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة عن ابن كعب بن مالك الأنصاري عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح ويروى في هذا الباب عن بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يصح إسناده..وإني أنصح جميع إخواني بمراجعة شرح هذا الحديث للإمام ابن رجب رحمه الله تعالى ، في كتاب مستقل صغير الحجم ، كبير النفع،
مثال..
طلب مني بعض الطلاب أن يخرجوا برحلة إلى البر فلم أستطع فقلت اذهبوا باسم الله ، فذهبوا فلما أتوا جاء أحدهم وقال أبشرك يا أستاذ أن الشباب جعلوني أميرا عليهم في الرحلة وأبوا علي أن أشتغل معهم وقاموا هم بجميع الشغل والأعمال ، فقلت له سبحان الله يا أخي ، الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعمل مع أصحابه ، بل ثبت أنه يكون في بيته في حاجة أهله ، فلا ينبغي للشخص أن يرى نفسه أنه أهل لأن يخدم ، نسأل الله الهداية ،
5ـ الغفلة عن تبعات الريادة والصدارة .
في الحديث الذي أخرجه مسلم في الصحيح (وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة )الحديث .
6ـ الرغبة في التسلط وإذلال الآخرين :
وذلك أن بعض الناس ممن يلقى شدة وقهرا في تربيته أو تهوينا أو تسيبا بل ورئاسة إلى حد حب التسلط والإذلال ومثل هذا يرى الصدارة والريادة بابا يلج منه ليتشفى وليشبع غريزة أفرزتها التربية السيئة لذا فإن نفسه تتوق إلى هذه الصدارة والريادة .
7- ما يتسبب به العوام من فتنة بعض الناس فيرفعونه فوق منزلته ويثنون عليه بإطراء ومديح حتى في وجهه فيغتر بما يرى من فعلهم ولا يعلم أن هؤلاء هم أتباع كل ناعق فكما أقبلوا عليه بهذه السرعة فإنهم سينفضون عنه بسرعة أكبر ، فيندم ولات ساعة مندم ،
خامسا
آثار هذا المرض ( وهو التطلع إلى الصدارة والريادة وهي كثيرة منها )
ينتج عن هذه الآفة أمور وآفات لا تحمد عقباها ومنها :
1ـ الحرمان من التوفيق ، وذلك لأن طلب الريادة من إرادة غير وجه الله تعالى وفي ذلك نقص في الإخلاص ، قال الله تعالى :
( من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا ، ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا ) ، وقال تعالى ( من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون )، وكذلك فإن طلب الريادة يعني الوثوق بالنفس والاعتماد عليها ولذا نجد في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم عن عبدا لرحمن بن سمرة رضي الله عنه : قال قال لي رسول الله لي الله عليه وسلم : يا عبد الرحمن ( لا تسأل الإمارة فإنك إن أوتيتها عن مسألة وكلت إليها وإن أوتيتها من غير مسألة أعنت عليها )..
2ـ تجد أنه يتخلى عن الأعمال الفاضلة والحسنة ويبحث عن طريق يكون فيها متصدرا ورائدا ، فيعرض عن أعمال السر كقيام الليل وصدقة السر والبكاء من خشية الله تعالى ولكنه يحرص على أعمال العلانية حرصا شديدا .
3ـ تعريض النفس للفتنة بل ربما للغضب الإلهي ،لأنه ربما جار وظلم وفعل الباطل .
ففي المسند والبخاري وغيرهما ( إنكم ستحرصون على الإمارة وستكون ندامة فنعمت المرضعة وبئست الفاطمة ) ،
3ـ تضاعف الأوزار والأثقال بحيث يكون هذا المحب للصدارة والريادة قدوة سيئة يقتدي به الناس في السوء فيتحمل وزره وأوزار من يضلهم من غير أن ينقص من أوزارهم شيء .
قال تعالى (ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلون بغير علم ألا ساء ما يزرون )
سادسا :
العلاج
1ـ دوام النظر في السنة النبوية ، كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يربي أصحابه على الإخلاص والخفاء والعمل المستمر دون انقطاع ، وكيف يربيهم على عدم البحث عن حظوظ النفس وإشباع شهواتها ، كما جاء عنه في الصحيحين وغيرهما في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ( ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه )، بل لو بحثت كل وقتك عن حديث أو توجيه نبوي فيه الحث على طلب العلو أو الرفعة أو ما بمعناهما لم تجد إلى ذلك سبيلا ،،
2- النظر في سيرة السلف الصالحين رضي الله عنهم أجمعين ، وكيف كانوا يتدافعون الفتوى ، وكيف يحرصون على الخفاء ، يقول الإمام أحمد يا ويلي اشتهرت ، وقد ذكرت لكم فيما سبق قصة المرأة التي تعلمت السحر وأرادت التوبة فلم يفتها أحد من الصحابة حتى عائشة رضي الله عنها ، والقصة رواها الإمام أبو القاسم اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة
3ـ التعود على الطاعة وهضم النفس منذ نعومة الأظفار ،كما في الحديث الذي رواه البخاري من طريق أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه : (طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه أشعث رأسه مغبرة قدماه إن كان في الحراسة كان في الحراسة ، وإن كان في الساقة كان في الساقة إن استأذن لم يؤذن له وإن شفع لم يشفع )..
4ـ قال سعد بن أبي وقاص سمعت رسول الله صلى الله عله وسلم ( إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي) رواه مسلم..،
والغنى هو غنى النفس ..
5/ عدم اغترار المرء بما يقوله عنه الناس قال تعالى ( بل الإنسان على نفسه بصيرة ) ، نعم أنت تعلم كم تقوم من الليل ، وأنت تعلم كم تصوم من الأيام ، وأنت تعلم كم بذلت من وقتك في طلب العلم والحفظ والإتقان ، وأنت تعلم كم من الساعات تقضيها في البكاء من خشية الله تعالى ، وأنت تعلم كم من الساعات حاسبت فيها نفسك ، وأنت تعلم كم الساعات التي تقرأ فيها القرآن ، وأنت تعلم كم تبذل من وقتك لأجل الدعوة إلى الله تعالى .. و.. و الخ ، ( بل الإنسان على نفسه بصيرة ) ،
6ـ التذكير بمكانة الدنيا في الآخرة .
1ـ قال تعالى ((وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع ) ، والمتاع هو ما يزول قريبا ..
2ـ وقال تعالى (وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ) ،
3ـ قال تعالى (إنما الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار) ،
أخيرا ......أبيات من الشعر ( إن من الشعر لحكمة )
قال الشاعر محمود بن سامي البارودي
أَيُّهَا الْمَغْرُورُ مَهْلا....................... لَسْتَ لِلتَّكْرِيمِ أَهْلا
كَيْفَ صَادَفْتَ الأَمَانِي............هَلْ رَأَيْتَ الصَّعْبَ سَهْلا
خِلْتَهَا مَاءً نَمِيراً...........................فَاشْرَبَنْ عَلاً وَنَهْلا
أَيْنَ أَهْلُ الدَّارِ فَانْظُرْ................هَلْ تَرَى بِالدَّارِ أَهْلا
رُبَّ حُسْنٍ فِي ثِيَابٍ.....................عَادَ غِسْلِيناً وَمُهْلا
وَعُيُونٍ كُنَّ سُودَاً...................صِرْنَ عِنْدَ الْمَوْتِ شُهْلا
سَوْفَ يَلْقَى كُلُّ بَاغٍ.............فِي الْوَرَى خِزْيَاً وَ بَهْلا
إِنَّمَا الدُّنْيَا غُرُورٌ........................لَمْ تَدَعْ طِفْلاً وَكَهْلا
كَمْ حَكِيمٍ ضَلَّ فِيهَا...............فَاكْتَسَى بِالْعِلْمِ جَهْلا
والله أعلم
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين........
آفة التطلع إلى الصدارة وطلب الريادة
أولا
توطئة بين يدي الموضوع
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون )( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا )( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما )، أما بعد/
فإن دوافع كتابة هذا الموضوع كثيرة ، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر....
1 / قبض كثير من العلماء ، مما جعل الناس يتخذون رؤوسا جهالا ، يفتون بغير علم ولا هدى من الله تعالى ..
كما روى البخاري والترمذي والنسائي في الكبرى من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا..
2/ كثرة من توجه هذه الوجهة العظيمة الخطيرة ، وهي وجهة الكلام بغير علم ، والفتوى بغير علم ، حتى أصبح الكلام في الدين مهنة من لا مهنة له ، فلو رأى الناس من يتكلم في الطب وهو ليس من أهل الطب أو رأوا من يتكلم في التكنلوجيا وهو من العوام لسارعوا بالإنكار عليه ولبادروا إلى تسفيهه نظرا لأنه تكلم بغير علم ، فما بالنا يا قوم نغض طرفا عن هؤلاء الجهال الذين يقولون على الله ما لا يعلمون ،،
3/ تأثر كثير من العوام بمظهر هؤلاء وكلامهم ، وظنوا أنهم من طلبة العلم فأخذوا كلامهم على أنه علم راسخ ولم يعلموا بأنه جهل مركب ، والكل يعلم بأن أول بدعة ظهرت في الأمة هي بدعة الخوارج الذين يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الشرك والأوثان ، وقد كان سبب ظهورهم هو الجهل نسأل الله العافية والسلامة ،
4/ أكثر العامة سواء كانوا شبابا أم شيبا يتأثرون بالمواقف الشخصية والتي لا تمت للعلم بصلة من قريب ولا من بعيد ، مما حملهم على أخذ كل ما يقوله الجاهل ولو كان معارضا لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فمثلا يقوم أحد الناس ببذل معروف لأحد العامة من مال أو وساطة أو غير ذلك ، فيحب هذا العامي ذلك الشخص ( ولا غرابة أو إشكال في هذا ) ولكن الإشكال أن هذا العامي وغيره من العامة ينزلون الذي بذل لهم المعروف منزلة أهل العلم والفتوى فيستفتونه ويفتنونه ، لأنهم لا يميزون بين حق وباطل وصواب وخطأ ،
أمثلة باختصار 1/ سئل أحدهم ما معنى قوله تعالى ( إنما النسيء زيادة في الكفر ) فقال النسيء هو الربا ،
أقول : وهذا تفسير لكلام الله تعالى بغير علم ، والنسيء هو تأخير الأشهر الحرم عن وقتها من أجل القتال فيها وهذا كان في الجاهلية فمن أين لهذا المتحدث وأشباهه أن الربا زيادة في الكفر ؟؟ ، نعم هو كبيرة ولكن لا يخرج المسلم عن الإسلام فضلا عن أن يكون زيادة في الكفر،
2/ سئل أحدهم عن صلاة الاستسقاء فقال : تصلى بخطبتين اثنتين فلما لم يجد دليلا من كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم على قوله هذا أجاب بقوله ( صلينا مع الشيخ ابن عثيمين رحمه الله هكذا ) ، فلو كانت الكذبة على عالم حي لكان الأمر أخف ( وإن كان الكذب كله قبيحا )، ولكن يكذب على العلماء الأموات ، فذهبت لشيخنا عبدالرحمن الدهش حفظه الله تعالى وهو من أكبر وأقدم طلاب شيخنا محمد العثيمين رحمه الله تعالى فقلت هل صلى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله صلاة الاستسقاء بخطبتين ؟ فقال : هذا الكلام ليس بصحيح ولم يفعله رحمه الله تعالى ،، فليت هذا الأخ وأمثاله قرؤوا وعملوا بما روى الإمام أبو داوود والبيهقي من طريق عمارة بن غزية عن يحيى بن راشد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله ومن خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط الله حتى ينزع عنه ومن قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال..
3/ أحدهم سئل عن تعبير رؤيا فقال للسائل ( هذا إيذان باقتراب أجلك ) أتدرون لماذا ؟
لأنه جهل قول الله تعالى (وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت )..
4/ يقول أحدهم قلت لأحدهم: هلك بابا الفاتيكان ولله الحمد ، فقال : لا يمكن أن نحكم عليه بشيء لأنه قد يكون أسلم ونحن لا نعلم ، أقول وبالله أستعين : وهذا قد بلغ في الجهل غايته ، إذ كيف يشك بمن حكم الله تعالى عليه بالكفر ؟؟!! بمجرد ظن ؟ وقد حكم الله تعالى على اليهود والنصارى بأنهم كفار كما في القرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ولقد صدق الله تعالى إذ يقول ( إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا )، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، قال إبراهيم المازني
رويدك ليس الحسن وقفاً عليكم وأكثر ما تملي الظنون غرور ..
ثانيا /
مفهوم الصدارة والريادة
يراد بها :التقدم والترؤس والرغبة في التقدم على الغير ، بل سؤال ذلك صراحة أو القعود عن الواجب وأداء الرسالة ،
ثالثا :ـ
في أي الأمور تكون الصدارة والريادة .
1ـ تكون عند بعض المسلمين في حب المنصب والجاه ، بحيث يكون أعلى من غيره والغير بحاجة إليه ( بل قد قال طالب في بداية دراسته الجامعية في كلية شرعية: سأحرص على أن أكون مسئولا كبيرا ومرجعا للجميع ) ،
2ـ تكون عند بعض الناس حب الصدارة بالمال بحيث يطلب أن يكون غنيا مقصودا رائدا للناس بماله ولا يؤدي في المال حقه .
3ـ بعض المسلمين يكون عنده حب الريادة والصدارة في الحسب والنسب فلا يرى أحدا من المسلمين إلا احتقره وازدراه ورآه أقل منه ، وظن أنه أفضل الناس حسبا ونسبا ، وفي الحديث (من تعزى عليكم بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا ) أخرجه الإمام أحمد في المسند والنسائي وابن حبان والطبراني في الكبير والضياء المقدسي عن أبيّ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ..
4ـ بعض المسلمين يطلب الصدارة والريادة في أمور الشرع ، في العلم النافع والعمل الصالح ، وقد روى الإمام أحمد وأبو داوود من طريق سعيد بن يسار عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من تعلم علما مما يبتغي به وجه الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة ، قال سريج في حديثه : يعني ريحها) .
5ـ بعض المسلمين يطلب الريادة والصدارة في أي أمر يعرض عليه سواء كان أمرا شرعيا أو أمرا دنيويا ، أو غيرها من الأمور وسواء كان الأمر يليق أولا يليق، وسواء كان من خوارم المروءة أو غير ذلك فعنده الغاية تبرر الوسيلة، فإنا لله وإنا راجعون .
رابعا : التطلع إلى الصدارة وطلب الريادة في الدين الإسلامي ....
اعلم رحمك الله أن ذاك التطلع مذموم ومنهي عنه ، بل يترتب عليه وعيد شديد في القرآن والسنة ، ومن الأدلة على ذلك ،
القرآن الكريم
1- قوله تعالى مخاطبا إبليس اللعين (أستكبرت أم كنت من العالين ) ، والمحب للصدارة والريادة محب للعلو وقد اتصف بصفة من صفات إبليس عدو الله .
2ـ قال تعالى (ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وملئه فاستكبروا وكانوا قوما عالين ).....
3ـ قال تعالى (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين ) ، فانظر رحمك الله كيف نفى الله تعالى عمن أراد العلو أن يكون له حظ في الآخرة .
بل قال ( والعاقبة للمتقين ) وليس من أراد العلو في الأرض من المتقين لأن إرادة العلو تخالف التقوى .
السنة النبوية
1- جاء في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إنا والله لا نولي على هذا العمل أحدا سأله ولا أحدا حرص عليه ) ،
2ــ وفي الصحيحين أيضا أن النبي صلى الله عله وسلم قال لعبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه ( يا عبدالرحمن لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها وإن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها ).
3- في صحيح مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه (قال : قلت يا رسول الله ألا تستعملني ؟ قال فضرب بيده على منكبي ثم قال : يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه منها ).
4- روى الحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عله وسلم يقول : ( ليوشك رجل أن يتمنى أنه خر من الثريا ولم يل من أمر الناس شيئا ) الحديث حسن ، فيه عاصم بن أبي النجود إمام في القراءة حديثه حسن ،
رابعا :ـ
أسباب التطلع إلى الصدارة وطلب الريادة :ـ
1ـ العجب ورؤية النفس قال صلى الله عليه وسلم ( ثلاث مهلكات هوى متبع وشح مطاع وإعجاب المرء بنفسه ) رواه البزار عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم .،
قال خليل مطران ....... وَقالَ هَذَا مُكْسِبِي لا شكَّ إِعْجَابَ البَشَرْ..
قال ابن دانيال .........ويكاد يسبق ظله ويسيل من .... حقويه من زهو ومن إعجاب ..
2ـ اتباع الهوى فقد يقود الهوى صاحبه إلى هذا التطلع والتصدر قال تعالى ( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون ) ،
3ـ محبة التحرر من سيطرة الآخرين وذلك أن بعض الناس ينشأ دون أن يذوق طعم الطاعة لأحد من الناس فإذا اجتمع مع الناس فإنه يكبر في نفسه أن يكون فوقه أحد لذلك تراه تتعلق نفسه تعلقا شديدا بالصدارة ويسعى جاهدا لسؤال الريادة حتى يصل إلى ما يصبو إليه ، ولو كان عبر أي طريق ،،
مثال على ذلك /
بعضهم يكذب على غيره من أقرانه ويحرف الكلم عن حقيقته يحذف ويضيف ويزيد وينقص فإذا هدم غيره لم يبق سواه ( على حد زعمه ) .،حتى أني رأيت أحد الطلاب الذين لم يحفظوا من القرآن إلا الأجزاء اليسيرة وليس له باع في علم ولا دعوة يقول عن بعض من هو أصغر منه من الطلاب في الحلقة ( هؤلاء طلابي )، وأذكر أن أحد الطلاب لما أهديت لمجموعة من الطلاب بعض الكتب ، (كتبت عبارة هدية للطالب فلان ) فغضب أحدهم وصرح لي بعدها أنه لو أراد أن يغضب من شيء لغضب من هذه الكلمة ، فسبحان الله العظيم ..
4ـ الرغبة في تحصيل شيء من الأغراض الدنيوية :
فيتعلق قلب هذا الجاهل بالدنيا ويتمنى أن يقوم بخدمته الجميع وكل من يراه ، فيتصور أنه لا يكون كذلك إلا بالصدارة فلذا تراه متعلق النفس بالصدارة ساعيا بجدية واهتمام بسؤال أو طلب الريادة .، روى الإمام الترمذي في الجامع عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة عن ابن كعب بن مالك الأنصاري عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح ويروى في هذا الباب عن بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يصح إسناده..وإني أنصح جميع إخواني بمراجعة شرح هذا الحديث للإمام ابن رجب رحمه الله تعالى ، في كتاب مستقل صغير الحجم ، كبير النفع،
مثال..
طلب مني بعض الطلاب أن يخرجوا برحلة إلى البر فلم أستطع فقلت اذهبوا باسم الله ، فذهبوا فلما أتوا جاء أحدهم وقال أبشرك يا أستاذ أن الشباب جعلوني أميرا عليهم في الرحلة وأبوا علي أن أشتغل معهم وقاموا هم بجميع الشغل والأعمال ، فقلت له سبحان الله يا أخي ، الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعمل مع أصحابه ، بل ثبت أنه يكون في بيته في حاجة أهله ، فلا ينبغي للشخص أن يرى نفسه أنه أهل لأن يخدم ، نسأل الله الهداية ،
5ـ الغفلة عن تبعات الريادة والصدارة .
في الحديث الذي أخرجه مسلم في الصحيح (وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة )الحديث .
6ـ الرغبة في التسلط وإذلال الآخرين :
وذلك أن بعض الناس ممن يلقى شدة وقهرا في تربيته أو تهوينا أو تسيبا بل ورئاسة إلى حد حب التسلط والإذلال ومثل هذا يرى الصدارة والريادة بابا يلج منه ليتشفى وليشبع غريزة أفرزتها التربية السيئة لذا فإن نفسه تتوق إلى هذه الصدارة والريادة .
7- ما يتسبب به العوام من فتنة بعض الناس فيرفعونه فوق منزلته ويثنون عليه بإطراء ومديح حتى في وجهه فيغتر بما يرى من فعلهم ولا يعلم أن هؤلاء هم أتباع كل ناعق فكما أقبلوا عليه بهذه السرعة فإنهم سينفضون عنه بسرعة أكبر ، فيندم ولات ساعة مندم ،
خامسا
آثار هذا المرض ( وهو التطلع إلى الصدارة والريادة وهي كثيرة منها )
ينتج عن هذه الآفة أمور وآفات لا تحمد عقباها ومنها :
1ـ الحرمان من التوفيق ، وذلك لأن طلب الريادة من إرادة غير وجه الله تعالى وفي ذلك نقص في الإخلاص ، قال الله تعالى :
( من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا ، ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا ) ، وقال تعالى ( من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون )، وكذلك فإن طلب الريادة يعني الوثوق بالنفس والاعتماد عليها ولذا نجد في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم عن عبدا لرحمن بن سمرة رضي الله عنه : قال قال لي رسول الله لي الله عليه وسلم : يا عبد الرحمن ( لا تسأل الإمارة فإنك إن أوتيتها عن مسألة وكلت إليها وإن أوتيتها من غير مسألة أعنت عليها )..
2ـ تجد أنه يتخلى عن الأعمال الفاضلة والحسنة ويبحث عن طريق يكون فيها متصدرا ورائدا ، فيعرض عن أعمال السر كقيام الليل وصدقة السر والبكاء من خشية الله تعالى ولكنه يحرص على أعمال العلانية حرصا شديدا .
3ـ تعريض النفس للفتنة بل ربما للغضب الإلهي ،لأنه ربما جار وظلم وفعل الباطل .
ففي المسند والبخاري وغيرهما ( إنكم ستحرصون على الإمارة وستكون ندامة فنعمت المرضعة وبئست الفاطمة ) ،
3ـ تضاعف الأوزار والأثقال بحيث يكون هذا المحب للصدارة والريادة قدوة سيئة يقتدي به الناس في السوء فيتحمل وزره وأوزار من يضلهم من غير أن ينقص من أوزارهم شيء .
قال تعالى (ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلون بغير علم ألا ساء ما يزرون )
سادسا :
العلاج
1ـ دوام النظر في السنة النبوية ، كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يربي أصحابه على الإخلاص والخفاء والعمل المستمر دون انقطاع ، وكيف يربيهم على عدم البحث عن حظوظ النفس وإشباع شهواتها ، كما جاء عنه في الصحيحين وغيرهما في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ( ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه )، بل لو بحثت كل وقتك عن حديث أو توجيه نبوي فيه الحث على طلب العلو أو الرفعة أو ما بمعناهما لم تجد إلى ذلك سبيلا ،،
2- النظر في سيرة السلف الصالحين رضي الله عنهم أجمعين ، وكيف كانوا يتدافعون الفتوى ، وكيف يحرصون على الخفاء ، يقول الإمام أحمد يا ويلي اشتهرت ، وقد ذكرت لكم فيما سبق قصة المرأة التي تعلمت السحر وأرادت التوبة فلم يفتها أحد من الصحابة حتى عائشة رضي الله عنها ، والقصة رواها الإمام أبو القاسم اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة
3ـ التعود على الطاعة وهضم النفس منذ نعومة الأظفار ،كما في الحديث الذي رواه البخاري من طريق أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه : (طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه أشعث رأسه مغبرة قدماه إن كان في الحراسة كان في الحراسة ، وإن كان في الساقة كان في الساقة إن استأذن لم يؤذن له وإن شفع لم يشفع )..
4ـ قال سعد بن أبي وقاص سمعت رسول الله صلى الله عله وسلم ( إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي) رواه مسلم..،
والغنى هو غنى النفس ..
5/ عدم اغترار المرء بما يقوله عنه الناس قال تعالى ( بل الإنسان على نفسه بصيرة ) ، نعم أنت تعلم كم تقوم من الليل ، وأنت تعلم كم تصوم من الأيام ، وأنت تعلم كم بذلت من وقتك في طلب العلم والحفظ والإتقان ، وأنت تعلم كم من الساعات تقضيها في البكاء من خشية الله تعالى ، وأنت تعلم كم من الساعات حاسبت فيها نفسك ، وأنت تعلم كم الساعات التي تقرأ فيها القرآن ، وأنت تعلم كم تبذل من وقتك لأجل الدعوة إلى الله تعالى .. و.. و الخ ، ( بل الإنسان على نفسه بصيرة ) ،
6ـ التذكير بمكانة الدنيا في الآخرة .
1ـ قال تعالى ((وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع ) ، والمتاع هو ما يزول قريبا ..
2ـ وقال تعالى (وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ) ،
3ـ قال تعالى (إنما الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار) ،
أخيرا ......أبيات من الشعر ( إن من الشعر لحكمة )
قال الشاعر محمود بن سامي البارودي
أَيُّهَا الْمَغْرُورُ مَهْلا....................... لَسْتَ لِلتَّكْرِيمِ أَهْلا
كَيْفَ صَادَفْتَ الأَمَانِي............هَلْ رَأَيْتَ الصَّعْبَ سَهْلا
خِلْتَهَا مَاءً نَمِيراً...........................فَاشْرَبَنْ عَلاً وَنَهْلا
أَيْنَ أَهْلُ الدَّارِ فَانْظُرْ................هَلْ تَرَى بِالدَّارِ أَهْلا
رُبَّ حُسْنٍ فِي ثِيَابٍ.....................عَادَ غِسْلِيناً وَمُهْلا
وَعُيُونٍ كُنَّ سُودَاً...................صِرْنَ عِنْدَ الْمَوْتِ شُهْلا
سَوْفَ يَلْقَى كُلُّ بَاغٍ.............فِي الْوَرَى خِزْيَاً وَ بَهْلا
إِنَّمَا الدُّنْيَا غُرُورٌ........................لَمْ تَدَعْ طِفْلاً وَكَهْلا
كَمْ حَكِيمٍ ضَلَّ فِيهَا...............فَاكْتَسَى بِالْعِلْمِ جَهْلا
والله أعلم
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين........