اسامه الدندشي
11-06-2007, 19:55
التيار السوري الديموقراطي
http://www.tsdp.org/26-4-syria6.htm
في ذكرى الجلاء
لبيك يا وطني المأزوم
من عدة سنوات, لم ادر التاريخ بالضبط, دخلت مكتبي ,في طرطوس,حيث كنت رئيسا لأحدى الأقسام الهندسية,وقبل تناولي قهوة الصباح,فوجئت بجمع يدخل مكتبي ,بدون استئذان,وأكثرهم لم اعتد على استقباله, بعضهم صافحني بحرارة وود, وآخر ضمني بحنان ورفق, والأصحاب قبلني, وأنا في دهشة من أمري,صحيح أني مكان احترام وتقدير الجميع لإرث اجتماعي موروث, ولمؤهلات شخصية,ولكن ليس لهذه الظاهرة, التي ولدت اليوم مناسبة, قطع علي أحدهم, سلسلة تحليلاتي للموقف سائلا: هل استمعت على المقابلة بالتلفزيون السوري البارحة, سألت باختصار , ما الموضوع؟ , أجابني احدهم , كانت هناك مقابلة مع شقيقة الشخ صالح العلي, ولما سئلت عن ذكرياتها عن ثورة شقيقها الشيخ صالح العلي: أجابت كل ما أذكره أن هناك فرسانا كثيرة كانت تأتي على الجياد, محملة بالعتاد والمؤن, ومدججة بالسلاح, يقولون عنهم فرسان الدنادشة.
دفعت إلى محدثي جريدة اسمها نضال الفلاحين كانت بمكتبي من زمن, وكان بها تصريحا لرئيس جمعية الفلاحين في تلكلخ " إن ثورة تلكلخ والمعروفة باسم ثورة الدنادشة , قام بها الفلاحون, ولكن الإقطاع سرقها," ولذلك حذفت من تاريخ المدارس, وغير اسم ثكنة الشهيد احمد الحسين الدندشي , ,إلى ثكنة...... ....و الشهيد احمد الحسين الدندشي,أعدمه الفرنسيين أمام منزله وعلى مرأى من أهله.
اليوم و بعد أكثر من خمسة عشر سنة,وفي وقت زال أو على وشك أن يزول الاستقلال , والذي قدم الشعب السوري,دماء جبلت كل ذرة تراب من هذا الوطن الحبيب, وصور أطفال تضورت جوعا, ولغياب أي دعم خارجي,ذهب طعامهم ثمنا للسلاح , وغرامات,بقيت أثارها المحزنة , إلى ما بعد الاستقلال, وتهجير, وهدم بيوت, وسجن, وفقر, وتشريد فأين هذه الطبقة اليوم على الساحة السياسية؟, التي دفعت ,ثمن الاستقلال,وأين ثقافتها ,و أين الديموقراطية , والمواطنة التي مارسنها بعد الاستقلال, برقي متميز , وحاورت , الأخر بشفافية,ودفعت ولأول مرة في العا لم العربي إلى المجلس النيابي نائب شيوعي,أين ثقافة هذا المجتمع, التي أنتجت قيادات من كل طبقة ,شرط تمثله لقيم وثقافة المجتمع السوري ,المحفورة في ضمير الوطن,و التي ترسخت, من خلال موروثات قيمية, عربية المنبت, إسلامية الصقل والتشذيب, سماتها,العفة,والإباء, والأنفة, والعزة, والشهامة,والكرامة, والسمعة الحسنة, والحرص على المال العام, واحترام القانون ..............., فبل مؤهلاتها الشخصية.؟
كيف انقرضت هذه الطبقة؟, وكيف اندثرت ثقافتها,؟ وكيف غسل دماغ المواطن السوري؟, وأصبح المهرب, وتاجر المخدرات,والمرتشي, وسارق المال العام,وسماسرة القضاء, ومتعهدي الأمن والسجون ....... هم صفوة القوم,وعلى قمة الهرم الاجتماعي, والسياسي, وان لم يكونوا مكان احترام,فان المجتمع يعترف بهم كقادة, يقدمهم في المراكز المدنية والسياسية.ولا يستطيع منافستهم, أي مواطن ينتمي أصالة إلى ا لقيم الثقافية للمجتمع السوري .
هذا الجيل الذي تمحور حول قيادات متينة الأخلاق, وتوحد وطنيا خلال الحربين, على مقارعة الاستعمار, وتحقيق الاستقلال, من جبل الدروز, إلى جبل الزاوية, ومن تدمر إلى الساحل, ابن المدينة وابن الريف , وبكل تنوعاته الدينية والعرقية, كيف انقرض هذا الجيل؟ ....لا احد يطفو على السطح الاجتماعي و يحظى باحترام, أو يصعد إلى مركز من مراكز القرار , مالم يكن ابنا بارا لثقافة المجتمع وقيمه وأخلاقه. التي اتسمت بها كل القيادات, وكل المؤسسات السياسية والحزبية والاجتماعية ,ولا فرق في هذا من ينتمي للكتلة الوطنية, أو للحزب الشيوعي , أو لحزب الوفد المصري, آو للإخوان المسلمين,وكثيرا ما كان السجال ا لسياسي يتمحور حول اختراق احد القياديين الثقافة العامة للمجتمع , فتهمة رشوة أو استغلال منصب كفيلة بإسقاط وزارة , أو دخول رئيس الأركان السجن, وارى من المفيد, الحديث عن فضيحة السمنة عام1949 التي أدت إلى انقلاب حسني الزعيم في 30 آذار عام 1949,وملخصها أن شكري القوتلي,ورئيس الوزارة خالد العظم ,شما رائحة كريهة, تنبعث من احد المطابخ الميدانية, عندما كانا في جولة تفقدية للجبهة,وعندما علما أنها من السمنة قاما بنفسيهما, بقلي بيضة بهذه السمنة, فكانت نفس الرائحة الكريهة,فأمر شكري القوتلي, إلقاء القبض, على بطرس البستاني, وكان برتبة زعيم ,ومدير تموين الجيش, وعندما انتشر الخبر في أوساط الشعب, كان الطلبة , والشباب, يضعون أيديهم على أنوفهم لدى مرور, احد الضباط, فإهانة الجيش باتهام احد رموزه بالفساد والرشوة, إلى جانب تعرضه للهجوم في المجلس النيابي, من قبل النائب, فيصل العسلي,رئيس" الحزب التعاوني الاشتراكي",دفعت بالضابط الحلبي المربى الكردي الأصل "الزعيم"حسني الزعيم ,إلى انقلابه في 30 آذار عام 1949, لدفع تهمة الفساد عن الجيش , وسواء كان متورطا في صفقة السمنة, أو لقي تشجيعا من العراق الهاشمية, تبقى تهمة الفساد والرشوة , السبب الأهم والرئيسي لانقلاب حسني الزعيم يسانده الصديقين الحميمين لأكرم الحوراني,وربما بتحريض منه, الضابطين: بهيج الكلاس, وأديب الشيشكلي ,ليتكرر المشهد,وتصبح الانقلابات ,موضة سورية.
إن رصد التحولات الأخلاقية للمجتمع, ولفترة تاريخية, تحتاج إلى جهد وتفرغ ومصادر بحث, هي نادرة لهذه الفترة موضوع البحث, نظرا للهجوم الذي تعرضت له , والحملات التشهيرية التي تناولتها, وحجب الوثائق, وتزوير في الأحداث والتاريخ حتى قيل : أن الذين حاربوا المستعمر,إنما حاربوه, ليحلوا مكانه كمستعمرين.
وفي واقع الأمر إن فترة مابين الحرب العالمية الأولى, و قيام " ثورة" آذار, وفترة مقارعة الاستعمار في مصر حتى قيام ثورة عبد الناصر, تجربتين تحتاجا إلى وفقة نقدية ومراجعة لهاتين التجربتين, الديموقراطيتين لارتباطهما الوثيق, بمجريات الأحداث,التي تعصف بالمنطقة اليوم,سواء كان بوقف وسحق التجربة الديموقراطية,أ وببروز الأنظمة الشمولية -,بالوقت التي كانت فيه إسرائيل تفتتح أي حوار مع أمريكا أو الغرب," نحن الدولة الديموقراطية الوحيدة في المنطقة" , تماما كما نحن نبدأ الحديث بالبسملة-.
في مصر عندما قامت 22يوليو وبرز عبد الناصر , كانت مصر قد حسمت موقفها العربي,اثر نكبة فلسطين عام1936, وتحت ضغط الشارع ,الذي تتلمذ, على يدي محمد عبدو, وجمال الدين الافغاتي, ورفاعة الطهطاوي,ورغم ضبابية بين ماهو عروبي وما هو إسلامي , حصل علي ماهر. رئيس وزراء مصر, في مؤتمر لندن عام 1939,على اعتراف بريطاني ,بزعامة مصر للعرب, وبدعم ضمني من بريطانيا على دعم الوحدة العربية, وسواء كان هذا الدعم أو الاعتراف, لضرب النفوذ الفرنسي في المشرق العربي. أو لتسهيل السيطرة على العرب , من خلال زعامة واحدة,فان التيار العروبي الإسلامي في مصر,ودون أن يرقي للمفهوم الوحدوي, كما في سوريا والعراق, سيطر على الشارع المصري, الذي عبر عنه بوضوح حين ضربت دمشق عام 1925و برقة 1930.والخيار العربي في السياسة الخارجية المصرية, أجج الصراع, بين الملك فاروق, ورئيس حزب الوفد, مصطفى النحاس, في الأعلام والشارع, لزعامة العرب,وقد دفعت هذه المزايدات القومية, بين القصر والوفد والشارع, إلى تضمين بروتوكول الإسكندرية عام 1944, نقل القضية الفلسطينية, من قضية فلسطينية,إلى قضية عربية, وولادة الجامعة العربية عام 1945, المدعومة من بريطانيا -, والتي لم تر بها فرنسا سوى مؤامرة بريطانية لضرب نفوذها في الشرق العربي,- تحت الزعامة وربما الوصاية المصرية ,واستكان العرب للجامعة العربية , فقد امتصت هياج وصخب القوميين في سوريا والعراق ولبنان, رغم أن دستور الجامعة, أكد على عدم قيام أي وحدة اواتحاد ,بين العراق وسورية, أو الأردن وسوريا, أو تغيير في نظام الحكم,من الجمهوري إلى الملكي,وهذا بدد مخاوف السعودية ,من قيام سوريا الكبرى, أو حلف بغداد حلم الهاشميين,وأعدائها التقليديين, وهدأت حدة الصراع التقليدي والتاريخي, بين العراق ومصر,حيث اطمأنت مصر على عدم قيام أي دولة قوية ,تهدد نفوذها ,شرق المتوسط, وزعامتها للعرب. وأصبح ذلك من الثوابت ,في السياسة العربية
لذلك عندما جاء عبد الناصر, أبقى على هذه الثوابت,و لم يغير في البنية السياسية والاجتماعية,بل امتطى عربة النظام الملكي,التي كان يمتطيها, الملك فاروق, وعلى ماهر, ومصطفى النحاس, لكن بدون الملك وطربوشه وحاشيته, و بدون التجربة الديموقراطية, التي لم تعط بعد حقها في الدراسة والتحليل ,وركب عبد الناصر وقبعته العسكرية ونظامه الشمولي,وموجة الزعامة للوطن العربي, واعتمد خطابا ممنهجا,سيطر به على مشاعر وعواطف المواطن العربي, ضمنه أمال وأماني وهموم المرحلة, حتى أصبحت الكلمة هي الهد ف , والوعد حقيقة مطلقة, وغدا تحرير فلسطين, والوحدة العربية, وتحطيم الاستعمار, واقع غدا, إن لم يكن واقع في المتخيل الشعبي بالأمس . وبحق سيطر عبد الناصر بهذا الخطاب على الشارع العربي, وعلى قرار النظام الرسمي العربي
وما يهمنا في هذا البحث , أن عبد الناصر, لم يقم بتغير جزري, في البنية السياسية,والتركيبة الاجتماعية, بل اعتمد,على الكوادر المؤسساتية والإدارية والفكرية والمجتمعية,صاحبة التجربة والخبرة, في العهد السابق ,وتركها تعطي وتنقل تجربتها وخبرتها, للجيل المقبل , وبالتالي لم يحدث شرخ اجتماعي طبقي مصنع,و انقطاع ثقافي, وفراغ مؤسساتي, بين جيل وأخر يليه, ولم يزل من الوجود,جيل بأكمله مع ثقافته وتجربته, ليحل معه جيل جديد بلا تجربة ولا ثقافة, كما حدث في سوريا, بل اكتفى بإقصاء الملك وحاشيته, وهذا ما يفسر لنا اليوم, وجود معارضة متجزرة في المجتمع المصري, تناضل في الشارع, قارعت الاستعمار بالأمس, واليوم تحمل راية التغيير, وتنتزع المواطنة, وتؤسس للديموقراطية,وهو تواصل اجتماعي ثقافي بين الماضي والحاضر.وتجزر وطني في الحياة المصرية. وفي سوريا, لم يسمع عبد الناصر إلى الأصوات,التي نادت باجتذاذ,وتغير جذري في بنية المجتمع وثقافته, واجتزاز العهد الوطني,من جذوره, وتصنيع وفبركة صراع طبقي, هو أصلا غير موجود,فالشعب السوري, وحدة وطنية, تكاتف وتعاطد في الريف والمدينة, حول هدف واحد ,هو تحرير الوطن,من المستعمر, وتحقيق الاستقلال, وهو ما عرف بالوطنية,وهو اليوم يتخلى عن السلطة لعبد الناصر, والسيادة لصالح الوحدة, لذلك دعم عبد الناصر المؤسسات العسكرية والمدنية القائمة, المعتزة بوطنيتها وقوميتها, بل أسس كوادره وفق ثقافة المجتمع السوري,التي رأى فيها مصداقية بالقول, و تضحيات بالفعل والممارسة ,ورغم مصداقية الرموز الوطنية التي اعتمدها عبد الناصر, والتي تميزت باندفاعاتها القومية, ومتانة أخلاقها ونزاهتها, وتربيتها الديموقراطية, إلا أن الخطأ الكبير الذي ارتكبه عبد الناصر,هو تهميش هذه الرموز, وتحويلها إلى هتافين ومصفقين, ومطبلين, وإلغاء أي دور لهم في صنع القرار, واعتماده على الأجهزة الأمنية, ومحاصرة الرأي , وكبت الحريات, وذلك كله مناف جملة وتفصيلا للحياة السورية الذي اعتادوها,ومن زمن غير بعيد, ودخل على الخط بعض الانتهازيين, وبعض" الذين خرجوا من المولد بلا حمص" ولعبوا بالماء العكر , ويؤطر ذلك كله ضبابية مفهوم الوحدة,فهو لم يرق عند المصريين إلى النظرية السياسية كما هو عند السوريين, بل بقيت في حدود الأخوة الإسلامية و العاطفة, وتعاضدت كل تلك العوامل مجتمعة على الوحدة, التجربة الأولى في العصر الحديث, وحدث الانفصال, وعاد الشعب السوري إلى الحياة الديموقراطية, واللعبة البرلمانية, حتى حدثت "ثورة" آذار.
وفي الثامن من آذار, تم تغيير جزري وشامل في الحياة السياسية والاجتماعية,كانت انتقاما طبقيا,لم ينمو في المجتمع ,بل أقحم هذا المصطلح إلى الوحدة الوطنية, وسرح من الجيش والمؤسسات السياسية ولاقتصادية والاجتماعية, كل الكوادر الفنية وصاحبة التجربة, تحت مسميات كثيرة من رجعيين وأذناب استعمار وإقطاعيين , وشيوعيين وقوميين سوريين وإخوان المسلمين ...... والقائمة طويلة, ولم يبقى إلا كل هتاف عتيد ومصفق ثوري, ودفنت تجربة بلا وارث إلا في بنين وأحفاد, ضاقت بهم سبل العيش , وأذلتهم الغربة في الوطن, هاجر بعضهم ولم يعد, والبعض الأخر راح يبحث عن مواطنته في تنظيمات محظورة ,فخسر مواطنته وحياته,وكأن أمه لم تلده,أو ولدته ولم تراه.
والى متى سيمنع أولادي وأحفادي من بعدي دخول الكلية الحربية,والعمل السياسي, وحق الوظيفة, ويصبحوا أمناء على هذا الوطن,ويضحون كما ضحى إباءهم وأجدادهم في سبيل الاستقلال؟؟؟؟
متى سيرى الدمشقي, تمثال الفلاح في" السبع بحرات", رمزا للعطاء, وقدوة للكدح, ووفرة للغذاء,وعنوان وحدة وطنية,؟
متى ستصبح الوظيفة , في متناول الجميع,والعمل السياسي لكل المواطنين ؟
وتعم المنفعة كل...كل الفلاحين
اسامه الدندشي
ossama-aldandashi@hotmail.com
22\4\2006
http://www.tsdp.org/26-4-syria6.htm
في ذكرى الجلاء
لبيك يا وطني المأزوم
من عدة سنوات, لم ادر التاريخ بالضبط, دخلت مكتبي ,في طرطوس,حيث كنت رئيسا لأحدى الأقسام الهندسية,وقبل تناولي قهوة الصباح,فوجئت بجمع يدخل مكتبي ,بدون استئذان,وأكثرهم لم اعتد على استقباله, بعضهم صافحني بحرارة وود, وآخر ضمني بحنان ورفق, والأصحاب قبلني, وأنا في دهشة من أمري,صحيح أني مكان احترام وتقدير الجميع لإرث اجتماعي موروث, ولمؤهلات شخصية,ولكن ليس لهذه الظاهرة, التي ولدت اليوم مناسبة, قطع علي أحدهم, سلسلة تحليلاتي للموقف سائلا: هل استمعت على المقابلة بالتلفزيون السوري البارحة, سألت باختصار , ما الموضوع؟ , أجابني احدهم , كانت هناك مقابلة مع شقيقة الشخ صالح العلي, ولما سئلت عن ذكرياتها عن ثورة شقيقها الشيخ صالح العلي: أجابت كل ما أذكره أن هناك فرسانا كثيرة كانت تأتي على الجياد, محملة بالعتاد والمؤن, ومدججة بالسلاح, يقولون عنهم فرسان الدنادشة.
دفعت إلى محدثي جريدة اسمها نضال الفلاحين كانت بمكتبي من زمن, وكان بها تصريحا لرئيس جمعية الفلاحين في تلكلخ " إن ثورة تلكلخ والمعروفة باسم ثورة الدنادشة , قام بها الفلاحون, ولكن الإقطاع سرقها," ولذلك حذفت من تاريخ المدارس, وغير اسم ثكنة الشهيد احمد الحسين الدندشي , ,إلى ثكنة...... ....و الشهيد احمد الحسين الدندشي,أعدمه الفرنسيين أمام منزله وعلى مرأى من أهله.
اليوم و بعد أكثر من خمسة عشر سنة,وفي وقت زال أو على وشك أن يزول الاستقلال , والذي قدم الشعب السوري,دماء جبلت كل ذرة تراب من هذا الوطن الحبيب, وصور أطفال تضورت جوعا, ولغياب أي دعم خارجي,ذهب طعامهم ثمنا للسلاح , وغرامات,بقيت أثارها المحزنة , إلى ما بعد الاستقلال, وتهجير, وهدم بيوت, وسجن, وفقر, وتشريد فأين هذه الطبقة اليوم على الساحة السياسية؟, التي دفعت ,ثمن الاستقلال,وأين ثقافتها ,و أين الديموقراطية , والمواطنة التي مارسنها بعد الاستقلال, برقي متميز , وحاورت , الأخر بشفافية,ودفعت ولأول مرة في العا لم العربي إلى المجلس النيابي نائب شيوعي,أين ثقافة هذا المجتمع, التي أنتجت قيادات من كل طبقة ,شرط تمثله لقيم وثقافة المجتمع السوري ,المحفورة في ضمير الوطن,و التي ترسخت, من خلال موروثات قيمية, عربية المنبت, إسلامية الصقل والتشذيب, سماتها,العفة,والإباء, والأنفة, والعزة, والشهامة,والكرامة, والسمعة الحسنة, والحرص على المال العام, واحترام القانون ..............., فبل مؤهلاتها الشخصية.؟
كيف انقرضت هذه الطبقة؟, وكيف اندثرت ثقافتها,؟ وكيف غسل دماغ المواطن السوري؟, وأصبح المهرب, وتاجر المخدرات,والمرتشي, وسارق المال العام,وسماسرة القضاء, ومتعهدي الأمن والسجون ....... هم صفوة القوم,وعلى قمة الهرم الاجتماعي, والسياسي, وان لم يكونوا مكان احترام,فان المجتمع يعترف بهم كقادة, يقدمهم في المراكز المدنية والسياسية.ولا يستطيع منافستهم, أي مواطن ينتمي أصالة إلى ا لقيم الثقافية للمجتمع السوري .
هذا الجيل الذي تمحور حول قيادات متينة الأخلاق, وتوحد وطنيا خلال الحربين, على مقارعة الاستعمار, وتحقيق الاستقلال, من جبل الدروز, إلى جبل الزاوية, ومن تدمر إلى الساحل, ابن المدينة وابن الريف , وبكل تنوعاته الدينية والعرقية, كيف انقرض هذا الجيل؟ ....لا احد يطفو على السطح الاجتماعي و يحظى باحترام, أو يصعد إلى مركز من مراكز القرار , مالم يكن ابنا بارا لثقافة المجتمع وقيمه وأخلاقه. التي اتسمت بها كل القيادات, وكل المؤسسات السياسية والحزبية والاجتماعية ,ولا فرق في هذا من ينتمي للكتلة الوطنية, أو للحزب الشيوعي , أو لحزب الوفد المصري, آو للإخوان المسلمين,وكثيرا ما كان السجال ا لسياسي يتمحور حول اختراق احد القياديين الثقافة العامة للمجتمع , فتهمة رشوة أو استغلال منصب كفيلة بإسقاط وزارة , أو دخول رئيس الأركان السجن, وارى من المفيد, الحديث عن فضيحة السمنة عام1949 التي أدت إلى انقلاب حسني الزعيم في 30 آذار عام 1949,وملخصها أن شكري القوتلي,ورئيس الوزارة خالد العظم ,شما رائحة كريهة, تنبعث من احد المطابخ الميدانية, عندما كانا في جولة تفقدية للجبهة,وعندما علما أنها من السمنة قاما بنفسيهما, بقلي بيضة بهذه السمنة, فكانت نفس الرائحة الكريهة,فأمر شكري القوتلي, إلقاء القبض, على بطرس البستاني, وكان برتبة زعيم ,ومدير تموين الجيش, وعندما انتشر الخبر في أوساط الشعب, كان الطلبة , والشباب, يضعون أيديهم على أنوفهم لدى مرور, احد الضباط, فإهانة الجيش باتهام احد رموزه بالفساد والرشوة, إلى جانب تعرضه للهجوم في المجلس النيابي, من قبل النائب, فيصل العسلي,رئيس" الحزب التعاوني الاشتراكي",دفعت بالضابط الحلبي المربى الكردي الأصل "الزعيم"حسني الزعيم ,إلى انقلابه في 30 آذار عام 1949, لدفع تهمة الفساد عن الجيش , وسواء كان متورطا في صفقة السمنة, أو لقي تشجيعا من العراق الهاشمية, تبقى تهمة الفساد والرشوة , السبب الأهم والرئيسي لانقلاب حسني الزعيم يسانده الصديقين الحميمين لأكرم الحوراني,وربما بتحريض منه, الضابطين: بهيج الكلاس, وأديب الشيشكلي ,ليتكرر المشهد,وتصبح الانقلابات ,موضة سورية.
إن رصد التحولات الأخلاقية للمجتمع, ولفترة تاريخية, تحتاج إلى جهد وتفرغ ومصادر بحث, هي نادرة لهذه الفترة موضوع البحث, نظرا للهجوم الذي تعرضت له , والحملات التشهيرية التي تناولتها, وحجب الوثائق, وتزوير في الأحداث والتاريخ حتى قيل : أن الذين حاربوا المستعمر,إنما حاربوه, ليحلوا مكانه كمستعمرين.
وفي واقع الأمر إن فترة مابين الحرب العالمية الأولى, و قيام " ثورة" آذار, وفترة مقارعة الاستعمار في مصر حتى قيام ثورة عبد الناصر, تجربتين تحتاجا إلى وفقة نقدية ومراجعة لهاتين التجربتين, الديموقراطيتين لارتباطهما الوثيق, بمجريات الأحداث,التي تعصف بالمنطقة اليوم,سواء كان بوقف وسحق التجربة الديموقراطية,أ وببروز الأنظمة الشمولية -,بالوقت التي كانت فيه إسرائيل تفتتح أي حوار مع أمريكا أو الغرب," نحن الدولة الديموقراطية الوحيدة في المنطقة" , تماما كما نحن نبدأ الحديث بالبسملة-.
في مصر عندما قامت 22يوليو وبرز عبد الناصر , كانت مصر قد حسمت موقفها العربي,اثر نكبة فلسطين عام1936, وتحت ضغط الشارع ,الذي تتلمذ, على يدي محمد عبدو, وجمال الدين الافغاتي, ورفاعة الطهطاوي,ورغم ضبابية بين ماهو عروبي وما هو إسلامي , حصل علي ماهر. رئيس وزراء مصر, في مؤتمر لندن عام 1939,على اعتراف بريطاني ,بزعامة مصر للعرب, وبدعم ضمني من بريطانيا على دعم الوحدة العربية, وسواء كان هذا الدعم أو الاعتراف, لضرب النفوذ الفرنسي في المشرق العربي. أو لتسهيل السيطرة على العرب , من خلال زعامة واحدة,فان التيار العروبي الإسلامي في مصر,ودون أن يرقي للمفهوم الوحدوي, كما في سوريا والعراق, سيطر على الشارع المصري, الذي عبر عنه بوضوح حين ضربت دمشق عام 1925و برقة 1930.والخيار العربي في السياسة الخارجية المصرية, أجج الصراع, بين الملك فاروق, ورئيس حزب الوفد, مصطفى النحاس, في الأعلام والشارع, لزعامة العرب,وقد دفعت هذه المزايدات القومية, بين القصر والوفد والشارع, إلى تضمين بروتوكول الإسكندرية عام 1944, نقل القضية الفلسطينية, من قضية فلسطينية,إلى قضية عربية, وولادة الجامعة العربية عام 1945, المدعومة من بريطانيا -, والتي لم تر بها فرنسا سوى مؤامرة بريطانية لضرب نفوذها في الشرق العربي,- تحت الزعامة وربما الوصاية المصرية ,واستكان العرب للجامعة العربية , فقد امتصت هياج وصخب القوميين في سوريا والعراق ولبنان, رغم أن دستور الجامعة, أكد على عدم قيام أي وحدة اواتحاد ,بين العراق وسورية, أو الأردن وسوريا, أو تغيير في نظام الحكم,من الجمهوري إلى الملكي,وهذا بدد مخاوف السعودية ,من قيام سوريا الكبرى, أو حلف بغداد حلم الهاشميين,وأعدائها التقليديين, وهدأت حدة الصراع التقليدي والتاريخي, بين العراق ومصر,حيث اطمأنت مصر على عدم قيام أي دولة قوية ,تهدد نفوذها ,شرق المتوسط, وزعامتها للعرب. وأصبح ذلك من الثوابت ,في السياسة العربية
لذلك عندما جاء عبد الناصر, أبقى على هذه الثوابت,و لم يغير في البنية السياسية والاجتماعية,بل امتطى عربة النظام الملكي,التي كان يمتطيها, الملك فاروق, وعلى ماهر, ومصطفى النحاس, لكن بدون الملك وطربوشه وحاشيته, و بدون التجربة الديموقراطية, التي لم تعط بعد حقها في الدراسة والتحليل ,وركب عبد الناصر وقبعته العسكرية ونظامه الشمولي,وموجة الزعامة للوطن العربي, واعتمد خطابا ممنهجا,سيطر به على مشاعر وعواطف المواطن العربي, ضمنه أمال وأماني وهموم المرحلة, حتى أصبحت الكلمة هي الهد ف , والوعد حقيقة مطلقة, وغدا تحرير فلسطين, والوحدة العربية, وتحطيم الاستعمار, واقع غدا, إن لم يكن واقع في المتخيل الشعبي بالأمس . وبحق سيطر عبد الناصر بهذا الخطاب على الشارع العربي, وعلى قرار النظام الرسمي العربي
وما يهمنا في هذا البحث , أن عبد الناصر, لم يقم بتغير جزري, في البنية السياسية,والتركيبة الاجتماعية, بل اعتمد,على الكوادر المؤسساتية والإدارية والفكرية والمجتمعية,صاحبة التجربة والخبرة, في العهد السابق ,وتركها تعطي وتنقل تجربتها وخبرتها, للجيل المقبل , وبالتالي لم يحدث شرخ اجتماعي طبقي مصنع,و انقطاع ثقافي, وفراغ مؤسساتي, بين جيل وأخر يليه, ولم يزل من الوجود,جيل بأكمله مع ثقافته وتجربته, ليحل معه جيل جديد بلا تجربة ولا ثقافة, كما حدث في سوريا, بل اكتفى بإقصاء الملك وحاشيته, وهذا ما يفسر لنا اليوم, وجود معارضة متجزرة في المجتمع المصري, تناضل في الشارع, قارعت الاستعمار بالأمس, واليوم تحمل راية التغيير, وتنتزع المواطنة, وتؤسس للديموقراطية,وهو تواصل اجتماعي ثقافي بين الماضي والحاضر.وتجزر وطني في الحياة المصرية. وفي سوريا, لم يسمع عبد الناصر إلى الأصوات,التي نادت باجتذاذ,وتغير جذري في بنية المجتمع وثقافته, واجتزاز العهد الوطني,من جذوره, وتصنيع وفبركة صراع طبقي, هو أصلا غير موجود,فالشعب السوري, وحدة وطنية, تكاتف وتعاطد في الريف والمدينة, حول هدف واحد ,هو تحرير الوطن,من المستعمر, وتحقيق الاستقلال, وهو ما عرف بالوطنية,وهو اليوم يتخلى عن السلطة لعبد الناصر, والسيادة لصالح الوحدة, لذلك دعم عبد الناصر المؤسسات العسكرية والمدنية القائمة, المعتزة بوطنيتها وقوميتها, بل أسس كوادره وفق ثقافة المجتمع السوري,التي رأى فيها مصداقية بالقول, و تضحيات بالفعل والممارسة ,ورغم مصداقية الرموز الوطنية التي اعتمدها عبد الناصر, والتي تميزت باندفاعاتها القومية, ومتانة أخلاقها ونزاهتها, وتربيتها الديموقراطية, إلا أن الخطأ الكبير الذي ارتكبه عبد الناصر,هو تهميش هذه الرموز, وتحويلها إلى هتافين ومصفقين, ومطبلين, وإلغاء أي دور لهم في صنع القرار, واعتماده على الأجهزة الأمنية, ومحاصرة الرأي , وكبت الحريات, وذلك كله مناف جملة وتفصيلا للحياة السورية الذي اعتادوها,ومن زمن غير بعيد, ودخل على الخط بعض الانتهازيين, وبعض" الذين خرجوا من المولد بلا حمص" ولعبوا بالماء العكر , ويؤطر ذلك كله ضبابية مفهوم الوحدة,فهو لم يرق عند المصريين إلى النظرية السياسية كما هو عند السوريين, بل بقيت في حدود الأخوة الإسلامية و العاطفة, وتعاضدت كل تلك العوامل مجتمعة على الوحدة, التجربة الأولى في العصر الحديث, وحدث الانفصال, وعاد الشعب السوري إلى الحياة الديموقراطية, واللعبة البرلمانية, حتى حدثت "ثورة" آذار.
وفي الثامن من آذار, تم تغيير جزري وشامل في الحياة السياسية والاجتماعية,كانت انتقاما طبقيا,لم ينمو في المجتمع ,بل أقحم هذا المصطلح إلى الوحدة الوطنية, وسرح من الجيش والمؤسسات السياسية ولاقتصادية والاجتماعية, كل الكوادر الفنية وصاحبة التجربة, تحت مسميات كثيرة من رجعيين وأذناب استعمار وإقطاعيين , وشيوعيين وقوميين سوريين وإخوان المسلمين ...... والقائمة طويلة, ولم يبقى إلا كل هتاف عتيد ومصفق ثوري, ودفنت تجربة بلا وارث إلا في بنين وأحفاد, ضاقت بهم سبل العيش , وأذلتهم الغربة في الوطن, هاجر بعضهم ولم يعد, والبعض الأخر راح يبحث عن مواطنته في تنظيمات محظورة ,فخسر مواطنته وحياته,وكأن أمه لم تلده,أو ولدته ولم تراه.
والى متى سيمنع أولادي وأحفادي من بعدي دخول الكلية الحربية,والعمل السياسي, وحق الوظيفة, ويصبحوا أمناء على هذا الوطن,ويضحون كما ضحى إباءهم وأجدادهم في سبيل الاستقلال؟؟؟؟
متى سيرى الدمشقي, تمثال الفلاح في" السبع بحرات", رمزا للعطاء, وقدوة للكدح, ووفرة للغذاء,وعنوان وحدة وطنية,؟
متى ستصبح الوظيفة , في متناول الجميع,والعمل السياسي لكل المواطنين ؟
وتعم المنفعة كل...كل الفلاحين
اسامه الدندشي
ossama-aldandashi@hotmail.com
22\4\2006