المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : محطات شمالية "نبش في حطام الذاكرة"



طرقي الشمال
17-05-2007, 01:13
أحاول أن أحدد ما هو الشمال ؟ فشمال مكان (ما) هو أقصى جنوب مكان يقع دونه.

(استمروا في القراءة ستتحسن الأمور بعد قليل). بالتأكيد أن الشمال هو المنطقة التي تقع شمال المنتصف، وإذا كان منتصف المملكة هو وسط نجد .. فإن ما فوق وسط نجد هو الشمال. (لن أدخل في تفاصيل المعجم الجغرافي).

ستستغربون لو قلت لكم أني بدأت هذا المقال ولم أذكر متى كانت أول مرة وطأت فيها الشمال .. ولكني تذكرت بعد السطر الأول ... في الحقيقة لم تطأ قدماي .. ولكن عجلات الطائرة لامست تلك الأرض المفعمة، كنت أسافر على متنها، طفلاً فوق العاشرةا، في أواسط التسعينات الهجرية متنقلاً بين مدينتين إحداهما في وسط المملكة والأخرى في غربها، وحدي دون العائلة، هبطت الطائرة في مطار حائل لتبديل الركاب. كانت مروحية وليست نفاثة، لا أذكر من ضيافتها إلا حلوى ملونة في سلة صغيرة، وأذكر جيداً أن المدرج كان ترابياً (بالتأكيد أني الآن في أول الأربعين) ولكن المدهش أني أحببت تلك الوهاد التي تحيط بالمطار منذ أول وهلة .. يداهمني إحساس بالعلو والاقتراب من السماء حين أكون في اللشمال.. هو شعور نفسي بالتأكيد.

من تلك اللحظة أحببت الشمال، وكنت أردد بيني وبين أصدقائي ..مقولة لا أعلم مدى صحتها .. (حتى البعير إذا تاه اتجه للشمال) .. في الملاحة عموماً (علم له تماس كامل مع الخرائط)، تكون الخرائط متجهة للشمال.

بوصلتي تتجه إلى الشمال ..

ومنذ 17 عاماً زرت الشمال ما لايقل عن 20 مرة وأقمت في مدينة شمال غربية لمدة تقارب العام والنصف.

سأحاول أن أتذكر .. أن انبش ذاكرة متداعية كحطام عريش جريد نخل.

لا أعلم ماذا سأجد ..!؟ أو ما ذا سأحقق ...!؟


يتبع


----------------
تهقون الموضوع راح يبقى هنا أو يطير إلى خانة أخرى؟

سيدة القـــــلم
19-05-2007, 01:48
المُوْضُوع بَقَى هُنَا ..


لانَهُ يَسْتَحِق " البَقَاء ".. والثَنَاء ..




نَنْتَظِر ان تَنُش وتنْتَقِش مِنْ الذَاْكِرة مَاْ يُمْتِعنَاْ













شُكْرَاً لَكroooose



كُنْ بِخِيرْ









.









.










.

طرقي الشمال
19-05-2007, 02:10
المُوْضُوع بَقَى هُنَا ..


لانَهُ يَسْتَحِق " البَقَاء ".. والثَنَاء ..




نَنْتَظِر ان تَنُش وتنْتَقِش مِنْ الذَاْكِرة مَاْ يُمْتِعنَاْ













شُكْرَاً لَكroooose



كُنْ بِخِيرْ









.









.










.




جميلُ ياسيدة القلم أن تمهرين بحروفك هنا ... سأُكمل من أجل الشمال.


تمنياتي

طرقي الشمال
20-05-2007, 01:53
بعد تلك الرحلة المرتمية في قاع الذاكرة إلى حائل، وجدت في منتصف الثمانينات أن قرار تعييني – صدر على غير هواي – في مدينة شمالية غربية بعيدة (تبوك يابِعْد أمك وأبوك)، كنت في أوائل العشرين، خريجاً مدججاً بفورة الشباب والطموح في مرحلة كان فيها الأفق لازال متاحاً للتحليق. تقوقعت مابين السكن والعمل وسوق (أسترا) بكشك في مقدمته يبيع عصيرات طازجة. ومروراً خجولاً إلى أسواق تبوك للظفر برؤية خيال أنثى. مجال العمل يتيح لي الوصول إلى الشاطئ، سلاسل الجبال، وثنايا الأودية، هناك صمت لم أفك كنهه، كنوز قال عنها فيلبي "متحف حضارات لم يكتشف".

في ليال طويلة كان رفيقي كتاب أو طابور نمل. أذكر أني كنت أضع له بعض فتات الحلوى كي أراقب ردود أفعاله مبدداً الوحدة.

في الشتاء كانت الشمس تشرق الساعة السابعة إلا ربع صباحاً، وفي الصيف كانت تغرب الثامنة إلا ثلث مساءً. ملاذنا خيمة نجلس فيها ليلاً في منادمات لا أطيل فيها.

لم يكن السفر متاحاً إلى الخارج القريب، فصار ملاذي الوحيد رحلة بالطائرة تمتد ساعات يتم تغيير الطائرة فيها في مطار آخر، حتى أصل إلى وجهتي. مايدهش في تبوك هو هاجس التاريخ والجغرافيا. الرومان والأنباط عبروا من هنا، العثمانيون، وطبيعة الجبال المتلونة بين حجر الرمل، الغرانيت والبركاني تجعلك تقرأ انعكاسها على ذاتك.

في الأطراف أنت بعيد عن المركز، بعيد عن التوتر ومماحكات التنافس، تتخمر شخصيتك على مهلها، فإيقاع الحياة هنا متهادن جداً، وتعامل البشر معك - أنت القادم من الوسط - مشوبٌ باحترام غامض. يعكر صفوك تلك الثقافة الأبدية البائسة في التعصب البدائي (لجهة) بين زملائك في العمل. رغم التعود عليها وتركها خلف الكتف إلا أن لها اثراً إيجابياً وحيداً، في تحفيزك كي ترفع حملاً أعلى من وزنك بعض الشيء، هذا مايسمى الفارق الصغير الذي لايتأتى إلا بجهد هائل، هو (إبن الكـ(لـ)ب الملعون) الذي يصنع الفرق. عندما يتوقف من يركض معك وبعدها بثانية واحدة تقف منتصراً.(هل أنا أوحي بنصر ؟) .. لا أظن ! إنما حديث عن فكرة مراحل الإنجاز الصغيرة والمتراكمة، التحايل على الزمن الضائع بين ثناياها، أو ليكن الزمن المستعاد في دورة هي عمرنا وهو يرسوا بك إلى ساحل النضج في هزيع الشباب.

أجمل حيلة يمكن أن تجعلها تنطلي على ذاتك هي حكاية السيمرغ، تمثّل تلك الحكاية التي ترجمها "فيتزجرالد" نقلاً عن الشاعر الفارسي فريد الدين العطار الذي عاش قبل ألف عام تقريباً.... "تهبُُّ الطيور مهاجرة للبحث عن ملكها الطائر العظيم "السيمرغ"، خلف جبل (قاف) . تعبر الأهوال، الثلوج والأنواء، وقد كانت أودية الطريق هي: وادي الطلب، وادي العشق، وادي المعرفة، وادي الاستغناء، وادي التوحيد، وادي الحيرة، وأخيراً وادى الفقر والغناء. وإلى أن قطعت الطيور أودية الطريق السبعة كان قد فنى معظمها، فلم يصل منها غير ثلاثين طائراً وعندما نظر الثلاثون طائراً إلى السيمرغ، كان هو نفسه الثلاثين طيراً، وحينما نظروا إلى أنفسهم كانو هم أنفسهم السيمرغ".

كما تقول الروائية "كاظمية المطلق" ... "في كل واحد منا ذلك الطائر الذهبي الساكن في الأعماق الداخلية، في ذات مهملة ومنسية، هامشية وشائبة".

نُهرق ذواتنا في البحث عن أمل بعيد ومثالي أو عن كيان ينتشلنا، وذلك الطائر قريب هنا، يتقاسم معنا دورتنا الدموية (ذواتنا الفذة). ليس هذا فحسب؛ بل صدمات الرحلة وتجاربها هي مايصنع الكائن فينا، وليس الوصول إلا حبة رمل في خط لانهائي!.

غادرت تبوك وعدت بعد سنين مع أصدقاء في رحلة برية، وبالكاد وجدت سوق (أسترا) فاشتريت نفس العصير الطازج المعبأ بحاوية بلاستيكية مستطيلة لم تغيرها السنين!.


يتبع

طرقي الشمال
28-05-2007, 23:46
كيف لي أن أبحث عن نقطة أخرى في الشمال ؟
أول ما يبارد إلى وعيي تلك الوهاد بين الجوف وطبرجل، سهول الطمي، وكثبان الرمل المتفرقة بينها، أرأيتم كيف تسلل الزيتون إلى هناك، تلك كانت رحلة أخرى ...

غادرت عملي في تبوك بعد سنة ونصف خضبتها أحداث وذكريات حُفرت في وجداني إلى الأبد ... ليس ذلك فقط !! .زميلان رحلا عن عالمنا في حوادث عمل بقيت ذكرى رمادية. كان عملاً مهنياً مضنياً، لذيذاً، وفي الآن ذاته فراق محب.

بعد خمس سنوات، وصلت إلى حرة عويرض المطلة على العلا، يومان وكنا نعاني كي نعبر تلك الأرض المحمية المدهشة، حجارة بركانية كأكباد الإبل، نقاء وتمنع فطري لايماثله أي مكان آخر في الشمال، ضباء حائرة جفولة لم نشأ أصديادها، وبضعة محاولات أثمرت عن صيد صغير استطعمنا فيه كل نبتة شهية في الحرة.

ثلاثة أيام من الانغماس في الحرة، كشفت عن متاهة وددت أن أمكث فيها إلى مالا نهاية، حجارة ملونة، آبار عميقة بطعم المطر، صمت أشبه بسيمفونية الريح الحنون.

بعد عشرة أيام توجهنا إلى الغرب نحو حائل وتبعثر روحيٍ بين اعيرف وأسواق البادية ... حملنا ما خف وزنه وغلا ثمنه وقفلنا عائدين إلى وسط نجد .. منتشين أن نعود من أجل حلمٍ شماليٍ قادم.


يتبع