مشاهدة النسخة كاملة : يوم الغضب هل بدأ بانتفاضة رجب؟ الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي
بدر بن عبدالمحسن
07-04-2007, 13:00
المقدمـــة
الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي
من كتاب: يوم الغضب هل بدأ بانتفاضة رجب؟
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فهذا الكتيب يحوي بشرى للمستضعفين في الأرض المحتلة خاصة وللمسلمين عامة.
ولكنه لم يكتب ليبشرهم؛ فإن في كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المبشرات الكثير، وما عدا ذلك منـها له حدوده وضوابطه، فالمضمون إذن لا يؤسس عقيدة للمسلمين - كما قد يظن بعض القراء من أهل الكتاب والمسلمين وغيرهم- وإنما كتب ليختطّ أسلوباً في التعامل مع الأسس الفكرية لعدو الإنسانية اللدود "الصهيونية - بوجهيها: اليهودي، والأصولي النصراني- "ذلك العدو الذي أشغل الدنيا، وملأ الفضاء والورق بالحديث عن النبوءات الكتابية -لاسيما بعد الانتفاضة الأخيرة- .
ودراسة النبوءات هي أحد مواد البحث في الدراسات المستقبلية، إلا أن النبوءات كالأفكار منها الصحيح، ومنها الزائف، ومن حق القارئ العالمي أن يجد الرأي الآخر في هذا الموضوع الخطير، ومن حق القارئ المسلم أن يطالب باستدعاء الاحتياطي في هذه المعركة الطويلة الشرسة، والاحتياطي هنا هو الدراسة الموضوعية للأصول العقدية للعدو ولنفسيته وسلوكه، من خلال مصادره وتراثه التي هي عماد روحه المعنوي وإيمانه بقضيته.
وحين نفعل ذلك فإننا في - الحقيقة - لا نأتي بجديد، وإنما هو امتثال للمنهج القرآني الذي علَّمنا الرجوع إلى المصادر الكتابية؛ لإقامة الحجة وإلزام المفتري: قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [آل عمران:93] .
مثلما علَّمنا أنهم كتموا الحق وألبسوه بالباطل وهم يعلمون.
وإذا كانت عدالة القضية هي أساس الروح المعنوية للمقاتل، فإن التوراة لا تدل فحسب على أن قضية الجندي الصهيوني غير عادلة، بل تدل على أن من الواجب عليه أن يقاتل في الصف المقابل، كما تفرض على المستوطن أن يعلم أن قدومه إلى هذه الأرض إنما هو لاستنـزال عقوبة الله وإحلال غضبه عليه، فلا أقل من أن يرحل! وإن كان الأحب إلينا أن يهتدي لنور الله، ويصبح أخاً لنا في الإسلام الذي هو ملة إبراهيم عليه السلام، ويشاركنا نعمة الإيمان بكل كتب الله ورسله، بلا تفريق بين أحد منهم.
ولا ينبغي أن ينتظر (يوم الغضب) لكي يرحل أو يؤمن، فربما ضاعت الفرصة العظمى قبل ذلك اليوم أو فيه.
إنني أنصح كل يهودي في أرضنا المحتلة ألا يدع التوراة حكراً على محترفي الكهانة، الذين يحصلون على إعفاء مجاني من الخدمة العسكرية، بينما هو يقدم نفسه من أجلها وأجلهم.
إنني أنصحه أن يقرأها ولكن بعقله ووعيه لا بشروحاتهم وتأويلاتهم، وسيرى الحقيقة التي لابد للعالم كله أن يراها عما قريب!!
وليعلم أنه مهما اعتدى علينا، وقتل أطفالنا، وأحرق مزارعنا، وأفسد علينا حياتنا، فإننا لن نعامله إلا بما شرع الله لا بما تشتهي أنفسنا، وأننا لا نريد لـه ولا لأحد من البشر إلا الفوز برضى الله والسعادة في الدنيا والآخرة.
أما الحساب الكامل والقصاص العادل، فإنما يكون يوم القيامة بين يدي الله الذي سيحاسبنا جميعاً على ما عملنا من خير أو شر، وهناك لا تنفع الدعاوى: لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً [النساء:123].
إنها كلمة سواء نلتزم بها من طرف واحد، ونأمل أن يكون لدى الطرف الآخر من الشجاعة ما يجعله يلتزم بها أو يحاول...
المؤلف
سبب تأليف الرسالة
فهذه رسالة من سفر بن عبد الرحمن الحوالي إلى أصحاب الفضيلة والسماحة هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية وعلى رأسهم سماحة الوالد الجليل الشيخ عبد العزيز بن باز حفظهم الله جميعاً آمين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فغيُر خافٍ عليكم ما نزل بأمة الإِسلام من فاجعة وكارثة لن ينساها التاريخ إلى قيام الساعة، تلك التي ابتدأت ظاهراً بغزو الجيش البعثي العراقي للكويت ، ثم تداعي أمم الغرب النصرانية وتوابعها على المنطقة جميعها، وإنزال عشرات ألوف من الجيش الأمريكي وغيره في الرياض وجدة والطائف وينبع وعسير -فضلاً عن المنطقة الشرقية والشمالية- وتطويق المنافذ البحرية لـجزيرة العرب جميعها بذريعة الحصار الاقتصادي للعراق .
وقد هالني هذا الأمر؛ كما هالَ كل مؤمن لا سيما والحق أنني كنت أتوقع شيئاً من هذا منذ قيام ما سمي "الوفاق الدولي بين الشرق والغرب"، واتحاد أوروبا الصليبية تحت راية واحدة، وحذرت منه في أكثر من محاضرة متمثلاً بحديث زينب بنت جحش رضي الله عنها في الصحيحين : {لا إله إلا الله، ويلّ للعرب من شر قد اقترب }.
ثم جاءت المصيبة أكبر مما توقعتُ وأعظم مما أنذرتُ، وأحسب أن جزيرة العرب منذ أن خلق الله صحراءها، وحَفَّها ببحارها لم يَدْهَمْهَا مثل هذا البلاء قط، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وقد عرضت رأيي في الأحداث وأسبابها وعلاجها على بعض إخواني من طلبة العلم في أكثر من لقاء، فكان له آثار مختلفة، وكانت الأحداث تتوالى والبيانات تصدر، وردود الفعل تضطرب، وقد كانت هذه الأحــداث هي الشغل الشاغل، ومثار الجدل، واختلاف الرأي بين الناس عامتهم وخاصتهم، وخاصة طلبة العلم الذين انقسموا فريقين. لكل منهما رأيه:
أصحاب الرأي الأول أمام الأحداث
أن الأحداث كلها جدت بصورة عفوية، فالعالم كله فوجئ في يوم الغزو، وفوجئت المملكة بحشود عراقية، فطلبت النجدة من الدول العربية والغربية لحماية أمنها، فجاءت تلك الدول استجابة لذلك الطلب، وسيرحلون فور انتهاء الأزمة، ووجودهم لا يتعدى الضرورة المؤقتة، وسوف تعود الأمور على ما كانت عليه من قبل.
و طبيعي أن أصحاب هذا الرأي لم يكن لهم اعتراض أو تحفظ على القرارات والمواقف الرسمية.
و لما سمعوا الرأي الآخر بادروا إلى معارضته وتخطئته مستعينين ببعض أقوال الفقهاء والعلماء قديماً وحديثاً في مسألة الاستعانة بالكفار.
الرأي الآخر
أن الأحداث في جملتها نتيجة لمخططات قديمة، الغرب له مخططاته، والبعثيون لهم مخططاتهم، ودول مجلس التعاون لها مواقفها وحساباتها وكذلك الأطراف الأخرى، وأنه منذ الوفاق الدولي وانهيار المعسكر الشرقي، كان متوقعاً حدوث تطور خطير في الشرق الأوسط على تفاوت بين المحللين في ماهية هذا التطور وعواقبه؛ فكانت هذه الأحداث.
خلاصة المقدمة
والخلاصة أن هذا الرأي في الجملة مناقض للرأي الأول، وأن أصحابه يعترفون أو يتحفظون تجاه المواقف والقرارات المتخذة...!! ويرون القضية خارجة عن دائرة الخلاف الفقهي في مسألة الاستعانة، وأن الواجب على الأمة أن تعرف الواقع على حقيقته، وأن تواجه التحدي بالقوة المستطاعة، وأن تحسب لكل احتمالٍِ حسابه، وتقدر الضرورة بقدرها، وأن هذا خير من التكتم والتعتيم وتخدير المشاعر إلى أن تقع في هاوية لا يعلم قرارها إلا الله.
لا سيما وقد جاء على لسان أكثر من مسئول في هذه البلاد وغيرها أن المنطقة دخلت في نفق مظلم لا يعلم نهايته إلا الله وحقاً نطق، فقد كنا نظن أن الأمة قد استقرت في القاع، وأنه ليس وراء واقعها من سقوط، فإذا بهذا القاع السحيق يفتح فَاهُ لتدخل في نفق عميق ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ولما كنت من أصحاب الرأي الأخير، وأعلنته أمام عدد من الدعاة والمشايخ، وحدث له ما حدث من اعتراضات وردود فعل وتفسيراتٍ خطأ "مع ما له من تأييد واسع النطاق لدى الخاصة والعامة".
وبناءً على ما تم بيني وبين سمو نائب وزير الداخلية من جهة وبين سماحتكم وسمو الوزير من جهة أخرى من اتفاق على المباحثة مع سماحتكم وأعضاء الهيئة في هذا الأمر، والخروج بالنتيجة المناسبة التي تبرئ الذمة ويكون فيها النصّح للأمة، وأن في إمكاني تقديم أي نصح مباشر أو بواسطة سماحتكم؛ كتبت لكم وجهة نظري هذه، راجياً أن تنال اهتمام الجميع، وما كان فيها من صواب يُؤَيَّدُ ويُبَلَّغُ منكم وباسمكم للحكومة، وما كان من خطأ فأنتم خير مَنْ يردُّني عنه، وأكرر رجائي بالاهتمام بالأمر، فهي قضية لها ما بعدها، وسوف يسألنا الله تعالى عنها وتحاسبنا الأجيال من بعد عليها!! وهي عبارة عن عرض موجز لجذور الأزمة ثم عرض مسهب للمخططات الدولية التي أخرجتها، وبعض الاقتراحات.
سفر بن عبد الرحمن الحوالي
أول خلاف في الملة
والخلاف في مسألة الإيمان -مع كونه أول خلاف في الملة- ظل من أعظم قضايا الخلاف بين هذه الأمة في عصورها كلها، وفي مطلع العصر الحديث أصبحت أعظم القضايا التي تشغل بال هذه الأمة، وذلك منذ أن ظهرت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله التي أعادت الحنيفية جذعة نقية.
فقد أطبق أعداء السنة على أنها دعوة خارجية وفكرة حرورية لأنها -بزعمهم- تكفر المسلمين، وما كفرت مسلماً قط، وإنما كفرت المشركين وحاربت المارقين.
ومهما يكن من أمر فقد أحدثت هذه الدعوة المباركة صدىً عالمياً كبيراً اضطر مخالفها إلى إعادة النظر في حقيقة الإيمان والكفر والشرك والتوحيد.
ثم كانت موجة الحملات الصليبية الأخيرة -الاستعمار- وفتنة الحضارة الغربية الجاهلية، فذهلت الأمة عن دينها ونسيت انتماءها حتى شاء الله -تعالى- أن تخرج من بقايا دعوة الشيخ أو من أصدائها دعوات وحركات تنادي بالإسلام من جديد.
وفي العقود الأخيرة خاصة ظهرت بواكير عودة صادقة إلى الإسلام الكامل، والتخلص من آثار الغزو الحضاري الكافر وتمثل ذلك في شباب فتحوا أعينهم على أمة منهارة متطاحنة تعاني أمراضاً مزمنة في كل منحى ومجال.
أمة ترضى من دينها بالانتساب الاسمي بلا عمل ولا جهاد ولا دعوة، وتلقي مسئولية كل عجز ومرض وتخلف وذل على تخطيط الأعداء ومؤامرات الاستعمار.
ثم وقعت في السنوات الأخيرة أحداث كبرى على الساحة الإسلامية أثبتت الفراغ العقدي الهائل الذي يسيطر على الأمة، والفوضى الرهيبة التي يعاني منها الشباب في التصورات والسلوك.
لقد استطعنا -نحن شباب الإسلام- أن نكسر طوق الولاء المطلق للغرب، وأن نرفض حضارته الزائفة إلى حد لا بأس به، وعرفنا الكثير من عدونا وخططه ومؤامراته، لكننا حتى الآن لم نعرف حقيقة من نحن، وفي أي طريق نسير.
نردد: إنا مسلمون، وفي طريق الإسلام نسير.. ولكن أقدامنا تصطدم بصخور وركام أنتجتها قرون طويلة من الضلالات والانحرافات.
وعلينا لكي نرتقي بأنفسنا وأمتنا أن نجتاز عقبة شائكة يعترضها ثلاث وسبعون طريقاً , الطريق المنجي منها طريق واحد فقط وما عداه مهلكة، وهذا الطريق الوحيد هو منهج أهل السنة والجماعة الذي نجزم عن دين ويقين أنه منهج الفرقة الناجية الذي لا يقبل الله سواه.
وإن تعجب فاعجب لكون النظرة الغالبة على كثير من شباب الدعوة الإسلامية اليوم هي أن عقيدة أهل السنة والجماعة لا تعدو أن تكون تصورات نظرية صحيحة لعالم الغيب وقضايا الاعتقاد، وليست -مع ذلك- منهجاً للدعوة والإصلاح والتغيير!!
ويجب أن نعترف بأن السبب في هذا الفهم القاصر هو حملة هذه العقيدة -قبل كل شيء- الذين لم يوضحوا معالمها ويكشفوا عن كمالها الذي هو حقيقة كمال الإسلام نفسه.
ولهذا رأيت من واجبي -وقد وفقني الله لأن أتربى على هذه العقيدة وأعرف حقيقتها العلمية وأتمثل منهجها العملي مستوحى من سيرة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووقائع الدعوات التجديدية السنية- أن أسخر حياتي العلمية لهذا الأمر العظيم.
وقد بدأت ذلك برسالة التخصص الأولى.. التي كان موضوعها: العلمانية نشأتها وتطورها وآثارها في الحياة الإسلامية ثم ثنيت بهذه الرسالة لنيل درجة التخصص العليا، فكانت الأولى تعالج فصل الدين عن الحياة، والأخرى تعالج فصل الإيمان عن العمل، كلتاهما على ضوء هذه العقيدة , ومن هنا كانتا تعبران عن قضية واحدة وإن تباعد موضوعاهما ظاهراً.
وقد كانت الأولى بلا ريب طريقاً للأخرى؛ فمن خلال الدراسة لأسباب العلمانية الطاغية على الحياة الإسلامية المعاصرة رأيت رأي العين أن سبب كل انحراف وذل وهزيمة وفرقة في حياتنا، لا يزيد عن شيء واحد هو البعد عن منهج أهل السنة والجماعة في العقيدة والسلوك وسبيل الإصلاح.
المباحث التي اشتملت عليها الرسالة
وانطلاقاً من ذلك كان منهجي في هذه الرسالة يقوم على ثلاثة أسس:
* الأول: دراسة الإرجاء على أنه ظاهرة فكرية لا فرقة تاريخية .
والفرق بين هذين كبير جداً في طبيعة البحث وفي آثاره ونتائجه؛ فحين نبحث الإرجاء على أنه فرقة من الفرق التي طواها التاريخ فإن من أهم ما يفوتنا هو معرفة حقيقة واقعنا المعاصر الذي يسيطر عليه الفكر الإرجائي، وحينئذ لا يزيد البحث عن كونه عملاً أكاديمياً يضاف إلى مجموعة المؤلفات التي تتحدث عن تاريخ الفرق وآرائها.
أما حين نبحثه على أنه ظاهرة فكرية نشأت ثم تطورت إلى واقع ضخم يواجه كل دعوة تجديدية، ونفسر بها كثيراً من أسباب التخاذل والتردي الذي تعاني منه الأمة عامة والدعوة خاصة، فإن النتائج الإيجابية لذلك ستنهال علينا من كل جانب، وحسبنا إن لم نعط القضية حقها أن نثيرها ونبعثها ونخطو في سبيلها ما استطعنا، ثم الله يهيئ لها ما يشاء.
ومن هنا انصب الاهتمام على ركن العمل وضرورته للإيمان والدعوة وكيف تخلت الأمة عنه مكتفية من الإيمان بالاسم والإقرار.
وهنا لا بد من بيان حقيقة مهمة كان لها أثرها البالغ في منهج البحث وهي: أن الإرجاء لم يكن -في الأصل- دعوة واعية مقصودة لترك العمل والتفلت من الطاعات، وإنما كان تفسيراً ضالاً لحقيقة الإيمان أنتجته أسباب تاريخية شرحناها في موضعها.
ولكن الأمة وهي تتراخى عن العمل بالتدريج، وتنفلت من الواجبات، وتنحدر عن قمة الامتثال رويداً رويداً كانت تجد في الإرجاء تفسيراً مريحاً يبرر لها تراخيها وتفريطها -وهذه حقيقة نفسية معروفة- فكل ما انحسر عنه العمل واقعياً ستره ثوب الإرجاء الواسع نظرياً.
ولهذا لم يكن المرجئة القدماء بحاجة إلى أكثر من كشف شبهاتهم النظرية، وردهم بالدليل العلمي الصريح.
ولكن الحال تغير بعد انتشار الظاهرة وسيطرتها؛ إذ أصبحت الأمة في القرون الأخيرة تتبنى الإرجاء عقيدة ومنهجاً، وتعد مخالفه خارجاً مارقاً، وتضبط دينها وأحكام إيمانها بأصوله وقواعده.
فصارت تعتقد أن التصديق القلبي المجرد من قول اللسان وعمل الأركان هو حقيقة الإيمان الذي أنزل به الله الكتب وبعث به الرسل وجعله مناط النجاة من عذابه في الآخرة، وتبني على ذلك لوازم وأحكاماً، أهونها تخطئة السلف في إجماعهم على أنه قول وعمل، وعدم تكفير طوائف من المرتدين.
وأصبح معنى كون الصلاة والزكاة والصيام والحج أركاناً للإسلام هو اعتقاد وجوبها والإقرار به وإن لم يعمل من ذلك شيئاً.
ونحو ذلك مما يستغربه الناظر أول وهلة، ثم يتأمل فإذا هو عندهم حقيقة واقعة.
والأدهى من ذلك أن تقوم بعض اتجاهات الدعوة الإسلامية -التي عملها وغرضها في الأصل إعادة الناس إلى حقيقة الإيمان اعتقاداً وعملاً- على هذا الفكر العقيم وتتبناه وتدعوا إليه، كما سنبينه في الفقرة التالية.
من هنا كان لا بد من تغيير منهج العرض والمناقشة لقضية الإيمان وعلاقته بالعمل والدعوة بانتهاج منهج يجمع بين الدليل العلمي النظري من النصوص وكلام السلف ، وبين الدليل الواقعي المحسوس من سيرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحقيقة النفس البشرية ذاتها.
وإيضاحاً لذلك نقارن بين نص من كلام أحد رءوس المرجئة في مرحلة تأسيس الإرجاء، وبين ما يكتبه بعض الدعاة المعاصرين:
يقول عمر بن ذر الهمداني [1] أحد رءوس المرجئة ، وابن ذر بن عبد الله الهمداني الذي قال عنه الإمام أحمد : إنه أول من تكلم في الإرجاء: 'لما رأى العابدون الليل قد هجم عليهم ونظروا إلى أهل السآمة والغفلة قد سكنوا إلى فرشهم ورجعوا إلى ملاذهم من الضجعة والنوم، قاموا إلى الله فرحين مستبشرين بما قد وهب لهم من حسن عبادة السهر وطول التهجد، فاستقبلوا الليل بأبدانهم، وباشروا ظلماته بصفاح وجوههم، فانقضى عنهم الليل وما انقضت لذتهم من التلاوة، ولا ملت أبدانهم من طول العبادة، فأصبح الفريقان وقد ولَّى عنهم الليل بربح وغبن .
أصبح هؤلاء قد ملَّوا النوم والراحة، وأصبح هؤلاء متطلعين إلى مجيء الليل للعبادة شتان بين الفريقين .
فاعملوا لأنفسكم -رحمكم الله- في هذا الليل وسواده، فإن المغبون من غبن خير الليل والنهار، والمحروم من حرم خيرهما، وإنما جعلا سبيلاً للمؤمنين إلى طاعة ربهم، ووبالاً على الآخرين للغفلة عن أنفسهم، فأحيوا لله أنفسكم بذكره، فإنما تحيا القلوب بذكر الله.
كم من قائم في هذا الليل قد اغتبط بقيامه في حضرته، وكم من نائم في هذا الليل قد ندم على طول نومه عندما يرى من كرامة الله -عز وجل- للعابدين غداً، فاغتنموا ممر الساعات والليالي والأيام رحمكم الله'[2] .
فهذا الرجل كان يقول: الإيمان هو الاعتقاد والإقرار فقط، لكن هل يتصور منه أن يقول: إن مجرد التصديق القلبي دون قول ولا عمل كاف في النجاة عند الله، أم إن القضية عنده شبهة نظرية مجردة لم يكن لها أي مدلول واقعي إلا الهروب من تكفير صاحب المعصية الذي وقعت فيه الخوارج ؟
غير أن هذا القول نفسه قاله بعض الدعاة المعاصرين امتداداً لظاهرة الإرجاء العامة، وقد ذكرنا كلامهم في موضعه.
* الثاني: معالجة واقع الدعوة الإسلامية المعاصرة، فالمشاهد اليوم أن أصحاب الدعوة ينقسمون غالباً فريقين، وكل فريق تتوزعه فرق وآراء واجتهادات:
- أحدهما: فطن إلى أصل القضية ومكمن الداء فأراد أن يصحح الأصول، ويجلي بدهيات الدين، ويربط ذلك بالعمل وضرورته، لكنه سلك في سبيل ذلك حرفة عقيمة في الفهم، وإشارة موغلة في الغلو، ظاناً أن هذا هو منهج العزيمة والاستقامة، فوقع في طامة التكفير أعني: تكفير أعيان عوام المسلمين من المخالفين.
وهكذا نفر من بدعة ليقع في بدعة شر منها، وسد على نفسه منافذ الاتصال بالناس، وإيصال الحق لقلوبهم، فتحولت دعوته إلى نظرة عقيمة تتآكل كل يوم، وتفرز بدعاً جديدة، واستتبع ذلك انحرافاً خطيراً في منهج التلقي والاستمداد، حيث وضعت أصول ومعايير لا تقل شراً وخطراً عن شرائع الطواغيت الوضعية.
- والآخر: انطلق في دعوته بدون منهج واضح ولا تصور اعتقادي متكامل، فلم يتناول الأمر بالتأصيل العلمي بل بالتهويش العاطفي، فكان أن واجهه أصحاب الفريق الأول بأصول وقواعد لا يملك مثلها ولا يستطيع ردها، فهرب من التكفير إلى التبرير، وأخذ يسند هذا الواقع المنحرف ويؤصله بنظريات بدعية، ووجد في مذهب المرجئة -الذي أصبح كما قلنا هو الظاهرة الفكرية العامة- بغية وسنداً، فنسى نفسه ونسى مهمته الأساس وهي تغيير هذا الواقع لا تبريره.
- فالفريق الأول: أعاد مذهب الحرورية جذعاً.
- والآخر: أحيا مذهب المرجئة غضاً ونقله من الدوائر الأكاديمية التقليدية إلى منهج العمل والتغيير!
وهكذا أصبحت الكتابة عن هذا الموضوع -حقيقة الإيمان- على ضوء عقيدة أهل السنة والجماعة ضرورية لكبح جماح الغالين، ودفع تفريط المقصرين.
الثالث: -وهو كالنتيجة للأولين- اختطاط منهج للبحث يزيد على مجرد البحث العلمي النظري للقضية أي: إيراد الأدلة ونقضها بإضافة عناصر جديدة تخاطب البديهة والوجدان والعقل معاً، وأهم جانب من ذلك استحضار واقع الجيل القدوة الذي رباه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والتأسي بهم في استكمال الإيمان والدعوة إليه والحكم على تاركه، وكذا بيان حقيقة النفس الإنسانية، التي لا تخلو قط من إرادة وعمل، وربط ذلك بحكمة الدين وغايته التي هي إصلاح الإرادات وتزكية الأعمال، مما بين أن الإيمان اعتقاد وعمل على الحقيقة الشرعية والواقعية والنفسية في آن واحد.
على هذا دارت مباحث هذه الرسالة، التي أسأل الله تعالى أن ينفعني بها وإخواني المسلمين، وأن يجعل كل ما بذل فيها من جهد ونَصَب خالصاً لوجهه الكريم. وتبعاً لذلك قسمتها إلى خمسة أبواب:
أقسام المباحث المتبعة في تأليف الرسالة
- الباب الأول: يبحث في حقيقة الإيمان وارتباط العمل به من خلال:
1- دعوة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسيرته.
2- حقيقة النفس الإنسانية.
3- حقيقة الإيمان الشرعية.
- والباب الثاني: يبحث في التاريخ الفكري للإرجاء منذ نشأته إلى أن أصبح فرقاً كثيرة، ثم ظاهرة فكرية عامة وواقعاً طاغياً، مع الاهتمام الخاص بقضية ترك العمل وحكمها عند المرجئة والأسباب الفكرية لوقوع ذلك.
- والباب الثالث: الإرجاء الظاهرة، وتفصيل الكلام على نوعي الإرجاء: إرجاء الفقهاء والعباد، وإرجاء المتكلمين والمتمنطقين، وحكم ترك العمل في الطور النهائي للظاهرة.
- والباب الرابع: تفصيل لعلاقة الإيمان بالعمل، والظاهر بالباطن، مع الاهتمام الخاص بأعمال القلوب التي كان الانحراف فيها من أعظم أسباب انتشار الظاهرة، وشرح نماذج منها وهي بعض شروط لا إله إلا الله.
- والباب الخامس: بيان أن الإيمان حقيقة مركبة من ركني: القول والعمل، توصلاً بذلك إلى معرفة بطلان مذهب المرجئة في حكم تارك العمل مطلقاً، وبيان حكم صاحب الكبيرة على ضوء ذلك، وسبب ضلال الفرق فيه.
ثم نقض أهم الشبهات النقلية للمرجئة على أن العمل غير داخل في الإيمان.
هذا ولا يفوتني أن أتقدم بخالص الشكر وعظيم التقدير إلى أستاذي الكريم الأستاذ محمد قطب ، الذي بذل من الوقت الثمين والرأي الصائب ما كان له أثره البالغ في إنجاز هذه الرسالة وتقويمها.
كما أشكر للجامعة الإسلامية بـالمدينة النبوية ولجامعة أم القرى بـمكة المكرمة ممثلتين في مسئوليهما كافة، ما أتيح لي من فرصة لطلب العلم وخدمة لتحصيله، وأخص بالشكر الإخوة العاملين بمركز البحث العلمي، وكذا كل من قدم لي خدمة، أو أسدى إليَّ توجيهات من الأساتذة الكرام أو الإخوة الزملاء.
والحمد لله أولاً وآخراً.
بدر بن عبدالمحسن
07-04-2007, 13:05
انتفاضة رجب
الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي
من كتاب: يوم الغضب هل بدأ بانتفاضة رجب؟
بعد بضع سنين قليلة في عمر الزمن لكنها طويلة ثقيلة في ليل القهر واليأس ما الذي حدث؟
القلوب واجفة، والأبصار مشدودة، والأنفاس لاهثة، عند كل إشارة إلى خبر عاجل أو حدث طارئ، والتساؤلات على كل شفة:
أين..؟ من..؟ كم..؟ يهود..! أمريكان..! انتفاضة..! شهداء...!
المشاهد تتوالى في الأذهان أكثر مما في هذه الفضائيات المتطورة:
تهاوي أوراق المفاوضات واحتراقها في لهب الغضب وجحيم القهر!
خزي راعي السلام الذي يعاقب الحملان الوديعة كلما هاجمتها الذئاب الشرسة!
ذهول أصحاب السيوف الخشبية الذين كلما داهمهم العدو هرعوا يحدُّون أطرافها على مبارد من الثلج!
انطلاقة مقلاع داود الذي نسجته الأيدي المغلولة، ووقوفه في مواجهة صواريخ جالوت!
عربات عسكرية تتراجع أمام حجارة، ورجل واحد يقاوم مئات الجنود المدججين بأحدث ما أنتجته التكنولوجيا الأمريكية!
وحشية إسرائيل التي فضحت أصدقاءها الموالين، وأحرجت أخدانها المتسترين، وقذفت بالمترددين إلى صفوف الأعداء الصرحاء!
إجماع إسلامي - لا نظير له من قبل - على أن الحل هو الجهاد!!
ذلك ما نطق به الرؤساء، والعلماء، والمفكرون الاستراتيجيون، والقادة الشعبيون، والخطباء والعامة الأميون، الرجال والنساء والأطفال.
الكل اجتمعوا على هذه الكلمة التي ما وقرت في الأذن إلا ونفذت إلى أعماق القلب، ثم تتبعها تساؤلات: كيف..؟ ومن أين..؟ ومع من..؟ ومتى..؟ وهل الحكام...؟ وهل الأمريكان...؟
شيخ أزهري رسمي يصرخ -في أكثر الفضائيات صخباً وأوسعها انتشاراً: لا يجدي مع اليهود إلا قاعدة: وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ [البقرة:191].
ويسأله المذيع: ولكن يا شيخ، هل تعني القتل فعلاً (أي: هل تعي ما تقول)؟ وهل الأزهر معك؟ ويأتي الجواب صريحاً بالإيجاب.
غضب عارم في كل مكان، وأساليب جديدة في الرفض، ومحاولات جديدة للحل، فما الذي حدث، ولماذا؟
بعد متاهة طويلة من المفاوضات العقيمة، واللقاءات الفارغة المضمون؛ ظهر مفهوم "السلام" عند اليهود على حقيقته، وولدت الأزمة الجديدة بين تفاهة تنازل "الحمائم"، وعنف معارضة "الصقور"، في حين كان المحاور الآخر كالشاة العائرة بين الذئبين!!
(في إسرائيل صقور وحمائم) ذلك ما قيل لنا منذ رحلة السادات المشئومة!!
وصدَّقه بعضنا؛ لأن المعهود في خلق الله كلهم، سواء الأسرة، القبيلة، الدولة، أن يكون فيهم طرفا نقيضٍ في أي قضية!!
لكن ليس في هذه الدنيا طرفَا خلافٍ أغرب وأعجب من اليهود! فأنت قد تسمع تصريحات، أو تقرأ بيانات لا تستطيع أن تحكم على قائلها بأنه: من الحمائم أو من الصقور إلا من اسمه أو حزبه!!!
فحين تسمع زعيمين يهوديين - أحدهما سياسي والآخر كاهن - يتوعدان الفلسطينيين، ويرفضان إعادة الانتشار، فالمتبادر إلى فهمك أنهما من حزب الصقور ، لكنك حين تعرف من هما، تعلم أنهما من المحسوبين على الحمائم!!
وحين تسمع أحد الصقور ينادي بالإبادة التامة للفلسطينيين، فاعلم أن الحمامة لا تخالفه إلا في الطريقة والوقت!!
وحضور مدريد أو أوسلو أو معسكر داود الثانية، لا يدل على أن الحاضرين حمائم، بل إنما يحضر من يصادف أن يكون في السلطة حينئذ من هؤلاء أو هؤلاء.
أسلوب غريب لا نظيرله في سياسات خلق الله الآخرين!
فالمنطق اليهودي يفترض أن يكون التنافس بين من يجعلونه صقراً، ومن يسمونه حمامة على التشدد والمغالاة والالتواء والمماطلة.
فهما متعارضان لكنهما متوازيان، وليسا وجهين لعملة واحدة فقط؛ بل كل منهما يصلح وجهاً لكل جهة.
ورحم الله القائل:
إن اليهود هم اليهود فلا صقور ولا حمائم
العلة قائمة دائمة في حال الحرب وحال السلم، في حال الحكومة وحال المعارضة، إنها العقيدة اليهودية والنفسية اليهودية ، التي لم تفقد خصائصها منذ قديم الزمان بشهادة أسفار التوراة المجموعة على مدى قرون متعاقبة -كما سنرى -.
فالحمائم تتحايل وتماطل من أجل التنازل عن شيء أو شبه شيء، والصقور تجادل وتناضل لكي لا يتم التنازل عن شيء، وبين تفاهة التنازل وعنف المعارضة انكشفت تلك الطبيعة (طبيعة النفسية اليهودية والعقيدة اليهودية ) فتفجرت الأزمة.
أولاً: التنازل:
بعد سلسلة طويلة ومعقدة من المفاوضات، والوساطات والخلافات الإجرائية والمماحكات الجدلية، وافق باراك -أو كاد يوافق- على مشروع غريب لتقسيم المسجد الأقصى، لكنه يليق بالعقلية اليهودية الملتوية، وهو أن يكون التقسيم أفقياً على ثلاث مستويات:
1- المسجد والساحات.
2- ما تحت المسجد والساحات من الأرض.
3- ما فوق ذلك من الجو.
وأن تكون إسرائيل مسيطرة تماماً على القسم الأرضي كله، حيث يحتمل وجود الهيكل المزعوم، وكذلك تسيطر على الجو -وهذا لا يحتاج لاشتراط، فهي وحدها التي تملك المروحيات والطائرات، والفلسطينيون محرَّم عليهم ذلك مطلقاً- وينحشر نصيب السلطة العرفاتية بينهما على أن يكون عبارة عن صلاحية وظيفية أو (إشراف وظيفي) على المسجد والساحات، وهناك احتمال بنصر رمزي للسلطة يتمثل في رفع العَلَم الفلسطيني على هذه المساحة المحدودة من المدينة المقدسة.
ثانياً: المعارضة:
هبت المعارضة الدينية والحزبية في وجه باراك ونددت بهذا التنازل الرخيص، وضجت جمعيات ومؤسسات الهيكل - وهي أكثر من اثنتي عشرة جمعية أو مؤسسة - بالاحتجاج وتوعدت باراك والمسجد الأقصى والفلسطينيين جميعاً بالهلاك والتدمير.
ومما زاد الموقف تأزماً أن المفاوضات وقعت في موسم الصوم قريباً من يوم الغفران، وقريباً من ذكرى يوم خراب الهيكل على يد تيطس الروماني .
ومن هنا ربط المعارضون بين تيطس المجرم وباراك الخائن، وقال أحد الحاخامات: 'لا نبكي في هذه الذكرى خراب الهيكل قبل ألفي عام بل نبكي خرابه اليوم'
وتم إنقاذ الموقف على يد السفاح الشهير "شارون " -جزار صبرا وشاتيلا - وكانت زيارته المشئومة للمسجد الأقصى، فأجهزت على المشروع أو أجَّلته إلى حين..!!
بدون أي شك كانت زيارة شارون مدبرة أو معروفة لدى الحكومة اليهودية -فهي التي انتدبت ألفي جندي لحراسته- ولدى السلطة العرفاتية، حيث كان عرفات يراهن بردة الفعل الشعبية التي كان يتوقع انفجارها؛ لكنه لم يدرك أبعادها.
ولأن الأقصى عزيز على كل مسلم، ولأن صلف اليهود يستثير أَحْلَم الناس، ولأن الشعوب هي التي تدفع الثمن، تصدى الغيورون لـشارون ورد اليهود بوحشية التوراة المحرفة والتلمود ، فاشتعلت الأرض المحتلة كلها، وتبعتها سائر الأقطار الإسلامية، وكانت انتفاضة رجب كالإعصار، وتخطت الحواجز والأسوار، وهتكت كثيراً من المؤامرات والأسرار.
وكان ذلك باختصار تعبيراً عن:
1 - القهر الذي يعاني منه الفلسطينيون، وانتفاضة المقهور لا يعدلها انتفاضة!
2 - احتقان الغضب والرفض الصامت للشعوب طوال هذه السنين العجاف.
3 - شعور الزعماء العرب بالإهانة والتهميش حين أصبحت اللعبة ثلاثية الأطراف: إسرائيل تطالب إلى ما لا نهاية، عرفات يستسلم ويتنازل باستمرار، أمريكا الحَكَم الجائر تريد منهم الانسياق وراء ما تقرره، والتوسط لإرغام الفلسطينيين على قبوله، وتفرض عليهم تمويل المشروعات، وتمرير القرارات إعلامياً، وفرض النتائج على الشعوب دون مراعاة للحساسية الدينية الخطرة للقضية.
بعض العرب نصح أمريكا قائلاً: 'إذا أردت أن تُطاع فأمر بما يُستطاع'.
ولكنها مضت في غطرستها بلا رادع، وهذا ما شعر به الأوروبيون واليابانيون -فضلاً عن الروس الراعي الآخر الذي تهدَّم بيته عليه- ولهذا كانت الغضبة عامة عارمة وإن اختلفت الأسباب.
على أن الملمح الجديد لانتفاضة رجب هو البروز الواضح للمصطلحات الإسلامية في لغة الخطاب لدى الجميع، وهو مؤشر للقوة المعنوية للصحوة المباركة، وأنها الطريق الأخير والوحيد بعد انكشاف زيف الشعارات العلمانية كلها.
وأقبلت تباشير الصباح ليوم سينتهي بغضب من الله، وانتقامٌ يسلطه على طواغيت الكفر وجند التخريب والإجرام.
بدر بن عبدالمحسن
07-04-2007, 13:08
منظور عقدي
الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي
من كتاب: يوم الغضب هل بدأ بانتفاضة رجب؟
الغيب لا يعلمه إلا الله تعالى؛ ولكنه جل شأنه يُطلع بعض عباده على شيء منه لحكم عظيمة.
وأعظم وسائل الإطْلاع: الوحي، وهو خاص بالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، والرؤيا الصادقة وهي للأنبياء وحي، ولغيرهم بشارة أو نذارة، فهي تقع للمؤمن والكافر، والبر والفاجر. ثم تأتي وسائل أخرى كالتحديث والإلهام والفراسة.
وكل خبر عما يحدث مستقبلاً يحتاج لأمرين:
1- صحة الخبر.
2- صحة التأويل.
وأهل الكتاب هم أكثر الأمم اشتغالاً بالملاحم وأحداث المستقبل، وقد شغلوا بها طائفة من المسلمين منذ القدم، والعلماء يعللون قلة حديث أهل الشام ومصر بالنسبة لأهل الحجاز والعراق باشتغالهم بالملاحم والسير.
وروي عن كعب الأحبار في ذلك عجائب لا يتسع المجال لذكرها، ومصدرهم في ذلك كتبهم المقدسة وتأويلاتهم وشروحهم عليها، ولاسيما الرموز والأرقام وما أكثرها في الأسفار وشروحها!
وتبعاً لما جبل عليه الإنسان من التلهف لاكتشاف المستقبل اشتغلوا بذلك في العصور كلها، ولم يقتصر ذلك على رجال اللاهوت، بل شـمل ولا يزال مفكرين علمانيين، وعلماء طبيعة مشهورين من أمثال: نيوتن في الماضي، وطائفة من العلماء في الكمبيوتر والرياضيات في العصر الحاضر، ومؤلفاتهم في هذا تصعب على الحصر، وسيأتي بعضها ضمن مصادرنا.
وكان لتشتت اليهود وأسرهم، واضطهاد الرومان للنصارى الأثر الكبير في اشتغال أهل الكتاب بأخبار المخلِّص أو المنقذ، وافتعال النبوءات عنه، وتأويل أي نص ليدل عليه، ومن أعظم ما فعلوه بهذا الشأن: تحريف البشارات والنبوءات؛ لكي توافق عـصر المفسِّر أو المؤول وحالة قومه حينئذ، ومن هنا اختلفت التأويلات وتناقضت فوق اختلاف المذاهب والفرق، ولكن أكثرهم ارتكب جناية كبرى، وهي طمس أو تحريف أي بشارة لنبي آخر الزمان وأمته، والتعسف في تأويلها وصرفها إلى مسيح اليهود المسمى "ملك السلام"، أو إلى المسيح عليه السلام.
كما أن اختلاف النسخ، وتعاور الترجمات، وتعدد التفسيرات زاد الركام ركاماً، حتى أصبحت الحقائق المطمورة تحتاج إلى عناء ضخم وصبر طويل، هذا مع الاستنارة بنور الوحي المحفوظ (القرآن والسنة).
فبسبب تنكُّب أهل الكتاب عن هذا النور حرموا أنفسهم مصادر اليقين، وظلوا في ظلمات ليسوا بخارجين منها إلا به.
وموقفنا من نبوءات أهل الكتاب هو نفس الموقف من عامة أحاديثهم وأخبارهم، فهي ثلاثة أنواع: -
أولاً: ما هو باطل قطعاً:
وهو ما اختلقوه من عند أنفسهم أو حرفوه عن مواضعه، كدعوى أن نبي آخر الزمان سيكون من نسل داود، وأن المسيح الموعود يهودي، وطمسهم للبشارة بالإسلام ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعموماً هو كل ما ورد الوحي المحفوظ (الكتاب والسنة الصحيحة) بخلافه.
ثانياً: ما هو حق قطعاً، وهو نوعان:
أ ) ما صدقه الوحي المحفوظ نصاً، ومن ذلك إخبارهم بختم النبوة، وإخبارهم بنـزول المسيح عليه السلام، وخروج المسيح الدجال، وإخبارهم بالملاحم الكبرى في آخر الزمان بين أهل الكفر وأهل الإيمان، ومن هذا النوع ما قد يكون الخلاف معهم في تفصيله أو تفسيره.
ب) ما صدقه الواقع، كما في صحيح البخاري عن جرير بن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال: [[كُنت بـاليمن ، فلقيت رجلين من أهل اليمن : ذا كلاع وذا عمرو فجعلت أحدثهم عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال ذو عمرو : لئن كان الذي تذكره من أمر صاحبك؛ فقد مرَّ على أجله منذ ثلاث. وأقبلا معي حتى إذا كنا في بعض الطريق رُفِع لنا ركب من قبل المدينة ، فسألناهم، فقالوا: قُبِضَ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واستُخلف أبو بكر والناس صالحون، فقالا: أخبر صاحبك أنا قد جئنا ولعلنا سنعود إن شاء الله، ورجعا إلى اليمن ، فحدثت أبا بكر بحديثهم، فقال: أفلا جئت بهم. فلما كان بعدُ قال لي ذو عمرو : يا جرير ! إن بك عليَّ كرامة، وإني مخبرك خبراً، إنكم معشر العرب لن تزالوا بخير ما كنتم إذا هلك أمير تأمَّرتم في آخر، فإذا كان بالسيف كانوا ملوكاً، يغضبون غضبَ الملوك ويرضون رضا الملوك ]]
ثالثاً: ما لا نصدقه ولا نكذبه:
وهو ما عدا هذين النوعين، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم } .
ومن ذلك إخبارهم عن الآشوري ورجسة الخراب وأمثالها، وكوننا لا نصدقه ولا نكذبه يعني: خروجه عن دائرة الاعتقاد والوحي إلى دائرة الرأي والرواية التاريخية التي تقبل الخطأ والصواب والتعديل والإضافة، أي أن النهي لا يعني عدم البحث فيه مطلقاً، ولكنه بحث مشروط، وضمن دائرة الظن والاحتمال.
واليوم والعالم - كله تقريباً - يتابع الأحداث الجارية على أرض فلسطين في وسائل الإعلام، نجد أن الناس في أمريكا وبعض البلاد الأخرى لهم شأن آخر.
فها هنا سوق آخر غير سوق الإعلام المنظور والمقروء، إنه سوق النبوءات والتكهنات، وهو سوق لا يهدأ ولا ينقطع، بضاعته أسفار العهدين القديم والجديد وشروحها، وتـجَّاره كهنة الأصوليين الحَرْفيين، أما زبائنه فهم من كل طبقات المجتمع ابتداءً من حكماء البيت الأبيض والبنتاجون، وانتهاءً برجل الشارع، وهذه الفئة طوائف شتى:
فمنهم من ينتظر نـزول المسيح!
ومنهم من ينتظر خروج الدجال!
ومنهم من يتوقع معركة هرمجدون !
ومنهم من يتنبأ بنهاية دولة إسرائيل تبعاً لقيام الانتفاضة وانهيار عملية السلام!
وهذا الأخير هو المهم عندنا؛ لأن نهاية هذه الدولة هي أكثر القضايا إلحاحاً من حيث الواقع، وأبعدها عن الغيب المطلق والدخول في أمر القيامة التي لا يعلمها إلا الله تعالى.
وبالتالي: فإن أي دراسة استراتيجية علمانية قد تصل إلى مثل أو قريب من النتائج التي تقود إليها النبوءات الكتابية عن نهاية هذه الدولة، فتتطابق الرواية والدراية، أو النقل والعقل..
والعنصر الحاسم الذي تنفرد به النبوءات هو تحديد نهاية دولة إسرائيل بالسنوات، الأمر الذي يجعل ذلك عقيدة للمؤمنين بالتوراة والأناجيل، وليس مجرد رأي أو اجتهاد لباحث من الدارسين.
ومن هنا نأمل أن ينتفع كثير منهم بالحقيقة التي سنحاول الكشف عنها خالصة لوجه الحق مع بقاء المجال مفتوحاً للحوار والبحث.
ولما كانت الصهيونية النصرانية هي أكثر حركات العصر خطراً على الجنس البشري! وكان الأساس الذي قامت عليه عقائدهم وخططهم الجهنمية هو: تحقق النبوءة بقيام دولة إسرائيل؛ كان لابد لكل محب للعدل والسلام في الأرض أن يعرف الحقيقة عن نبوءات هؤلاء، وأن يمد يده لمن ينسف بالحق والعقل الأصولَ التي بنوا عليها أصوليتهم، قبل أن ينسفوا هم السلام العالمي، ويحولوا كوكبنا المضطرب إلى كتلة من اللهب!!
إننا في وضع كوني يدرك فيه كثير من العقلاء أن أي منظمة إرهابية في أوروبا أو روسيا قادرة على تهديد السلام العالمي كله، فكيف نتغافل عن هذه الحركة الكبرى التي تستحوذ على عقول ثلث الشعب في أقوى دولة في العالم، وتسعى بكل إصرار للسيطرة على مقاليد الأمور في هذه الدولة، وتضخ كل طاقتها وحماسها لتأييد أكبر عصابة إرهابية في الأرض ألا وهي دولة صهيون!!
إننا نأمل - في حال قيام العقلاء في أمريكا وغيرها بواجبهم - أن يفيء هؤلاء إلى رشدهم، وأن يفيق كثير من المخدوعين أو الغافلين، وحين نعمل معاً من أجل تبصير هؤلاء بضلال تصوراتهم وخطأ نبوءاتهم، فإننا نكون قد واجهنا الباطل بالحق، والعدوان بالعدل، والإرهاب بالمنطق، وهذا أحد الغايات العظمى في دين الإسلام، كما قال تعالى في كتابه المجيد لرسول الرحمة و(أركون السلام) محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107].
بدر بن عبدالمحسن
07-04-2007, 13:12
مسحاء كذابون
الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي
من كتاب: يوم الغضب هل بدأ بانتفاضة رجب؟
أمريكا -كما قال إدوارد سعيد - هي أكثر أمم العالم انشغالاً بالدين!!
وفي أمريكا تيار أصولي ديني مهووس إلى الثمالة بعودة المسيح عاجلاً غير آجل، ومستعد لأن يرتكب في سبيل ذلك أكبر الحماقات!!
وأي حماقة أكبر من محاولة التسلل إلى القواعد النووية وإطلاق الدمار على العالم كله؟!
وعن أي دليل نبحث وقد رأيناهم ينتحرون بالمئات والعشرات، ويفجرون المؤسسات الفدرالية وينظمون الجيوش والعصابات لليوم الموعود.
والمصيبة أنهم يزيدون ولا ينقصون، ولا يحتكمون إلى أي منطق أو عقل، وإنما هي خيالات ومنامات ومخاطبات من الشياطين يزعمون أنها من روح القدس!!
بل إن عدداً يصعب حصره منهم يدَّعي أنه هو المسيح، أو أن المسيح حلَّ فيه أو خاطبه!!
ومن عقائد هؤلاء:
1- قيام دولة إسرائيل تمهيد ضروري لنـزول المسيح.
2- مشروع السلام هو تأخير لوعد الله.
3- القدس بكاملها يجب أن تكون تحت سيطرة إسرائيل.
4- إسرائيل مباركة ومبارك من يباركها، وملعون من يلعنها أو يعاديها.
5. الفلسطينيون -والمسلمون عامة- رعاع وثنيون وحزب يأجوج ومأجوج.
6. الألف سنة السعيدة يوشك أن تكون؛ لكن بعد خطف المؤمنين إلى السحاب لملاقاة الرب عند نـزوله، ودمار كل الوثنيين في معركة هرمجدون الكبرى.
وليس هؤلاء جماعة رهبانية معتزلة -كما كان الحال في القرون الأولى- بل هم أصحاب نفوذ اجتماعي بارز، وترسانة إعلامية مؤثرة ومناصب عليا في الحكومة!!
ونبوءات التوراة مضاف إليها الكهانة والتنجيم وتحضير الجن هي أعظم طقوسهم، واعتماداً عليها تقوم نظرياتهم في السياسة والاجتماع، وقواعدهم في التعامل مع سائر البشر.
والمفكرون العلمانيون في أمريكا يعلمون أن تغيير الأفكار المنكوسة لهؤلاء القوم شبيه بالمحال، فالبنية العقلية مدمرة من أصلها، والنفسية في غاية التعقيد والغرابة.
والساسة العلمانيون ينافقونهم لما لهم من تأثير على الرأي العام، ونفوذ في عالم المال والإعلام!!
والإعلام العربي قليل الحديث عنهم؛ لأنه مشغول بمحاربة -من يسميهم- المتطرفين والإرهابيين عن الحديث عن هؤلاء الذين مهما فعلوا وفكروا فليسوا إرهابيين ما داموا ليسوا مسلمين!!
هم والمفكرون العلمانيون على طرفي نقيض، لكن المشكلة أن كتلة الوسط تقل تدريجياً، والأكثرون يميلون إلى هؤلاء لا إلى الفكر العلماني، هرباً من جحيم الحيرة والجفاف الروحي، ولذلك تغلغلت الأصولية المهووسة في كل مجال واخترقت كل الحدود.
وقد هيأت الأقدار لفتنتهم في هذا العصر ما لم يكن من قبل - ولا شك أن لله في ذلك حِكماً عظاماً - واجتمع لهم أمران كل منهما كافٍ في ذلك:
1- وجود تجمع يهودي كبير في فلسطين وهو ما لم يُعهد من قبل.
يقول هول ليندسي في كتابه: كوكب الأرض ذلك الراحل العظيم : 'قبل أن تصبح إسرائيل دولة لم يكشف عن أي شيء، أما الآن وقد حدث ذلك، فقد بدأ العد العكسي لحدوث المؤشرات التي تتعلق بجميع أنواع النبوءات، واستناداً إلى النبوءات فإن العالم كله سوف يتمركز على الشرق الأوسط، وخاصة إسرائيل في الأيام الأخيرة'[3] .
2- حلول الألفية وبالأصح عام (2000م) التي تعني عندهم: بداية النهاية للعالم المعهود، وبداية الدخول إلى العالم الآخر -عالم الألفية المسيحية - الذي هو بمنـزلة عالم الآخرة أو الجنة عند المسلمين.
في غمرة الحماس الهائج لاقتراب الألفية نشط الأصوليون في العقدين الأخيرين من القرن العشرين نشاطاً هائلاً في كل المجالات؛ إلا أن من أهمها: مجال الدراسات والتأليف والصخب الإعلامي عن نـزول المسيح واقتراب الألفية السعيدة، حيث استعجلوا بتعسف ظاهر كل حوادث آخر الزمان وأشراط الساعة، وأعدوا لها تصورات (سيناريوهات) مرعبة للغاية تقوم على افتراض واحد هو: حدوث المعجزات الخارقة بما لا يمكن أن يتفق مع التتابع المنطقي لأحداث التاريخ بأي حال .
لقد وجد هؤلاء أنه لا يمكنهم تصور -أو تصوير- حلول الألفية السعيدة وفق الشروط الموضوعية كالزمان والمكان والظروف السياسية الحالية، فلابد من إقحام خارقة عظمى تقلب النظام الكوني رأساً على عقب، ومن هنا كان أسهل الطرق لتحقيق ذلك هو كارثة نووية تقضي على الحضارة، وتعيد العالم إلى حالة شبيهة بحاله عند المجيء الأول للمسيح، وتمهد للمجيء الثاني الموعود، ووجدوا ضالتهم المنشودة في معركة "هرمجدون " المشئومة.
ووافق ذلك شعارات ريجان ونيكسون عن تدمير امبراطورية الشر الاتحاد السوفييتي فافترضوا أن يأجوج ومأجوج هم الروس! وبسقوط الاتحاد السوفييتي وقيام حرب الخليج افترضوا أن يكون الآشوري هو صدام حسين ! وأن يأجوج ومأجوج هم العرب، أو العرب والفرس وغيرهم! وأن الحرب النووية لا مفر منها!!
وبعد اتفاقات "أوسلو " خمدوا قليلاً -بل اضطربوا - فلما قامت الانتفاضة الأخيرة تنفسوا الصعداء، لاسيما وقد وقعت في نفس عام (2000م)! [4] ومن هنا يضع كثير من المفكرين والدارسين في الغرب أيديهم على قلوبهم خشية أن يغامر أحد المهووسين هؤلاء بحماقة تكون عاقبتها كوارث لا تحصى،حتى أن السلطات الإسرائيلية نفسها تتشدد في دخول المتطرفين من هؤلاء إلى إسرائيل خشية إقدامهم على شيء من هذا القبيل.
أما الكارثة الكبرى التي تقض مضاجع المراقبين فهي احتمال تسلل هؤلاء إلى إحدى القواعد النووية، وإشعال النار التي لا يستطيع العالم أن يطفئها!!
وينبغي أن يعلم الناس أن مرور عام (2000م) أو ما بعده دون حدوث شيء لا يعني نهاية هذه الأفكار، فإن هؤلاء تعودوا أن يعيدوا النظر في حساباتهم، وسوف تأتيهم الشياطين وتوحي إليهم بسراب جديد يلهثون وراءه، [5] ويثيرون الرعب في العالم، ويظلون مصدر تهديد مستمر للبشرية كلها!!
ومع اقتناعي بأن هؤلاء لا عقل لهم؛ أرى أنه لابد أن يتصدى لهم العقلاء بنسف الأساس العقدي لأوهامهم وضلالاتهم.
وإذا كان أهل الكتاب عاجزين أو مقصرين، فنحن لا يجوز لنا أن نعجز أو نقصر وبين يدينا الوحي المعصوم والحق الجلي، الذي لو عرضناه على العالم لوضع الله له القبول عند الناس.
ومن هنا كان إثبات أن دولة إسرائيل القائمة لا علاقة لها بالمسيح من قريب ولا بعيد، وأن نهاية الألفية الثانية ستمر كما مرت القرون الأولى بلا جديد، هو دفعٌ لشر هؤلاء -ليس عن المسلمين وحدهم بل عن الإنسانية جميعاً- وهذا هو أحد دوافع كتابة هذا البحث الموجز، والدافع الآخر هو التنبيه إلى خطأ التصورات المتكلفة بل المتعسفة عند نزر قليل من المسلمين. [6]
ونحن لا نطالب مَنْ شك في أمر هؤلاء من بني دينهم إلا بقراءة جديدة للفصلين الثالث والعشرين والرابع والعشرين من (إنجيل متى) لاسيما عند الحديث عن نبوءة دانيال- والتأمل جيداً في تحذير المسيح عليه السلام من المسحاء الكذبة، والمروجين للإشاعات عند قيام "رجسة الخراب" في أورشليم ثم يسأل كل منا نفسه، من هؤلاء يا ترى؟ وكيف يجب أن يكون موقفنا منهم؟
فإن وصلوا إلى الحقيقة -وهذا ما نعتقده- وإلا فليتابعوا المسير معنا حتى نجليها كاملة بإذن الله!!
تصورات النصارى عن الألفية ونزول المسيح [7]
أ )- تصور شيوخ الكنيسة القدامى (نزول المسيح سابق للألف سنة) :
1- بعد رفع المسيح يبدأ عصر الكنيسة.
2- في نهايته يكون سبع سنوات من الفتنة.
3- بعد السبع السنوات ينزل المسيح ويرتفع القديسون لاستقباله في السماء، ثم ينـزلون إلى الأرض.
4- بعد ذلك تبدأ الألفية السعيدة تحت حكم المسيح.
5- ينتهي العالم وتأتي الأرض الجديدة (الأرض عندهم تتبدل مرات، فالأرض في عصر آدم هي غير الأرض في هذا العصر..وهكذا).
ب)- تصور اللا ألفية:
وهو رأي القديس أوغسطين ومجمع أفسس، وعليه الكاثوليك والكنائس الكبرى البروتستانتية :
1- عصر الكنيسة: هو الألف سنة والفتنة معاً، فمن كان المسيح في قلبه فهو في الألفية، ومن لم يؤمن فهو في الفتنة. والنبوءات كلها رموز (حتى الألف لا معنى لها هنا) .
2- ينـزل المسيح ويَرفع القديسين ويعيشون كلهم في السماء.
ج)- تصور ما بعد الألفية:
تصور بروتستانتي من (ق:17) إلى (ق:20) مؤسس على فكرة التطور والتقدمية ومضاد للكنيسة الكاثوليكية ، وقد استمر حتى انهيار الفكرة بقيام الحرب العالمية الأولى:
1- عصر الكنيسة = انتشار الكنيسة.
2- العصر الذهبي = تملك الكنيسة جميع الشعوب.
3- نزول المسيح ورفع القديسين إلى السماء.
د) مذهب الأصوليين في القرن العشرين:
وهو تعديل للمذهب الأول وفيه نزولان للمسيح، ابتدعه بعض الإنجليز في (ق:19):
1- عصر الكنيسة.
2- ثم نزول المسيح في السماء وارتفاع القديسين إليه، وبقاؤهم في السماء مدة الفتنة.
3- تقع الفتنة على المسلمين واليهود في الأرض، وأولئك في السماء.
4- ينـزل المسيح والقديسون، وتكون الألفية السعيدة لهم.
5- ينتهي الأمر بتبدل الأرض إلى أرض جديدة!!
بدر بن عبدالمحسن
07-04-2007, 13:14
هل تغير شيء
الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي
من كتاب: يوم الغضب هل بدأ بانتفاضة رجب؟
حين أطلق الجنود الصهاينة الرصاص على المسلمين في ساحة الأقصى كان ذلك إيذاناً بإطلاق رصاصة الرحمة على مشروع السلام، ذلك الخداج الذي تعسرت ولادته بضع سنين، وحين كانت المروحيات الإسرائيلية تقصف بعض مباني إدارات السلطة العرفاتية فقد كانت تقصف أوسلو وملحقاتها!!
فاليهود إذن انقلبوا على ما صنعوا وأحرقوا ما زرعوا، فما الذي تغير؟ ولماذا؟
هذا ما يقتضي منا العودة إلى مبررات مدريد وأوسلو و(مشروع الولايات المتحدة الشرق أوسطية في النهج الصهيوني).
بعد مؤتمر مدريد المشئوم قلنا ما ننقله الآن حرفياً :
' إن ما يسمى مشروع السلام لم يأت تبعاً لتغير الظروف الدولية، وانحسار مرحلة الحرب الباردة، ووفقاً لمقتضيات الوفاق الدولي - كما يصور ذلك الإعلام الغربي وذيله الإعلام العربي - وإنما كان أحد أعراض المتغير الأساسي، وهو الخطة الصهيونية للسيطرة على العالم كافة والمنطقة الإسلامية خاصة.
إن هذه الخطة -ببساطة- قد عدلت عن فكرة إقامة دولة إسرائيل الكبرى، وبعبارة أصح قد عدّلت هذه الفكرة لأسباب ذاتية ضرورية أهمها: أن دولة اليهود وجدت نفسها بعد (40 سنة) من قيامها عبارة عن مركب من المتناقضات، وكائن غريب في محيط من العداوات.
فعلى المستوى الأمني لم تنجح في السيطرة على ما ابتلعته من أرض فلسطين ، فكيف تسعى لمزيد من الأراضي؟!
وإن لبنان التي هي أضعف الجيران وأبعدهم عن العداوات ظلت مصدر قلق وإزعاج لا نهاية له، حتى بعد اجتياحها المعروف، (والآن في انتفاضة رجب هي الجبهة الوحيدة الفاعلة).
والمشكلة السكانية تشكل أعمق المشكلات وأبعدها تأثيراً، فكثير من اليهود لم تخدعهم الوعود المعسولة والإغراءات البرَّاقة للهجرة إلى أرض تعج بالمساوئ الاجتماعية، من اختلال الأمن، إلى الطبقية المقيتة، إلى التناحر الحزبي.. إلخ .
والأفاعي عندما تجتمع - على اختلاف ألوانها وأشكالها - لابد أن يذوق بعضها سم بعض، إضافة إلى الحجارة التي تهشم رءوسها باستمرار من أيدي أشبال الإسلام، فكيف إذا وصل الأمر إلى الرصاص؟
ولقد رعبت دولة اليهود من ارتفاع مؤشر الهجرة المضادة، وقلة استجابة السكان لدواعي تكثير النسل، وأظهرت الإحصائيات الرسمية أنه مقابل كل شهيد من أبناء فلسطين المسلمة يولد عشرات وعشرات.
ومن تجربة إسرائيل التي لا تقبل النقاش اتضح أنها أعجز ما تكون عن استئصال المقاومة بنفسها، فعملاؤها هم الذين تولَّوا سحق الفلسطينيين في لبنان والأردن وسورية والكويت وغيرها.
فلماذا لا تضع يدها في أيديهم ضمن خطة أخرى تتنازل فيها عن أوسع حدود الأرض التوراتية إلى أضيقها؟!
ولا غرابة في هذا على عقيدة اليهود التي تؤمن بالبداء، [8] وبأن الأحبار يصححون أخطاء الرب، تعالى الله عما يصفون.
ثم إن إسرائيل لكي تقنع الإنسان الغربي -المفتون بدعوى الديمقراطية ، وحقوق الإنسان- لا يمكن أن تظل ثكنة عسكرية وسجناً كبيراً إلى الأبد.
كما أن المقاطعة العربية مهما بدت شكلية توفر حاجزاً نفسياً لشعوب المنطقة، فلابد من افتعال حركة (تكتيكية) يتراجع فيها اليهود، ويسلمون بما يسمى (الحكم الذاتي المحدود) لكي يتم الهدف الأكبر استراتيجياً: (التخلي عن التوسع الجغرافي مقابل التغلغل السياسي والاقتصادي والثقافي) وهو ما عبر عنه أكثر من مفكر ومسئول بمصطلح: (الولايات المتحدة الشرق أوسطية )!!
وهكذا سيؤدي فتح الحدود الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وإعلان فتح القنوات السياسية إلى أن يصبح يهود إسرائيل في الشرق الأوسط كيهود نيويورك في أمريكا ، وتصبح ثروات المسلمين ركازاً لهم، وجامعاتهم ومؤسساتهم الثقافية أوكاراً لفكرهم، وحواضرهم التجارية مراكز لبنوكهم وتجارتهم وأسواقاً لبضائعهم، ويصبح عامة الشعوب العربية عمالاً كادحين لخدمة البارون اليهودي الربوي!!
هذا هو هدف السلام المزعوم مهما غلفوه أو قنعوه، والتخطيط الصهيوني لم يتغير ارتجالاً، ولا هو نتيجة دراسات فكرية وميدانية بحتة -كما يظهر- بل إن أسبابه وجذوره تمتد إلى ما هو أعمق من ذلك، إلى خبيئة النفسية اليهودية وحقيقة الجبلَّة اليهودية ، وواقع التاريخ اليهودي القديم والحديث.
فقيام كيان يهودي متميز مستقل كسائر الكيانات السياسية أو العقدية في العالم أمر يتنافى مع تلك النفسية والجبلَّة والتاريخ، والخطأ الأكبر الذي وقع فيه مسطرو أحلام العودة منذ الأسر البابلي إلى الاضطهاد الأوروبي، وخطط له أمثال: هرتسل ، وفيشمان ، ووايزمان ، هو أنهم غفلوا أو تغافلوا عن هذه الحقيقة، فلما قام الكيان المنشود خرجت الحقيقة كالشمس من تحت الركام!!
وليس بخاف على اليهود ولا على المطلعين على الحركة الصهيونية الحديثة أن جماعات وزعامات يهودية ( دينية وفكرية ) ترفض قيام دولة يهودية متميزة؛ بل تعكس النبوءات التوراتية على أهلها، وتقول: إن قيام الدولة هو نذير الهلاك والفناء لليهود، ولها على ذلك أدلة وشواهد من الأسفار والمزامير ومن واقع التاريخ.
لقد جسَّد قيام دولة إسرائيل المأزق الكبير الذي وقع فيه اليهود، حين اصطدمت الأحلام التلمودية العنصرية التي لا حدود لها بواقع النفسية اليهودية العليلة، التي لم تكن يوماً من الأيام رأساً في قضية ولو كانت قضيتها الذاتية، فكيف تكون رأساً في قضية العالم كله؟! ولذلك فإنها تعلل نفسها بخروج المسيح الموعود الذي يحمل عنها هذه التبعة!
فاليهود لم يكونوا في حقبة من أحقاب تاريخهم رأساً في قضية ولو كانت قضيتهم، ولو كانوا كذلك مرة واحدة لكانت في هذا العصر، وهو ما لم يكن!! فهم كالشجرة الطفيلية لا تنمو إلا على ساق غيرها، أو الدودة المعوية التي لا تأكل إلا قوت غيرها، فمن حادثة بني قينقاع حيث كان المنافقون هم الناطقين الرسميين الظاهرين، إلى مؤامرة الأحزاب حيث كان الجند جند قريش وحلفائها لا جند قريظة وأخواتها، إلى الإدارة الأمريكية حيث لا يزال اليهود وهم يسيطرون على الجزء الأكبر من الاقتصاد والإعلام والتأثير السياسي..إلخ يستخدمون أمثال: نيكسون ، وكارتر ، وريجان ، وبوش ، وهم جميعاً نصارى!!
وقد عاشوا في أحشاء أوروبا ، وتسلقوا شجرة الحقد الصليبـي، فكان لهم حبل من الناس.
وعندما أصبح لهم -لأول مرة منذ قرابة ألفي سنة- دولة وحكومة ظهرت السنة الربانية تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى [الحشر:14] فهذه الدولة تعج بالمتناقضات والصراعات، وتتكفف العالم كله، وتعصر اليهود وغيرهم في كل مكان عصراً لإدرار التبرعات، ولا تستغني في أي محفل دولي عن المندوب الأمريكي ونظرائه، وإن كانت في الظاهر تمثل مع أمريكا دور الثعلب مع النمر!![9]
إنهم دائماً يحركون الدمى من وراء الستار، ولو ظهروا على المسرح لانكشفت سوءاتهم وبطل سحرهم.
إنهم يحرصون على تبني أي رئيس أمريكي والإطاحة به، ولكنهم لا يستطيعون أو لا يفكرون في أن يجعلوه رئيساً يهودياً، وحكومته حكومة يهودية صريحة (والآن رشحوا يهودياً نائباً للرئيس)!!
وأمر آخر يقض مضاجع يهود دولة إسرائيل، هو أنه ليس في وسع الشراهة اليهودية العمياء أن تظل حبيسة الأرض التي قالت عنها التوراة: إنها تفيض لبناً وعسلاً، مع أن المنطقة الكبرى حولها تفيض نفطاً وذهباً! ثم تظل رهينة الفكرة الداعية لقيام دولة ما بين الفرات والنيل وفق النموذج النازي العسكري، الذي عجزوا عجزاً واضحاً عن السيطرة على ما تم لهم منه.
بل إن ما تحقق من هذا الحلم كافٍ للعدول عن ذلك إلى الفكرة الأخرى التي أقام عليها روتشيلد وذريته مملكة لا نظير لها في التاريخ ( مملكة الربا والإعلام والجاسوسية) وهي مملكة تتفق تماماً مع الجبلة الطفيلية، وليكن ما احتلوه من الأرض في حروبهم المتعددة -أو جزء منه- منطلقاً لهذه المملكة، وتربة لهذه الشجرة الطفيلية التي سوف تترعرع وتخترق بثقافتها وفكرها ومناهجها سائر المنطقة التي يسيل لعاب العالم كله لثروتها!
فإلى متى يظل وصولهم إلى هذه الثروات الهائلة والكنوز السائلة ملتوياً يمر بقناة الأمريكان والأوروبيين!! وهم الجيران الأدنون؟!
إن اليهود أكثر دهاءً، وأكثر شراهة من أن يظلوا موغلين في خطأ جسيم كهذا -خطأ التوسع الجغرافي غير المضمون - حتى لو كان هذا هو ما تخيله أحبار التلمود منذ سحيق العهود، وسواء خرج المسيح أو لم يخرج!! اهـ ' القدس بين الوعد الحق والوعد المفترى ص [9 -13].
ذلك ما قلنا من قبل! فما الثابت وما المتغير في الوضع الراهن؟!
لقد صدقت النبوءة في جانبها السلبي، لسبب واحد واضح هو أن طبيعة النفسية اليهودية ثابتة لا تتغير بتغير استراتيجيات الحرب والسلام، وإلا فكيف تخسر الدولة الصهيونية مكاسب السلام الهائلة؟! وكيف يكون السلام الذي تسعى إليه كل الأمم هو سبب الانهيار أو الضعف؟
إن الدولة الصهيونية هي الآن أضعف ما تكون، مع أنه لم يحاربها أحد، بل ليس في نية أحد أن يحاربها، فلماذا؟!
لابد أن السبب ذاتي محض، وإلا فلو كانت تلك المشروعات موضوعة لشعب آخر، ولو كانت تلك الاتفاقات معقودة مع طرف آخر، لأمكن الوصول إلى نتائج ثابتة باحتمالات معقولة للنقض أو التحايل كما نرى في سائر النـزاعات بين سائر البشر، ولكن اليهود لهم طبيعة خاصة تخالف سائر البشر، طبيعة خاصة في المفاوضات، وطبيعة خاصة في العهود، وطبيعة خاصة في التملص والنكوص.
وباختصار نقول: إن الحسابات التي بنيت عليها قرارات مدريد وأوسلو تقوم:
- على أساس أن السلام يكسر الحواجز النفسية، وهذا معقول إلا في الأمة التي تكون نفسيتها نسيجاً معقداً من الحواجز، وهي الأمة المغضوب عليها اليهود .
- وعلى أساس أن السلام مطلب حيوي لكل الأمم، وهذا حق إلا بالنسبة للأمة التي لا تعيش إلا على العدوان والوحشية والعنصرية الحاقدة!!
وحتى لا يتهمنا أحد بالعنصرية -أو يحاكمونا كما حاكموا جارودي !!- لن نستدل على هذا بكتاب الله العزيز، ولا بأقوال البشر من الأمميين كافة؛ بل من التوراة نفسها التي قام الكيان الصهيوني على نبوءاتها ( وليسمع من له أذنان )!!
بدر بن عبدالمحسن
07-04-2007, 13:17
اليهود هم اليهود
الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي
من كتاب: يوم الغضب هل بدأ بانتفاضة رجب؟
اليهود هم اليهود من عبدة العجل طالبي الآلهة كما للوثنيين آلهة، وناقضي عهد الله في كل مرة، والقائلين: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً [البقرة:55]، والقائلين لرسوله الكريم: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ [المائدة:24] ومحرفي الكلم عن مواضعه، وأكلة السحت والربا، والقائلين: يد الله مغلولة، وإن الله فقير ونحن أغنياء، وقاتلي الأنبياء، وكاتمي الحق، وتاركي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الملعونين على لسان داود وعيسى بن مريم، والممسوخين قردة وخنازير... و... و...إلخ.
ومن قينقاع والنضير وقريظة وخيبر الجاحدين النور في الظهيرة، المتآمرين مع عُبَّاد اللات والعزى، الذين همّوا بقتل خير البرية أول مرة، ثم وضعوا لـه السم أخيراً، الذين لا تحصى فضائحهم ولا تعد قبائحهم إلى هرتسل وعصابته، وبيجن وشرذمته، وإلى السفاحين الذين جاءوا من بعدهم -وكلهم سفاحون- ومن لبس منهم جلد الضأن على قلوب الذئاب أو الثعالب، ومن كشر عن أنيابه وجاهر بإرهابه...
إلى العتاة القساة غلاظ القلوب، الذين استهدفوا أعين الأطفال بالرصاص المتفجر، وأحرقوا قلوب الأمهات، وكشفوا الوجه الحقيقي لرجسة الخراب إسرائيل بفظاعاتهم ووحشيتهم!!
من أولئك الأقدمين إلى هؤلاء المعاصرين لم تتغير الطبيعة، ولم يتهذب الخلق، ولم تختلف العقوبة!!
فاقرأوا معي ماذا قيل في توراتهم عنهم، وأَنْـزِلوا ما تقرأون على أي مرحلة شئتم.
إما على عباد العجل، وإما على خونة قريظة، وإما على سفاحي إسرائيل اليوم، بل أنـزلوه على الجميع فلا فرق، ولهذا فسوف نسوقه بلا شرح ولا تعقيب.
اقرأوا صفات الرؤساء، وجبلة الشعب، وطباع الكهنة، وملامح المجتمع الصهيوني، وخلقه وتعامله مع الآخرين؛ بل مع الله خالقه، في مملكتي إسرائيل وهوذا، وفي السبي البابلي، وفي الشتات العالمي، وفي دولة إسرائيل المعاصرة لتجدوا أن شيئاً ما لم يتغير، وأن ما صدق على زمن يصدق على كل زمن، وهذا الذي تقرأون إنما هو غيض من فيض، وقطرات من بحر من التوراة وحدها، دع التلمود وما أدراك ما التلمود ؟!
1- موسى عليه السلام: 'أمر موسى اللاويين حاملي تابوت عهد الرب قائلاً: خذوا كتاب التوراة هذا وضعوه بجانب تابوت الرب ليكون هذا شاهداً عليكم، لأني عارف تمردكم ورقابكم الصلبة هوذا وأنا بعدُ حي معكم اليوم قد صرتم تقاومون الرب فكم بالحرِيِّ بعد موتي'.
2- داود عليه السلام:
إن قارئ المزمور السادس بعد المائة يجد التشابه بين ما ذكره الله تعالى عنهم في سورة البقرة وما في هذا السفر، من تعداد لنعم الله تعالى وآياته التي أراهم؛ ولكنهم كل مرة ينكصون وينكثون ويعبدون غير الله وينكرون نعمة الله، ولذلك كان الوعيد عليهم من الله 'فرفع يده مقسماً ليسقطنهم في البرية ويسقطن ذريتهم في الأمم ويبددنهم في البلاد...'، 'مرات كثيرة أنقذهم لكنهم تمردوا على تدبيره وانحطوا بآثامهم'.
3- بنفس الأسلوب تقريباً يوبخهم سفر (نحميا:9) .
4- وأما أشعياء فيسهب ويفصل ونحن نختار ونجمل: 'استمعي أيتها السموات وأنصتي أيتها الأرض فإن الرب قد تكلم:
إني ربيت بنين وكبَّـرتهم لكنهم تمردوا عليَّ!
عرف الثور مالكه، وال**** علف صاحبه، لكن إسرائيل لم يعرف وشعبي لم يفهم.
ويل للأمة الخاطئة الشعب المثقل بالآثام، ذرية أشرار وبنين فاسدين.
إنهم تركوا الرب، واستهانوا بقدُّوس إسرائيل، وارتدوا على أعقابهم.
علام تُضرَبون - أيضاً - إذا ازددتم تمرداً؟ الرأس كله مريض، والقلب كله سقيم.
من أخمص القدم إلى الرأس لا صحة فيه؛ بل جروح ورضوض وقروح مفتوحة لم تعالج ولم تعصب ولم تُلَيَّن بدهن'.
"لولا أن رب القوات تـرك لنا بقية يسيرة لصـرنا مثل سدوم وأشبهنا عمورة -يعني مدينتي قوم لوط-'
'اسمعوا كلمة الرب يا قواد سدوم ، أصغِ إلى تعليم إلهنا يا شعب عمورة ما فائدتي من كثرة ذبائحكم يقول الرب؟!
أصبح دم الثيران والحملان والتيوس لا يرضيني؛ حين تأتون لتحضروا أمامي من الذي التمس هذه من أيديكم حتى تدوسوا دياري؟
رأس الشهر والسبت والدعوة إلى الحفل... إنما هي إثم واحتفال، رءوس شهوركم وأعيادكم كرهتها نفسي.
فحين تبسطون أيديكم أحجب عيني عنكم، وإن أكثرتم من الصلاة لا أستمع لكم لأن أيديكم مملوءة من الدماء'.
واستمع إلى هذا التقريع لـأورشليم :- 'كيف صارت المدينة الأمينة زانية؟! لقد كانت مملوءة عدلاً وفيها كان بيت الرب، أما الآن فإنما فيها قَتَلة!
فِضَّتك صارت خبثاً وشرابك مزج بماء.
رؤساؤك عصاة وشركاء للسراقين، كل يحب الرشوة ويسعى وراء الهدايا، لا ينصفون اليتيم، ودعوى الأرملة لا تبلغ إليهم.
فلذلك قال السيد رب القوات عزيز إسرائيل:
لأثأرن من خصومي، وأنتقمن من أعدائي.
وأرد يدي عليك، وأحرق خبثك كما بالحرض وأنزع نفاياتك كلها'.
ويضرب لهم الأمثال ويهددهم بالويلات إلى أن يقول: 'ويل للقائلين للشر خيراً وللخير شراً، الجاعلين الظلمة نوراً والنور ظلمة، الجاعلين المر حلواً والحلو مراً.
ويل للذين هم حكماء في أعين أنفسهم عقلاء أمام وجوههم.
ويل للذين هم أبطال في شرب الخمر، وذوو بأس في مزج المسكرات.
المبرئين الشِّرِّير لأجل رشوة والحارمين البارَّ برَّة.
فلذلك كما يلتهم لهيب النار القش، وكما يفنى الحشيش الملتهب، يكون أصلهم كالنتن وبرعمهم يتناثر كالتراب، لأنهم نبذوا شريعة رب القوات، واستهانوا بكلمة قدوس إسرائيل.
فاضطرم غضب الرب على شعبه فمد يده عليه وضربه، فرجفت الجبال وصارت جثثهم كالزبل في وسط الشوارع، ومع هذا كله لم يرتد غضبه ويده لاتزال ممدودة'.
وبعد هذا يتنبأ النبي بالعقوبة على هؤلاء -علماً بأنه حينئذٍ لم يكن لليهود دولة ولا اجتماع وإنما كانوا أسرى في بابل !!- فيقول: 'فيرفع رايةً لأمةٍ بعيدةٍ ويصفر لها من أقصى الأرض فإذا بها مقبلة بسرعة وخفة.
ليس فيها منهك ولا عاثر، لا تنعس ولا تنام ولا يحل حزام حقويها ولا يفك رباط نعليها، سهامها محددة وجميع قسيها مشدودة، تحسب حوافر خيلها صواناً، ومركباتها إعصاراً.
لها زئير كاللبؤة وهي تزأر كالأشبال وتزمجر وتمسك الفريسة وتخطفها وليس من ينقذ.
فتزمجر عليه في ذلك اليوم كزمجرة البحر، وتنظر إلى الأرض فإذا بالظلام والضيق وقد أظلم النور في غمام حالك'.
وسوف نأتي بمزيد من صفات هذه الأمة التي يشرفها الله بحرب أعدائه من هذا السفر وغيره.
ثم يقول: 'آثامكم فرقت بينكم وبين إلهكم، وخطاياكم حجبت وجهه عنكم، فلا يسمع لأن أكفكم تلطخت بالدم وأصابعكم بالإثم.
ليس من مدع بالبر ولا محكم بالصدق، يتكلمون على الخواء وينطقون بالباطل، يحبلون الظلم ويلدون الإثم، ينقفون بيض الحيات وينسجون خيوط العنكبوت، وبيضهم من أكل منه يموت، وما كسر منه انشق عن أفعى.
خيوطهم لا تصير ثوباً ولا يكتسون، بأعمالهم إثم، وفعل العنف في أكفهم.
أرجلهم تسعى إلى الشر وتسارع إلى سفك الدم البريء، أفكارهم أفكار الإثم، وفي مسالكهم دمار وتحطيم.
لم يعرفوا طريق السلام ولا حق في سبيلهم، قد جعلوا دروبهم معوجة، كل من سلكها لا يعرف السلام.
لذلك ابتعد الحق عنا، ولم يدركنا البر، نترقب النور فإذا بالظلام، والضياء فإذا بنا سائرون في الديجور.
نتحسس الحائط كالعميان، وكمن لا عيني لـه نتحسس، نعثر في الظهيرة كما في العتمة، ونحن بين الأصحاء كأننا أموات.
نزأر كلنا كالأدباب وننوح كالحمام، نترقب الحق ولا يكون، والخلاص وقد ابتعد عنا.
لأن معاصينا قد كثرت تجاهك، وخطايانا شاهدة علينا، لأن معاصينا معنا وآثامنا قد عرفنا.
العصيان والكذب على الرب، والارتداد من وراء إلهنا، والنطق بالظلم، والتمرد والحيل بكلام الكذب، والتمتمة به في القلب.
فارتد الحكم إلى الوراء، ووقف البر بعيداً، لأن الحق عثر في الساحة، والاستقامة لم تقدر على الدخول.
وصار الحق مفقوداً، والمعرض عن الشر مسلوباً، وقد رأى الرب فساء في عينيه ألا يكون عدل...فَلَبِسَ البَّر كدرع...وارتدى ثياب الانتقام لباساً، وتجلبب بالغيرة رداء.
على حسب الأعمال هكذا يجزي، فالغضب بخصومه والانتقام لأعدائه ويجزي الجزر الانتقام'.
5- وفي سفر حزقيال نقرأ: 'يا ابن الإنسان: إني مرسلك إلى بني إسرائيل إلى أناس متمردين قد تمردوا عليّ، فقد عصوني هم وآباؤهم إلى هذا اليوم نفسه، فأرسلك إلى البنين الصلاب الوجوه، القساة القلوب، فلا تخف منهم، ولا تخف من كلامهم، لأنهم يكونون معك عليقاً وشوكاً، ويكون جلوسك بين العقارب. من كلامهم لاتخف، ومن وجوههم لا ترتعب؛ فإنهم بيت تمرد'.
6- وفي سفر ميخا نقرأ: 'اسمعوا يا رؤساء يعقوب، وقواد بيت إسرائيل أما ينبغي لكم أن تعرفوا الحق؟
أيها المبغضون! الخير والمحبون الشر، النازعون جلود الناس عنهم ولحومهم عن عظامهم، الذين يأكلون لحوم شعبي ويسلخون جلودهم عنهم ويشمون عظامهم عنهم...
هكذا قال الرب على الأنبياء (الدجالين) الذين يضلون شعبي ويعضون بأسنانهم وينادون بالسلام، ومن لا يلقمهم في أفواههم يشنون عليه حرباً مقدسة'.
وفي ترجمة أخرى: 'ينهشون بأسنانهم وينادون: سلام يا رؤساء بيت يعقوب! ويا قواد بيت إسرائيل الذين يمقتون الحق، ويعوّجون كل استقامة الذين يبنون صهيون بالدماء، وأورشليم بالظلم'.
7- ومع دعوى أنهم شعب الله المختار، تقول الأسفار: 'لو أرسلتك إلى هؤلاء -الشعوب غير بني إسرائيل- لسمعوا لك ولكن بيت إسرائيل لا يشاء أن يسمع لك، لأنهم لا يشاءون أن يسمعوا لي، لأن كل بيت إسرائيل صلاب الجباه وقساة القلوب... فلا تخف ولا ترتعب من وجوههم؛ لأنهم بيت تمرد'.
وهذه العبارة لأنهم بيت تمرد تتكرر في السفر نفسه كاللازمة الشعرية.
8- وأخيراً استمع إلى ما يقول سفر عاموس وكأنما هو يخاطب أصحاب مشروع السلام: 'أتركض الخيل على الصخر أو يحرث الصخر بالبقر حتى تحولوا الحق إلى سم وثمر البر إلى مرارة... هأنذا أقيم عليكم أمة يا بيت بني إسرائيل -يقول الرب إله القوات- فيضايقونكم من مدخل حماة إلى وادي العربة'.
وهذا غيض من فيض مما أسهبت فيه الأسفار عن أوصافهم، وقد تضمن أيضاً نصائح للمتعاملين معهم، وأعظم من ذلك تعرض لكيفية عقوبتهم، وهي ما سيأتي لـه فصل خاص به بإذن الله.
بدر بن عبدالمحسن
07-04-2007, 13:20
شهادة قطعية
الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي
من كتاب: يوم الغضب هل بدأ بانتفاضة رجب؟
مستقبل القدس هو أكبر عقدة في أخطر قضايا الصراع العالمي، هذا ما يتفق عليه الساسة والمراقبون والباحثون في الدنيا.
وعقدة قضية القدس هو وضع بيت الله المقدس (المسجد الأقصى عندنا وفي التاريخ النبوي كله - الهيكل المزعوم عند اليهود والأصوليين المستندين إلى النبوءات الكتابية).
إن النبوءات الكتابية تربط بوضوح بين مستقبل من الجلال والبهاء والعظمة لبيت الله وقبلته الجديدة، وبين الأمة المقدسة المختارة التي تعبد الله فيه، فحيثما وجدنا ذلك البيت وجدنا تلك الأمة الموعودة بأن يكثرها الله، ويمكنها في الأرض، ويظهر دينها على كل الأديان، ويسلطها على ممالك الكفر إلى الأبد.
وحين نجد تلك الأمة نجد قبلتها وأعظم معالمها هو بيت الله ذو المجد والبهاء والتقديس، الذي لا يحظى به أي معبد آخر في الوجود.
هذا التلازم بين الأمة والبيت، لم يكن في يوم من الأيام أكثر منه إلحاحاً ووضوحاً في هذا العصر، والسبب ويا للعجب هم: الأصوليون الصهيونية !
فالمسلمون -مع غفلتهم عن كثير من خصائصهم ونعم الله عليهم ومنها هذا البيت واستقباله- لا يرون العلاقة بين مكة والقدس علاقة تضاد ولا تنافس، بل هي نفس العلاقة بين محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وموسى وعيسى عليهما السلام، علاقة المحبة والأخوة والغاية الواحدة، وإن اختلفت مراتب الفضل بين الرسل وبين المساجد!!
أما الأصوليون الصهيونية فالقضية عندهم حاسمة قاطعة:
القدس هي مدينة الله، والهيكل هو بيت الله المذكور في النبوءات، ولا خيار ولا تفكير، بل لا وجود لآخر!!
وهكذا وضعوا أنفسهم في موقف بالغ الخطورة في محكمة الحقيقة التي لا تحابي أحداً، فإما أن يصح ما قالوا، وإما أن يكونوا أكذب الناس وأجدرهم بالعقوبة الرادعة ولا مناص ...
ومن هنا كان لابد من الحديث الموجز عن المسجد الأقصى، وعلاقته بالمسجد الحرام، والكشف عن البراهين من كتب أهل الكتاب، ومن الواقع الذي يراه كل إنسان في العالم كله على بطلان دعوى هؤلاء، وأن النبوءات كلها عليهم لا لهم.
إن قصة المسجد الأقصى طويلة جداً لكن أهم معالمها هو:
1- ثاني مسجد بني في الأرض بعد المسجد الحرام، بنص الحديث الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه عن أبي ذر رضي الله عنه قال: {قلت يا رسول الله: أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: المسجد الحرام، قال: قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى، قلت: كم كان بينهما؟ قال: أربعون سنة } .
2- بعد أن جدد إبراهيم -عليه السلام-[10] البيت الحرام جدد يعقوب عليه السلام المسجد الأقصى كما ورد في بعض الآثار.
3- دخله قوم موسى -عليه السلام- بعد التيه حين جاهدوا الكفار فنصرهم الله ودخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لهم -كما في سورة المائدة- وعبدوه وحده لا شريك له.[11]
4- بلغ أوج عظمته في البناء حين أعطى الله تعالى سليمان عليه السلام الملك العظيم، فسخر البنائين من الجن والإنس لبنائه، ليكون بيتاً لعبادة الله وحده، وسأل ربه تعالى أنه {أيما رجل خرج من بيته لا يريد إلا الصلاة في هذا المسجد، أن يخرج من خطيئته كيوم ولدته أمه }
5 - سماه اليهود "الهيكل" وهي تسمية وثنية معروفة، مع أن التوراة تسميه بيت الرب في مواضع كثيرة جداً، وليس الإشكال في مجرد الاسم بل حرفوا وابتدعوا حتى صار دينهم كـالوثنية . والتوراة في مواضع كثيرة تسجل عليهم أنهم عبدوا بعلاً وتموز ومناة وغيرها من الأصنام.
6 - تعرض لهجمات عدائية وأحداث كبرى سيأتي بعضها في فقرة تالية.
7 - أسري بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليه قبل الهجرة.
8 - افتتح المسلمون بيت المقدس ، ودخله أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه.
9 - استولى عليه اليهود سنة (1387 هـ - 1967م) وأرادوا محوه من الوجود ولا يزالون.
وأخطر حدث يمكن أن يقع في المرحلة اللاحقة هو حرقه، أو نسفه، أو طمس معالمه وتحويله إلى جزء من بناء مقترح يخطط اليهود لإقامته.
10 - يزعم اليهود أن هيكل سليمان تحته أو حواليه، وقد نبشوا الأرض وجعلوها سراديب، وحللوا مئات الأطنان من الآثار المطمورة فما رأوا للهيكل المزعوم من عين، ولا وقعوا له على أثر!!
إنها آية من آيات الله، الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، أن يبقى بيت الله الأول، الذي رفع قواعده إبراهيم عليه السلام ظاهراً معموراً محفوظاً مقدساً ما يزيد على أربعة آلاف سنة بل أكثر، فقد حج إليه الأنبياء قبل إبراهيم عليه السلام، وكان مصوناً مقصوداً زمن عاد وثمود، وفي الوقت نفسه تندثر هياكل بابل ونينوى وأورشليم ، وتماثيل قوم نوح وأصنام عاد وثمود! وقرون بين ذلك كثير.. وأن يُسقط أهل الكتاب أنفسهم في الحفرة نفسها، مع أنهم يَدَّعون الانتساب إلى إبراهيم عليه السلام، فهم ينقبون ملفات التاريخ المأثور والمطمور، والنهاية إما: ألا يجدوا شيئاً، وإما أن يجدوا ما يشهد لدين الله لا لدينهم.
إن كل ما أوتيته أمريكا وإسرائيل من زينة الحياة الدنيا لا يسلِّيهم من غمِّ الحسرة، ولا يبل جمرة الحسد الذي يأكل قلوبهم حين يرون هذه الأمة الأمية تملك ناصية الحقيقة، وتتقلب في نعيم النور.
هؤلاء البائسون يحفرون في تركية ، وشمال العراق ، وجنوب مصر وفي كل مكان، فلا يجدون إلا بواصل تشير باستمرار إلى منبع الحضارة الإنسانية، ومركز القيادة العالمية "جزيرة الأمة الأمية".
هذا شأنهم منذ قرون، ومئات الملايين من الجنيهات والدولارات ينفقون؛ لتنطق الشواهد كلها عليهم! فهل رأيت من يستأجر محامياً لإثبات دعوى خصمه؟! إنها حكمة الله!!
نحن المسلمون تشهد لنا نصوص الكتب المقدسة، وتخدمنا حقائق التاريخ، ويُسَخَّر أعداؤنا للشهادة لنا! لماذا؟.
لأننا نؤمن برسل الله جميعاً، ونقدس كل ما قدس الله بلا عنصرية ولا هوى، وموقفنا واضح كالشمس: فالمسجد الحرام هو المسجد الحرام، سواءً حين بناه آدم، وحين بناه إبراهيم، وحين بنته قريش -على شركها وجاهليتها- وحين بناه المسلمون، ومتى أعيد بناؤه -كله أو بعضه- إلى قيام الساعة.
وكذلك المسجد الأقصى -عندنا- هو المسجد الأقصى، حين بُنِي أول مرة، وحين بناه سليمان عليه السلام، وحين صلى فيه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحين بناه المسلمون بعد، ومتى أعيد بناؤه إلى قيام الساعة.
ونحن نعتقد صحة ما جاء في سفر الملوك من قول الله لسليمان عليه السلام بعد بناء المسجد وهو: 'قدستُ هذا البيت الذي بنيته، لأجل وضع اسمي فيه إلى الأبد'.
فهذا حق ولا زلنا - ولله الحمد - نقدس هذا البيت، ونعبد الله فيه.
أما اليهود الذين أبوا إلا العنصرية والتلبيس - فعن أي شيء يبحثون؟!
إن كانوا يريدون المكان المقدس عند الله؛ فها هو ذا قائم ظاهر فليعبدوا الله فيه كما شرع على لسان خاتم رسله وأنبيائه، ومجدد ملة إبراهيم عليه السلام.، وماذا عليهم لو أسلموا فاهتدوا إلى الحق وعرفوا الحقيقة؟!
وإن كانوا يريدون البناء -مجرد البناء- فما قيمة الحجارة في ذاتها إذا كان ما يتعلق بها من الشعائر منسوخاً أو باطلاً لا يقبله الله؟!
ولو قدرنا أن هذا البحث استمر إلى قيام الساعة، ولم يعثروا على شيء ذي بال فما النتيجة؟
إنها -بلا ريب- تكذيب وعد الله لسليمان عليه السلام ببقائه مقدساً إلى الأبد!
فلماذا التعامي عن حقيقة شرعية دينية، وحقيقة تاريخية واقعية؟
إنه برسالة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحدها تطابق حكم الله الشرعي مع حكمه الكوني القدري، فالمسجد المقدس ديناً وشرعاً يقدس على أرض الواقع حساً مشاهداً.
أما الترتيب في الفضل والقداسة فمسألة أخرى، ولها حكم عظيمة أعظم بكثير من وجود الهيكل أو عدمه.
حينما كانت النبوة في ذرية إبراهيم عليه السلام كان المسجد الأقصى محور الأحداث، ومسجد الأنبياء من ذرية إسحاق، ولما أراد الله نـزع النبوة والكتاب منهم، وجعلها في فرع إسماعيل اقتضت حكمته أن يولد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في البلد الحرام نفسه، حيث تعلم العرب قاطبة أنه من ذرية إسماعيل، وأن يولد في العام الذي صد الله أصحاب الفيل النصارى عن بيته الحرام!
فأهل الكتاب لـمَّا لم يجدوا بيتهم المزعوم، وعجزوا عن تسخير القلوب للبيوت البديلة في روما وصنعاء ، سعوا إلى هدم بيت الله نفسه، وسيظلون يسعون حتى يهدموه بين يدي الساعة!!
وشهد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بناء البيت قبل النبوة، ثم بعد بعثته حين أراد ربه الكريم أن يفرض عليه أعظم شعائر الإسلام العملية (الصلوات الخمس) أسري به أولاً إلى المسجد الأقصى -وفي ذلك من العلاقة والرابطة ما فيه- وهناك صلى بالأنبياء الكرام، ومن هناك عرج به إلى السماء، وظل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي إلى المسجد الأقصى مع تشوقه إلى أن يصلي إلى الكعبة، وكان الأمر في مكة له مخرج بأن يجعل الكعبة بينه وبين القبلة، وتعذر ذلك حين هاجر إلى المدينة ، وظل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستقبل المسجد الأقصى بضعة عشر شهراً، لحكمة جليلة لو كان أهل الكتاب يعقلون! فإنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما يتبع ما يوحى إليه من ربه لا ما ترغبه نفسه، كما أن في استقباله للمسجد الأقصى ما ينطق بنبوته وتعظيمه للأنبياء، وأنه على سنتهم ومنهاجهم، ثم جاءه الأمر من ربه بالتحول فتحول إلى بيت الله الأول ومقام أبيه إبراهيم، فكان ذلك تمحيصاً للإيمان، واختياراً لهذه الأمة الوسط، وحكماً أبدياً على من لم يستقبل القبلة الجديدة ببطلان دينه، ورد عبادته، وحرمانه من اتباع ملة إبراهيم عليه السلام، وشهادة عظيمة على أن كفر أهل الكتاب إنما هو عن حسد وبغي مع معرفةٍ واستيقانٍ للحق.
وهكذا جاءت آيات القبلة في كتاب الله المحفوظ في سورة البقرة من (142-150) ومنها قوله تعالى: وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ [البقرة:144] وقوله: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ )[البقرة:146] بل نجد السياق يمهد لذلك من أول السورة؛ ولاسيما من قوله تعالى: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ... )[البقرة:124]، حيث نص على إسلام إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط، وأمر هذه الأمة بالإيمان بما أنـزل إليهم، وأبطل قول أهل الكتاب بأنهم كانوا هوداً أو نصارى..!!
آية كالشمس أن يضل اليهود والنصارى عن دين إبراهيم عليه السلام وقبلته ومسجده المحجوج المعمور الذي لا نظير لـه في الدنيا كلها، فلو أن كنيساً لليهود اجتمع فيه مرة واحدة في السنة مثلما يجتمع في هذا المسجد الحرام من المصلين في فريضة واحدة من الصلوات الخمس اليومية؛ لجعلوه حادثاً تاريخياً!! ثم هم يبحثون وينقبون عما لا وجود لـه إلا في مخيلتهم التي أفسدتها الوثنيات منذ القدم.
وإذا جادل أهل الكتاب، وعميت أبصارهم عن هذه الآيات الباهرات، فلن يستطيعوا أن يكابروا فيما هو مسطور في نفس كتابهم المقدس عن مكة والقبلة الجديدة، فلنذكر طرفاً من ذلك ليعلم الأمريكان واليهود ومن وراءهم أنه لا حَظَّ لهم في الإيمان، ولا في ميراث الأنبياء إلا الدعاوى والأماني، وأن الجري وراء سراب الأرض الموعودة والهيكل لن يثمر لهم إلا البعد عن الصراط المستقيم، والدخول في التيه الذي لا مخرج فيه.
فها هي ذي بعض صفات بيت الله الكعبة، وبلده الحرام مكة من كتابهم المقدس، نورد أكثرها بالنص الحرفي وبعضها بالمعنى اختصاراً:
1- أورشليم الجديدة أورشليم المسيحية ...(بالشين أي الخلاصية التي في عهد المشيح أي المخلّص الموعود) .
2 - في برية أو جبال فاران التي عاش فيها إسماعيل وأمه، وأنبع الله لهم الماء فيها.
3 - المدينة التي كان إبراهيم يتطلع إليها بشوق.
4 - سكانها بنو قيدار. (ذرية إسماعيل).
5 - هي بلد الأمين الصادق: رئيس الخليقة.
6 - ليس فيها هيكل.
7 - هيكل سليمان في كل عظمته لا يعتبر شيئاً بالنسبة للبيت الجديد.
8 - البيت الجديد شكله مكعب.
9 - المكعَّبة فيها حجر كريم.
10 - تتـزين بالإكليل والحلي كالعروس.
11 - يهابها كل من يناوئها ولا يدنو منها الرعب.
12 - عند الكعبة نبع ماء الحياة مجاناً فيه شفاء (زمزم).
13 - تفتح أبوابها ليلاً ونهاراً لا تغلق.
14 - تجثو عندها كل ركبة في الكون.
15 - تكون هناك سكة وطريق يقال لها: الطريق المقدسة لا يعبر فيها نجس.
16 - لا يدخلها شيء نجس.
17 - أبناؤها أكثر من أبناء القدس .
18 - تضيق بسكانها والداعين فيها.
19 - يسجد الملوك أمامها ويلحسون غبارها!!
20 - تزول الجبال والآكام ولا يـزول إحسان الله وسلامه عنها.
21 - تتحول إليها ثروة البحر، ويأتي إليها غنى الأمم.
22 - يجتمع إليها الناس ويأتون من بعيد.
23 - تضيق أرضها عن الإبل والغنم القادمة من الغرب والشرق: سبأ ومدين وفاران وقيدار، ويخدمها رجال مأرب .
24 - لها جبل مبارك تسير إليه الأمم ليعبدوا الله فيه (عرفة ).
25 - الكل عند البيت سواء في حرية التقرب إلى الله.
26 - مكتوب اسم الله على جباه أهلها!! سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ [الفتح:29].
27 - يمتنع العباد حول البيت عن ما يصدر عن الطبيعة (البول والغائط).
28 - يكون رأس الرجل عارياً، والمرأة تغطي رأسها، ويلبسون من الحقوين إلى الفخذين، ويجزون شعر رأسهم جزاً (الإحرام والتحلل)[12]
لقد حار مفسرو التوراة بشأن هذه المدينة؛ لأنهم لا يريدون الإقرار بالحقيقة.
صفات جليلة كالشمس؛ ولكن مفسري "البايبل" تعاموا عنها وتخبطوا في تفسيرات متناقضة!
فتارة يزعمون أن هذه الأوصاف لمدينة سماوية، وتارة يزعمون أنها أورشليم رمزية، وتارة يزعمون أنها أورشليم الكاملة المشيحية، أي: التي ستكون في العهد الألفي السعيد!!
ولم يعلموا أنهم بهذه التفسيرات قد شهدوا على أنفسهم أنها ليست هي أورشليم القدس المعروفة، وأن أهلها ليسوا بني إسرائيل هؤلاء، وهكذا أشرق الصبح لذي عينين -ولله الحمد- وأظهر الله الحقيقة ولو كره الحاسدون.
ومَن شك في هذا من مثقفي الغرب فما عليه إلا أن يشاهد النقل الحي لشعائر التراويح، أو الحج على الفضائيات، ويقارن بين ما يقرأ من الصفات وما يرى بأم عينه؛ ليعلم لماذا خاطب الله علماء ملته بقوله: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [آل عمران:71].
ويتذكر قول المسيح للمرأة السامرية حين سألته: أي قبلتي بني إسرائيل أفضل؟ 'صدقيني أيتها المرأة تأتي ساعة فيها تعبدون الرب لا في هذا الجبل (في السامرة ) ولا في أورشليم ' .
وإذا ثبت هذا فالأمانة العلمية وحرية البحث توجب أن يعيد النظر في كل النبوءات، ويشك في كل التفسيرات، ولن يجد حينئذٍ أي صعوبة في التمييز بين الأمة المصطفاة الموعودة بنصر الله، وبين الأمة الملعونة التي تقيم رجسة الخراب على أرض الأنبياء، وليعلم أن هذا مثال واحد فقط! ولو عرضنا عليه نبوءات أخرى لكانت النتيجة نفسها (ولكن توفيراً لوقتنا ووقته سوف نقدم لـه المفاتيح الأساس لحل رموز النبوءات كلها، من خلال هذه الهدية التي نرجو أن يحملها إلى أقرب "ربِّي" أو "قسيس").
هدية إلى أهل الكتاب
يا أهل الكتاب! حتى متى إضاعة الأعمار وتبديد الجهود في تفسير نبوءات كتابكم؟! وإلى متى تظلون غارقين في تفكيك الرموز وحل المعادلات؟ ويناقض بعضكم بعضاً في التأويلات؛ بل يتناقض المفسر الواحد منكم في الصفحة الواحدة أو الكتاب الواحد؟ والعملية كلها أسهل من حل الكلمات المتقاطعة في مسابقة للأطفال؟!
قد كتبتم عن النبوءات -ولا زلتم- ما لو جمعت مجلداته وفرشت بها أرض فلسطين لملأتها! فلماذا لا تختصرونه في مجلد واحد غير متناقض؟! ونحن نقدم لكم مجاناً مفاتيح الحل فتأملوا:
1- أورشليم الجديدة = مكة .
2 - الأمين الصادق = رئيس الخليقة = رئيس القديسين = الفارقليط = محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
3 - ابن الإنسان الآتي في آخر الزمان = ابن الرجل نبي آخر الزمان = محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأن المسيح عليه السلام هو ابن المرأة، وهو يخبر عن الرسول العظيم الآتي من بعده بأنه ابن الرجل، ولا يستقيم كون عيسى: ابن الرجل مع حاله، ولا مع عقيدتهم، فهم يعتقدون أنه ابن الله -تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً- .
4 - المسيح = المسيح عيسى بن مريم عبد الله ورسوله، وأخو محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الرسالة، وأولى الأنبياء به.
5 - المسيح الدجال = المسيح الدجال.
6 - الوحش = الصهيونية بوجهيها اليهودي والأصولي.
7 - النبي الكذاب = بولس والبابوات من بعده، وكل من يدَّعي أنه المسيح أو أن المسيح حلّ فيه أو أوحى إليه.
8 - جوج = يأجوج ومأجوج.
9 - القرن الصغير = رجسة الخراب = دولة إسرائيل.
10- بابل الجديدة = الحضارة الغربية المعاصرة عامة والأمريكية خاصة.
11 - الامبراطورية الرومانية الجديدة = الولايات المتحدة .
ينبغي لمن يريد الحق منكم ويبحث عن الإيمان الصحيح والدين الذي يقبله الله أن يعيد قراءة الكتاب المقدس وفقاً لهذه المفاتيح المجانية، ويقارن عمله بما في أي كتاب للأصوليين والشراح - قديماً وحديثاً - ثم يرى النتيجة بنفسه، مع وضع هامش احتياطي للخطأ سببه التحريف الواقع في الكتاب المقدس منذ القدم!
بدر بن عبدالمحسن
07-04-2007, 13:22
هدية إلى أهل الكتاب
الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي
من كتاب: شهادة قطعية
يا أهل الكتاب! حتى متى إضاعة الأعمار وتبديد الجهود في تفسير نبوءات كتابكم؟! وإلى متى تظلون غارقين في تفكيك الرموز وحل المعادلات؟ ويناقض بعضكم بعضاً في التأويلات؛ بل يتناقض المفسر الواحد منكم في الصفحة الواحدة أو الكتاب الواحد؟ والعملية كلها أسهل من حل الكلمات المتقاطعة في مسابقة للأطفال؟!
قد كتبتم عن النبوءات -ولا زلتم- ما لو جمعت مجلداته وفرشت بها أرض فلسطين لملأتها! فلماذا لا تختصرونه في مجلد واحد غير متناقض؟! ونحن نقدم لكم مجاناً مفاتيح الحل فتأملوا:
1- أورشليم الجديدة = مكة .
2 - الأمين الصادق = رئيس الخليقة = رئيس القديسين = الفارقليط = محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
3 - ابن الإنسان الآتي في آخر الزمان = ابن الرجل نبي آخر الزمان = محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأن المسيح عليه السلام هو ابن المرأة، وهو يخبر عن الرسول العظيم الآتي من بعده بأنه ابن الرجل، ولا يستقيم كون عيسى: ابن الرجل مع حاله، ولا مع عقيدتهم، فهم يعتقدون أنه ابن الله -تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً- .
4 - المسيح = المسيح عيسى بن مريم عبد الله ورسوله، وأخو محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الرسالة، وأولى الأنبياء به.
5 - المسيح الدجال = المسيح الدجال.
6 - الوحش = الصهيونية بوجهيها اليهودي والأصولي.
7 - النبي الكذاب = بولس والبابوات من بعده، وكل من يدَّعي أنه المسيح أو أن المسيح حلّ فيه أو أوحى إليه.
8 - جوج = يأجوج ومأجوج.
9 - القرن الصغير = رجسة الخراب = دولة إسرائيل.
10- بابل الجديدة = الحضارة الغربية المعاصرة عامة والأمريكية خاصة.
11 - الامبراطورية الرومانية الجديدة = الولايات المتحدة .
ينبغي لمن يريد الحق منكم ويبحث عن الإيمان الصحيح والدين الذي يقبله الله أن يعيد قراءة الكتاب المقدس وفقاً لهذه المفاتيح المجانية، ويقارن عمله بما في أي كتاب للأصوليين والشراح - قديماً وحديثاً - ثم يرى النتيجة بنفسه، مع وضع هامش احتياطي للخطأ سببه التحريف الواقع في الكتاب المقدس منذ القدم!
بدر بن عبدالمحسن
07-04-2007, 13:25
عودة اليهود والفجوة الكبرى
الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي
من كتاب: يوم الغضب هل بدأ بانتفاضة رجب؟
إن قارئ أسفار التوراة -لاسيما أنبياء عهد السبي وما بعده - يجد بوضوح تام أنها تشتمل على نبوءات عن اليهود في آخر الزمان، وأن لهم بقية يكون لها اجتماع ومملكة أخرى في فلسطين ، وأن الله سوف يسلط عليهم غضبه بواسطة أمة قديرة تجتمع عليهم من أطراف الأرض.
ولكن قارئ الشروح والتفاسير سوف يحار ويتيه؛ لكثرة الاختلاف والتناقض بينها في تأويل هذه النبوءات وتنـزيلها على الواقع، وهو ما يتـزايد مع الزمن بظهور فرق جديدة وآراء جديدة.
لكننا نستطيع مساعدة القارئ بالقول: إن جملة هذه الآراء تنحو طريقتين:
1 - أن تكون تلك النبوءات قد حدثت فعلاً، وهو رأي قديم، فاليهود في كل عصر ينـزلون تلك النبوءات عليه ترقباً للخلاص، وهذا يشبه الدول التي قامت في التاريخ الإسلامي باسم المهدي المنتظر، كدولة بني عبيد، ودولة الموحدين وغيرها، فآمن بها أناس -ولا يزال لها أتباع- وكما في إنجيل (متّى) الذي يجعل واضعه النبوءات في المجيء الأول للمسيح؛ وبهذا تأثر الكاثوليك فمال أكثرهم إلى هذا الرأي.
وهذا الرأي هو الأساس الذي بنى عليه رواد مدرسة النقد التاريخي للكتاب المقدس في عصر التنوير عملهم، حتى تطرف بعضهم فـزعموا أن كلام الأنبياء إنما هو تاريخ للماضي لا حديث عن المستقبل، فهم إذن مجرد أخباريين نقلة، وليسوا أنبياء!!
وهذا الاتجاه مناقض لتلك النبوءات نصاً وروحاً، إذ كيف يقول الله لنبي: 'قم وتنبأ على إسرائيل أو على مصر ، أو على أدوم'.
ويكون ذلك قد وقع فعلاً من قبل؟
وما من دليل على تأخر عصر الأنبياء عن الأحداث التي ذكروا إلا مجرد التخمين؛ بل المجازفة.
ولهذا لا نجد مشقة في رد هذا الرأي من أصله، لاسيما وقد أصبح التاريخ مكشوفاً لنا أكثر من ذي قبل بكثير، ولم يعد لمنهج الرد بالجملة من مبرر.
2 - أن هذه النبوءات - على ظاهرها - حديث عن المستقبل، وهو الاحتمال المنطقي الصحيح، لاسيما وأن تنـزيلها على المجيء الأول للمسيح غير معقول عقلاً وواقعاً، فهي تتحدث عن دولة وممالك وحروب..، مما لم يكن قط في عصر المسيح، ولهذا فإن أكثر الشُّرَّاح من اليهود والنصارى -وخاصة في القرون الأخيرة- ينـزلون مثل هذه النبوءات على العهد الخلاصي، أو "المشيحي" (بالشين) -كما يسمونه- أي: أحداث آخر الزمان بين يدي الدينونة الكبرى أو معها، والعهد الخلاصي منوط عند النصارى بالمجيء الثاني للمسيح، في حين يعتقد اليهود أنه منوط بالملك من نسل داود المسمى عندهم "ملك السلام".
ومعنى ذلك أن كلا الطرفين هنا؛ بل كِلاَ الطريقين في دراسة النبوءات يتفقان على أنه منذ عصر المسيح عليه السلام أو بعده بقليل، لا يوجد شيء من أحداث التاريخ تنطبق عليه النبوءات، وسيظل الأمر كذلك إلى أحداث الساعة الكبرى، وهذا بلا شك افتراض جائر لا يسوغه إلا سبب عظيم جداً!!
إذن فلا بد أن هناك أمراً ما يتعمد هؤلاء تحاشيه بالهرب من إنـزال هذه النبوءات على المرحلة التاريخية الفاصلة بينهم وبين المسيح، فما هو هذا الأمر؟
ولماذا هذا الإصرار على ترك تلك الفجوة مفتوحة لتـزداد اتساعاً بمرور الزمن؟!
فربما بلغت الآلاف من السنين والعلم عند الله تعالى وحده.
لا شك أن هذا لم يأت صدفة، ولكنهم وجدوا أن أعظم حدث تاريخي في هذه المرحلة هو بعثة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وظهور دينه على الأديان كلها، ولم يكن أمامهم سوى أحد احتمالين: -
1- إما أن يؤمنوا بما جاء عنه من البشارات التي تضمنتها نبوءات الأنبياء، أو على الأقل بما ينطبق على أمته منها، وهذا فيه إيمان به، أو إقرار بأن بعض النبوءات قد جاء عنه، وهذا يجر بتسلسل منطقي إلى ما بعده، وفي النهاية يمكن بسهولة ووضوح وضع اللبنات المفقودة في بناء النبوءات، وإذا بالبناء كله صورة ناطقة بشهادة الحق للإسلام ودولته وحضارته!!
وهذا السبيل قليل من سلكه من شرَّاح أهل الكتاب؛ لأن الواقع أن من سلكه قد انتظم في سلك هذه الأمة المختارة، وهم أخرجوه أن يكون منهم!!
2 - وإما أن يضربوا صفحاً عن كل ما يتعلق بهذا الدين، ويكتموه كتماً يدهش لـه كل ناظر، وهذا ما اختاروه إلا قليلاً منهم.
ولا بد هنا من الإشارة إلى أن كفارهم الأولين خير منهم -وأعني بهم باحثي العصور الوسطى- فإنهم لم يستطيعوا تجاوز تلك المرحلة، لكنهم اختلفوا طوائف:
1- فمنهم من وجد أنه لا مناص من الإقرار بنبوة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن بعثته وملك أمته هو أعظم حدث في التاريخ العالمي كله، فلا يعقل أبداً أن تأتي النبوءات عن أحداث محلية لعشيرة صغيرة -كبني إسرائيل- وتتجاهل الحدث الأكبر الذي يتمثل في تقويض الامبراطوريات الوثنية العالمية، وقيام مملكة موحدة تعبد الله، وتقدس جميع رسله على أنقاضها! وهي المملكة التي بسطت نفوذها ونشرت العدل والطمأنينة على الدين والنفس والمال في معظم المعمورة، وهؤلاء تعارضت عندهم هذه الحقيقة الصارخة مع تعصبهم الأعمى لدينهم، فرأوا أن المخرج من ذلك هو الادعاء بأنهم غير مخاطبين بشريعة الإسلام، وأن الإسلام دين خاص بالعرب، ومن أشهر هؤلاء: "بولس الراهب " الذي رد عليه شَيْخ الإِسْلامِ في كتابه الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح .
2- ومنهم من كبر عليه إثبات نبوته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فـزعم أنه ملك من الملوك كما كان بختنصر وسنحاريب ، وأن ملك أمته هو امتداد لتلك الامبراطوريات الوثنية . وهؤلاء في الحقيقة لا للنبوءات اتبعوا، ولا بالإسلام آمنوا، ولا لبني دينهم نفعوا، فكانوا أقل ممن سبقهم عدداً وأثراً!
3 - ومنهم من غلا وطغى وعكس الحقيقة، وجعل الليل نهاراً والنهار ليلاً، فـزعم أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو الدجال أو النبي الكذاب أو الوحش المذكور في النبوءات، وأن المحاربين لـه ولأمته هم القديسون الأطهار، والملائكة الأبرار، وعلى هذا التأويل الفاحش اعتمد دعاة الحملات الصليبية من البابوات والرهبان في تأجيج حماس الجماهير الغبية وسوقها إلى بلاد الإسلام. [13]
إن النتائج السلبية الواضحة لهذه الآراء الثلاثة جعلت خيار الصمت والتجاهل هو المفضل لدى أكثر الباحثين؛ لاسيما المتسترين بالموضوعية العلمية!!
وهذه الآراء القديمة كادت أن تختفي في خضم الصراع العنيف في العصر الحديث بين الكنيسة والعلم من جهة، وبين الطوائف النصرانية نفسها من جهة أخرى، وصادف ذلك خضوع المسلمين -شبه الكامل- للغرب، وخروج اليهود من أحيائهم الخاصة (الجيتو) وجريهم وراء الذهب والربا والاحتكار متناسين أرض الميعاد وعهد الخلاص.
ولكنَّ ولادة الحركة الصهيونية أعادت هذه القضايا إلى ساحة الإيمان الديني والجدل الفكري.
والعجيب أن الحركة الصهيونية لم تولد يهودية ؛ بل هي نصرانية الأصل والمنشأ، والداعون لها من اليهود جاءوا تبعاً، وكانوا من العلمانيين، ولا تخطئ العين رؤية المزارع الصهيونية "كـيبوتـز " نموذجاً للتطبيق الاشتراكي، ولا يحتاج الباحث إلى دليل ليقول: إن كثيراً من اليهود يرون في قيام هذه الدولة تجاوزاً لأحكام الله ونذيراً بهلاك اليهود. فالحركة الصهيونية النصرانية المتمثلة في الأصولية السالف ذكرها هي التي أعادت المعركة جذعة، وهي التي روجت - ولا تزال - للتأويلات الباطلة للنبوءات، وهي التي اعتبرت قيام الدولة اليهودية مقدمة لنـزول المسيح، وابتهجت بفشل مشروع السلام وقيام الانتفاضة الأخيرة..
إن هؤلاء هم الذين أظهروا بصورة عملية جلية عمق تلك الفجوة التاريخية، وريبة ذلك الصمت أو التجاهل، ومن ثم جرُّوا سائر بني ملتهم جراً إلى الخوض فيها بعد أن كانت خطراً ممنوع الاقتراب!!
وهكذا وقع الفكر العالمي عامة، والدراسات المستقبلية خاصة في فوضى صاخبة، وأزمة عنيفة سببها المفارقة والتصادم بين التسليم بأن كل نبوءات الخلاص والعدل والسلام والأمة التي يتخذها الله أداة لانتقامه، ويسلطها على قوى الكفر والظلام والفساد لن تتحقق إلا في نهاية الزمان وعلى يد المسيح عليه السلام، وبين الرفض العقلي المطلق لدعوى أن قيام دولة إسرائيل وحلول الألفية هو بداية نهاية الزمان، وأن ذلك المستقبل البعيد هو هذا الحاضر المشهود؛ والسبب في هذا هو الفكر الكتابي المتناقض الذي فتحت طائفة من أهله الفجوة التاريخية الكبرى، وجاءت أخرى لتسدها بكل ما هو لا عقلي ولا منطقي!!
وهكذا ضاع الحق عند أهل الكتاب بين تجاهل مقصود وتحريف متعمد، وصدق الله تعالى: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [آل عمران:71] .
وليس قلب الحقائق هو جريمة أهل الكتاب هؤلاء فحسب، بل إن قطع الرجاء لدى البشرية بالخلاص، وإفقادها الأمل في انتصار الحق والخير والسلام هو جريمة أخرى يجب أن يتفق على إنكارها العقلاء من كل ملة!!
إذ من البدهي أن عقلاء العالم -ومنهم عقلاء أمريكا نفسها- لن يؤمنوا قط بالمستقبل كما يرسمه هؤلاء، وإذن! فأين الخلاص والرجاء..؟!
أين حكمة الخالق العظيم ورحمته وعدله التي نطقت بها الكتب، ودلت عليها الفطر، واستدلت عليها العقول، وشهد لها الواقع التاريخي الطويل..؟!
أتكون هذه هي النهاية المحزنة أو المعتمة للجنس الذي كرمه الله على سائر المخلوقات..؟
إن هذا غير ممكن أبداً، لأنه لا يمكن إثبات الحقيقة وتنوير البشر إلا الباحث المسلم وحده، فهو الذي يمتلك النقل الصحيح والعقل الصريح معاً؛ لأنه لا يتمسك بالعدل أو الحياد العلمي خوفاً من النقاد، بل تقوى لله واستجابة لأمره، لذلك كله ندعو المسلمين إلى القيام بواجبهم في هذا الشأن، ونرجو أن يكون فيما نُسطره هنا ذكرى لهم وتنبيه لمحبي الخير والعدل من كل ملة وأمة؛ ولاسيما أهل الكتاب الذين نأمل أن تعيد طائفة منهم النظر في النبوءات على ضوء القراءة التي سنقدمها لهم .
بدر بن عبدالمحسن
07-04-2007, 13:29
نبوءة دانيال العظمى
الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي
من كتاب: يوم الغضب هل بدأ بانتفاضة رجب؟
دانيال عليه السلام نبي من أنبياء بني إسرائيل، له سفر باسمه في كتاب أهل الكتاب يتميز عن أكثر الأسفار بأمور، وإن كان يشاركها في المشكلة العامة وهي وقوع التحريف أو التعديل، ومن ميزاته:-
1 - وضوح عقيدة التوحيد، فهو يُسمي الله تعالى بـ"إله السموات" خلافاً لتلك الأسفار التي تسميه "رب القوات" -وهي تسمية يهودية تكشف عن النظرة اليهودية لله وللناس- وهو يصف الله بما لا نظير لـه في غيره، فهو الحي القيوم الذي لـه الحكمة والجبروت والعلم والتدبير والقدرة، وأنه رب الملوك وكاشف الأسرار والمستحق وحده للسجود والعبادة، وأن السحر والكهانة والتنجيم باطل... إلخ.
2- تطابق ما فيه من النبوءات مع الواقع المعلوم بالتواتر من أحداث التاريخ؛ بحيث لا يشك فيها إلا مغرض.
3- اشتماله على بشارات صريحة بختم النبوة وظهور الرسالة الأبدية.
4- اشتمال نبوءته على أرقام محددة ظلت مدار بحث وجدل طوال التاريخ.
أما دانيال نفسه فهو أشبه الأنبياء بيوسف عليه السلام، إذ هو غريب مضطهد، لكن الله رفعه بالعلم وتعبير الرؤيا لدى الملك، وهو داعية توحيد لا تثنيه الفتن عن ذلك.
وله في الإسلام حادثة مشهورة رواها ابن إسحاق وابن أبي شيبة والبيهقي وابن أبي الدنيا وغيرهم، عن التابعين الذين شهدوا فتح "تستر " -ومنهم أبو العالية ومطرف بن مالك - وفيها مما يهم موضوعنا هنا أن الجيش الإسلامي الفاتح وجدوا دانيال وهو ميت على سرير لم يتغير منه شيء إلا شعيرات من قفاه، وعند رأسه مصحف، فأخذوا المصحف فحملوه إلى عمر رضي الله عنه، فدعا لـه كعب الأحبار فنسخه بالعربية، قال أبو العالية : ' فأنا أول رجل قرأه، قال الراوي عنه: فقلت لـأبي العالية : ما كان فيه؟ قال: سيرتكم، وأموركم، ولحون كلامكم، وما هو كائن بعد!' [14]
فالنص إذن مترجم إلى العربية، وعلى يد الماهر الخبير كعب الأحبار ، وقرأه من قرأه، فلا يستبعد أن يكون علماء الإسلام المؤلفون في البشارة بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الكتب السابقة كـابن قتيبة ، وابن ظفر قد اطلعوا عليه، وإن لم يكن الأمر كذلك، وكان مصدرهم نسخ التوراة في عصرهم فهو أبلغ وأقوى. فهم غير متهمين في نقلهم، وأهل الكتاب المعاصرون لهم لم يكذِّبوهم فيه!!
بل قال ابن قتيبة كما نقل عنه شَيْخ الإِسْلامِ في الجواب الصحيح :
'وهذه البشارة الآن عند اليهود والنصارى يقرأونها ويقولون: لم يظهر صاحبها بعد!'
ومع ذلك فنحن هنا لن نعتمد على ما ننقله عن العلماء المسلمين؛ بل على ما هو موجود بين أيدي أهل الكتاب اليوم.
نبوءة دانيال العظمى
رأى الملك نبوخذ نصر أو "بختنصر " رؤيا أزعجته، استدعى السحرة والعرافين لبيانها وتأويلها فعجزوا كلهم، ولكن دانيال تضرع إلى الله تعالى، فألهمه الرؤيا وتفسيرها، ولما دخل على الملك، قال له: 'السر الذي طلبه الملك لا تقدر الحكماء ولا السحرة ولا المجوس ولا المنجمون أن يبينوه للملك، لكن يوجد إله في السموات كاشف الأسرار وقد عرَّف [الإلـهُ] الملكَ ما يكون في الأيام الأخيرة -وشرح ذلك قائلاً: أنت أيها الملك كنت تنظر وإذا بتمثال عظيم.
هذا التمثال العظيم البهي جداً وقف قبالتك ومنظره هائل، رأس هذا التمثال من ذهب جيد، صدره وذراعاه من فضة. بطنه وفخذاه من نحاس، ساقاه من حديد، قدماه بعضها من حديد والبعض من خزف، كنت تنظر إلى أن قطع حجر بغير يدين فضرب التمثال على قدميه اللتين من حديد وخزف فسحقهما. فانسحق حينئذ الحديد والخزف والنحاس والفضة والذهب معاً وصارت كعصافة البيدر في الصيف، فحملتها الريح فلم يوجد لها مكان، أما الحجر الذي ضرب التمثال فصار جبلاً كبيراً وملأ الأرض كلها، هذا هو الحلم، فنخبر بتعبيره قدام الملك: -
أنت أيها الملك ملك ملوك، لأن إله السموات أعطاك مملكة واقتداراً وسلطاناً وفخراً، وحيثما يسكن بنو البشر ووحوش البر وطيور السماء دفعها ليدك وسلطك عليها جميعها، فأنت هذا الرأس من ذهب، وبعدك تقوم مملكة أخرى أصغر منك، ومملكة ثالثة أخرى من نحاس فتتسلط على كل الأرض، وتكون مملكة رابعة صلبة كالحديد، لأن الحديد يدك ويسحق كل شيء، وكالحديد الذي يكسر تسحق وتكسر كل هؤلاء.
وبما رأيت القدمين والأصابع بعضها من خزف الفخار والبعض من حديد فالمملكة تكون منقسمة ويكون فيها قوة الحديد من حيث إنك رأيت الحديد مختلطاً بخزف الطين، وأصابع القدمين بعضها من حديد والبعض من خزف، فبعض المملكة يكون قوياً والبعض قصماً، وبما رأيت الحديد مختلطاً بخزف الطين فإنهم يختلطون بنسل الناس ولكن لا يتلاصق هذا بذاك كما أن الحديد لا يختلط بالخزف، وفي أيام هؤلاء الملوك يقيم إلـه السموات مملكة لن تنقرض أبداً وملكها لا يترك لشعب آخر، وتسحق وتفني كل هذه الممالك وهي تثبت إلى الأبد، لأنك رأيت أنه قد قطع حجر من جبل لا بيدين فسحق الحديد والنحاس والخزف والفضة والذهب.
الله العظيم قد عرّف الملكَ ما سيأتي بعد هذا. الحلم حق وتعبيره يقين.
حينئذ خرَّ بختنصر على وجهه وسجد "لـدانيال" وأمر بأن يقدموا لـه تقدمة وروائح سرور. فأجاب الملك دانيال وقال: حقاً إن إلهكم إله الآلهة ورب الملوك وكاشف الأسرار إذ استطعت على كشف هذا السر'.
هذا نص الرؤيا التي توصف دائماً بأنها أشهر وأصدق الرؤى الكتابية التاريخية، وتأويلها لا يحتاج إلى ذكاء ولا يصح فيه الخلاف؛ لأن النبي نفسه قد أوّلها، ولكن أهل الكتاب تعمدوا التلبيس وافتعلوا الاختلاف حسداً من عند أنفسهم من بعدما تبين لهم الحق، فقد أقروا بهذه الرؤيا وتأويلها قروناً، دون أن يدخلهم ريب في أنها على ظاهرها، وأن المملكة الأولى (الرأس الذهبي) هي مملكة بابل ، وأن المملكة الثانية (الصدر الفضي) هي مملكة فارس ، التي قامت بعد بابل وسيطرت على العراق وبلاد الشام ومصر ، وأن المملكة الثالثة (الفخذ من النحاس) هي مملكة اليونان الذين اجتاحوا مملكة الفرس بقيادة الإسكندر المقدوني سنة (333 ق.م) وأن المملكة الرابعة (الرجلين من حديد ثم حديد وخزف) هي الامبراطورية الرومانية التي انقسمت إلى شرقية عاصمتها بيزنطة = القسطنطينية ، وغربية عاصمتها روما .
لم يكن أحد من أهل الكتاب يشك في هذا إطلاقاً، بل كانوا جميعاً - لشدة إيمانهم به - ينتظرون المملكة الخامسة (مملكة الله)، التي تدمر ممالك الشرك والكفر والظلم، لاسيما المملكة الرابعة التي اضطهدتهم، فهي التي أذاقت اليهود الخسف والهوان ودمرت القدس سنة (70م) ونصبت الأصنام في المسجد، كما اشتهر عدد من أباطرتها بتعذيب النصارى بألوان من البشاعة والفظاعة قلَّ نظيرها في التاريخ، وليس نيرون الطاغية المشهور إلا واحداً منهم، وظلوا مضطهدين لهم ثلاثة قرون حتى دخل قسطنطين في النصرانية المحرفة، واستمر الاضطهاد لليهود والموحدين من النصارى وسائر الفرق المخالفة.
الممالك الخمس الواردة في نبوءة دانيال التي عبَّر فيها رؤيا بختنصر وقد ذكرنا ما قبلها للإيضاح.[15]
الدولة:
الدولة الإسلامية التي حكمت بكتاب الله "التوراة".
أهم ملوكها:
داود عليه السلام حكم من (1013-973 ق.م).
سليمان عليه السلام حكم من(973-933 ق.م).
ثم انقسمت مملكة بني إسرائيل إلى مملكة يهوذا وإسرائيل.
موقعها من الرؤية
قبل دانيال عليه السلام
الدولة:
مملكة الآشوريين (بابل )
أهم ملوكها:
سرجون الثاني حكم من772- 705ق.م.
أخضع الأراضي المقدسة لحكم الآشوريين.
الدولة:
مملكة الكلدان (بابل ).
أهم ملوكها:
بختنصر حكم من 630 - 562 ق. م.
دمر القدس وأخذ الإسرائيليين أسرى إلى بابل وعاصره دانيال وعبر رؤياه المشهورة.
موقعها من الرؤيا:
المملكة الأولى في الرؤيا (الرأس الذهبي).
الدولة:
مملكة الفرس الأخمينيين.
أهم ملوكها:
قورش الذي قضى على الكلدان
حكم من (550 - 529) ق.م.
موقعها من الرؤيا:
المملكة الثانية (الصدر الفضي).
الدولة:
مملكة اليونان
أهم ملوكها:
الإسكندر الكبير الثالث
حكم من (336 - 323) ق.م واستولى على الأراضي المقدسة (333) ق.م.
موقعها من الرؤيا:
المملكة الثالثة (الفخذ النحاسي)
الدولة:
مملكة الروم.
أهم ملوكها:
1 - الامبراطور أغسطين مؤسس النظام الامبراطوري الذي في أيامه ولد المسيح عليه السلام.
2- دقليد يانوس الذي قسم الامبراطورية دولتين: شرقية وغربية، لكل منهما قيصر مستقل. حكم من (284 -305) م.
3- قسطنطين الأول مؤسس القسطنطينية ومعتنق النصرانية توفي سنة (337م).
4- هرقل حكم سنة (610م) وفتح المسلمون الأراضي المقدسة في عهده وودعها إلى الأبد.
موقعها من الرؤيا
المملكة الرابعة ( الساقان الحديديان والأقدام من خزف وحديد ) .
في ذلك الجو القاتم من الاضطهاد كان أهل الكتاب ينتظرون المملكة الخامسة بفارغ الصبر، وكانوا يعلمون يقيناً أنها ستقوم على يد نبي آخر الزمان، المسمى عندهم "أركون السلام"، الذي على كتفه خاتم النبوة، والذي بشَّر به الأنبياء كلهم، حتى أن المهتدين من علمائهم جمعوا من سفر أشعياء وحده ثلاثين بشرى به [16] وكانوا يعرفون زمن بعثته بكثير من الدلائل النصية، والعلامات الكونية، ويترقبون تلك الدلائل والعلامات حتى جاء اليوم الذي قال فيه الامبراطور المتعبد العالم بدينهم هرقل : 'قد ظهر ملك أمة الختان'، وأيقن بذلك وشهد وهو زعيم الكفر الكتابي لزعيم الكفر الأمي حينذاك أبي سفيان [[بأن ملكه سيبلغ موضع قدميَّ ]] كما ثبت في الحديث الصحيح المشهور .
وفعلاً! قامت المملكة الربانية الخامسة، وملكت موضع قدمي هرقل ، وغادر الشام وهو يقول: 'سلام عليكِ يا سورية ، سلام لا لقاء بعده!!'
قامت فسحقت ممالك الوثنية ، وسيطرت على معظم المعمورة بالعدل والسلام، وكانت مساحتها تزيد على مساحة القمر. ودخل تحت لوائها من كل شعوب الأرض طوائف عظيمة، وهنا فقط! تفرق أهل الكتاب واختلفوا!!
وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ [البينة:4]
وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ [الجاثية:17]!!
فمنهم -وهم كثير جداً- من آمن واهتدى، ومنهم من كفر وذهبوا في كفرهم شيعاً لا حصر لها، ولا يزالون يتكاثرون وينقسمون كما تتكاثر الجراثيم!!
ويهمنا هنا الإشارة إلى اختلافهم بشأن رؤيا دانيال الواضحة:
لقد انقلبوا على أعقابهم!فبعد أن كانوا لا يختلفون أبداً في تأويل المملكة الرابعة (مملكة الروم) نراهم يتعسفون تأويلها، ويتعمدون تأجيلها أو تحويلها، أو على الأقل التعتيم عليها، كل ذلك تخلصاً وهروباً من الإقرار بالمملكة الأخيرة، على ما سبق إيضاحه في الفصل السابق.
وبلغ الأمر ذروته وعنفوانه في الحركة الأصولية الصهيونية النصرانية.
وقبل أن نعرض تأويلهم ومدى صحته نذكِّر بأن الرؤيا رسمت صورة بليغة لممالك الكفر، التي تعبد الأصنام المنحوتة من دون الله تعالى.
إن هذه الممالك هي بذاتها صنم لـه رأس، وصدر، وفخذ، ورجلان، وأصابع، صنم يجسد الوثنيات كلها؛ لكي تتضح في المقابل صورة الجبل الذي ينتصب مكان الصنم.
رمز في منتهى البساطة وصورة في غاية الوضوح، وما فعله هؤلاء هو تشويه هائل لا يتسق مع الصورة بحال.
فهم - لكي يجعلوا الجبل هو الألفية عند نـزول المسيح الثاني كما يعتقد النصارى، أو مملكة داود العظمى التي يرأسها المسيح اليهودي كما يعتقد اليهود - قالوا: إن هناك فجوة في نبوءة دانيال، وجعلوها بين الساقين والقدمين!!! ومن المعلوم أن طول المسافة الزمنية بين رأس التمثال وساقيه - أي: بين مملكتي بابل والروم (من وفاة بختنصر إلى استيلاء تيطس على القدس ) هو ستة قرون تقريباً لا أكثر.
يتبع
بدر بن عبدالمحسن
07-04-2007, 13:31
وهذه الفجوة التي يفتعلونها بين الساق والقدم طولها ألفا سنة!!
والمصيبة أنها ستظل تطول حتى قيام الساعة! فلنتخيل هذا التمثال الغريب الذي تطول الفجوة بين أعلاه وأسفله كل يوم!!
إنها صورة لا يصدقها العقل فضلاً عن أن يقبلها فنان أو يستحسنها ناظر.
وقد عرفنا لماذا افتعلوا هذه الفجوة، فالسؤال إذن! بماذا سدوا الفجوة؟!
لقد انتـزعوا " قطع غيار " شاذة من تمثال آخر وأرادوا إلحامها بالتمثال!!
إن هذا التـزوير لم ينجح، ولكنه بلا ريب ألقى ظلالاً من الضباب حول الرمز لابد من تجليته.
وجد هؤلاء أن لدانيال رؤيا أخرى - أو بالأصح في سفره رؤيا أخرى في الفصل السابع - هي رؤيا الحيوانات الأربعة، فسرقوا الحيوان الرابع وركبوه في التمثال، مما يذكرنا بأكذوبة "بلتداون" التي ارتكبها بعض الداروينيين حين أراد سد الحلقة المفقودة في سلسلة التطور، فركّب جمجمة من أعضاء إنسان وأعضاء قرد!!
والفرق أن الغش في الدين أعظم منه في أي شيء آخر!!
تقول الرؤيا الأخيرة: 'إن دانيال رأى أنه صعد من البحر المحيط أربعة حيوانات عظيمة مختلفة: - الأول: كالأسد، ولـه جناحا نسر...، والثاني: كالدب، وفي فمه ثلاثة أضلع، والثالث: مثل النمر، وله أربعة أجنحة وأربعة رءوس، والرابع: حيوان هائل قوي لـه أسنان من حديد، أكل وداس بقية الحيوانات برجليه، وله عشرة قرون طلع بينها قرن صغير طلعت من قدامه ثلاثة قرون، وظهر لهذا القرن الصغير عيون، وفم إنسان، فتكلم بإلحاد وكفر، ثم تكون نهاية القرن الصغير هي الهلاك على يد قديم الأيام ذي العرش الذي تخدمه الألوف المؤلفة!!
وبقيت الحيوانات الأخرى حية لكن نزع عنهم سلطانهم!!'.
وقد فسرت الرواية نفسها الحيوان الرابع بأنه 'مملكة رابعة على الأرض مخالفة لسائر الممالك تأكل الأرض كلها وتدوسها، والقرون العشرة من المملكة هي عشرة ملوك يقومون ويقوم بعدهم آخر وهو مخالف الأولين ويذل ثلاثة ملوك ويتكلم بكلامٍ ضد العليّ'.
وأخيراً يبيد ملكه على يد "قديسي العليّ" الذين تؤكد هذه الرؤيا مراراً أن العاقبة لهم، وأنهم يمتلكون المملكة التي لا تزول!!
ربما لأن للحيوان الرابع أسناناً من حديد، والمملكة الرابعة تكون من حديد، قالوا: إن المملكة الرابعة هي الحيوان الرابع - لاسيما وكل منهما هو "الرابع" لما سبقه - وقالوا: إن هذه المملكة رمز لـأوروبا التي سيكون فيها عشر دول قومية يخضع لها العالم قبل نزول المسيح!!
وعليه تكون المملكة الخامسة هي الألفية السعيدة عند نـزول المسيح.
ومن السهل إبطال هذا الرأي من وجوه كثيرة :-
1- أن يقال: ما تعبير الحيوانات الثلاثة الأخرى إذن؟ مع أنهم مهما فسروها فلا يصح أي تعبير يناقض ما فسره دانيال نفسه، فكيف تظل الثلاثة الممالك في التمثال هي الممالك القديمة، والرابعة هي أوروبا الحديثة؟!
إنها مفارقة واضحة، فالمنطق السليم يفرض إما أن نحمل الرؤيا على الرؤيا كلياً، وإما نجعلهما منفصلتين كليا،ً وهو الصحيح!!
2- الحيوانات طلعت متجاورة وغلبها الرابع دفعة واحدة، أما الممالك في الرؤيا الأولى فمتتابعة متوالية كل منها غلب ما قبله.
3 - الحيوانات الأربعة طلعت من البحر المحيط، والممالك الأربع قامت في الشرق، والخامسة (الإسلامية) قامت في المنطقة نفسها، ثم امتدت شرقاً وغرباً حتى وصلت في أيام المغول والترك إلى شمال أوروبا وسيطرت على شرقها كله .
4- الحيوانات الثلاثة تسلط عليها الرابع؛ لكنها بقيت حية، أما الممالك الثلاث فقد اندثرت مطلقاً.
5- تعبيرهم الرؤيا الأخيرة باطل في نفسه؛ فإنها ذكرت حيواناً لـه عشرة قرون، وفسرتها بأنه مملكة لها عشرة ملوك، فتفسيرهم بأنها عشر ممالك متجاورة باطل.
وهكذا فالقول بأن هذه الممالك العشر هي التحالف الأوروبي أيام نابليون -كما ذكر ( بيتز ص:251) أو الاتحاد الأوروبي الحالي -كما يـزعم المعاصرون لا يصح تعبيراً ولا واقعاً، فهو يناقض كلا الرؤيتين ويخالف الواقع، فـأمريكا وحدها اليوم أقوى من الاتحاد الأوروبي كله، والاتحاد الأوروبي لم يعد عشر دول بل زاد كثيراً .
ونحن لا نريد أن نخوض في تعبير الرؤيا، لكن في إمكاننا أن نقول: إن الحيوانات الأربع التي طلعت من وراء المحيط هي الامبراطورية البريطانية الأسد، وروسيا الشيوعية الدب.
أما الثالث: شبيه النمر ذو الرءوس الأربعة والأجنحة الأربعة، فقد يكون الدول الكاثوليكية الاستعمارية الأربع فرنسا ، وإيطاليا ، وأسبانيا ، والبرتغال أو تحالف دول آسيا المسماة: النمور وهي ثمان!!
وبالطبع سيكون الحيوان الرابع الذي أكلها وداسها هو الولايات المتحدة الأمريكية (أو حلف الناتو عموماً)، أما القديسون الذين سيدوسون أمريكا فلا يحتاجون إلى تفسير؛ بل إلى الانتظار.
ونقول للأصوليين:
إن أعجبكم هذا التعبير فخذوه واستريحوا، وإن رددتموه وقلتم: ظنٌّ وتخمينٌ! قلنا: نعم؛ ولكن أي الظنين أولى؟ ولماذا ظنكم أنتم يقين وظننا نحن وهم؟!
أما اليقين بهذا الشأن فهو أمران:
1 - أن الروم ذات قرون كما أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {فارس نطحة أو نطحتان، ثم يفتحها الله، ولكن الروم ذات القرون كلما هلك قرن قام قرن آخر }.
2 - أن المعركة بيننا وبينهم سجال إلى أن يكون الفتح الأخير لـروما وينـزل المسيح عليه السلام، وهذا ما لا يعلم زمان وقوعه إلا الله، وعليه فلا يعلم عدد قرون الروم إلا الله تعالى، وربما كانت العشرة المذكورة في الرؤيا لا مفهوم لها؛ بل مجرد رمز، وهذا مذهبٌ لهم في الأعداد المذكورة في الكتاب المقدس كله[17] هذا إن لم نقل: إن في الرؤيا تحريفاً وإضافة!!
وعلى أي حال نحن نعلم أن هذه الرؤيا والخلاف فيها قد لا يثير ثائرة القوم إلا إذا تعرفنا على القرن الصغير الملحد من هو؟!
فقد ذهب طائفة منهم إلى أنه دولة الإسلام؟
وأن التجديف والإلحاد هو إنكار المسلمين لألوهية المسيح!!
وهذا عجيب! إذ كيف تكون المملكة الخامسة العظمى الأبدية قرناً صغيراً من قرون حيوان من الحيوانات الأربعة الذي له غير هذا القرن عشرة قرون كبرى؟!!
وكيف تكون الأمة الإسلامية التي شملت العرب والفرس والترك والبربر والزنج والهنود والتتار وغيرهم مجرد قرن من الروم؟! وقرن صغير أيضاً؟!
إن النـزول بالبحث العلمي إلى هذا الحد يوجب الإعراض والضرب صفحاً عن هذا اللغو؛ لاسيما وأنه لا علاقة للمسيح وألوهيته بالرؤيا من قريب ولا من بعيد، بل السفر كله توحيد.
وذهبت طائفة منهم إلى أن القرن الصغير هو الوحش المذكور في سفر الرؤيا!!
وهنا ينبغي أن نعتذر للقارئ المسلم عن الاسترسال في ذكر الغرائب الحيوانية، ولا يظن أننا سنورد فيلم الرعب الطويل المسمى: سفر الرؤيا!
ونرجو منه أن يتأمل معنا هذا الوحش في لقطة لا تتعدى الثواني من هذا الفيلم، وليعلم أن القوم في الغرب أضاعوا ويضيعون في هذا ما يعد بالملايين من ساعات العمل، بل ربما من أيام العمل، وأن الكتب المتعلقة بها أكثر الكتب مبيعاً في أمريكا !!
فماذا علينا لو تحملنا دقائق وصفحات لنردهم إلى الصواب، ونريحهم من العناء ونحمد الله على اليقين؟!
يقول سفر الرؤيا : 'ثم وقفت على رمل البحر، فرأيت وحشاً طالعاً من البحر لـه سبعة رءوس وعشرة قرون، وعلى قرونه عشرة تيجان، وعلى رءوسه اسم تجديف (أي إلحاد وزندقة)، والوحش الذي رأيته كان شبه نمر، وقوائمه كقوائم دب، وفمه كفم أسد، وأعطاه التنين قدرته وعرشه وسلطاناً عظيماً، ورأيت واحداً من رؤوسه كأنه مذبوح للموت وجرحه المميت قد شفي، وتعجبت كل الأرض وراء الوحش'.
لقد حاول ت.ب.بيتز - وهو أجود شارح لسفر الرؤيا - أن يصيب كبد الحقيقة، ويدل قومه على القرن الصغير الملحد، الذي يخرج من بين قرون الروم، ولكنه لم يستطع لأسباب:
الأول مشترك بين كل الباحثين، وهو: اختلاط الحق بالباطل في الأسفار، واستحالة تمييز المحرَّف من الباقي على أصله؛ بل المضاف والمحذوف.
الثاني مشترك بينه وبين أكثر باحثي أهل ملته كما أسلفنا، وهو: جعل النبوات كلها في زمن المسيح القادم، وتجاهله المطبق للإسلام رسالة وحضارة ومملكة!!
الثالث يخصه، وهو: أنه هلك قبل قيام رجسة الخراب إسرائيل، فكان من الصعب عليه أن يُفسر الأحداث بدقة.
لكن لما يتميز به شرحه سوف نجعله نموذجاً لتصحيح المنهج.
يقرر بيتز أن الوحش هو نظير القرن الصغير في نبوءة دانيال (مع التنبيه إلى أن في سفر الرؤيا وحشين اثنين!!). 'وهو في الوقت نفسه الشكل الجديد الذي ستتخذه الامبراطورية الرومانية، الذي سيفاجئ العالم قبل نزول المسيح لإقامة ملكوته الذي هو المملكة الأخيرة الأبدية في نظره.
وهو لما رأى أن الفجوة كبيرة، وقرونها الزمنية كثيرة، لا يسدها عشرة ملوك ولو حكم كل ملك قرناً، جاء بتأويل جديد هو أن القرن ليس ملكاً! بل هو شكل من أشكال الحكم، كالشكل الجمهوري أو الامبراطوري مثلاً، ولكل شكل ملوكه الكثيرون، لكنه لم يفصل لنا كل الأشكال؛ بل جعل السادس هو الامبراطوري، وافترض أن الشكل السابع عتيد أن يقوم.
أما الثامن والنهائي فهو: حكومة الوحش الذي هو القرن الصغير" 'ولأول مرة -بل من النادر- أن تجد في كلام القوم -على كثرته وإسهابه- مثل هذا الكلام الرصين الذي يشبه في أوله كلام فقهاء الإسلام، يقول: نلاحظ وجه شبه بين هذا الوحش وبين قرن دانيال الصغير، فقد حارب القرن الصغير القديسين فغلبهم.'.
كما أعطي للوحش أن يصنع حرباً مع القديسين ويغلبهم. (رؤ/ 13: 7).
وكما في دانيال يتكلم القرن بكلام ضد العلي. (7: 25).
هكذا في الرؤيا يفتح الوحش فمه بالتجديف على الله. (13: 6).
وكما أن سلطة القرن الصغير تدوم إلى زمان وأزمنة ونصف زمان(دا/7: 25).
كذلك سيبقى سلطان الوحش اثنين وأربعين شهراً. (رؤ/ 13: 5).
وهي نفس المدة المذكورة في دانيال ولو اختلف الاصطلاح.(189 -190).
وهنا لنا وقفة يسيرة؛ فالقوم كالعادة لابد أن يتناقضوا ويحيروا العقل، إذ كيف يوجد شكل سياسي يحكم فيه مجموعة من الملوك، ويكون مجموع حكمهم هذه المدة الوجيزة؟! ثم إنه لم يثبت على رأي واحد، بل جعله مرة شخصاً حاكماً، وأخرى هيئة أو جمعية تآمرية - كما سنرى -.
فلنتابع معه الأحوال والأحداث المتعلقة بالوحش لكي نعرف هذا القرن الصغير المشئوم؟!
عن هذا يقرر بيتز أمورا ً: -
1 - أن الوحش سيكون في أورشليم (193). ويقرر: 'إن أورشليم هي النقطة المركزية التي تتجمع حولها الحوادث المذكورة هنا بلغة الرموز'. (ونذكِّر القراء بأنه كتب هذا والقدس شبه منسية عندهم إلا من قليل من السّوّاح أو الزائرين).
2 - الوحش (إسرائيلي لكنه لا يبالي بيَهْوَه إلـه الأمة، ولا بالمسيَّا الموعود المنتظر رجاء الأمة، ولا حتى بالآلهة الباطلة التي طالما مالت إليـها الأمة...).
3 - يتحالف الوحش مـع (رأس الامبراطورية الرومانية ومركز القوة والسلطة العالمية) (200).
4 - يجزم (بيتز ) أن هذا الرئيس الروماني ليس أحداً من الأباطرة السابقين، بل هو الذي سيأتي عند قيام رجسة الخراب التي تحدث عنها دانيال وذكّر بها المسيح مرة أخرى، ويقول: 'من مواضع كثيرة في كلمة الله -أي الكتاب المقدس - يتبين أن العشرة الأسباط سيجتمعون في أورشليم بعد خلاصها وعتقها - أي: قبل نزول المسيح - وهناك يحتملون نار الضيقة العظيمة في أشدها، بينما إسرائيل الذين رفضوا المسيح سيجتمعون إليها قبل ذلك" أي: في يوم غضب الرب على الدولة الرجسة، الذي سنعقد لـه فصلاً قادماً بعنوان ( يوم غضب الرب ).
مرة أخرى ينبغي أن نتذكّر أنه هلك قبل قيام دولة إسرائيل بكثير:
1 - حكومة الوحش ستكون ملحدة على النظام الغربي، لا على هدي الوحي؛ بل هي من أكبر أسباب الإلحاد والظلام. يقول: 'في أوروبا الغربية الوطن المختار للمدنية والحرية والاستنارة والتقدم، كانت نتيجة تفاعل تلك المبادئ البشرية هي قيام حكومة الوحش ملتقى الطغيان والظلام والتعاسة والتجديف'.
2 - وتحت زعامة الوحش يقرر بيتز اعتماداً على مفهومه لرؤيا دانيال: 'سوف تتكون عصبة من الحكومات المتحالفة مؤقتاً'.
وصفة الحلف الذي ستعقده الامبراطورية الرومانية الجديدة هو أن: 'العشرة ملوك الذين يحكمونها يصنعون رأياً واحداً ويعطون الوحش ملكهم' (ص:253).
والعجب حقاً هو أنه 'ليس الوحش هو الذي يجبرهم على إطاعة أمره؛ بل هو عمل تطوعي يقومون به من جانبهم' 253).
كما أنه ليس من شرط الوحش أن يحكم كملك بل 'بواسطة نفوذه في مؤامرات ومشورات على أرض الامبراطورية الرومانية القديمة، أو على الأقل الجزء الغربي منها' (ص:254).
(ونُذَكِّر بأنه كتب هذا قبل قيام الأمم المتحدة، وظهور السيطرة الصهيونية على السياسة الغربية عامة والأمريكية خاصة)!!
3 - وعن عدو الوحش والمعركة بينهما يقول بيتز : - 'إن الحلف القائم بين الامبراطور الروماني واليهود غير المؤمنين لا يمنع غزو الجيش الشمالي، الذي -بسبب العبادة الوثنية القائمة في أورشليم في ذلك الوقت- سيباغتهم كسيل جارف، ويجلب الخراب على الأرض'.
ولتفسير الجيش الشمالي نجده يقول: 'يجمع ملوك المشرق قواتهم ليغيروا على حدود أملاك الوحش، ومن الناحية الأخرى سيجمع الوحش باتفاقه مع ملوك الغرب قواته ويزحف إلى معركة هرمجدون المشئومة'.
9 - وأخيراً يحدثنا بيتز عن نتيجة المعركة: 'قل أن يحلم الوحش ومساعده الأثيم أنهما سيؤخذان أسيرين من ساحة القتال التي يعجلان إليها! وأنه سيلقى بهما حيين إلى عذابات بحيرة النار الأبدية، وقلّ أن يجرؤ القديسون المتألمون المختبئون بين الجبال والمغاير فيؤمِّلون بأنهم سيرفعون رءوسهم آخر الأمر'.
والآن وقد عرفنا الوحش نسأل: هل هذه النهاية لا تكون إلا في هرمجدون وعلى يد المسيح؟.
إن افتراض ذلك هو الخطأ المشترك بين هؤلاء وبين بعض الباحثين المسلمين أيضاً، والفرق أن هؤلاء لا يحسبون حساباً للمنطق والعقل وسنة الله في التاريخ، أما المسلمون فيبحثون غالباً عن سنن طبيعية لتفسير الأحداث... المسلمون كمن يخطئ طريقه في النهار، أما هؤلاء فكل سيرهم في الظلمات إلا بقايا من البصيص الباهت!!
لقد قلنا: إن بيتز كاد أن يصيب الحقيقة، ولكي نساعد قراءه على إصابتها نورد لهم تلخيصه للأحداث كما سطره (ص213). مع حذف العناصر المشيحانية، وإبقاء الموضوع في حدود المألوف، ونقرأ كلاماً بدونها فيكون هكذا: 'سوف تعود الامبراطورية الرومانية إلى الوجود.. وستكون الكتلة اليهودية قد رجعت إلى أورشليم غالباً في عدم الإيمان (ونحن نقول: بل قطعاً)... وبينما هم في أورشليم إذا بقوة عظيمة تهدد ذلك الشعب الراجع، ولكي تتقي الكتلة اليهودية شر تلك القوة فإنها... تعقد عهداً مع الرئيس العظيم الذي سيكون حاكماً للامبراطورية الرومانية في عهدها الجديد... إلا أن الحلف القائم بين الامبراطور الروماني واليهود غير المؤمنين لا يمنع غزو الجيش... الذي بسبب العبادة الوثنية القائمة في أورشليم في ذلك الوقت سيباغتهم كسيل جارف'.
ولو أعدنا نحن كتابة الموضوع فسنقول ببساطة:
1 - دولة إسرائيل قرن صغير خرج من الروم من بين قرونهم الاستعمارية الكبرى وقد رجع إلى الأرض المقدسة غازياً مدنساً.
2 - الوحش أو الوحشان هما: الصهيونية ذات الوجهين أحدهما يهودي والآخر نصراني.
3 - اليهود عامة والصهيونيون خاصة، هم دعاة الإلحاد والفساد في الأرض، وأكثر أصحاب النظريات الإلحادية منهم: ماركس ، وفرويد ، ودور كايم ، وفيشتة وأرلر ، وماركوز ، وهسّرل ، وشيلر ، وبرجسون ، ومارك بوبر .
4 - قيام رجسة الخراب في القدس هو احتلال اليهود لها واتخاذها عاصمة لحكمهم، وهذا مما سنفصل الحديث عنه لاحقاً.
5 - الامبراطورية الرومانية الجديدة: هي الولايات المتحدة الأمريكية ، ويمكن أن يشتمل الاسم: الغرب كله، وهنا تتداخل مع بابل الجديدة المذكورة في النبوءات الأخرى، وهي التنين الذي أعطى الوحش القدرة والسلطان!! وسنرى نهاية هذا التنين مع نهاية رجسة الخراب في يوم غضب الرب.
6 - الجيش الآتي من الشمال أومن الشرق هم المجاهدون المسلمون ولهذا أيضاً تفصيله في فصل آتٍ من نبوءات أخرى!!
وبقية القصة من التحالف والحرب وحلول غضب الرب لا إشكال فيها حينئذٍ!!
إلا أنه لا بد من الإشارة إلى سبب آخر يوجب تعديل كلام بيتـز ، وهو أن التثليث الذي أفسد عقيدة هؤلاء قد أفسد عقولهم أيضاً، فهو في (ص:211) ينسى كل ما قال، ويؤكد أن الثلاثة الأشخاص الملقبين بالقرن الصغير، والوحش، والرئيس الامبراطوري كلهم في الحقيقة شخص واحد!!!
والمهم أن تغييراً ذا شأن لم يمس جوهر (السيناريو)، وكل ما صنعناه هو تعديل أسماء شخصيات المسرحية!!
والعنصر الأساس في المسرحية هو (عودة اليهود إلى الأرض المقدسة بلا إيمان) بل بكفرهم القديم وإلحادهم الحديث، ومن هنا أقاموا على الأرض المباركة الطاهرة دولتهم التي سماها دانيال (رجسة الخراب) وهذا هو موضوع الفصل التالي.
بدر بن عبدالمحسن
07-04-2007, 13:34
رجسة الخراب
الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي
من كتاب: يوم الغضب هل بدأ بانتفاضة رجب؟
(رجسة الخراب) مصطلح كتابي مهم جداً، وهو واضح؛ لكن القوم كالعادة أحاطوه بهالة من الغموض في لفظه وفي تأويله.
وهذا التركيب بصيغة المضاف والمضاف إليه له مترادفات أخرى مثل: "وحشة الخراب"، و"شناعة - أو شنيعة - الخراب"، وله ترجمات بالمعنى مثل: "معصية الخراب"، و"المعصية المدمرة" أو "الخطيئة المدمرة"... وجاء بمعنى أوضح وهو "المملكة الخاطئة"!!
أما بيـتـز فقد حقق أنها: "المُخَرِّب الشنيع" ويمكن ترجمتها بـ "المخرِّب النجس أو الرجس" ولعل الأصح في الترجمة والأوفق لكلمات الله أن تسمى (المفسد الرجس) أو (الرجس المفسد).
فلنقرأ ما قال سفر دانيال عنها، فهو الذي جعل لها هذه الأهمية الكبرى في التاريخ.
ونبدأ ببيان أنه بعد أن أوَّل المَلَك (من الملائكة) لدانيال رؤيا الحيوانات الأربعة - السابق ذكرها - ختم بخاتمة حاسمة فقال: "والمملكة والسلطان وعظمة المملكة تحت كل السماء تعطى لشعب قديسي العلي ملكوته ملكوت أبدي، وجميع السلاطين إياه يعبدون ويطيعون. إلى هنا نهاية الأمر'.
ولكن دانيال فزع كثيراً ولا يزال في حاجة إلى معرفة أكثر، وكأنما رأى أن رؤيا التمثال عامةٌ وتتعلق برائيها "المَلِك"، ورؤيا الحيوانات الأربعة تُهِمّه هو. فأراد تفسيراً أوضح لما يجري في قريب الزمان وفي نهايته، وهما الطرفان المهمان عادة لكل إنسان. أما المستقبل القريب فكل إنسان يتطلع إلى معرفة مصير هؤلاء البشر، وهذه الأحداث التي يعيش بينها ولا يكاد أحد - جاهلاً أو عالماً - يخلو من هذا، وأما المستقبل البعيد فالنهاية دائماً موضع تساؤل واهتمام:
نهاية العالم كله، ونهاية الأمة التي ينتمي إليها نهاية أهل الإيمان وأهل الكفران؛ لاسيما لمن كان نبياً أو من أتباع الأنبياء.
وهكذا كانت الرؤيا الثالثة: - 'رأيت وإذا بكبش واقف عند النهر، وله قرنان، والقرنان عاليان، والواحد أعلى من الآخر، والأعلى طالع أخيراً، ورأيت الكبش ينطح غرباً وشمالاً وجنوباً، فلم يقف حيوان قدامه ولا منقذ من يده... وإذا بتيس من المعز جاء من المغرب على وجه كل الأرض ولم يمس الأرض، وللتيس قرن معتبرٌ بين عينيه وجاء إلى الكبش صاحب القرنين.. فاستشاط عليه وضرب الكبش وكسر قرنيه، فلم تكن للكبش قوة على الوقوف أمامه وطرحه على الأرض وداسه.. فتعظم تيس المعز جداً، ولما اعتـز انكسر القرن العظيم وطلع عوضاً عنه أربعة قرون معتبرة نحو رياح السماء الأربع، ومن واحدٍ منها خرج قرن صغير وعظم جداً نحو الجنوب ونحو الشرق ونحو فخر الأراضي، وتعظم حتى إلى جند السماوات وطرح بعضاً من الجند والنجوم إلى الأرض وداسهم، وحتى إلى رئيس الجند تعظم، وبه أبطلت المحرقة الدائمة وهدم مسكن (بيت) مَقْدِسِه وجعل جند على المحرقة الدائمة بالمعصية فطرح الحق على الأرض وفعل ونجح'.
قال دانيال: 'فسمعت قدوساً واحداً يتكلم، فقال قدوس واحد لفلانٍ المتكلم إلى متى الرؤيا من جهة المحرقة الدائمة ومعصية الخراب لبذل القدس والجند مدوسين؟ فقال لي: إلى ألفين وثلاث مئة صباح ومساء. فيتبرأ القدس ' .
وفي الطبعة الكاثوليكية : 'إلى ألفين وثلاث مئة مساء وصباح ثم تُرد إلى القدس حقوقه'.
وهكذا طلب دانيال من المَلَك أن يعبر الرؤيا، فخاطبه قائلاً: 'يا ابن آدم إن الرؤيا لوقت المنتهى... هأنذا أعرفك ما يكون في آخر السخط؛ لأن الرؤيا لميعاد الانتهاء، أما الكبش الذي رأيته ذا القرنين فهو ملوك مادي وفارس، والتيس العافي مُلْك اليونان ، والقرن العظيم الذي بين عينيه هو الملك الأول، وإذا انكسر وقام أربعة عوضاً عنه، فستقوم أربع ممالك من الأمة ليس في قوته،[18] وفي آخر مملكتهم عند تمام المعاصي يقوم ملك جافي الوجه وفاهم الحيل، وتعظم قوته ولكن ليس بقوته، يهلك عجباً وينجح ويفعل ويبيد العظماء وشعب القديسين، وبحذاقته ينجح -أيضاً- المكر في يده، ويتعظم بقلبه وفي الاطمئنان يهلك كثيرين ويقوم على رئيس الرؤساء وبلا يد ينكسر، فرؤيا المساء والصباح التي قيلت هي حق، أما أنت فاكتم الرؤيا لأنها إلى أيامٍ كثيرة'.
ولكن الشوق إلى المعرفة يزداد؛ لاسيما ودانيال يعيش زمن أحداث كبرى بين إمبراطوريتي بابل وفارس ، ويهمه جداً مصير شعبه البائس المسبي، ويهمه شأن القدس ومن يسيطر عليها، فأخذ يتضرع ويبكي ويصلي؛ حتى أراه الله رؤيا أكثر دقة من جهة الزمن والعدد، ولكن تعبيرها مشكل جداً ولا نشك أن القوم حرفوها، وأحالوا وضوحها ودقتها غموضاً.
إنها رؤيا "الأسابيع" المشهورة، وفيها يقول الملَك له: 'سبعون أسبوعاً قضيت على شعبك وعلى مدينتك المقدسة لتكميل المعصية وتتميم الخطايا ولكفارة الإثم، وليؤتى بالبر الأبدي، ولختم الرؤيا والنبوة ولمسح قدوس القديسين، فاعلم وافهم أنه من خروج الأمر لتجديد أورشليم وبنائها إلى المسيح الرئيس سبعة أسابيع واثنان وستون أسبوعاً... إلى أن يقول: وشعب رئيس آتٍ يخرب المدينة والقدس ، وانتهاؤه بغمارة (طوفان) وإلى النهاية حرب وخِرَبٌ قضى بها، ويثبت عهداً مع كثيرين في أسبوع واحد وفي وسط الأسبوع يبطِّل الذبيحة والتقدمة، وعلى جناح الأرجاس مُخَرِّب حتى يتم ويصب القضاء على المخرَّب'.
وفي الطبعة الكاثوليكية : 'ويأتي شعب رئيس فيدمروا المدينة والقدس وبالطوفان تكون نهايتها، وإلى النهاية يكون ما قضى من القتال والتخريب، وفي أسبوع واحد يقطع عهداً مع كثيرين عهداً ثابتاً وفي نصف الأسبوع يبطل الذبيحة والتقدمة، وفي جناح الهيكل تكون شناعة الخراب إلى أن ينصب الإقناء المقضي على المخرب'.
إن هذا الغموض يجعلنا نجزم بوقوع التحريف، وإن كان بعض الباحثين بذلوا جهوداً حسنة لتفسير هذه النبوءة لتطابق مولد المسيح أو بعثة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وعلى أي حال عرف دانيال التسلسل الزمني للأحداث ولكن كيف تقع؟
لا يزال الإنسان في شوق شديد إلى المعرفة، والرب كريم يعطي كل مرة.
يعود دانيال إلى الصلاة والضراعة فيأتيه الملك قائلاً: 'جئت لأفهمك ما يصيب شعبك في الأيام الأخيرة لأن الرؤيا إلى أيامٍ بعد'.
هنا نلحظ تكرار التنبيه إلى تأخر زمان وقوع التأويل بهذه العبارة وما في معناها حتى لا يخطئ دانيال.
فقد كان دانيال يريد المستقبل القريب، والرؤيا تحدد الأهم وهو النهايات البعيدة، والمَلَك يوصي دانيال ألا ينسى هذا فيظن أن هذا في القريب، وهو مع ذلك يخبره بما سيقع مـن حروب بين ملوك فارس واليونان ، وملك الشمال وملك الجنوب يهمنا منه قوله: 'وتقوم منه -أي من ملك الشمال - أذرع وتنجِّس المقدس الحصين وتنـزع المحرقة الدائمة وتجعل الرجس المخرِّب' (11: 21).
وهو يشير إلى حكومة وثنية تتسلط على بيت المقدس وتقيم فيه عبادتها، فاختلف أهل الكتاب ما هي، وهذا لا يهمنا؛ بل المهم هو أن هذا يوضح ماهية الرجس المخرب الآخر - الذي سيأتي بعد - ويقيمه الوحش أو القرن الصغير في الأرض نفسها وأنه دولة، فالاسم واحد لكن المذكور هنا وثني، أما الآخر فقد سبق بيان أنه إسرائيلي!!
ويختم الحديث عن تلك الأحداث بقيام الساعة وبعث الأموات ويوصي دانيال قائلاً: 'أما أنت يا دانيال، فأخفِ الكلام واختم السفر إلى وقت النهاية'.
ولكن الملكين يخاطب أحدهما الآخر ليسمع دانيال ويفهم قائلاً: 'إذا تم تفريق الشعب المقدس تتم هذه'.
وعندها يقول دانيال: 'وأنا سمعت وما فهمت، فقلت: يا سيدي! ما هي آخر هذه؟ فقال: اذهب يا دانيال لأن الكلمات مخفية ومختومة إلى وقت النهاية... من وقت إزالة المحرقة الدائمة وإقامة رجس المخرِّب (وفي ترجمة أخرى: شناعة الخراب) ألف ومائتان وتسعون يوماً، طوبى لمن ينتظر ويبلغ إلى الألف والثلاث مئة والخمسة والثلاثين يوماً، أما أنت فاذهب إلى النهاية فتستريح...'.
وانتهى السفر واستراح دانيال ولاسيما وقد اطمأن إلى أن القدس ستعود لـه حقوقه بعد 45 سنة!!
ولكن أهل الكتاب لم يستريحوا ولن يستريحوا بشأن هذه الأحداث، إلا مَن ترك التعصب وفتح عينيه على الحقائق، لقد تعبوا وأتعبوا العالم وأتعبونا..
إن ما تقدم هو عرض موجز لأهم النبوءات في الكتاب المقدس كله -نبوءات دانيال- ومنه نلحظ أموراً كثيرة، منها: -
1 - زيادة توكيد لما سبق من الحديث عن القرن الصغير فهو ماكر محتال زنديق لا يقوم بقوته بل بالاعتماد على غيره، وعدوه هم شعب القديسين أتباع خاتم الأنبياء، فهو يتعالى عليهم ويسقط رئيس رؤسائهم ( الخليفة ) بلا جيش، وأخبث أعماله أنه يدوس القدس ويهينها بجنده، ويبطل الصلاة،[19] ويهدم بيت الله فيها، ويقيم فيها دولته الموصوفة بـ(الرجس المخرِّب).
2 - هذا القرن الصغير يفعل ذلك في أيام سلطان المملكة الأخيرة - مملكة القديسين - لا في أيام فارس والروم.. وقيام دولة الرجس لا يدل على انقضاء تلك المملكة الأبدية، وهذا ما أكده السفر مراراً، وإنما هو حدث عارض محدود المدة والمكان، فهو ليس من جنس ما في رؤيا التمثال حيث تسقط مملكة وتقوم أخرى مكانها، ولا من جنس ما في رؤيا الحيوانات الأربعة حيث يتغلب واحد ضخم هائل على الأخرى. لا، لاشيء من ذلك، فهذا قرن صغير، ومجال سيطرته محدود، لكن مكره كبير ودهاؤه عظيم ووراءه قوة عظمى تمده، ويصادف ذلك حالة ضيق شديدة [أشار إليها دانيال (12: 1)] وضعف شديد لدى شعب القديسين، لكن الضيقة تـزول والقديسون ينتصرون من جديد، ويفرحون بيوم زوال رجسة الخراب وتطهير القدس منها.
إن هذا القرن الصغير الخبيث المفسد يهدم ويقيم، يهدم بيت قدس الله ويقيم الرجسة مكانه، ومن هـنا قال بعض شراح أهل الكتاب: إن الرجسة هي صنم يقوم في الهيكل، وبالأصح هيكل يقام في المسجد وليس هذا الخلاف في معنى الرجسة مؤثراً؛ لأنه لا يقام بناءٌ أجنبيٌّ عدوٌ في معبد أمة ما إلا بجند وسلطة، فالرجس مدلوله عام وخاص، العام: قيام الدولة الرجسة نفسها، والخاص: بناؤها للصنم أو الرجس الذي تتعبد لـه أو فيه!! كما أن إزالة الصنم من بيت الله لا تكون إلا بجند وسلطة.
هكذا فعل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين فتح مكة ، وهكذا سيفعل أتباعه إذا دخلوا المسجد ووجدوا فيه بناءً رجساً لدولة الرجس!! (وربما لا يكون الرجس الذي فيه إلا علم الدولة الصهيونية )، ولهذا كان أكثر الشراح لا يرتابون في أن قيام الرجسة هو قيام دولة رجسة مخربة على أرض القدس ، ولكن ما هي هذه الدولة؟!
الأمم الثلاث التي تعظم القدس كل منها قد أقام دولته عليها، أو فتحها وغلب عليها، ولا شك أن واحدة منها هي الرجسة المقصودة بالذات في هذه النبوءات دون الأخريين.
ومن هنا نستطيع معرفة تلك الدولة ليس من كلام دانيال فحسب؛ بل من شهادة التاريخ والواقع. والأمر المهم هنا هو أن هذه الدولة ستكون بعد المسيح عليه السلام؛ لأنه كما في "إنجيل متّى" وغيره أخبر عما قاله دانيال، وأوضح أن ذلك سيكون في آخر الزمان على ما سيأتي تفصيله، وبهذا يظهر خطأ من قال: إن قيام الرجسة كان قبل المسيح، وأن المقصود هو هيكل الصنم )زيوس)، وكذلك من قال: إنها في الأحداث التي تلت وفاته بعدة عقود (سنة 70 أو 135) لأسباب كثيرة:
1 - أن تلك الأحداث عادية في قائمة أحداث التاريخ، وقد عرف التاريخ اليهودي مثلها كرات ومرات كما في عهود القضاة!!
2 - أن اليهود حينئذٍ كانوا كفاراً لكفرهم برسالة المسيح عليه السلام، والمعنيُّ بتلك الأحداث هم المؤمنون برسالته.
3 - أن تلك الأحداث تخالف الزمان والشروط الأخرى التي حددها دانيال و"المسيح"، بل تخالف ما جاء في معظم أسفار الأنبياء عن عودة اليهود ومحاكمتهم وتجمعهم النجس، وحلول غضب الله عليهم بواسطة الأمة المختارة، وغير ذلك مما سوف يأتي الحديث عنه مفصلاً بحيث لا يبقى لدى القارئ شك في أن تأويلها على الماضي تعسف لها.
إن الشراح اليهود بسبب كفرهم بالمسيح عليه السلام ورسالته لا يعتدون بكلامه أصلاً، ومن هنا فسروا قيام الرجسة بأنها وثن يقام مكان الهيكل، ثم احتاروا واختلفوا متى قام أو يقوم، فبعضهم جعل ذلك قبل المسيح، وبعضهم بعده، واضطربوا اضطراباً شديداً في الزمن الذي حدده دانيال بدقة، ولاسيما من فهم منهم الأيام على ظاهرها المعروف.
أما من فسرها بالسنين فقد لزمه يقيناً أن يعترف بأن ذلك لم يقع ولن يقع إلا بعد مرور ألفين وثلاث مئة سنة، وخاصة أنه لم يقع في التاريخ أن دولة جاءت بعد (2300) يومٍ وأقامت دولة لمدة (45) يوماً ورحلت!!
إن هذا من التفاهة بحيث لا يستحق أن يدونه التاريخ إلا عبوراً!!
وذلك أن الأسفار نفسها تحدد اليوم بالسنة كما في حزقيال 'قد جعلت لك كل يوم بسنة. 4: 6' كما أن لفظ الرؤيا ( طوبى لمن ينتظر... ) لا يدل على (45) يوماً، فالانتظار إنما يكون لخمسة وأربعين سنة.
على أن لدينا شهادة مهمة من اليهود أنفسهم، فإن طائفة عظيمة منهم كانت - ولا تـزال - تقول: إن الكيان الصهيوني القائم حالياً هو الرجسة، وهم الذين حذروا أتباعهم من الفكر الصهيوني قديماً وحديثاً، ولديهم إيمان عميق بأن تجمع اليهود هو لحلول غضب الله عليهم وانتقامه منهم، وهم طائفة كبيرة في أمريكا وغيرها، ومنهم من يؤمن بهذه الحقيقة ولكنه يفسرها تفسيراً علمانياً، وأشهرهم المفكر اللغوي العالمي نعوم شومسكي ، ومنهم مجموعات في الأرض المحتلة نفسها، ومنهم الحاخام "هيرش " وزير الشئون اليهودية في السلطة العرفاتية، ومجموعته تسمى (ناتوريم كارتا) نواطير القرية (حراس القرية).
بدر بن عبدالمحسن
07-04-2007, 13:37
فلندع اليهود إذن! ولننظر ماذا قال النصارى؟!
إن الخطأ المشترك بين الطائفتين هو أن المقصود بالرجسة شعب غير اليهود، وغير اليهود هم عند الطائفتين وثنيون، ومن هنا كان من السهل وصف أي دولة وثنية بالرجس، حتى أن بيتـز نفسه - مع إقراره بأن اليهود سيكونون وثنيين في عبادتهم - فسر الرجسة بأنها مملكة آشور التي تغزو الأرض المقدسة في آخر الزمان (ص:209).
وربما كان لـه العذر لكونه كتب ذلك قبل قيام دولة إسرائيل، وما كان أحد يتخيل قيام دولة لليهود، ولهذا هو لم يسمهم -عند عودتهم إلى أورشليم - دولة؛ بل كتلة أو مجموعة كما رأينا.
ثم إنه وأمثاله كانوا يتصورون أن اليهود سيكونون مضطهدين تحت تأثير الحكم الأممي (العربي)، ولهذا فسوف يـبادرون إلى الإيمان بالمسيح حال حلول الألفية، أو حال نزوله، وسيكون ذلك معجزة كما عبر ماكينتوش بقوله: 'إن دهشة كل العالم في ذلك اليوم ستكون كيف أن هذه الأمة النجسة قد أصبحت مقدسة للرب'[20] .
ويعلل ذلك بأن: 'الثلث فقط هم الذين سينقذون من النار الآكلة والضيقة' وهذا إشارة منه إلى ما ورد في الأسفار عن نهاية دولة الرجس كما في فصلٍ آتٍ.
إذن! فهؤلاء لديهم نصف الحقيقة، وهو كفر اليهود ونجاستهم، أما أن تكون لهم دولة فهو النصف المفقود، وهم بلا ريب أفضل حالاً من سائر الشُّرَّاح والمؤرخين الذين اعتمد الأصوليون المعاصرون على تفسيرهم الإجرامي لرجسة الخراب، ومنهم ستيفن رنسمان مؤلف كتاب تاريخ الحروب الصليبية المشهور الذي قال: 'في أحد أيام شهر فبراير سنة (638) دخل إلى بيت المقدس الخليفة عمر بن الخطاب ...
وسار إلى جانب الخليفة البطريرك صفرو نيوس باعتباره رأس رجال الإدارة في المدينة التي أذعنت، على أن عمر بادر بالتوجه رأساً إلى موقع هيكل سليمان (!!) الذي صعد منه صاحبه سيدنا محمد إلى السماء، وبينما كان البطريرك ينظر إليه أثناء وقوفه استذكر أقوال المسيح، وأخذ ينبس بها من خلال دموعه:
"فمتى نظرتم رجسة الخراب التي قال عنها دانيال النبي......"
كان هذا آخر ما قام به البطريرك من الأعمال العامة، وكان الذروة الفاجعة لحياة طويلة أنفقها في سبيل الأرثوذكسية ووحدة العالم المسيحي' تاريخ الحروب الصليبية : ص (17، 19).
وعلى هذا الرأي -أيضاً- المؤرخ النصراني العربي فيليب حتى [21] وقد تصدى المهتدون من أهل الكتاب للرد على هذا، بل إن بعضهم ذكر نبوءة دخول عمر رضي الله عنه إلى القدس من التوراة دون أن يعلم من قال هذا القول الفاحش، وذلك بما جاء في سفر زكريا: 'ابتهجي جداً يا بنت صهيون واهتفي يا بنت أورشليم
هو ذا ملكك آتياً إليك
بارّاً مخلصاً متواضعـاً...
ويكلم الأمم بالسـلام
ويكون سلطانه من البحر إلى البحر
ومن النهر إلى أقاصي الأرض'.
وهي النبوءة التي يفسرها النصارى - رغماً عنها - بأنها تعني دخول المسيح إلى القدس زائراً وحيداً! [22] ولو لم يكن للفتح الإسلامي أي نبوءة ولو لم يكن الفاتح هو عمر بنفسه، فإن وصف الرجس أبعد ما يكون عن أمة التوحيد وفتوحاتها العظمى التي أخرجت الناس من الظلمات والرجس إلى النور والطهارة، وهذا -ولله الحمد- ما شهد به التاريخ كله، ولا ينكره إلا مكابر أسقمه التعصب وأعمى عينه الحقد.
ثم إنه لا ينطبق عليها بحال أنها بعد (2300) سنة، سواء كان الابتداء من وفاة دانيال أو من التاريخ الإسكندري، لأن دانيال توفي سنة (453) ق.م، وما بين هذه السنة والفتـح الإسلامي هو ( 453 + 638 = ) 1091 سنة!!
وإن كان بالتقويم الإسكندري فهو ( 333 + 638 = ) 971 فقط!!
وهنا لا بد أن نعرج على أرقام دانيال، وإن كنا نحب تأخير الحديث عنها؛ لأن الوقائع والحقائق الثابتة تجعلنا في غنى عنها، ولكن ما من الأمر بد لاستكمال الصورة:
يقول دانيال: إن قيام رجسة الخراب إلى (2300) سنة أي سيكون بعد (2300) سنة -كما أوضحنا - فهذا الأسلوب ( إلى متى.. إلى كذا ) متكرر في الرؤيا نفسها وغيرها من الأسفار، وهو من الخطأ في الترجمة أو من الترجمة الحرفية غالباً؛ لاسيما وقد رأينا التوكيد على أنها في آخر الزمان، وعند حلول السخط وبعيدة الوقوع.
ولا يخالفنا في هذا أحد من الباحثين الذين يُفسرون اليوم بالسنة، وقد تبين لنا سقوط التفسير الحرفي بأنه اليوم المعروف.
ولكن الاختلاف والإشكال هو من أين يبدأ؟
يمكن معرفة الأقوال من شرح جانسي الذي جمعه حسب قوله من خمسة وثمانين تفسيراً كتابياً، وقال فيه كما لخصه الشيخ رحمة الله الهندي : 'تعيين زمان مبدأ هذا الخبر في غاية الإشكال عند العلماء من قديم الأيام، ومختار الأكثر أن زمان مبدئه واحد من الأزمنة الأربعة التي صدر فيها أربعة فرامين (مراسيم) سلاطين إيران :
الأول: سنة (636) قبل ميلاد المسيح التي صدر فيها فرمان قوروش .
الثاني: سنة (518) قبل الميلاد التي صدر فيها فرمان دارا .
الثالث: سنة (458) قبل الميلاد التي حصل فيها فرمان أردشير لعزرا ...
الرابع: سنة (444) قبل الميلاد التي حصل فيها لنحميا فرمان أردشير (الأخير)..
والمراد بالأيام السنون، ويكون منتهى هذا الخبر [أي زمن وقوعه، كما سبق أن أوضحنا] باعتبار المبادئ المذكورة على هذا التفصيل:
بالاعتبار الأول سنة (1764م).
بالاعتبار الثاني سنة (1782م).
بالاعتبار الثالث سنة (1843م).
بالاعتبار الرابع سنة (1856م).
يقول جانسي الذي ألف كتابه سنة (1838م):
ومضت المدة الأولى والثانية وبقيت الثالثة والرابعة والثالثة أقوى وعندي هي بالجزم.
ونحن نقول: عندنا -كما عند العالم كله اليوم - إن هذا خطأ فماذا بعد؟.
ويقول جانسي :
وعند البعض مبدؤه خروج الإسكندر الرومي ( الصحيح اليوناني) على ملك إيشيا ( آسيا ) (يعني دارا الفارسي )، وعلى هذا منتهى هذا الخبر سنة (1966م)'[23] .
وعلق الشيخ رحمة الله المتوفى سنة (1891م) على هذا قائلاً: 'إن كذب المبدأ الأول والثاني كان قد ظهر في عهده - كما اعترف هو نفسه- وقد ظهر كذب الثالث الذي كان أقوى في زعمه جازماً به وكذا كذب الرابع،..بقي المبدأ الخامس'[24] .
ولما كان هم الشيخ متوجهاً إلى إبطال كل نبوءات الأسفار لإثبات أنها محرفة أو مشكوكاً فيها، فقد توقع للخامس الكذب أيضاً وقال: 'ومن يكون في ذلك الوقت يرى أنه (يعني: الخامس) كاذب أيضاً إن شاء الله بل إن الشيخ لما نقل قول من قال منهم: إن الواقع هو الذي سيظهر حقيقة هذه النبوءة رده بتهكم، وعلل ذلك بأن هؤلاء معذورون لكون الكلام فاسداً من أصله'[25] .
ونحن نقول: رحمة الله على الشيخ رحمة الله لقد كان في وسعه أن يعلق الأمر، لأن الجزم بنفي أمر محتمل الوقوع عقلاً فيه مجازفة، وإن كانت الغاية إثبات التحريف، إذ ليس كل شيء محرفاً باتفاق، فلا أقل من أن ندع للاحتمال مجالاً.
ثم إن الشيخ لما كانت تلك غايته لم يلتفت إلى ترجيح القول الأخير أو تضعيفه في ذاته فاقتضى ذلك أن نقول: -
إن أصل الخطأ في الأقوال الأربعة هو تحديد المبدأ بصدور المرسوم بتجديد أورشليم ، وهذا ما لا ذكر له في الرؤيا نفسها -رؤيا الكبش والتيس- وإنما ورد في رؤيا الأسابيع السالف ذكرها، وهي رؤيا أخرى -والأرجح عندنا أن العبارة نفسها مقحمة في الرؤيا (أي عبارة: منذ صدور الأمر...) والله أعلم، فالذين فسروا المبدأ بظهور الإسكندر أرجح؛ لأنهم استنبطوه من الرؤيا نفسها.
وبعد موت دانيال اتخذ الناس التاريخ الإسكندري، ومبدؤه من حادثة استيلائه على آسيا وهي سنة (334) عند البعض، ولكنها سنة (333) على الصحيح المشهور، وظل هو التاريخ العالمي حتى وضعت الكنيسة التاريخ الميلادي، وعليه فيكون:
قيام رجسة الخراب هو (2300 -333) = سنة (1967)!!
وهو ما حدث فعلاً وكان وقعه أليماً شديداً على أمة القديسين!!
وكان فرحاً عظيماً للصهاينة والأصوليين!!
وهو فعلاً - بغض النظر عن الأرقام والنبوءات - أعظم حدث تاريخي لليهود منذ قرابة ألفي سنة!!
والآن وقد رأينا رجسة الخراب قائمة برجسها وخرابها، بوحشيتها وشناعتها، بوثنيتها وإلحادها، بتعطيل الصلوات في المسجد الأقصى وهدمه وحرقه -ونسأل الله أن يكف شرها فلا تقضي على البقية الباقية منه -.
الآن نعود إلى قول المسيح عليه السلام عنها لنرى حقيقة هؤلاء الصهاينة الإنجيليين: أهم مسيحيون كما يدعون أم أتباع الوحش الصهيوني وهم يشعرون أو لا يشعرون .
في إنجيل متّى عن المسيح: 'وفيما هو جالس على جبل الزيتون تقدم إليه التلاميذ على انفراد قائلين:
قل لنا متى يكون هذا (هدم الهيكل)؟ وما هي علامة مجيئك وانقضاء الدهر؟
فأجاب يسوع وقال لهم: انظروا لا يضلكم أحد، فإن كثيرين سيأتون باسمي قائلين: أنا المسيح، ويضلون كثيرين، وسوف تسمعون بحروب وأخبار حروب. انظروا لا ترتاعوا؛ لأنه لابد أن تكون هذه كلها، ولكن ليس المنتهى بعد. لأنه تقوم أمة على أمة، ومملكة على مملكة، وتكون مجاعات وأوبئة وزلازل في أماكن، ولكن هذه كلها مبتدأ الأوجاع... ويقوم أنبياء كذبة كثيرون.. ولكن الذي يصبر إلى المنتهى فهذا يخلَّص ويكرِّز (أي: يذكر ويعظ) ببشارة الملكوت هذه في كل المسكونة شهادة لجميع الأمم، ثم يأتي المنتهى.
فمتى نظرتم رجسة الخراب التي قال عنها دانيال النبي قائمة في المكان المقدس - ليفهم القارئ - فحينئذٍ ليهرب الذين في اليهودية إلى الجبال، والذي على السطح فلا ينـزل ليأخذ من بيته شيئاً، والذي في الحقل فلا يرجع إلى ورائه ليأخذ ثيابه...
وحينئذٍ إن قال لكم أحد: هو ذا المسيح هنا أو هناك فلا تصدقوا؛ لأنه سيقوم مسحاء كذبة، وأنبياء كذبة، ويعطون آيات عظيمة وعجائب حتى يضلوا لو أمكن المختارين أيضاً. ها أنا قد سبقت وأخبرتكم، فإن قالوا لكم: ها هو في البرية فلا تخرجوا، ها هو في المخدع فلا تصدقوا؛ لأنه كما أن البرق يخرج من المشارق، ويظهر إلى المغارب هكذا يكون أيضاً مجيء ابن الإنسان؛ لأنه حيثما تكون الجثة فهناك تجتمع النسور'.
كالعادة.. نصوص عن أحداث هائلة لكن غموضها محير واختلافهم فيها شديد، وذلك بسبب التحريف بالزيادة والنقصان، ومع ذلك فلها تفسير وحيد لا يصح غيره، وكلما نرجوه أن يستعين أهل الكتاب بمفاتيح الرموز التي أهديناها لهم مجاناً، وسيجدون التفسيرات المقبولة - بشرط افتراض التحريف دائماً - والمفتاح هنا هو ابن الإنسان أو ابن الرجل وهو محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو مذكور بهذه الصفة في الأناجيل لهدف واضح وهو التفريق بينه وبين ابن العذراء عيسى عليه السلام.
ورجسة الخراب قد عرفناها، وإذا قامت فالذي سيأتي هو ابن الإنسان بجيوشه لا بذاته.
فالموضوع متحد بين ما في سفر دانيال وما هنا فممالك تقوم على ممالك، وخاتمتها في كليهما هو قيام مملكة ابن الإنسان وتداعي جيوشه للقضاء على الرجسة أو ( الجثة ).
(دانيال: 7: 13 -14) و(متّى: 24 -31)
ورجسة الخراب هي هي. بل تصريح باسم دانيال في متّى ومرقص (13 -15) إلا أن لوقا يشرح الرجسة بما يؤيد ما قلنا، فهو يقول: 'متى رأيتم أورشليم محاطة بجيوش... إلخ 12: 2' هو موضوع واحد لا أظن أن أحداً من الأصوليين وغيرهم يجادل فيه، وعليه: فما وصية المسيح عليه السلام؟ وما أمره لمن أدرك ذلك الزمان، زمان قيام رجسة الخراب؟!
لقد حذَّر أبلغ تحذير من المسحاء الكذابين في أول كلامه وفي آخره، وحذَّر من الاغترار بقولهم: إن المسيح نـزل أو موجود هنا أو هناك، وزجر عن البقاء مع الأرجاس، مشدداً على الهرب العاجل من بينهم؛ لأن عقوبة الله الأليمة ستنـزل بهم على يد جيوش المسيح الآخر ابن الرجل، لا ابن العذراء، الذي ستهاجم جيوشه دولة صهيون كما تهاجم النسور الجثة، وكلتاهما رجس منتن!!
وصية عظيمة، وقضية واضحة كالشمس، فهل يعي ذلك جيري فولويل ، وبات روبرتسون ، وجيمي سواجارات وأمثالهم وأشياعهم؟!
وهل يسمع المختارون (أمة الإسلام)؛ فلا يضلون كما ضل أهل الكتاب؟
ربما يجادل الأصوليون في تفسير النص كالعادة قائلين: ' إن ابن الإنسان شخصية سماوية'[26] .
فليكن؛ ولكن ماذا يقولون في وصية المسيح حين تقوم الرجسة؟!
أتتفق مع الضجة الكبرى التي يفتعلونها والصخب الهائل الذي يثيرونه فرحاً وابتهاجاً بقيام رجسة الخراب، وتبشيراً للعالم بأن قيامها هو تمهيد لنـزول المسيح، وحضاً للأتباع على زيارتها والحج إليها لملاقاته حين ينزل فجأة، وضغطاً شديداً لكي تقف أمريكا والعالم دائماً مع دولة الرجس والعدوان؟
أليس هذا أعظم المناقضة والمعاندة لما قال المسيح؟!
ثم أليست أناجيلهم كلها تنسب قتل ربهم المزعوم والتآمر عليه إلى اليهود؟! فهل رأى عقلاء العالم أمة تقدس قاتل معبودها؟! وتعادي من يحب رسولها ويؤمن به أشد الحب وأعظم الإيمان؟!
ألم يصف المسيح عليه السلام اليهود بمثل ما ورد في الأسفار (أولاد الأفاعي، قتلة الأنبياء، المراءون، القادة العميان، الغشاشون... وحسبك بالفصل الثالث والعشرين من متّى..؟!
فمتى يفيق الملايين من الأصوليين أتباع هؤلاء المسحاء الكذابين
بدر بن عبدالمحسن
07-04-2007, 13:39
الأسفار كلها تحدد الرجسة
الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي
من كتاب: يوم الغضب هل بدأ بانتفاضة رجب؟
إذا كان الحديث عن صفات اليهود الإجرامية، وسلوكهم المشين عداءً للسامية -كما يدعي الصهيونيون-، فإن أعظم كتاب على وجه الأرض معاداة للسامية هو التوراة نفسها! فلو جمعنا كل ما أصدرته الكنائس النصرانية من لعنات على اليهود، وأضفنا إليه ما صورته الروايات العالمية عنهم، كما عند "شكسبير "، و"ديكنـز " وغيرهما، ثم جمعنا الشعراء العرب وطلبنا منهم ديواناً في هجاء إسرائيل، لو جمعنا هذا كله في كتاب واحد فلن يكون مثلما ورد في أسفار التوراة ولا قريباً منه! ولكن المصيبة أن أكثر اليهود لا يقرأون ذلك، فضلاً عن المهووسين بحب إسرائيل من الأصوليين النصارى؛ بل إن كثيراً من العرب والعالم لا يعلمون عنه شيئاً.
إن التوراة كلها - وليس سفر دانيال وحده - تحدد المراد برجسة الخراب على مدى فصول طويلة، وتبدئ وتعيد في ذلك بأساليب متعددة في التعبير والبيان من الأمثال والاستعارات والمجازات، ما بين تكرار وإسهاب واختصار.
أما الصفات المذمومة فلا حصر لها، إنها تشمل كل خلق ذميم بلا استثناء، إلا أن وصفاً واحداً - يتكرر كقافية الشعر العربي - في كل سفر،مما يدهش قارئ التوراة أياً كان، ويزيد الدهشة أن هذا الوصف خاصة يجب أن يكون أبعد الأوصاف عن شعب يدعي أنه شعب الله المختار استناداً إلى هذا الكتاب نفسه، هذا الوصف هو: النجاسة، وهي نجاسة مركبة معجونة بدم الطمث، ومعصرة الوحشية والعنف، ممزوجة بالغدر والصلف، نجاسة ذاتية لا يطهرها شيء..
'إنك لو اغتسلت بالنطرون، وأكثرت من الأشنان، لا تـزالين ملطخة بإثمك يقول السيد الرب: كيف تقولين لم أتنجس؟'. 'خطئت أورشليم خطيئة لذلك صارت نجسة،.وفي الترجمة الأخرى: (رجسة)' .
وهي نجاسة زانية: 'دنست الأرض بزناها' أرمياء 3: 2) 'بل تحت كل شجرة خضراء زنت -وليس مع فاجر واحد- بل زنت مع أخلاء كثيرين (ن.م) لا؛ بل: زنت مع الحجر ومع الخشب'.
وقضى الله أن لا تطهر من نجاستها أبداً. 'إن في نجاستك فجوراً لأني أردت أن أطهرك فلم تطهري ولن تطهري بعد اليوم من نجاستك إلى أن أريح فيك غضبي' ( .
ولهذا يذكر سفر أرمياء أن الرب قال له: 'إني بسبب زنى المرتدة إسرائيل قد طلقتها فأعطيتها كتاب طلاق'.
وسبب هذه العقوبة واضح متكرر. 'تدنست الأرض تحت سكانها؛ لأنهم تعدوا الشرائع ونقضوا الحكم ونكثوا العهد الأبدي فلذلك أكلت اللعنة الأرض!!'.
هذه اللعنات مسطورة في سفر التثنية يقول: 'وإن لم تسمع لصوت الرب إلهك حافظاً وصاياه وفرائضه التي أنا آمرك بها اليوم، ولم تعمل بها، تأتي عليك هذه اللعنات كلها وتدركك؛ فتكون ملعوناً في المدينة، وملعوناً في البرية، وتكون ملعونة سلتك ومعجنك، وملعوناً ثمر بطنك وثمر أرضك ونتاج بقرك وغنمك، وتكون ملعوناً أنت في دخولك، وملعوناً أنت في خروجك، يرسل الرب عليك اللعنة والاضطراب والوعيد في كل ما تمتد عليه يدك وما تصنعه، حتى تبيد وتهلك سريعاً بسبب سوء أعمالك بعدما تركتني'.
وعلى مدى أربعة وعشرين فقرة تستمر هذه اللعنات في أسلوب لا نظـير له، ثم تختتم قائلاً: 'هذه اللعنات كلها تأتي عليك وتطاردك وتدركك حتى تبيد، لأنك لم تسمع لصوت الرب إلهك لتحفظ وصاياه وفرائضه التي أمرك بها فتكون فيك آية وخارقة وفي نسلك للأبد'.
وكما أن تلك النجاسة مزيجها اللعنة؛ فإن الخزي قرينها 'كما يخزى السارق حين يضبط كذلك خزي بيت إسرائيل هم وملوكهم ورؤساؤهم وكهنتهم'.
ونجاسة إسرائيل هذه تخرج من فوق كما تخرج من أسفل، ولذلك قال أشعياء في سفره: 'أنا مقيم بين شعب نجس الشفاه'.
وحتى بعد موتهم وطردهم من الأرض المقدسة تلاحقهم النجاسة، ففي عاموس : 'على بيت إسحاق، هكذا قال الرب: إن امرأتك تـزني في المدينة وبنيك وبناتك يسقطون بالسيف، وأرضك تقسم بالحبل، وتموت أنت في أرض نجسة، وإسرائيل يطرد من أرضه طرداً'.
لقد فاقت في رجاستها وفواحشها ومظالمها أكثـر الأمم نجاسة في التاريخ: 'صار إثم بنت شعبي أورشليم أعظم خطيئة من سدوم التي قُلِبت في لحظة ولم تمد إليها يد'.
' إن سدوم أختك لم تصنع هي وتوابعها مثلما صنعت أنت وتوابعك' .
ومن أعظمها: الوحشية والإفراط في سفك الدم؛ ولهذا فحين يسأل حزقيال ربه 'أتهلك جميع بقية إسرئيل في صب غضبك على أورشليم ؟'.
يقول الرب: 'إن إثم بيت إسرائيل ويهودا عظيم جداً جداً، وقد امتلأت الأرض دماءً، وامتلأت المدينة انحرافاً' 9: 8، 9).
وفي مراثي أرمياء يصور حالة الوحشية والفوضى الصهيونية وكأنه يتحدث عن الانتفاضة المعاصرة: 'سفكوا في وسطها دم الأبرار، تاهوا كعميان في الشوارع، تلطخوا بالدم حتى لم يطق أحد أن يلمس ملابسهم، نادوهم: تنحوا، هناك نجس، تنحوا تنحوا ولا تلمسوا'.
واستمعوا إلى هذه التعبيرات: 'لكثرة إثمكِ -يعني أورشليم - كشفت أذيالكِ فاغتصبتِ... فأنا أيضاً رفعت أذيالكِ على وجهكِ وظهر عارك، فسقكِ وصهيلكِ وفحش زناكِ على التلال وفي الحقول رأيت أقذاركِ، ويل لكِ يا أورشليم إنكِ لا تطهرين فإلى متى بعد'.
وأصبح من المعتاد أن يخاطبوا كما في أشعياء: 'يا بني السامرة نسل الفاسق والزانية بمن تسخرون؟ وعلى من تفتحون أفواهكم وتدلعون ألسنتكم؟ ألستم أولاد المعصية ونسل الكذب؟!'.
ويقول سفر هوشع عن الرب: 'رأيت في بيت إسرائيل ما يقشعر منه، هناك زنى أفرائيم وتنجس إسرائيل'.
وحرصاً على وقتنا ووقت القارئ وخوفاً من مقص الرقيب الأخلاقي لا نفيض في ذكر هذه النجاسات والأرجاس، ونكتفي بما قال حزقيال عن جرائم أفرائيم كما في هذه الألفاظ: 'وكانت إليَّ كلمة الرب قائلاً: وأنت يا ابن الإنسان، هلاَّ تدين، هلاَّ تدين، مدينة الدماء وتعلمها بجميع قبائحها. فقل: هكذا قال السيد الرب: المدينة التي تسفك الدم في وسطها يأتي وقتها، فإنها تصنع قذارات لتتنجس بها.
لقد أثمت بدمك الذي سفكته، ونجستِ بقذاراتك التي صنعتها، فأدنيت أيامك وبلغتِ إلى سنيّك، فلذلك قد جعلتك عاراً للأمم، وسخرة لجميع الأراضي.
الدانيات منك والقاصيات عنك يسخرن منك، أيتها النجسة الاسم الكثيرة الاضطراب.
ها إن رؤساء إسرائيل كانوا فيك لسفك الدم، كل واحد على ما أطاقت ذراعه.
فيك أهانوا أباً وأماً، وفي وسطك عاملوا النـزيل بالظلم، وفيك جاروا على اليتيم والأرملة.
لقد ازدريت أقداسي وانتهكت سبوتي، رجال نميمة كانوا فيك لسفك الدم، وفيك أكلوا على الجبال، وفي وسطك صنعوا الفجور.
فيك من كشف عورة أبيه، وفيك أُذِلَّت المتنجسة بطمثها.
واحد صنع مع امرأة قريبه ما هو قبيحة، وواحد نجس كنته بفجور، وواحد أذل فيك أخته بنت أبيه، فيك أخذت الرشوة لسفك الدم، وأنت أخذت الفائدة والربا، واغتصبت قريبك بالكسب، ونسيتني.
يقول السيد الرب:
' فهأنذا أضرب كفي على كسبك الذي اتخذته، وعلى الدم المسفوك في وسطك، فهل يثبت قلبك أو تقوى يداك؟ أيام أجري أمري معك.
أنا الرب تكلمت وسأفعل، أشتتك بين الأمم، وأذريك في الأراضي، وأزيل نجاستك منك، وأتدنس بك على عيون الأمم، فتعلمين أني أنا الرب'.
'هكذا قال السيد الرب: بما أنكم -جميعاً- قد صرتم خبثاً، لذلك هأنذا أجمعكم في وسط أورشليم ، جمع الفضة والنحاس والحديد والرصاص والقصدير في وسط الأتون، لأنفخ عليها النار حتى أذيبها. هكذا أجمعكم في غضبي وسخطي وأدعكم هناك وأذيبكم، أحشدكم وأنفخ عليكم في نار سخطي وأذيبكم في وسطها، كما تسبك الفضة في وسط الأتون، كذلك تذابون في وسطها، فتعلمون أني أنا الرب صببت غضبي عليكم' .
' إنكِ أرض غير مطهرة، لم تمطر في يوم الغضب. في وسطها مؤامرة أنبيائها (الدجالين) كأسد زائر مفترس فريسة قد التهموا النفوس وأخذوا المال والنفيس، وكثروا الأرامل في وسطها، كهنتها تعدَّوا على شريعتي ودنسوا أقداسي، ولم يميزوا بين المقدس والحلال، ولم يُعلِموا الفرق بين النجس والطاهر، وحجبوا عيونهم عن سبوتي، فتدنست في وسطهم، ورؤساؤها في وسطها كالذئاب المفترسة الفريسة، سافكين الدم، مهلكين النفوس، لكي يكسبوا كسباً... جاروا جوراً على شعب الأرض، واختلسوا خلسة، وظلموا البائس والمسكين، وجاروا على النـزيل بغير حق" نعم! لقد جاروا على شعب الأرض جوراً عظيماً، واختلسوا أمنهم وراحتهم وبلادهم ومزارعهم! فهل نستمر مع حزقيال في استعراض أرجاس "رجسة الخراب" أم ننتقل إلى حديثه عن العقوبة؟!!
الجواب: يجب أن نقف، ليس لأننا خرجنا عن منهجنا في الاختصار؛ بل حياءً من القارئ -وربما خوفاً من مقص الرقيب الأخلاقي- فإن السفر ضرب بعد هذا -مثلاً- للرجستين السامرة وأورشليم اليهوديتين، بامرأتين زانيتين سماهما (أهله وأهليبه )، وفي التسمية تورية لفظية عنهما، وهما قصتان تليقان بما يكتبه الإعلام الأمريكي عن جيمي سواجارات وأمثاله من قادة الصهيونية النصرانية أصحاب السيرة الأخلاقية السيئة، لكنها لا تليق ببحثنا ونستحيي من إيرادها، ولا أدري هل المتدينون النصارى يسمحون لأبنائهم وبناتهم بقراءة مثل هذه الموضوعات في (الكتاب المقدس)؟! أم يقرأونها وحدهم عند مشاهدة أفلام آخر الليل التي لا يراها من هم دون الثامنة عشرة؟!
أما عقوبة "أهله " وأختها فلا بأس من ذكرها كما أوردها السفر: 'هكذا قال السيد الرب لتُستدعَ عليهما جماعة، ولتسلما إلى الذعر والنهب، فترجمهما الجماعة بالحجارة وتقطعهما بسيوفهما، ويقتلون بنيهما وبناتهما، ويحرقون بيوتهما بالنار، فأبطل الفجور من تلك الأرض'.
فهنيئاً لأبطال الحجارة وهم يرجمون "أهله وأهليبه" المعاصرتين!!
أما السيف والنار فعمَّا قريبٍ بإذن الله، فالفصل التالي سوف يعرض لنا بالتفصيل ما هو مجمل هنا.
بدر بن عبدالمحسن
07-04-2007, 13:43
محاكمة لا مصالحة
الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي
من كتاب: يوم الغضب هل بدأ بانتفاضة رجب؟
يعتقد الصهيونيون بوجهيهم - اليهودي والنصراني - أن اجتماع بقية بني إسرائيل على أرض فلسطين هو تحقيق لوعد الله بالمصالحة بينه وبين شعبه المختار، ولذلك نصرهم على العرب، وبارك من يباركهم -أمريكا - ولعن من يلعنهم..!!
والواقع أن أسفار التوراة لا تخلو من دعوة لليهود إلى المصالحة مع الرب، ولكن بماذا؟
إنها دعوة إلى التوبة، وترك الكفر بالله ورسله، ونبذ عبادة غير الله، وحفظ فرائضه، والشفقة على الضعفاء والأيتام، والإحسان إلى الخلق.
هذا ما نجده بوضوح في معظم الأسفار، ومعه في الوقت نفسه الوعيد الشديد عليهم إن هم خالفوا ذلك ونكثوا العهد، ونقضوا الميثاق، وهو ما لا علاقة له ضرورة بالنبوءات وأحداث آخر الزمان؛ بل هو دعوة عامة للتوبة والإيمان للفرد والجماعة في كل مكان، أما اجتماع البقية الشريرة المطرودة، وعودتها إلى الأرض المقدسة ليحل عليها غضب الله، فالنبوءات فيه صريحة وخاصة، وهي من الكثرة والوضوح بحيث يصعب حصرها وإيرادها إلا من خلال أمثلة وإشارات فقط.
فلنبدأ بما يعتمد عليه الصهيونيون من نبوءات:
يقول سِفر حزقيال : 'هأنذا آخذ بني إسرائيل من بين الأمم التي ذهبوا إليها، وأجمعهم من كل ناحية، وآتي بهم إلى أرضهم، وأصيِّرهم أمةً واحدة في الأرض، على جبال إسرائيل، وملك واحد يكون ملكاً عليهم ولا يكونون أمتين ولا ينقسمون بعد إلى مملكتين'.
ربما كان هذا أقوى دليل وأصرحه للصهاينة، ولا بأس فلنكمل ما ورد في السفر نفسه، ولنقرأ بقية الكلام: 'لا تنجسون بعد بأصنامهم ولا برجاساتهم ولا بشيء من معاصيهم بل أخلِّصهم من كل مساكنهم التي فيها أخطأوا، وأطهرهم فيكونون لي شعباً وأنا أكون لهم إلهاً، وداود عبدي يكون ملكاً عليهم ويكون لجميعهم راعٍ واحد، فيسلكون في أحكامي ويحفظون فرائضي ويعملون بها'.
لا ريب أن ذكر "داود" هنا ينفي أن يكون المقصود هو دولة صهيون المعاصرة؛ بل إن حزقيال نفسه كان بعد داود! ومن هنا، يحق لنا أن نشك في أن العبارة محرفة، لكن الصهاينة يؤولون ذلك بأنه: "رمز" لدولة إسرائيل.
فلنسلِّم جدلاً، ولنسأل:
أهذا وعد مطلق أم مشروط؟ وهل يتحقق في دولة إسرائيل شيءٌ من الشروط؟ أليسوا إلى اليوم كافرين برسالتي المسيح ومحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودينهما الواحد ( الإسلام )؟ وهب أن المقصود أحكام التوراة المنسوخة فأين هم منها؟
إن دولة إسرائيل هي من أكبر مباءات الفواحش والإلحاد والإجرام في العالم، إنها تنافس أمريكا في القمار والشذوذ والربا وارتكاب كل الموبقات، والمؤسسون لها كانوا ملاحدة اشتراكيين زعماء عصابات إجرامية وإرهابية، وكل الوصايا العشر الموسوية مهجورة منكورة، والشيء الوحيد الذي يحفظه اليهود من التوراة هو أنهم شعب الله المختار، ونسل إبراهيم عليه السلام.
فلنبحث إذن عن حال هذه الدولة التي أقامتها بقية بني إسرائيل على حقيقتها، لنجده في الأسفار واضحاً كالنهار.
ولنبدأ بالملخص الذي شرح به ناشرو الكتاب المقدس كلمة "بقية" لدى ورودها في سفر أشعياء وهو: 'سيُعاقَب إسرائيل (أي الشعب) على خيانته، ولكن بما أن الله يحب شعبه فهناك بقية صغيرة تنجو من سيف المجتاحين'
ثم أحال إلى مواضع كثيرة واستمر قائلاً: 'ستبقى هذه البقية في أورشليم ، وتُطَهَّر وتصبح أمينة فتصير أمة قديرة!! وبعد كارثة السنة (587) -يعني: السبي- ظهرت فكرة جديدة، وهي أن البقية ستكون بين المجلوين، وتتوب في الجلاء -وذكر مصادر - فيجمعها الله عندئذٍ؛ لإحياء المملكة المشيحية -وذكر مصادر- وبعد العودة من الجلاء ستكون البقية غير أمينة مرة أخرى وتطهر بالقضاء على قسم منها..'
هذا هو مجمل الفكرة؛ حيث يزعم الأصوليون أن المملكة المشيحية قد تمثلت بقيام دولة إسرائيل التي سينـزل فيها المسيح!
أما كونها ستكون غير أمينة، وسوف تطهر بالقضاء على قسم منها؛ فيغضون الطرف عنه كأن لم يكن!!
وأما الأمة القديرة فإنهم أنفسهم ذكروا بعد ثلاث صفحات فقط أن الله يتخذ أمة قديرة للانتقام من بني إسرائيل، فهي إذن ستقضي على القسم المقضي عليه بغضب الله وهلاكه منهم.
فأداة الانتقام هي: الأمة القديرة المطهرة الأمينة.
ونحن سندلهم على القراءة الحقيقية لما جاء عن هذه البقية ونوردها على محاور:
الأول: أن هذه البقية لا عهد لها مع الله، فليس لله عهدٌ دائمٌ مع أحدٍ إلا بالالتزام بتقواه وطاعته: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ [البقرة:124].
وتاريخ بني إسرائيل هو دورات متعاقبة من الإيمان والكفر، لا يفرقه عن تاريخ بقية الأمم إلا غلظ كفرهم وزيادته مقارنةً بكثرة أنبيائهم، وتتابع إمهال الله لهم، ونعمه عليهم لعلهم يرجعون.
وما مرحلة القضاة -الذين هم رؤساء عشائر- إلا نموذج جلي لهذا، وقد ابتدأت هذه المرحلة من بعد يوشع غلام موسى عليه السلام حتى داود عليه السلام، وفي كل مرة ينقضون عهد الله، ويعبدون بعلاً وعشتروت وتموز وغيرها من الأرجاس، ويذبحون لها أبناءهم، فينذرهم الله ويُرسل لهم نبياً، فيتوب منهم من شاء الله، ثم سرعان ما يعودون لشركهم ورجسهم، فيسلط الله عليهم أمةً ممن حولهم تذيقهم سوء العذاب، وهكذا مرات ومرات!!
وهذا ما عبَّر عنه سفر الملوك الثاني بقوله: 'وكان الرب قد أشهد على بني إسرائيل وهوذا على ألسنة جميع الأنبياء وكل راءٍ قائلاً: توبوا عن طرقكم السيئة، واحفظوا وصاياي وفرائضي على حسب كل الشريعة التي أوصيت بها آباءكم، والتي بلغتكم إياها على يدي عبيدي الأنبياء، فلم يسمعوا وصلبوا رقابهم مثل رقاب آبائهم الذي لم يؤمنوا بالرب إلههم، ونبذوا فرائضه وعهده الذي قطعه مع آبائهم، والشهادة التي أشهدها عليهم، وساروا وراء الباطل، وساروا باطلاً وراء الأمم التي حولهم مما أمر الرب ألاَّ يفعلوا مثلها، وتركوا جميع وصايا الرب إلههم، وصنعوا لهم عجلين (صنمين) من المسبوكات، وأقاموا وتداً مقدساً وسجدوا لجميع قوات السماء (يعني: الكواكب) وعبدوا البعل، وأمَروا بنيهم وبناتهم بالنار، وتعاطوا العرافة والفراسة (الكهانة)..، فنبذ الرب جميع ذرية إسرائيل وأذلهم وأسلمهم إلى أيدي الناهبين حتى رذلهم من وجهه'.
والبقية الباقية إنما تبقى للابتلاء والامتحان، فإن وفَّت وفَّى الله معها، وإن نقضت عاقبها الله، وليس بقاؤها لأنها طاهرة أمينة طهارة وأمانة أبديتين، بل إن هذه البقية تبقى لتكون عبرة للأمم كلها وإمهالاً منه لها لكي تتوب.
يقول سِفر حزقيال بعد أن أمره الله أن يتنبأ عليهم بدمارٍ هائلٍ وقتلٍ وتخريبٍ وتطهيرٍ للأرض من أرجاسهم: 'لكن أبقي بقية ليكون لكم مفلتون من السيف بين الأمم، إذ تُذَرُّون في البلدان فيذكرني مفلتوكم بين الأمم التي يسبون إليها، إذ أسحق قلوبهم الزانية التي حادت عني وعيونهم التي زنت في السير وراء قذارات'.
ويصرح أرمياء بأكثر من هذا، فهو بعد أن يخبر عما ينالهم من دمار وتنكيل، حتى أن جثثهم تطرح في المدن فتأكلها طيور السماء وبهائم الأرض؛ بل حتى إن عظام ملوكهم ورؤسائهم تُنبش وتُنثر وتكون زبلاً على وجه الأرض يقول: 'ويُفضَّل الموت على الحياة عند جميع البقية الباقين من هذه العشيرة الشريرة الباقين في جميع الأماكن التي طردتهم إليها'.
أما التائبون العائدون إلى الله فهم قليلٌ، وهم الذين يسلمون فيكونون البقية المقدسة التي سيأتي الحديث عنها في آخر هذا الفصل، ويكون هذا بعد أن تفقد الصهيونية القوة التي تسندها فتسقط كل عروشها وتخسر كل دعاواها.
يقول أشعياء بعد ذكر الحريق الهائل الذي يسلطه الله عليهم: 'وفي ذلك اليوم لا تعود بقية إسرائيل والناجون من بيت يعقوب يعتمدون على من ضربهم، وإنما يعتمدون على الرب قدوس إسرائيل حقاً والبقية ترجع -بقية يعقوب- إلى الله الجبار، إنه وإن كان شعبك يا إسرائيل كرمل البحر إنما ترجع بقية منه'.
وهذا يبين بلا أدنى شك أن اليهود ليسوا أبناء الله وأحباؤه؛ بل هم بشر ممن خلق!! وهو ما يُصرح به سفر عاموس : 'ألستم لي كبني الكوشيين "شعب النوبة" يا بني إسرائيل يقول الرب: ألم أُصعد إسرائيل من أرض مصر ، والفلسطينيين من كفتور وآرام من قير.
ها إن عيني السيد الرب على المملكة الخاطئة سأبيدها عن وجه الأرض إلا أني لا أبيد بيت يعقوب إبادة، يقول الرب: فإني هأنذا آمر وأهز بيت إسرائيل في جميع الأمم هز الغربال فلا تسقط حصاة على الأرض، وبالسيف يموت جميع خاطئي شعبي القائلين: إن الشر لا يقترب منا ولا يدركنا' (9: 7- 10) [27]
وقد عرفنا أن المملكة الخاطئة هي رجسة الخراب، فسيدمرها إلا من أسلم أو هرب، أما بقية اليهود في العالم فيهزهم هزَّاً، ويغربلهم غربلة!!
الثاني: لا حق لها في وراثة إبراهيم عليه السلام:
يقول حزقيال في سفره: 'وكانت إليَّ كلمة الرب قائلاً: يا ابن الإنسان إن سكان تلك الأخربة في أرض إسرائيل يتكلمون قائلين: كان إبراهيم وحده وورث الأرض، ونحن كثيرون، فقد أعطينا الأرض ميراثاً، لذلك قل لهم: هكذا قال السيد الرب: إنكم تأكلون بدم، وترفعون عيونكم إلى قذاراتكم وتسفكون الدم أفترثون الأرض؟ إنكم اعتمدتم على سيوفكم وصنعتم القبيحة (وفي الترجمة الأخرى: وفعلتم الرجس) ونجستم كلّ رجلٍ امرأةَ قريبه أفترثون الأرض؟'.
إنه خطاب لشعب "رجسة الخراب"، وإلا فقد جاءت هذه النبوءة زمن النفي، وليس لليهود قوة ولا سلطان، ودماؤهم مسفوكة، أما الأرجاس المعاصرون فكل ما قيل هنا صادقٌ عليهم.
ولهذا يقول بعد ذلك مباشرة: 'هكذا تقول لهم: حي أنا، إن الذين في الأخربة يسقطون بالسيف، والذي على وجه الحقول أجعله مأكلاً للوحوش، والذين في الحصون والمغاور يموتون بالطاعون، وأجعل الأرض خربة ومقفرة، وأزيل كبرياء عزتها فتصير جبال إسرائيل مقفرة لا عابر فيها، فيعلمون أني أنا الرب حين أجعل الأرض خربة مقفرة بسبب جميع قبائحهم التي فعلوها).
وفي الترجمة الأخرى (على كل رجاستهم التي فعلوها'.
بل إنه ينفي نسبهم إلى إبراهيم عليه السلام، وهو عماد دعوى الميراث المزعوم، يقول: 'يا ابن الإنسان: أخبر أورشليم بقبائحها، - وفي الترجمة الأخرى: عرّف أورشليم برجاستها - وقل: هكذا قال السيد الرب لـأورشليم : أصلك ومولدك من أرض الكنعانيين وأبوك أموري وأمك حثية'.
وبعد أن يفيض في نجاستها وزناها وفجورها جداً يعود فيقول: 'إنما أنت ابنةٌ أمِّك التي عافت رَجُلَها وبنيها، وأنت أخت أخواتك اللاتي عفن رجالهن وبنيهن إن أُمّكن حثية وأبوكن أموري، فأختك الكبرى هي السامرة مع توابعها الساكنة عن يسارك، وأختك الصغرى الساكنة عن يمينك هي سدوم وتوابعها، وأنت لم تقتصري على القليل في سيرك في طريقهن وصنعت مثل قبائحهن (في الأخرى: رجاستهن)، بل زدت عليهن فساداً في كل سلوك، حي أنا، يقول السيد الرب: إن سدوم أختك لم تصنع هي وتوابعها مثلما صنعت أنت وتوابعك'.
وسواء كان هذا من قبيل "إنه ليس من أهلك"، ومن قبيل قول المسيح عليه السلام لهم: 'أنتم من أبٍ هو إبليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا'.
أو أنه حقيقة قد انقطعت صلتهم بإبراهيم عليه السلام.
والذي لا جدال فيه أن اليهود اليوم هم خليطٌ غريبٌ من حثالات شعوب كثيرة، إلا أن أغلبهم من الأصل الخزري، وربما كان في قوله (حِثِّيَّة) إشارة لهذا، فالحثيون شعب مجهول، كان يسكن في جهة الشمال بالنسبة للأرض المقدسة -في تركية اليوم-، فلا يبعد أن يكون الموطن الأصلي للخزر، أو أن المقصود الإشارة إلى تلك الجهة التي سيكون منها معظم اليهود؛ لا سيما عند قيام رجسة الخراب "دولة إسرائيل".
لقد عجزت كل الحيل الصهيونية عن إثبات النسب السامي لليهود، ولم يستطع أحدٌ ممن يوثق بعلمه من دارسي السلالات البشرية أن يشهد لهم بهذا!!
كيف وهم من الفلاشا إلى المغاربة، ومن الفرس إلى الأسبان، ومن البولنديين إلى جنوب إفريقيا ؟!!
ومن هنا كان سفر هوشع يقطع كل صلة لهؤلاء بالله ورسله، حين رمز لهم بامرأة زانية تلد ولداً فيأمره الرب أن يسميه (يزراعيل )، وهو الوادي الذي ستقع فيه معركة مجدو أو هرمجدون ، ثم تلد بنتاً فيأمره أن يسميها (غير مرحومة)، ثم تلد ولداً فيقول الرب: سمه (لا شعبي) أو (ليس شعبي)، وهذا الرمز الأخير هو الذي يستخدمه الكاثوليك ومن وافقهم في تسمية اليهود!!
فنسبهم باطل، وأمهم غير مرحومة، وذريتهم ليست شعب الله!!
الثالث: أن الله سيعيدها إلى الأرض المقدسة للمحاكمة والعقوبة لا للصلح والمثوبة.
يقول حزقيال : 'يقول السيد الرب: إني بيد قوية وذراعٍ مبسوطة وغضب مصبوب أملك عليكم وأخرجكم من بين الشعوب وأجمعكم من الأراضي التي شُتِّتم فيها بيد قوية وذراعٍ مبسوطة وغضبٍ مصبوب، وآتي إلى برية الشعوب وأحاكمكم هناك وجهاً لوجه كما حاكمت آباءكم في برية مصر ' (20: 33-36).
وهذا إحالة إلى ما عاقبهم الله به من التيه أربعين سنة، وما حل بهم هناك من العقوبات المتتابعة.
ويوضحه ما في سفر صفنيا: تكدّسي تكدّسي - في الترجمة الأخرى: تجمّعي تجمّعي - أيتها الأمة التي لا حياء لها قبل أن تطردوا كالعصافة العابرة في يوم واحد، قبل أن يحل بكم اضطرام غضب الرب، قبل أن يحل بكم يوم غضب الرب!'.
ثم يتوجه بالخطاب إلى المظلومين المستضعفين في أرض فلسطين : 'التمسوا الرب يا جميع وضعاء -في الترجمة الأخرى: يا بائسي- الرب الذين نفذوا حكمه، التمسوا البر، التمسوا الضعة، فعسى أن تستتروا في يوم غضب الرب' (2: 1-3).
وهكذا فاجتماعها إنما هو لحلول غضب الرب عليها، وحينئذٍ تطرد وتذاد عن الأرض المقدسة كما تكون العصافة في البيدر، تذهب بها الرياح كل مكان، وينجو المستضعفون المتمسكون بحبل الله وتقواه.
لكن الطرد لا يعني أنهم يستطيعون الفرار؛ بل يلوذ بعضهم به عائدين إلى مواطنهم الأولى أو غيرها، أما الأكثرون فمصيرهم كما في حزقيال : 'من حيث إنكم صرتم زغلاً؛ فلذلك هأنذا أجمعكم في وسط أورشليم جمع فضة ونحاس وحديد ورصاص وقصدير، إلى وسط كور - (كير) (في الكاثوليكية : الأتون) - لنفخ النار عليها لسبكها، كذلك أجمعكم بغضبي وسخطي وأطرحكم وأسبككم فأجمعكم فأنفخ عليكم في نار غضبي، فتسبكون في وسطها كما تسبك الفضة في وسط الكور، كذلك تسبكون في وسطها، فتعلمون أني أنا الرب سكب سخطي عليكم'.
...وهذا ما سيكون في يوم الغضب الآتي ذكره قريباً.
وهنا يأتي السؤال:
ما مصير البقية من بني إسرائيل التي تبقى في الأرض بعد يوم الغضب؟
ما مصير الشعب الصهيوني بعد يوم الغضب؟
تحدد الأسفار مصير شعب إسرائيل حين حلول يوم الغضب على النحو التالي:
أشعياء يخبر عن أنهم يفنون ويعاقبون إلا قليلاً منهم: 'ها إن الرب يخرب الأرض ويدمرها، ويقلب وجهها، ويبدد سكانها، فيكون الكاهن كالشعب والسيد كالعبد والسيدة كخادمتها... تدنست الأرض تحت سكانها؛ لأنهم تعدوا الشرائع ونقضوا الحكم، ونكثوا العهد الأبدي، فلذلك أكلت اللعنةُ الأرض، وعوقب الساكنون فيها، ولذلك احترق سكان الأرض فبقي نفرٌ قليل'.
وفي زكريا تفصيل أكثر إذ يجعلهم أثلاثاً: 'ثلثين منهما يُقطعان ويموتان، والثلث يبقى فيها، وأُدخل الثلث -الباقي- في النار وأمحّصهم كمحص الفضة وأمتحنهم امتحان الذهب'.
أما في حزقيال فهم كما قال: 'أحرق ثلثاً بالنار... وخذ ثلثاً واضرب عليهم بالسيف... وذرّ ثلثاً للريح'.
ثم يقول: 'وخذ من ذلك - (أي الثلث المشرد) - عدداً قليلاً وصرّه في ذيلك وخذ منه أيضاً وألقه في وسط النار وأحرقه بالنار، من هناك تخرج نار على كل بيت إسرائيل'.
ويقول صفنيا: وأبقي في وسطك -(يعني: إسرائيل)- شعباً وضيعاً فقيراً، فتعتصم باسم الرب بقية إسرائيل لا يرتكبون الظلم، ولا ينطقون بالكذب، ولا يوجد في أفواههم لسان مكر؛ لأنهم سيرعون ويربضون ولا أحد يفزعهم'.
هذه البقية المؤمنة يصفها أشعياء: 'تصير المدن خراباً بغير ساكن، والبيوت بغير إنسان... وإن بقي فيها العشر من بعد فإنها تعود وتصير إلى الدمار، ولكن كالبطمة والبلوطة التي بعد قطع أغصانها يبقى جذع؛ فيكون جذعها زرعاً مقدساً'.
لا خلاف بيننا وبين الأصوليين في أن سكان إسرائيل اليوم من اليهود كفار، ليس بينهم معتصم بالله ولا مقدَّس، ولكن الأصوليين يقولون: إنه وفقاً لهذه النبوءات سوف يؤمن اليهود بالمسيح عند نزوله، فتكون تلك البقية المقدسة.
أما نحن فنقول:
حين يسترد المسلمون القدس بإذن الله، ويدمرون الرجس، تتحقق هذه النبوءات، فمن اليهود من يُقتل، ومنهم من يفر ويتشتت في الأرض، ومنهم من يبقى فيدخل في عهدنا وذمتنا ويرعى ولا يفزعه أحد، ومنهم من يسلم وجهه لله ويهتدي وهو البقية المقدسة.
ومن البقية التي تفر، ومن اليهود الذين لم يأتوا إلى فلسطين أصلاً تكون البقية الأخيرة التي تتبع الدجال في آخر الزمان، وحين ينزل عيسى عليه السلام لا يكون هناك ثلاثة أثلاث، بل نصفان: نصفٌ يُقتل ضمن المقتولين من جيش الدجال، ونصفٌ يُسْلِم مع عيسى عليه السلام؛ لأنه - كما ثبت عندنا بالخبر الصادق - يضع الجزية ولا يقبل إلا الإسلام أو السيف.
بدر بن عبدالمحسن
07-04-2007, 13:46
يوم غضب الرب
الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي
من كتاب: يوم الغضب هل بدأ بانتفاضة رجب؟
كيف يحل يوم غضب الله وتنـزل العقوبة على دولة الرجس والظلم والعدوان "إسرائيل"؟!
تُحدثنا الأسفار بوضوح عن هذه الأمور: -
1- صفات الجيش المنتصر.
2- انهيار الجيش الصهيوني.
3- مصير الحلفاء الاستراتيجيين للدولة الصهيونية .
وفي ثنايا كل سياق تتكرر أسباب العقوبة والخراب:
'الشرك بالله والكفر برسله والتمرد على أمره، سفك الدم البريء، والظلم والعدوان، المكر والغش والغدر، الفواحش، اضطهاد البائس والأرملة' ...إلخ.
يبدأ الزمن الجديد بإعلان الجهاد، والمرجو أن تكون هذه الانتفاضة هي بدايته، فإن لم تكن فهي بلا شك تمهيد له. فلابد أن يعلن وأن تسقط الشعارات الأخرى.
لقد وضع ناشرو الكتاب المقدس عنوان (الزمن الجديد ويوم الرب) لما جاء في سفر يوئيل عن تصور هذا اليوم العظيم، الذي يبدأ بأن يتداعى جند الله للجهاد -بل إن السفر نفسه يدعو ويحض-، ولأنه في الغالب جهاد شعوب لا تملك الطائرات والعتاد الثقيل؛ بل أكثرهم لا يملك من الحديد إلا أدوات الفلاحة، ولأن بعضهم أو أكثرهم من شعوب فقيرة، اصطلت بنير الاحتكار الرأسمالي والربا اليهودي والتسلط الاستبدادي والحصار الأمريكي.. وفيهم ضعاف البنية، ويداخلهم لأجل ذلك شيء من التخوف، فالعدو جيش نووي قوي، ووراءه بالطبع قوى عالمية حاشدة؛ لأن ذلك كله واقع تأتي البشرى لتنفض الوهن وتشحذ العزائم: 'أعلنوا حرباً مقدسة
وأنهضوا الأبطال
وليتقدم رجال القتال ويصعدوا
اطرقوا محاريثكم سيوفاً
ومناجلكم رماحاً
وليقل الضعيف: إني بطل
أسرعوا وهلموا
يا جميع الأمم من كل ناحية
واجتمعوا هناك' .
هكذا: جهاد وتوكل، إعداد بحسب الاستطاعة، لا استجداء للسلاح من أعداء الله.
أما سفر أرمياء فيحث على مسابقة الزمن وتدمير دولة الترف ومجتمع العنف: 'أعلنوا عليها حرباً مقدسة
قوموا نصعد عند الظهيرة
ويل لنا فإن النهار قد مال
وظلال المساء قد امتدت
قوموا نصعد في الليل
ونهدم قصورها
فإنه هكذا قال رب القوات
اقطعوا خشباً واركموا على أورشليم مردوماً
هذه هي المدينة التي ستفتقد
التي ليس فيها إلا ظلم
كما أن البئر تنبع مياهها
فكذلك هي تنبع شرها
فيها يسمع بالعنف والنهب
وأمامي كل حين مرض وضربة
هوذا شعب مقبل من أرض الشمال
وأمة عظيمة ناهضة من أقاصي الأرض
قابضون على القوس والحربة
قساة لا يرحمون
صوتهم كهدير البحر
وعلى الخيول راكبون مصطفون
كرجل واحد للمعركة
ضدَّكِ يا بنت صهيون'.
ولأن السؤال يظل وارداً بإلحاح: أين الجيش الذي لا يقهر؟ أين جيش الخراب المتسمي بجيش الدفاع؟! يجيب سفر أشعياء جواباً قطعياً مختوماً ناسخاً لا منسوخاً. [28]
بأن الرب ناداه: 'فهلمّ الآن واكتب ذلك على لوح أمامهم
وارسمه في سفر
ليكون لليوم الأخير
دائماً وللأبد!
بما أنكم نبذتم هذه الكلمة
وتوكلتم على الظلم والالتواء!
واعتمدتم عليها
لذلك يكون هذا الاثم لكم
كصدع يحصل فيتضخم في سور عالٍ
فيحدث انهدامه بغتة على الفور
فينهدم مثل إناء الخزّافين
الذي يسحق بغير رفق
فلا يوجد في مسحوقه شقفة
لأخذ نار من الموقد!!
أو لغرف ماء من الجب!!
......................
ألف معاً تجاه تهديد واحد!!
وتجاه تهديد خمسة تهربون!!
حتى تتركوا كسارية على رأس الجبل
وكراية على التلة'.
ويؤكد سفر عاموس ذلك: 'قد أتت النهاية لشعبي إسرائيل
فلا أعود أعفو عنه
فتصير أغاني القصر ولوالاً
في ذلك اليوم، يقول السيد الرب
وتكثر الجثث
وتلقى في كل مكان بصمت'.
أما صفات المجاهدين وبسالتهم فيرسمها يوئيل في صورة بيانية بديعة: -'كما ينتشر الفجر على الجبال
شعب كثير مقتدر
لم يكن له شبيه منذ الأزل
ولن يكون له من بعد
إلى سني جيل وجيل
...................
قدامه النار تأكل
وخلفه اللهيب يحرق
قدامه الأرض كجنة عدن
وخلفه قفر وخراب
ولا ينجو منه شيء
كمنظر الخيل منظره
ومثل الفرسان يسرعون
كصوت المركبات
على رءوس الجبال يقفزون
كصوت لهيب النار الآكلة القش
وكشعب مقتدر مصطف للقتال
من وجهه يرتعد الشعوب
وجميع الوجوه قد شحبت
كالأبطال يسرعون
وكرجال الحرب يتسلقون السور
وكل منهم يسير في طريقه
ولا يحيد عن سبله
ولا يزاحم أحد أخاه
بل يسيرون كل واحد في طريقه
ومن خلال السهام يهجمون
ولا يتبددون
يثبون إلى المدينة
ويسرعون إلى السور
ويصعدون إلى البيوت
ويدخلون من النوافذ'.
ويصفها أشعياء هكذا:
'فيرفع راية لأمة بعيدة
ويصفر لها من أقصى الأرض
فإذا بها مقبلة بسرعة وخفة
ليس فيها منهك ولا عاثر
لاتنعس ولا تنام
ولا يحل حزام حقويها
ولا يفك رباط نعليها
سهامها محددة
وجميع قسيها مشدودة
تحسب حوافر خيلها صواناً
ومركباتها إعصاراً
لها زئير كاللبؤة
وهي تـزأر كالأشبال
وتزمجر وتمسك الفريسة
وتخطفها وليس من ينقذ
فتزمجر عليه في ذلك اليوم كزمجرة البحر
وتنظر إلى الأرض فإذا بالظلام والضيق
وقد أظلم النور في غمام حالك' [29]
أما الأسرى الصهاينة فتحدد الأسفار مصيرهم هكذا:
في سفر التثنية: 'ويردك الرب إلى مصر في سفن في الطريق التي قلت لك لا تعد تراها، فتباعون هناك لأعدائك عبيداً وإماءً وليس من يشتري'.
ويوضحه ما في أرمياء: 'هأنذا أحاكمك على قولك لم أخطئ.. إنك تخزين من مصر كما خزيت من آشور ' 'أعبدٌ إسرائيل أم هو مولود بيت، عليه زأرت الأشبال، وأطلقت أصواتها، وجعلت أرضه دماراً، ومدنه احترقت بلا ساكن فيها وبنو نوف وتحفنحيس -مدينتان مصريتان معروفتان في ذلك الوقت- أيضاً حلقوا هامتك'.
لاشك أن المجاهدين سيكونون من كل بلاد الإسلام، ولكن التبكيت والخزي بـمصر له دلالته، فهي التي أخرجوا منها أول عهدهم حين أنجاهم الله من العبودية لآل فرعون، والآن بسبب ردتهم -التي صرح بها السفر مراراً- سيعادون إليها عبيداً، لكن لا أحد يشتري هذه المرة..! لماذا..؟ لأنهم رجس..!
فهم يحملون في أبدانهم فيروسات الإيدز، ويحملون في قلوبهم الحقد والغدر، فلا يريدهم أحد، ولو عبيداً وإماءً.
وفي الاتجاه المقابل وفيما يشبه النفخ في الصور يعود اللاجئون الفلسطينيون إلى ديارهم، ويتداعى المسلمون بعد المعركة الكبرى والنصر العظيم إلى الأرض المباركة للزيارة والاعتكاف، ولاسيما من العراق ومصر .
يقول أشعياء : 'في ذلك اليوم يدوس الرب قمحه من مجرى النهر إلى وادي مصر ، وأنتم تلقطون واحداً فواحداً يا بني إسرائيل.
وفي ذلك اليوم ينفخ في بوق عظيم ويأتي الهالكون في أرض آشور والمنفيون في أرض مصر ويسجدون للرب في جبل القدس في أورشليم ' .
أما العراق فلأن الله قد فك عنهم الحصار الذي أهلكهم وأجهدهم!
وأما مصر فلأنها تشعر بالحرج البالغ بسبب كامب ديفيد !
أما مصير الحليف الاستراتيجي فقد سبق ما يمهد لـه في الكلام عن نبوءة دانيال، فهناك اتفقنا نحن وهم على أن الامبراطورية الرومانية الجديدة هي ذلك الحليف، ولكن لأن الذين كتبوا عن النبوءات قبل قيام دولة إسرائيل فسروا بابل الجديدة بأنها القديمة، أي أن النبوءة قد مضت [30] -أو فسروها بأنها روما مقر الكنيسة الكاثوليكية - ولأن الذين كتبوا بعد قيام دولة الرجس أغفلوا هذا؛ بل هم يزعمون أن عظمة أمريكا وقوتها هو ببركة نصرتها لـإسرائيل؛ لأجل ذلك ضاعت الحقيقة عن مصير هذا الحليف المجرم.
فلنذكر نحن ما قالت الأسفار عن وصفه ومصيره:
1- يخاطب سفر أشعياء دولة الرجس قائلاً: 'إذا صرختِِ فلتنقذك مجموعاتك، لكن الريح سترفعها جميعاً،والنسيم يذبها، أما الذي يعتصم بي فيملك الأرض ويرث جبل قدسي ' .
وفي الترجمة الأخرى: 'ولكن الريح تحملهم كلهم تأخذهم نفخة أما المتوكل عليّ فيملك الأرض ويرث جبل قدسي '
ويذكرهم قائلاً: 'إذا مد الرب يده عثر الناصر وسقط المنصور وفنوا كلهم جميعاً'.
2- يصف أرمياء حال بابل الجديدة قائلاً: 'كيف كسرت وحطّمت مطرقة الأرض بأسرها؟ كيف صارت بابل دهشاً عند الأمم، نصبتُ لكِ فخاً فأُخذتِ يا بابل ولم تشعري، لقد وجدتِ نقيضي عليكِ لأنك تحديتِ الرب'.
ويصفها بأنها: 'اعتدّت بنفسها على الرب...' ويقول: 'هأنذا عليك أيها الاعتداد بالنفس.. لأنه قد أتى يومك وقت افتقادك، سيعثر الاعتداد بالنفس ويسقط وليس أحد ينهضه وأوقد ناراً في مدنه فتلتهم كل ما حوله'.
ومن أوصافها فيه: -
أ- هي 'كأس ذهب بيد الرب، تسكر كل الأرض. من خمرها شربت الأمم ولذلك فقدت رشدها'.
ب- 'قائمة على المياه الغزيرة وكثيرة الكنوز'.
ج- هي خليط من الشعوب، ولذلك هم عند بداية يوم غضب الله عليها ينصح بعضهم بعضاً: 'اهجروها ولنذهب كل واحد إلى أرضه؛ فإن الحكم عليها بلغ أعلى السماوات ورفع إلى الغيوم'.
3- يذكر أشعياء أن العقوبة في يوم الغضب لا تختص بالرجسة وحدها بل: 'في ذلك اليوم يعاقب الرب بسيفه القاسي العظيم الشديد، لاوياثان الحية الهاربة، ولاوياثان الحية الملتوية، ويقتل التنين الذي في البحر'.
لقد حار شراحهم في تفسير ذلك، ولكن المتأمل في قيام رجسة الخراب يجد أن ثلاث حيات أنشأتها: -
1- الحية الهاربة التي أعطت وعد بلفور وهيأت للعصابات الصهيونية ثم هربت بريطانيا .
2- الحية الملتوية التي التفت على الأرض المقدسة وهي دولة صهيون.
3- التنين أو الحية العظمى التي في البحر -إذ في البحر حاملات طائراتها ومدمراتها لإرهاب المسلمين- وهي أمريكا !!
ويؤيده ما سبق (ص:75-81) عن الوحش، وأن التنين هو الذي يعطيه القدرة والملك.
إن الشراح البروتستانت -وإليهم تنتمي المدرسة الأصولية - يفسرون بابل بأنها الكنيسة الكاثوليكية في آخر الزمان - أي منذ بضعة قرون إلى نـزول المسيح-، ويؤولون صفات بابل الجديدة الواردة آنفاً بأنها مدينة روما ، ويتنبأون بهلاكها.
والحقيقة أن هذا الوصف لا ينطبق على مدينة ضالة في تدينها؛ بل هو على إمبراطورية ضالة في غطرستها وتحديها لخالقها ومحاربتها للمؤمنين اعتداداً بقوتها وهيمنتها، ولذلك فمن السهل علينا إثبات خطأ "بيتـز " في شرح سفر الرؤيا ، وذلك بذكر الصفات التي ذكرها هو نقلاً عن السفر: -
أ- 'الزانية العظيمة الجالسة على المياه الكثيرة التي زنى معها ملوك الأرض وسكر كل سكان الأرض من خمر زناها'.
ب- 'لمياه التي رأيت حيث الزانية جالسة هي: شعوب وجموع وأمم وألسنة'.
ج- بعد تدميرها 'يبكي تجار الأرض وينوحون عليها؛ لأن بضائعهم لا يشتريها أحد فيما بعد، بضائع من الذهب والفضة والحجر الكريم واللؤلؤ والبز والأرجوان والحرير والقرمز..والعاج والخشب والنحاس والحديد والقرفة والبخور والطيب والخرد والزيت والحنطة والبهائم غنماً وخيلاً ومركبات... كل هذه البضائع تجارها سيقفون من بعيد من أجل خوف عذابها، يبكون وينوحون، ويقولون: ويل! ويل! خربت في ساعة واحدة'.
إنها دولة الرفاهية والتجارة العالمية والشركات العملاقة.. إنها الدولة التي إذا نزلت بها كارثة كسد الاقتصاد العالمي، فأين روما من هذا؟
ثم يقول السفر: 'رفع ملاك واحد قوي حجراً كرحى عظيمة ورماه في البحر قائلاً: هكذا بدفْعٍ سترمى بابل المدينة العظيمة ولن توجد فيما بعد'.
ويقول: 'لأن تجارك كانوا عظماء الأرض إذ بسحرك ضلت جميع الأمم وفيها وجد دم أتباع أنبياء وقديسين وجميع من قتل على الأرض'.
وحينئذٍ كما يقول السفر: تهلل الشعوب ويهلل من في السماء قائلين: 'المجد والكرامة والقدرة للرب إلهنا لأن أحكامه حق وعادلة إذ قد دان الزانية العظيمة التي أفسدت الأرض بزناها وانتقم لدم عبيده من يدها'.
إذن ليست روما ، ولكنها أمريكا ، وإلا فليشطب الأصوليون هذه النبوءات ويستريحوا ويريحوا، وعقوبتها في الأسفار:
إما ربانية "رياح " - كما سبق - أو إعصار. 'كيف صارت بابل دهشاً بين الشعوب؟
طلع البحر على بابل فغمرها بهدير أمواجه، وصارت مدنها دماراً. أرضاً قاحلة مقفرة...'.
وفي دانيال ومتّى "زلازل وأوبئة" على الأرض، ولـبابل -بلا ريب- النصيب الأوفر منها!!
..وإما بشرية يرسلها الله: 'أيتها القائمة على المياه الغزيرة الكثيرة الكنوز، قد حان أجلكِ، بنفسه أقسم رب القوات: أملأك رجالاً كالجنادب فيصيحون عليك بهتاف الانتصار! هو الذي صنع الأرض بقوته وثبّت الدنيا بحكمته'.
هكذا تقول النبوءات الكتابية.
فما هتاف الانتصار الذي ينشده جند الله بعد تدمير رجسة الخراب يقيناً أو بعد تدمير أمريكا غالباً.
إنه هتاف عجيب يورده أشعياء:
'استيقظي استيقظي
البسي عزك يا فلسطين -في الأصل صهيون-
البسي ثياب فخرك يا أورشليم
يا مدينة القدس
فإنه لا يعود يدخلك أقلف ولا نجس
انفضي الغبار عنك
قومي اجلسي يا أورشليم
حُلَّت قيود عنقك
أيتها الأسيرة'.
فهل أمة ليسوا قلفاً ولا أنجاساً سوى أمة الإسلام؟
ثم تذكر النبوءة كيف يمتن الله على عباده المؤمنين الذين يفرحون بنصره قائلاً: 'لأني حينئذٍ أجعل للأميين (في الأصل الشعوب) شفة نقية (لا شفة نجسة كشفة إسرائيل) ليدعوا جميعاً باسم الرب وليعبدوه كتفاً على كتف'.
يعلم الناس عامة وأهل الكتاب خاصة أنه ما من أمة تعبد الله كتفاً على كتف كالبنيان المرصوص إلا أمة الإسلام. وهم أطهر الناس شفة، وحسب شفاههم طهارة أنها لا تسب الله، فتقول: إن لـه ابناً، أو إنه يجهل وينسى ويندم -تعالى الله عما يقول المشركون علواً كبيراً- .
بدر بن عبدالمحسن
07-04-2007, 13:49
فسيقولون متى هو؟ قل عسى أن يكون قريباً
الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي
من كتاب: يوم الغضب هل بدأ بانتفاضة رجب؟
بقي السؤال الأخير والصعب: متى يحل يوم الغضب؟ ومتى يُدمر الله رجسة الخراب؟ ومتى تفك قيود القدس وتعود لها حقوقها؟
إن الإجابة قد سبقت ضمناً فحين حدد دانيال المدة بين الكرب والفرج، وبين عهد الضيقة وعهد الطوبى، كانت كما سبق (45) سنة!!
وقد رأينا أن تحديده قيام دولة الرجس في القدس كان سنة (1967م) وهو ما قد وقع.
وعليه فتكون النهاية أو بداية النهاية سنة (1967 + 45) = 2012م أي سنة (1387+45) = 1433هـ.
وهو ما نرجو وقوعه ولا نجزم -إلا إذا صدقه الواقع- لكن لو دخل معنا الأصوليون في رهان كما دخلت قريش مع أبي بكر الصديق بشأن الروم، فسوف يخسرون قطعاً وبلا أدنى ريب، وبدون أن نلتـزم بتحديد سنة معينة!!
بدر بن عبدالمحسن
07-04-2007, 13:52
الفوائد المستخلصة
تفجرت الأزمة بانتفاضة رجب بسبب انكشاف طبيعة النفسية اليهودية
كانت انتفاضة رجب كالإعصار؛ لأن انتفاضة المقهور لا يعدلها انتفاضة
برهنت انتفاضة رجب أن الصحوة الإسلامية هي الطريق الوحيد بعد انكشاف زيف الشعارات العلمانية
أن أهل الكتاب هم أكثر الأمم اشتغالاً بالملاحم وأحداث المستقبل
موقف المسلمين من نبوءات أهل الكتاب بأن منها ما هو باطل، ومنها ما هو حق، ومنها ما لا نصدقه ولا نكذبه
أن الصهيونية النصرانية هي أكثر حركات العصر خطراً على الجنس البشري
ظهر في أمريكا تيار أصولي مهووس يعتقدون بقيام دولة إسرائيل لأنها تمهيد لعودة المسيح
إثبات أن دولة إسرائيل القائمة لا علاقة لها بعودة المسيح، وأن نهاية الألفية الثانية ستمر كما مرت القرون الأولى، هو دفع الشر الأصولية المهووسة عن الإنسانية
التنبيه على خطأ التصورات المتكلفة والمتعسفة عند نزر قليل من المسلمين
بيان عجز إسرائيل عن استئصال المقاومة بنفسها
أن قيام كيان يهودي مستقل كسائر الكيانات السياسية في العالم أمر يتنافى مع النفسية والجبلة اليهودية
أن طبيعة النفسية اليهودية لا تتغير بتغير استراتيجيات الحرب والسلام
أن اليهود من عبدة العجل هم نفس اليهود من أتباع هرتسل وعصابته في هذا الزمان
لقد أسهبت الأسفار في بيان الأوصاف اليهودية وتضمنت نصائح للمتعاملين معهم، وتعرضت لكيفية عقوبتهم
اتفق المراقبون والباحثون على أن مستقبل القدس هو أكبر عقدة في أخطر قضايا الصراع العالمي
من حكمة الله تعالى شهادة نصوص الكتب المقدسة وخدمة حقائق التاريخ للمسلمين وتسخير أعدائهم للشهادة لهم بأحقيتهم للأماكن المقدسة
أن كفر أهل الكتاب إنما هو عن حسد وبغي مع معرفة واستيقان للحق
بيان بعض صفات بيت الله الحرام في كتاب اليهود المقدس
وضح الشيخ سفر مفاتيح مجانية هدية لأهل الكتاب لحل تناقضاتهم في تأويل نبوءاتهم
بيان تهرب اليهود من إنال نبوءاتهم التوراتية على المرحلة التاريخية الفاصلة بينهم وبين المسيح
أن الحركة الصهيونية نصرانية الأصل والمنشأ وجاء الداعون لها من اليهود تبعاً
إثبا*?نبوء)?دانياD?العظمI?وتفسيرG?رؤي'?الملC "بختنصر" التي تعتبر أشهر وأصدق الرؤى الكتابية التاريخية
إثبات دخول عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى القدس من التوراة
أن قيام رجسة الخراب كان في سنة (1967)م وكان وقعه أليماً على أمة القديسين، وكان فرحاً عظيماً للصهاينة والأصوليين
هناك نصوص عن أحداث هائلة في الأناجيل والأسفار، ولكنها غامضة ومحيرة بسبب التحريف بالزيادة والنقصان
إثبات غفلة الملايين من الأصوليين أتباع المسحاء الكذابين من النصارى
أن الأسفار كلها تحدد المراد برجسة الخراب على مدى فصول طويلة
تكرار وصف النجاسة على الشعب اليهودي في كل سفر من أسفار التوراة
بطلان اعتقاد الصهيونيون بأن اجتماع بقية بني إسرائيل على أرض فلسطين هو تحقيق لوعد الله بالمصالحة بينه وبين شعبه المختار
كفر سكان إسرائيل من اليهود في العصر الحاضر عند المسلمين والأصوليين من النصارى
بيان توقع الشيخ سفر ليوم غضب الرب على دولة الرجس وهو عام (2012)م الموافق (1433) هـ
أن دانيال عليه السلام أشبه الأنبياء بيوسف عليه السلام وإن كان سفره يتميز عن أكثر الأسفار
موضوع متكامل
لفضيلة الدكتور الحوالي
وفيه نقاط حيوية و مفيدة
وقراءة واحدة لاتكفي
لذلك سوف يكون لي تواجد كبير هنا
كي استفيد مما حلله و اضاءه الدكتور الحوالي
بارك الله بك أخي الفاضل
وجعل هذا العمل و غيره من الاعمال الصالحة حسنات في ميزانك
يعطيك العافية
بدر بن عبدالمحسن
07-04-2007, 23:32
ايمان قويدر
اشكرك على مرورك الكريم ..
دمت بود
Powered by vBulletin® Version 4.2.5 Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir