Om Ahmed
13-03-2007, 01:12
هذه أول مشاركة لي ولأني ليبية فستكون كلها مواضيعي تهم التاريخ الليبي العريق الذي قد يجهله الكثير من أبناء وطني العربي ولأن الموضوع منقول فألتمس منكم العذر لو تطايرت مني بعض الأحرف أو وجود أي أخطاء إملائية
بين عمر المختار وغراسياني..(كما يرويها غراسيانى)
--------------------------------------------------------------------------------
http://www.lovely0smile.com/g-img/omar-almktar/omar-almktar-01.jpg
جاءني الخبر بإلقاء القبض على عمر المختار في مساء يوم 12 سبتمبر 1931م عندما كنت متهيئاً لركوب القطار للسفر إلى باريس لحضور افتتاح معارض المستعمرات وفي صباح يوم 13 سبتمبر 1931م سافرت بالطائرة من ( أسيتا ) إلى طرابلس ، وفي يوم 14 سبتمبر 1931م سافرت من طرابلس إلى بنغازي حيث وصلتها في المساء بعد محادثتي مع وزير المستعمرات ( دي بونو ) والمرشال ( بادوليو ) بخصوص انعقاد المحكمة الخاصة مساء يوم 15 سبتمبر 1931م وفي صباح هذا اليوم أمرت بإحضار عمر المختار إلى مقر الحكومة رغبة مني للتحدث معه قبل المحاكمة وكذلك مقابلة أعضاء المحكمة قبل انعقادها ،
وفعلاً أُتِيَ به ورأيته ...
وعندما حضر أمام مدخل مكتبي تهيأ لي أني أرى فيه شخصية آلاف المرابطين الذين التقيت بهم أثناء قيامي بالحروب الصحراوية ، يده مكبلتان بالسلاسل ، رغم الكسور والجروح التي أصيب بها أثناء المعركة وكان وجهه مضغوطاً لأنه كان مغطياً رأسه ( بالجرد ) ويجر نفسه بصعوبة نظراً لتعبه أثناء السفر بالبحر.
وبالإجمالي يخيل لي أن الذي يقف أمامي رجل ليس كالرجال له منظره وهيبته رغم أنه يشعر بمرارة الأسير .
هاهو واقف أمام مكتبي نسأله ، يجيب بصوت هادئ وواضح وكان ترجماني الخاص المخلص النقيب ( كابتن ) خليفة خالد الغرياني الذي أحضرته معي خصيصاً من طرابلس ووجهت له أول سؤال ،،،،
غرسياني : لماذا حاربت بشدة متواصلة الحكومة الفاشستية ؟
الأسد الشيخ : من أجل وطني وديني .
غرسياني : هل كنت تأمل في يوم من الأيام أن تطردنا من برقة بإمكانياتك الضئيلة وعددك القليل ؟
الأسد الشيخ : لا .. هذا كان مستحيل .
غرسياني : إذاً ما الذي كان في عتقادك الوصول إليه ؟
الأسد الشيخ : لا شيء إلا طردكم من بلادي لأنكم مغتصبون ، أما الحرب فهو فرض علينا وما النصر إلا من عند الله ..
غرسياني : لكن كتابك يقول (( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكـة )) بمعنى لا تجلبوا الضرر لأنفسكم ولا لغيركم من الناس ، القرآن يقول هذا .
الأسد الشيخ : نعم .
غرسياني : إذن لماذا تحارب ؟
الأسد الشيخ :كما قلت من أجل وطني وديني .
- فما كان مني إلا أن قلت له؛ لا .. أنت تحارب من السنوسية تلك المنظمة التي كانت السبب في تدمير الشعب والبلاء على السواء وفي الوقت نفسه كانت المنظمة تستغل أموال الناس بدون حق ، هذا هو الحافز الذي جعلك تحاربنا ، لا الدين والوطن كما قلت .-1- ..
عمر المختار،،،،، نظر إلىّ نظرة حادة كالوحش المفترس وقال:
لست على حق فيما تقول ولك أن تظن ما ظننت ولكن الحقيقة الساطعة التي لا غبار عليها أنني أحاربكم من أجل ديني ووطني ، لا كما قلت.
بان عليّ وجهَهُ بعد أن زال الجرد من على رأسه .. واستطردت في توجيه الأسئلة:
غرسياني: لماذا قطعت المهادنة السارية وأمرت بالهجوم على ( قصر بن قدين ) ؟
الأسد الشيخ : لأنه منذ شهر أرسلت إلى المرشال ( بادوليو ) ولم يجبني عنها وبقيت بدون رد حتى الآن ..
غرسياني : لا ،، أنت أردت قطع المهادنة لحاجة في نفسك وهاك الدليل وقرأت له البيان الذي نشره فوق الجرائد المصرية بتوقيعه ... لم يرد في بادئ الأمر وحنى رأسه مفكراً ثم قال:
- نعم نشرت البيان في مصر بتوقيعي ولكن ليس هذا هو الدليل وإنما هو عدم تجاوبكم معنا في تنفيذ شروط الهدنة . . ولم يزد شيئاً بل حنى رأسه إعياءً
غرسياني : هل أمرت بالفعل بقتل الطيارين هوبر وبياتي ؟
الأسد الشيخ : نعم ! كل الأخطاء والتهم في الواقع هي مسؤولية الرئيس والحرب هي الحرب .
غرسياني : هذا صحيح لو كانت حرباً حقيقية لا قتل وسلب كيف حروبك ؟
الأسد الشيخ : هذا رأي فيه إعادة نظر وأنت الذي تقول هذا الكلام ولا زلت أكرر لك الرب هي الحرب .
غرسياني : بموقفك في موقعة ( قصر بن قدين ) ضيعت كل أمل وكل حق في الحصول على رحمة وعفو الحكومة الإيطالية الفاشستية .
الأسد الشيخ : مكتوب !. وعلى كلٍ عندما وقع جوادي وألقيَ القبض عليّ كانت معي ست طلقات وكان في استطاعتي أن أدافع عن نفسي وأقتل كل من يقترب مني حتى الذي قبض علي وهو أحد الجنود من فرقة الصواري المتطوعين معكم وكان في إمكاني كذلك أن كذلك أن أقتل نفسي .
غرسياني : ولماذا لم تفعل ؟
الأسد الشيخ : لأنه كان مقدراً أن يكون .
- ولكن قد تحقق فيما بعد إلقاء القبض عليه كانت بندقية فوق ظهره وبسقوطه على الأرض لم يستطع نزعها وبالتالي لم يتمكن من استعمالها بسرعة وكذلك من أثر الجروح والكسر الذي بيده اليمنى وهذا في الحقيقة جدير بالاعتبار والتقدير واستطرد :
الأسد الشيخ : كما ترى أنا طاعن في السن على الأقل اتركني بأن أجلس .
- أشرت له فجلس على كسي أمام مكتبي وفي هذه الأثناء ظهر لي وجهه بوضوح وقد زالت رهبة الموقف وأخذ عمر المختار يتحرر منها شيئاً فشيئاً ، وقد تأملت جانبياً فرأيت في وجهه بعض الاحمرار ، جالس أمامي هذا هو الرئيس المرهوب ؟! وبدأت أفكر كيف كان يحكم ويقود المعارك .
وبينما هو يتكلم كانت نظرته ثابتة وبكل هدوء . وفكرت ثانية هذا هو القديس ؟! لأن كلامه عن الدين وعن الجهاد يدل بكل تأكيد أنه مؤمن صادق يتكلم عن الدين بكل حماس وتأثر . ثم قلت له فجأة
: بما لك من نفوذ وجاه في كم يوم يمكنك أن تأمر العصاة ( يعني المجاهدين ) بأن يخضعوا لحكمنا ويسلموا أسلحتهم وينهوا الحرب ؟
الأسد الشيخ مجيباً أبداً كأسير : لا يمكنني أن أعمل أي شيء واستطرد قائلاً :
وبدون جدوا نحن الثوار ( أي المجاهدين ) سبق أن أقسمنا أن نموت كلنا الواحد بعد الآخر ولا نسلم أو نلقي السلاح وأنا هنا لم يسبق لي أن استسلمت وهذا على ما أظن حقيقي وثابت عندكم .
غرسياني : - قلت له وأنا متماسك – يمكن ذلك لو تم تعارفنا في وقت سابق والخبرة الطويلة التي أخذتها عليكم لكان علينا أن نصل إلى أحسن حال في سبيل تهدئة البلاد وازدهارها .
الأسد الشيخ : - رفع حاجبيه ، بكل عمق وصوت جهوري ، وثابت قال:
وإذا لم يكن اليوم هو اليوم الذي تقول عنه ؟
غرسياني : - فأجبته - : لقد فات الأوان .
- وعند هذا الحد رأيت أن نوقف المحادثة فيما بيننا .. ربما عمر المختار فكر في تلك اللحظة أن الحكومة الإيطالية ستبعثه إلى الجبل من أجل أن يسلم أتباعه السلاح ويخضعوا إلى سلطاتنا ولكن لا ! -2- لقد قالها منذ لحظات بأنهم يموتون جميعاً ولن يستسلموا وعليه لقد فات الأوان وقلتها بنفسك لا فائدة من المحاولة .
إن الأمل لذي لاح منذ قليل قد انهار ولم يعد . ثم قلت له :
غرسياني : هل تعرف هذه ؟ . وعرضت عليه نظارته في إطارها الفضي .
الأسد الشيخ : نعم إنها لي وقد وقعت مني أثناء إحدى المعارك ، وهي معركة ( وادي السانية ).
غرسياني : منذ ذلك اليوم اقتنعت بأنك ستقع أسيراً بين يدي .
الأسد الشيخ : مكتوب ! هل ترجعها لي لأني لم أعد أبصر جيداً بدونها . ؛؛ واستطرد يقول ولكن ما الفائدة منها الآن هي وصاحبها بين يديك .
غرسياني : مرة أخرى أنت تعتبر نفسك محمياً من الله وتحارب من أجل قضية مقدسة وعادلة ؟
الأسد الشيخ : نعم وليس هناك أي شك في ذلك . قال الله تعالى : (( قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا )).
غرسياني : إذاً ، اسمع إلى ما أقوله لك أمام قواتي المسلحة من نالوت إلى الجبل الأخضر في برقة كل مشايخ ورؤساء العصاة ( يعني قادة المجاهدين ) منهم من هرب ومنهم من قتل في ميدان القتال ولم يقع منهم أي أحد في يدي . أليس من العجيب أن يقع أسيراً بين يدي حياً من كان يعتبر أسطورة الزمان الذي لم يُغلب أبداً بل المحمي من الله دون سواه ؟؟
الأسد الشيخ : تلك مشيئة الله .. قالها بصوت يدل على قوة وعزم .
غرسياني : الحياة وتجاربها تجعلني أعتقد وأؤمن بأنك كنت دائماً قوياً ولهذا فإني أتمنى أن تكون كذلك مهما يحدث لك ومهما تكن الظروف .
الأسد الشيخ أجاب : إن شاء الله .
- عندما وقف ليتهيأ للانصراف ، كان جبينه وضاء كأنه هالة من نور تحيط به فارتعش قلبي من جلالة الموقف ،، أنا الذي خاض معارك الحروب العالمية ولقبت بأسد الصحراء ورغم هذا فقد كانت شفتاي ترتعشان ولم أستطع أن أنبس بحرف واحد .
فانتهت المقابلة وأمرت بإرجاعه إلى السجن لتقديمه إلى المحكمة في المساء ، وعند وقوفه حاول أن يمد يده لمصافحتي ولكنه لم يتمكن لأن يديه كانت مكبلة بالحديد -3- .
لقد خرج من مكتبي كما دخل عليّ وأنا أنظر إليه بكل إعجاب وتقدير
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ
طلبت الاجتماع مع رئيس المحكمة الخاصة العقيد المساعد ( ماريوني ) والمدعي العام المحامي حامل وسام الضابط الفارس من النجمة الإيطالية ( بيدندو ) والنقيب ( لونتانو ) للدفاع ، وكلفتهم بانعقاد الجلسة على الفور ومحاكمة عمر المختار زعيم العصاة ( يعني زعيم المجاهدين ) .
وبالفعل وفي نفس اليوم وعند الساعة السابعة عشر 15 سبتمبر 1931م انعقدت المحكمة بعمارة الحزب الفاشستي . وفيها أحضر عمر المختار لكي يحاكم وعند اكتمال الهيئة نودي على عمر المختار وسئل عن عمره وتاريخ مولده فأجاب عنها فقام المدعي العام وبيّن أعمال عمر المختار واعتداءاته المتكررة على البلاد والسكان الآمنين ( يقصد المدعي بالمحتلين الطليان آمنين !! ) وطلب الحكم عليه بأشد العقوبات وهي الإعدام .
وجلس ، ثم وجه القاضي السؤال إلى المحامي المنتدب للدفاع عن عمر المختار إذا كان لديه ما يعلق على كلام المدعي العام والتهم الموجهة إلى موكله وكأن في اعتقاد القاضي أن المحامي سيؤيد كلام النائب العام ولكن المحامي خيب ظنه ودافع عن المتهم دفاعاَ حقيقياً وهذا نصه:
المحامي – النقيب لونتانو – سيدي القاضي إن هذا المتهم الذي انتدبت للدفاع عنه وكنت متردداً في أول الأمر ولكن ضميري حدثني بأنها إنسانية مني لابد من قبول الدفاع وها أنا أقف أمامكم لأقول ، لو أني التقيت بهذا الرجل في الشارع لم أتردد لحظة في سحب مسدسي هذا وإطلاق النار عليه حتى أرديه قتيلاً لأنه عدوي وعدو دولتي ، غير أن الذي أريد أن أقوله أن هذا الرجل عمر المختار يدافع عن حقيقة كلنا نعرفها ، وهي الوطن وكم ضحينا نحن في سبيل الوطن وتحريره .
القاضي : أرى أن المحامي غير من رأي المحكمة ، !! وهنا احتج المدعي العام ، وفعلاً ؛ القاضي أمر المحامي بأن لا يخرج عن الموضوع ويتكلم بإيجاز ،
وهنا تكلم المحامي بحدة وقال : هنا محل الشرح الكافي إذا كنا رجال العدالة الحقيقية . أما إذا كنا غير ذلك فيجب أن نترك الموضوع واحكموا بمفردكم ولا لزوم لهذه المحكمة وجلستها .
إن عمر المختار الذي هو أمامكم وليد هذه الأرض قبل وجودكم فيها ويعتبر كل من أحتلها عنوة عدو له ومن حقه أن يقاومه بكل ما يملك من قوة حتى يخرجه منها أو يهلك دونها هذا حق أعطته له الطبيعة والإنسانية.
وهنا كثر الصياح من الحاضرين بإخراج المحامي واصدار الحكم على المتهم الذي طالب به المدعي العام ..
ولكن المحامي استمر قائلاً العدالة الحقّة لا تخضع لأي سلطان ولا ولاية غوغاء وإنما يجب أن تنبع من ضميرنا وإنسانيتنا وهنا قامت الفوضى خارج المحكمة ، وقام المدعي العام محتجاً على المحامي ، ولكن المحامي استمر في دفاعه غير مبال بكل هذا بل حذر القاضي على أن يحكم ضميره قائلاً :
إن هذا المتهم عمر المختار الذي انتدبت من سوء حظي أن أدافع عنه شيخ هرم حنت كاهله السنون وماذا بقي له من العمر بعدما أتم السبعين سنة ؟!!
إني أطلب من عدالة المحكمة أن تكون رحيمة في تخفيف العقوبة عنه لأنه صاحب حق ولا يضر العدالة إذا أنصفته بحكم أخف ، وإنني أطلب أن تحذر عدالة محكمتكم حكم التاريخ لأنه لا يرحم فهو عجلة تدور وتسجل كل ما يحدث في هذا العالم المضطرب.
وهنا كثر الضجيج في الخارج ضد المحامي ودفاعه .
ولكن المحامي استمر في دفاعه قائلاٍ :سيدي القاضي حضرات المستشارين لقد حذرت المحكمة من مغية العالم الإنساني والتاريخ وليس لدي ما أضيفه إلا طلب تخفيف الحكم على هذا الرجل صاحب الحق في الذود عن أرضه ودينه وشكراً .
وعندما قام النائب العام لمواصلة احتجاجه قاطعه القاضي برفع الجلسة للمداولة وبعد مضي فترة قصيرة من الانتظار دخل القاضي والمستشارون والمدعي العام بينما المحامي لم يحضر تلاوة الحكم القاضي بإعدام عمر المختار شنقاً حتى الموت .
وعندما تُرجم الحكم إلى عمر المختار قهقه بكل شجاعة قائلاً : الحكم حكم الله لا حكمكم المزيف ،
إنّا لله وإنّا إليه راجعون
وفي يوم 14 سبتمبر 1931م وحتى منتصف الليل والسيارات وسكة الحديد تنقل إلى مدينة سلوق كل السجناء السياسيين من العقيلة واجدابيا وبرج شويليك وبنينة .
وفي يوم 16 سبتمبر 1931م عند الساعة التاسعة صباحاً بعد أن أصطف عدد كبير من السجناء السياسيين وأحاط بهم الجنود من كل جانب أُتِي بعمر المختار إلى الساحة ونفذ فيه حكم الإعدام .
وتقدر جملة الحاضرين لهذا التنفيذ بعدد كبير من مختلف الفئات يزيد عن عشرين ألف نسمة وكان الموقف مؤثراً للغاية .
بين عمر المختار وغراسياني..(كما يرويها غراسيانى)
--------------------------------------------------------------------------------
http://www.lovely0smile.com/g-img/omar-almktar/omar-almktar-01.jpg
جاءني الخبر بإلقاء القبض على عمر المختار في مساء يوم 12 سبتمبر 1931م عندما كنت متهيئاً لركوب القطار للسفر إلى باريس لحضور افتتاح معارض المستعمرات وفي صباح يوم 13 سبتمبر 1931م سافرت بالطائرة من ( أسيتا ) إلى طرابلس ، وفي يوم 14 سبتمبر 1931م سافرت من طرابلس إلى بنغازي حيث وصلتها في المساء بعد محادثتي مع وزير المستعمرات ( دي بونو ) والمرشال ( بادوليو ) بخصوص انعقاد المحكمة الخاصة مساء يوم 15 سبتمبر 1931م وفي صباح هذا اليوم أمرت بإحضار عمر المختار إلى مقر الحكومة رغبة مني للتحدث معه قبل المحاكمة وكذلك مقابلة أعضاء المحكمة قبل انعقادها ،
وفعلاً أُتِيَ به ورأيته ...
وعندما حضر أمام مدخل مكتبي تهيأ لي أني أرى فيه شخصية آلاف المرابطين الذين التقيت بهم أثناء قيامي بالحروب الصحراوية ، يده مكبلتان بالسلاسل ، رغم الكسور والجروح التي أصيب بها أثناء المعركة وكان وجهه مضغوطاً لأنه كان مغطياً رأسه ( بالجرد ) ويجر نفسه بصعوبة نظراً لتعبه أثناء السفر بالبحر.
وبالإجمالي يخيل لي أن الذي يقف أمامي رجل ليس كالرجال له منظره وهيبته رغم أنه يشعر بمرارة الأسير .
هاهو واقف أمام مكتبي نسأله ، يجيب بصوت هادئ وواضح وكان ترجماني الخاص المخلص النقيب ( كابتن ) خليفة خالد الغرياني الذي أحضرته معي خصيصاً من طرابلس ووجهت له أول سؤال ،،،،
غرسياني : لماذا حاربت بشدة متواصلة الحكومة الفاشستية ؟
الأسد الشيخ : من أجل وطني وديني .
غرسياني : هل كنت تأمل في يوم من الأيام أن تطردنا من برقة بإمكانياتك الضئيلة وعددك القليل ؟
الأسد الشيخ : لا .. هذا كان مستحيل .
غرسياني : إذاً ما الذي كان في عتقادك الوصول إليه ؟
الأسد الشيخ : لا شيء إلا طردكم من بلادي لأنكم مغتصبون ، أما الحرب فهو فرض علينا وما النصر إلا من عند الله ..
غرسياني : لكن كتابك يقول (( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكـة )) بمعنى لا تجلبوا الضرر لأنفسكم ولا لغيركم من الناس ، القرآن يقول هذا .
الأسد الشيخ : نعم .
غرسياني : إذن لماذا تحارب ؟
الأسد الشيخ :كما قلت من أجل وطني وديني .
- فما كان مني إلا أن قلت له؛ لا .. أنت تحارب من السنوسية تلك المنظمة التي كانت السبب في تدمير الشعب والبلاء على السواء وفي الوقت نفسه كانت المنظمة تستغل أموال الناس بدون حق ، هذا هو الحافز الذي جعلك تحاربنا ، لا الدين والوطن كما قلت .-1- ..
عمر المختار،،،،، نظر إلىّ نظرة حادة كالوحش المفترس وقال:
لست على حق فيما تقول ولك أن تظن ما ظننت ولكن الحقيقة الساطعة التي لا غبار عليها أنني أحاربكم من أجل ديني ووطني ، لا كما قلت.
بان عليّ وجهَهُ بعد أن زال الجرد من على رأسه .. واستطردت في توجيه الأسئلة:
غرسياني: لماذا قطعت المهادنة السارية وأمرت بالهجوم على ( قصر بن قدين ) ؟
الأسد الشيخ : لأنه منذ شهر أرسلت إلى المرشال ( بادوليو ) ولم يجبني عنها وبقيت بدون رد حتى الآن ..
غرسياني : لا ،، أنت أردت قطع المهادنة لحاجة في نفسك وهاك الدليل وقرأت له البيان الذي نشره فوق الجرائد المصرية بتوقيعه ... لم يرد في بادئ الأمر وحنى رأسه مفكراً ثم قال:
- نعم نشرت البيان في مصر بتوقيعي ولكن ليس هذا هو الدليل وإنما هو عدم تجاوبكم معنا في تنفيذ شروط الهدنة . . ولم يزد شيئاً بل حنى رأسه إعياءً
غرسياني : هل أمرت بالفعل بقتل الطيارين هوبر وبياتي ؟
الأسد الشيخ : نعم ! كل الأخطاء والتهم في الواقع هي مسؤولية الرئيس والحرب هي الحرب .
غرسياني : هذا صحيح لو كانت حرباً حقيقية لا قتل وسلب كيف حروبك ؟
الأسد الشيخ : هذا رأي فيه إعادة نظر وأنت الذي تقول هذا الكلام ولا زلت أكرر لك الرب هي الحرب .
غرسياني : بموقفك في موقعة ( قصر بن قدين ) ضيعت كل أمل وكل حق في الحصول على رحمة وعفو الحكومة الإيطالية الفاشستية .
الأسد الشيخ : مكتوب !. وعلى كلٍ عندما وقع جوادي وألقيَ القبض عليّ كانت معي ست طلقات وكان في استطاعتي أن أدافع عن نفسي وأقتل كل من يقترب مني حتى الذي قبض علي وهو أحد الجنود من فرقة الصواري المتطوعين معكم وكان في إمكاني كذلك أن كذلك أن أقتل نفسي .
غرسياني : ولماذا لم تفعل ؟
الأسد الشيخ : لأنه كان مقدراً أن يكون .
- ولكن قد تحقق فيما بعد إلقاء القبض عليه كانت بندقية فوق ظهره وبسقوطه على الأرض لم يستطع نزعها وبالتالي لم يتمكن من استعمالها بسرعة وكذلك من أثر الجروح والكسر الذي بيده اليمنى وهذا في الحقيقة جدير بالاعتبار والتقدير واستطرد :
الأسد الشيخ : كما ترى أنا طاعن في السن على الأقل اتركني بأن أجلس .
- أشرت له فجلس على كسي أمام مكتبي وفي هذه الأثناء ظهر لي وجهه بوضوح وقد زالت رهبة الموقف وأخذ عمر المختار يتحرر منها شيئاً فشيئاً ، وقد تأملت جانبياً فرأيت في وجهه بعض الاحمرار ، جالس أمامي هذا هو الرئيس المرهوب ؟! وبدأت أفكر كيف كان يحكم ويقود المعارك .
وبينما هو يتكلم كانت نظرته ثابتة وبكل هدوء . وفكرت ثانية هذا هو القديس ؟! لأن كلامه عن الدين وعن الجهاد يدل بكل تأكيد أنه مؤمن صادق يتكلم عن الدين بكل حماس وتأثر . ثم قلت له فجأة
: بما لك من نفوذ وجاه في كم يوم يمكنك أن تأمر العصاة ( يعني المجاهدين ) بأن يخضعوا لحكمنا ويسلموا أسلحتهم وينهوا الحرب ؟
الأسد الشيخ مجيباً أبداً كأسير : لا يمكنني أن أعمل أي شيء واستطرد قائلاً :
وبدون جدوا نحن الثوار ( أي المجاهدين ) سبق أن أقسمنا أن نموت كلنا الواحد بعد الآخر ولا نسلم أو نلقي السلاح وأنا هنا لم يسبق لي أن استسلمت وهذا على ما أظن حقيقي وثابت عندكم .
غرسياني : - قلت له وأنا متماسك – يمكن ذلك لو تم تعارفنا في وقت سابق والخبرة الطويلة التي أخذتها عليكم لكان علينا أن نصل إلى أحسن حال في سبيل تهدئة البلاد وازدهارها .
الأسد الشيخ : - رفع حاجبيه ، بكل عمق وصوت جهوري ، وثابت قال:
وإذا لم يكن اليوم هو اليوم الذي تقول عنه ؟
غرسياني : - فأجبته - : لقد فات الأوان .
- وعند هذا الحد رأيت أن نوقف المحادثة فيما بيننا .. ربما عمر المختار فكر في تلك اللحظة أن الحكومة الإيطالية ستبعثه إلى الجبل من أجل أن يسلم أتباعه السلاح ويخضعوا إلى سلطاتنا ولكن لا ! -2- لقد قالها منذ لحظات بأنهم يموتون جميعاً ولن يستسلموا وعليه لقد فات الأوان وقلتها بنفسك لا فائدة من المحاولة .
إن الأمل لذي لاح منذ قليل قد انهار ولم يعد . ثم قلت له :
غرسياني : هل تعرف هذه ؟ . وعرضت عليه نظارته في إطارها الفضي .
الأسد الشيخ : نعم إنها لي وقد وقعت مني أثناء إحدى المعارك ، وهي معركة ( وادي السانية ).
غرسياني : منذ ذلك اليوم اقتنعت بأنك ستقع أسيراً بين يدي .
الأسد الشيخ : مكتوب ! هل ترجعها لي لأني لم أعد أبصر جيداً بدونها . ؛؛ واستطرد يقول ولكن ما الفائدة منها الآن هي وصاحبها بين يديك .
غرسياني : مرة أخرى أنت تعتبر نفسك محمياً من الله وتحارب من أجل قضية مقدسة وعادلة ؟
الأسد الشيخ : نعم وليس هناك أي شك في ذلك . قال الله تعالى : (( قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا )).
غرسياني : إذاً ، اسمع إلى ما أقوله لك أمام قواتي المسلحة من نالوت إلى الجبل الأخضر في برقة كل مشايخ ورؤساء العصاة ( يعني قادة المجاهدين ) منهم من هرب ومنهم من قتل في ميدان القتال ولم يقع منهم أي أحد في يدي . أليس من العجيب أن يقع أسيراً بين يدي حياً من كان يعتبر أسطورة الزمان الذي لم يُغلب أبداً بل المحمي من الله دون سواه ؟؟
الأسد الشيخ : تلك مشيئة الله .. قالها بصوت يدل على قوة وعزم .
غرسياني : الحياة وتجاربها تجعلني أعتقد وأؤمن بأنك كنت دائماً قوياً ولهذا فإني أتمنى أن تكون كذلك مهما يحدث لك ومهما تكن الظروف .
الأسد الشيخ أجاب : إن شاء الله .
- عندما وقف ليتهيأ للانصراف ، كان جبينه وضاء كأنه هالة من نور تحيط به فارتعش قلبي من جلالة الموقف ،، أنا الذي خاض معارك الحروب العالمية ولقبت بأسد الصحراء ورغم هذا فقد كانت شفتاي ترتعشان ولم أستطع أن أنبس بحرف واحد .
فانتهت المقابلة وأمرت بإرجاعه إلى السجن لتقديمه إلى المحكمة في المساء ، وعند وقوفه حاول أن يمد يده لمصافحتي ولكنه لم يتمكن لأن يديه كانت مكبلة بالحديد -3- .
لقد خرج من مكتبي كما دخل عليّ وأنا أنظر إليه بكل إعجاب وتقدير
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ
طلبت الاجتماع مع رئيس المحكمة الخاصة العقيد المساعد ( ماريوني ) والمدعي العام المحامي حامل وسام الضابط الفارس من النجمة الإيطالية ( بيدندو ) والنقيب ( لونتانو ) للدفاع ، وكلفتهم بانعقاد الجلسة على الفور ومحاكمة عمر المختار زعيم العصاة ( يعني زعيم المجاهدين ) .
وبالفعل وفي نفس اليوم وعند الساعة السابعة عشر 15 سبتمبر 1931م انعقدت المحكمة بعمارة الحزب الفاشستي . وفيها أحضر عمر المختار لكي يحاكم وعند اكتمال الهيئة نودي على عمر المختار وسئل عن عمره وتاريخ مولده فأجاب عنها فقام المدعي العام وبيّن أعمال عمر المختار واعتداءاته المتكررة على البلاد والسكان الآمنين ( يقصد المدعي بالمحتلين الطليان آمنين !! ) وطلب الحكم عليه بأشد العقوبات وهي الإعدام .
وجلس ، ثم وجه القاضي السؤال إلى المحامي المنتدب للدفاع عن عمر المختار إذا كان لديه ما يعلق على كلام المدعي العام والتهم الموجهة إلى موكله وكأن في اعتقاد القاضي أن المحامي سيؤيد كلام النائب العام ولكن المحامي خيب ظنه ودافع عن المتهم دفاعاَ حقيقياً وهذا نصه:
المحامي – النقيب لونتانو – سيدي القاضي إن هذا المتهم الذي انتدبت للدفاع عنه وكنت متردداً في أول الأمر ولكن ضميري حدثني بأنها إنسانية مني لابد من قبول الدفاع وها أنا أقف أمامكم لأقول ، لو أني التقيت بهذا الرجل في الشارع لم أتردد لحظة في سحب مسدسي هذا وإطلاق النار عليه حتى أرديه قتيلاً لأنه عدوي وعدو دولتي ، غير أن الذي أريد أن أقوله أن هذا الرجل عمر المختار يدافع عن حقيقة كلنا نعرفها ، وهي الوطن وكم ضحينا نحن في سبيل الوطن وتحريره .
القاضي : أرى أن المحامي غير من رأي المحكمة ، !! وهنا احتج المدعي العام ، وفعلاً ؛ القاضي أمر المحامي بأن لا يخرج عن الموضوع ويتكلم بإيجاز ،
وهنا تكلم المحامي بحدة وقال : هنا محل الشرح الكافي إذا كنا رجال العدالة الحقيقية . أما إذا كنا غير ذلك فيجب أن نترك الموضوع واحكموا بمفردكم ولا لزوم لهذه المحكمة وجلستها .
إن عمر المختار الذي هو أمامكم وليد هذه الأرض قبل وجودكم فيها ويعتبر كل من أحتلها عنوة عدو له ومن حقه أن يقاومه بكل ما يملك من قوة حتى يخرجه منها أو يهلك دونها هذا حق أعطته له الطبيعة والإنسانية.
وهنا كثر الصياح من الحاضرين بإخراج المحامي واصدار الحكم على المتهم الذي طالب به المدعي العام ..
ولكن المحامي استمر قائلاً العدالة الحقّة لا تخضع لأي سلطان ولا ولاية غوغاء وإنما يجب أن تنبع من ضميرنا وإنسانيتنا وهنا قامت الفوضى خارج المحكمة ، وقام المدعي العام محتجاً على المحامي ، ولكن المحامي استمر في دفاعه غير مبال بكل هذا بل حذر القاضي على أن يحكم ضميره قائلاً :
إن هذا المتهم عمر المختار الذي انتدبت من سوء حظي أن أدافع عنه شيخ هرم حنت كاهله السنون وماذا بقي له من العمر بعدما أتم السبعين سنة ؟!!
إني أطلب من عدالة المحكمة أن تكون رحيمة في تخفيف العقوبة عنه لأنه صاحب حق ولا يضر العدالة إذا أنصفته بحكم أخف ، وإنني أطلب أن تحذر عدالة محكمتكم حكم التاريخ لأنه لا يرحم فهو عجلة تدور وتسجل كل ما يحدث في هذا العالم المضطرب.
وهنا كثر الضجيج في الخارج ضد المحامي ودفاعه .
ولكن المحامي استمر في دفاعه قائلاٍ :سيدي القاضي حضرات المستشارين لقد حذرت المحكمة من مغية العالم الإنساني والتاريخ وليس لدي ما أضيفه إلا طلب تخفيف الحكم على هذا الرجل صاحب الحق في الذود عن أرضه ودينه وشكراً .
وعندما قام النائب العام لمواصلة احتجاجه قاطعه القاضي برفع الجلسة للمداولة وبعد مضي فترة قصيرة من الانتظار دخل القاضي والمستشارون والمدعي العام بينما المحامي لم يحضر تلاوة الحكم القاضي بإعدام عمر المختار شنقاً حتى الموت .
وعندما تُرجم الحكم إلى عمر المختار قهقه بكل شجاعة قائلاً : الحكم حكم الله لا حكمكم المزيف ،
إنّا لله وإنّا إليه راجعون
وفي يوم 14 سبتمبر 1931م وحتى منتصف الليل والسيارات وسكة الحديد تنقل إلى مدينة سلوق كل السجناء السياسيين من العقيلة واجدابيا وبرج شويليك وبنينة .
وفي يوم 16 سبتمبر 1931م عند الساعة التاسعة صباحاً بعد أن أصطف عدد كبير من السجناء السياسيين وأحاط بهم الجنود من كل جانب أُتِي بعمر المختار إلى الساحة ونفذ فيه حكم الإعدام .
وتقدر جملة الحاضرين لهذا التنفيذ بعدد كبير من مختلف الفئات يزيد عن عشرين ألف نسمة وكان الموقف مؤثراً للغاية .