المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ( الطيب عبد النصير) المنسي ( نزف قلم : محمد سنجر )



محمد سنجر
06-03-2007, 23:45
( سكن الليل
أسدلت العيون جفونها
غاصت الأجساد في أعماق الراحة بعد يوم شاق
حاولت جاهدا الانكماش داخل جسدي متدثرا بغطائي الصوفي
لعل الدفء يحل بأطرافي التي جمدتها البرودة القارصة
فوجئت بزميلي يهزني ليوقظني )
: محمد ، محمد
: ماذا هناك ؟
: استيقظ فلقد حان دورك في الحراسة
: ها ها ، سخيف يا أبو دم خفيف ، حرام عليك فأنا متعب و أريد أن أنام
: قلت لك استيقظ ، فلقد حان دورك
: أي دور هذا أيها الأبله ؟
: ها ها ، انظر إلى الساعة
( نظرت إلى الساعة فإذا بها الثانية ليلا ، صرخت )
: معقول ؟ لا لا غير معقول فأنا لم أنم بعد
: كل هذا النوم و لم تنم بعد ؟ تصدق بإيه ؟
: لا إله إلا الله
: كنت أغني طوال الليل على وقع شخيرك ، هيا هيـــــــــــا
: حاضر،حاضر، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم،بسم الله الرحمن الرحيم
( قمت متضجرا بينما وثب زميلي يحتل مكاني
أزاحني فرحا شمتانا
بادلته بنظرات ملؤها الحقد و الحسد )
: نام نامت عليك حيطة ، إلهي ما يجيلك نوم يا شيخ ،
: قوم قامت قيامتك ، إلهي تطلع لك السلعوة و أبو رجل مسلوخة
: ما هي كلمة السر الليلة ؟
: بدر
: بدر ؟
( حاولت إحكام إغلاق الثغرات في بزتي العسكرية
ارتديت خوذتي الحديدية
حملت سلاحي و خرجت من الخيمة أواجه مصيري المحتوم)
: ما هذا ؟
( عدت مسرعا أوقظ زميلي أهزه بعنف )
: ليلة أبوك سوداء
: ما الذي حدث ، هل أضعت السلاح ؟
: ألعن ، قول على نفسك يا رحمن يا رحيم
: لماذا إذن ؟ ما الذي حدث؟
: أين القمر؟
: نعم ؟ قمر ؟ الله يخرب بيتك كل هذا من أجل القمر؟ بلعته ، أكلته
: كيف سأقف للحراسة بدون قمر ؟
: الله أعلم ، و مالي أنا و هذا ؟
: تعلم أنني لا أرى بدون قمر فماذا سأفعل الآن ؟
: و ما دخلي أنا الآن ؟ على العموم لا تخف فكلمة السر (بدر)
أرجوك أريد أن أنام ، حرام عليك
: نام نام، يا رب تنام ما تقوم
: الله يسامحك
( خرجت من الخيمة لا أدري كيف ستمر علي هذه الليلة المظلمة
فأنا أكاد لا أرى )
: منك لله يا دكتور الكشف الطبي
قال إيه نظرك ستة على ستة، حسبي الله و نعم الوكيل
إذا كانت رؤيتي في وجود القمر (طشاش)
فكيف بالله عليكم سأراها بدون قمر؟ لا حول و لا قوة إلا بالله
استعنا على الشقاء بالله
( أخذت أتحسس طريقي حتى وصلت بالكاد إلى سور الأسلاك الشبكية
الذي ضرب على الحدود الشرقية للمعسكر
آثرت السلامة بتحسس السور الشبكي بأطراف أصابعي جيئة و ذهابا
كيف ستمر علي هذه الساعات الأربع ؟
أخرجت جهازي (الترانزستور) من جيبي أدرت مفتاحه
و إذا بصوت أم كلثوم تشدو
:هذه ليلتي و حلم حياتي بين ماض من الزمان و آت
الهوى أنت كله و الأماني فاملء الكأس بالغرام و هات
( تسلل صوتها إلى قلبي حتى سيطر على كياني
جذبني و غاص بنا في أعماق الماضي
وجدتني بين حقول قريتنا مستلقيا فوق الساقية الخشبية
بينما كنت أقوم بحراسة الميكنة ليلا
أنظر إلى القمر الذي أرى فيه وجه أمي رحمها الله
أناجيها تناجيني
و نظل ندور و ندور و ندور
فجأة
أفقت على يد تطرق على كتفي
التفت منتفضا مرعوبا متسائلا )
: من ؟
( وجدت أحد زملائي الجنود )
: كلمة سر الليل ؟
: بدر ،
السلام عليكم يا دفعة
: و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته
: ما اسمك ؟
: (محمد عبد المحسن) ، و أنت ؟
: (الطيب عبد النصير) ألا تعرفني ؟
: لا و الله ، أرجو المعذرة
: لا ، عادي ، و من يتذكر في أيامكم هذه ؟
أنا قلت أكيد أنت تشعر بالوحدة في هذه الليلة الحزينة
: نعم هل تقرأ أفكاري ؟
: ها ها إنما قلت لنفسي أنها فرصة لا تعوض لكي أقضي معك هذه الليلة
كلام في سرك أنا لا أحضر هنا إلا في هذه الليلة فقط من كل عام
: ليلة واحدة فقط ؟ أكيد لك واسطة كبيرة
لذلك يبدو لي وجهك غريبا لم ألتق به من قبل
: نعم نعم ، هل تأخذ سيجارة ؟
: يا ليت، جاءت في وقتها
( أخرج علبة معدنية من جيبه يفتحها
و إذا به يخرج من جيبه بعض أوراق ( البفرة ) الرقيقة للغاية
يضع إحداها على غطاء العلبة المعدني
يصف عليها بعض التبغ
يلفها ثم يمررها على شفتيه يلصقها )
: تفضل
( أخرج عود ثقاب من جيبه أشعله بينما اقترب يشعل لفافتي )
: يااااااااااااااااااااااااااه ،
ما هذا ؟ أنت قديم قوي ، ها ها ها
ذكرتني بجدي الله يرحمه، منذ توفى لم أر أحدا يدخن سجائر لف ؟
: من فات قديمه تاه
: على فكرة أنت شخصية غريبة جدا
: ها ها ها ، لماذا ؟
: طريقة كلامك، شكلك، سجائرك،
ألا ترى أن ملابسك غريبة بعض الشيء ؟
إنها تذكرني بالملابس العسكرية التي نشاهدها في الأفلام القديمة
: ربما
: سلاحك أيضا، اللــــــــــــــــــــــــــــــــه
حاجة (فانتاستك) تحفة فعلا تحــــــفة
: تبادل ؟
: لا يا عم
: على فكرة، من الأفضل أن نمر على الأسوار الخلفية فلقد سمعت أن بعض الإسرائيليين تسللوا بالأمس إلى الكتيبة التي هناك و سرقوا منهم بعض الأسلحة و قتلوا أحد الحراس
( عندها لم أتمالك نفسي فانفجرت ضاحكا )
: ها ها ها ي هو هو هي
لا ، أنت غير معقول ، ها ها هاااااااي
الله يخرب عقلك ، ابن نكتة صحيح
إذن هيا بنا نمر على السور الشبكي ها ها ها ها ها
لأ حلوة منك فعلا
: أعجبتك ؟
: ما عندك نكتة أخرى ؟
: أي نكتة ؟ إنما أقول لك ما حدث بالأمس
: معقول ، أليست نكتة ؟
: بالطبع لا
: ربما تقصد بعض السائحين اليهود؟
: لا أدري، و لكن هذا ما سمعت به،
القيادة مشددة هذه الأيام على هذه الأمور العسكرية خاصة بعد رجوع الجيش من اليمن ، بناءا على أوامر من المشير عبد الحكيم عامر شخصيا
: ها ها هاي هو هو هيه
لا لا لا مش ممكن، غير معقول
عبد الحكيم عامر ها ها هاي هو هو هوي
الله يخرب عقلك ، ده أنت طلعت مصيبة هي هي هي هاي
( تغيرت تعبيرات وجهه بينما عنفني )
: لماذا تسخر مني كلما تكلمت ؟
أنتم هكذا يا أبناء السنين العجاف
هل تعلم بأنني نادم على أنني جئت للجلوس معك
سلااااااااااام
( رحل بينما حاولت مناداته كي أثنيه عن الرحيل )
: يا طيب ، يا أخي بس تعالى
يا طيب ، أوعدك سأحاول أن أمسك نفسي
يا طيب يا عبد النصير
يا طيـــــــــــــــــب
( رحل الطيب و اختفي بين طيات الظلام الدامس بينما عدت لوحدتي القاتلة أتحسس السور الشبكي جيئة و ذهابا بينما أخذت أحدث نفسي )
: لا أدري لماذا غضب مني (الطيب) أمره عجيب ، يطلق النكات يمينا و يسارا و يغضب لمن يضحك ، هل هذا معقول؟
على العموم سأذهب له في الصباح كي أصالحه فربما أغضبته طريقتي في الضحك المبالغ ،
( أدرت مفتاح جهاز ( الترانزستور) أقلب بين صفحاته
حتى شقشق النهار ، أيقظت زملائي و لملمت متعلقاتي و رحلت )
( بعد تناول وجبة الإفطار ذهبت للبحث عن ( الطيب عبد النصير ) هذا الزميل الطيب الذي أغضبته دون قصد
عندما استفسرت من زملائي
الجميع أنكر معرفته
(الطيب عبد النصير) ؟
هناك من ضحك بمجرد ذكر الاسم
لكنني ذهبت للإحصائي الكبير الذي أثق في معرفته بجميع من بالكتيبة
(حضرة الشاويش عبد اللطيف)
عندما سألته عن هذا الاسم أنكر معرفته به
لكنه دلني على كمبيوتر الجيوش العسكرية
( حضرة الصول حسين )
و بمجرد سؤال (حضرة الصول حسين) عن الجندي (الطيب عبد النصير)
قفز كمن لدغه عقرب
: بتقول من ؟
: ( الطيب عبد النصير )
: من أين جئت بهذا الاسم أيها الجندي؟
: أقول لك بأنه كان معي بالأمس
: لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم
من هو الذي كان معك بالأمس أيها المعتوه؟
: واحد مجند زميلنا و قال لي أن اسمه (الطيب عبد النصير)
: بص أيها العسكري يا إما إنك كنت بتحلم أو أنك مجنون
: لا كنت احلم و لست مجنونا يا حضرة الصول حسين
:طيب إذا كان اللي يتكلم مجنون يبقى اللي يستمع عاقل
شكله إيه ؟ أوصف لي شكله
: طويل بعض الشيء ، أسمر البشرة ، له شارب أسود كثيف
آه ، و هناك شامة صغيرة أسفل الحاجب اليمين هنا
: يا عالم يا هوه ، هذا العسكري يريد أن يجنني ،
حد منكم يقول له إن (الطيب عبد النصير المنسي)
كان مجند هنا معنا عام 67
حوصرنا سويا
و عندما أحس بأنه لا أمل لدينا
عندها قام بابتلاع جميع الخرائط التي كانت بحوزتنا
كي لا تقع في أيديهم
عندما علموا جن جنونهم
ألقوه مقيدا فوق الأرض
مروا على جسده بدبابتهم
مستحيل أن أنسى صوت صراخه
اختلط بصوت تكسر عظامه
و عندما انقطع صوته
أخذ الكلاب يلفون و يدورون على جسده بدباباتهم
كأنها الرحى تطحن الحبوب ( تحشرجت الكلمات في صدره )
حسبنا الله و نعم الوكيل ، حسبنا الله و نعم الوكيل
يرحمك الله يا (الطيب عبد النصير) يا منسي
(عندها أحسست بجسدي يتداعى هويت من عل
حاولت تذكر ما حدث بعدها
صم أذني صرير أبواب الذكرى ترتد في وجهي منغلقة )

مانع السرحاني
07-03-2007, 00:24
يـــعــطيــك الــف الــف عـــافـيـه اكـثـر من رائعه

والطيب عبدالنصير باقيه ذكراه الجميله وسيأتي من يخطى بخطوه

محمد سنجر
08-03-2007, 10:41
جزاك الله خيرا

شام
08-03-2007, 18:56
يا سلام عندما يتحدث الابداع

في تلك الاجواء

انطباع رائع يكاد لا يترجم بالحروف

كاتبنا المبدع محمد سنجر

الف يعطيك العافية

وثق دائماً ننتظر جديدك

محمد سنجر
12-03-2007, 16:01
جزاك الله خيرا
الأستاذة الفاضلة
إيمان قويدر

محمد سنجر
13-01-2008, 08:56
اكتشاف مقابر جماعية لشهداء مصريين بسيناء

سلمان النبهان
13-01-2008, 09:54
تسلم اخي محمد على هذه الرائعة الخالدة
ابطال سيناء ابطال العبور شجعان العرب هم رجال النيل الاشاوس
رعاهم الله وجعلهم ذخرا للامة وللعرب في وجه الاعداء والطامعين ..
اكرر الشكر لقلمك الرائع اخي محمد وماقصرت يالغالي ...

منصور الغايب
13-01-2008, 23:57
سلمت يمينك استاذ محمد ...

تقبل الشكر

محمد سنجر
14-01-2008, 10:31
تسلم اخي محمد على هذه الرائعة الخالدة
ابطال سيناء ابطال العبور شجعان العرب هم رجال النيل الاشاوس
رعاهم الله وجعلهم ذخرا للامة وللعرب في وجه الاعداء والطامعين ..
اكرر الشكر لقلمك الرائع اخي محمد وماقصرت يالغالي ...

تسلم أخي العزيز
سلمان النبهان
تقبل مودتي و احترامي
دمت بخير

محمد سنجر
14-01-2008, 10:33
سلمت يمينك استاذ محمد ...

تقبل الشكر

مشرفنا العزيز
منصور الغايب
دمت بخير