المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقال فهد السنيدي بفراق اخوه..مؤثر ورائع...



ريال الفسحه
06-02-2007, 16:50
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه مقالة بخط الأخ الكريم فهد السنيدي يودع فيها أخاه إلى حيث سنودع فيها كلنا أحبابنا ويودعنا أحبابنا

تعلمت منك الصبر يا أخي

( إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا لفراقك يا عبدالله لمحزونون)

عجيب أمرك أيتها الحياة .. جبلتي على كدر وحزن .. أحزانك وآلامك تقتل ساعات الفرح .. دموع الفراق

فيك قاسية.. وسياط الآلام موجعة .. وبحار الأحزان فيك تموج موجاً، ما كنت أظن أن للفراق لوعة وللوداع

مواجع حتى أغمضت عيني أخي لحظة موته .. يالله ما أقساها من لحظات .. لقد تعلمت فيها منك يا أخي

دروساً في الصبر .. كنت أقرأ قول النبي صلى الله عليه وسلم (ومن يصبر يصبره الله ) فكان العلم نظرياً

محفوظاً لكن التطبيق يحتاج إلى الأفذاذ .. والله لقد رأيته بعيني في أخي كان رحمه الله يعاني من آلام مرض

السرطان الذي انتشر في كبده ورئته وأجزاء من بطنه فكان صابراً محتسباً، كلما سأله أحد عن حاله قال :

الحمد لله أنا بخير، بل الأدهى من ذلك أنه لحظة اكتشاف المرض في جسده كان يقول لمن حوله أنا خائف أن

يضيق صدر من حولي من أهلي أما أنا فأحمد الله على قضائه وقدره.

عانى رحمه الله وأجريت له عملية في مستشفى الملك فيصل التخصصي أفاق منها وهو يحمد الله.. ثم قرر

الأطباء ضرورة سفره للخارج للعلاج، فسافر إلى الولايات المتحدة وصحبه في رحلة علاجه أبن العم الوفي

وأخو زوجته الأخ منصور الذي حكى لنا تفاصيل الرحلة بشيء من الاستغراب لحاله حيث قال: السفر كان

للعلاج والمفترض أن الإنسان لدى مغادرته أرض وطنه وأهله وأبنائه يحمل معه همومه وأحزانه فضلاً عن

مرضه إلا أن عبدالله رحمه الله لم يحملها معه بل تركها في المطار عمداً لا نسياناً .. وفور وصوله إلى هناك

تعرف على عدد من المرضى من دول عربية وكون مجموعة من الصداقات وأخذ يزور المركز الإسلامي

والمساجد القريبة ويجيب الدعوات ويحضر المناسبات .. بل إنه كان سببا في تجمع الأخوة العرب المرضى

هناك .. حتى إنهم تعجبوا من حاله، فالواحد منهم يحمل أحزانه، وإذا خرج من جرعة العلاج فإن نفسه لا

تطيق أحداً فضلا عن أن يذهب لتجمع أو مناسبة، بينما عبدالله رحمه الله يختلف عنهم .. فهو الواصل لكل

أحد منهم حتى بعد الجرعة .. هو المبتسم حتى في أحلك الظروف .. هو المقرب لتفرقهم حتى مع الحزن

والألم، عجيب أمر هذا الرجل يا ناس ؟!

مكث رحمه الله قرابة السنة في علاجه هناك كون خلالها صداقات قوية ارتفعت فوق كل رابطة، ويكفي أن

نعلم أنه بعد قدومه من أمريكا بعد فشل كل طرق العلاج فقده أصحابه هناك وأخذوا يتصلون كل حين، ولما

علموا بخبر وفاته سبقتهم دموعهم إلينا قبل اتصالاتهم .. بعثوا بعزائهم لنا وهم يعزون أنفسهم وصلوا عليه

صلاة الغائب هناك كحالة فريدة تمر عليهم أثناء العلاج.

عاد رحمه الله من رحلة علاج لم يُكتب لها النجاح وهو يقول: الحمد لله على كل حال .. ودخل في أقسى

ساعات الألم بعد عيد الأضحى المبارك وأدخل مستشفى الملك فيصل التخصصي، وجسمه النحيل الذي أعياه

المرض؛ وعيناه التي ترمق فيها الصفار بسبب تعطل الكبد ترسل لنا إشارات الوداع، لكنه هو يرسل كلمات

الأمل ( الحمد لله ما فيني شي ) سبحان الله ! أي جسد هذا الجسد، وأي نفس هذه النفس التي يقطعها الألم

ثم يقول ( أنا بخير ).

أما الأيام العصيبة فهي العشرة الأخيرة في حياته .. عشناها لحظة بلحظة كانت الوفود تتقاطر على

المستشفى وربما لا يستطيع الواحد أن يراه لكن يقول يكفيني أن أمشي في زيارته.

لا زلت أتخيل الرقم (27) لأنه رقم غرفته في آخر الممر .. رسمت لي خيالات .. فيها ذاك الرجل الصابر

الذي بدأ يدخل في إغماء الكبد المتقطع، والأطباء يقولونا لنا: ليس لنا تدخل سوى تسكين الألم .. لكني

أتساءل أي آلام وهو يقول للطبيب ولكل من سأله: أنا بخير، ثم يغمى عليه؟ سبحانك ربي ما هذه السكينة

التي تنزلها على من تشاء من عبادك.

أناته في الليل خجلى كأنه لا يرد أن يسمعه أحد .. ثم إذا أفاق قال ( يا رب ) آلامه تقطع الجبال حتى يغمى

عليه ثم إذا أفاق قال: (يا رب) بل العجب كل العجب أنه في لحظة ألمه الشديد يسأل عمن حوله، كانت

زوجته الوفية الصابرة المحتسبة ( أم منال ) بجواره وقد سبق لها أن اشتكت من ألم الأسنان، فلما أفاق من

غيبوبته توجه إليها بسؤال عن حال أسنانها؟ وهنا ما كان منها إلا أن قالت نحن نسأل عنك وليس أنت الذي

تسأل عنها، فقال: أنا بخير والحمد لله .

زاره أخي محمد واستغل فرصة إفاقته ودخل للسلام عليه، فبادر المريض المنهك بسؤال الصحيح كيف

حالك؟ هل أنت بخير ؟ يا سبحان الله ! أي نفس هذه التي تطيق هذا العمل.

وفي يوم السبت الثامن من المحرم ليلة الأحد جاء الطبيب بعد منتصف الليل ليسألنا: هل أنتم مستعدون لأي

طارئ؟. فقلنا الحمد لله ونسأل الله الثبات ! وكنت عندها أحاول أن أجد لنفسي ملجأ أكذب به الخبر، أو

مدخلاً أؤخر به الهول لأني أسمع منه في كل لحظة قوله ( أنا بخير ) لم تقنعني تلك البوادر الهزيلة في

جسمه، ولا النحول المخيف، ولم أرض بغيبوبة تحيط به في كل لحظة ... كنت أتشبث بخيوط الأمل مخافة

هول الخبر .. ليلة الأحد مرت بشكل مخيف .. نرقب معها الضغط الذي يؤخذ له في كل ساعة وهو يتناقص

شيئاً فشيئاً .. ونتابع نسبة الأوكسجين في الدم .. لكننا نعجب من أنينه الخافت وصوته المتقطع ( يا رب) (

يا رب).

مضت ليلة الأحد وأشرق صبحه .. يوم التاسع .. الناس من حوله صيام .. وفي العاشرة من صباح ذلك اليوم

كانت الأنفاس الضعيفة تحمل معها كلمات الوداع .. وكانت الأنات المتقطعة تؤذن بفراق .. وكانت العينان

الصفراوان تخفتان شيئاً فشيئاً وكأن همس الوداع بها يقول إلى اللقاء في عالم آخر ... عبدالله ...! هرع

الأطباء إلى الغرفة (27) لمشاهدة حال الصابر المحتسب ( عبدالله ) لقد وضع يده اليسرى واليمنى تحت

خده وأسلم الروح لباريها.

إيه .. أين الدموع .. إيه .. أين الكلمات والشعر والرثاء، مات ( عبدالله ) ليعلمنا درساً في الصبر..!. بدأ أبن

أخي (عمر) الذي كان مرافقاً دائماً له في الاتصالات لإخبار الجميع بالخبر ودموعه ونحيبه يرسلان لنا

الأحزان عبر الهاتف .. عمر الذي عاش كل لحظة من لحظات بقائه في المستشفى يبكي الآن! كان الخبر رغم

انتظارنا له مفاجأة .. وكان الأمر هولاً .. مات عبدالله .

وعلى غير ترتيب ساق الله الأمر، وكأن لسان الحال يقول ( عجلوني عجلوني ) لا بد من الصلاة عليه

عصراً .. وفعلاً تمت الصلاة عليه، واحتشد المحبون في كل مكان وامتلأت المقبرة بالناس، وهم يودعون

عبدالله .. كان المشهد مهيباً لأن والده .. وهو الأب الصابر الذي أشرف على الخامسة والتسعين أراد أن

يقف على قبر أبنه ليودعه الوداع الأخير في الدنيا فلم يستطع لأن الناس تدافعوا ليشاركوا .. ولأن الناس

وقفوا جميعاً يدعون له بالثبات في تلك اللحظة.

أما أنا فكنت كالتائه في المقبرة .. هذا هو الشيخ ناصر العمر يسلم عليك لكني كنت أرى في عينيه عبدالله ..

هذا سلمان العوده يعزيك فكانت دموعي أسبق إليه .. هذا الشيخ عبدالعزيز الراجحي يصبرك ولكني كنت

أتذكر تصبيره لنا رحمه الله .

هذا حشد هائل من العلماء والدعاة .. من الأقارب والأصدقاء الجميع وقف يعزي والدنا المهدود.. كنت أرقب

أبي وهو يهادى بين رجلين ليصل إلى القبر بعد أن اقتنع الناس بأنه كبير سن وله الحق .. فسرت بجانب

أبي، ووقفت معه على شفير القبر فرفع أبي يديه ورفعت معه فلم استطع أن أقول شيئاً سوى (( اللهم اغفر

له )) كنت أسمع نحيب أبي وهو يردد ( اللهم ضيفه رحمتك ) ورددت معه .. ( يا رب هذا أخي ضيفه

رحمتك )) جاء المعزون إلينا يقولون أحسن الله عزاءكم .. وفي عيني كل واحد منهم قصة مع عبدالله.

الحشود التي لم تستطع العزاء في المقبرة أصرت على الحضور في المنزل .. !

تركنا المقبرة وتركنا فيها قلوبنا المكلومة على فراق أخي.. كانت صورة الوداع مؤثرة ومحزنة.

بدأ العزاء .. وتوافد الناس وتسلينا بوقفة الرجال معنا من أصحاب السمو الأمراء بدء بالأمير الإنسان

سلمان بن عبدالعزيز ونائبه الأمير سطام وعدد من أصحاب السمو.. وكانت لمشاعر الود والمحبة من

أصحاب المعالي والمشايخ أثرها الكبير فأعضاء هيئة كبار العلماء كان الواحد منهم يعزينا ويسلينا بكلماته

عن أخي رحمه الله.

أيام ثلاثة أمضيناها في استقبال الناس من الأصدقاء والإعلاميين واستقبال البرقيات والفاكسات من داخل

وخارج المملكة كانت صورة منيرة مشرقة من وقفة المحبين لهذا الفقيد.

وأخيراً بقي لي صفحة مع أخي .. إنهن بناته .. شَعَرات قلبه اللاتي خلفهن بعده .. دموعهن لفراق أبيهن

أعظم من أن ترسم في كلمات .. لقد غاب عنهن أب حاني .. ليس كباقي الآباء.. تعلقن به لأنه أهل للتعلق

فهو ( محموم القلب ) وأحلف بالله إنه يحمل هذه الصفة ولا أزكي على الله أحداً..دموع الصغيرة ( نجود )

تقطع نياط قلبي .. كنت أحسب أني على درجة من التحمل لكني ضعفت أمامها .. أصابتني دموعها بثورة

الطفولة .. وفقدان الحنان ( نجود ) فقدت أباً وأخاً وصديقاً ودوداً .. ( نجود) جعلتني وجعلت أعمامها

يبكون كلما رأوها .. ( يا رب أرزقهن الصبر).

يا بنات أخي : أنا لا أزعم ولا أخواني أننا سنكون لكن مثل الأب لأن دون ذلك مفاوز ومصاعب .. لكننا

سنحاول أن نشاطركن جزء من الحياة .. سيظل ( عبدالله معنا في كل لحظة ) لأننا نحب ( نجود ) وأخواتها.

إلهي يا أرحم الراحمين وأجود الأجودين.. يا من خشعت الأصوات لرحمانيته، و عنت الوجوه لقيوميته،

وشهدت الفطر بوحدانيته، وأقرت العقول بربوبيته، ودلت الدلائل على ألوهيته، وخضع كل شيء لعظمته،

وذل كل شي لعزته، وسكن كل شيء لهيبته، وقام كل شي بقدرته، ودانت الجبابرة لسطوته، وأبدع كل شيء

بحكمته، ووسع كل شي برحمته، يا من لا ينقطع عن بابه إلا المحرومون، ولا يعمى عن نوره إلا المحجوبون،

نسألك اللهم ألا نيأس من روحك .. يارب إن عبدك الفقير عبدالله قد أفضى إليك.. وانتقل إلى جوارك .. اللهم

أحسن وفادته، وأرحم ضعفه واجعل ما أصابه رفعة في درجاته ومحواً لسيئاته، يا رب نحن شهود في

أرضك .. نشهد أنه كان لك ذاكراً .. شاكراً فيا أرحم الراحمين اقبله في المهديين يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم أكرمنا برؤياه ووالدينا والمسلمين في دار كرامتك، ومستقر رحمتك.

آمين .. والحمد لله رب العالمين

وكتبه

فهد بن عبدالعزيز السنيدي

بعد منتصف ليلة 12 من محرم 1428هـ




((تم نقلها كما هي )) لعل بها الموعضه والفائده وللدعاء للمتوفى وبناته





http://www.siggiez.com/lines/b/butFlYs.gif

محب شمـر
28-10-2007, 06:15
رحم الله هذا الرجل رحمة واســـــعة وأسكنه فسيح جناته ....

فعلاً المقال يعلم الجميع الصبر والأحتساب عند نزول ...

المدلهمات أنسأل الله الثبات عند الممات ..

شكرا جزيلاً أخي الكريم /ريال ..

ريال الفسحه
28-10-2007, 11:15
/


هلابك


منين طلعتوه :)



تحيتي لك يامحب ..!



لاهنت

أبوطروق
28-10-2007, 11:53
مقالة رائعة تدل على روعة ناقلها

الله يرحمه ويصبر أهله


شكرا سلمان

ريال الفسحه
28-10-2007, 17:46
\


ابوطروووق هلابك

ولاهنت على المرور



سي يو :)
.

محب شمـر
28-10-2007, 18:47
/


هلابك

هلابك اكثر

منين طلعتوه :)

من قاعة هالمواضيع ..
أثريك مندفن بهذا مبطي يالغالي ..
تسان معلمنا بدري ..لذيذين أنتم هنا


تحيتي لك يامحب ..!

بوركت يالغالي



لاهنت
ومن قال