بدر بن عبدالمحسن
28-01-2007, 03:07
حائل ماض تليد وحاضر مجيد
الموقع الجغرافي
تقع مدينة حائل في منطقة جبل شمر غربي وادي الاديرع الذي يعرف أيضا باسم وادي حائل ووادي الديعجان. وتمتد المدينة على شكل قوس حول جبل السمراء ويحدها جبل اجآ من الغرب وجبل أم الرقاب من الشمال وجبل شمره من الشرق . أما من حيث التنظيم الإداري فيحد حائل من الشمال منطقة الحدود الشمالية ومنطقة الجوف، ومن الجنوب منطقة القصيم وتشترك في الحدود الإدارية الشرقية مع منطقة الرياض ، ومن الغرب مع منطقة تبوك ومنطقة المدينة المنورة. ويبلغ ارتفاع حائل عن سطح البحر 980 مترا ، وقد يصل إلى ألف متر عند الحافة الغربية . ويمتد وادي حائل في اتجاه الشمال الشرقي عبر ممر ضيق يصل المدينة بجبل شمره ، وتشكل صحراء النفوذ الكبير الجزء الشمالي من المنطقة. أما مساحتها فهي 118،332 كيلو مترا مربعا.
التضاريس
-------------
تتميز منطقة حائل بكثرة تضاريسها وتباينها واختلافها ما بين سهول وأودية وجبال وتكوينات رملية وممرات وتكوينات صخرية.
المناخ
---------
مناخ حائل قاري ترتفع فيه الحرارة صيفا وتنخفض شتاء، وقد يحدث فارق حراري في اليوم الواحد. ويوجه العموم فان درجات الحرارة في الصيف نادرا ما تتعدى الأربعين درجة، أما في الشتاء فتنخفض كثيرا وتصل أحيانا إلى تحت درجة التجمد . وتسقط الأمطار عادة في فصل الشتاء ، وقد تكون مصحوبة بالبرد، وسقوط الثلج نادرا جدا ، وسبق إن شهدته المنطقة في ربيع عام 1402هـ .
من التاريخ
---------------
يكاد لا يخلو كتاب يتناول تاريخ شبه الجزيرة العربية أو جغرافيته، من ذكر مدينة حائل ، ذلك أن موقعها الاستراتيجي المهم قد جعلها على الدوام في قلب الأحداث التي مرت بالمنطقة منذ أقدم الأزمان. وقد أطلق عليها اسم مفتاح الصحراء نظرا لكونها المعبر الرئيس للمتجهين شمالا أو جنوبا في شبه الجزيرة. وكانت حائل معبرا لجيوش المسلمين الذين اتجهوا شرقا و غربا للدعوة إلى الله والجهاد في سبيله، كما أنها كانت ممرا لحجاج بيت الله الحرام القادمين من العراق والشام ، إضافة إلى القبائل النازحة إلى الجنوب. وحين تركت مطامع الدول الأوروبية في القرن التاسع عشر ، واتجهت بأنظارها إلى شبه الجزيرة العربية ، بعثت هذه الدول إلى حائل عددا من الرحالة لتفقد أحوالها ، والتعرف على أوضاع شبه الجزيرة العربية من خلالها ، فزارها الفنلندي آلان سنة 1845م. وألف عنها كتابا اسماه (صورة من شمال جزيرة العرب)، والانجليزي وليم بلجريف سنة 1864م، والانجليزية ليدي آن بلنت سنة 1879م، ووضعت عنها كتابا، والفرنسي شارل هوبير الذي زارها مرتين سنتي 1883م و1884م، والانجليزية جرترودبل. وهي مساعدة المندوب السامي البريطاني في العراق. وقد أوردت مشاهداتها في مدينة حائل في مذكراتها، كما زارها عدد من الأمريكيين ومنهم مايكل بارون الذي نال شهادة الدكتوراه من جامعة ميتشيجن عن الرسالة التي وضعها عن تاريخ حائل . ومن الواضح إن هذا الاهتمام كان يتناسب مع أهمية حائل وموقعها اللذين اشرنا إليهما ، والمميزات الطبيعية التي تتصف بها ، وبخاصة جبلي (أجا و سلمى) اللذين وصفتهما ليدي بلنت بأنها لم تر خلال رحلاتها الكثيرة جبالا تشبهما.
من المعالم الأثرية
------------------------
تعتبر منطقة حائل من أغنى مناطق المملكة بالآثار لما سبق ذكره من اتصال حضارتها ببعض حضارات ما قبل الإسلام وما بعده. وقد قامت إدارة الآثار والمتاحف في وزارة المعارف بعدة كشوف أثرية في المنطقة لمعاينة الآثار وتحديد مواصفاتها. من أهم المعالم الأثرية عدد من القلاع والقصور في مدينة حائل تعود إلى العهد العثماني.
ياطب
وهي موقع اثري شرقي حائل على مسافة 38 كلم، وتوجد على صخوره كتابات ثمودية ورسوم.
جانين
وهو جبل كبير شرقي حائل ، ويقع على مسافة 60 كيلو مترا، ويضم الجبل كهفا طبيعيا حفرت على جدرانه كتابات ثمودية وامهريه ورسوم لأشخاص وحيوانات.
فيد
وهي واحة قديمة كانت محطا للراحلين شمالا وجنوبا، كما يمر منها درب زبيدة الشهير.
جبل حبشي
وهو منطقة غنية بآثارها من بقايا الدور والأبراج والمقابر التي يعتقد أنها تعود إلى أكثر من أربعة آلاف سنة، كما عثر فيها على سيوف وأشياء أخرى، ويطلق على هذا المكان أيضا اسم العظيم.
الثعيلبي
وهو يقع بين العظيم وسميرا وفيه صفوف من الحجارة الممتدة إلى مسافة تقارب 750 مترا.
توارن :
تقع شمال غرب حائل وفي مدخل الوادي آثار حصن لا تزال باقية ويقال أنها ترجع إلى حاتم الطائي وفي وسط القرية يوجد قصر من الطين وبجواره مقبرة صغيرة فيها قبرين طويلين يقال إن احدهما قبر حاتم الطائي والموقع يعود إلى ما قبل الإسلام
الماوية:
موقع اثري يعود إلى العصر الثمودي وفيه بعض المدافن الحجرية الأثرية وعددها تسعة مقابر وكذلك فيها مجموعة من الكتابات الثمودية
أهم المحافظات في منطقة حائل:
محافظات المنطقة
محافظة بقعا
ومن القرى والمراكز التابعة لها ما يلي
تربة -الخوير-ضبيعية-الزبيرة-الأجفر-الحيانية-اشيقر-الشيحية-الشعيبة المَيَّاه
محافظة الشنان
ومن القرى والمراكز التابعة لها ما يالي
فيد-الشنان-الجحفة-السعيرة-العُظَيم-العدوة-المضيح-عقلة بن طوالة-الساقية-عقلة بن داني- رك -النعي –الببر - الصفرا - السبعان
محافظة الغزالة
ومن القرى والمراكز التابعة لها ما يلي
الحليفة السفلى - الحليفة العليا - البعايث - الحائط - انبوان - ألسليمي- النحيتية - ريع البكر - صفيط - مراغان - المعرش - قاع حجلا - فيظة اثقب - الرابية - العيثمة - المستجدة - الشويمس - العجاجة - سقف - الرقب - المرير - عقلة بن جبرين – وسيطا الحفن - ضرغط - روض بن هادي
وهناك الكثير من المدن والقرى الأخرى ومنها مايلي
العدوة – طابه – السبعان – الجحفة – البير – الصفراء – عقلة بن طواله – الجثامية – اللقيطة – توارن – جبة – الشعيبة- تربة – الأجفر – عقلة بن داني – الشعلانية - ألشملي- سميرا-الروضة-بيضاء نثيل-موقق-الخطة -القاعد-الحفير-قناء-الشقيق- أم القلبان-عمائر بن صنعاء-قصر العشر وات-الودي-قفار-عقدة-النيصية-العش-دليهان- وغيرها كثير
لمحات تاريخية:: التسمية
بعيدا عن المعنى اللغوي لمفردة "حائل" و اجتهادات اللغويون في تعقيد هذا الاسم وإعادته إلى أصوله اللغوية ، فأننا سنكتفي ببعض الروايات التي طرحها الباحثون في هذا الإطار ابتداء باحتمال إنها "كانت تشكل حائلا بين وسط جزيرة العرب وسواد العراق" أو "بين ديار العرب و ارض الروم وبلاد الأنباط والشام" ثم وصولا إلى تسمية "حائل" لوجودها على ضفة وادي الأديرع ، فعندما يسيل هذا الوادي ، فأنه يحول بين سكان الجبلين ويمنعهم الاتصال فيما بينهم. بمعنى إن التسمية تطلق أساسا على الوادي وهو "الأديرع" الذي حظي بأكثر قدر من القبول لدى الباحثين. وقد ورد
اسم "حائل" في كتب الأقدمين كثيرا .. فذكرها كل من :
* عباس الموسوي في كتابه "لمع الشهاب" وقال إنها "شام نجد".
* أبو سعيد الضرير قال: حائل بطن واد بالقرب من أجا.
* ياقوت الحموي قال: حائل واد في جبل طي.
* الهجري قال: هو واد يفلق بين الرمال وأجا.
أما ما يعرف سابقا باسم "القرية" على إنها أقدم أماكن الاستيطان والتحضر على ضفة وادي حائل "الأديرع" الشرقية ، فهي ما يسمى الآن "السويفلة". وقد اخذ الشيخ حمد الجاسر بقول "موزل" ، إن قرية حاتم هي السويفلة ، التي كانت نواة حائل المدينة والتي استقر بها الطائيون. وقد ورد في تاريخ بن جرير اسم "مناع" إشارة إلى جبل أجا في قصة تشير إلى إن الطرماح بن عدي الطائي عرض على الحسين بن علي رضي الله عنهما ، عندما خرج على يزيد بن أبي سفيان ، بان يسير معه حتى يصل إلى "مناع" ، حيث امتنعت به طيء عن ملوك غسان وحمير والنعمان بن المنذر .
كما ورد أيضا اسم "القرية" في نفس القصة التي أوردها الشيخ حمد الجاسر في المعجم الجغرافي في قسمه الأول.
لمحات تاريخية: نبذه
----------------------------
لا احد يستطيع إن يحدد تأريخا بعينه لنشأة المدينة ... غير انه من المؤكد إنها نشأت في عصور ما قبل الميلاد ... وهو ما يجمع عليه المؤرخون بدليل وجود العديد من الآثار "الثمودية والنبطية والحبشية". ومن أشهر من سكنها قبل الإسلام قبيلة طيء التي ينتسب إليها "حاتم الطائي" الذي كان ولا يزال مضرب المثل في الكرم. وكذلك نشأتها تعود بالتقريب لأكثر من ألف سنة حيث يؤسس الاستنتاج هذا على وجود بعض الآثار في أسفل مدينة حائل التي تسمى "السويفلة" و "الربيعية" و "الجر" ، إضافة إلى وجود بعض المساجد التي تتجه صوب بيت المقدس ، وقيل إن بعضها أثار لمعابد قديمة قبل ظهور الإسلام. وقد استمدت منطقة حائل أهميتها التاريخية من خلال موقعها المتميز والفريد وقد وصفها بعض المستشرقين بأنها "مفتاح الصحراء" نسبة لذلك الموقع. فهي تقع على مفترق الطرق المؤدية للشام والعراق حيث معقل الحضارات القديمة ، كالبابلية والآشورية. وهي أيضا فيما بعد معبر جيوش الفتح الإسلامي جهة الشمال. هذا الموقع الاستثنائي حينما يضاف إليه مستوى التحصين الطبيعي الذي وهبه لها الخالق سبحانه من جبال ورمال وما تميزت به المنطقة من خصوبة لا توفرها الصحاري عادة .. كل هذا جعلها جزء من حركة التاريخ على مر العصور .. وأحداثه. وإذا كان المؤرخون قد سجلوا شيئا من تأريخها في كتبهم وأبحاثهم فإن المنطقة لا تزال تحتفظ بالكثير الكثير من حكايات التاريخ ورواياته والتي لا تزال مطمورة مع أثارها.
لمحات تاريخية:: السكان عبر التاريخ
---------------------------------------------------
أقدم الحضارات الهجرات السامية
---------------------------------------------
إذا كان كثير من المؤرخين يقطع بان الطائيين هم أول من استقر في هذه المنطقة كحضارة بعد خروجهم من اليمن في إعقاب انهيار سد مأرب وخروج العديد من القبائل العربية إلى مواقع مختلفة في الجزيرة وبلاد الشام فان ثمة من يؤكد سكنى قبائل عربية أخرى لهذه المنطقة قبل قبيلة طيء منها :
1- أشارت بعض الدراسات إلى أن سكانها الأقدمين هم من العرب البائدة .. استنادا إلى تلك النقوش الثمودية .. وهذا ما تؤكده الدكتورة "وفاء النديوني" في كتابها "شعر طيء وإخبارها في الجاهلية والإسلام".
2- بني اسد بن خزيمة حيث تشير بعض المصادر إلى نزول طيء جوار بني أسد ثم انتزاعها جبلي أجا وسلمى من بني أسد ونسبتها فيما بعد لطيء كما ذكر المقريزي.
3- قبيلة غطفان بن سعد بن قيس عيلان العدنانية .. وكانت منازل هذه القبيلة من وادي القرى جنوبا على امتداد الحرات حتى تتصل بجبال طيء من جهتها الجنوبية.
4- أخلاط من قبائل أخرى كقبيلة *** بن وبرة وهي بطن من قضاعة وبطون من قبيلة تميم القبيلة العدنانية الكبيرة.
ويشير "هشال بن عبد العزيز الخريصي" في كتابه "قبيلة شمر متابعة وتحليل" إلى رواية للمؤرخ احمد الموح .. يؤكد فيها على وجود دلائل لديه ترجح وجود دولة باسم "شمر" في منطقة نجران جنوب الجزيرة العربية في عهود قديمة جدا.
ويشير في الهامش إلى كتاب أخر بعنوان "مثير العجب في تمحيص تاريخ العرب" لمؤلفة زاهر بن احمد عبيد الخزرجي الأنصاري الدمشقي صفحة 139 قال انه يحتوي بحثا بعنوان "حضارة شمر" نحو 350 - 2000 قبل الميلاد. و شمر اسم يطلق الآن على طيء بأسرها .. حتى إن جبلي أجا وسلمى يعرفان بجبل شمر. غير إن العديد من الأسر من قبيلة بني تميم قد استوطنت بلاد الجبلين منذ أمد بعيد .. حتى قيل إن كثيرا من فروع بني تميم هاجروا إلى بلدة "قفار" في منطقة حائل الواقعة جنوب مدينة حائل وتتوزع هذه الأسر العريقة في مختلف قرى منطقة حائل ، كقرى "رمان" وتشتهر هذه الأسر الكريمة بالجود والكرم .. حتى أصبحوا مضرب المثل في الشهامة والجود والكرم.
وقد تناقل الشعراء والرواة الكثير من قصص جودهم وشجاعتهم في جميع إرجاء الجزيرة العربية . .. وقد تعايش الجميع من طيء وتميم وأبناء مختلف القبائل في منطقة حائل كأسرة واحدة.
جزيرة العرب مهد أقدم الحضارات::
-------------------------------------------------
أكدت البحوث والدراسات العلمية أن جزيرة العرب في العصر الجليدي الرابع 100- 15 ألف سنة قبل الآن. كانت تتمتع بمناخ خصب في جميع فصول السنة , وذلك بخلاف ما آلت إلية فيما بعد حيث انتشرت الصحاري والرمال وعم الجفاف فكانت أوديتها الجافة حاليا أنهارا تغذي حياة حضارية مزدهرة عمادها الزراعة التي تعتبر أهم وأجدى الاكتشافات الإنسانية حتى الآن.
وأكدت البحوث والدراسات أيضا إن الزراعة اكتشفت وطبقت على مدى ألاف السنين , وعندما حل الجفاف في جزيرة العرب فإن ذلك أدى إلى موجات هجرة الشعوب السامية القديمة باتجاه مناطق الجوار - الشام العراق ومصر - فأقاموا هناك حضارات متطورة عندما كانت جميع أصقاع الكرة الأرضية غابات مظلمة مجهولة أو مناطق تكسوها الثلوج ويغطيها الصقيع على مدار السنة.
وتطرقت كثير من البحوث والدراسات العلمية إلى العديد من المواضع في جزيرة العرب التي كانت مهدا لأولى الحضارات البشرية والإبداعات الإنسانية الرائدة , ومن بين هذه المواضع منطقة حائل ولاسيما الجزء الشمالي منها الذي أصبح الآن تغطي معظمه رمال النفوذ.
منطقة حائل منطلق الهجرات السامية الأولى::
---------------------------------------------------------------
حسب المعلومات المتوفرة الآن فإن من الواضح أن الهجرات السامية الأولى من جزيرة العرب اتجهت إلى غرب شمال الفرات حيث تأكد حتى الآن أن موقع تل المريبط الواقع غرب الفرات ثمانون كيلو مترا شرقي مدينة حلب السورية هو أقدم موقع أثري أقامه مهاجرون من جزيرة العرب قبل أحد عشر ألف سنة من الآن. فمن أين أتى هؤلاء المهاجرون , وكيف ومن هم؟
يجيب على هذه الأسئلة الثلاثة العالم العراقي الدكتور أحمد سوسة في كتابه "حضارة وادي الرافدين" الصفحة 56 فيقول: "هناك شبه إجماع على إن المنطقة الجنوبية من جزيرة العرب هي الوطن الأصلي للشعوب السامية التي نزحت من جزيرة العرب إثر الجفاف الذي حل بها في إعقاب الدورة الجليدية الرابعة.
وقد توجهت هذه القبائل إلى شمال الجزيرة العربية ومن هناك توزعوا في الهلال الخصيب , وكونوا حضارتهم فيها وفي جملتها حضارة وادي الرافدين الشمالية , أو الحضارة السامية الغربية , وهذه تتميز عن الحضارة السامية الشرقية , أي الاكدية الجنوبية بلهجتها وأسماء العلم لديها . وكان الساميون الغربيون أعظم بأسا وأشد رغبة في التوسع لأنهم كانوا يحصلون على المدد البشري المتزايد من الصحراء كما هي الحال بالنسبة إلى جميع القبائل البدوية , وهم أقرب الى الكنعانيين الذين استوطنوا غربي بلاد الشام.
وهؤلاء هم أقدم وأول المهاجرين من جزيرة العرب إلى الهلال الخصيب لقدومهم من البادية - بادية الشام - وقد جاءوا إلى شمال وادي الرافدين وهم مزودون بحضارة نهرية وخبرة فنية في حقل الزراعة التي تعتمد على الري واستخدموا هذه الخبرة في ممارسة الزراعة في وطنهم الجديد.
من ذلك يتضح جليا دور منطقة حائل في العصور القديمة فهي أقرب مناطق شبه الجزيرة إلى بادية غرب الفرات ولا يمكن العبور إلى غرب شمال الفرات بالذات إلا من هذه المنطقة.
لمحات تاريخية:: طيء
-------------------------------
أيام الطائيين | حرب الفساد | المناذرة | الغساسنة |كندة |
منطقة حائل وهجرة الطائيين إليها::
-------------------------------------------------
تمتد جبال الحجاز شمال المدينة نحو الشمال الشرقي حتى مدينة حائل فتكون منطقة مرتفعة كانت تعرف ببلاد الجبلين ( أجا وسلمى ) أو جبلي طيء وذلك بعد نزوح قبيلة طيء من اليمن إليها , كما يطلق عليها جبل شمر , وذلك نسبة إلى اسم القبيلة التي نزحت بعد ذلك وهي إحدى بطون طيء , حيث ذاعت شهرة حائل فغدت قصبة جبل شمر والحاضرة الأميرية الهامة في بلاد العرب في العصر الحديث.
كانت تسكن هذه المنطقة قبل نزوح قبيلة طيء إليها من العرب البائدة عاد وثمود , يدلنا على ذلك تلك النقوش والحفريات وما عثر عليه من آثار ثمودية بها.
أما وقت هجرة الطائيين إلى نجد ونزولهم الجبلين فقد تضاربت الروايات التاريخية في ذلك , فرواية ابن ال***ي تشير إلى وجود بقايا من بني صحار الذين نزحوا من ارض اليمن ، فهو يذكر انه حينما سار طيء بإبله و ولده حتى نزل الجبلين راى شيخا عظيما جسيما مديد القامة على خلق العاديين ومعه امرأة على خلقه , فسألهما عن أمرهما فأخبر الشيخ انه من بقايا صحار , وأنهم أقاموا بهذين الجبلين عصرا بعد عصر , وعندئذ طلب طيء مشاركة الشيخ الصحاري في ذلك الموضع حتى يكون له مؤنسا وخلا , فوافق الشيخ على ذلك , لكنه لم يلبث إلا قليلا حتى هلك , فخلص المكان لطيء وولده.
لكن الرواية الأخرى تقول بأن الطائيين عندما نزحوا من واديهم طريب باليمن إلى الجبلين , وجدوا زعيم جديس بعد أن أفلت من ملك حمير حسان بن تبع , وقد أفضى به الهرب حتى لحق بالجبلين قبل نزوح طيء اليهما ، ويرى احد الباحثين أن هرب الاسود بن غفار زعيم الجديسيين كان في أواخر القرن الثاني الميلادي.
ثم تستطرد هذه الرواية التاريخية حيث تشير إلى قيام الطائيين بمحاربة جديس بقيادة زعيمهم الاسود بن غفار والانتصار عليه , وان الذي حاربه لم يكن طيء (جلهمة) ولكنه هو عمرو بن الغوث بن طيء.
وتذكر هذه الرواية سبب نزوح الطائيين وهجرتهم إلى نجد من اليمن فتقول : انه لما تفرق بنو سبأ أيام سيل العرم سار جلهمة نحو تهامة , ثم وقع بينه وبين عمومته ملاحاة ففارقهم وسار نحو الحجاز بأهلة وماله , ومضى يتتبع مواقع القطر - حتى انه سمى طيئا لطيه المنازل - حتى أوغل بأرض الحجاز , فمكث بها فترة ثم نزح منها إلى وادي حائل في إقليم نجد. لم يكن طيئ جلهمة في الواقع معهم في ذلك الوقت , وإنما كان احد أحفاده وهو أسامة بن لؤي هو الذي قادهم إلى ذلك المكان , عندما عثروا على ذلك الوادي بين الجبلين حيث الخصب والنماء والمناخ المناسب , فأجا ذلك الجبل ووادي حائل وهواؤهما كان أطيب الاهوية حينذاك.
كما يصف هشام بن محمد ال***ي هذا الموضع من حيث خصوبة تربته وكثرة أشجاره : فيقول: "والمكان واسع والشجر يانع والماء ظاهر و الكلا عامر" وحيث الخصب والنماء وكثر النخل في الشعاب والمواشي.
وكانت طيء وبطونها تسكن الجوف من أرض اليمن , وكان مسكنهم واديا يدعى طريبا , وفي وادي أذنه بالقرب من مأرب , كما كانت مساكنهم أيضا في وادي يهريق وبيحان , وكانت إذ ذاك إحدى المدن ذات الحضارة القديمة ، كذلك سكنوا قصور براقش وغيرها من المدن في بلاد اليمن السعيد.
والظاهر أن نزوحهم لم يحدث دفعة واحدة على اثر انهيار سد مأرب سنة 115 ق. م , وإنما حدث ذلك على فترة زمنية , وذلك لان هذا السد قد تعرض للعديد من الانهيارات , وما كانوا يعانونه من سوء الأحوال في أعقاب انهيار في كل مرة , مما كان يدفع بالطائيين وغيرهم إلى التخلي عن مواطنهم حيث الأودية والمناطق الخصبة في كل من الجوف وبيجان واذنه وطريب , وهجرتهم نحو الشمال.
ومن خير الأدلة على ذلك أن هجرتهم هذه لم تقتصر على منطقة حائل وحدها , وإنما كما يذكر الهمداني كان نزوحهم بعد ذلك إلى جهة تيماء والى دومة الجندل من إقليم الحجاز.
وكذلك ما كان من شيوع ذكر طيء خلال القرن الثالث الميلادي في كل من نجد والحجاز , حتى صارت طيء ترادف كلمة العرب في سائر أنحاء الجزيرة عند الفرس والسريان وغيرهم من الأمم المعاصرة.
ومما يدعم ذلك الرأي انه لم تكن إحدى بطون طيء لتقوى على انتزاع بلاد الجبلين من بني اسد وفقا لرواية ابن خلدون , لولا غلبة تلك البطون الطائية وانتشارها في تلك المناطق والجهات , وهكذا تظهر أهمية تلك الهجرة الكبرى الأخيرة بقيادة أسامة بن لؤي إلى الجبلين , وكان سيد طيء آنذاك.
كما تفيد رواية ابن خلدون أن نزول كل من بني فطرة وبني الغوث كان في فيد ، وفي سميراء في جوار بني اسد أولا , ثم صارت لهم الغلبة على هذه القبيلة فكان نزولهم عندئذ في أجا وسلمى ووادي حائل واستقرارهم بعد ذلك فيها.
ويذكر أبو عبيد السكوني أن أجا نزلت به ثعل احد بطون طيء , وان سائر بني الغوث وبني نبهان كان نزولهم بسفح سلمى , أما بنو جديلة البطن الثالث من بطون طيء فلم يكن لهم في الجبلين نصيب , يتضح ذلك من رواية ابي عبيدة عندما اشترط عمرو بن الغوث حينما صارع زعيم جديس فقتله , وهكذا نزلت جديلة السهل أو الوادي بين الجبلين.
وقد أطلق ابن ال***ي على هذا الوادي اسم حائل , ولم تمض فترة من الزمن حتى شاع ذكرها على بلاد طيء جميعها , ويشير إلى ذلك الهمداني عند حديثة عن الريان احد قمم جبال أجا فيذكر أن في أسفله أدنى مياه حائل , وكما يصف القرية حائل فيقول: "هو بلد مثل يد المصافح يرى فيه الراكب من مسافة نصف نهار في وسطه رملة يقال لها رملة الاطهار".
ومن الواضح أن حائل لم يكن لها شأن يذكر قبل نزول الطائيين بواديها , واستحواذهم على السهل والجبل , حيث ارتبط اسمها بأمجادهم وأيامهم , وان غلب عليها اسم الجبلين ( أجا وسلمى ) أو جبلي طيء.
لم تكن حائل هي الموطن الوحيد للبطون الطائية بطبيعة الحال بل كانت خلال العصر الجاهلي هناك مواطن أخرى لها أقدم منها مثل فيد وسميراء والاجفر التي نزلوا بها قبل غيرها من المنازل , وقد حظيت بالشهرة مثل مدينة فيد منذ العصر الجاهلي.
أيام الطائيين مع قبائل العرب الأخرى::
-------------------------------------------------------
كان من أهم تلك الحروب إلى خاضتها قبائل طيء ما وقع بينها وبين قبيلة اسد المجاورة لها , فقد عملت تلك القبائل منذ نزولها على التوسع والاستيلاء على مواضع الكلأ والماء , فمن ذلك محاولة الطائيين امتلاك "الحساء" المنسوب إلى ريث , وعلى موضع آخر يسمى قراقر , يقول عنه ياقوت: وهو قاع ينتهي إلى وادي حائل تسيل إليه أودية ما بين الجبلين , وكان منزلا يقع إلى الطريق المتجه إلى مكة حيث كانت تدعية كل من اسد و طيء كما يذكر البكري. موضعا ثالثا كان محل نزاع يسمى "ظلامة" وهي قرية أخذتها اسد من بني نبهان القبيلة الطائية فسموها ظلامة لأنهم أخذوها ظلما.
كانت الغارة والحرب سجالا بين الطرفين حيث كانا يتعاقبان النصر والهزيمة ,حتى اجتمعت غطفان واسد كما يقول الطبري: "فأزاحوها عن دارها في الجاهلية غوثها وجديلتها فَكره ذلك عوف - وهو ذو الخمارين عوف الجزمي - وقطع ما بينه وبين غطفان وتتابع الحيان على الجلاء , وأرسل عوف إلى الحيين من طيء فأعاد حلفهما وقام بنصرتهم فرجعوا إلى دورهم".
وقد أعقب ذلك أن بذلت شيوخ اسد جهودهم في سبيل الصلح وعقد حلف مع طيء , فتم ذلك في عداد الجيرة أو الجوار و أصبح يقال لبني اسد وطيء الحليفان وذلك بعد حروب لم تدم طويلا بينهم وكما يقول القلقشندي: "بعد أن ملكت طيء ديار بني اسد الواقعة من جهة الشرق والجنوب من الجبلين بعد أن كانوا نازلين بها ".
كان من اشهر أيام العرب التي وقعت بين الطائيين وبني اسد بعد عقدهم الحلف بينهم يوم ظهر الدهناء , وكان سبب العودة إلى نشوب الحرب , أن بشر ابن ابي حازم الاسدي كان قد هجا اوس بن حارثة , فطلبه اوس فلجأ الى قومه بني اسد , فرأوا أن تسليمه من العار عليهم فأبوا ذلك , فجمع لهم اوس وكان سيدا مطاعا في قومه من بني جديلة وبني رومان حيث تلاقيا بظهر الدهناء , فأوقع بهم أوس وظفر بهاجية بشرا بعد أن تمكن من قتل الكثيرين منهم.
ومن الأيام التي تذكرها مصادر التاريخ والأدب ما وقع بين قبيلة عنترة العبسي والطائيين , فقد تعاقبت بينهم الغارات والحروب , والتي كان من أهمها تلك الغارة التي شنها بنو ثعلبة من بقية جديلة على بني عبس , وأدت إلى قتل عنتر بن شداد العبسي. وقد بلغ من شهرته حينذاك في أعمال الغزو والقتال شأن بعيد , حيث ظل بنو رومان الطائيين يفخرون بذلك فترة طويلة.
ومن الجدير بالذكر أن تفاخر طيء بقتلها عنتر , لم يكن مثيرا للعصبية التي عرفت بعد ذلك بين عرب الجنوب وبين عرب الشمال العدنانين , فقد أشارت المصادر إلى تحالف كل من بني جديلة مع بني شيبان والى محاربتهما عبس في ذلك الوقت.
كما يذكر ابن الاثير من أيام العرب يوم النسار , وكانت طيء قد تحالفت مع كل من اسد وغطفان على بني عامر آنذاك , فكان لقاؤهم بالنسار بين تلك الجبال التي عرفت بذلك , حيث قاتلوا بني عامر قتالا شديدا , فكان أن غضبت تميم , لما نزل بهم , فتحالفوا معهم , حتى لقوا طيء ومن حالفها في يوم الجفار بعد ذلك , فقاتلت طيء اشد ما قاتلت مع عامر يوم النسار.
ولم تكن قبائل طيء لتسكت عن هزيمتها , فقد نهض زيد الخيل بن مهلهل الطائي المشهور يومئذ , فجمع أخلاطا من بطونهم وجموعا أخرى من الصعاليك , فغزا بهم بني عامر ومن جاورهم من العرب , ويصف الاصفهاني نقلا عن ابي عمرو الشيباني تلك المعركة بعد أن سار إليهم زيد الخيل فيقول: فصبحهم من طلوع الشمس فاستعدوا له وفزعوا إلى الخيل فركبوا , فكان أول من غدر بهم , فلقى جموعهم من بني غنى بني اعصر فاقتتلوا قتالا شديدا ، ثم حلت الهزيمة ببني عامر فاستحر القتل بعد ذلك بغنى , فكان من بين قتلاهم الفرسان والشعراء.
وقد اشتهر زيد الخيل النبهاني بالشجاعة والفروسية , قبيل ظهور الاسلام , ومما يذكره الاصفهاني أن عامر بن الطفيل سيد بني عامر أغار على بني فزارة , واستاق نعما لهم كما اسر امرأة منهم , فلما أدركه زيد الخيل برز له عامر , فطلب منه رد النعم التي حصل عليها , وخيرة بين ترك الغنيمة أو قتاله , فتخلى عن الظعينة والنعم في مقابل إطلاق سراحه ، يقول الاصفهاني: فقبل زيد بذلك الشرط فجز ناصيته واخذ رمحه واخذ الظعينة والنعم فردها إلى بني بدر الفزاريين وبطبيعة الحال فما كانت غنى لتبقى على هزيمتها حيث عملت على جمع لفيف من بني عامر قبيلتها فغزوا طيئا وقتلوا وأدركوا ثأرهم منها.
ولما علمت بنو عامر بما جرى لسيدهم نحوه عن رئاستهم وأقاموا عليهم علقمة بن علاثة بدلا من ابن الطفيل , وخرجوا لقتال بني نبهان قوم زيد , ومعهم الشاعران المعروفان الحطيئة وكعب بن زهير. ولما علم زيد بذلك جمع قومه فلقيهم بالمضيق فقاتلهم وأوقع بهم الهزيمة , وتم اسر الشاعرين وقوما معهم , فطلبوا قبول الفداء فيهم.
ومن أعمال الغزو والغارة التي قامت بها قبائل طيء بعد أن أصبحت من الكثرة بمنطقة حائل , حتى صار كل بطن منهم يغزو بمفرده بعد أن غدا قبيلة مستقلة , منها ما وقع بين قبيلة نبهان وقيامها بغزوة فزارة , وقد حاربت فزارة حتى كادت الهزيمة تحل بالنبهانين لولا شجاعة زيد الخيل , وقد انضمت إلى فزارة قيس من بني سليم فهزموهم , ثم حمل زيد الخيل على فزارة بعد ذلك ومن حالفها فأوقع بهم الهزيمة , يقول زيد الخيل:
جلبنا الخيل من أجا وسلمى
تخب نزائفا خبب الركـاب
جلبنا كل طـرف اعوجـي
وسلهبة كحافيـة الغـراب
كنوف للحـزام بمرفقيهـا
شنون الصلب صماء الكعاب
ومن اشهر تلك الغارات التي حدثت بين بني الغوث إحدى قبائل طيء وبين بكر بن وائل القبيلة العربية المعروفة , فقد حدث أن أغار حاتم بن عبدالله الطائي على راس جيش من قومه , واشتد القتال بينهم ولكن الهزيمة حاقت بهم وقتل منهم الكثير , كما تم اسر جماعة منهم وكان حاتم من بينهم وبقي في الأسر حتى تم فداؤه.
حرب الفساد بين قبائل الطائيين::
-----------------------------------------------
نشبت هذه الحرب بين قبيلة الغوث وبين جديلة , وتعاقبت بينهم حتى طال أمدها وبلغت مائة وثلاثين عاما حيث يذكر المسعودي إنها لم تكن حربا كسائر الحروب.
أدى ذلك إلى نزوح بني جديلة إلى بلاد الشام , وقد عرفت تلك الجهة التي نزحوا إليها بحاضر طيء , ويشير البلاذري إلى ذلك الموضع بالشام فيقول: انه بعد حرب الفساد التي وقعت بينهم حين نزلوا الجبلين فتفرق منهم سائر بني فطرة وتفرق باقون منهم في البلاد حيث لحقوا بحاصر قنسرين من إعمال حلب وخالطوا هناك الأسباط وغيرهم وتزوجوا منهم.
أما ابن حزم فهو يحدد تلك البطون التي نزحت من قبيلة جديلة الطائية من بلاد الجبلين إلى الشام فيقول: "وجلوا كلهم عن الجبلين في حرب الفساد , فلحقوا بحلب وحاضر طيء , حاشا بني رومان بن جندب بن سعد بن فطرة فبقوا في الجبلين".
وهكذا لم يبق من جديلة إلا بنو رومان بمنطقة حائل , وكان من اشهرهم تيم بن ثعلبة , وكان يقال لبنيه بعدها مصابيح الظلام ومنهم السيد المشهور اوس بن حارثة بن لأم ممن سبقت الإشارة إلى زعامته في حربهم مع قبيلة اسد وانتصاره عليهم.
وقد لعب ملك الغساسنة الحارث بن جبلة دورا في إصلاح ذات البين بين جديلة والغوث , حتى توقفت الحروب بينهما , فلما مات عادت تلك القبائل إلى حربها من جديد , فكان يوم "اليحاميم" بينهم من اشهر أيام العرب , يصف ابن الاثير أحداث هذا اليوم فيقول: فالتقت جديلة والغوث بموضع يقال له "غرثان" فقتل قائد بني جديلة وهو اسبع بن عمرو لأم.
كما شهد عدي بن حاتم هذا اليوم وكان زيد الخيل يعمل على وقف القتال والتداعي إلى الصلح بينهم يقول عدي: "واني لواقف يوم اليحاميم والناس يقتتلون إذ نظرت إلى زيد الخيل قد احضر ابنيه مكنفا وحريثا في شعب لا منفذ له وهو يقول: "أي بني ابقيا على قومكما فان اليوم يوم التفاني , فان يكن هؤلاء أعماما فهؤلاء أخوال".
وقد دارت الحرب يومئذ على "مناع" إحدى مواضع أجا , حين أقبلت قبائل الغوث كل قبيلة عليها رئيسها منهم زيد الخيل وحاتم بن عبدالله الطائي الجواد , حيث التقوا بجديلة بعد اجتماعها على اوس بن حارثة , وقد اقتتلوا يومئذ قتالا شديدا فانهزمت جديلة وقتل منها الكثير.
ولم يحضر حاتم بن عبدالله الطائي هذه الحرب فكان مجاورا لبني بدر من جيرانهم آنذاك وكان من جراء يوم اليحاميم أن نزحت بقية جديلة من حائل , يقول ابن الاثير: "ولم تبق لجديلة بقية للحرب بعد يوم اليحاميم , فدخلوا بلاد *** فحالفوهم وأقاموا معهم".
علاقة الطائيين بالمناذرة في الحيرة::
------------------------------------------------------
ارتبطت قبائل طيء في الجبلين برابطة الدم والعصبية بإخوانهم الذين نزحوا إلى الحيرة فنزلوها منذ القرن الثالث الميلادي حيث شاركوا في تأسيسها.
ويذكر ابن ال***ي أن ملك الحيرة عمرو بن المنذر عقد حلفا مع الطائيين على أساس ألا ينازعوا في أرضهم ولا يغزوا ولا يفاخروا عليهم , ولكنه حدث أن خرج عمرو لغزو اليمامة , فلم يصب منها شيئا , وفي طريق عودته , مر بمنازل طيء , فشجعه احد رجالات بني تميم زرارة بن عدس على غزوها والنيل منها قائلا له: "لا ينبغي لأي ملك إذا غزا أن يرجع ولم يصب فمل على طيء فانك بحيالها ".
استجاب الملك لرأيه , فمال إليهم فأسر وقتل منهم وغنم , فما لبث بعد رجوعه إلى الحيرة أن اخذ عمرو بن ملقط الطائي يحرض الملك على زرارة التميمي , وهكذا عملت قبائل طيء على الثأر من تميم لما جرى من زعيمها زرارة , وكان عمرو بن المنذر قد ترك ابنا له عنده , فلما شب رمى بضرع ناقته , فكان أن شد عليه احد رجال تميم فقتله وهرب
.
انتهزت طيء الفرصة , وأخذت تحرض ملك الحيرة عليهم والخروج معهم حتى اقسم ليقتلن منهم مائة إن ظفر بهم , وسار في طلبهم حتى بلغ أوارة , وكان عمرو بن ملقط على مقدمة جيشه آنذاك , حيث قاتلوهم وانتصروا عليهم , وتمكنوا من اسر الكثير منهم , يقول ابن الاثير: "فأتوه (يعني الملك) بتسع وتسعين رجلا سوى من قتلوه في غارتهم فقتلهم" ، وهكذا ثأرت طيء لنفسها من تميم وصار يوم اوارة الثاني من أيام العرب المشهورة.
عادت بعدها علاقة الطائيين إلى سابق العهد من المودة والحلف مع ملوك الحيرة , فصار شيوخهم ورؤساهم يفدون إلى الحيرة فينالون من الحظوة والمكانة لديهم.
وفي عهد النعمان بن المنذر عمل كسرى فارس على إخضاع منطقة حائل في نجد لسلطانه , فأرسل إلى النعمان فاستجاب لطلبه وسيّر جيشا إليهم بعد أن شجعه احد الطائيين وهو اوس بن سعد حيث قال له: "أنا أدخلك بين جبلي طيء حتى يدين لك أهلها".
ولكن بني سنبس من قبيلة الغوث قبلوا التحدي ورفضوا دخول جيش ملك الحيرة بلادهم , فاستعدوا لمنازلة أعدائهم , كما تجهز حاتم الطائي مع قومه بني اخزم للقاء المغيرين عليهم , وكانوا يجاورون إخوانهم السنبسين من جهة الشمال , يقول حاتم في موقف اوس الطائي المتخاذل يومئذ:
و لقد بقي بجلاد اوس قومه
ذلا وقد علمت بذلك سنبـس
حاشا بنـي سنبـس انهـم
منعوا زمار ابيهم ان يدنسوا
وتواعدوا ورد القرية غدوة
وحلفت بالله العزيز لنحبس
وهكذا وقف بنو سنبس مع بني أخزم قوم حاتم ضد هؤلاء المغيرين فحالوا دون تحقيق السيطرة عليهم , ولم يقبلوا بالخضوع لسلطان المناذرة أو الفرس ولعل فشل النعمان في تحقيق أهداف كسرى فارس كان احد تلك الأسباب الهامة التي أدت إلى غضب كسرى , فلم يلبث أن أرسل في استدعائه إلى عاصمة ملكة بالمدائن حينذاك.
وعلى الرغم من تلك العلاقة التي كانت تربطه مع الطائيين , إلا انه عندما طلب منهم أن يمنعوه فأبوا عليه لا خوفا من كسرى ولكن لأمور سياسية أخرى ، فأقبل حتى نزل بني شيبان في ذي قار سرا حيث لقي هانئ بن مسعود الشيباني , فأودعه أهله وماله , وتوجه إلى المدائن وقد بعث ملك الفرس إليه من قيده وأرسله إلى خانقين لحبسه فيها , وكان موته قبل الإسلام فلما مات استعمل كسرى اياس بن قبيصة الطائي على الحيرة.
علاقة شيوخ طيء بالغساسنة::
----------------------------------------------
كان يسكن بلاد الشام عناصر اغلبها عربية منذ العصور القديمة , حيث نزحت من داخل الجزيرة مثل العمورين أو التعمرين والكنعانيين والانباط , كما نزحت قبل الإسلام إليها من قبائل *** وغسان وعذرة وجذام وغيرها, حتى صارت تكون غالبية سكان الشام.
ومن أهم القبائل التي نزحت إليها إبان حرب الفساد التي اشرنا إليها كانت جديلة التي نزحت نحو قنسرين وحلب من أرض الشام فصارت تعرف بحاضر طيء.
وكما يذكر ياقوت فتنه لم يبق من جديلة إلا بني رومان , حيث نزح جلهم إلى الشام , أما ابن الاثير فأنه يشير إلى أن البقية الباقية منهم كان نزوحها بعد هزيمتهم في يوم اليحاميم المذكور. وهكذا أقامت تلك البطون الطائية بأرض الغساسنة في الشام.
وتتضح علاقة الغساسنة مع الطائيين في الجبلين في اهتمامهم الدائم بما كان يجري بينهم من غارات وحروب , والعمل على إيقافها ومحاولة الإصلاح بينهم , فمن ذلك ما بذله الملك الغساني الحارث بن جبلة في سبيل رأب الصدع بين القبائل الطائية وقد نجح في ذلك , لكن بعد وفاته عادت الحروب بينهم.
كما تبدو العلاقة الوثيقة قبيل ظهور الإسلام بهؤلاء الطائيين , وذلك عندما اتجه كثير منهم إلى اعتناق النصرانية والتي انتشرت في بلاد الشام آنذاك , يتجلى ذلك في حديث عدي بن حاتم وقوله: "كنت ملك طيء آخذ منهم المرباع وأنا نصراني , فلما قدمت خيل رسول الله صلى الله عليه و سلم هربت إلى الشام , وقلت الحق بأهل ديني من النصارى فلما قدمت الشام أقمت بها".
كما تتضح مظاهر هذه العلاقة الحسنة بالملك الغساني في قيامه بإهداء سيفين إلى الفلس صنم طيء المعروف وقد بقيا معلقين به في مكانه , حيث كان ذلك منصوبا بالحبس.
علاقة الطائيين بملوك كنده في نجد::
-----------------------------------------------------
قدم حجر بن عمرو المعروف بأكل المرار إلى نجد ونزل ببطن عاقل , وكان اللخميون في الحيرة قد ملكوا من تلك البلاد ولا سيما بلد بكر بن وائل , فنهض حجر بهم وحارب اللخميين وأنقذ أرض بكر منهم , وقد استطاع أن ينتزع جانبا من تلك النوايى التي كانت تحت سيطرة اللخميين المناذرة.
سار النضر في ركاب ابنه الحارث , حيث كتب له النجاح في توسيع مملكة كنده في نجد , وبلغ من قوته انه تمكن من ضم إمارة الحيرة , وان يجلس على عرش المناذرة وذلك في النصف الأول من القرن السادس الميلادي.
وعلى الرغم من محاولته غزو بلاد الشام , إلا أنه لم يسع نحو غزو بلاد الجبلين القريبة منه , كما حاول النعمان بن المنذر وقد أصبحت سائر القبائل تهاب ملك كنده وتستنجد به , يذكر ابن الاثير انه لما أصاب بنو عامر من تميم فأنهم دعوه أن يغزو معهم , فكان أن وقع ذلك اليوم المعروف "بيوم ذي نجب" من أيام العرب.
ولما سار حجر بن الحارث ديار بني اسد بعد ذلك في جنوب جبلي طيء تمكن من التغلب عليهم فقتل الكثير من أشرافهم , واسر بعضهم , مما ترك الأثر السيئ في نفوس القوم , وعقدوا العزم على الانتقام منه , وما لبثوا أن نفذوا وعيدهم حيث تمكنوا من قتله.
وتتضح علاقة كنده مع الطائيين عندما لجأ امرؤ القيس بعد مقتل أبيه إلى قبائل العرب الأخرى لنجدته وفي مساعدته على الأخذ بثأر أبيه , والانتقام من بني اسد , وكان هؤلاء في حلف مع قبائل طيء.
فقد سار امرؤ القيس نحو بلاد الجبلين حيث نزل على المعلى بن تميم من بني ثعلبة , ثم على شيخ بني اخزم من ثعل , وبني عمه عمرو بن ربيعة من سكان أجا آنذاك.
كذلك كان نزول الشاعر الكندي المعروف على بني جرم وزعيمهم ثعلبة بن عمرو بن الغوث , وهكذا ظل يتنقل أمير كنده امرؤ القيس بين قبائل طيء وشيوخها عساه يجد عونا منهم على قتلت أبيه , ولكنة لم يوفق في مسعاه.
وعلى العكس من ذلك فقد حدث أن أغار احد أفراد بني لأم على إبله , ويذكر ابن الأثير أن الذين أغاروا على إبله قوم من جديلة يقال لهم بنو زيد فأخذوها منه , وكان بنو ثعل على ما يبدو حماة إبله آنذاك , يتضح ذلك من شعره في تلك المناسبة:
تبيت لبوني بالقرية امنـا
واسرحها غبا بأكناف حائل
بنو ثعل جيرانها وحماتها
وتمنع من رماة سعد ونائل
كما يتضح من رواية ابن الاثير أن الحرب وقعت بين قبائل طيء بسبب امرؤ القيس , وخاصة بعد أن انتقل إلى رجل من بني ثعل يقال له حارثه بن مر , فهو يصف موقفهم حينذاك قائلا: "وكانت أمور كبيرة , فلما راى امرؤ القيس أن الحرب قد وقعت بسببه خرج من عندهم" ، ولا شك أن الطائيين لم يكن في صالحهم إذ ذاك تقديم يد العون له , ففي ذلك ما كان يثير حفيظة المنذر ملك الحيرة عليهم فيعمد إلى غزو بلادهم , لا سيما وانه لم يكن قد مضى من الوقت الكثير عندما راح المنذر ينتقم من ملك كنده حيث التقى بهم فيما عرف بيوم "اوارة الأول"وقد وقع قبل يوم "اوارة الثاني" ، ويمكن القول بان الطائيين كانوا يعملون على حرية بلادهم وعدم وقوعها تحت سيطرة المناذرة أو غيرهم من القوى التي كانت تسعى في سبيل إخضاع المنطقة كالفرس , وذلك في أعقاب نزولهم سميراء وفيد في جوار بني اسد واستقرارهم في الجبليين منذ القرن الثالث الميلادي.
لمحات تاريخية:: عند ظهور الإسلام
------------------------------------------------
في أعقاب الخلافة العباسية
-----------------------------------------
تواترت الروايات أن بعض سكان الجبلين كانوا يعتنقون الديانة المسيحية قبل بزوغ الإسلام. ومن الأدلة على ذلك إن (عدي بن حاتم الطائي) عندما وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة على رأس وفد طيء كان يضع في عنقه صليبا من ذهب ..فقال له صلى الله عليه وسلم: يا عدي أخلع عنك هذا الوثن.
ويقال أنه كان في الجبلين كاتدرائية حسب الديانة المسيحية وبعضهم عبد الأوثان .. وكان في جبل أجا صنم (الفلس) وهو الصنم الذي حطمه علي بن أبي طالب كرم الله وجهه .. غير أن نور الإسلام ما لبث إن بزغ ساطعا فطغى على ما سواه وقضى عليه ... ومما يؤكد هذه الروايات إن حنظلة بن أبي عفراء بن النعمان والذي ينتهي نسبه إلى طيء .. كان قد تنصر .. وبنى ديرا على شاطئ الفرات بالجزيرة .. لا يزال يعرف بـ (دير حنظلة الطائي). ولم يكون دخول طيء وهي إحدى القبائل التي تقطن الجبلين الإسلام دفعة واحدة .. وقد ذكر كتاب المصادر أن أول اتصال بين الإسلام وطيء .. تم في السنة الخامسة الهجرية .. عندما وجه الرسول صلى الله عليه وسلم سرية بقيادة أبي عبيدة الجراح إلى أسد وطيء وقيل في السنة السادسة للهجرة .. وقد وجهت إلى أجا وسلمى.
في السنة التاسعة للهجرة بعث الرسول صلى الله عليه وسلم سرية علي بن أبي طالب التي حطمت (الفلس) واستولت على الممتلكات والأنعام .. وكان من بين السبايا من النساء (سفانه) أخت عدي بن حاتم الطائي .. الذي هرب إلى الشام فلما مثلت بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم قالت:
يا محمد .. هلك الوالد.. وغاب الرافد فإن رأيت إن تخلي عني.. ولا تشمت بي أحياء العرب .. فإن أبي كان يفك العاني , ويحمي الذمار , ويفرج عن المكروب , ويطعم الطعام , ويفشي السلام , ولم يطلب إليه طالب حاجته فرده .. أنا ابنة حاتم. فقال صلى الله عليه وسلم: هذه خصال المؤمنين حقا .. لو كان أباك مسلما لترحمنا عليه .. خلوا عنها فإن أباها يحب مكارم الأخلاق. والله يحب مكارم الأخلاق.
أما عدي بن حاتم فقد عاد من الشام .. والتحق برسول الله صلى الله عليه وسلم .. في قصة إسلامه المعروفة ، (قال عدي :- بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم حيث بعث فكرهته أشد ما كرهت شيئا قط ، حتى كنت في أقصى أرض مما يلي الروم ، فكرهت مكاني ذلك ، فقلت:-لو أتيت هذا الرجل ، فإن كان كاذبا لم يخف علي ، و إن كان صادقا اتبعته ، فأقبلت ، فلما قدمت المدينة استشرفني الناس ، وقالوا :- جاء عدي بن حاتم ، جاء عدي بن حاتم فأتيته ، فقال لي:- (يا عدي أسلم تسلم ، قلت بلى) ، قال:- (ألست ركوسيا "دين بين النصارى و الصابئين" تأكل المرباع "أي الربع من الغنيمة دون أصحابه")؟ قلت :- بلى، قال :- (فإن ذلك لا يحل لك في دينك) فتضعضعت لذلك ، ثم قال (أسلم تسلم ، فأظن مما يمنعك أن تسلم خصاصة تراها بمن حولي ، و أنك ترى الناس علينا إلبا واحدا ، هل أتيت الحيرة؟ قلت :- لم آتها وقد علمت مكانها ، قال:- (توشك الضغينة أن ترحل من الحيرة بغير جوار حتى تطوف بالبيت و لتفتحن علينا كنوز كسرى بن هرمز)، قلت :- كسرى بن هرمز؟ قال :- (كسرى بن هرمز) مرتين أو ثلاثا ، (وليفيضن المال حتى يهم الرجل من يقبل من ماله صدقه). قال عدي :- فلقد رأيت اثنتين ، و أحلف بالله لتجيئن الثالثة ، يعني فيض المال).
وقد كان لطيء وأهل الجبلين .. إسهاما كبيرا في نصرة الدين الحنيف .. والفتوحات الإسلامية .. والجهاد في سبيل إعلاء كلمة الله. وبعد إن انتقل الرسول العظيم محمد عليه الصلاة والسلام إلى الرفيق الأعلى ، وتولي خلافة المسلمين أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، تمردت بعض القبائل العربية عن أداء الزكاة ، فقال الصديق قولته الشهيرة (والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه) ، فأرسل خالد بن الوليد رضي الله عنه لقتال من ارتد في منطقة الجبلين ممن منع الزكاة ، وبعد أن وصل إلى قرب جبل أجا ، هبط لمناصرته جمع كبير من قبيلة طيء بقيادة (عدي بن حاتم الطائي) واشتركوا مع خالد في موقعة (بزاخة) وأبلوا فيها بلاء حسنا. واستشهد منهم عدد كبير. وانتهت المعركة بنصر المسلمين .. وهرب من سلم من المرتدين ، منهم طليحة بن خويلد ألأسدي .. وقد استشهد في هذه الموقعة الصحابي الجليل (عكاشة بن محصن) ودفن في "الشري" قرب قرية طابه بجبل سلمى وقيل قرب قرية النعي , ولم يقم للمرتدين قائمة بعد ذلك في منطقة الجبلين.
حائل في أعقاب الخلافة العباسية::
--------------------------------------------------
في فترة منتصف القرن الثالث الهجري كان الصراع على أشده في أجزاء الدولة العباسية ، وقد صاحب ذلك ظهور الفرق الدينية و تدخل الوزراء و أصحاب المطامع في شئون الخلافة. ولهذا فقد شغل المؤرخون بتلك الأحداث و لم يكن للصحراء العربية نصيب من التدوين و الأخبار بالقدر الذي يمكن أن يوفر المادة الكافية التي تربط أحداث القبائل في أنحاء نجد ، لذا فقد أصبحت الروايات و الملاحم و الأساطير من الأمور المألوفة في ذكر بعض أحداث نجد و صراعات القبائل فيها.
أما بالنسبة للطائيين في الجبلين فقد ظلت بطون منها في مواقعها في أجا و سلمى و ما حولهما من السهول وموارد المياه ، وقد قامت و نهضت بطون منها و أصبح لها شأن في نجد كلها ، حيث بدأت في التوسع نحو الجنوب الشرقي من نجد و الجنوب الغربي من جنوب نجد حتى مشارف الحجاز.
ولكن يبقى تاريخ حائل غامضا منذ القرن الخامس الهجري و حتى بداية القرن العاشر ، ولكن ذلك لا يلغي وجود النشاط الإنساني فوق أديم تلك المنطقة وبقاء سكانها من بطون طيء و القبائل الأخرى التي كانت تقيم معهم أو حولهم في تلك الربوع.
لمحات تاريخية:: منذ القرن الثاني عشر الهجري
----------------------------------------------------
آل علي | آل رشيد | العهد السعودي
لقد ثبت لدى المؤرخين أن شمر بطن من طيء ترعرع على أرض الجبلين و انتشر في سهولها و جبالها ، وقد ورثت شمر طيئا في السلطة و المكان حتى أصبحت تمثل الثقل لدرجة أن معظم بطون طيء الأخرى انصهرت في اسم القبيلة البديلة التي هي شمر. ومنذ ذلك الوقت بدأت الإشارة إلى وجود قبيلة شمر كقوة في الجبل ، وردت في بعض الحوادث التي دارت في القرن العاشر ، حيث أوردها العصامي في "سمط العوالي" عندما ذكر أن شريف مكة غزا شمر عام 963هـ. إذا فقد كان ظهور شمر على مسرح الأحداث في منطقة الجبلين كقوة تتفاعل مع الأحداث كان في مطلع القرن العاشر الهجري.
آل علي::
------------
كانت لعشيرة "عبده" مكانتها القوية في حائل زمنا غير قصير. وظلت لزعمائها كلمة مسموعة في قبيلة شمر بالذات بعد أن أصبحت في عداد هذه القبيلة. وكان في طليعة أولئك الزعماء آل جرباء. وقد كانت زعامة بلدة حائل كبرى بلدان حاضرة قبيلة شمر لأناس ينتمون إلى "عبده" و هم آل علي. إلا أن المعلومات عن آل علي خلال القرن الثاني عشر الهجري ، الذي شهد تغير تاريخ منطقة نجد بقيام دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب ، معلومات نادرة جدا. بل إنها تكاد تنحصر في ذكر أسماء بعض الأفراد الذين تولوا الإمارة فقط. ومن هولاء "محمد بن عيسى بن علي" الذي كان مشهورا بالكرم إلى درجة كبيرة.
كانت مساكن آل علي في أسفل بلدة حائل في مكان يعرف بـ "السويفلة". ثم بنى زعماء تلك الأسرة لهم قصرا في مكان يقال له "الوشيقي" على بعد ثلاثة أكيال من مساكنهم الأولى. ومن خلال القليل المتوفر في التأريخ فأن أول أمير من آل علي عرفه السكان المتأخرون في منطقة حائل هو :
1- محمد بن عيسى بن علي آل علي: الذي كان مشهورا بالكرم إلى درجة كبيرة.
2- محمد بن عبد المحسن بن فايز بن محمد بن عيسى بن علي آل علي: تولى الأمارة أكثر من ثلاث وثلاثين سنه وقد أغتاله (الحبشى) أحد رجال (ابراهيم باشا) حيلة في مقصورة (الداحس) وتقع على جانب وادي جبل عيرف الجنوبي سنه 1234هـ وحمل رأسه معه وقيل أنه أغتاله في بيته. ودفن في مقبرة الزبارة بحائل وقبره لايزال معروفاً إلى اليوم.
3- صالح بن عبد المحسن بن علي: تولى الأمارة بعد مقتل أخيه مباشرة على الأرجح سنه 1234هـ.
4- عيسى بن عبيد الله بن علي: تولى الحكم على حائل في سنة 1253هـ بمساعدة القوات التركية و تمكن من جعل عبدالله بن رشيد يغادر حائل. إلا أنه وفي نفس السنة تمكن عبدالله من استرداد الحكم والهيمنة عليه ، والقضاء نهائيا على نفوذ آل علي في حائل.
آل رشيد::
---------------
آل رشيد ينتمون إلى الفخذ الذي ينتسب إليه آل علي وهو آل جعفر أحد بطون عبده. وقد كانوا أبناء عمومة إلا أن خلاف وقع بين أمير الجبل في ذلك الوقت "صالح بن عبدالمحسن" و الأخوة "عبدالله بن رشيد" و "عبيد بن رشيد" ، بسبب ضعف رأي و ميل أمير الجبل إلى الدعه و السكون بينما كانت قبيلة عنزة بقيادة "سعدون العواجي" تضايق بادية شمر في مراعيها غير البعيدة من حائل. فخرج مئة و خمسون رجلا من حاضرة الجبل لنجدة قبيلة شمر رغم معارضة الأمير. وقد كان الأخوين "عبدالله" و "عبيد" ممن خرج لمساعدة تلك القبيلة ، و أبلي بلاء حسنا في معركة انتهت بانتصار شمر على عنزة. وهذا ما أغضب الأمير "صالح" فقام بنفي الأخوين من بلدة حائل.
كان لعبدالله بن رشيد مشاركة مع الإمام فيصل بن تركي - في وقت لاحق - بتخطيطه الجيد و تنفيذه البارع في عملية القضاء على مشاري بن عبدالرحمن وقد كان الأخير معارضا للإمام فيصل. كان لتلك المشاركة الأثر الكبير في نفس الأمام فيصل مما دعاه إلى مكافأة "عبدالله بن رشيد" بتعينه أميرا لجبل شمر و عزل "صالح بن عبدالمحسن بن علي".
1- عبد الله بن علي آل رشيد: بداية حكمه سنه 1254هـ الموافق 1838م إلى سنه 1265هـ الموافق 1848م وقد مات موتاً طبيعياً . أنتزع الأمارة من آل علي بعد صراع طويل ومرير وبعد أن أثبت لأبناء الجبلين هو وأخوه عبيد غيرتهما على المنطقة ضد القبائل التي كانت تهاجمها وتنهب وتسلب وتهين كرامة المواطنين , وأستطاع بالشجاعة والأقدام تأديب هذه القبائل المعادية وطردها عن حدود المنطقة.
2- طلال بن عبد الله بن رشيد: قتل نفسه سنة 1285هـ فقد أصيب بمرض فقال له الطبيب إدا زال المرض ولم تمت فتصاب بالجنون فقتل نفسه.
3- متعب العبد الله بن رشيد: وهو أول قتيل من الأسرة قتله أبن أخيه بندر بن طلال بن رشيد سنه 1285هـ.
4- بندر بن طلال بن عبد الله بن رشيد: قتله عمه محمد العبد الله بن رشيد سنه 1289هـ في أسفل شعيب الأديرع.
5- محمد العبد الله بن رشيد: مات موتاً طبيعياً سنه 1315هـ وقد أزدهر حكم الرشيد في عهده وأمتد فشمل الرياض ووادي الدواسر و الجوف.
6- عبد العزيز بن متعب بن رشيد: قتل في روضه مهنا سنة 1324هـ على يد أنصار الملك عبد العزيز آل سعود في أحدى غزواته.
7- متعب بن عبد العزيز آل رشيد: قتله خاله سلطان بن حمود آل عبيد سنة 1326هـ.
8- سلطان بن حمود العبيد آل رشيد: قتله أخوه سعود سنة 1326هـ وتولى الأمارة.
9- سعود بن حمود العبيد آل رشيد: قتل سنة 1327هـ بعد عودة السبهان بسعود بن رشيد من المدينة وهم أخوال الأمير سعود.
10- سعود بن عبد العزيز آل رشيد: قتله عبدالله بن طلال بن نايف بن طلال بن عبد الله آل رشيد في موقع يقال له ( الغبران ) في شرق جبل أجا , طمع بالحكم فقام أحد رجال سعود وهو درعان الدرعان بقتل عبد الله في الحال , وكان قد خرج للنزهة وأعادوهما جثتين على بعير واحد سنة 1338هـ.
11- عبد الله بن متعب بن رشيد: وقد تولى الأمارة فترة قصيرة من الوقت فخاف على نفسه وهرب والتجأ إلى الملك عبد العزيز سنة 1339هـ فأستقبله وأكرمه.
12- محمد الطلال بن رشيد: وعلى يديه انتهى حكم آل رشيد في 29 صفر سنة 1340هـ ، وبدأ الحكم السعودي.
العهد السعودي::
------------------------
وقد بدأ العهد السعودي في يوم الاثنين 29 - 2- 1340هـ الموافق 2 نوفمبر 1921م حيث:
1- عهد المغفور له جلالة الملك عبد العزيز بإمارة حائل إلى إبراهيم السالم السبهان 1340هـ.
2- الأمير عبد العزيز بن مساعد بن جلوي ..وقد تسلم إمارة حائل أواخر عام 1341هـ وبقي في الأمارة لمدة 50 عاما إلى إن استقال من عمله 28 صفر 1391 هـ.
3 - الأمير فهد بن سعد بن عبد الرحمن آل سعود وقد توفي بعد فترة قصيرة .. لا تزيد على بضعة أشهر.
4- الأمير سعد بن فهد بن سعد آل سعود 1392هـ.
5 - الأمير مقرن بن عبد العزيز آل سعود 1400هـ.
7- الأمير سعود بن عبدالمحسن بن عبد العزيز بن عبدالرحمن آل سعود أمير منطقة حائل الحالي منذ العام 1999م-1420هـ.
الموقع الجغرافي
تقع مدينة حائل في منطقة جبل شمر غربي وادي الاديرع الذي يعرف أيضا باسم وادي حائل ووادي الديعجان. وتمتد المدينة على شكل قوس حول جبل السمراء ويحدها جبل اجآ من الغرب وجبل أم الرقاب من الشمال وجبل شمره من الشرق . أما من حيث التنظيم الإداري فيحد حائل من الشمال منطقة الحدود الشمالية ومنطقة الجوف، ومن الجنوب منطقة القصيم وتشترك في الحدود الإدارية الشرقية مع منطقة الرياض ، ومن الغرب مع منطقة تبوك ومنطقة المدينة المنورة. ويبلغ ارتفاع حائل عن سطح البحر 980 مترا ، وقد يصل إلى ألف متر عند الحافة الغربية . ويمتد وادي حائل في اتجاه الشمال الشرقي عبر ممر ضيق يصل المدينة بجبل شمره ، وتشكل صحراء النفوذ الكبير الجزء الشمالي من المنطقة. أما مساحتها فهي 118،332 كيلو مترا مربعا.
التضاريس
-------------
تتميز منطقة حائل بكثرة تضاريسها وتباينها واختلافها ما بين سهول وأودية وجبال وتكوينات رملية وممرات وتكوينات صخرية.
المناخ
---------
مناخ حائل قاري ترتفع فيه الحرارة صيفا وتنخفض شتاء، وقد يحدث فارق حراري في اليوم الواحد. ويوجه العموم فان درجات الحرارة في الصيف نادرا ما تتعدى الأربعين درجة، أما في الشتاء فتنخفض كثيرا وتصل أحيانا إلى تحت درجة التجمد . وتسقط الأمطار عادة في فصل الشتاء ، وقد تكون مصحوبة بالبرد، وسقوط الثلج نادرا جدا ، وسبق إن شهدته المنطقة في ربيع عام 1402هـ .
من التاريخ
---------------
يكاد لا يخلو كتاب يتناول تاريخ شبه الجزيرة العربية أو جغرافيته، من ذكر مدينة حائل ، ذلك أن موقعها الاستراتيجي المهم قد جعلها على الدوام في قلب الأحداث التي مرت بالمنطقة منذ أقدم الأزمان. وقد أطلق عليها اسم مفتاح الصحراء نظرا لكونها المعبر الرئيس للمتجهين شمالا أو جنوبا في شبه الجزيرة. وكانت حائل معبرا لجيوش المسلمين الذين اتجهوا شرقا و غربا للدعوة إلى الله والجهاد في سبيله، كما أنها كانت ممرا لحجاج بيت الله الحرام القادمين من العراق والشام ، إضافة إلى القبائل النازحة إلى الجنوب. وحين تركت مطامع الدول الأوروبية في القرن التاسع عشر ، واتجهت بأنظارها إلى شبه الجزيرة العربية ، بعثت هذه الدول إلى حائل عددا من الرحالة لتفقد أحوالها ، والتعرف على أوضاع شبه الجزيرة العربية من خلالها ، فزارها الفنلندي آلان سنة 1845م. وألف عنها كتابا اسماه (صورة من شمال جزيرة العرب)، والانجليزي وليم بلجريف سنة 1864م، والانجليزية ليدي آن بلنت سنة 1879م، ووضعت عنها كتابا، والفرنسي شارل هوبير الذي زارها مرتين سنتي 1883م و1884م، والانجليزية جرترودبل. وهي مساعدة المندوب السامي البريطاني في العراق. وقد أوردت مشاهداتها في مدينة حائل في مذكراتها، كما زارها عدد من الأمريكيين ومنهم مايكل بارون الذي نال شهادة الدكتوراه من جامعة ميتشيجن عن الرسالة التي وضعها عن تاريخ حائل . ومن الواضح إن هذا الاهتمام كان يتناسب مع أهمية حائل وموقعها اللذين اشرنا إليهما ، والمميزات الطبيعية التي تتصف بها ، وبخاصة جبلي (أجا و سلمى) اللذين وصفتهما ليدي بلنت بأنها لم تر خلال رحلاتها الكثيرة جبالا تشبهما.
من المعالم الأثرية
------------------------
تعتبر منطقة حائل من أغنى مناطق المملكة بالآثار لما سبق ذكره من اتصال حضارتها ببعض حضارات ما قبل الإسلام وما بعده. وقد قامت إدارة الآثار والمتاحف في وزارة المعارف بعدة كشوف أثرية في المنطقة لمعاينة الآثار وتحديد مواصفاتها. من أهم المعالم الأثرية عدد من القلاع والقصور في مدينة حائل تعود إلى العهد العثماني.
ياطب
وهي موقع اثري شرقي حائل على مسافة 38 كلم، وتوجد على صخوره كتابات ثمودية ورسوم.
جانين
وهو جبل كبير شرقي حائل ، ويقع على مسافة 60 كيلو مترا، ويضم الجبل كهفا طبيعيا حفرت على جدرانه كتابات ثمودية وامهريه ورسوم لأشخاص وحيوانات.
فيد
وهي واحة قديمة كانت محطا للراحلين شمالا وجنوبا، كما يمر منها درب زبيدة الشهير.
جبل حبشي
وهو منطقة غنية بآثارها من بقايا الدور والأبراج والمقابر التي يعتقد أنها تعود إلى أكثر من أربعة آلاف سنة، كما عثر فيها على سيوف وأشياء أخرى، ويطلق على هذا المكان أيضا اسم العظيم.
الثعيلبي
وهو يقع بين العظيم وسميرا وفيه صفوف من الحجارة الممتدة إلى مسافة تقارب 750 مترا.
توارن :
تقع شمال غرب حائل وفي مدخل الوادي آثار حصن لا تزال باقية ويقال أنها ترجع إلى حاتم الطائي وفي وسط القرية يوجد قصر من الطين وبجواره مقبرة صغيرة فيها قبرين طويلين يقال إن احدهما قبر حاتم الطائي والموقع يعود إلى ما قبل الإسلام
الماوية:
موقع اثري يعود إلى العصر الثمودي وفيه بعض المدافن الحجرية الأثرية وعددها تسعة مقابر وكذلك فيها مجموعة من الكتابات الثمودية
أهم المحافظات في منطقة حائل:
محافظات المنطقة
محافظة بقعا
ومن القرى والمراكز التابعة لها ما يلي
تربة -الخوير-ضبيعية-الزبيرة-الأجفر-الحيانية-اشيقر-الشيحية-الشعيبة المَيَّاه
محافظة الشنان
ومن القرى والمراكز التابعة لها ما يالي
فيد-الشنان-الجحفة-السعيرة-العُظَيم-العدوة-المضيح-عقلة بن طوالة-الساقية-عقلة بن داني- رك -النعي –الببر - الصفرا - السبعان
محافظة الغزالة
ومن القرى والمراكز التابعة لها ما يلي
الحليفة السفلى - الحليفة العليا - البعايث - الحائط - انبوان - ألسليمي- النحيتية - ريع البكر - صفيط - مراغان - المعرش - قاع حجلا - فيظة اثقب - الرابية - العيثمة - المستجدة - الشويمس - العجاجة - سقف - الرقب - المرير - عقلة بن جبرين – وسيطا الحفن - ضرغط - روض بن هادي
وهناك الكثير من المدن والقرى الأخرى ومنها مايلي
العدوة – طابه – السبعان – الجحفة – البير – الصفراء – عقلة بن طواله – الجثامية – اللقيطة – توارن – جبة – الشعيبة- تربة – الأجفر – عقلة بن داني – الشعلانية - ألشملي- سميرا-الروضة-بيضاء نثيل-موقق-الخطة -القاعد-الحفير-قناء-الشقيق- أم القلبان-عمائر بن صنعاء-قصر العشر وات-الودي-قفار-عقدة-النيصية-العش-دليهان- وغيرها كثير
لمحات تاريخية:: التسمية
بعيدا عن المعنى اللغوي لمفردة "حائل" و اجتهادات اللغويون في تعقيد هذا الاسم وإعادته إلى أصوله اللغوية ، فأننا سنكتفي ببعض الروايات التي طرحها الباحثون في هذا الإطار ابتداء باحتمال إنها "كانت تشكل حائلا بين وسط جزيرة العرب وسواد العراق" أو "بين ديار العرب و ارض الروم وبلاد الأنباط والشام" ثم وصولا إلى تسمية "حائل" لوجودها على ضفة وادي الأديرع ، فعندما يسيل هذا الوادي ، فأنه يحول بين سكان الجبلين ويمنعهم الاتصال فيما بينهم. بمعنى إن التسمية تطلق أساسا على الوادي وهو "الأديرع" الذي حظي بأكثر قدر من القبول لدى الباحثين. وقد ورد
اسم "حائل" في كتب الأقدمين كثيرا .. فذكرها كل من :
* عباس الموسوي في كتابه "لمع الشهاب" وقال إنها "شام نجد".
* أبو سعيد الضرير قال: حائل بطن واد بالقرب من أجا.
* ياقوت الحموي قال: حائل واد في جبل طي.
* الهجري قال: هو واد يفلق بين الرمال وأجا.
أما ما يعرف سابقا باسم "القرية" على إنها أقدم أماكن الاستيطان والتحضر على ضفة وادي حائل "الأديرع" الشرقية ، فهي ما يسمى الآن "السويفلة". وقد اخذ الشيخ حمد الجاسر بقول "موزل" ، إن قرية حاتم هي السويفلة ، التي كانت نواة حائل المدينة والتي استقر بها الطائيون. وقد ورد في تاريخ بن جرير اسم "مناع" إشارة إلى جبل أجا في قصة تشير إلى إن الطرماح بن عدي الطائي عرض على الحسين بن علي رضي الله عنهما ، عندما خرج على يزيد بن أبي سفيان ، بان يسير معه حتى يصل إلى "مناع" ، حيث امتنعت به طيء عن ملوك غسان وحمير والنعمان بن المنذر .
كما ورد أيضا اسم "القرية" في نفس القصة التي أوردها الشيخ حمد الجاسر في المعجم الجغرافي في قسمه الأول.
لمحات تاريخية: نبذه
----------------------------
لا احد يستطيع إن يحدد تأريخا بعينه لنشأة المدينة ... غير انه من المؤكد إنها نشأت في عصور ما قبل الميلاد ... وهو ما يجمع عليه المؤرخون بدليل وجود العديد من الآثار "الثمودية والنبطية والحبشية". ومن أشهر من سكنها قبل الإسلام قبيلة طيء التي ينتسب إليها "حاتم الطائي" الذي كان ولا يزال مضرب المثل في الكرم. وكذلك نشأتها تعود بالتقريب لأكثر من ألف سنة حيث يؤسس الاستنتاج هذا على وجود بعض الآثار في أسفل مدينة حائل التي تسمى "السويفلة" و "الربيعية" و "الجر" ، إضافة إلى وجود بعض المساجد التي تتجه صوب بيت المقدس ، وقيل إن بعضها أثار لمعابد قديمة قبل ظهور الإسلام. وقد استمدت منطقة حائل أهميتها التاريخية من خلال موقعها المتميز والفريد وقد وصفها بعض المستشرقين بأنها "مفتاح الصحراء" نسبة لذلك الموقع. فهي تقع على مفترق الطرق المؤدية للشام والعراق حيث معقل الحضارات القديمة ، كالبابلية والآشورية. وهي أيضا فيما بعد معبر جيوش الفتح الإسلامي جهة الشمال. هذا الموقع الاستثنائي حينما يضاف إليه مستوى التحصين الطبيعي الذي وهبه لها الخالق سبحانه من جبال ورمال وما تميزت به المنطقة من خصوبة لا توفرها الصحاري عادة .. كل هذا جعلها جزء من حركة التاريخ على مر العصور .. وأحداثه. وإذا كان المؤرخون قد سجلوا شيئا من تأريخها في كتبهم وأبحاثهم فإن المنطقة لا تزال تحتفظ بالكثير الكثير من حكايات التاريخ ورواياته والتي لا تزال مطمورة مع أثارها.
لمحات تاريخية:: السكان عبر التاريخ
---------------------------------------------------
أقدم الحضارات الهجرات السامية
---------------------------------------------
إذا كان كثير من المؤرخين يقطع بان الطائيين هم أول من استقر في هذه المنطقة كحضارة بعد خروجهم من اليمن في إعقاب انهيار سد مأرب وخروج العديد من القبائل العربية إلى مواقع مختلفة في الجزيرة وبلاد الشام فان ثمة من يؤكد سكنى قبائل عربية أخرى لهذه المنطقة قبل قبيلة طيء منها :
1- أشارت بعض الدراسات إلى أن سكانها الأقدمين هم من العرب البائدة .. استنادا إلى تلك النقوش الثمودية .. وهذا ما تؤكده الدكتورة "وفاء النديوني" في كتابها "شعر طيء وإخبارها في الجاهلية والإسلام".
2- بني اسد بن خزيمة حيث تشير بعض المصادر إلى نزول طيء جوار بني أسد ثم انتزاعها جبلي أجا وسلمى من بني أسد ونسبتها فيما بعد لطيء كما ذكر المقريزي.
3- قبيلة غطفان بن سعد بن قيس عيلان العدنانية .. وكانت منازل هذه القبيلة من وادي القرى جنوبا على امتداد الحرات حتى تتصل بجبال طيء من جهتها الجنوبية.
4- أخلاط من قبائل أخرى كقبيلة *** بن وبرة وهي بطن من قضاعة وبطون من قبيلة تميم القبيلة العدنانية الكبيرة.
ويشير "هشال بن عبد العزيز الخريصي" في كتابه "قبيلة شمر متابعة وتحليل" إلى رواية للمؤرخ احمد الموح .. يؤكد فيها على وجود دلائل لديه ترجح وجود دولة باسم "شمر" في منطقة نجران جنوب الجزيرة العربية في عهود قديمة جدا.
ويشير في الهامش إلى كتاب أخر بعنوان "مثير العجب في تمحيص تاريخ العرب" لمؤلفة زاهر بن احمد عبيد الخزرجي الأنصاري الدمشقي صفحة 139 قال انه يحتوي بحثا بعنوان "حضارة شمر" نحو 350 - 2000 قبل الميلاد. و شمر اسم يطلق الآن على طيء بأسرها .. حتى إن جبلي أجا وسلمى يعرفان بجبل شمر. غير إن العديد من الأسر من قبيلة بني تميم قد استوطنت بلاد الجبلين منذ أمد بعيد .. حتى قيل إن كثيرا من فروع بني تميم هاجروا إلى بلدة "قفار" في منطقة حائل الواقعة جنوب مدينة حائل وتتوزع هذه الأسر العريقة في مختلف قرى منطقة حائل ، كقرى "رمان" وتشتهر هذه الأسر الكريمة بالجود والكرم .. حتى أصبحوا مضرب المثل في الشهامة والجود والكرم.
وقد تناقل الشعراء والرواة الكثير من قصص جودهم وشجاعتهم في جميع إرجاء الجزيرة العربية . .. وقد تعايش الجميع من طيء وتميم وأبناء مختلف القبائل في منطقة حائل كأسرة واحدة.
جزيرة العرب مهد أقدم الحضارات::
-------------------------------------------------
أكدت البحوث والدراسات العلمية أن جزيرة العرب في العصر الجليدي الرابع 100- 15 ألف سنة قبل الآن. كانت تتمتع بمناخ خصب في جميع فصول السنة , وذلك بخلاف ما آلت إلية فيما بعد حيث انتشرت الصحاري والرمال وعم الجفاف فكانت أوديتها الجافة حاليا أنهارا تغذي حياة حضارية مزدهرة عمادها الزراعة التي تعتبر أهم وأجدى الاكتشافات الإنسانية حتى الآن.
وأكدت البحوث والدراسات أيضا إن الزراعة اكتشفت وطبقت على مدى ألاف السنين , وعندما حل الجفاف في جزيرة العرب فإن ذلك أدى إلى موجات هجرة الشعوب السامية القديمة باتجاه مناطق الجوار - الشام العراق ومصر - فأقاموا هناك حضارات متطورة عندما كانت جميع أصقاع الكرة الأرضية غابات مظلمة مجهولة أو مناطق تكسوها الثلوج ويغطيها الصقيع على مدار السنة.
وتطرقت كثير من البحوث والدراسات العلمية إلى العديد من المواضع في جزيرة العرب التي كانت مهدا لأولى الحضارات البشرية والإبداعات الإنسانية الرائدة , ومن بين هذه المواضع منطقة حائل ولاسيما الجزء الشمالي منها الذي أصبح الآن تغطي معظمه رمال النفوذ.
منطقة حائل منطلق الهجرات السامية الأولى::
---------------------------------------------------------------
حسب المعلومات المتوفرة الآن فإن من الواضح أن الهجرات السامية الأولى من جزيرة العرب اتجهت إلى غرب شمال الفرات حيث تأكد حتى الآن أن موقع تل المريبط الواقع غرب الفرات ثمانون كيلو مترا شرقي مدينة حلب السورية هو أقدم موقع أثري أقامه مهاجرون من جزيرة العرب قبل أحد عشر ألف سنة من الآن. فمن أين أتى هؤلاء المهاجرون , وكيف ومن هم؟
يجيب على هذه الأسئلة الثلاثة العالم العراقي الدكتور أحمد سوسة في كتابه "حضارة وادي الرافدين" الصفحة 56 فيقول: "هناك شبه إجماع على إن المنطقة الجنوبية من جزيرة العرب هي الوطن الأصلي للشعوب السامية التي نزحت من جزيرة العرب إثر الجفاف الذي حل بها في إعقاب الدورة الجليدية الرابعة.
وقد توجهت هذه القبائل إلى شمال الجزيرة العربية ومن هناك توزعوا في الهلال الخصيب , وكونوا حضارتهم فيها وفي جملتها حضارة وادي الرافدين الشمالية , أو الحضارة السامية الغربية , وهذه تتميز عن الحضارة السامية الشرقية , أي الاكدية الجنوبية بلهجتها وأسماء العلم لديها . وكان الساميون الغربيون أعظم بأسا وأشد رغبة في التوسع لأنهم كانوا يحصلون على المدد البشري المتزايد من الصحراء كما هي الحال بالنسبة إلى جميع القبائل البدوية , وهم أقرب الى الكنعانيين الذين استوطنوا غربي بلاد الشام.
وهؤلاء هم أقدم وأول المهاجرين من جزيرة العرب إلى الهلال الخصيب لقدومهم من البادية - بادية الشام - وقد جاءوا إلى شمال وادي الرافدين وهم مزودون بحضارة نهرية وخبرة فنية في حقل الزراعة التي تعتمد على الري واستخدموا هذه الخبرة في ممارسة الزراعة في وطنهم الجديد.
من ذلك يتضح جليا دور منطقة حائل في العصور القديمة فهي أقرب مناطق شبه الجزيرة إلى بادية غرب الفرات ولا يمكن العبور إلى غرب شمال الفرات بالذات إلا من هذه المنطقة.
لمحات تاريخية:: طيء
-------------------------------
أيام الطائيين | حرب الفساد | المناذرة | الغساسنة |كندة |
منطقة حائل وهجرة الطائيين إليها::
-------------------------------------------------
تمتد جبال الحجاز شمال المدينة نحو الشمال الشرقي حتى مدينة حائل فتكون منطقة مرتفعة كانت تعرف ببلاد الجبلين ( أجا وسلمى ) أو جبلي طيء وذلك بعد نزوح قبيلة طيء من اليمن إليها , كما يطلق عليها جبل شمر , وذلك نسبة إلى اسم القبيلة التي نزحت بعد ذلك وهي إحدى بطون طيء , حيث ذاعت شهرة حائل فغدت قصبة جبل شمر والحاضرة الأميرية الهامة في بلاد العرب في العصر الحديث.
كانت تسكن هذه المنطقة قبل نزوح قبيلة طيء إليها من العرب البائدة عاد وثمود , يدلنا على ذلك تلك النقوش والحفريات وما عثر عليه من آثار ثمودية بها.
أما وقت هجرة الطائيين إلى نجد ونزولهم الجبلين فقد تضاربت الروايات التاريخية في ذلك , فرواية ابن ال***ي تشير إلى وجود بقايا من بني صحار الذين نزحوا من ارض اليمن ، فهو يذكر انه حينما سار طيء بإبله و ولده حتى نزل الجبلين راى شيخا عظيما جسيما مديد القامة على خلق العاديين ومعه امرأة على خلقه , فسألهما عن أمرهما فأخبر الشيخ انه من بقايا صحار , وأنهم أقاموا بهذين الجبلين عصرا بعد عصر , وعندئذ طلب طيء مشاركة الشيخ الصحاري في ذلك الموضع حتى يكون له مؤنسا وخلا , فوافق الشيخ على ذلك , لكنه لم يلبث إلا قليلا حتى هلك , فخلص المكان لطيء وولده.
لكن الرواية الأخرى تقول بأن الطائيين عندما نزحوا من واديهم طريب باليمن إلى الجبلين , وجدوا زعيم جديس بعد أن أفلت من ملك حمير حسان بن تبع , وقد أفضى به الهرب حتى لحق بالجبلين قبل نزوح طيء اليهما ، ويرى احد الباحثين أن هرب الاسود بن غفار زعيم الجديسيين كان في أواخر القرن الثاني الميلادي.
ثم تستطرد هذه الرواية التاريخية حيث تشير إلى قيام الطائيين بمحاربة جديس بقيادة زعيمهم الاسود بن غفار والانتصار عليه , وان الذي حاربه لم يكن طيء (جلهمة) ولكنه هو عمرو بن الغوث بن طيء.
وتذكر هذه الرواية سبب نزوح الطائيين وهجرتهم إلى نجد من اليمن فتقول : انه لما تفرق بنو سبأ أيام سيل العرم سار جلهمة نحو تهامة , ثم وقع بينه وبين عمومته ملاحاة ففارقهم وسار نحو الحجاز بأهلة وماله , ومضى يتتبع مواقع القطر - حتى انه سمى طيئا لطيه المنازل - حتى أوغل بأرض الحجاز , فمكث بها فترة ثم نزح منها إلى وادي حائل في إقليم نجد. لم يكن طيئ جلهمة في الواقع معهم في ذلك الوقت , وإنما كان احد أحفاده وهو أسامة بن لؤي هو الذي قادهم إلى ذلك المكان , عندما عثروا على ذلك الوادي بين الجبلين حيث الخصب والنماء والمناخ المناسب , فأجا ذلك الجبل ووادي حائل وهواؤهما كان أطيب الاهوية حينذاك.
كما يصف هشام بن محمد ال***ي هذا الموضع من حيث خصوبة تربته وكثرة أشجاره : فيقول: "والمكان واسع والشجر يانع والماء ظاهر و الكلا عامر" وحيث الخصب والنماء وكثر النخل في الشعاب والمواشي.
وكانت طيء وبطونها تسكن الجوف من أرض اليمن , وكان مسكنهم واديا يدعى طريبا , وفي وادي أذنه بالقرب من مأرب , كما كانت مساكنهم أيضا في وادي يهريق وبيحان , وكانت إذ ذاك إحدى المدن ذات الحضارة القديمة ، كذلك سكنوا قصور براقش وغيرها من المدن في بلاد اليمن السعيد.
والظاهر أن نزوحهم لم يحدث دفعة واحدة على اثر انهيار سد مأرب سنة 115 ق. م , وإنما حدث ذلك على فترة زمنية , وذلك لان هذا السد قد تعرض للعديد من الانهيارات , وما كانوا يعانونه من سوء الأحوال في أعقاب انهيار في كل مرة , مما كان يدفع بالطائيين وغيرهم إلى التخلي عن مواطنهم حيث الأودية والمناطق الخصبة في كل من الجوف وبيجان واذنه وطريب , وهجرتهم نحو الشمال.
ومن خير الأدلة على ذلك أن هجرتهم هذه لم تقتصر على منطقة حائل وحدها , وإنما كما يذكر الهمداني كان نزوحهم بعد ذلك إلى جهة تيماء والى دومة الجندل من إقليم الحجاز.
وكذلك ما كان من شيوع ذكر طيء خلال القرن الثالث الميلادي في كل من نجد والحجاز , حتى صارت طيء ترادف كلمة العرب في سائر أنحاء الجزيرة عند الفرس والسريان وغيرهم من الأمم المعاصرة.
ومما يدعم ذلك الرأي انه لم تكن إحدى بطون طيء لتقوى على انتزاع بلاد الجبلين من بني اسد وفقا لرواية ابن خلدون , لولا غلبة تلك البطون الطائية وانتشارها في تلك المناطق والجهات , وهكذا تظهر أهمية تلك الهجرة الكبرى الأخيرة بقيادة أسامة بن لؤي إلى الجبلين , وكان سيد طيء آنذاك.
كما تفيد رواية ابن خلدون أن نزول كل من بني فطرة وبني الغوث كان في فيد ، وفي سميراء في جوار بني اسد أولا , ثم صارت لهم الغلبة على هذه القبيلة فكان نزولهم عندئذ في أجا وسلمى ووادي حائل واستقرارهم بعد ذلك فيها.
ويذكر أبو عبيد السكوني أن أجا نزلت به ثعل احد بطون طيء , وان سائر بني الغوث وبني نبهان كان نزولهم بسفح سلمى , أما بنو جديلة البطن الثالث من بطون طيء فلم يكن لهم في الجبلين نصيب , يتضح ذلك من رواية ابي عبيدة عندما اشترط عمرو بن الغوث حينما صارع زعيم جديس فقتله , وهكذا نزلت جديلة السهل أو الوادي بين الجبلين.
وقد أطلق ابن ال***ي على هذا الوادي اسم حائل , ولم تمض فترة من الزمن حتى شاع ذكرها على بلاد طيء جميعها , ويشير إلى ذلك الهمداني عند حديثة عن الريان احد قمم جبال أجا فيذكر أن في أسفله أدنى مياه حائل , وكما يصف القرية حائل فيقول: "هو بلد مثل يد المصافح يرى فيه الراكب من مسافة نصف نهار في وسطه رملة يقال لها رملة الاطهار".
ومن الواضح أن حائل لم يكن لها شأن يذكر قبل نزول الطائيين بواديها , واستحواذهم على السهل والجبل , حيث ارتبط اسمها بأمجادهم وأيامهم , وان غلب عليها اسم الجبلين ( أجا وسلمى ) أو جبلي طيء.
لم تكن حائل هي الموطن الوحيد للبطون الطائية بطبيعة الحال بل كانت خلال العصر الجاهلي هناك مواطن أخرى لها أقدم منها مثل فيد وسميراء والاجفر التي نزلوا بها قبل غيرها من المنازل , وقد حظيت بالشهرة مثل مدينة فيد منذ العصر الجاهلي.
أيام الطائيين مع قبائل العرب الأخرى::
-------------------------------------------------------
كان من أهم تلك الحروب إلى خاضتها قبائل طيء ما وقع بينها وبين قبيلة اسد المجاورة لها , فقد عملت تلك القبائل منذ نزولها على التوسع والاستيلاء على مواضع الكلأ والماء , فمن ذلك محاولة الطائيين امتلاك "الحساء" المنسوب إلى ريث , وعلى موضع آخر يسمى قراقر , يقول عنه ياقوت: وهو قاع ينتهي إلى وادي حائل تسيل إليه أودية ما بين الجبلين , وكان منزلا يقع إلى الطريق المتجه إلى مكة حيث كانت تدعية كل من اسد و طيء كما يذكر البكري. موضعا ثالثا كان محل نزاع يسمى "ظلامة" وهي قرية أخذتها اسد من بني نبهان القبيلة الطائية فسموها ظلامة لأنهم أخذوها ظلما.
كانت الغارة والحرب سجالا بين الطرفين حيث كانا يتعاقبان النصر والهزيمة ,حتى اجتمعت غطفان واسد كما يقول الطبري: "فأزاحوها عن دارها في الجاهلية غوثها وجديلتها فَكره ذلك عوف - وهو ذو الخمارين عوف الجزمي - وقطع ما بينه وبين غطفان وتتابع الحيان على الجلاء , وأرسل عوف إلى الحيين من طيء فأعاد حلفهما وقام بنصرتهم فرجعوا إلى دورهم".
وقد أعقب ذلك أن بذلت شيوخ اسد جهودهم في سبيل الصلح وعقد حلف مع طيء , فتم ذلك في عداد الجيرة أو الجوار و أصبح يقال لبني اسد وطيء الحليفان وذلك بعد حروب لم تدم طويلا بينهم وكما يقول القلقشندي: "بعد أن ملكت طيء ديار بني اسد الواقعة من جهة الشرق والجنوب من الجبلين بعد أن كانوا نازلين بها ".
كان من اشهر أيام العرب التي وقعت بين الطائيين وبني اسد بعد عقدهم الحلف بينهم يوم ظهر الدهناء , وكان سبب العودة إلى نشوب الحرب , أن بشر ابن ابي حازم الاسدي كان قد هجا اوس بن حارثة , فطلبه اوس فلجأ الى قومه بني اسد , فرأوا أن تسليمه من العار عليهم فأبوا ذلك , فجمع لهم اوس وكان سيدا مطاعا في قومه من بني جديلة وبني رومان حيث تلاقيا بظهر الدهناء , فأوقع بهم أوس وظفر بهاجية بشرا بعد أن تمكن من قتل الكثيرين منهم.
ومن الأيام التي تذكرها مصادر التاريخ والأدب ما وقع بين قبيلة عنترة العبسي والطائيين , فقد تعاقبت بينهم الغارات والحروب , والتي كان من أهمها تلك الغارة التي شنها بنو ثعلبة من بقية جديلة على بني عبس , وأدت إلى قتل عنتر بن شداد العبسي. وقد بلغ من شهرته حينذاك في أعمال الغزو والقتال شأن بعيد , حيث ظل بنو رومان الطائيين يفخرون بذلك فترة طويلة.
ومن الجدير بالذكر أن تفاخر طيء بقتلها عنتر , لم يكن مثيرا للعصبية التي عرفت بعد ذلك بين عرب الجنوب وبين عرب الشمال العدنانين , فقد أشارت المصادر إلى تحالف كل من بني جديلة مع بني شيبان والى محاربتهما عبس في ذلك الوقت.
كما يذكر ابن الاثير من أيام العرب يوم النسار , وكانت طيء قد تحالفت مع كل من اسد وغطفان على بني عامر آنذاك , فكان لقاؤهم بالنسار بين تلك الجبال التي عرفت بذلك , حيث قاتلوا بني عامر قتالا شديدا , فكان أن غضبت تميم , لما نزل بهم , فتحالفوا معهم , حتى لقوا طيء ومن حالفها في يوم الجفار بعد ذلك , فقاتلت طيء اشد ما قاتلت مع عامر يوم النسار.
ولم تكن قبائل طيء لتسكت عن هزيمتها , فقد نهض زيد الخيل بن مهلهل الطائي المشهور يومئذ , فجمع أخلاطا من بطونهم وجموعا أخرى من الصعاليك , فغزا بهم بني عامر ومن جاورهم من العرب , ويصف الاصفهاني نقلا عن ابي عمرو الشيباني تلك المعركة بعد أن سار إليهم زيد الخيل فيقول: فصبحهم من طلوع الشمس فاستعدوا له وفزعوا إلى الخيل فركبوا , فكان أول من غدر بهم , فلقى جموعهم من بني غنى بني اعصر فاقتتلوا قتالا شديدا ، ثم حلت الهزيمة ببني عامر فاستحر القتل بعد ذلك بغنى , فكان من بين قتلاهم الفرسان والشعراء.
وقد اشتهر زيد الخيل النبهاني بالشجاعة والفروسية , قبيل ظهور الاسلام , ومما يذكره الاصفهاني أن عامر بن الطفيل سيد بني عامر أغار على بني فزارة , واستاق نعما لهم كما اسر امرأة منهم , فلما أدركه زيد الخيل برز له عامر , فطلب منه رد النعم التي حصل عليها , وخيرة بين ترك الغنيمة أو قتاله , فتخلى عن الظعينة والنعم في مقابل إطلاق سراحه ، يقول الاصفهاني: فقبل زيد بذلك الشرط فجز ناصيته واخذ رمحه واخذ الظعينة والنعم فردها إلى بني بدر الفزاريين وبطبيعة الحال فما كانت غنى لتبقى على هزيمتها حيث عملت على جمع لفيف من بني عامر قبيلتها فغزوا طيئا وقتلوا وأدركوا ثأرهم منها.
ولما علمت بنو عامر بما جرى لسيدهم نحوه عن رئاستهم وأقاموا عليهم علقمة بن علاثة بدلا من ابن الطفيل , وخرجوا لقتال بني نبهان قوم زيد , ومعهم الشاعران المعروفان الحطيئة وكعب بن زهير. ولما علم زيد بذلك جمع قومه فلقيهم بالمضيق فقاتلهم وأوقع بهم الهزيمة , وتم اسر الشاعرين وقوما معهم , فطلبوا قبول الفداء فيهم.
ومن أعمال الغزو والغارة التي قامت بها قبائل طيء بعد أن أصبحت من الكثرة بمنطقة حائل , حتى صار كل بطن منهم يغزو بمفرده بعد أن غدا قبيلة مستقلة , منها ما وقع بين قبيلة نبهان وقيامها بغزوة فزارة , وقد حاربت فزارة حتى كادت الهزيمة تحل بالنبهانين لولا شجاعة زيد الخيل , وقد انضمت إلى فزارة قيس من بني سليم فهزموهم , ثم حمل زيد الخيل على فزارة بعد ذلك ومن حالفها فأوقع بهم الهزيمة , يقول زيد الخيل:
جلبنا الخيل من أجا وسلمى
تخب نزائفا خبب الركـاب
جلبنا كل طـرف اعوجـي
وسلهبة كحافيـة الغـراب
كنوف للحـزام بمرفقيهـا
شنون الصلب صماء الكعاب
ومن اشهر تلك الغارات التي حدثت بين بني الغوث إحدى قبائل طيء وبين بكر بن وائل القبيلة العربية المعروفة , فقد حدث أن أغار حاتم بن عبدالله الطائي على راس جيش من قومه , واشتد القتال بينهم ولكن الهزيمة حاقت بهم وقتل منهم الكثير , كما تم اسر جماعة منهم وكان حاتم من بينهم وبقي في الأسر حتى تم فداؤه.
حرب الفساد بين قبائل الطائيين::
-----------------------------------------------
نشبت هذه الحرب بين قبيلة الغوث وبين جديلة , وتعاقبت بينهم حتى طال أمدها وبلغت مائة وثلاثين عاما حيث يذكر المسعودي إنها لم تكن حربا كسائر الحروب.
أدى ذلك إلى نزوح بني جديلة إلى بلاد الشام , وقد عرفت تلك الجهة التي نزحوا إليها بحاضر طيء , ويشير البلاذري إلى ذلك الموضع بالشام فيقول: انه بعد حرب الفساد التي وقعت بينهم حين نزلوا الجبلين فتفرق منهم سائر بني فطرة وتفرق باقون منهم في البلاد حيث لحقوا بحاصر قنسرين من إعمال حلب وخالطوا هناك الأسباط وغيرهم وتزوجوا منهم.
أما ابن حزم فهو يحدد تلك البطون التي نزحت من قبيلة جديلة الطائية من بلاد الجبلين إلى الشام فيقول: "وجلوا كلهم عن الجبلين في حرب الفساد , فلحقوا بحلب وحاضر طيء , حاشا بني رومان بن جندب بن سعد بن فطرة فبقوا في الجبلين".
وهكذا لم يبق من جديلة إلا بنو رومان بمنطقة حائل , وكان من اشهرهم تيم بن ثعلبة , وكان يقال لبنيه بعدها مصابيح الظلام ومنهم السيد المشهور اوس بن حارثة بن لأم ممن سبقت الإشارة إلى زعامته في حربهم مع قبيلة اسد وانتصاره عليهم.
وقد لعب ملك الغساسنة الحارث بن جبلة دورا في إصلاح ذات البين بين جديلة والغوث , حتى توقفت الحروب بينهما , فلما مات عادت تلك القبائل إلى حربها من جديد , فكان يوم "اليحاميم" بينهم من اشهر أيام العرب , يصف ابن الاثير أحداث هذا اليوم فيقول: فالتقت جديلة والغوث بموضع يقال له "غرثان" فقتل قائد بني جديلة وهو اسبع بن عمرو لأم.
كما شهد عدي بن حاتم هذا اليوم وكان زيد الخيل يعمل على وقف القتال والتداعي إلى الصلح بينهم يقول عدي: "واني لواقف يوم اليحاميم والناس يقتتلون إذ نظرت إلى زيد الخيل قد احضر ابنيه مكنفا وحريثا في شعب لا منفذ له وهو يقول: "أي بني ابقيا على قومكما فان اليوم يوم التفاني , فان يكن هؤلاء أعماما فهؤلاء أخوال".
وقد دارت الحرب يومئذ على "مناع" إحدى مواضع أجا , حين أقبلت قبائل الغوث كل قبيلة عليها رئيسها منهم زيد الخيل وحاتم بن عبدالله الطائي الجواد , حيث التقوا بجديلة بعد اجتماعها على اوس بن حارثة , وقد اقتتلوا يومئذ قتالا شديدا فانهزمت جديلة وقتل منها الكثير.
ولم يحضر حاتم بن عبدالله الطائي هذه الحرب فكان مجاورا لبني بدر من جيرانهم آنذاك وكان من جراء يوم اليحاميم أن نزحت بقية جديلة من حائل , يقول ابن الاثير: "ولم تبق لجديلة بقية للحرب بعد يوم اليحاميم , فدخلوا بلاد *** فحالفوهم وأقاموا معهم".
علاقة الطائيين بالمناذرة في الحيرة::
------------------------------------------------------
ارتبطت قبائل طيء في الجبلين برابطة الدم والعصبية بإخوانهم الذين نزحوا إلى الحيرة فنزلوها منذ القرن الثالث الميلادي حيث شاركوا في تأسيسها.
ويذكر ابن ال***ي أن ملك الحيرة عمرو بن المنذر عقد حلفا مع الطائيين على أساس ألا ينازعوا في أرضهم ولا يغزوا ولا يفاخروا عليهم , ولكنه حدث أن خرج عمرو لغزو اليمامة , فلم يصب منها شيئا , وفي طريق عودته , مر بمنازل طيء , فشجعه احد رجالات بني تميم زرارة بن عدس على غزوها والنيل منها قائلا له: "لا ينبغي لأي ملك إذا غزا أن يرجع ولم يصب فمل على طيء فانك بحيالها ".
استجاب الملك لرأيه , فمال إليهم فأسر وقتل منهم وغنم , فما لبث بعد رجوعه إلى الحيرة أن اخذ عمرو بن ملقط الطائي يحرض الملك على زرارة التميمي , وهكذا عملت قبائل طيء على الثأر من تميم لما جرى من زعيمها زرارة , وكان عمرو بن المنذر قد ترك ابنا له عنده , فلما شب رمى بضرع ناقته , فكان أن شد عليه احد رجال تميم فقتله وهرب
.
انتهزت طيء الفرصة , وأخذت تحرض ملك الحيرة عليهم والخروج معهم حتى اقسم ليقتلن منهم مائة إن ظفر بهم , وسار في طلبهم حتى بلغ أوارة , وكان عمرو بن ملقط على مقدمة جيشه آنذاك , حيث قاتلوهم وانتصروا عليهم , وتمكنوا من اسر الكثير منهم , يقول ابن الاثير: "فأتوه (يعني الملك) بتسع وتسعين رجلا سوى من قتلوه في غارتهم فقتلهم" ، وهكذا ثأرت طيء لنفسها من تميم وصار يوم اوارة الثاني من أيام العرب المشهورة.
عادت بعدها علاقة الطائيين إلى سابق العهد من المودة والحلف مع ملوك الحيرة , فصار شيوخهم ورؤساهم يفدون إلى الحيرة فينالون من الحظوة والمكانة لديهم.
وفي عهد النعمان بن المنذر عمل كسرى فارس على إخضاع منطقة حائل في نجد لسلطانه , فأرسل إلى النعمان فاستجاب لطلبه وسيّر جيشا إليهم بعد أن شجعه احد الطائيين وهو اوس بن سعد حيث قال له: "أنا أدخلك بين جبلي طيء حتى يدين لك أهلها".
ولكن بني سنبس من قبيلة الغوث قبلوا التحدي ورفضوا دخول جيش ملك الحيرة بلادهم , فاستعدوا لمنازلة أعدائهم , كما تجهز حاتم الطائي مع قومه بني اخزم للقاء المغيرين عليهم , وكانوا يجاورون إخوانهم السنبسين من جهة الشمال , يقول حاتم في موقف اوس الطائي المتخاذل يومئذ:
و لقد بقي بجلاد اوس قومه
ذلا وقد علمت بذلك سنبـس
حاشا بنـي سنبـس انهـم
منعوا زمار ابيهم ان يدنسوا
وتواعدوا ورد القرية غدوة
وحلفت بالله العزيز لنحبس
وهكذا وقف بنو سنبس مع بني أخزم قوم حاتم ضد هؤلاء المغيرين فحالوا دون تحقيق السيطرة عليهم , ولم يقبلوا بالخضوع لسلطان المناذرة أو الفرس ولعل فشل النعمان في تحقيق أهداف كسرى فارس كان احد تلك الأسباب الهامة التي أدت إلى غضب كسرى , فلم يلبث أن أرسل في استدعائه إلى عاصمة ملكة بالمدائن حينذاك.
وعلى الرغم من تلك العلاقة التي كانت تربطه مع الطائيين , إلا انه عندما طلب منهم أن يمنعوه فأبوا عليه لا خوفا من كسرى ولكن لأمور سياسية أخرى ، فأقبل حتى نزل بني شيبان في ذي قار سرا حيث لقي هانئ بن مسعود الشيباني , فأودعه أهله وماله , وتوجه إلى المدائن وقد بعث ملك الفرس إليه من قيده وأرسله إلى خانقين لحبسه فيها , وكان موته قبل الإسلام فلما مات استعمل كسرى اياس بن قبيصة الطائي على الحيرة.
علاقة شيوخ طيء بالغساسنة::
----------------------------------------------
كان يسكن بلاد الشام عناصر اغلبها عربية منذ العصور القديمة , حيث نزحت من داخل الجزيرة مثل العمورين أو التعمرين والكنعانيين والانباط , كما نزحت قبل الإسلام إليها من قبائل *** وغسان وعذرة وجذام وغيرها, حتى صارت تكون غالبية سكان الشام.
ومن أهم القبائل التي نزحت إليها إبان حرب الفساد التي اشرنا إليها كانت جديلة التي نزحت نحو قنسرين وحلب من أرض الشام فصارت تعرف بحاضر طيء.
وكما يذكر ياقوت فتنه لم يبق من جديلة إلا بني رومان , حيث نزح جلهم إلى الشام , أما ابن الاثير فأنه يشير إلى أن البقية الباقية منهم كان نزوحها بعد هزيمتهم في يوم اليحاميم المذكور. وهكذا أقامت تلك البطون الطائية بأرض الغساسنة في الشام.
وتتضح علاقة الغساسنة مع الطائيين في الجبلين في اهتمامهم الدائم بما كان يجري بينهم من غارات وحروب , والعمل على إيقافها ومحاولة الإصلاح بينهم , فمن ذلك ما بذله الملك الغساني الحارث بن جبلة في سبيل رأب الصدع بين القبائل الطائية وقد نجح في ذلك , لكن بعد وفاته عادت الحروب بينهم.
كما تبدو العلاقة الوثيقة قبيل ظهور الإسلام بهؤلاء الطائيين , وذلك عندما اتجه كثير منهم إلى اعتناق النصرانية والتي انتشرت في بلاد الشام آنذاك , يتجلى ذلك في حديث عدي بن حاتم وقوله: "كنت ملك طيء آخذ منهم المرباع وأنا نصراني , فلما قدمت خيل رسول الله صلى الله عليه و سلم هربت إلى الشام , وقلت الحق بأهل ديني من النصارى فلما قدمت الشام أقمت بها".
كما تتضح مظاهر هذه العلاقة الحسنة بالملك الغساني في قيامه بإهداء سيفين إلى الفلس صنم طيء المعروف وقد بقيا معلقين به في مكانه , حيث كان ذلك منصوبا بالحبس.
علاقة الطائيين بملوك كنده في نجد::
-----------------------------------------------------
قدم حجر بن عمرو المعروف بأكل المرار إلى نجد ونزل ببطن عاقل , وكان اللخميون في الحيرة قد ملكوا من تلك البلاد ولا سيما بلد بكر بن وائل , فنهض حجر بهم وحارب اللخميين وأنقذ أرض بكر منهم , وقد استطاع أن ينتزع جانبا من تلك النوايى التي كانت تحت سيطرة اللخميين المناذرة.
سار النضر في ركاب ابنه الحارث , حيث كتب له النجاح في توسيع مملكة كنده في نجد , وبلغ من قوته انه تمكن من ضم إمارة الحيرة , وان يجلس على عرش المناذرة وذلك في النصف الأول من القرن السادس الميلادي.
وعلى الرغم من محاولته غزو بلاد الشام , إلا أنه لم يسع نحو غزو بلاد الجبلين القريبة منه , كما حاول النعمان بن المنذر وقد أصبحت سائر القبائل تهاب ملك كنده وتستنجد به , يذكر ابن الاثير انه لما أصاب بنو عامر من تميم فأنهم دعوه أن يغزو معهم , فكان أن وقع ذلك اليوم المعروف "بيوم ذي نجب" من أيام العرب.
ولما سار حجر بن الحارث ديار بني اسد بعد ذلك في جنوب جبلي طيء تمكن من التغلب عليهم فقتل الكثير من أشرافهم , واسر بعضهم , مما ترك الأثر السيئ في نفوس القوم , وعقدوا العزم على الانتقام منه , وما لبثوا أن نفذوا وعيدهم حيث تمكنوا من قتله.
وتتضح علاقة كنده مع الطائيين عندما لجأ امرؤ القيس بعد مقتل أبيه إلى قبائل العرب الأخرى لنجدته وفي مساعدته على الأخذ بثأر أبيه , والانتقام من بني اسد , وكان هؤلاء في حلف مع قبائل طيء.
فقد سار امرؤ القيس نحو بلاد الجبلين حيث نزل على المعلى بن تميم من بني ثعلبة , ثم على شيخ بني اخزم من ثعل , وبني عمه عمرو بن ربيعة من سكان أجا آنذاك.
كذلك كان نزول الشاعر الكندي المعروف على بني جرم وزعيمهم ثعلبة بن عمرو بن الغوث , وهكذا ظل يتنقل أمير كنده امرؤ القيس بين قبائل طيء وشيوخها عساه يجد عونا منهم على قتلت أبيه , ولكنة لم يوفق في مسعاه.
وعلى العكس من ذلك فقد حدث أن أغار احد أفراد بني لأم على إبله , ويذكر ابن الأثير أن الذين أغاروا على إبله قوم من جديلة يقال لهم بنو زيد فأخذوها منه , وكان بنو ثعل على ما يبدو حماة إبله آنذاك , يتضح ذلك من شعره في تلك المناسبة:
تبيت لبوني بالقرية امنـا
واسرحها غبا بأكناف حائل
بنو ثعل جيرانها وحماتها
وتمنع من رماة سعد ونائل
كما يتضح من رواية ابن الاثير أن الحرب وقعت بين قبائل طيء بسبب امرؤ القيس , وخاصة بعد أن انتقل إلى رجل من بني ثعل يقال له حارثه بن مر , فهو يصف موقفهم حينذاك قائلا: "وكانت أمور كبيرة , فلما راى امرؤ القيس أن الحرب قد وقعت بسببه خرج من عندهم" ، ولا شك أن الطائيين لم يكن في صالحهم إذ ذاك تقديم يد العون له , ففي ذلك ما كان يثير حفيظة المنذر ملك الحيرة عليهم فيعمد إلى غزو بلادهم , لا سيما وانه لم يكن قد مضى من الوقت الكثير عندما راح المنذر ينتقم من ملك كنده حيث التقى بهم فيما عرف بيوم "اوارة الأول"وقد وقع قبل يوم "اوارة الثاني" ، ويمكن القول بان الطائيين كانوا يعملون على حرية بلادهم وعدم وقوعها تحت سيطرة المناذرة أو غيرهم من القوى التي كانت تسعى في سبيل إخضاع المنطقة كالفرس , وذلك في أعقاب نزولهم سميراء وفيد في جوار بني اسد واستقرارهم في الجبليين منذ القرن الثالث الميلادي.
لمحات تاريخية:: عند ظهور الإسلام
------------------------------------------------
في أعقاب الخلافة العباسية
-----------------------------------------
تواترت الروايات أن بعض سكان الجبلين كانوا يعتنقون الديانة المسيحية قبل بزوغ الإسلام. ومن الأدلة على ذلك إن (عدي بن حاتم الطائي) عندما وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة على رأس وفد طيء كان يضع في عنقه صليبا من ذهب ..فقال له صلى الله عليه وسلم: يا عدي أخلع عنك هذا الوثن.
ويقال أنه كان في الجبلين كاتدرائية حسب الديانة المسيحية وبعضهم عبد الأوثان .. وكان في جبل أجا صنم (الفلس) وهو الصنم الذي حطمه علي بن أبي طالب كرم الله وجهه .. غير أن نور الإسلام ما لبث إن بزغ ساطعا فطغى على ما سواه وقضى عليه ... ومما يؤكد هذه الروايات إن حنظلة بن أبي عفراء بن النعمان والذي ينتهي نسبه إلى طيء .. كان قد تنصر .. وبنى ديرا على شاطئ الفرات بالجزيرة .. لا يزال يعرف بـ (دير حنظلة الطائي). ولم يكون دخول طيء وهي إحدى القبائل التي تقطن الجبلين الإسلام دفعة واحدة .. وقد ذكر كتاب المصادر أن أول اتصال بين الإسلام وطيء .. تم في السنة الخامسة الهجرية .. عندما وجه الرسول صلى الله عليه وسلم سرية بقيادة أبي عبيدة الجراح إلى أسد وطيء وقيل في السنة السادسة للهجرة .. وقد وجهت إلى أجا وسلمى.
في السنة التاسعة للهجرة بعث الرسول صلى الله عليه وسلم سرية علي بن أبي طالب التي حطمت (الفلس) واستولت على الممتلكات والأنعام .. وكان من بين السبايا من النساء (سفانه) أخت عدي بن حاتم الطائي .. الذي هرب إلى الشام فلما مثلت بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم قالت:
يا محمد .. هلك الوالد.. وغاب الرافد فإن رأيت إن تخلي عني.. ولا تشمت بي أحياء العرب .. فإن أبي كان يفك العاني , ويحمي الذمار , ويفرج عن المكروب , ويطعم الطعام , ويفشي السلام , ولم يطلب إليه طالب حاجته فرده .. أنا ابنة حاتم. فقال صلى الله عليه وسلم: هذه خصال المؤمنين حقا .. لو كان أباك مسلما لترحمنا عليه .. خلوا عنها فإن أباها يحب مكارم الأخلاق. والله يحب مكارم الأخلاق.
أما عدي بن حاتم فقد عاد من الشام .. والتحق برسول الله صلى الله عليه وسلم .. في قصة إسلامه المعروفة ، (قال عدي :- بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم حيث بعث فكرهته أشد ما كرهت شيئا قط ، حتى كنت في أقصى أرض مما يلي الروم ، فكرهت مكاني ذلك ، فقلت:-لو أتيت هذا الرجل ، فإن كان كاذبا لم يخف علي ، و إن كان صادقا اتبعته ، فأقبلت ، فلما قدمت المدينة استشرفني الناس ، وقالوا :- جاء عدي بن حاتم ، جاء عدي بن حاتم فأتيته ، فقال لي:- (يا عدي أسلم تسلم ، قلت بلى) ، قال:- (ألست ركوسيا "دين بين النصارى و الصابئين" تأكل المرباع "أي الربع من الغنيمة دون أصحابه")؟ قلت :- بلى، قال :- (فإن ذلك لا يحل لك في دينك) فتضعضعت لذلك ، ثم قال (أسلم تسلم ، فأظن مما يمنعك أن تسلم خصاصة تراها بمن حولي ، و أنك ترى الناس علينا إلبا واحدا ، هل أتيت الحيرة؟ قلت :- لم آتها وقد علمت مكانها ، قال:- (توشك الضغينة أن ترحل من الحيرة بغير جوار حتى تطوف بالبيت و لتفتحن علينا كنوز كسرى بن هرمز)، قلت :- كسرى بن هرمز؟ قال :- (كسرى بن هرمز) مرتين أو ثلاثا ، (وليفيضن المال حتى يهم الرجل من يقبل من ماله صدقه). قال عدي :- فلقد رأيت اثنتين ، و أحلف بالله لتجيئن الثالثة ، يعني فيض المال).
وقد كان لطيء وأهل الجبلين .. إسهاما كبيرا في نصرة الدين الحنيف .. والفتوحات الإسلامية .. والجهاد في سبيل إعلاء كلمة الله. وبعد إن انتقل الرسول العظيم محمد عليه الصلاة والسلام إلى الرفيق الأعلى ، وتولي خلافة المسلمين أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، تمردت بعض القبائل العربية عن أداء الزكاة ، فقال الصديق قولته الشهيرة (والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه) ، فأرسل خالد بن الوليد رضي الله عنه لقتال من ارتد في منطقة الجبلين ممن منع الزكاة ، وبعد أن وصل إلى قرب جبل أجا ، هبط لمناصرته جمع كبير من قبيلة طيء بقيادة (عدي بن حاتم الطائي) واشتركوا مع خالد في موقعة (بزاخة) وأبلوا فيها بلاء حسنا. واستشهد منهم عدد كبير. وانتهت المعركة بنصر المسلمين .. وهرب من سلم من المرتدين ، منهم طليحة بن خويلد ألأسدي .. وقد استشهد في هذه الموقعة الصحابي الجليل (عكاشة بن محصن) ودفن في "الشري" قرب قرية طابه بجبل سلمى وقيل قرب قرية النعي , ولم يقم للمرتدين قائمة بعد ذلك في منطقة الجبلين.
حائل في أعقاب الخلافة العباسية::
--------------------------------------------------
في فترة منتصف القرن الثالث الهجري كان الصراع على أشده في أجزاء الدولة العباسية ، وقد صاحب ذلك ظهور الفرق الدينية و تدخل الوزراء و أصحاب المطامع في شئون الخلافة. ولهذا فقد شغل المؤرخون بتلك الأحداث و لم يكن للصحراء العربية نصيب من التدوين و الأخبار بالقدر الذي يمكن أن يوفر المادة الكافية التي تربط أحداث القبائل في أنحاء نجد ، لذا فقد أصبحت الروايات و الملاحم و الأساطير من الأمور المألوفة في ذكر بعض أحداث نجد و صراعات القبائل فيها.
أما بالنسبة للطائيين في الجبلين فقد ظلت بطون منها في مواقعها في أجا و سلمى و ما حولهما من السهول وموارد المياه ، وقد قامت و نهضت بطون منها و أصبح لها شأن في نجد كلها ، حيث بدأت في التوسع نحو الجنوب الشرقي من نجد و الجنوب الغربي من جنوب نجد حتى مشارف الحجاز.
ولكن يبقى تاريخ حائل غامضا منذ القرن الخامس الهجري و حتى بداية القرن العاشر ، ولكن ذلك لا يلغي وجود النشاط الإنساني فوق أديم تلك المنطقة وبقاء سكانها من بطون طيء و القبائل الأخرى التي كانت تقيم معهم أو حولهم في تلك الربوع.
لمحات تاريخية:: منذ القرن الثاني عشر الهجري
----------------------------------------------------
آل علي | آل رشيد | العهد السعودي
لقد ثبت لدى المؤرخين أن شمر بطن من طيء ترعرع على أرض الجبلين و انتشر في سهولها و جبالها ، وقد ورثت شمر طيئا في السلطة و المكان حتى أصبحت تمثل الثقل لدرجة أن معظم بطون طيء الأخرى انصهرت في اسم القبيلة البديلة التي هي شمر. ومنذ ذلك الوقت بدأت الإشارة إلى وجود قبيلة شمر كقوة في الجبل ، وردت في بعض الحوادث التي دارت في القرن العاشر ، حيث أوردها العصامي في "سمط العوالي" عندما ذكر أن شريف مكة غزا شمر عام 963هـ. إذا فقد كان ظهور شمر على مسرح الأحداث في منطقة الجبلين كقوة تتفاعل مع الأحداث كان في مطلع القرن العاشر الهجري.
آل علي::
------------
كانت لعشيرة "عبده" مكانتها القوية في حائل زمنا غير قصير. وظلت لزعمائها كلمة مسموعة في قبيلة شمر بالذات بعد أن أصبحت في عداد هذه القبيلة. وكان في طليعة أولئك الزعماء آل جرباء. وقد كانت زعامة بلدة حائل كبرى بلدان حاضرة قبيلة شمر لأناس ينتمون إلى "عبده" و هم آل علي. إلا أن المعلومات عن آل علي خلال القرن الثاني عشر الهجري ، الذي شهد تغير تاريخ منطقة نجد بقيام دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب ، معلومات نادرة جدا. بل إنها تكاد تنحصر في ذكر أسماء بعض الأفراد الذين تولوا الإمارة فقط. ومن هولاء "محمد بن عيسى بن علي" الذي كان مشهورا بالكرم إلى درجة كبيرة.
كانت مساكن آل علي في أسفل بلدة حائل في مكان يعرف بـ "السويفلة". ثم بنى زعماء تلك الأسرة لهم قصرا في مكان يقال له "الوشيقي" على بعد ثلاثة أكيال من مساكنهم الأولى. ومن خلال القليل المتوفر في التأريخ فأن أول أمير من آل علي عرفه السكان المتأخرون في منطقة حائل هو :
1- محمد بن عيسى بن علي آل علي: الذي كان مشهورا بالكرم إلى درجة كبيرة.
2- محمد بن عبد المحسن بن فايز بن محمد بن عيسى بن علي آل علي: تولى الأمارة أكثر من ثلاث وثلاثين سنه وقد أغتاله (الحبشى) أحد رجال (ابراهيم باشا) حيلة في مقصورة (الداحس) وتقع على جانب وادي جبل عيرف الجنوبي سنه 1234هـ وحمل رأسه معه وقيل أنه أغتاله في بيته. ودفن في مقبرة الزبارة بحائل وقبره لايزال معروفاً إلى اليوم.
3- صالح بن عبد المحسن بن علي: تولى الأمارة بعد مقتل أخيه مباشرة على الأرجح سنه 1234هـ.
4- عيسى بن عبيد الله بن علي: تولى الحكم على حائل في سنة 1253هـ بمساعدة القوات التركية و تمكن من جعل عبدالله بن رشيد يغادر حائل. إلا أنه وفي نفس السنة تمكن عبدالله من استرداد الحكم والهيمنة عليه ، والقضاء نهائيا على نفوذ آل علي في حائل.
آل رشيد::
---------------
آل رشيد ينتمون إلى الفخذ الذي ينتسب إليه آل علي وهو آل جعفر أحد بطون عبده. وقد كانوا أبناء عمومة إلا أن خلاف وقع بين أمير الجبل في ذلك الوقت "صالح بن عبدالمحسن" و الأخوة "عبدالله بن رشيد" و "عبيد بن رشيد" ، بسبب ضعف رأي و ميل أمير الجبل إلى الدعه و السكون بينما كانت قبيلة عنزة بقيادة "سعدون العواجي" تضايق بادية شمر في مراعيها غير البعيدة من حائل. فخرج مئة و خمسون رجلا من حاضرة الجبل لنجدة قبيلة شمر رغم معارضة الأمير. وقد كان الأخوين "عبدالله" و "عبيد" ممن خرج لمساعدة تلك القبيلة ، و أبلي بلاء حسنا في معركة انتهت بانتصار شمر على عنزة. وهذا ما أغضب الأمير "صالح" فقام بنفي الأخوين من بلدة حائل.
كان لعبدالله بن رشيد مشاركة مع الإمام فيصل بن تركي - في وقت لاحق - بتخطيطه الجيد و تنفيذه البارع في عملية القضاء على مشاري بن عبدالرحمن وقد كان الأخير معارضا للإمام فيصل. كان لتلك المشاركة الأثر الكبير في نفس الأمام فيصل مما دعاه إلى مكافأة "عبدالله بن رشيد" بتعينه أميرا لجبل شمر و عزل "صالح بن عبدالمحسن بن علي".
1- عبد الله بن علي آل رشيد: بداية حكمه سنه 1254هـ الموافق 1838م إلى سنه 1265هـ الموافق 1848م وقد مات موتاً طبيعياً . أنتزع الأمارة من آل علي بعد صراع طويل ومرير وبعد أن أثبت لأبناء الجبلين هو وأخوه عبيد غيرتهما على المنطقة ضد القبائل التي كانت تهاجمها وتنهب وتسلب وتهين كرامة المواطنين , وأستطاع بالشجاعة والأقدام تأديب هذه القبائل المعادية وطردها عن حدود المنطقة.
2- طلال بن عبد الله بن رشيد: قتل نفسه سنة 1285هـ فقد أصيب بمرض فقال له الطبيب إدا زال المرض ولم تمت فتصاب بالجنون فقتل نفسه.
3- متعب العبد الله بن رشيد: وهو أول قتيل من الأسرة قتله أبن أخيه بندر بن طلال بن رشيد سنه 1285هـ.
4- بندر بن طلال بن عبد الله بن رشيد: قتله عمه محمد العبد الله بن رشيد سنه 1289هـ في أسفل شعيب الأديرع.
5- محمد العبد الله بن رشيد: مات موتاً طبيعياً سنه 1315هـ وقد أزدهر حكم الرشيد في عهده وأمتد فشمل الرياض ووادي الدواسر و الجوف.
6- عبد العزيز بن متعب بن رشيد: قتل في روضه مهنا سنة 1324هـ على يد أنصار الملك عبد العزيز آل سعود في أحدى غزواته.
7- متعب بن عبد العزيز آل رشيد: قتله خاله سلطان بن حمود آل عبيد سنة 1326هـ.
8- سلطان بن حمود العبيد آل رشيد: قتله أخوه سعود سنة 1326هـ وتولى الأمارة.
9- سعود بن حمود العبيد آل رشيد: قتل سنة 1327هـ بعد عودة السبهان بسعود بن رشيد من المدينة وهم أخوال الأمير سعود.
10- سعود بن عبد العزيز آل رشيد: قتله عبدالله بن طلال بن نايف بن طلال بن عبد الله آل رشيد في موقع يقال له ( الغبران ) في شرق جبل أجا , طمع بالحكم فقام أحد رجال سعود وهو درعان الدرعان بقتل عبد الله في الحال , وكان قد خرج للنزهة وأعادوهما جثتين على بعير واحد سنة 1338هـ.
11- عبد الله بن متعب بن رشيد: وقد تولى الأمارة فترة قصيرة من الوقت فخاف على نفسه وهرب والتجأ إلى الملك عبد العزيز سنة 1339هـ فأستقبله وأكرمه.
12- محمد الطلال بن رشيد: وعلى يديه انتهى حكم آل رشيد في 29 صفر سنة 1340هـ ، وبدأ الحكم السعودي.
العهد السعودي::
------------------------
وقد بدأ العهد السعودي في يوم الاثنين 29 - 2- 1340هـ الموافق 2 نوفمبر 1921م حيث:
1- عهد المغفور له جلالة الملك عبد العزيز بإمارة حائل إلى إبراهيم السالم السبهان 1340هـ.
2- الأمير عبد العزيز بن مساعد بن جلوي ..وقد تسلم إمارة حائل أواخر عام 1341هـ وبقي في الأمارة لمدة 50 عاما إلى إن استقال من عمله 28 صفر 1391 هـ.
3 - الأمير فهد بن سعد بن عبد الرحمن آل سعود وقد توفي بعد فترة قصيرة .. لا تزيد على بضعة أشهر.
4- الأمير سعد بن فهد بن سعد آل سعود 1392هـ.
5 - الأمير مقرن بن عبد العزيز آل سعود 1400هـ.
7- الأمير سعود بن عبدالمحسن بن عبد العزيز بن عبدالرحمن آل سعود أمير منطقة حائل الحالي منذ العام 1999م-1420هـ.