الشيخ/عبدالله الواكد
09-04-2002, 14:40
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
أما بعد
فبناء على ما نقله الأخ الفاضل راكان العيادة من أحد المواقع لأحد الكتاب والذي حرره تحت عنوان ( إن تنصروا الله ينصركم )
وحيث أن كلام الأخ صاحب المقال كلام طيب وحسن وفيه منافع كثيرة فجزاه الله خير الجزاء فيبدوا أنه قد أهمه أمر المسلمين في فلسطين وهذا واجب على كل مسلم فمن لم يهمه أمر المسلمين فليس مهم ، لكن يجب أن تكون غيرتنا وانفعالاتنا مظبوطة بظوابط الشرع ، لكي لا تخرجنا تلك الإنفعالات من حق ولا تدخلنا في باطل ، ولكن لي ملحظين تقريبا :
أحدهما قوله : فابعث فينا صلاح الدين فهذا اللفظ لا يصلح بل نسأل الله عز وجل أن يكتب لنا النصر على يد من يشاء سبحانه فهذا من الاعتداء في الدعاء
وأما الآخر : فهو دعوة الأخ الفاضل الأمة الى صيام يوم الخميس الموافق
28/محرم/ 1423 هـ وهذا قد بينته في النصوص التالية وأرجوا أن لا يفهم الأمر على أنه وقوف ضد الخير أبدا ولكنه تقويم لزلة قلم منفعل ولا ألوم صحبه فكلنا تألمنا وبكينا لمصاب إخواننا نسأل الله لنا ولهم النصر العاجل :
وأما بعد
فإن الله تبارك وتعالى لما شرع لنا الدين أتمه وكمله قال تعالى ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) ومن ظن أن هذا الدين ناقص أو غير كامل أو بحاجة الى إ ضافات أو تعديلات فهو كافر بنص الكتاب والسنة ولقد ورد عند البيهقي والدارقطني من حديث ابي هريرة وابن عباس رضي الله عنهما قال خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس في حجة الوداع فقال ( ياأيها الناس قد تركت فيكم ما ان إعتصمتم به فلنتضلوا أبدا ، كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ) وقد بوب الترمذي في سننه قال باب ماجاء في السنة واجتناب البدعة , وأورد حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه قال رضي الله عنه ( وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال رجل إن هذه موعظة مودع فماذا تعهد الينا يارسول الله قال : أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبد حبشى فإنه من يعش منكم يرى إختلافا كثيرا وإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة فمن أدرك ذلك منكم فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بلنواجذ ) ، فلما بعد الناس عن السنة ، وقلت مذاكرتهم لها عرض لهم سوء في تقديرهم, وكدر في أفهامهم ، وظنوا أن الدين رأي ، والسنة رغائب ، والحق هوى ، والصواب اندفاع ، والحقيقة كثرة ، وظنوا أن التعامل مع الله عزوجل في شرعه ، كالتعامل مع الهيئات والمنظمات ، تصويت وجمهرة ، وخصام ومشاجرة ، قال علي رضي الله عنه : لو كان الدين بالرأي لكان المسح على باطن الخف أولى من ظاهره ، وذلك لأن باطن الخف ألصق وأقرب للنجاسة من ظاهره ، لكنه الشرع , نعمل به كما جاء ، من دون زيادة أو نقصان ، ولا تفريط ولا غلو ، فكلما شعر الشيطن بحاجة الناس الى الله سبحانه ، وخشي أن يهزم هو وجنده ، وخشي أن يلجأ العباد الى الله ، فتسقط رايته ، ويتهاوى عرشه ، ويتفرق حزبه ، وعلم أنهم سالكون طريقهم الى الله لا محالة ، عرض عليهم طريقا آخر ، نمقه وزينه على أنه عبادة وقربة الى الله ، حتى تتشربه القلوب الضعيفة ، وتستسيغه الأفهام القاصرة ، لكنه طريق البدعة ، ومسلك الغواية ، ليسلكوه فيضلوا عن سبيل الله ، قال تعالى ( ولا يصدنكم الشيطان إنه لكم عدو مبين ) وقال سبحانه ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ) ولقد كثر الدعاة اى البدع في هذا الزمان وغيره من الأزمنة ، منهم من هو على علم بذلك ، كالمتصوفة وأشباههم ، ومنهم من حمل العلم ولم ينتفع به لجهله، فهؤلاء يصدق عليهم قول القائل
إن الرواة على جهل لما حملوا * مثل الجمال على أكتافها الودع
للودع ينفعه حمل الجمال له * ولا الجمال بحمل الودع تنتفع
ومنهم من يقول ها ها سمعت الناس يقولون قولا فقلته ، كلما هبت العواطف ، وثارت الشجون ، وانهمرت الحمية ، وتراكظت خيلها وركابها ، أسرجها بعبادة مفتعلة ، وقربة مصطنعة ، جهل بالشرع والعقيدة ، وإلا لو عرضت الأمور على شرع الله ، لما خبط الناس في متاهات الغواية ، وفي أوحال البدع ، حتى دعى فئام منهم الى صيام وقيام ليلة النصف من شعبان وصيام أيام مخصوصة في رجب وغيره من الشهور والأيام ، وأقام آخرون المياتم ، واحتفل آخرون بالمولد النبوي ، ولقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة وعائشة وجمع من الصحابة رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) أي مردود على صاحبه غير مقبول فلو كان إجتماع الأمة على صيام يوم أو نحوه مشروعا لفعله النبي صلى الله عليه وسلم أو فعله الخلفاء اراشدون من بعده فقد مروا بالفتن والضوائق والشدائد ما أن تنوء بحمله الأجيال والأمم ولقد أشار الله سبحانه وتعالى الى صنوف الابتلاءات والمحن التي بلي بها المؤمنون قال تعالى ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب) وقال تعالى في غزوة الأحزاب ( هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا ) أنظر الى وصف الله سبحانه بقوله ( زلزالا شديدا) منتهى القسوة والشدة في ذلك الإبتلاء ، وقال تعالى فى الآية الي قبلها
( إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر ) فهل الأمة الآن أكثر حاجة الى الفرج ، من تلك الأمة التي زاغت أبصارها ، وبلغت قلوبها الحناجر ، أدلة عظيمة ،
وآيات كثيرة جدا ، ثم هاؤم الخلفاء الراشدون ، مروا بفتنة الردة وفتنة مقتل عثمان رضي الله عنه وفتن وحروب كثيرة ، ولم يؤثر عنهم أنهم أجتمعوا أو أوصوا الأمة بالاجتماع علىصيام يوم أو فعل شيء لم يأمر به الشرع ولو كان خيرا لسبقونا إليه ، وأما استدلال صاحب المقال أثابه الله بحديث الثلاثة الذي في صحيح مسلم وهو أنه لا أصابهم سيل ومطر أووا الى كهف فنزلت صخرة عليم فأغلقت الغار فتوسل أحدهم بعمله وهو موقف حدث له في الأمانة والأخر بموقفه من بنت عمه وتركه ما حرم الله تقوى لله والثالث ببره لوالديه ففرج الله عنهم وانزاحت الصخرة وخرجوا ، فلا وجه للاستدلال بهذا الحديث على دعوة الأمة لصيام يوم من أجل التفريج عن إخواننا الفلسطينيين بل إن الحديث مصادم لذلك حيث أن كلا منهم توسل بعمل عمله في الماضي فهم لم يتفقوا على عمل جماعي بينهم كدعاء وغيره بعد وقوعهم في المصيبة لكي يفرج الله عنهم بل إن كل واحد منهم توسل بعمل عمله في الماضي وعى إنفراد ، ثم إن هذا العمل قد أخفاه بينه وبين ربه وقصد به وجه الله فلما إحتاج الى الله ذكر ذلك العمل ،وفي هذا فرق عظيم وبون شاسع فعلى سبيل المثال لو أن رجلا وقع في مشكلة وتم القبض عليه وأراد أن يتوسل للحاكم أو للقاضي لكي يفرج عنه فهل يقول له الآن أقوم فأفعل كذا وكذا لترى كم أنا خلاف ما نسب إلي ، أم أنه يذكر للقاضي مآثره السابقة ومناقبه الماضية والمشهود عليها فهذه هي التي تشفع له وتزكيه وتؤهله لأن يفرج عنه ، ولقد ذكر الله عز وجل أنه حتى المشركين إذا ركبو الفلك أي البحر دعوا الله قال تعالى في يونس (22) ( و الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين * فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق ) الآيات ، فلا شك أن العمل الصالح من أسباب قبول الدعاء كما قال تعالى في سورة فاطر (10) ( اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ) وكما ورد في حديث الأشعث الأغبر الذي مطعمه حرام ومشربه حرام يدعوا الله فأنى يستجاب له ، أي كيف يستجاب له وعمله غير صالح ، لكن من الذي سيمنعك عن الصيام والدعاء ، صم متى ما شئت وتصدق متى ما شئت وادع متى ما شئت ولمن شئت ، بل تكون دعوة الفرد الصادق في حندس الظلم أمضى من رؤوس الأسنة ، وأبلغ من دعوة الملايين من البشر ، وصدق عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما كان يتفقد الجند ويصفهم لأحد المعارك قال أين فلان قالوا إنه هناك فنظر إليه فأذا به رافعا إصبعه ينكتها في السماء شاخصا ببصره يدعوا قالوا ندعوه قال بل دعوه والذي نفسي بيده لهو أحب إلي من ألف فارس ، فما قال عمر ولا غير عمر ندعوا دعاء جماعي أونصوم صيام جماعي كي ينصرنا الله أو يفرجعنا الله بل إن الله عز وجل قال في سورة الكهف (103-104) ( قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا * الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ) والبدع عادة لا تأتي من الابواب المستقبحة وإنما تأتي من أبواب الإستحسان ولعلكم تذكرون قصة الثلاثة الذين جاؤوا الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أحدهم : أصوم ولا أفطر وقال الثاني : أقوم ولا أرقد وقال الثالث : أما أنا فلا أتزوج النساء ، و كلهم مستحسن هذا العمل وظن أن فيه الخير والقرب من الله ,فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( أما أنا فأصوم وأفطر , وأقوم وأرقد وتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ) وقد ذكر بن القيم رحمه الله في كتاب الفوائد مداخل الشيطان على بن آدم قال : يأتي الشيطان الى بن آدم فيشم قلبه فإن وجد فيه قوة جاءه من جانب الإفراط ، وإن و وجد فيه ضعفا جاءه من جانب التفريط , ، انتهى ... فيجب على المسلمين أن ينتبهوا الى إملاءات الشيطان ووسوسته ، وقد ذكر أهل العلم ستة مواطن يقف فيها الشيطان لابن آدم في طريقه الى الجنة : هي الاسلام ثم الجهاد ثم الهجرة ثم العلم ثم السنة ثم العامل الفاضل ، وإن مثل هذا الكلام نرجوا أن يكون قائله حفظه الله مجتهدا غير متبصرابأمور الأعتقاد فنسأل الله لنا وله العلم النافع والعمل الصالح وإلا فإن هذا العمل لا يجوز ومن اختص يوم الخميس المذكور بالصيام لهذا الغرض وقد علم الحكم فإنه آثم بفعله هذا لأنه قلد أهل البدع ومن كان متعودا أن يصوم الخميس ولم يختصه لذلك فهو مأجور ولا إثم عليه أسأل الله أن يجمع المسلمين على كلمة التقوى ، وأن يلهمهم رشدهم ، وأن يشد أزرهم ، وينصرهم على عدوهم .
أخوكم / عبدالله الواكد
مشرف المضايف الاسلامية
أما بعد
فبناء على ما نقله الأخ الفاضل راكان العيادة من أحد المواقع لأحد الكتاب والذي حرره تحت عنوان ( إن تنصروا الله ينصركم )
وحيث أن كلام الأخ صاحب المقال كلام طيب وحسن وفيه منافع كثيرة فجزاه الله خير الجزاء فيبدوا أنه قد أهمه أمر المسلمين في فلسطين وهذا واجب على كل مسلم فمن لم يهمه أمر المسلمين فليس مهم ، لكن يجب أن تكون غيرتنا وانفعالاتنا مظبوطة بظوابط الشرع ، لكي لا تخرجنا تلك الإنفعالات من حق ولا تدخلنا في باطل ، ولكن لي ملحظين تقريبا :
أحدهما قوله : فابعث فينا صلاح الدين فهذا اللفظ لا يصلح بل نسأل الله عز وجل أن يكتب لنا النصر على يد من يشاء سبحانه فهذا من الاعتداء في الدعاء
وأما الآخر : فهو دعوة الأخ الفاضل الأمة الى صيام يوم الخميس الموافق
28/محرم/ 1423 هـ وهذا قد بينته في النصوص التالية وأرجوا أن لا يفهم الأمر على أنه وقوف ضد الخير أبدا ولكنه تقويم لزلة قلم منفعل ولا ألوم صحبه فكلنا تألمنا وبكينا لمصاب إخواننا نسأل الله لنا ولهم النصر العاجل :
وأما بعد
فإن الله تبارك وتعالى لما شرع لنا الدين أتمه وكمله قال تعالى ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) ومن ظن أن هذا الدين ناقص أو غير كامل أو بحاجة الى إ ضافات أو تعديلات فهو كافر بنص الكتاب والسنة ولقد ورد عند البيهقي والدارقطني من حديث ابي هريرة وابن عباس رضي الله عنهما قال خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس في حجة الوداع فقال ( ياأيها الناس قد تركت فيكم ما ان إعتصمتم به فلنتضلوا أبدا ، كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ) وقد بوب الترمذي في سننه قال باب ماجاء في السنة واجتناب البدعة , وأورد حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه قال رضي الله عنه ( وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال رجل إن هذه موعظة مودع فماذا تعهد الينا يارسول الله قال : أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبد حبشى فإنه من يعش منكم يرى إختلافا كثيرا وإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة فمن أدرك ذلك منكم فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بلنواجذ ) ، فلما بعد الناس عن السنة ، وقلت مذاكرتهم لها عرض لهم سوء في تقديرهم, وكدر في أفهامهم ، وظنوا أن الدين رأي ، والسنة رغائب ، والحق هوى ، والصواب اندفاع ، والحقيقة كثرة ، وظنوا أن التعامل مع الله عزوجل في شرعه ، كالتعامل مع الهيئات والمنظمات ، تصويت وجمهرة ، وخصام ومشاجرة ، قال علي رضي الله عنه : لو كان الدين بالرأي لكان المسح على باطن الخف أولى من ظاهره ، وذلك لأن باطن الخف ألصق وأقرب للنجاسة من ظاهره ، لكنه الشرع , نعمل به كما جاء ، من دون زيادة أو نقصان ، ولا تفريط ولا غلو ، فكلما شعر الشيطن بحاجة الناس الى الله سبحانه ، وخشي أن يهزم هو وجنده ، وخشي أن يلجأ العباد الى الله ، فتسقط رايته ، ويتهاوى عرشه ، ويتفرق حزبه ، وعلم أنهم سالكون طريقهم الى الله لا محالة ، عرض عليهم طريقا آخر ، نمقه وزينه على أنه عبادة وقربة الى الله ، حتى تتشربه القلوب الضعيفة ، وتستسيغه الأفهام القاصرة ، لكنه طريق البدعة ، ومسلك الغواية ، ليسلكوه فيضلوا عن سبيل الله ، قال تعالى ( ولا يصدنكم الشيطان إنه لكم عدو مبين ) وقال سبحانه ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ) ولقد كثر الدعاة اى البدع في هذا الزمان وغيره من الأزمنة ، منهم من هو على علم بذلك ، كالمتصوفة وأشباههم ، ومنهم من حمل العلم ولم ينتفع به لجهله، فهؤلاء يصدق عليهم قول القائل
إن الرواة على جهل لما حملوا * مثل الجمال على أكتافها الودع
للودع ينفعه حمل الجمال له * ولا الجمال بحمل الودع تنتفع
ومنهم من يقول ها ها سمعت الناس يقولون قولا فقلته ، كلما هبت العواطف ، وثارت الشجون ، وانهمرت الحمية ، وتراكظت خيلها وركابها ، أسرجها بعبادة مفتعلة ، وقربة مصطنعة ، جهل بالشرع والعقيدة ، وإلا لو عرضت الأمور على شرع الله ، لما خبط الناس في متاهات الغواية ، وفي أوحال البدع ، حتى دعى فئام منهم الى صيام وقيام ليلة النصف من شعبان وصيام أيام مخصوصة في رجب وغيره من الشهور والأيام ، وأقام آخرون المياتم ، واحتفل آخرون بالمولد النبوي ، ولقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة وعائشة وجمع من الصحابة رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) أي مردود على صاحبه غير مقبول فلو كان إجتماع الأمة على صيام يوم أو نحوه مشروعا لفعله النبي صلى الله عليه وسلم أو فعله الخلفاء اراشدون من بعده فقد مروا بالفتن والضوائق والشدائد ما أن تنوء بحمله الأجيال والأمم ولقد أشار الله سبحانه وتعالى الى صنوف الابتلاءات والمحن التي بلي بها المؤمنون قال تعالى ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب) وقال تعالى في غزوة الأحزاب ( هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا ) أنظر الى وصف الله سبحانه بقوله ( زلزالا شديدا) منتهى القسوة والشدة في ذلك الإبتلاء ، وقال تعالى فى الآية الي قبلها
( إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر ) فهل الأمة الآن أكثر حاجة الى الفرج ، من تلك الأمة التي زاغت أبصارها ، وبلغت قلوبها الحناجر ، أدلة عظيمة ،
وآيات كثيرة جدا ، ثم هاؤم الخلفاء الراشدون ، مروا بفتنة الردة وفتنة مقتل عثمان رضي الله عنه وفتن وحروب كثيرة ، ولم يؤثر عنهم أنهم أجتمعوا أو أوصوا الأمة بالاجتماع علىصيام يوم أو فعل شيء لم يأمر به الشرع ولو كان خيرا لسبقونا إليه ، وأما استدلال صاحب المقال أثابه الله بحديث الثلاثة الذي في صحيح مسلم وهو أنه لا أصابهم سيل ومطر أووا الى كهف فنزلت صخرة عليم فأغلقت الغار فتوسل أحدهم بعمله وهو موقف حدث له في الأمانة والأخر بموقفه من بنت عمه وتركه ما حرم الله تقوى لله والثالث ببره لوالديه ففرج الله عنهم وانزاحت الصخرة وخرجوا ، فلا وجه للاستدلال بهذا الحديث على دعوة الأمة لصيام يوم من أجل التفريج عن إخواننا الفلسطينيين بل إن الحديث مصادم لذلك حيث أن كلا منهم توسل بعمل عمله في الماضي فهم لم يتفقوا على عمل جماعي بينهم كدعاء وغيره بعد وقوعهم في المصيبة لكي يفرج الله عنهم بل إن كل واحد منهم توسل بعمل عمله في الماضي وعى إنفراد ، ثم إن هذا العمل قد أخفاه بينه وبين ربه وقصد به وجه الله فلما إحتاج الى الله ذكر ذلك العمل ،وفي هذا فرق عظيم وبون شاسع فعلى سبيل المثال لو أن رجلا وقع في مشكلة وتم القبض عليه وأراد أن يتوسل للحاكم أو للقاضي لكي يفرج عنه فهل يقول له الآن أقوم فأفعل كذا وكذا لترى كم أنا خلاف ما نسب إلي ، أم أنه يذكر للقاضي مآثره السابقة ومناقبه الماضية والمشهود عليها فهذه هي التي تشفع له وتزكيه وتؤهله لأن يفرج عنه ، ولقد ذكر الله عز وجل أنه حتى المشركين إذا ركبو الفلك أي البحر دعوا الله قال تعالى في يونس (22) ( و الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين * فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق ) الآيات ، فلا شك أن العمل الصالح من أسباب قبول الدعاء كما قال تعالى في سورة فاطر (10) ( اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ) وكما ورد في حديث الأشعث الأغبر الذي مطعمه حرام ومشربه حرام يدعوا الله فأنى يستجاب له ، أي كيف يستجاب له وعمله غير صالح ، لكن من الذي سيمنعك عن الصيام والدعاء ، صم متى ما شئت وتصدق متى ما شئت وادع متى ما شئت ولمن شئت ، بل تكون دعوة الفرد الصادق في حندس الظلم أمضى من رؤوس الأسنة ، وأبلغ من دعوة الملايين من البشر ، وصدق عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما كان يتفقد الجند ويصفهم لأحد المعارك قال أين فلان قالوا إنه هناك فنظر إليه فأذا به رافعا إصبعه ينكتها في السماء شاخصا ببصره يدعوا قالوا ندعوه قال بل دعوه والذي نفسي بيده لهو أحب إلي من ألف فارس ، فما قال عمر ولا غير عمر ندعوا دعاء جماعي أونصوم صيام جماعي كي ينصرنا الله أو يفرجعنا الله بل إن الله عز وجل قال في سورة الكهف (103-104) ( قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا * الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ) والبدع عادة لا تأتي من الابواب المستقبحة وإنما تأتي من أبواب الإستحسان ولعلكم تذكرون قصة الثلاثة الذين جاؤوا الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أحدهم : أصوم ولا أفطر وقال الثاني : أقوم ولا أرقد وقال الثالث : أما أنا فلا أتزوج النساء ، و كلهم مستحسن هذا العمل وظن أن فيه الخير والقرب من الله ,فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( أما أنا فأصوم وأفطر , وأقوم وأرقد وتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ) وقد ذكر بن القيم رحمه الله في كتاب الفوائد مداخل الشيطان على بن آدم قال : يأتي الشيطان الى بن آدم فيشم قلبه فإن وجد فيه قوة جاءه من جانب الإفراط ، وإن و وجد فيه ضعفا جاءه من جانب التفريط , ، انتهى ... فيجب على المسلمين أن ينتبهوا الى إملاءات الشيطان ووسوسته ، وقد ذكر أهل العلم ستة مواطن يقف فيها الشيطان لابن آدم في طريقه الى الجنة : هي الاسلام ثم الجهاد ثم الهجرة ثم العلم ثم السنة ثم العامل الفاضل ، وإن مثل هذا الكلام نرجوا أن يكون قائله حفظه الله مجتهدا غير متبصرابأمور الأعتقاد فنسأل الله لنا وله العلم النافع والعمل الصالح وإلا فإن هذا العمل لا يجوز ومن اختص يوم الخميس المذكور بالصيام لهذا الغرض وقد علم الحكم فإنه آثم بفعله هذا لأنه قلد أهل البدع ومن كان متعودا أن يصوم الخميس ولم يختصه لذلك فهو مأجور ولا إثم عليه أسأل الله أن يجمع المسلمين على كلمة التقوى ، وأن يلهمهم رشدهم ، وأن يشد أزرهم ، وينصرهم على عدوهم .
أخوكم / عبدالله الواكد
مشرف المضايف الاسلامية