محمد سنجر
17-09-2006, 11:26
يلف المكان ظلام حذر
نتمايل على وقع دقات القطار على سندان القضبان الحديدية
عائدا أنا من إجازتي العسكرية
أرتدي بزتي المموهة
تتسلل من بين النوافذ مستطيلات متلاحقة من الضوء بين حين و آخر
تركض فوق الملابس و الوجوه
ألمح من خلالها وجوه الجنود المنحوتة هنا و هناك
أتابع على أثرها على استحياء وجوه بعض المدنيين الفقراء
قمحية هي هذه الوجوه
أسدل القمح الذي يكدون في طلبه حلالا ـ ليل نهار ـ صبغته على بشرتهم
عائدون هم إلى ديارهم بعد واحدة من رحلات الشقاء الأبدية
بدأت في ممارسة هوايتي في قراءة عيون من حولي
بدأت بأحدهن
تحمل فوق ركبتيها منديل الصبر
تصره على ما جادت به ضمائر الميسورين
تراقصت في عينيها ظلال أفراخها يقفزون لينالوا من فمها العطايا
تبيض الأسنان
وتزداد ابتسامة الرضا اتساعا
برغم صوت اعتصار معدتها الخاوية الذي تحرش بمسامعي
رأيت فيها صورة أمي
أمي نعم أمي رحمة الله عليها
حاولت الهروب
أخرجت مذياعي الصغير
لامست يدي أزراره عبثا
تراجعت خشية أن أجد ضالتي
طمأنت نفسي
: غير معقول أن تجدها تشدو الآن
تسرب الشك إلي
: احتمال واحد في المليون
: و لو وقع المحظور؟
: أغلقه
حملتني الشجاعة فوق خيولها المجنحة و انطلقت
فتحت المذياع بحذر شديد
هويت من عل
فلقد حدث ما توقعته
دغدغ صوتها مسامعي هامسا
حاولت جاهدا الرجوع عما بدأته
كان صوتها قد تسرب داخلي بالفعل
توغل
تسلل إلى قلبي
سيطر على كل حواسي
شممته
سمعته
رأيته
لمسته
ذقته
أيقنته
لفني عنوة خلال دواماته المتلاحقة
اعتصر قلبي اعتصارا
حاولت الفرار
ضاعت محاولاتي أدراج الرياح
استسلمت بتحفظ
( يا جبل اللي بعيد
خلفك حبايبنا
بتموج مثل العيد
وهمك متعبنا
اشتقنا لمواعيد
جينا اتعذبنا
يا جبل اللي بعيد
قول لحبايبنا
قول لحبايبنا
عندها لم أستطع التماسك أكثر من ذلك
انهارت محاولاتي
انهمر الدمع يغرق العالم من حولي
بعدوا الحبايب بيعدوا
بعدوا الحبايب
عا لجبل عالي بيعدوا
و القلب دايب
اندفعت سيول الأحزان تجرفني في طريقها
تحملني إلى أمي
بالكاد سمعت صوتها الواهن و الدمع ينزف من عينيها
توكل أنت على الله ، :
هيا كي لا تتأخر
(تثاقلت الخطوات و أنا أتجه إلى الطبيب أستفسر منه عن حالتها فأجاب)
: ليكن الله في عونها
: ونعم بالله
هل هناك أمل؟
: الأمل في رحمة الله
فلقد تمكن منها
( ناداني أخي )
: أحمد ؟
أمي تريدك
(حاولت لملمة أشلاء قلبي المترامية و ما لبثت
وجدته يرفرف إليها )
: هل طلبتني يا أمي ؟
:نعم ، بماذا أجابك الطبيب ؟
( تلاحق الدمع منهمرا ليستقر فوق وجنتيها
فضح ما حاولت ستره
حاولت الهروب
جذبتني إليها يدها الرقيقة
: إذن لا أمل ؟
حاولت الرد فلم استطع
قاطعتني
: إذن لا مفر
أصغ لي جيدا يا بني
الله أعلم هل من الممكن أن نلتقي ثانية أم لا
:ما هذا الكلام يا أمي ؟
:كل نفس ذائقة الموت ،
فلتغلق الباب إذن و تعال
فعندي ما أود اطلاعك عليه
( أغلقت الباب )
: تعالى إلى جانبي ، قرب أذنك
: خير إن شاء الله يا أمي
( لملمت ما تبقى لها من قوة و همست )
: ما سأقوله لك ، لا يعلمه سوانا
و لقد كان بنيتي عدم إخباركم به
إلا أنني أحس أن لقاء الله قد حان
: و ما الداعي لهذا الآن يا أمي؟
: بالله عليك لا تقاطعني
فأنا بالكاد أحاول التحدث
اشهد أمام الله الآن أنت أو أخيك علي
هل قصرت معكما يوما ما ؟
هل يوما ما تسلل لكما أنني أفرق في معاملتي لكما عن بقية إخوانكم ؟
: الشهادة لله لم يحدث ، و لكن ما جدوى هذا الآن يا أماه ؟
: لا تقاطعني أرجوك ، فقط جاوبني بنعم أو لا
حتى عندما مات أباك رحمة الله عليه هل تغيرت معاملتي لكما ؟
هل فرقت بينكم في أي شيء ؟
ألم أرفض الزواج من أجل أن أقوم برعايتكم
و تربيتكم برغم ما كنت أتعرض له مضايقات البعض و أنت تعلم هذا جيدا ؟
: نعم يا أمي نعم ، و لكن ما الداع لكل هذا يا أمي ؟
: أحس أنني سألقى الله تعالى و لا أجد ما أقوله له عندما يسألني
أنت و أخاك علي
( حاولت المسكينة جاهدة لملمة أحاسيسها المبعثرة في أرجاء الكون المترامي )
: أنا
تنهمر دموعها تغرقني ، تغرق العالم حولنا (
تتبعثر الكلمات فوق شفتيها )
: أنت
( أراها يعتصر قلبها ألما ، يتفطر ، قاطعتها رحمة بها )
: يكفي هذا يا أمي ، رحمة بقلبك أيتها الرقيقة
: اصمت يا ولد و اسمعني ،
أنا لست أمك
( لم أقو على كبت الضحكات التي ترددت بصدري فأطلقت لها العنان )
: إنت أبويا ؟
ها ها ها ها ها
( لا أدري من أين أتت بهذه القوة التي جعلتها ترفع كفها و تهوى به على وجهي و قاطعتني بحزم )
:أما آن لك أن تصير رجلا بعد ؟
و لما الضحك ؟ لما ؟
هل هذا وقت للضحك ؟
( عندها أيقنت خطورة الموضوع )
: لأول مرة يا أماه تضربينني
: أقول لك أن الأمر خطير
أقول لك أنني غير قادرة على ما أنا به الآن
ألا تفهم ؟ كان يجب عليك أن تساعدني بدلا من أن تزيد الأمر علي صعوبة
أقول لك أنه أمانة يجب أن أؤديها و إلا ما سامحني الله
و أنت كما أنت لا فائدة من ورائك ؟
كن رجلا و ساعدني و لو لمرة واحدة
(عندها ارتميت في أحضانها ، أحسست بدفء دموعها تلامس وجنتي ، تمتمت في أذني )
:ليتها شلت قبل أن تلمسك يا بني ،
سامحني يا بني
( تناولت كفي تقبله رغم محاولاتي لنزعها من بين كفيها )
: أرجوك ، أريدك أن تساعدني ، أرجوك
أقبل يديك و قدميك لتساعدني ، فأنا أتمزق ، أقول لك أتمزق
: آسف يا أماه ، لن أقاطعك ، و لتقولين ما تشائين ،
: أباك رحمة الله عليه بعدما توفت أمكما رحمة الله عليها
جاء و طلب الزواج مني
و عندما سألني أبي رحمة الله عليه وافقت فورا
عندها استنكروا موافقتي
قالوا تتزوجين أرملا و عنده من الولد اثنان ؟
قلت لهم : نعم ؟
و من يومها ويعلم الله بأنني عاهدته أنكم أولادي
و يعلم الله أنني عندما رزقني بالأولاد لم يمر بخاطري و لو للحظات من منكم ولدت و من لم ألد
و أطلب منك الآن أن تشهد كلمة حق
و الله إني سأسألك عنها أمام رب العالمين
هل أحسستم و لو للحظة واحدة أنكم لستم أولادي؟
هل تبادر إلى ذهنكم يوما أو قلتم حتى لو بينكم و بين أنفسكم
أمنا تفرق في المعاملة بينا و بين إخواننا ؟
( ارتميت في أحضانها حاولت الرد على تساؤلاتها لكن الكلمات تحشرجت في صدري)
: و الله يا أماه و يعلم الله بأنني دائما ما كنت أعتقد بأنهم هم الذين ليسوا بأولادك
و الله كان علي كثيرا ما يقول لي
ـ أمك دائما ما تقف في صفي أنا و أنت ـ
و حتى بعد موت أبانا
و حتى الآن يهيأ إلي أنك في أية لحظة ستبتسمين كعادتك و تقولين لي أنها مزحة من مزاحك المعتاد
(قالت و قد حولت نظرها ـ على استحياء ـ إلى أعلى)
: اللهم فاشهد ، اللهم فاشهد
(لملمت ما خرجت به من هذه الحياة في كلمات )
يا بني كم من أم ألقت بأولادها إلى المجهول :
الأم يا بني هي التي تتعب و ترعى و تسهر و تربي
( و خفت نور قلبها الواهن رويدا ، رويدا ، رحلت
أخذت معها حنان الكون الذي طمعت فيه وحدها دون غيرها من النساء)
يرحمك الله يا أمي
نعم أمي
فو الله الذي لا إله إلا هو لم أعرف لي أما غيرك
جاء صوت فيروز يكمل على ما تبقى مني
دبلوا زهور
وبين هالشجرات فيه طيرين
عم يسألوا لوين
هالأصحاب راحوا لوين
شوف الموائد رمدوا
رمدوا
برحت مكاني ، اتجهت إلى الباب المفتوح
وقفت أتطلع إلى القرى التي نمر بها
والتي أسدل الظلام عليها حزنه
أشعلت لفافة
علها تطفئ نار الأحزان
التي نشبتها فيروز بقلبي
بعدوا الحبايب بيعدوا
بعدوا الحبايب
بعدوا الحبايب بيعدوا
بيعدوا
بيعدوا
ترقرقت بعيني صورة البدر المشرق
رأيت فيه وجهها يحييني مبتسمة
رددت عليها التحية بابتسامة دامعة
و لكنني سألتها مستنكرا
: و من غيرك في أيامنا هذه يا أمي يفرح للقاء ربه عز و جل ؟
طمعت في بذل الحنان طوال حياتك
و الآن تطمعين في رحمة الله
يرحمك الله أيتها الطامعة
نتمايل على وقع دقات القطار على سندان القضبان الحديدية
عائدا أنا من إجازتي العسكرية
أرتدي بزتي المموهة
تتسلل من بين النوافذ مستطيلات متلاحقة من الضوء بين حين و آخر
تركض فوق الملابس و الوجوه
ألمح من خلالها وجوه الجنود المنحوتة هنا و هناك
أتابع على أثرها على استحياء وجوه بعض المدنيين الفقراء
قمحية هي هذه الوجوه
أسدل القمح الذي يكدون في طلبه حلالا ـ ليل نهار ـ صبغته على بشرتهم
عائدون هم إلى ديارهم بعد واحدة من رحلات الشقاء الأبدية
بدأت في ممارسة هوايتي في قراءة عيون من حولي
بدأت بأحدهن
تحمل فوق ركبتيها منديل الصبر
تصره على ما جادت به ضمائر الميسورين
تراقصت في عينيها ظلال أفراخها يقفزون لينالوا من فمها العطايا
تبيض الأسنان
وتزداد ابتسامة الرضا اتساعا
برغم صوت اعتصار معدتها الخاوية الذي تحرش بمسامعي
رأيت فيها صورة أمي
أمي نعم أمي رحمة الله عليها
حاولت الهروب
أخرجت مذياعي الصغير
لامست يدي أزراره عبثا
تراجعت خشية أن أجد ضالتي
طمأنت نفسي
: غير معقول أن تجدها تشدو الآن
تسرب الشك إلي
: احتمال واحد في المليون
: و لو وقع المحظور؟
: أغلقه
حملتني الشجاعة فوق خيولها المجنحة و انطلقت
فتحت المذياع بحذر شديد
هويت من عل
فلقد حدث ما توقعته
دغدغ صوتها مسامعي هامسا
حاولت جاهدا الرجوع عما بدأته
كان صوتها قد تسرب داخلي بالفعل
توغل
تسلل إلى قلبي
سيطر على كل حواسي
شممته
سمعته
رأيته
لمسته
ذقته
أيقنته
لفني عنوة خلال دواماته المتلاحقة
اعتصر قلبي اعتصارا
حاولت الفرار
ضاعت محاولاتي أدراج الرياح
استسلمت بتحفظ
( يا جبل اللي بعيد
خلفك حبايبنا
بتموج مثل العيد
وهمك متعبنا
اشتقنا لمواعيد
جينا اتعذبنا
يا جبل اللي بعيد
قول لحبايبنا
قول لحبايبنا
عندها لم أستطع التماسك أكثر من ذلك
انهارت محاولاتي
انهمر الدمع يغرق العالم من حولي
بعدوا الحبايب بيعدوا
بعدوا الحبايب
عا لجبل عالي بيعدوا
و القلب دايب
اندفعت سيول الأحزان تجرفني في طريقها
تحملني إلى أمي
بالكاد سمعت صوتها الواهن و الدمع ينزف من عينيها
توكل أنت على الله ، :
هيا كي لا تتأخر
(تثاقلت الخطوات و أنا أتجه إلى الطبيب أستفسر منه عن حالتها فأجاب)
: ليكن الله في عونها
: ونعم بالله
هل هناك أمل؟
: الأمل في رحمة الله
فلقد تمكن منها
( ناداني أخي )
: أحمد ؟
أمي تريدك
(حاولت لملمة أشلاء قلبي المترامية و ما لبثت
وجدته يرفرف إليها )
: هل طلبتني يا أمي ؟
:نعم ، بماذا أجابك الطبيب ؟
( تلاحق الدمع منهمرا ليستقر فوق وجنتيها
فضح ما حاولت ستره
حاولت الهروب
جذبتني إليها يدها الرقيقة
: إذن لا أمل ؟
حاولت الرد فلم استطع
قاطعتني
: إذن لا مفر
أصغ لي جيدا يا بني
الله أعلم هل من الممكن أن نلتقي ثانية أم لا
:ما هذا الكلام يا أمي ؟
:كل نفس ذائقة الموت ،
فلتغلق الباب إذن و تعال
فعندي ما أود اطلاعك عليه
( أغلقت الباب )
: تعالى إلى جانبي ، قرب أذنك
: خير إن شاء الله يا أمي
( لملمت ما تبقى لها من قوة و همست )
: ما سأقوله لك ، لا يعلمه سوانا
و لقد كان بنيتي عدم إخباركم به
إلا أنني أحس أن لقاء الله قد حان
: و ما الداعي لهذا الآن يا أمي؟
: بالله عليك لا تقاطعني
فأنا بالكاد أحاول التحدث
اشهد أمام الله الآن أنت أو أخيك علي
هل قصرت معكما يوما ما ؟
هل يوما ما تسلل لكما أنني أفرق في معاملتي لكما عن بقية إخوانكم ؟
: الشهادة لله لم يحدث ، و لكن ما جدوى هذا الآن يا أماه ؟
: لا تقاطعني أرجوك ، فقط جاوبني بنعم أو لا
حتى عندما مات أباك رحمة الله عليه هل تغيرت معاملتي لكما ؟
هل فرقت بينكم في أي شيء ؟
ألم أرفض الزواج من أجل أن أقوم برعايتكم
و تربيتكم برغم ما كنت أتعرض له مضايقات البعض و أنت تعلم هذا جيدا ؟
: نعم يا أمي نعم ، و لكن ما الداع لكل هذا يا أمي ؟
: أحس أنني سألقى الله تعالى و لا أجد ما أقوله له عندما يسألني
أنت و أخاك علي
( حاولت المسكينة جاهدة لملمة أحاسيسها المبعثرة في أرجاء الكون المترامي )
: أنا
تنهمر دموعها تغرقني ، تغرق العالم حولنا (
تتبعثر الكلمات فوق شفتيها )
: أنت
( أراها يعتصر قلبها ألما ، يتفطر ، قاطعتها رحمة بها )
: يكفي هذا يا أمي ، رحمة بقلبك أيتها الرقيقة
: اصمت يا ولد و اسمعني ،
أنا لست أمك
( لم أقو على كبت الضحكات التي ترددت بصدري فأطلقت لها العنان )
: إنت أبويا ؟
ها ها ها ها ها
( لا أدري من أين أتت بهذه القوة التي جعلتها ترفع كفها و تهوى به على وجهي و قاطعتني بحزم )
:أما آن لك أن تصير رجلا بعد ؟
و لما الضحك ؟ لما ؟
هل هذا وقت للضحك ؟
( عندها أيقنت خطورة الموضوع )
: لأول مرة يا أماه تضربينني
: أقول لك أن الأمر خطير
أقول لك أنني غير قادرة على ما أنا به الآن
ألا تفهم ؟ كان يجب عليك أن تساعدني بدلا من أن تزيد الأمر علي صعوبة
أقول لك أنه أمانة يجب أن أؤديها و إلا ما سامحني الله
و أنت كما أنت لا فائدة من ورائك ؟
كن رجلا و ساعدني و لو لمرة واحدة
(عندها ارتميت في أحضانها ، أحسست بدفء دموعها تلامس وجنتي ، تمتمت في أذني )
:ليتها شلت قبل أن تلمسك يا بني ،
سامحني يا بني
( تناولت كفي تقبله رغم محاولاتي لنزعها من بين كفيها )
: أرجوك ، أريدك أن تساعدني ، أرجوك
أقبل يديك و قدميك لتساعدني ، فأنا أتمزق ، أقول لك أتمزق
: آسف يا أماه ، لن أقاطعك ، و لتقولين ما تشائين ،
: أباك رحمة الله عليه بعدما توفت أمكما رحمة الله عليها
جاء و طلب الزواج مني
و عندما سألني أبي رحمة الله عليه وافقت فورا
عندها استنكروا موافقتي
قالوا تتزوجين أرملا و عنده من الولد اثنان ؟
قلت لهم : نعم ؟
و من يومها ويعلم الله بأنني عاهدته أنكم أولادي
و يعلم الله أنني عندما رزقني بالأولاد لم يمر بخاطري و لو للحظات من منكم ولدت و من لم ألد
و أطلب منك الآن أن تشهد كلمة حق
و الله إني سأسألك عنها أمام رب العالمين
هل أحسستم و لو للحظة واحدة أنكم لستم أولادي؟
هل تبادر إلى ذهنكم يوما أو قلتم حتى لو بينكم و بين أنفسكم
أمنا تفرق في المعاملة بينا و بين إخواننا ؟
( ارتميت في أحضانها حاولت الرد على تساؤلاتها لكن الكلمات تحشرجت في صدري)
: و الله يا أماه و يعلم الله بأنني دائما ما كنت أعتقد بأنهم هم الذين ليسوا بأولادك
و الله كان علي كثيرا ما يقول لي
ـ أمك دائما ما تقف في صفي أنا و أنت ـ
و حتى بعد موت أبانا
و حتى الآن يهيأ إلي أنك في أية لحظة ستبتسمين كعادتك و تقولين لي أنها مزحة من مزاحك المعتاد
(قالت و قد حولت نظرها ـ على استحياء ـ إلى أعلى)
: اللهم فاشهد ، اللهم فاشهد
(لملمت ما خرجت به من هذه الحياة في كلمات )
يا بني كم من أم ألقت بأولادها إلى المجهول :
الأم يا بني هي التي تتعب و ترعى و تسهر و تربي
( و خفت نور قلبها الواهن رويدا ، رويدا ، رحلت
أخذت معها حنان الكون الذي طمعت فيه وحدها دون غيرها من النساء)
يرحمك الله يا أمي
نعم أمي
فو الله الذي لا إله إلا هو لم أعرف لي أما غيرك
جاء صوت فيروز يكمل على ما تبقى مني
دبلوا زهور
وبين هالشجرات فيه طيرين
عم يسألوا لوين
هالأصحاب راحوا لوين
شوف الموائد رمدوا
رمدوا
برحت مكاني ، اتجهت إلى الباب المفتوح
وقفت أتطلع إلى القرى التي نمر بها
والتي أسدل الظلام عليها حزنه
أشعلت لفافة
علها تطفئ نار الأحزان
التي نشبتها فيروز بقلبي
بعدوا الحبايب بيعدوا
بعدوا الحبايب
بعدوا الحبايب بيعدوا
بيعدوا
بيعدوا
ترقرقت بعيني صورة البدر المشرق
رأيت فيه وجهها يحييني مبتسمة
رددت عليها التحية بابتسامة دامعة
و لكنني سألتها مستنكرا
: و من غيرك في أيامنا هذه يا أمي يفرح للقاء ربه عز و جل ؟
طمعت في بذل الحنان طوال حياتك
و الآن تطمعين في رحمة الله
يرحمك الله أيتها الطامعة