عمر خريص
01-09-2006, 00:20
شاعران وشاعرة على طريق الابداع
كنت اود ان افرد لكل شاعرا من هؤلاء الشعراء مقالا خاصا اتحدث فيه بالمزيد عن ابداعاتهم الشعرية ومراحل نضجهم الابداعي وخصوصا بعد ان قطعوا شوطا لاباس به في قول الشعر وسبك ابياته ونظم قوافيه واكتمال صورته حتى استحقوا ان يشار اليهم بالبنان بأنهم انجم بازغة في سماء الشعر تتهيا لاحتلا ل مواقعها المرتقبة لتنطلق في توهجها شعرا وابداعا ، ولكني آثرت ان اجمعهم في هذه المقالة تمهيدا ومقدمة لقادم الايام وماتتمخض عنه تجاربهم الشعرية ولاسيما انه يتهيا بعضهم لاصدار ديوانه الاول ويراجع الاخر ويزيد في باكورته ، وأول هؤلاء الشعراء (الشاعر محمد عمر باذيب ) المولود في شبام حضرموت عام (1964م) ثم كانت الرياض مقر اقامته وفيها نشر اول قصائده الشعرية من خلال بعض المطبوعات حتى تتوجت بنشره في مجلة (الفيصل) وهي مجلة ثقافية ذو مستوى عال وكان ذلك برعاية استاذه وراعي موهبته ومقدمه الاول الدكتور (محمد أبو بكر حميد ) ، ولعل الجو العربي والاسلامي الملتهب في آواخر ثمانييات القرن المنصرم كان مؤثرا في تكوين الشاعر الثقافي في وقت كانت فيه مدرسة (الادب الاسلامي) في اوج نشاطها وتفاعلها الثقافي ، في هذه الاجواء تبرعمت موهبة الشاعر باذيب وحاول ان يضع اول قدميه على الطريق الصحيح المؤدي الى عالم الابداع الشعري مشبعا بقيمه الخاصة التي ورثها واكتسبها ثم صقلها بايمانه بقضاياه ونضاله من اجلها ، ولعل راؤه اخذته الى نشدان المجتمع المثالي الذي ود ان يكون واقعا ملموسا يعايشه فلم يجده قائما ، فحاول ان يلتمسه في استرجاع العهد الاسلامي الاول كما اعرب عنه في قصيدته (ياخير صحب ) قال فيها يخاطب مكة المكرمة :ـ
أم المدائن هلا عدت بالزمن = الى كرام هنا ساروا على سنن
أخالهم بين طواف وساجدة = وبين ضارب هام الظالم العفن
كانوا .. وهل تعرف البيداء غيرهم = خير العباد ، كمال ضم في بدن
حنينه الى ذلك العهد المثالي يتصاعد في نفسية الشاعر الى مستواه الاعلى ، فبعد ان يثنى على المعلم الاول (رسول الله صلى الله عليه وسلم ) يتمنى لو كان هناك حاضرا ماثلا ، قال :ـ
ياليتني كنت تلميذا بحضرتهم = ملقن الحق غضا من (ابي الحسن ).
ويظل الشاعر متمسكا بما خطه لنفسه من اتجاهات ارتضاها في ثبات متين لايحول عنها ولا يزول ، وهي نفسها حتى عندما يغوص في اعماق نفسه المتأججة ، ففي قصيدته (اغوار) نطاالعه قائلا :ـ
قبلت طهر الصلاة حتى احتواني اليقين
لامست سر الحياة عانقت روح المنون
حتى دعــوت الآله بخاشع مستكــــين
قد هيجته رؤاه في لحظة من سكون
فاستقبلت ذكرياتي .. من مستهل حياتي
بمنطقي وسماتي .. شخصا براه الحنين .
هذا الايمان العميق واليقين الثابت جعلا من الشاعر ثائرا صاحب قضية يقدم في سبيلها كل غال ورخيص ، واول قضاياه هي تحرير الاقصى وتخليصه من المستعمر الغاصب ، نراه يقول في قصيدته (مااشبه الليلة بالبارحة ) :ـ
حكايتي عن صلاح الدين ارويها = من نبع (حطين ) استسقي معانيها
تسعون عاما مضت والكفر في رغد = يعيث في ساحة الاقصى ويؤذيها
حتى اتاها صلاح الدين في غلس = فرنق الفجر قاصيها ودانيها
وحوله في رباط الخيل كوكبة = قد اقسموا ان يخوضوا في أعاديها.
وهو هنا لازال يتحرق ويتطلع الى ظهور (صلاح الدين ) الجديد والى جيله الذي دك معاقل الاستعمار واطلق القدس من اسرهم ، وهذا ماجعله اشد ايمانا بطرق الكفاح والنضال المسلح واصبح في شعره الداعي المستنير الذي لا يرى التحرر الا من خلال البندقية ، وهو في شعره ينعتها بالحبيبة مثلما حكى عنها في قصيدته (حبيبة من نوع آخر ) قائلا :ـ
ترانيم أشواق تحوم في فكري = فياليت شعري هل يحيط بها شعري
فسمراء لما غردت خلت أنني = أقربها بالراحتين الى صدري
كأني مثل العاشقين أضمها = فتهتز بين القبضتين من العصر
يزيد هيامي كلما اشتد صوتها = ويمنعني من لثمها حمرة الثغر.
هكذا يظل مستمرا على ماراد ان يكون ، بل لايرى خلاصا سوها مؤكدا ذلك بقوله :ـ
سراعا الى حمل البنادق انني = سئمت هدير الكاذبين عن الفجر.
هذا كان شاعرنا الاول هنا بشعره واحلامه ورؤاه الاولى وامامه دربا طويلا يجب ان يقطعه وان لا يتوقف حيثما كان بل يجب ان يكون مهيا للانعطافات الكثيرة التي تنتظره في قادم الحياة .
واما ثاني الثلاثة هو (الشاعر جمال عبدالله حميد ) المولود في مدينة الشحر( عام 1970م) خريج كلية التربية ، ظهرت ملكته في قول الشعر في منتصف التسعينات من القرن الفائت ، وهو صاحب المطولات الشعرية والنفس الطويل ، مثلما نظم مطولتةالفريدة في مولد الرسول (صلى) في 170 بيتا ، واول مانشر قصائده في مجلة (العالم الاسلامي ) الصادرة من مكة المكرمة عن رابطة العالم الاسلامي ، وايضا نشرت له دورية الفكر بحضرموت عددا من القصائد كان آخرها قصيدته (هلال الربيع ) في (42) بيتا ، ويمتاز شعر (جمال ) بالمتانة في سبك المعاني وسلاسة المفردة واشراق الرؤية ووضوح الصورة ، يطرح قصائده في تلقائية مذهلة بعيدا عن تعقيد الرمز وهذر الكلمات ، تتلمذ لشوقي واحب اشعاره ومنه اخذ روح الشعر وبهائه ورونقه ، ويعجبني ان اطلق عليه (شاعر الحبيب ) (صلى) لما خصص من شعره في مدحه بل يكاد اغلبه فيه ولعله كاد يكون (برعي ) هذا الزمان اذا استمر على ماهو عليه ، فهو يحمل ذلك الحب العارم والهيام الكبير ، ونرى في قصائده شوقا مبثوثا ، فهو حينما يشد الرحال الى زيارة المصطفى (صلى) يشدو في قصيدته ( في رحاب المصطفى صلى الله عليه وسلم ) :ـ
هـــذا الحبيب وهــــذه آثاره = هاقد دنا بعد البعاد مزاره
يهناك ياعين المحب تمتعي = هذا حمى طه وتلك دياره
هيا اسكبي درر الدموع غزيرة = فلعل قلب الصب تطفى ناره
وانى ان يطفى الشوق في قلوب المحبين الغارقين في حبه صلى الله عليه وسلم ، وهذا الحنين في قلب الشاعر يعرب عنه في (31 بيتا) كان بيت القصيد فيه :ـ
ياأعـــــــذب الاسماء أنت محمد = يحلو على الشفتين لي تكراره
ذكراه في ليلي وصبحي فاستوى = ليل المحب بذكـــــــره ونهاره .
ولا تفوته ابدا ذكرى المولد الشريف ، ففي احتفائه به يصوغ اجمل قصائده ، مثال قصيدته (شهر الربيع ) وقصيدته (هلال الربيع) المنشورة في (الفكر العدد 27) التي مطلعها:ـ
أهــلا هــلال ربيعنا الوضاء = اشرق وعم الكون بالأضواء
اهلا بمطلعك السعيد ومرحبا = فلأنت أكــــــرم طالع بسماء
ان القـلوب اليك جـــد مشوقة = شـــوق الظماء بقفـــرة للماء .
وفي قصائده يعرج على هموم الامة ومعاناتها في ايضاحات واشارات كقوله :ـ
دعني ابـثك ياهلال ربيعنا = همي فقد غمر الاسى احشائي
القدس مازالت تئن بحرقة = تستنجــــد الاحــــــيا بكل نداء
ويسترسل عارضا مآسي الامة وباث شكواه الى ان يقول :ـ
والمسلمون اصابهم بذنوبهم = وهن ، فهم ـ صدق النبي ـ كغثاء
حكامهم في غـفـلة عن ربهم = لاهون في الشهوات والأهـــــواء
آساد في سحق الشعوب اشاوس = ونعـــــــــــائم جبناء في الهيجاء
يتوســلون السلم ممن لا يرى = سلما سوى بعواصف الصحراء .
وكذا تثور ثائرته منافحا ومدافعا عن قضية العرب والمسلمون الاولى فلسطين ، فيصدع بقصيدته ( صرخة الاقصى ) يستنهض بها الهمم ، كما ثارت ثائرته مناصرا رسول الله صلى عليه وسلم فيما تعرض له من اساءات في الدنمارك ، قال فيها :ـ
الا الرسول الطاهر الميمون = ففداه تحلو للنفوس منون
وفـــــــــــــداه آباء وأبناء لنا = ولأجله كل الوجود يهون
الى ان يقول :ـ
ياأمة الاســــلام ياحكامنا = الـــذل مل ومل منا الهون
واستأسد السنور لما أن غفت = أسد الوغى ولها أستبيح عرين
واليوم ويح اليوم قد بلغ الزبى = سيل العداوة واستطال المــين
وأساء للمختار قزم حاقـــــــــد = نتن المباديء أهوج مأفـــون
زعموا بأن الرأي حـر عندهم = كـذبوا بل الرأي النزيه سجين .
وهي قصيدة طويلة في (40 بيتا) ، ولو اردنا ان نعرض جميع شعره لما كفتنا الصفحات الطوال ، ولكن حسبنا أن نشير اليه هنا ونحثة على ان يظهر اغراض شعره الباقية حتى يتسنى لنا تقصي جوانب موهبته الشعرية الواعدة ان شاء الله .
واما الشاعرة فهي ( أميرة الوادي ) شاعرة أكاديمية تعيد لنا في لقبها امجاد نابغات العرب مثل (باحثة البادية) ملك حنفي ناصف ، و( بنت الشاطي ) الدكتورة عائشة عبدالرحمن ، أما شاعرتنا فتمتد جذورها الى سيئون و هي مسقط رأسها ، واما مدينة عدن فمكان اقامتها وميدان عملها ، وهي تلميذة نجيبة للدكتوران ، الخليفة والجبر ، وربما يعد احدهما كتابة مقدمة ديوانها البكر ، ومابين يدي من قصائدها يخبر عن شاعرة متمكنة وموهبة قادرة على الابداع الجيد والعالي ، وهي لا تقتى تشارك اخيها الرجل همومه القومية الكبرى وقضاياه وتنافح مثلما ينافح عنها بكل اقتدار وجدارة فكانت في مقدمة قصائدها قصيدتها (حرب العراق ) التي صاغتها (سنة الغزو الاثيم للعراق ) كما حددت هي ، وفيها تصف وضاعة الحرب وهمجية الغازي ، تقول فيها :ـ
الـلـــيل صمت والقـــــــــلوب دعاء = والــــدرب قفر والبيوت ضياء
ومض الردى وهوى فأحرق وابتلى = هــــطلت دما وتناثــرت اشلاء
وأصم أذن الكـــــون وقــــــــع دويه = وعلا ، فما سمعت به الاصداء
وترددت عــــــبرات طــــــفل حائر = وثوى الأسى وتساقط الشهــداء
وهي بعد هذا وماساقته من مشاهد يدمى لها القلب الحجر لا تستسلم لياسها ودواعي احباطها ، بل هي مؤمنة بقوة وعزيمة امتها وصلابة شعبها العربي الشقيق في العراق فتصفها :ـ
لا، لم يمت شعب العراق وفيهم = عزم واقدام ، هدى وفداء
في قلب أصغرهم تضيء لآلي = شرر تفيض اذا ألم قضاء
وقلوب أكبرهم براكين اذا = حمما قـــــــذفن فلا تحد سماء
لله درها من شاعرة ، انى يأتي الرجال بمثل هذا ، صلابة في الموقف ودفاعا عن العرين ،ونصرا ومؤازرة ، وهي ايضا لا تفوت ان تعلن ادانتها للمعتدين (الدنمارك) على شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم ، فأوجعها مافعلوا واثار غضبتها ، فقالت فيها :ـ
أتاك باغ من الدنمارك مبتدرا = وباسم حرية التعبير مفتخرا
مستهزئا برسول الله معتقدا = أن اختلاف الليالي يفسد القمرا
وأن رسما يهز اليوم صورته = هيهات يجحد نور الشمس من نظرا
فشايعته رؤوس الكفر بائسة = بئس النصير وبئس العلج من نصرا
ولم تكن تشغلها هذه القضايا الكبرى فقط ، بل تشغلها ايضا قضايا مجتمعها وبهذه القضايا تلونت تجربتها الشعرية فغذت اكثر اتساعا واتساقا ، وهي الانثى التي تناغمت حروفها مع نضج رؤاها واكتمال تجربتها وصدق طرحها، وصارت هذه من ابرز سمات وخصائص شعرها ، ترجمان ذلك في قصيدتها (عدوة نفسها ) تصف احدى بنات جنسها ، وصف الخبير العارف ، فتقول :ـ
عدوة نفسها بلغت مـــداها = وفاقـــــت نفسها صلفا وتيها
تغامر كالشباب وقد تغالى = ترسم في الشذوذ خطا أخيها
تثرثر بالفراغ ىولا تبالي = اذا ماجادلت رجـــلا ســفيها
تفاخر بالعطور وبالهدايا = وبالحــــــــلل التي لا ترتديها
وهي كذلك في قصيدتها (حبيبتي ) وتعني بها صديقتها التي تحمل لها ايات الحب :ـ
هـــــواها أول في كل شىء = فلم يدع المجال لحب ثاني
وكيف أحب والاشواق حكر = عليها والعواطف والاماني
ثم يتجلى هذه الخط الشعري الجميل اكثر واكثر في قصيدتيها (لبنى) و (فرهاد) تقول في الاولى :ـ
ناعس مثل تهاويد الكرى = ذلك الطرف الكسير المتعب
ذرت القهوة في سودائه = وأحيطت بســــواد تلـــــــهب
ترتوي الابصار من تحديقها = فيه والطرف الروي لا يتعب
ذلك طرف (لبنى ) ترسمه لنا الشاعرة في لوحة جديدة ، صورة لم نطالعها من قبل نصفق لها اعجابا وتحية ، وفي (فرهاد) نرى مشاعرها تنساب في اروع ماتكون على خطى ( ياليل الصب متى غده) وهي تنثال صدقا وحبا :ـ
فرهاد الصدق ومعدنه = وصدى بالحب ألحنه
وربيع حلق بي فرحا = بخيوط الطيف أزينه
فرهاد براءة عاشقة = تخفى الاحساس وتعلنه
وفي قصيدتها ( رحلوا ) تعاني مرارة رحيل الاحبة ومن ثم نسيانهم وتنكرهم وقد خلفوا ورائهم قلوبا معلقة بهم فما حفلوا بها :ـ
حسموا بنبذ الحب أمرهم = ومضوا وأمر الحب ما حسما
بقيت مرارتنا تؤرقنا = من ذا بلانا بالعذاب وما
ماذا فعلنا كي يجور بنا = قدر الغرام بقسمة الغرما
ومهما تنكب لها الاحبة الا ان ايمانها بالحب يظل قائما يفيض به قلبها ويغمر حياتها ، فان لم يكن واقعا معاشا فهو حلما وأملا تنشده ، ففي قصيدتها (لعبة الحب ) تقول :ـ
وصرت أهفو الى الأحلام أرغمني = على المــــــنام ليلقاني محياه
كمن يراقب سطح البحر مضطربا = بفعل غصن على التيار القاه
فارجع الموج غصن الحب في انف = رباه حتى اتساع البحــر ياباه
يالعبة الحب حسبي منك مـــــكرمة = فقد اعـــدت الى قلبي خلاياه
هذه الشاعرة (اميرة الوادي ) في لمحة خاطفة عن شعرها ، كما المحنا لزميليها ، وعسى ان تسعفنا الايام القادمة في قراءة المزيد من شعرهم والكتابة عنهم .
كنت اود ان افرد لكل شاعرا من هؤلاء الشعراء مقالا خاصا اتحدث فيه بالمزيد عن ابداعاتهم الشعرية ومراحل نضجهم الابداعي وخصوصا بعد ان قطعوا شوطا لاباس به في قول الشعر وسبك ابياته ونظم قوافيه واكتمال صورته حتى استحقوا ان يشار اليهم بالبنان بأنهم انجم بازغة في سماء الشعر تتهيا لاحتلا ل مواقعها المرتقبة لتنطلق في توهجها شعرا وابداعا ، ولكني آثرت ان اجمعهم في هذه المقالة تمهيدا ومقدمة لقادم الايام وماتتمخض عنه تجاربهم الشعرية ولاسيما انه يتهيا بعضهم لاصدار ديوانه الاول ويراجع الاخر ويزيد في باكورته ، وأول هؤلاء الشعراء (الشاعر محمد عمر باذيب ) المولود في شبام حضرموت عام (1964م) ثم كانت الرياض مقر اقامته وفيها نشر اول قصائده الشعرية من خلال بعض المطبوعات حتى تتوجت بنشره في مجلة (الفيصل) وهي مجلة ثقافية ذو مستوى عال وكان ذلك برعاية استاذه وراعي موهبته ومقدمه الاول الدكتور (محمد أبو بكر حميد ) ، ولعل الجو العربي والاسلامي الملتهب في آواخر ثمانييات القرن المنصرم كان مؤثرا في تكوين الشاعر الثقافي في وقت كانت فيه مدرسة (الادب الاسلامي) في اوج نشاطها وتفاعلها الثقافي ، في هذه الاجواء تبرعمت موهبة الشاعر باذيب وحاول ان يضع اول قدميه على الطريق الصحيح المؤدي الى عالم الابداع الشعري مشبعا بقيمه الخاصة التي ورثها واكتسبها ثم صقلها بايمانه بقضاياه ونضاله من اجلها ، ولعل راؤه اخذته الى نشدان المجتمع المثالي الذي ود ان يكون واقعا ملموسا يعايشه فلم يجده قائما ، فحاول ان يلتمسه في استرجاع العهد الاسلامي الاول كما اعرب عنه في قصيدته (ياخير صحب ) قال فيها يخاطب مكة المكرمة :ـ
أم المدائن هلا عدت بالزمن = الى كرام هنا ساروا على سنن
أخالهم بين طواف وساجدة = وبين ضارب هام الظالم العفن
كانوا .. وهل تعرف البيداء غيرهم = خير العباد ، كمال ضم في بدن
حنينه الى ذلك العهد المثالي يتصاعد في نفسية الشاعر الى مستواه الاعلى ، فبعد ان يثنى على المعلم الاول (رسول الله صلى الله عليه وسلم ) يتمنى لو كان هناك حاضرا ماثلا ، قال :ـ
ياليتني كنت تلميذا بحضرتهم = ملقن الحق غضا من (ابي الحسن ).
ويظل الشاعر متمسكا بما خطه لنفسه من اتجاهات ارتضاها في ثبات متين لايحول عنها ولا يزول ، وهي نفسها حتى عندما يغوص في اعماق نفسه المتأججة ، ففي قصيدته (اغوار) نطاالعه قائلا :ـ
قبلت طهر الصلاة حتى احتواني اليقين
لامست سر الحياة عانقت روح المنون
حتى دعــوت الآله بخاشع مستكــــين
قد هيجته رؤاه في لحظة من سكون
فاستقبلت ذكرياتي .. من مستهل حياتي
بمنطقي وسماتي .. شخصا براه الحنين .
هذا الايمان العميق واليقين الثابت جعلا من الشاعر ثائرا صاحب قضية يقدم في سبيلها كل غال ورخيص ، واول قضاياه هي تحرير الاقصى وتخليصه من المستعمر الغاصب ، نراه يقول في قصيدته (مااشبه الليلة بالبارحة ) :ـ
حكايتي عن صلاح الدين ارويها = من نبع (حطين ) استسقي معانيها
تسعون عاما مضت والكفر في رغد = يعيث في ساحة الاقصى ويؤذيها
حتى اتاها صلاح الدين في غلس = فرنق الفجر قاصيها ودانيها
وحوله في رباط الخيل كوكبة = قد اقسموا ان يخوضوا في أعاديها.
وهو هنا لازال يتحرق ويتطلع الى ظهور (صلاح الدين ) الجديد والى جيله الذي دك معاقل الاستعمار واطلق القدس من اسرهم ، وهذا ماجعله اشد ايمانا بطرق الكفاح والنضال المسلح واصبح في شعره الداعي المستنير الذي لا يرى التحرر الا من خلال البندقية ، وهو في شعره ينعتها بالحبيبة مثلما حكى عنها في قصيدته (حبيبة من نوع آخر ) قائلا :ـ
ترانيم أشواق تحوم في فكري = فياليت شعري هل يحيط بها شعري
فسمراء لما غردت خلت أنني = أقربها بالراحتين الى صدري
كأني مثل العاشقين أضمها = فتهتز بين القبضتين من العصر
يزيد هيامي كلما اشتد صوتها = ويمنعني من لثمها حمرة الثغر.
هكذا يظل مستمرا على ماراد ان يكون ، بل لايرى خلاصا سوها مؤكدا ذلك بقوله :ـ
سراعا الى حمل البنادق انني = سئمت هدير الكاذبين عن الفجر.
هذا كان شاعرنا الاول هنا بشعره واحلامه ورؤاه الاولى وامامه دربا طويلا يجب ان يقطعه وان لا يتوقف حيثما كان بل يجب ان يكون مهيا للانعطافات الكثيرة التي تنتظره في قادم الحياة .
واما ثاني الثلاثة هو (الشاعر جمال عبدالله حميد ) المولود في مدينة الشحر( عام 1970م) خريج كلية التربية ، ظهرت ملكته في قول الشعر في منتصف التسعينات من القرن الفائت ، وهو صاحب المطولات الشعرية والنفس الطويل ، مثلما نظم مطولتةالفريدة في مولد الرسول (صلى) في 170 بيتا ، واول مانشر قصائده في مجلة (العالم الاسلامي ) الصادرة من مكة المكرمة عن رابطة العالم الاسلامي ، وايضا نشرت له دورية الفكر بحضرموت عددا من القصائد كان آخرها قصيدته (هلال الربيع ) في (42) بيتا ، ويمتاز شعر (جمال ) بالمتانة في سبك المعاني وسلاسة المفردة واشراق الرؤية ووضوح الصورة ، يطرح قصائده في تلقائية مذهلة بعيدا عن تعقيد الرمز وهذر الكلمات ، تتلمذ لشوقي واحب اشعاره ومنه اخذ روح الشعر وبهائه ورونقه ، ويعجبني ان اطلق عليه (شاعر الحبيب ) (صلى) لما خصص من شعره في مدحه بل يكاد اغلبه فيه ولعله كاد يكون (برعي ) هذا الزمان اذا استمر على ماهو عليه ، فهو يحمل ذلك الحب العارم والهيام الكبير ، ونرى في قصائده شوقا مبثوثا ، فهو حينما يشد الرحال الى زيارة المصطفى (صلى) يشدو في قصيدته ( في رحاب المصطفى صلى الله عليه وسلم ) :ـ
هـــذا الحبيب وهــــذه آثاره = هاقد دنا بعد البعاد مزاره
يهناك ياعين المحب تمتعي = هذا حمى طه وتلك دياره
هيا اسكبي درر الدموع غزيرة = فلعل قلب الصب تطفى ناره
وانى ان يطفى الشوق في قلوب المحبين الغارقين في حبه صلى الله عليه وسلم ، وهذا الحنين في قلب الشاعر يعرب عنه في (31 بيتا) كان بيت القصيد فيه :ـ
ياأعـــــــذب الاسماء أنت محمد = يحلو على الشفتين لي تكراره
ذكراه في ليلي وصبحي فاستوى = ليل المحب بذكـــــــره ونهاره .
ولا تفوته ابدا ذكرى المولد الشريف ، ففي احتفائه به يصوغ اجمل قصائده ، مثال قصيدته (شهر الربيع ) وقصيدته (هلال الربيع) المنشورة في (الفكر العدد 27) التي مطلعها:ـ
أهــلا هــلال ربيعنا الوضاء = اشرق وعم الكون بالأضواء
اهلا بمطلعك السعيد ومرحبا = فلأنت أكــــــرم طالع بسماء
ان القـلوب اليك جـــد مشوقة = شـــوق الظماء بقفـــرة للماء .
وفي قصائده يعرج على هموم الامة ومعاناتها في ايضاحات واشارات كقوله :ـ
دعني ابـثك ياهلال ربيعنا = همي فقد غمر الاسى احشائي
القدس مازالت تئن بحرقة = تستنجــــد الاحــــــيا بكل نداء
ويسترسل عارضا مآسي الامة وباث شكواه الى ان يقول :ـ
والمسلمون اصابهم بذنوبهم = وهن ، فهم ـ صدق النبي ـ كغثاء
حكامهم في غـفـلة عن ربهم = لاهون في الشهوات والأهـــــواء
آساد في سحق الشعوب اشاوس = ونعـــــــــــائم جبناء في الهيجاء
يتوســلون السلم ممن لا يرى = سلما سوى بعواصف الصحراء .
وكذا تثور ثائرته منافحا ومدافعا عن قضية العرب والمسلمون الاولى فلسطين ، فيصدع بقصيدته ( صرخة الاقصى ) يستنهض بها الهمم ، كما ثارت ثائرته مناصرا رسول الله صلى عليه وسلم فيما تعرض له من اساءات في الدنمارك ، قال فيها :ـ
الا الرسول الطاهر الميمون = ففداه تحلو للنفوس منون
وفـــــــــــــداه آباء وأبناء لنا = ولأجله كل الوجود يهون
الى ان يقول :ـ
ياأمة الاســــلام ياحكامنا = الـــذل مل ومل منا الهون
واستأسد السنور لما أن غفت = أسد الوغى ولها أستبيح عرين
واليوم ويح اليوم قد بلغ الزبى = سيل العداوة واستطال المــين
وأساء للمختار قزم حاقـــــــــد = نتن المباديء أهوج مأفـــون
زعموا بأن الرأي حـر عندهم = كـذبوا بل الرأي النزيه سجين .
وهي قصيدة طويلة في (40 بيتا) ، ولو اردنا ان نعرض جميع شعره لما كفتنا الصفحات الطوال ، ولكن حسبنا أن نشير اليه هنا ونحثة على ان يظهر اغراض شعره الباقية حتى يتسنى لنا تقصي جوانب موهبته الشعرية الواعدة ان شاء الله .
واما الشاعرة فهي ( أميرة الوادي ) شاعرة أكاديمية تعيد لنا في لقبها امجاد نابغات العرب مثل (باحثة البادية) ملك حنفي ناصف ، و( بنت الشاطي ) الدكتورة عائشة عبدالرحمن ، أما شاعرتنا فتمتد جذورها الى سيئون و هي مسقط رأسها ، واما مدينة عدن فمكان اقامتها وميدان عملها ، وهي تلميذة نجيبة للدكتوران ، الخليفة والجبر ، وربما يعد احدهما كتابة مقدمة ديوانها البكر ، ومابين يدي من قصائدها يخبر عن شاعرة متمكنة وموهبة قادرة على الابداع الجيد والعالي ، وهي لا تقتى تشارك اخيها الرجل همومه القومية الكبرى وقضاياه وتنافح مثلما ينافح عنها بكل اقتدار وجدارة فكانت في مقدمة قصائدها قصيدتها (حرب العراق ) التي صاغتها (سنة الغزو الاثيم للعراق ) كما حددت هي ، وفيها تصف وضاعة الحرب وهمجية الغازي ، تقول فيها :ـ
الـلـــيل صمت والقـــــــــلوب دعاء = والــــدرب قفر والبيوت ضياء
ومض الردى وهوى فأحرق وابتلى = هــــطلت دما وتناثــرت اشلاء
وأصم أذن الكـــــون وقــــــــع دويه = وعلا ، فما سمعت به الاصداء
وترددت عــــــبرات طــــــفل حائر = وثوى الأسى وتساقط الشهــداء
وهي بعد هذا وماساقته من مشاهد يدمى لها القلب الحجر لا تستسلم لياسها ودواعي احباطها ، بل هي مؤمنة بقوة وعزيمة امتها وصلابة شعبها العربي الشقيق في العراق فتصفها :ـ
لا، لم يمت شعب العراق وفيهم = عزم واقدام ، هدى وفداء
في قلب أصغرهم تضيء لآلي = شرر تفيض اذا ألم قضاء
وقلوب أكبرهم براكين اذا = حمما قـــــــذفن فلا تحد سماء
لله درها من شاعرة ، انى يأتي الرجال بمثل هذا ، صلابة في الموقف ودفاعا عن العرين ،ونصرا ومؤازرة ، وهي ايضا لا تفوت ان تعلن ادانتها للمعتدين (الدنمارك) على شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم ، فأوجعها مافعلوا واثار غضبتها ، فقالت فيها :ـ
أتاك باغ من الدنمارك مبتدرا = وباسم حرية التعبير مفتخرا
مستهزئا برسول الله معتقدا = أن اختلاف الليالي يفسد القمرا
وأن رسما يهز اليوم صورته = هيهات يجحد نور الشمس من نظرا
فشايعته رؤوس الكفر بائسة = بئس النصير وبئس العلج من نصرا
ولم تكن تشغلها هذه القضايا الكبرى فقط ، بل تشغلها ايضا قضايا مجتمعها وبهذه القضايا تلونت تجربتها الشعرية فغذت اكثر اتساعا واتساقا ، وهي الانثى التي تناغمت حروفها مع نضج رؤاها واكتمال تجربتها وصدق طرحها، وصارت هذه من ابرز سمات وخصائص شعرها ، ترجمان ذلك في قصيدتها (عدوة نفسها ) تصف احدى بنات جنسها ، وصف الخبير العارف ، فتقول :ـ
عدوة نفسها بلغت مـــداها = وفاقـــــت نفسها صلفا وتيها
تغامر كالشباب وقد تغالى = ترسم في الشذوذ خطا أخيها
تثرثر بالفراغ ىولا تبالي = اذا ماجادلت رجـــلا ســفيها
تفاخر بالعطور وبالهدايا = وبالحــــــــلل التي لا ترتديها
وهي كذلك في قصيدتها (حبيبتي ) وتعني بها صديقتها التي تحمل لها ايات الحب :ـ
هـــــواها أول في كل شىء = فلم يدع المجال لحب ثاني
وكيف أحب والاشواق حكر = عليها والعواطف والاماني
ثم يتجلى هذه الخط الشعري الجميل اكثر واكثر في قصيدتيها (لبنى) و (فرهاد) تقول في الاولى :ـ
ناعس مثل تهاويد الكرى = ذلك الطرف الكسير المتعب
ذرت القهوة في سودائه = وأحيطت بســــواد تلـــــــهب
ترتوي الابصار من تحديقها = فيه والطرف الروي لا يتعب
ذلك طرف (لبنى ) ترسمه لنا الشاعرة في لوحة جديدة ، صورة لم نطالعها من قبل نصفق لها اعجابا وتحية ، وفي (فرهاد) نرى مشاعرها تنساب في اروع ماتكون على خطى ( ياليل الصب متى غده) وهي تنثال صدقا وحبا :ـ
فرهاد الصدق ومعدنه = وصدى بالحب ألحنه
وربيع حلق بي فرحا = بخيوط الطيف أزينه
فرهاد براءة عاشقة = تخفى الاحساس وتعلنه
وفي قصيدتها ( رحلوا ) تعاني مرارة رحيل الاحبة ومن ثم نسيانهم وتنكرهم وقد خلفوا ورائهم قلوبا معلقة بهم فما حفلوا بها :ـ
حسموا بنبذ الحب أمرهم = ومضوا وأمر الحب ما حسما
بقيت مرارتنا تؤرقنا = من ذا بلانا بالعذاب وما
ماذا فعلنا كي يجور بنا = قدر الغرام بقسمة الغرما
ومهما تنكب لها الاحبة الا ان ايمانها بالحب يظل قائما يفيض به قلبها ويغمر حياتها ، فان لم يكن واقعا معاشا فهو حلما وأملا تنشده ، ففي قصيدتها (لعبة الحب ) تقول :ـ
وصرت أهفو الى الأحلام أرغمني = على المــــــنام ليلقاني محياه
كمن يراقب سطح البحر مضطربا = بفعل غصن على التيار القاه
فارجع الموج غصن الحب في انف = رباه حتى اتساع البحــر ياباه
يالعبة الحب حسبي منك مـــــكرمة = فقد اعـــدت الى قلبي خلاياه
هذه الشاعرة (اميرة الوادي ) في لمحة خاطفة عن شعرها ، كما المحنا لزميليها ، وعسى ان تسعفنا الايام القادمة في قراءة المزيد من شعرهم والكتابة عنهم .