كحيلان
23-04-2006, 14:48
http://3ssom.com/uploader/uploads16/alamerturkibenbandar2006.jpg
الأمير/ تركي بن بندر
رئيس مجلس إدارة مجموعة حفيد الجدين
الوطنية والوطنيون..بين الاستغلال والاستهبال
نظراً لظروف خاصة استدعت سفري إلى إحدى الدول الاوربية هذا الأسبوع أبلغت الإخوة في صحيفة «الحقائق» بعد أن أرسلت لهم مقالي الأسبوعي الأخير والذي كان بعنوان «أحلام اليقظة لأمير ساذج» والذي نشر بتاريخ (24 مارس/آذار2006 م) أنني أعتذر لهم ولقرائي عن كتابة مقالتي الأسبوعية حتى عودتي من السفر إلى أن جاءني اتصال هاتفي مساء ذلك اليوم الذي أرسلت فيه الاعتذار من زميلي وأخي رئيس التحرير الدكتور/ زياد الصالح يسألني عن السفر ومدته فقلت له : قد يتجاوز الشهرين . ليدخل معي بنقاش مطول لثنيي عن قراري بكافة الوسائل والسبل والأساليب الإقناعية ، فمرة يأتيني باسم القراء وجمهور «الحقائق» وأنه ليس من حقي هذا الغياب والابتعاد عنهم..ومرة أخرى تحت عنوان ثورة وحركة الأحداث والمتغيرات الداخلية والخارجية والحاجة للتحليل والفهم واستيعاب تلك الأحداث..وغير ذلك من الأساليب التي يعلم جيداً أنها تؤثر بي ولكن مشاغل وظروف وترتيبات السفر ومواعيد واجتماعات ما بعد الوصول أعلم أنها ستؤثر على تركيزي ودقتي عند معالجتي لفكرة مقالي الذي أعتبره جزء مني، ومع إصراره على العدول عن قراري وإستبسالي بالتمسك بالرفض للإنصياع لمطالبه.
إلا أن (أبا طارق) بعد ساعة وأكثر من الحديث على الهاتف أستنفذ فيها كافة المحاولات التي ساقها في حديثه معي ورمى بغالبية الحجج ولم تفده نفعاً لجأ في نهاية الأمر إلى مسألة واحدة يعرف بحكم صداقتنا والأخوة التي جمعت بيننا مدى تأثيرها في حياتي ومدى عمق أحاسيسي ومشاعري ووجداني تجاهها..أمر استثنائي من حيث حبي وإخلاصي له يثنيني عن قراري مهما كانت مصالحي ورغبتي في تحقيق ذلك القرار ..أجد نفسي مضطر أمامه..أجدني مرغماً لأن أستسلم..لأن أتنازل..لأن أنفي كل ما هو شخصي دون مقدمات معه وأمامه..ليس له بديل ولا يرتقي أو يوازي إخلاصي له شيء مهما كان قدر ذلك الشيء ومعزته في نفسي وعلى نفسي..أفداه بروحي وتهون أمامه مشاغلي مهما كبرت أو صغرت ، صحيح إنه بقعة جغرافية إلا أنها في حقيقة الأمر تمثل معاني أكبر في نفس الإنسان منذ ولادته وحتى مماته فهو (الإنتماء) و(الامتداد) و(التاريخ) و(الأساس) و(الأصل) و(الثقافة)..وغير ذلك من أمور تنعكس على حياة البشر إلى أن نصل إلى أنه أول الحاجات المتأصلة في طبيعة النفس البشرية وآخرها،وهو الإنسان مقابل الإنسان ومن أجله ولأجله يقاتل الإنسان بروحه، بماله ، بكل ما يملك..ليستشهد الإنسان فداء له ودفاعاً عنه..لأن الإنسان يعلم أنه من غيره لا يعتبر إنسان.
لقد كان حديثي السابق مع أخي رئيس التحرير والذي تناول في ثناياه أحد مبادئي وقناعاتي على ضرورة التزام المثقف وكل صاحب قلم بالوقوف والصمود مع وطنه في السراء والضراء بالمساندة بالرأي والشرح والتفسير وتنوير الرأي العام أحد أسباب هذه المقالة ، أما السبب الآخر الذي دفعني لأمسك القلم وأكتب فهو مضمون رد أحد أكبر رجال الأعمال على سؤال وجهته له صحيفة الاقتصادية على خلفية الحدث الأهم والأبرز الذي حُبست الأنفاس وتعلقت الأبصار بمتابعة تطوراته من قبل كافة السعوديين ألا وهو تداعي وتدهور سوق المال بشكل خطير منذ أكثر من ثلاثة أسابيع ،ولكي أكون صادقاً معك أيها القارئ..فقد قررت عدم الكتابة والخوض في هذا الموضوع أو التطرق إليه من قريب أو بعيد لعدة أسباب ، فمنذ وقوع كارثة ما يسمى بـ (الأحد الأسود) كثرت الآراء والطروحات والكتابات حتى أشبعت هذا الموضوع من كافة الزوايا الخاصة به. أما السبب الآخر فيعود إلا أنني سبق وأن كتبت في شهر أغسطس من العام الماضي أي منذ ثمانية أشهر تقريباً في هذه الصحيفة موضوع بعنوان (سوق المال السعودي..ويلي منك وويلي عليك) أستشرفت في ذلك المقال وتوقعت ما حدث ويحدث اليوم، وجاء كلامي وتوقعاتي مطابق تماماً لوقوع السوق على هذا النحو..علماً بأنني لست منجماً أو عرافاً ولا أعرف شيئاً عن قراءة الفنجان أو الضرب على الرمل للتنبؤ ومعرفة مستقبل سوق الأسهم ..بل لأن الأمور بالنسبة لي ببساطة كانت واضحة وضوح الشمس ، إرتفاع وتضخم في أسعار أسهم شركات يعلم الجميع وعلى رأسهم القائمين على هيئة سوق المال أنها خاسرة أو على الأقل لا تحقق ربحية عبر المنتجات التي تتولى أمر الترويج والتسويق لها أو حتى التي تصنعها أو المشاريع التي تقوم عليها أياً كانت لتبرر حالة ارتفاع سعر السهم إلى حد الانفجار ، فقد كانت غالبية الشركات بهذه الصورة من تواضع الأداء المبني على العرض والطلب بإستثناء أسهم الشركات القيادية المحدودة العدد مقارنة بالشركات الأخرى ، لقد وجهت كلامي إلى القائمين على هيئة سوق المال وعلى رأسهم الأستاذ/ جماز السحيمي وكنت أطالب بأخذ الحيطة من ما حدث في (مايو الأسود) وإيجاد السبل والوسائل الكفيلة بضبط السوق ، وناديت بالشفافية المطلقة والمعاقبة المعلنة والصريحة للمتلاعبين بالسوق والتشهير بهم فهم أعداء وخونة لوطنهم ، كما أنني ذكرت أن ولاة الأمر حفظهم الله ورعاهم حملوكم أمانة المسئولية الجسيمة أمام الله ثم أمام مجتمع كامل استثمر أمواله ثقة بالسوق وإيماناً بكفاءة القائمين عليه وإخلاصهم للمسئولية التي تحملوها دون إجبار أو إكراه بل بناء على رغبتهم وموافقتهم..ولكن حدث (الأحد الأسود) فكان الخذلان، وتساءل الجميع من المسئول؟ ولماذا لم يتحمل أمانة المسئولية أو يعتذر ويبتعد ليتولاها من هو أفضل أو أكفأ؟ مئات الأسئلة أوردتها الصحف المحلية ومئات أخرى جاءت بها المواقع الالكترونية. كلها كانت تصب في اتجاه واحد أين أنتم يا هيئة سوق المال؟ وأين أنت يا أستاذ / جماز السحيمي؟
ثم أنني ومن باب قول الحق وكلمة الحق والمناصحة التي نادى بها ديننا الإسلامي الحنيف وجهت خطاب إلى معالي وزير المالية والاقتصاد الوطني في مقالي الذي حمل عنوان (رسالة إلى معالي وزير المالية لتدراك سوق الأسهم) نشر بتاريخ (16مارس/ آذار2006م) ، وضعت أمامه أبرز وأهم الثغرات التي يعاني منها السوق وأماكن الخلل ووضعت الحلول وطالبته بعدة مطالب منها أنني دعوت معاليه إلى التدخل وعلى وجه السرعة من خلال السلطات الممنوحة إذا أستمر الوضع على ما هو عليه لإيقاف التداول لمدة مناسبة أو حتى إشعار آخر كما حدث في السوق المصرية عام (1997م) لتحديد المتلاعبين والإعلان عنهم في الصحف ووسائل الإعلام المحلية بالأسماء والصور لأنهم أساءوا عن سابق إصرار وتعمد إلى ضرب عصب اقتصاد وطنهم ،لا بد من شجاعة يتحلى بها القائمين على السوق يتكلمون ويعلنون أسماء هؤلاء اللاوطنيين.. لا بد من شفافية عالية تكون عنوان هيئة السوق وشعاره وإلا سيكونون عرضة للإتهامات وإشاعات تموج بها البلاد ..لنا الحق أن نعرف من هم الهوامير المنسحبين بتوقيتات معينة..وكيف ستتعاملون معهم ؟ بيدا من حديد أم ستتم إجراءات شكلية صورية لذر الرماد في العيون أم لا شيء من ذلك كله؟!
كما أنني أقترحت عليه أن يشكل فريق عمل من (صناع السوق) هيئة سوق المال، مؤسسة النقد مراقبه البنوك، شركات الوساطة ،الشركات الوطنية المدرجة بالسوق، لدراسة أبعاد أي قرار قبل طرحه وأن تكون القرارات يتم التوصل إليها بالتفاهم الجماعي والملزم .
وعلى ضوء قرار السماح للأخوة المقيمين بالاستثمار بسوق الأسهم ،أكدت ولفتت الانتباه في ذلك المقال إلا أن إجراءات (هيئة سوق المال) لضبط السوق لم تمنع حدوث الكارثة وتفويت الفرصة على المتلاعبين من السعوديين . فكيف الوضع وما هو صمام الأمان الآن بعد أن تم فتح السوق على مصراعيه أمام الجميع لتكون المسئولية أعظم جسامة من ذي قبل فالتجاوزات الخفية والخطيرة في التعاملات واردة دون أدنى شك إذا وجدت نظاماً هشاً ضعيفاً يسمح لها بالتلاعب والهروب.
ومن باب المناصحة في جسامة وعظمة الأمانة قلت للوزير بما نصه : لا بد لي من أن أقول حرصاً وحباً على سلامة هذا الوطن أن أولياء الأمر بعد التوكل على الله حملوكم أمانة وأمر يخص المسلمين في لقمة عيشهم ورزقهم ،وأنكم أمام الله مسئولين عن تلك الأمانة فلا تأخذكم لومة لائم في أي إجراءات صرامة من شأنها أن تحافظ على أرزاق المسلمين وأموالهم ،وكذلك معاقبة كل مخالف لتحقيق مصلحة ذاتيه على حساب مجتمع بكامله ،وتنفيذ كافة الأهداف المنشودة والإجراءات المطلوبة لضبط السوق وإدارته إدارة تحقق الأمان والاستقرار المطلوب وتشجع وتدعم المستثمرين، وتحفظ للسوق هيبته ومكانته المرموقة وتساهم في نقله إلى أفاق أرحب ومجالات أوسع تعم بالخير والرخاء والازدهار للاقتصاد الوطني والمواطن.
بعد هذين المقالين والتي كانت من باب (اللهم إني بلغت اللهم فأشهد) بقيت أراقب وأتابع التطورات في السوق..فبعد يوم واحد من مقالتي ورسالتي إليه جاء رد وزير المالية في مؤتمر صحفي مركزاً على المفاهيم التالية : يؤكد على سلامة وصحة قرار السماح للمقيمين بالدخول والاستثمار في السوق وأن ذلك سيعزز السوق ويصححه...كما أشار إلى مسألة أن الوضع آمن ومضمون وتحت السيطرة في عدم تلاعب غير السعوديين في السوق.. والحق يقال أنني عندما قرأت هذا التصريح فرحت وقلت أكيد أن لدى الوزير معلومات خاصة لا نعلمها ..فهو الوزير مطلع على أمور وخفايا وأشياء لا نعلمها والرجل كان يتكلم من ثقة..لقد فرحت يا معالي الوزير واستبشرت وتفاءلت.
إلا أن السوق كان له رأيه ووجهة نظره بتصريح الوزير وقرارات الوزارة.. فالسوق استمر بحالة النزول بعد تداول واستثمار المقيمين ودخولهم للسوق، لا بل أن أكثر من محلل سعودي للسوق ذكر على شاشات التلفزة يا معالي الوزير أن المقيمين جزء كبير منهم كان مستثمرا بالسوق بطرق التفافية.
أما المضحك المبكي ما أوردته لنا صحيفة «الشرق الأوسط» -خبر طريف- لكنه ذا معنى ودلالات في عددها الصادر بتاريخ (31/ مارس/ 2006م) كان عنوان الخبر (تنفيذ طلب شراء بسوق الأسهم السعودية تطلب 110 أيام) أما مضمونه فيقول :
سجل تنفيذ طلب شراء أسهم في تداولات الأسهم السعودية رقماً قياسياً من حيث المدة التي تفصل بين إدخال الأمر وتنفيذه وتحويل الأسهم إلى محفظة العميل. ففي حين يتم تنفيذ الطلبات في التداول عبر الإنترنت في مدد زمنية تحسب بالثانية وفي كثير من الأحيان لا تتجاوز الدقائق، فان تنفيذ الطلب المعني استغرق 110 أيام، وعن طريق التداول عبر الإنترنت.
ودعا هذا التأخر المتعامل المعني لتقديم شكوى إلى هيئة سوق المال السعودية، واصفاً ما تعرض له بالتسيب والإهمال لحقوقه كمواطن ولغيره من المواطنين. ويقول محمد القرني صاحب الشكوى: «أدخلت أمر شراء لإحدى الشركات وبسعر ذلك اليوم، هو السابع من ديسمبر (كانون الأول) 2005 عن طريق التداول الإلكتروني، وعندما لم ينفذ الأمر قمت بإلغائه لأفاجأ في السابع والعشرين من مارس (آذار) الجاري بنقص كبير في حسابي المالي، وعندما اتصلت على الرقم المجاني للبنك الذي أتعامل معه قيل ان لدي أمر شراء أسهم تم تنفيذه».
ويضيف القرني: «المصيبة ليست في تنفيذ الأمر فقط، والذي أضر بي من ناحية التزاماتي المالية حيث كنت في أمس الحاجة إلى هذا المبلغ، بل ان الأمر تم تنفيذه بالسعر القديم أي قبل ثلاثة أشهر عندما كانت أسعار الأسهم في أعلى مستوياتها، فقد كان سعر الشراء لسهم الشركة التي طلبت شراء أسهم فيها 825 ريالا بينما نفذ أمر الشراء بنفس السعر، في الوقت الذي كان سعر سهم الشركة لا يتجاوز 670 ريالا».
جدير بالذكر أن أوامر البيع والشراء لا يتم قبولها عبر نظام تداول سواء عبر إنترنت أو عن طريق صالات البنوك إذا كانت المدد المحددة في هذه الأوامر تزيد عن 30 يوماً، إذ تعتبر هذه الفترة حدا أقصى لقبول الأوامر.إنتهى الخبر الطريف في شكله والعميق في مؤشراته ودلالاته..انتهى الخبر ، ولكن هل يحدث ويتكرر كل يوم مع أكثر من (محمد القرني)؟ سؤال أتمنى أن أسمع إجابته؟!
في بداية المقال ذكرت لكم أنني قررت أن لا أعود للكتابة في موضوع سوق الأسهم إلا أن هناك مثيراً ومحفزاً دفعني للعودة وإمساك القلم وكتابة هذا المقال ، لقد جاء المحفز على لسان رجل الأعمال المعروف الشيخ / عبدالعزيز بن سليمان الراجحي في مقابلة أجريت معه بصحيفة الاقتصادية بتاريخ (22/02/1427هـ) حيث وضع له مراسل الجريدة مقدمة أكثر من رائعة ومعبرة ومبهرة في نفس الوقت قال فيها وعن (الشيخ) ما نصه : «الحديث مع شخصية بحجم وصيت الشيخ سليمان بن عبد العزيز الراجحي مختلف ويضعك على المحك سواء على الصعيد الشخصي أو الصحفي. أنت لست أمام رجل أعمال، ولا أمام خبير، ولا أمام رجل عصرته التجارب والسنين، بل أمام كل ذلك. في مشاريعه في بسيطاء في الركن الشمالي من السعودية كان حديثنا مع من يعتبره كثيرون الشخصية الاقتصادية الأهم في البلاد والأكثر إثارة. كنا أمام الراجحي رجل المصارف، وشيخ الزراعيين، ومعلم الصناعيين. قرأت كثيرا عن الراجحي وسمعت كثيرا لكني حقيقة لم أتوقع أن أقابله بهذه البساطة. عندما يتحدث عن المصارف تتوقع أنك أمام مدير صندوق النقد الدولي، وعندما يتحدث عن مشاريع الدواجن لا تخال أن يكون محدثك قد أمضى نصف عمره في فرنسا أو البرازيل مسقط رأس هذه الصناعة، أما عندما يتحدث عن الزراعة فأنت أمام أحد عمداء أضخم كليات الزراعة في العالم. لكن في النهاية سليمان الراجحي الذي يرفض ركوب الطائرات الخاصة» ، بعد هذه المقدمة التي لن أختلف مع من أعدها وصاغها تجاه الشيخ/ سليمان الراجحي فيكفيني في هذا الرجل من باب إنصافه أنه خالف المئات من رجال الأعمال السعوديين المعروفين، والمعروف عنهم سياسات تنطلق من قناعات يتوارثونها تقوم على قاعدة متينة من نقل وتسفير الأموال التي يجمعونها عبر حصولهم على مشاريع التنمية في المملكة ومساهمتهم فيها،ومن خلال التسهيلات الممنوحة لهم،فلا ضرائب أو رسوم على الأرباح ، فبعد أن يجمعوا ثرواتهم يأتي ردهم مباشرة بنقل الأموال واستثمارها في الخارج ليعبر عن مشهد مخزي من نكران جميل الوطن وفقدان لأي معنى للوطنية وإن كانوا يتشدقون بها ليلاً ونهاراً.
وبالعودة للمقابلة الصحفية مع الشيخ/ سليمان الراجحي والتي دفعتني المقدمة وحب الاطلاع على فكر أبرز رجال الأعمال السعوديين قراءة تفاصيل المقابلة إلى أن أستوقفتني إجابة - للشيخ/ الراجحي- على سؤال حول سوق المال جاء على النحو التالي : ما تعليقكم حول ما تناولته رسائل الجوال والمنتديات في الإنترنت من تعرض وتهجم على هيئة سوق المال؟ فجاء جواب (الشيخ /الراجحي) فيه من الأخطاء والمغالطات الشيء الكثير وأدركت أن هناك مفهوما خاطئ عن الوطنية حيث كانت الإجابة على النحو التالي : «في الواقع أساءني ما تم تناوله عبر رسائل الجوال والانترنت والرسوم الكاريكاتورية من تهكم وتهجم على هيئة سوق المال بشكل عام، أو شخصية معالي الأخ جماز السحيمي وأعتقد أن هذا الأمر جريمة بحقه وبحق الوطن، وما أود قوله هنا أن معالي الأخ جماز من الشخصيات المالية المعروفة، وأنا أعرفه قبل نحو 20 عاماً، عندما كان يعمل في مؤسسة النقد العربي السعودي، وهو رجل مخلص، يهمه المواطنين، ولكن ماذا سيفعل، هل هو على مركز كبير من المال يضخه في السوق، هل هو قادر أن يقول للناس لا تبيعوا أسهمكم، هل يملك هذا الشيء، عمله هو تقليص نسبة الارتفاع أو الانخفاض في السهم من 10 في المائة إلى 5 في المائة ليكون الارتفاع أو النزول تدريجياً لكيلا يكون هناك اندفاع، وهذه حكمة إدارية وإجراء فني صائب، ما الذي عمله معالي الأخ جماز لكي يقوم بعض الناس بحملة شعواء مغرضة بحق رجل مخلص لوطنه ومواطنيه، بل كان الأجدر أن يعرفوا دور الهيئة وهو مراقبة السوق فقط، وألا يخطئ شخص على آخر، بل هناك مغرضون في هذه الحملة الشعواء لأهداف نحن كمواطنين لا نتقبلها، أنا في نظري وقناعة في نفسي أنه لو وضع شخص غيره فلن يستطيع أن يغطي الثغرة التي غطاها جماز خصوصا بدقته وإخلاصه وأمانته للوطن».
أقول لقد استوقفتني هذه الإجابة التي لم يوفق فيها (الشيخ/ الراجحي) .. أمام المقدمة الكبيرة التي أعدها مراسل الجريدة والسبب في ذلك لأن ما يُفهم من كلامه أنه لا يبرر الخطأ وحده ويقف بل ظهر وكأنه يبرر حتى استمرارية الأخطاء وبقاءها ولا مانع لديه من جلوس القائمين على الخطأ والتجاوز على الرصيف ويتفرجوا على المتلاعبين من الهوامير بمصير البشر.. لقد صدمت من إجابة (الشيخ / الراجحي) هداه الله وتساءلت: ماذا لو كان الموضوع يخص إحدى شركات (الشيخ) نفسه التي يملكها، وكان هناك خلل وتجاوز وانفلات وتلاعب داخل هذه الشركة؟ . هل كان (الشيخ) يبرر لمدير الشركة والشخص القائم عليها والمسئول عنها مثلما برر لمعالي الأستاذ / جماز السحيمي أم أنه سيحاسبه ويعاقبه إذا لم يقيلة فورا؟..فالمعروف عن (الشيخ /الراجحي) التمسك بسياسة إدارية صارمة تعتبر المحاسبة والمعاقبة للمقصرين والمتهاونين أياً كانوا لها الأولوية على توزيع المكافآت وخطابات الشكر، ولا أشك أنها سياسة إدارية نجحت مع (الشيخ/ الراجحي) أوصلته إلى ما هو عليه من ثروة..ولكن الأمر يختلف عند (الشيخ) وآخرين عندما يتعلق الأمر بالدولة، وهذه هي المأساة بعينها.
أنني أوافق (الشيخ/ الراجحي) وأتفق معه على الرفض المطلق لأي تهجم أو إساءة لفظية وغير لفظية كرسائل الجوال على شخص معالي الأستاذ / السحيمي.. إلا أننا نقول (للشيخ / الراجحي) نحن نتحدث ونركز على السياسات والقرارات العامة التي صدرت وتصدر عن هيئة سوق المال تحت إمضاءه وتوقيعه ، فتلك القرارات تمس حياتنا ومستقبلنا ووضعنا المعيشي والاقتصادي ككل..إننا نلومه لتجاهل إشارات التحذير والتنبيه التي وجهت إليه قبل وقوع الكارثة مع العلم أنها متضمنة حفظ مقامه وتقدير جهوده.
أشار (الشيخ/ الراجحي) في هذه الإجابة وفي أكثر من موضع في المقابلة الصحفية إلى (الوطنية) ليتضح لي شخصياً أنه يحمل مفهوماً آخر غير الذي نعرفه جميعاً ، لأن أغلب التعريفات تلتقي على أن (الوطنية) في مفهومها الصحيح :أن تظل أميناً على مبادئ دينك، وفياً لها، مساهماً في مسيرة بناء وطنك مدافعاً عنه واقفاً كالإعصار ضد كل من يحاول النيل منه.
كما أن الوطنية قبل كل شيء تعبير اجتماعي لعملية انتماء وعطاء الإنسان للوطن الذي يعيش فيه وللدين الذي يدين به، ذلك أن علماء الاجتماع يرون أن المجتمع القوي في تضامنه هو مجتمع غني بالمواطنة، هذا التضامن الذي يكون بمثابة حاجز يحول دون تآكل المعاني المشتركة والمعتقدات (المذاهب) الدينية التي تجمع أفراد المجتمع فيما بينهم وتصهرهم في قالب واحد يشكل الوطن، الأمر الذي يجعلهم يتفادون الأنانية والفردية المادية المفرطة التي تمثل معول هدم لمقومات المواطنة؛ فبتفادي هذه الفردية نضمن بناء المجتمع وتطوره.
لكنني أجد بعد الأحداث الأخيرة للسوق والتي جاءت على يد ما يسمون ويطلق عليهم (بهوامير) السوق، وكذلك المسئولين عن الأمانة القائمين على السوق أجد أن الوطنية السعودية على يد هؤلاء تواجه تحدياً كبيراً في ظل بقاء واستمرار مثل هذه النوعية من الأفراد في العبث بمصير ومستقبل اقتصاد مجتمعهم وإخوانهم بالإسلام قبل الأرض والوطن.
إنني أجد أن الوطنية في أشد الحاجة إلى مجهودات وأطروحات رجال العلم والثقافة وعلماء الدين والاجتماع والسياسة من جديد لإعادة تثقيف أبناء الوطن تجاهها، فالعمل في إطار جماعي يحتاج إلى جهود وعقليات للتحفيز وتحريض عليه . إننا بحاجة إلى وضع شروط جديدة للتناغم والتكامل في بنية الوطنية السعودية،وفي مواجهة الآثار السلبية للأنانية والفردية على حساب المجتمع بكامله ، حيث وما زالت المنظومة الفكرية للأفراد تعيش في حدود ضيقة، ومثل هذه الظواهر الاجتماعية السلبية تجعل من الصعب حدوث تلاق أو تلاقح بين الرغبة الفردية والتوجهات الاجتماعية خصوصاً مع المتغيرات العصرية المتسارعة والحاجة إلى روح الجماعة.
إن المرحلة التاريخية الحالية تفرض علينا نحن أبناء الوطن الواحد قدراً كبيراً من المرونة الفكرية التي تؤدي إلى الشعور بالمسؤولية الوطنية من جانب الفرد العادي أمام مصالحه وطموحاته وأهدافه وغاياته ومدى تصادمها مع مصالح وطموح مجتمعه. كما أنه علينا جميعاً أن ندرك أن الوطنية ليست مجرد دروس تلقى على التلاميذ في المدارس ، فتظل حبراً على ورق في طيات الكراسي، وأنها ليست مجرد امتحان في نهاية الموسم، ثم تنتهي الوطنية. كما إنه علينا أن ندرك أن الهدف الأساسي من عملية تدريس الوطنية في المدارس ليس مجرد إعداد الطلاب للمنافسة في عالم التكنولوجيا التي يتهافت عليها العالم برمته، بل هو تغذية روح الوطنية فيه بغرس القيم الإسلامية الصحيحة والعادات والتقاليد الفاضلة والصفات الضرورية فيه لجعله قادراً على التعاون في مجتمعه الصغير، والمجتمع الإنساني العالمي .
هذا هو المقصود بالوطنية التي نفهمها ونعرفها، والتي نسعى لتكريسها ولا أدري إذا كان لدى (الشيخ/ الراجحي) مفهوم آخر أتمنى وأطمع أن أسمع منه عن مفهومه الخاص بالوطنية التي قصدها في مقابلته هذه.
كما أن (الشيخ / الراجحي) أمتدح في هذه الإجابة مسئلة هامة وأعتبرها من صميم عمل الهيئة فقال بالنص: «عملها هو تقليص نسبة الارتفاع أو الانخفاض في السهم من 10 في المائة إلى 5 في المائة ليكون الارتفاع أو النزول تدريجيا لكيلا يكون هناك اندفاع، وهذه حكمة إدارية وإجراء فني صائب»..وقبل أن يجف حبر هذه المقابلة صدر قرار من هيئة سوق المال بالعودة إلى نسبة التذبذب السابقة والتي هي في حدود (10%) ليكون الإجراء الوحيد الذي أستشهد به الشيخ لدلالة على عمق وبعد النظر لدى القائمين على السوق وحرصهم على سلامة السوق كان خطأ وغير صائب وليس في محله.
كما أترك لك أيها القارئ التعليق على إجابة (الشيخ/ الراجحي) عند رده على قول الصحفي له : «ولكن هذا كلام محللين متخصصين يملكون شهادات علمية وخبرات مالية، وهم من يقول هذا الكلام ويطالب به؟» ليجيب (الشيخ/الراجحي): «المحللون يرون بما شاءوا وفق رؤيتهم، أما أنا فرجل عامي شهادتي الثاني ابتدائي،وأحلل وفق رؤيتي وتجربتي، ولكن كما يقال "لكل إمام خطبته».
(أعتذر لك أيها القارئ فليس لدي أي تعليق على الإجابة).
ومع ذلك أقول أن هذه الأحداث أثبتت حقيقة القائد والمسئول وعززت التوجه الاقتصادي الإصلاحي الذي يقوده سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - فقد اعتبرت السرعة المتبعة في معالجة الوضع من خلال اتخاذ العديد من القرارات تتماشى بالكامل مع سياسة قائد هذه البلاد وراعي مسيرتها التي تقضي بتجاوز البيروقراطية، وفتح قنوات إضافية للاستثمار في السوق المحلية من شأنها أن تجلب سيولة تدعم الاقتصاد الوطني..ففي اجتماع المجلس الاقتصادي الأخير، رفض مولاي خادم الحرمين الشريفين تشكيل لجان لدراسة وضع سوق الأسهم التي كانت في حينها تواصل تدهورها الذي بدأ في الخامس والعشرين من شباط (فبراير) الماضي. ووجه الملك أعضاء المجلس الاقتصادي - معظمهم من الوزراء - بسرعة وضع الحلول ومعالجة وضع السوق دون الحاجة إلى تشكيل لجان ربما يمتد عملها لأسابيع أو أشهر وقد يتسبب ذلك في زيادة وضع السوق سوء.
كما عكست التوجيهات الحكيمة حقيقة سياسات خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - القائمة على ضرورة العمل بالتركيز على الدراسة المستفيضة مع سرعة اتخاذ القرار, وكذلك مواكبة المتغيرات الاقتصادية،في إشارة صريحة وواضحة إلى أن ما تم التشديد عليه من قبله خلال اجتماع المجلس الاقتصادي يرتكز على نقطتين هامتين: الأولى مسؤوليته المطلقة عن كل ما يمس المواطنين بمختلف أطيافهم وأعمارهم, مردداً - حفظه الله - «هؤلاء أمانة في عنقي». والنقطة الثانية : عدم السماح للبيروقراطية التي دأبت عليها الأجهزة الحكومية, بتعطيل الوصول إلى حل يعيد لسوق الأسهم توازنها.
كما جاء في رفضه - يحفظه الله - لتشكيل لجان للدراسة وضع السوق من عدة جهات, كما اقترح البعض خلال جلسة المجلس الاقتصادي, دليل قاطع على مدى حرصه على عدم إطالة مدة الحل, مؤمناً على أن ثمة حلولا متوافرة عاجلة تستند إلى أساسيات من الدراسة تضمن نجاحها وإحداث تغيرات إيجابية دون تبعات سلبية ودون مساس بالخطط العريضة لاقتصاد البلاد.
لقد استبعد مولاي خادم الحرمين الشريفين الحلول التي تتعلق بتدخل الدولة بشكل مباشر- خلال الاجتماع الذي امتد أكثر من سبع ساعات - من خلال صندوق الاستثمارات العامة أو صندوقي التأمينات الاجتماعية والتقاعد, وهذا الموقف يتسق مع التوجه العام للتخصيص من جهة, وعدم المساس بصناديق المتقاعدين من جهة أخرى. وهنا تذكر المصادر أن الملك كان حريصاً مع إعلان ميزانية الدولة للعام الحالي أن يسدد الدين العام في وقت قصير, وهو دين يعود معظمه لصندوقي التأمينات ومعاشات التقاعد, وبالتالي فإنه لن يقبل حلا لمعالجة سوق الأسهم يتقاطع مع هذا الهدف الذي قلص بالفعل الدين العام إلى نحو (450) مليار ريال، في حين كان قبل عامين (650) مليار ريال.
إن استبعاده يحفظه الله ويرعاه لكافة المحاولات التي تمت خلال الاجتماع لتشكيل لجان ورفضه لها عكس حرص سيدي خادم الحرمين الشريفين على سرعة الحل وقلص المدة إلى ست ساعات، على أن يستدعى الأشخاص الاعتباريين الذين يتطلب وجودهم في اللجنة للاجتماع في تلك الساعة.ليتم إبلاغ قطاع الأعمال بفتح سوق الأسهم للمقيمين، ودراسة تجزئة الأسهم التي سيكون لها كبير الأثر في الحد من هذه التلاعب والعبث في السوق .
لقد كشفت هذه الأحداث عن الحرص والحزم والحكمة والإصرار والرؤية في شخصية مولاي خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله ويرعاه ويسدد خطاه ليضرب نموذج رائعاً في المسئولية والحرص والاهتمام بالرعية ففي الأزمات والمحن تتضح حقيقة معادن ومواقف القادة والمسئولين.
وفي الختام أيها الأحبة ..وعودة على ذي بدء أود أن أزف إليكم بشرى سارة وهي أنني استطعت الحصول على إجازة لمدة (ثلاثة أسابيع) من رئيس تحرير صحيفتنا البخيل معي في الوقت..أتعلمون أيها الأحبة كيف جعلته يوافق دون قيود أو شروط على مطلبي وكأنه دولة عربية أستصدر مجلس الأمن قراراً تجاهها مطالباً إياها بتنفيذه دون قيد أو شرط ؟ سأقول لكم كيف وصلت لذلك مع رئيس التحرير العنيد ؟ لقد اتبعت معه سياسة رمي الكرة بملعبه وعكس المعادلة معه.. فقد أستخدمت نفس المدخل والمنفذ الذي أتبعه معي والذي أعرف أنه هو أيضا لا يستطيع الوقوف أمامه..فقد قلت له في نهاية حديث الهاتفي معه : أنني بحاجة إلى وقت أتفرغ فيه لعمل مهم (للوطن) ومن أجل (الوطن)..إنني بحاجة لوقت أتفرغ فيه لمراجعة وتنقيح بروفة كتابي (هذه هي حقيقتنا) الذي سيطبع قريباً والذي كتبته من أجل العنصر الأساسي واللبنة الأولى في أي (وطن)..فما كان لرئيس تحرير صحيفتنا العنيد برأيه أي مفر من أن يرضخ ويتجاوب معي مطلبي..ليأتيني رده وجوابه من على سماعة هاتفي مطابقاً لما توقعت. أتعلمون ماذا كان رده؟ لقد قال : لا أستطيع قول شيء إذا كان الأمر يتعلق بمشروع ثقافي وفكري من أجل مصلحة الوطن وأبناءه فلك يا (أبا فيصل ) ما طلبت ورغبت..لذا أستسمحكم عذراً أيها الأحبة في غياب مقالتي الأسابيع القادمة..ولزملائي الكتاب أقول لهم كان الله في عونكم إن كان يحدث لكم مثل الذي حدث معي حين ترغبون في الحصول على إجازة لأنهم لا يوافقون إلا في حالة مشروع وهم ثقافي أكبر عبئاً وجهداً والتزاماً من مقالاتكم التي تكتبونها إليهم..أقولها من صميم قلبي كان الله في عونكم أيها الزملاء والأخوة.
الأمير/ تركي بن بندر
رئيس مجلس إدارة مجموعة حفيد الجدين
الوطنية والوطنيون..بين الاستغلال والاستهبال
نظراً لظروف خاصة استدعت سفري إلى إحدى الدول الاوربية هذا الأسبوع أبلغت الإخوة في صحيفة «الحقائق» بعد أن أرسلت لهم مقالي الأسبوعي الأخير والذي كان بعنوان «أحلام اليقظة لأمير ساذج» والذي نشر بتاريخ (24 مارس/آذار2006 م) أنني أعتذر لهم ولقرائي عن كتابة مقالتي الأسبوعية حتى عودتي من السفر إلى أن جاءني اتصال هاتفي مساء ذلك اليوم الذي أرسلت فيه الاعتذار من زميلي وأخي رئيس التحرير الدكتور/ زياد الصالح يسألني عن السفر ومدته فقلت له : قد يتجاوز الشهرين . ليدخل معي بنقاش مطول لثنيي عن قراري بكافة الوسائل والسبل والأساليب الإقناعية ، فمرة يأتيني باسم القراء وجمهور «الحقائق» وأنه ليس من حقي هذا الغياب والابتعاد عنهم..ومرة أخرى تحت عنوان ثورة وحركة الأحداث والمتغيرات الداخلية والخارجية والحاجة للتحليل والفهم واستيعاب تلك الأحداث..وغير ذلك من الأساليب التي يعلم جيداً أنها تؤثر بي ولكن مشاغل وظروف وترتيبات السفر ومواعيد واجتماعات ما بعد الوصول أعلم أنها ستؤثر على تركيزي ودقتي عند معالجتي لفكرة مقالي الذي أعتبره جزء مني، ومع إصراره على العدول عن قراري وإستبسالي بالتمسك بالرفض للإنصياع لمطالبه.
إلا أن (أبا طارق) بعد ساعة وأكثر من الحديث على الهاتف أستنفذ فيها كافة المحاولات التي ساقها في حديثه معي ورمى بغالبية الحجج ولم تفده نفعاً لجأ في نهاية الأمر إلى مسألة واحدة يعرف بحكم صداقتنا والأخوة التي جمعت بيننا مدى تأثيرها في حياتي ومدى عمق أحاسيسي ومشاعري ووجداني تجاهها..أمر استثنائي من حيث حبي وإخلاصي له يثنيني عن قراري مهما كانت مصالحي ورغبتي في تحقيق ذلك القرار ..أجد نفسي مضطر أمامه..أجدني مرغماً لأن أستسلم..لأن أتنازل..لأن أنفي كل ما هو شخصي دون مقدمات معه وأمامه..ليس له بديل ولا يرتقي أو يوازي إخلاصي له شيء مهما كان قدر ذلك الشيء ومعزته في نفسي وعلى نفسي..أفداه بروحي وتهون أمامه مشاغلي مهما كبرت أو صغرت ، صحيح إنه بقعة جغرافية إلا أنها في حقيقة الأمر تمثل معاني أكبر في نفس الإنسان منذ ولادته وحتى مماته فهو (الإنتماء) و(الامتداد) و(التاريخ) و(الأساس) و(الأصل) و(الثقافة)..وغير ذلك من أمور تنعكس على حياة البشر إلى أن نصل إلى أنه أول الحاجات المتأصلة في طبيعة النفس البشرية وآخرها،وهو الإنسان مقابل الإنسان ومن أجله ولأجله يقاتل الإنسان بروحه، بماله ، بكل ما يملك..ليستشهد الإنسان فداء له ودفاعاً عنه..لأن الإنسان يعلم أنه من غيره لا يعتبر إنسان.
لقد كان حديثي السابق مع أخي رئيس التحرير والذي تناول في ثناياه أحد مبادئي وقناعاتي على ضرورة التزام المثقف وكل صاحب قلم بالوقوف والصمود مع وطنه في السراء والضراء بالمساندة بالرأي والشرح والتفسير وتنوير الرأي العام أحد أسباب هذه المقالة ، أما السبب الآخر الذي دفعني لأمسك القلم وأكتب فهو مضمون رد أحد أكبر رجال الأعمال على سؤال وجهته له صحيفة الاقتصادية على خلفية الحدث الأهم والأبرز الذي حُبست الأنفاس وتعلقت الأبصار بمتابعة تطوراته من قبل كافة السعوديين ألا وهو تداعي وتدهور سوق المال بشكل خطير منذ أكثر من ثلاثة أسابيع ،ولكي أكون صادقاً معك أيها القارئ..فقد قررت عدم الكتابة والخوض في هذا الموضوع أو التطرق إليه من قريب أو بعيد لعدة أسباب ، فمنذ وقوع كارثة ما يسمى بـ (الأحد الأسود) كثرت الآراء والطروحات والكتابات حتى أشبعت هذا الموضوع من كافة الزوايا الخاصة به. أما السبب الآخر فيعود إلا أنني سبق وأن كتبت في شهر أغسطس من العام الماضي أي منذ ثمانية أشهر تقريباً في هذه الصحيفة موضوع بعنوان (سوق المال السعودي..ويلي منك وويلي عليك) أستشرفت في ذلك المقال وتوقعت ما حدث ويحدث اليوم، وجاء كلامي وتوقعاتي مطابق تماماً لوقوع السوق على هذا النحو..علماً بأنني لست منجماً أو عرافاً ولا أعرف شيئاً عن قراءة الفنجان أو الضرب على الرمل للتنبؤ ومعرفة مستقبل سوق الأسهم ..بل لأن الأمور بالنسبة لي ببساطة كانت واضحة وضوح الشمس ، إرتفاع وتضخم في أسعار أسهم شركات يعلم الجميع وعلى رأسهم القائمين على هيئة سوق المال أنها خاسرة أو على الأقل لا تحقق ربحية عبر المنتجات التي تتولى أمر الترويج والتسويق لها أو حتى التي تصنعها أو المشاريع التي تقوم عليها أياً كانت لتبرر حالة ارتفاع سعر السهم إلى حد الانفجار ، فقد كانت غالبية الشركات بهذه الصورة من تواضع الأداء المبني على العرض والطلب بإستثناء أسهم الشركات القيادية المحدودة العدد مقارنة بالشركات الأخرى ، لقد وجهت كلامي إلى القائمين على هيئة سوق المال وعلى رأسهم الأستاذ/ جماز السحيمي وكنت أطالب بأخذ الحيطة من ما حدث في (مايو الأسود) وإيجاد السبل والوسائل الكفيلة بضبط السوق ، وناديت بالشفافية المطلقة والمعاقبة المعلنة والصريحة للمتلاعبين بالسوق والتشهير بهم فهم أعداء وخونة لوطنهم ، كما أنني ذكرت أن ولاة الأمر حفظهم الله ورعاهم حملوكم أمانة المسئولية الجسيمة أمام الله ثم أمام مجتمع كامل استثمر أمواله ثقة بالسوق وإيماناً بكفاءة القائمين عليه وإخلاصهم للمسئولية التي تحملوها دون إجبار أو إكراه بل بناء على رغبتهم وموافقتهم..ولكن حدث (الأحد الأسود) فكان الخذلان، وتساءل الجميع من المسئول؟ ولماذا لم يتحمل أمانة المسئولية أو يعتذر ويبتعد ليتولاها من هو أفضل أو أكفأ؟ مئات الأسئلة أوردتها الصحف المحلية ومئات أخرى جاءت بها المواقع الالكترونية. كلها كانت تصب في اتجاه واحد أين أنتم يا هيئة سوق المال؟ وأين أنت يا أستاذ / جماز السحيمي؟
ثم أنني ومن باب قول الحق وكلمة الحق والمناصحة التي نادى بها ديننا الإسلامي الحنيف وجهت خطاب إلى معالي وزير المالية والاقتصاد الوطني في مقالي الذي حمل عنوان (رسالة إلى معالي وزير المالية لتدراك سوق الأسهم) نشر بتاريخ (16مارس/ آذار2006م) ، وضعت أمامه أبرز وأهم الثغرات التي يعاني منها السوق وأماكن الخلل ووضعت الحلول وطالبته بعدة مطالب منها أنني دعوت معاليه إلى التدخل وعلى وجه السرعة من خلال السلطات الممنوحة إذا أستمر الوضع على ما هو عليه لإيقاف التداول لمدة مناسبة أو حتى إشعار آخر كما حدث في السوق المصرية عام (1997م) لتحديد المتلاعبين والإعلان عنهم في الصحف ووسائل الإعلام المحلية بالأسماء والصور لأنهم أساءوا عن سابق إصرار وتعمد إلى ضرب عصب اقتصاد وطنهم ،لا بد من شجاعة يتحلى بها القائمين على السوق يتكلمون ويعلنون أسماء هؤلاء اللاوطنيين.. لا بد من شفافية عالية تكون عنوان هيئة السوق وشعاره وإلا سيكونون عرضة للإتهامات وإشاعات تموج بها البلاد ..لنا الحق أن نعرف من هم الهوامير المنسحبين بتوقيتات معينة..وكيف ستتعاملون معهم ؟ بيدا من حديد أم ستتم إجراءات شكلية صورية لذر الرماد في العيون أم لا شيء من ذلك كله؟!
كما أنني أقترحت عليه أن يشكل فريق عمل من (صناع السوق) هيئة سوق المال، مؤسسة النقد مراقبه البنوك، شركات الوساطة ،الشركات الوطنية المدرجة بالسوق، لدراسة أبعاد أي قرار قبل طرحه وأن تكون القرارات يتم التوصل إليها بالتفاهم الجماعي والملزم .
وعلى ضوء قرار السماح للأخوة المقيمين بالاستثمار بسوق الأسهم ،أكدت ولفتت الانتباه في ذلك المقال إلا أن إجراءات (هيئة سوق المال) لضبط السوق لم تمنع حدوث الكارثة وتفويت الفرصة على المتلاعبين من السعوديين . فكيف الوضع وما هو صمام الأمان الآن بعد أن تم فتح السوق على مصراعيه أمام الجميع لتكون المسئولية أعظم جسامة من ذي قبل فالتجاوزات الخفية والخطيرة في التعاملات واردة دون أدنى شك إذا وجدت نظاماً هشاً ضعيفاً يسمح لها بالتلاعب والهروب.
ومن باب المناصحة في جسامة وعظمة الأمانة قلت للوزير بما نصه : لا بد لي من أن أقول حرصاً وحباً على سلامة هذا الوطن أن أولياء الأمر بعد التوكل على الله حملوكم أمانة وأمر يخص المسلمين في لقمة عيشهم ورزقهم ،وأنكم أمام الله مسئولين عن تلك الأمانة فلا تأخذكم لومة لائم في أي إجراءات صرامة من شأنها أن تحافظ على أرزاق المسلمين وأموالهم ،وكذلك معاقبة كل مخالف لتحقيق مصلحة ذاتيه على حساب مجتمع بكامله ،وتنفيذ كافة الأهداف المنشودة والإجراءات المطلوبة لضبط السوق وإدارته إدارة تحقق الأمان والاستقرار المطلوب وتشجع وتدعم المستثمرين، وتحفظ للسوق هيبته ومكانته المرموقة وتساهم في نقله إلى أفاق أرحب ومجالات أوسع تعم بالخير والرخاء والازدهار للاقتصاد الوطني والمواطن.
بعد هذين المقالين والتي كانت من باب (اللهم إني بلغت اللهم فأشهد) بقيت أراقب وأتابع التطورات في السوق..فبعد يوم واحد من مقالتي ورسالتي إليه جاء رد وزير المالية في مؤتمر صحفي مركزاً على المفاهيم التالية : يؤكد على سلامة وصحة قرار السماح للمقيمين بالدخول والاستثمار في السوق وأن ذلك سيعزز السوق ويصححه...كما أشار إلى مسألة أن الوضع آمن ومضمون وتحت السيطرة في عدم تلاعب غير السعوديين في السوق.. والحق يقال أنني عندما قرأت هذا التصريح فرحت وقلت أكيد أن لدى الوزير معلومات خاصة لا نعلمها ..فهو الوزير مطلع على أمور وخفايا وأشياء لا نعلمها والرجل كان يتكلم من ثقة..لقد فرحت يا معالي الوزير واستبشرت وتفاءلت.
إلا أن السوق كان له رأيه ووجهة نظره بتصريح الوزير وقرارات الوزارة.. فالسوق استمر بحالة النزول بعد تداول واستثمار المقيمين ودخولهم للسوق، لا بل أن أكثر من محلل سعودي للسوق ذكر على شاشات التلفزة يا معالي الوزير أن المقيمين جزء كبير منهم كان مستثمرا بالسوق بطرق التفافية.
أما المضحك المبكي ما أوردته لنا صحيفة «الشرق الأوسط» -خبر طريف- لكنه ذا معنى ودلالات في عددها الصادر بتاريخ (31/ مارس/ 2006م) كان عنوان الخبر (تنفيذ طلب شراء بسوق الأسهم السعودية تطلب 110 أيام) أما مضمونه فيقول :
سجل تنفيذ طلب شراء أسهم في تداولات الأسهم السعودية رقماً قياسياً من حيث المدة التي تفصل بين إدخال الأمر وتنفيذه وتحويل الأسهم إلى محفظة العميل. ففي حين يتم تنفيذ الطلبات في التداول عبر الإنترنت في مدد زمنية تحسب بالثانية وفي كثير من الأحيان لا تتجاوز الدقائق، فان تنفيذ الطلب المعني استغرق 110 أيام، وعن طريق التداول عبر الإنترنت.
ودعا هذا التأخر المتعامل المعني لتقديم شكوى إلى هيئة سوق المال السعودية، واصفاً ما تعرض له بالتسيب والإهمال لحقوقه كمواطن ولغيره من المواطنين. ويقول محمد القرني صاحب الشكوى: «أدخلت أمر شراء لإحدى الشركات وبسعر ذلك اليوم، هو السابع من ديسمبر (كانون الأول) 2005 عن طريق التداول الإلكتروني، وعندما لم ينفذ الأمر قمت بإلغائه لأفاجأ في السابع والعشرين من مارس (آذار) الجاري بنقص كبير في حسابي المالي، وعندما اتصلت على الرقم المجاني للبنك الذي أتعامل معه قيل ان لدي أمر شراء أسهم تم تنفيذه».
ويضيف القرني: «المصيبة ليست في تنفيذ الأمر فقط، والذي أضر بي من ناحية التزاماتي المالية حيث كنت في أمس الحاجة إلى هذا المبلغ، بل ان الأمر تم تنفيذه بالسعر القديم أي قبل ثلاثة أشهر عندما كانت أسعار الأسهم في أعلى مستوياتها، فقد كان سعر الشراء لسهم الشركة التي طلبت شراء أسهم فيها 825 ريالا بينما نفذ أمر الشراء بنفس السعر، في الوقت الذي كان سعر سهم الشركة لا يتجاوز 670 ريالا».
جدير بالذكر أن أوامر البيع والشراء لا يتم قبولها عبر نظام تداول سواء عبر إنترنت أو عن طريق صالات البنوك إذا كانت المدد المحددة في هذه الأوامر تزيد عن 30 يوماً، إذ تعتبر هذه الفترة حدا أقصى لقبول الأوامر.إنتهى الخبر الطريف في شكله والعميق في مؤشراته ودلالاته..انتهى الخبر ، ولكن هل يحدث ويتكرر كل يوم مع أكثر من (محمد القرني)؟ سؤال أتمنى أن أسمع إجابته؟!
في بداية المقال ذكرت لكم أنني قررت أن لا أعود للكتابة في موضوع سوق الأسهم إلا أن هناك مثيراً ومحفزاً دفعني للعودة وإمساك القلم وكتابة هذا المقال ، لقد جاء المحفز على لسان رجل الأعمال المعروف الشيخ / عبدالعزيز بن سليمان الراجحي في مقابلة أجريت معه بصحيفة الاقتصادية بتاريخ (22/02/1427هـ) حيث وضع له مراسل الجريدة مقدمة أكثر من رائعة ومعبرة ومبهرة في نفس الوقت قال فيها وعن (الشيخ) ما نصه : «الحديث مع شخصية بحجم وصيت الشيخ سليمان بن عبد العزيز الراجحي مختلف ويضعك على المحك سواء على الصعيد الشخصي أو الصحفي. أنت لست أمام رجل أعمال، ولا أمام خبير، ولا أمام رجل عصرته التجارب والسنين، بل أمام كل ذلك. في مشاريعه في بسيطاء في الركن الشمالي من السعودية كان حديثنا مع من يعتبره كثيرون الشخصية الاقتصادية الأهم في البلاد والأكثر إثارة. كنا أمام الراجحي رجل المصارف، وشيخ الزراعيين، ومعلم الصناعيين. قرأت كثيرا عن الراجحي وسمعت كثيرا لكني حقيقة لم أتوقع أن أقابله بهذه البساطة. عندما يتحدث عن المصارف تتوقع أنك أمام مدير صندوق النقد الدولي، وعندما يتحدث عن مشاريع الدواجن لا تخال أن يكون محدثك قد أمضى نصف عمره في فرنسا أو البرازيل مسقط رأس هذه الصناعة، أما عندما يتحدث عن الزراعة فأنت أمام أحد عمداء أضخم كليات الزراعة في العالم. لكن في النهاية سليمان الراجحي الذي يرفض ركوب الطائرات الخاصة» ، بعد هذه المقدمة التي لن أختلف مع من أعدها وصاغها تجاه الشيخ/ سليمان الراجحي فيكفيني في هذا الرجل من باب إنصافه أنه خالف المئات من رجال الأعمال السعوديين المعروفين، والمعروف عنهم سياسات تنطلق من قناعات يتوارثونها تقوم على قاعدة متينة من نقل وتسفير الأموال التي يجمعونها عبر حصولهم على مشاريع التنمية في المملكة ومساهمتهم فيها،ومن خلال التسهيلات الممنوحة لهم،فلا ضرائب أو رسوم على الأرباح ، فبعد أن يجمعوا ثرواتهم يأتي ردهم مباشرة بنقل الأموال واستثمارها في الخارج ليعبر عن مشهد مخزي من نكران جميل الوطن وفقدان لأي معنى للوطنية وإن كانوا يتشدقون بها ليلاً ونهاراً.
وبالعودة للمقابلة الصحفية مع الشيخ/ سليمان الراجحي والتي دفعتني المقدمة وحب الاطلاع على فكر أبرز رجال الأعمال السعوديين قراءة تفاصيل المقابلة إلى أن أستوقفتني إجابة - للشيخ/ الراجحي- على سؤال حول سوق المال جاء على النحو التالي : ما تعليقكم حول ما تناولته رسائل الجوال والمنتديات في الإنترنت من تعرض وتهجم على هيئة سوق المال؟ فجاء جواب (الشيخ /الراجحي) فيه من الأخطاء والمغالطات الشيء الكثير وأدركت أن هناك مفهوما خاطئ عن الوطنية حيث كانت الإجابة على النحو التالي : «في الواقع أساءني ما تم تناوله عبر رسائل الجوال والانترنت والرسوم الكاريكاتورية من تهكم وتهجم على هيئة سوق المال بشكل عام، أو شخصية معالي الأخ جماز السحيمي وأعتقد أن هذا الأمر جريمة بحقه وبحق الوطن، وما أود قوله هنا أن معالي الأخ جماز من الشخصيات المالية المعروفة، وأنا أعرفه قبل نحو 20 عاماً، عندما كان يعمل في مؤسسة النقد العربي السعودي، وهو رجل مخلص، يهمه المواطنين، ولكن ماذا سيفعل، هل هو على مركز كبير من المال يضخه في السوق، هل هو قادر أن يقول للناس لا تبيعوا أسهمكم، هل يملك هذا الشيء، عمله هو تقليص نسبة الارتفاع أو الانخفاض في السهم من 10 في المائة إلى 5 في المائة ليكون الارتفاع أو النزول تدريجياً لكيلا يكون هناك اندفاع، وهذه حكمة إدارية وإجراء فني صائب، ما الذي عمله معالي الأخ جماز لكي يقوم بعض الناس بحملة شعواء مغرضة بحق رجل مخلص لوطنه ومواطنيه، بل كان الأجدر أن يعرفوا دور الهيئة وهو مراقبة السوق فقط، وألا يخطئ شخص على آخر، بل هناك مغرضون في هذه الحملة الشعواء لأهداف نحن كمواطنين لا نتقبلها، أنا في نظري وقناعة في نفسي أنه لو وضع شخص غيره فلن يستطيع أن يغطي الثغرة التي غطاها جماز خصوصا بدقته وإخلاصه وأمانته للوطن».
أقول لقد استوقفتني هذه الإجابة التي لم يوفق فيها (الشيخ/ الراجحي) .. أمام المقدمة الكبيرة التي أعدها مراسل الجريدة والسبب في ذلك لأن ما يُفهم من كلامه أنه لا يبرر الخطأ وحده ويقف بل ظهر وكأنه يبرر حتى استمرارية الأخطاء وبقاءها ولا مانع لديه من جلوس القائمين على الخطأ والتجاوز على الرصيف ويتفرجوا على المتلاعبين من الهوامير بمصير البشر.. لقد صدمت من إجابة (الشيخ / الراجحي) هداه الله وتساءلت: ماذا لو كان الموضوع يخص إحدى شركات (الشيخ) نفسه التي يملكها، وكان هناك خلل وتجاوز وانفلات وتلاعب داخل هذه الشركة؟ . هل كان (الشيخ) يبرر لمدير الشركة والشخص القائم عليها والمسئول عنها مثلما برر لمعالي الأستاذ / جماز السحيمي أم أنه سيحاسبه ويعاقبه إذا لم يقيلة فورا؟..فالمعروف عن (الشيخ /الراجحي) التمسك بسياسة إدارية صارمة تعتبر المحاسبة والمعاقبة للمقصرين والمتهاونين أياً كانوا لها الأولوية على توزيع المكافآت وخطابات الشكر، ولا أشك أنها سياسة إدارية نجحت مع (الشيخ/ الراجحي) أوصلته إلى ما هو عليه من ثروة..ولكن الأمر يختلف عند (الشيخ) وآخرين عندما يتعلق الأمر بالدولة، وهذه هي المأساة بعينها.
أنني أوافق (الشيخ/ الراجحي) وأتفق معه على الرفض المطلق لأي تهجم أو إساءة لفظية وغير لفظية كرسائل الجوال على شخص معالي الأستاذ / السحيمي.. إلا أننا نقول (للشيخ / الراجحي) نحن نتحدث ونركز على السياسات والقرارات العامة التي صدرت وتصدر عن هيئة سوق المال تحت إمضاءه وتوقيعه ، فتلك القرارات تمس حياتنا ومستقبلنا ووضعنا المعيشي والاقتصادي ككل..إننا نلومه لتجاهل إشارات التحذير والتنبيه التي وجهت إليه قبل وقوع الكارثة مع العلم أنها متضمنة حفظ مقامه وتقدير جهوده.
أشار (الشيخ/ الراجحي) في هذه الإجابة وفي أكثر من موضع في المقابلة الصحفية إلى (الوطنية) ليتضح لي شخصياً أنه يحمل مفهوماً آخر غير الذي نعرفه جميعاً ، لأن أغلب التعريفات تلتقي على أن (الوطنية) في مفهومها الصحيح :أن تظل أميناً على مبادئ دينك، وفياً لها، مساهماً في مسيرة بناء وطنك مدافعاً عنه واقفاً كالإعصار ضد كل من يحاول النيل منه.
كما أن الوطنية قبل كل شيء تعبير اجتماعي لعملية انتماء وعطاء الإنسان للوطن الذي يعيش فيه وللدين الذي يدين به، ذلك أن علماء الاجتماع يرون أن المجتمع القوي في تضامنه هو مجتمع غني بالمواطنة، هذا التضامن الذي يكون بمثابة حاجز يحول دون تآكل المعاني المشتركة والمعتقدات (المذاهب) الدينية التي تجمع أفراد المجتمع فيما بينهم وتصهرهم في قالب واحد يشكل الوطن، الأمر الذي يجعلهم يتفادون الأنانية والفردية المادية المفرطة التي تمثل معول هدم لمقومات المواطنة؛ فبتفادي هذه الفردية نضمن بناء المجتمع وتطوره.
لكنني أجد بعد الأحداث الأخيرة للسوق والتي جاءت على يد ما يسمون ويطلق عليهم (بهوامير) السوق، وكذلك المسئولين عن الأمانة القائمين على السوق أجد أن الوطنية السعودية على يد هؤلاء تواجه تحدياً كبيراً في ظل بقاء واستمرار مثل هذه النوعية من الأفراد في العبث بمصير ومستقبل اقتصاد مجتمعهم وإخوانهم بالإسلام قبل الأرض والوطن.
إنني أجد أن الوطنية في أشد الحاجة إلى مجهودات وأطروحات رجال العلم والثقافة وعلماء الدين والاجتماع والسياسة من جديد لإعادة تثقيف أبناء الوطن تجاهها، فالعمل في إطار جماعي يحتاج إلى جهود وعقليات للتحفيز وتحريض عليه . إننا بحاجة إلى وضع شروط جديدة للتناغم والتكامل في بنية الوطنية السعودية،وفي مواجهة الآثار السلبية للأنانية والفردية على حساب المجتمع بكامله ، حيث وما زالت المنظومة الفكرية للأفراد تعيش في حدود ضيقة، ومثل هذه الظواهر الاجتماعية السلبية تجعل من الصعب حدوث تلاق أو تلاقح بين الرغبة الفردية والتوجهات الاجتماعية خصوصاً مع المتغيرات العصرية المتسارعة والحاجة إلى روح الجماعة.
إن المرحلة التاريخية الحالية تفرض علينا نحن أبناء الوطن الواحد قدراً كبيراً من المرونة الفكرية التي تؤدي إلى الشعور بالمسؤولية الوطنية من جانب الفرد العادي أمام مصالحه وطموحاته وأهدافه وغاياته ومدى تصادمها مع مصالح وطموح مجتمعه. كما أنه علينا جميعاً أن ندرك أن الوطنية ليست مجرد دروس تلقى على التلاميذ في المدارس ، فتظل حبراً على ورق في طيات الكراسي، وأنها ليست مجرد امتحان في نهاية الموسم، ثم تنتهي الوطنية. كما إنه علينا أن ندرك أن الهدف الأساسي من عملية تدريس الوطنية في المدارس ليس مجرد إعداد الطلاب للمنافسة في عالم التكنولوجيا التي يتهافت عليها العالم برمته، بل هو تغذية روح الوطنية فيه بغرس القيم الإسلامية الصحيحة والعادات والتقاليد الفاضلة والصفات الضرورية فيه لجعله قادراً على التعاون في مجتمعه الصغير، والمجتمع الإنساني العالمي .
هذا هو المقصود بالوطنية التي نفهمها ونعرفها، والتي نسعى لتكريسها ولا أدري إذا كان لدى (الشيخ/ الراجحي) مفهوم آخر أتمنى وأطمع أن أسمع منه عن مفهومه الخاص بالوطنية التي قصدها في مقابلته هذه.
كما أن (الشيخ / الراجحي) أمتدح في هذه الإجابة مسئلة هامة وأعتبرها من صميم عمل الهيئة فقال بالنص: «عملها هو تقليص نسبة الارتفاع أو الانخفاض في السهم من 10 في المائة إلى 5 في المائة ليكون الارتفاع أو النزول تدريجيا لكيلا يكون هناك اندفاع، وهذه حكمة إدارية وإجراء فني صائب»..وقبل أن يجف حبر هذه المقابلة صدر قرار من هيئة سوق المال بالعودة إلى نسبة التذبذب السابقة والتي هي في حدود (10%) ليكون الإجراء الوحيد الذي أستشهد به الشيخ لدلالة على عمق وبعد النظر لدى القائمين على السوق وحرصهم على سلامة السوق كان خطأ وغير صائب وليس في محله.
كما أترك لك أيها القارئ التعليق على إجابة (الشيخ/ الراجحي) عند رده على قول الصحفي له : «ولكن هذا كلام محللين متخصصين يملكون شهادات علمية وخبرات مالية، وهم من يقول هذا الكلام ويطالب به؟» ليجيب (الشيخ/الراجحي): «المحللون يرون بما شاءوا وفق رؤيتهم، أما أنا فرجل عامي شهادتي الثاني ابتدائي،وأحلل وفق رؤيتي وتجربتي، ولكن كما يقال "لكل إمام خطبته».
(أعتذر لك أيها القارئ فليس لدي أي تعليق على الإجابة).
ومع ذلك أقول أن هذه الأحداث أثبتت حقيقة القائد والمسئول وعززت التوجه الاقتصادي الإصلاحي الذي يقوده سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - فقد اعتبرت السرعة المتبعة في معالجة الوضع من خلال اتخاذ العديد من القرارات تتماشى بالكامل مع سياسة قائد هذه البلاد وراعي مسيرتها التي تقضي بتجاوز البيروقراطية، وفتح قنوات إضافية للاستثمار في السوق المحلية من شأنها أن تجلب سيولة تدعم الاقتصاد الوطني..ففي اجتماع المجلس الاقتصادي الأخير، رفض مولاي خادم الحرمين الشريفين تشكيل لجان لدراسة وضع سوق الأسهم التي كانت في حينها تواصل تدهورها الذي بدأ في الخامس والعشرين من شباط (فبراير) الماضي. ووجه الملك أعضاء المجلس الاقتصادي - معظمهم من الوزراء - بسرعة وضع الحلول ومعالجة وضع السوق دون الحاجة إلى تشكيل لجان ربما يمتد عملها لأسابيع أو أشهر وقد يتسبب ذلك في زيادة وضع السوق سوء.
كما عكست التوجيهات الحكيمة حقيقة سياسات خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - القائمة على ضرورة العمل بالتركيز على الدراسة المستفيضة مع سرعة اتخاذ القرار, وكذلك مواكبة المتغيرات الاقتصادية،في إشارة صريحة وواضحة إلى أن ما تم التشديد عليه من قبله خلال اجتماع المجلس الاقتصادي يرتكز على نقطتين هامتين: الأولى مسؤوليته المطلقة عن كل ما يمس المواطنين بمختلف أطيافهم وأعمارهم, مردداً - حفظه الله - «هؤلاء أمانة في عنقي». والنقطة الثانية : عدم السماح للبيروقراطية التي دأبت عليها الأجهزة الحكومية, بتعطيل الوصول إلى حل يعيد لسوق الأسهم توازنها.
كما جاء في رفضه - يحفظه الله - لتشكيل لجان للدراسة وضع السوق من عدة جهات, كما اقترح البعض خلال جلسة المجلس الاقتصادي, دليل قاطع على مدى حرصه على عدم إطالة مدة الحل, مؤمناً على أن ثمة حلولا متوافرة عاجلة تستند إلى أساسيات من الدراسة تضمن نجاحها وإحداث تغيرات إيجابية دون تبعات سلبية ودون مساس بالخطط العريضة لاقتصاد البلاد.
لقد استبعد مولاي خادم الحرمين الشريفين الحلول التي تتعلق بتدخل الدولة بشكل مباشر- خلال الاجتماع الذي امتد أكثر من سبع ساعات - من خلال صندوق الاستثمارات العامة أو صندوقي التأمينات الاجتماعية والتقاعد, وهذا الموقف يتسق مع التوجه العام للتخصيص من جهة, وعدم المساس بصناديق المتقاعدين من جهة أخرى. وهنا تذكر المصادر أن الملك كان حريصاً مع إعلان ميزانية الدولة للعام الحالي أن يسدد الدين العام في وقت قصير, وهو دين يعود معظمه لصندوقي التأمينات ومعاشات التقاعد, وبالتالي فإنه لن يقبل حلا لمعالجة سوق الأسهم يتقاطع مع هذا الهدف الذي قلص بالفعل الدين العام إلى نحو (450) مليار ريال، في حين كان قبل عامين (650) مليار ريال.
إن استبعاده يحفظه الله ويرعاه لكافة المحاولات التي تمت خلال الاجتماع لتشكيل لجان ورفضه لها عكس حرص سيدي خادم الحرمين الشريفين على سرعة الحل وقلص المدة إلى ست ساعات، على أن يستدعى الأشخاص الاعتباريين الذين يتطلب وجودهم في اللجنة للاجتماع في تلك الساعة.ليتم إبلاغ قطاع الأعمال بفتح سوق الأسهم للمقيمين، ودراسة تجزئة الأسهم التي سيكون لها كبير الأثر في الحد من هذه التلاعب والعبث في السوق .
لقد كشفت هذه الأحداث عن الحرص والحزم والحكمة والإصرار والرؤية في شخصية مولاي خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله ويرعاه ويسدد خطاه ليضرب نموذج رائعاً في المسئولية والحرص والاهتمام بالرعية ففي الأزمات والمحن تتضح حقيقة معادن ومواقف القادة والمسئولين.
وفي الختام أيها الأحبة ..وعودة على ذي بدء أود أن أزف إليكم بشرى سارة وهي أنني استطعت الحصول على إجازة لمدة (ثلاثة أسابيع) من رئيس تحرير صحيفتنا البخيل معي في الوقت..أتعلمون أيها الأحبة كيف جعلته يوافق دون قيود أو شروط على مطلبي وكأنه دولة عربية أستصدر مجلس الأمن قراراً تجاهها مطالباً إياها بتنفيذه دون قيد أو شرط ؟ سأقول لكم كيف وصلت لذلك مع رئيس التحرير العنيد ؟ لقد اتبعت معه سياسة رمي الكرة بملعبه وعكس المعادلة معه.. فقد أستخدمت نفس المدخل والمنفذ الذي أتبعه معي والذي أعرف أنه هو أيضا لا يستطيع الوقوف أمامه..فقد قلت له في نهاية حديث الهاتفي معه : أنني بحاجة إلى وقت أتفرغ فيه لعمل مهم (للوطن) ومن أجل (الوطن)..إنني بحاجة لوقت أتفرغ فيه لمراجعة وتنقيح بروفة كتابي (هذه هي حقيقتنا) الذي سيطبع قريباً والذي كتبته من أجل العنصر الأساسي واللبنة الأولى في أي (وطن)..فما كان لرئيس تحرير صحيفتنا العنيد برأيه أي مفر من أن يرضخ ويتجاوب معي مطلبي..ليأتيني رده وجوابه من على سماعة هاتفي مطابقاً لما توقعت. أتعلمون ماذا كان رده؟ لقد قال : لا أستطيع قول شيء إذا كان الأمر يتعلق بمشروع ثقافي وفكري من أجل مصلحة الوطن وأبناءه فلك يا (أبا فيصل ) ما طلبت ورغبت..لذا أستسمحكم عذراً أيها الأحبة في غياب مقالتي الأسابيع القادمة..ولزملائي الكتاب أقول لهم كان الله في عونكم إن كان يحدث لكم مثل الذي حدث معي حين ترغبون في الحصول على إجازة لأنهم لا يوافقون إلا في حالة مشروع وهم ثقافي أكبر عبئاً وجهداً والتزاماً من مقالاتكم التي تكتبونها إليهم..أقولها من صميم قلبي كان الله في عونكم أيها الزملاء والأخوة.