سلطان الشمري
13-04-2006, 00:46
بسم الله الرحمن الرحيم
/
\
أحبتي ربما لم يكن هنا ولن يكون مكان موضوعي هذا ولكن اتمنى ان يتسع له مضيف الشعر الشعبي لأنه هو المعني بهذا الموضوع الذي أخذ مني الجهد والوقت ..
أتمنى ان يفيدكم / وان تفيدوه بطرح رؤاكم وأرائكم .. وما في مخيلتكم .. وعقولكم
والقصد الفائده لنا جميعاً .. والله من وراء القصد ..
.
.
لعل النقد الأدبي من أقدم الفنون الأدبيه تاريخياً ,
بل لاشك أنه ولد مع ولادة أول نص أدبي بمعناه الفطري,
غير أن محاولات الإغريق في تنظير النقد الأدبي من أقدم المحاولات ,
ولقد ساهم العرب في العصور العباسية وبعدها بجهد قيّم في مجال النقد , وفي العصر الحديث صار النقدُ منهجاًُ وفناً وعلماً
له أسسه وقواعده ونظرياته ومناهجه ومدارسه , حتى استحق أن يسمى علماً من العلوم الإنسانيه الأدبية.
*اولاً *
_ النقد لغة_
حينما نعود للمعاجم العربيه القديمه والحديثه منها كلسان العرب لأبن منظور ,
والقاموس المحيط للفيروز أبادي ,
والصحاح للجوهري , والمعجم الوسيط ,باحثين عن لفظ ( نقد ) نقف أمام معانٍ عدة لهذه الكلمة .. ولكن لاتخرج معظمها عن المدلول الفني للنقد الأدبي
فماورد تحت مادة ( نقد ) مايأتي :
النقد :
تمييز الدراهم وإخراج الزيف منها ,
وانتقد الدراهم أي قبضها ,
ويقال درهم نقد أي جيد لا زيف فيه
ونقد الشيء نقدا : أي نقره ليختبره وليميز جيده من رديئه.
ونقد الرجل الشيء بنظره أي اختلس النظر إليه,
وما زال فلان ينقد بصره الى الشيء إذا لم يزل ينظر إليه.
وفي حديث أبي الدرداء أنه قال :
( إن نقدت الناس نقدوك , وغن تركتهم تركوك )
معنى نقدتهم أي عبتهم قابلوك بمثله , وفلان ينقد الناس :
أي يعيبهم ويغتابهم .
ونقد النثر ونقد الشعر أي أظهر مافيها من عيب أو حسن .
*ثانياً *
_ النقد إصطلاحاً _ :
ماهو النقد الأدبي؟
سؤال يطرح أولاً ودائماً عند دراسة موضوع النقد الأدبي.
إن محاولة وضع تعريف شامل ودقيق ومختصر لمصطلح مثل ( النقد الأدبي) محاولة لا تخلو من صعوبه
ذلك أن الأدب وهو المادة الأساسيه في عمليه النقد قد مرّ وسيمر بمراحل تطويريه عبر التاريخ أولاً ,
وللعلاقة الوثيقه بين الأدب والمعارف الإنسانيه الأخرى ثانياً ,ظل النقد وتطوره مرتبطاً بعلاقة طرديه مع الأدب والمعارف الإنسانيه بالضرورة
إضافة إلى أن النظريات النقديه التي يعتمد عليها الناقد في عمله ستبقى أبدا قابلة للنقاش والإفتراض والبرهان ما بقي الانسان يرتقي سلم التطور , ومع ذلك سوف نحاول أن نستقرئ معاني النقد كاصطلاح
أدبي بدأ مع أول نص وتطور بتطور الأدب وسوف يبقى حتى آخر نص أدبي.
1-
د. محمد مندور
: وهو واحد من اساتذة النقد المرموقين -
يعطي النقد ثلاث وظائف
: هي تفسير العمل الأدبي, ومساعدة القارئ على فهمه , وإبراز مافيه من قيم
ورغم ان الوظائف المذكوره عند مندور والتي أشار اليها في كتابه ( الأدب وفنونه ص 75) هي من مهمات النقد الأساسيه إلا أن النقد أشمل من ان يقتصر عليها .
2_
يحاول باحث آخر أن يوضح الإختلاف بين مؤرخ الادب والناقد ليخرج _ربما_ صورة أشمل من التعريف السابق.
فهو يرى أن النقد هو
" تقويم النص الأدبي في محاولة لإظهار النموذج الأكمل الذي يجب أن يكون .
ففي الوقت الذي يسجل فيه الكاتب مادته عما هو كائن في الأدب ,فهو في الواقع يؤرخ لتاريخ الأدب, ولكنه إذا ماخرج عن هذه الدائره إلى دائرة تبيان المحاسن ومكامن أسرارها
والمساوئ , وأسبابها وأنواعها, , وتعرض إلى رسم الصوره المثلى الذي كان على الأديب أن يتبعها في المضمون والشكل, كان هو ذلك النقد .
3_
في الجانب الآخر نجد سيد قطب في كتابه (النقد الأدبي _أصوله ومناهجه ) ينظر الى النقد من خلال المنهج التكاملي , وهو أحد مناهج النقد الأدبي ,والذي يحاول أن يجمع بين مناهج النقد في منهج واحد
_يقول سيد قطب_
:- إن النقد هو " تقويم العمل الأدبي من الناحية الفنيه,وبيان قيمته الموضوعيه,وقيمته التعبيريه والشعوريه,وتعيين مكانه في خط سير الأدب, وتحديد ما أضافه الى التراث,وفي العالم الأدبي كله, وقياس مدى تأثره بالمحيط ,وتأثيره فيه وتصوير
سمات صاحبه وخصائصه الشعريه والتعبيريه,وكشف العوامل النفسيه االتي اشتركت فيه وفي تكوينه والعوامل الخارجيه كذلك .
4_ ويضيف باحث آخر مهمة أخرى للنقد , بل ويراها هي النتيجه التي يجب أن تصل إليها العمليه النقديه
تلك هي مهمه ( الحكم الأدبي) وهنا يعول على الناقد أولاً وأخيراً بوصفه خبيراً له قدرة خاصة ودرايه بالحكم على قطعه أدبيه, وألا يكتفي الناقد بفحص العمل الأدبي وإبراز مزاياه وعيوبه
بل يجب عليه أن يصدر حكماً .
5_
ويربط باحث أخر بين النقد والمعارف الإنسانيه الأخرى ,لأن النقد الحديث هو
" مناقشة الأساليب الأدبيه بالاستعانة بأسباب العلم والفلسفة والدين والمنطق
والاستاطيقا(علم الجمال) والإنثروبولوجيا(علم الانسان ) والميثولوجيا (علم الاساطير)
دون التورط في إعتبار تلك الأساليب وثيقةأجتماعية او كشفاً عقيدياً او فتحاً أيديولو جيا فقط.
* ماهو الأدب ؟ *
لعل اشهر التعريفات المتداوله في كتب الأدب مقولة أرسطو في كتابه (الشعر) حين تحدث عن الأدب والفن كظاهرتين (لمحاكاة الطبيعه وتقليدها)
فقد إفترض أن الأديب (الشاعر والكاتب) والفنان ( الرسام والموسيقي والراقص ) اذا ارادا أن ينقلا مشهداً من مشاهد الطبيعة كل بأداته الخاصه
, وهي اللغه بالنسبه للأديب , بما فيها من الفاظ وإسلوب بلاغي وخيال وعاطفه للتعبير عن الفرح أو الحزن أو الغضب أو الحماسه أو الحب أو الخوف ... الخ
ثم ان محاكاة الطبيعه والواقع ونقلهما لا تعني فتوغرافية النقل لأن العدسة اللاقطه لذلك المشهد ليست عدسة ميكانيكيه بل هي عين الأديب والفنان وانفعالهما.
وعموما يتكون الأدب من أربعة عناصر في جميع أنواعه : هي
العاطفه , الخيال , المعنى , والاسلوب
فائدة النقد الأدبي للأدباء : -
1-يفسر أعمالهم ويحللها
2-ييسر للناس قرائتها
3- يدل على العمل الادبي ويشهره ,فكثير من الأدباء ظلوا مغمورين حتى انتشلهم النقد ,وقدم للناس أدبهم فأستحق بعضه الخلود بفضل النقد
4- يقّوم الأدباء
5- يستحسن مواطن الجمال في اشعارهم وينبههم الى مواطن الضعف والنقص فيحثهم على تلافيها
6- يدلهم على رأي النقاد والناس الذواقه فيهم
فائدة النقد الأدبي للقراء :-
1- يقرب لهم الأعمال الأدبيه ويساعدهم على فهمها
لأن ثقافة القراء متفواته وبحاجه الى هذا الوسيط لمساعدتهم على فهم العمل الأدبي وكشف غموضه
2-وهو ايضا يهيء القراء الى القراءه الرفيعه الراقيه ويجنبهم القراءه الرديئه
3-يرشدهم كذلك الى منابع الجمال والقوة والجزاله فيصقل مواهبهم وينمي الحس الأدبي لديهم
4-ينبههم إلى جوانب غير منظوره قد يمر عليها دون الالتفات اليها
5- يوفر على القارئ الكثير من الوقت
فائدة النقد للأدب :-
يفيد النقد الأدب في أنه يقويه ويجعله متقدماً متطوراً نحو الأفضل والأجمل.
وكذلك يوسع آفاق الأدب ,ويدعو الى ماينهض به, وايضاً يدعو الى إنتاج جديد في سماته وخصائصه
وكذلك فإن النقد يشيع الأدب بين الناس .
* النقد بين كونه علماً وفناً وذوقاً بديهياً *
اختلف العلماء بين مؤيد ومعارض لكون الأدب علماً أو فناً
فالعلم يعتبر ذو قواعد ثابته لا تتغير , أما النقد فهو متغير غير ثابت ابدا ,
الذوق :-
يعرف على انه القوة التي يقدر بها العمل الفني .
والذوق في أصله موهبه فطريه تولد مع الانسان ,ثم تصقله الدراسه وتهذبه التجارب وتعمقه الثقافه.
وينمى الذوق ويرقى بالاطلاع على الفنون الجميله والاتصال بها والاتصال بالاعمال الأدبيه الرفيعه
غير انه هذا لا يعني ان الذوق ملكه بسيطه ,لانه في الواقع مزيج من الحس والعقل والعاطفه وهو مقترن بالذكاء كذلك
ومن هنا قيل أن هناك ذوقاً صحيحاً أو سليماً كما قيل : إن هناك ذوقاً فاسداً او سقيماً .
والأمر موكول للإستعداد الفطري وقدرة المتذوق ومدى اتساع تأمله وفهمه وادراكه للنص الأدبي
ومدى ثقافته وسعة مداركه
وعن هذا الذوق المثقف تحدث الجرجاني في (الوساطه بين المتنبي وخصومه )
ووصفه بأنه ذوق صقله الأدب , وشحذته الروايه , وجلته الفطنه , فألهم الفصل بين الردئ والجيد , واستوعب امثلة الحسن والقبح.
وعلى ضوء الدراسة الحديثه ياتي الجنس كعامل من عوامل اختلاف الأذواق ,
وأن لكل جنس طابعه في الذوق الأدبي يقوم على الخواص المعنويه والجنسيه لذلك الجنس ,فقد لوحظ
ميل الللاتينيين إلى رقة الأسلوب ,والفرنسيين الى روعة الخيال,والألمان الى الجزالة والقوة ,
وفي الأدب العربي ظهرت أذواق متباينه تبعاً لإختلاف اجناس الشعراء
كالذوق عند بشار وأبي نواس والذوق عند ابن الرومي بل ان هناك اختلاف عند الذوق بين الرجال والنساء
وللتربية الأسريه ,و التنشئه الخاصه , ونوعية التعليم
واخيراً أثر الشخصيه " الفرديه و المزاج الخاص في تكوين الذوق وهذه أخص المؤثرات في الذوق الأدبي فابن الرومي المتطير ذو المزاج الحاد صبغ التشاؤم والحزن شعره .
* أثر الذوق على الأدب *
والذوق بعد ذلك مهم للأديب والناقد فهو للأديب القوة التي تؤثر على تشكيل عناصر العمل الأدبي فلذوق الأديب أثر في نوعية العاطفه
, وتلون الخيال, وانتقاء المعاني , واختيار الاسلوب .
وهو للناقد : القوة التي يدرك بها جماليات النص الأدبي والعمل الفني والجمال في الفن يختلف عن الجمال في الطبيعه
(( " فالجمال الطبيعي شيء جميل , ولكن الجمال الفني تصوير جميل لشيء ما" )) .
* صفات الناقد *
ولما لهذه المهمه من قدر ولصعوبتها فلا بد لمن يمارسها من توفر شروط في شخصيته قد لاتحصى ونذكر منها :
1- لابد أن يمتلك الناقد الموهبه والذكاء
2- الموهبه وحدها لا تكفي فلا بد من ثقافه عميقه واسعه وعامه شامله لشتى فنون المعرفه تتنوع بين التاريخ والفلسفه والاجتماع... الخ من علوم الحياة,
يرى الجاحظ ( أن الرواة الذين يتمتعون بثقافه منوعة هم اهل العلم بالشعر )
3- لابد من تسلح الناقد بثقافه خاصه تختص بالادب وعلومه
ثقافة متخصصه وعميقة وراقيه ودقيقه بالادب وطبيعته وعناصره والانواع الادبيه اغراض الأدب ووظيفة كل ادب وغايته, وقيمته , وفنونه. وعلاقته بغيره من العلوم الأنسانيه الأخرى
ولابد له من معرفة بتراث الادب واتجاهاته , وبالانتاج الفني الأدبي الحديث ومذاهبه المتعدده
وبالمصطلحات الأدبيه الفنيه الحديثه,
فأبن سلام يقرر أن الناقد يحتاج الى التمرس بالشعر حتى يصبح بصيراً بأموره ومدركاً للفروق بين الجيد والأجود وبين القوي والضعيف
وكثرة المدارسة تعين على العلم كما يرى ابن سلام وهم لا يسمحون لمن لا تتوافر فيه هذه الصفات بإصدار حكماً ..
قال قائل لخلف الأحمر ( اذا سمعت أنا بالشعر واستحسنته فما أبالي ما قلت فيه انت وأصحابك ,فقال له : اذا اخذت درهما فأستحسنته فقال لك الصراف انه ردئ,فهل ينفعك استحسانك له ؟
4 -بالاضافه الى ذلك كله لابد من الثقافه النقديه وهي ان يكون مطلعاً اطلاعاً واسعا على الدراسات النقديه القديمه والحديثه مدركا لمعنى النقد واهميته ووظائفه وانواعه وعلاقته بالفن والعلم
5 -ان يكون الناقد موضوعيا وهذا اهم شروط الناقد .
* امثله على النقد *
لن اطيل في ذكر الأمثله
1-
حينما تنازع امرأ القيس وعلقمة تنازعاً في الشعر ايهما اشعر
ثم احتكما الى ( ام جندب زوج أمرئ القيس ) مما يدل على درايتها بالشعر فطلبت منهما ان ينظم كل واحد فيهما قصيده يصف فيها فرسه مشترطة وزناً وقافيه محددين
فصنع كل واحد منهما قافية بائية من البحر الطويل
فأنشداها فقالت لزوجها ( علقمة اشعر منك ) فقال لها كيف..؟
فقالت :
لأنك قلت
فللسوط ألهوب وللساق درة = وللزجر منه وقع اخرج مهذب
فجهدت فرسك بسوطك في زجرك ومريته فاتعبته في بساقك , وقال علقمه :
فأدركهن ثانياً من عنانه = يمر كمر الرائح المتحلب
ادرك فرسه ثانيا من عنانه ولم يضربه بسوطه ولم يتعبه
2-
حينما قال المسبب بن علس
وقد اتناسى الهم عند ادكاره = بناج عليه الصيعرية مكدم
فقال طرفة بن العبد :
استنوق الجمل لان الصيعريه علامة في عنق الناقة لا الجمل
3-
وكما ورد ان النابغة الجعدي حينما ورد على النبي عليه الصلاة والسلام وانشده
اتيت رسول الله اذ جاء بالهدى = ويتلو كتابا كالمجرة نيرا
بلغنا السماء مجدنا وجدودنا = وانا لنرجوا فوق ذلك مظهرا
فساله الرسول عليه السلام ليصرفه عن الجاهلية وعصبيتها
(فأين المظهر يا أبا ليلى ؟ )
فيجيب الجنة فيعجب الرسول عليه السلام بشعره ومقاله ومنقطه فيقول ( ان شاء الله )
فلما انتهى الى قوله :
ولاخير في حلم اذا لم تكن له = بوادر تحمي صفوه ان يكدرا
قال له النبي عليه السلام ( لا يفضض الله فاك )
4-
كذلك ماعرف عن ابي بكر عندما علق على قول لبيد:
الا كل شيء ماخلا الله باطلُ
بقوله صدقت ولكن حينما اكمل البيت
وكل نعيم لا محالة زائل قال له
(كذبت فعند الله نعيم لا يزول )
5-
وكذلك عمر بن الخطاب كثر ماورد عنه لنقد للشعر
وقد عقب على عبد بن الحسحاس حين قال :
عميرة ودع ان تجهزت غازيا =كفى الشيب والاسلام للمرء ناهيا
بقوله : لو قدمت الاسلام على الشيب لأجزتك , وهو نقد في محله لأن الذي لايرده الاسلام عن لهوه وغيه قلّ ان يرده الشيب ..
.
.
.
هذا ما استطعت كتابته ..نقلاً لكم
وقد أخذ مني ما أخذ من وقت فما كان فيه من صواب فمن الله وحده وماكان من خطأ فمن الشيطان و من نفسي ..
واسال الله ان يفيد من يقرأه ويجعله خالص لوجه سبحانه , ولنرتقي بأنفسنا وبنقدنا ونجعله بناءاً مفيداً .. نسمو به ويسمو بنا ..
.
.
.
اخوكم
/
\
أحبتي ربما لم يكن هنا ولن يكون مكان موضوعي هذا ولكن اتمنى ان يتسع له مضيف الشعر الشعبي لأنه هو المعني بهذا الموضوع الذي أخذ مني الجهد والوقت ..
أتمنى ان يفيدكم / وان تفيدوه بطرح رؤاكم وأرائكم .. وما في مخيلتكم .. وعقولكم
والقصد الفائده لنا جميعاً .. والله من وراء القصد ..
.
.
لعل النقد الأدبي من أقدم الفنون الأدبيه تاريخياً ,
بل لاشك أنه ولد مع ولادة أول نص أدبي بمعناه الفطري,
غير أن محاولات الإغريق في تنظير النقد الأدبي من أقدم المحاولات ,
ولقد ساهم العرب في العصور العباسية وبعدها بجهد قيّم في مجال النقد , وفي العصر الحديث صار النقدُ منهجاًُ وفناً وعلماً
له أسسه وقواعده ونظرياته ومناهجه ومدارسه , حتى استحق أن يسمى علماً من العلوم الإنسانيه الأدبية.
*اولاً *
_ النقد لغة_
حينما نعود للمعاجم العربيه القديمه والحديثه منها كلسان العرب لأبن منظور ,
والقاموس المحيط للفيروز أبادي ,
والصحاح للجوهري , والمعجم الوسيط ,باحثين عن لفظ ( نقد ) نقف أمام معانٍ عدة لهذه الكلمة .. ولكن لاتخرج معظمها عن المدلول الفني للنقد الأدبي
فماورد تحت مادة ( نقد ) مايأتي :
النقد :
تمييز الدراهم وإخراج الزيف منها ,
وانتقد الدراهم أي قبضها ,
ويقال درهم نقد أي جيد لا زيف فيه
ونقد الشيء نقدا : أي نقره ليختبره وليميز جيده من رديئه.
ونقد الرجل الشيء بنظره أي اختلس النظر إليه,
وما زال فلان ينقد بصره الى الشيء إذا لم يزل ينظر إليه.
وفي حديث أبي الدرداء أنه قال :
( إن نقدت الناس نقدوك , وغن تركتهم تركوك )
معنى نقدتهم أي عبتهم قابلوك بمثله , وفلان ينقد الناس :
أي يعيبهم ويغتابهم .
ونقد النثر ونقد الشعر أي أظهر مافيها من عيب أو حسن .
*ثانياً *
_ النقد إصطلاحاً _ :
ماهو النقد الأدبي؟
سؤال يطرح أولاً ودائماً عند دراسة موضوع النقد الأدبي.
إن محاولة وضع تعريف شامل ودقيق ومختصر لمصطلح مثل ( النقد الأدبي) محاولة لا تخلو من صعوبه
ذلك أن الأدب وهو المادة الأساسيه في عمليه النقد قد مرّ وسيمر بمراحل تطويريه عبر التاريخ أولاً ,
وللعلاقة الوثيقه بين الأدب والمعارف الإنسانيه الأخرى ثانياً ,ظل النقد وتطوره مرتبطاً بعلاقة طرديه مع الأدب والمعارف الإنسانيه بالضرورة
إضافة إلى أن النظريات النقديه التي يعتمد عليها الناقد في عمله ستبقى أبدا قابلة للنقاش والإفتراض والبرهان ما بقي الانسان يرتقي سلم التطور , ومع ذلك سوف نحاول أن نستقرئ معاني النقد كاصطلاح
أدبي بدأ مع أول نص وتطور بتطور الأدب وسوف يبقى حتى آخر نص أدبي.
1-
د. محمد مندور
: وهو واحد من اساتذة النقد المرموقين -
يعطي النقد ثلاث وظائف
: هي تفسير العمل الأدبي, ومساعدة القارئ على فهمه , وإبراز مافيه من قيم
ورغم ان الوظائف المذكوره عند مندور والتي أشار اليها في كتابه ( الأدب وفنونه ص 75) هي من مهمات النقد الأساسيه إلا أن النقد أشمل من ان يقتصر عليها .
2_
يحاول باحث آخر أن يوضح الإختلاف بين مؤرخ الادب والناقد ليخرج _ربما_ صورة أشمل من التعريف السابق.
فهو يرى أن النقد هو
" تقويم النص الأدبي في محاولة لإظهار النموذج الأكمل الذي يجب أن يكون .
ففي الوقت الذي يسجل فيه الكاتب مادته عما هو كائن في الأدب ,فهو في الواقع يؤرخ لتاريخ الأدب, ولكنه إذا ماخرج عن هذه الدائره إلى دائرة تبيان المحاسن ومكامن أسرارها
والمساوئ , وأسبابها وأنواعها, , وتعرض إلى رسم الصوره المثلى الذي كان على الأديب أن يتبعها في المضمون والشكل, كان هو ذلك النقد .
3_
في الجانب الآخر نجد سيد قطب في كتابه (النقد الأدبي _أصوله ومناهجه ) ينظر الى النقد من خلال المنهج التكاملي , وهو أحد مناهج النقد الأدبي ,والذي يحاول أن يجمع بين مناهج النقد في منهج واحد
_يقول سيد قطب_
:- إن النقد هو " تقويم العمل الأدبي من الناحية الفنيه,وبيان قيمته الموضوعيه,وقيمته التعبيريه والشعوريه,وتعيين مكانه في خط سير الأدب, وتحديد ما أضافه الى التراث,وفي العالم الأدبي كله, وقياس مدى تأثره بالمحيط ,وتأثيره فيه وتصوير
سمات صاحبه وخصائصه الشعريه والتعبيريه,وكشف العوامل النفسيه االتي اشتركت فيه وفي تكوينه والعوامل الخارجيه كذلك .
4_ ويضيف باحث آخر مهمة أخرى للنقد , بل ويراها هي النتيجه التي يجب أن تصل إليها العمليه النقديه
تلك هي مهمه ( الحكم الأدبي) وهنا يعول على الناقد أولاً وأخيراً بوصفه خبيراً له قدرة خاصة ودرايه بالحكم على قطعه أدبيه, وألا يكتفي الناقد بفحص العمل الأدبي وإبراز مزاياه وعيوبه
بل يجب عليه أن يصدر حكماً .
5_
ويربط باحث أخر بين النقد والمعارف الإنسانيه الأخرى ,لأن النقد الحديث هو
" مناقشة الأساليب الأدبيه بالاستعانة بأسباب العلم والفلسفة والدين والمنطق
والاستاطيقا(علم الجمال) والإنثروبولوجيا(علم الانسان ) والميثولوجيا (علم الاساطير)
دون التورط في إعتبار تلك الأساليب وثيقةأجتماعية او كشفاً عقيدياً او فتحاً أيديولو جيا فقط.
* ماهو الأدب ؟ *
لعل اشهر التعريفات المتداوله في كتب الأدب مقولة أرسطو في كتابه (الشعر) حين تحدث عن الأدب والفن كظاهرتين (لمحاكاة الطبيعه وتقليدها)
فقد إفترض أن الأديب (الشاعر والكاتب) والفنان ( الرسام والموسيقي والراقص ) اذا ارادا أن ينقلا مشهداً من مشاهد الطبيعة كل بأداته الخاصه
, وهي اللغه بالنسبه للأديب , بما فيها من الفاظ وإسلوب بلاغي وخيال وعاطفه للتعبير عن الفرح أو الحزن أو الغضب أو الحماسه أو الحب أو الخوف ... الخ
ثم ان محاكاة الطبيعه والواقع ونقلهما لا تعني فتوغرافية النقل لأن العدسة اللاقطه لذلك المشهد ليست عدسة ميكانيكيه بل هي عين الأديب والفنان وانفعالهما.
وعموما يتكون الأدب من أربعة عناصر في جميع أنواعه : هي
العاطفه , الخيال , المعنى , والاسلوب
فائدة النقد الأدبي للأدباء : -
1-يفسر أعمالهم ويحللها
2-ييسر للناس قرائتها
3- يدل على العمل الادبي ويشهره ,فكثير من الأدباء ظلوا مغمورين حتى انتشلهم النقد ,وقدم للناس أدبهم فأستحق بعضه الخلود بفضل النقد
4- يقّوم الأدباء
5- يستحسن مواطن الجمال في اشعارهم وينبههم الى مواطن الضعف والنقص فيحثهم على تلافيها
6- يدلهم على رأي النقاد والناس الذواقه فيهم
فائدة النقد الأدبي للقراء :-
1- يقرب لهم الأعمال الأدبيه ويساعدهم على فهمها
لأن ثقافة القراء متفواته وبحاجه الى هذا الوسيط لمساعدتهم على فهم العمل الأدبي وكشف غموضه
2-وهو ايضا يهيء القراء الى القراءه الرفيعه الراقيه ويجنبهم القراءه الرديئه
3-يرشدهم كذلك الى منابع الجمال والقوة والجزاله فيصقل مواهبهم وينمي الحس الأدبي لديهم
4-ينبههم إلى جوانب غير منظوره قد يمر عليها دون الالتفات اليها
5- يوفر على القارئ الكثير من الوقت
فائدة النقد للأدب :-
يفيد النقد الأدب في أنه يقويه ويجعله متقدماً متطوراً نحو الأفضل والأجمل.
وكذلك يوسع آفاق الأدب ,ويدعو الى ماينهض به, وايضاً يدعو الى إنتاج جديد في سماته وخصائصه
وكذلك فإن النقد يشيع الأدب بين الناس .
* النقد بين كونه علماً وفناً وذوقاً بديهياً *
اختلف العلماء بين مؤيد ومعارض لكون الأدب علماً أو فناً
فالعلم يعتبر ذو قواعد ثابته لا تتغير , أما النقد فهو متغير غير ثابت ابدا ,
الذوق :-
يعرف على انه القوة التي يقدر بها العمل الفني .
والذوق في أصله موهبه فطريه تولد مع الانسان ,ثم تصقله الدراسه وتهذبه التجارب وتعمقه الثقافه.
وينمى الذوق ويرقى بالاطلاع على الفنون الجميله والاتصال بها والاتصال بالاعمال الأدبيه الرفيعه
غير انه هذا لا يعني ان الذوق ملكه بسيطه ,لانه في الواقع مزيج من الحس والعقل والعاطفه وهو مقترن بالذكاء كذلك
ومن هنا قيل أن هناك ذوقاً صحيحاً أو سليماً كما قيل : إن هناك ذوقاً فاسداً او سقيماً .
والأمر موكول للإستعداد الفطري وقدرة المتذوق ومدى اتساع تأمله وفهمه وادراكه للنص الأدبي
ومدى ثقافته وسعة مداركه
وعن هذا الذوق المثقف تحدث الجرجاني في (الوساطه بين المتنبي وخصومه )
ووصفه بأنه ذوق صقله الأدب , وشحذته الروايه , وجلته الفطنه , فألهم الفصل بين الردئ والجيد , واستوعب امثلة الحسن والقبح.
وعلى ضوء الدراسة الحديثه ياتي الجنس كعامل من عوامل اختلاف الأذواق ,
وأن لكل جنس طابعه في الذوق الأدبي يقوم على الخواص المعنويه والجنسيه لذلك الجنس ,فقد لوحظ
ميل الللاتينيين إلى رقة الأسلوب ,والفرنسيين الى روعة الخيال,والألمان الى الجزالة والقوة ,
وفي الأدب العربي ظهرت أذواق متباينه تبعاً لإختلاف اجناس الشعراء
كالذوق عند بشار وأبي نواس والذوق عند ابن الرومي بل ان هناك اختلاف عند الذوق بين الرجال والنساء
وللتربية الأسريه ,و التنشئه الخاصه , ونوعية التعليم
واخيراً أثر الشخصيه " الفرديه و المزاج الخاص في تكوين الذوق وهذه أخص المؤثرات في الذوق الأدبي فابن الرومي المتطير ذو المزاج الحاد صبغ التشاؤم والحزن شعره .
* أثر الذوق على الأدب *
والذوق بعد ذلك مهم للأديب والناقد فهو للأديب القوة التي تؤثر على تشكيل عناصر العمل الأدبي فلذوق الأديب أثر في نوعية العاطفه
, وتلون الخيال, وانتقاء المعاني , واختيار الاسلوب .
وهو للناقد : القوة التي يدرك بها جماليات النص الأدبي والعمل الفني والجمال في الفن يختلف عن الجمال في الطبيعه
(( " فالجمال الطبيعي شيء جميل , ولكن الجمال الفني تصوير جميل لشيء ما" )) .
* صفات الناقد *
ولما لهذه المهمه من قدر ولصعوبتها فلا بد لمن يمارسها من توفر شروط في شخصيته قد لاتحصى ونذكر منها :
1- لابد أن يمتلك الناقد الموهبه والذكاء
2- الموهبه وحدها لا تكفي فلا بد من ثقافه عميقه واسعه وعامه شامله لشتى فنون المعرفه تتنوع بين التاريخ والفلسفه والاجتماع... الخ من علوم الحياة,
يرى الجاحظ ( أن الرواة الذين يتمتعون بثقافه منوعة هم اهل العلم بالشعر )
3- لابد من تسلح الناقد بثقافه خاصه تختص بالادب وعلومه
ثقافة متخصصه وعميقة وراقيه ودقيقه بالادب وطبيعته وعناصره والانواع الادبيه اغراض الأدب ووظيفة كل ادب وغايته, وقيمته , وفنونه. وعلاقته بغيره من العلوم الأنسانيه الأخرى
ولابد له من معرفة بتراث الادب واتجاهاته , وبالانتاج الفني الأدبي الحديث ومذاهبه المتعدده
وبالمصطلحات الأدبيه الفنيه الحديثه,
فأبن سلام يقرر أن الناقد يحتاج الى التمرس بالشعر حتى يصبح بصيراً بأموره ومدركاً للفروق بين الجيد والأجود وبين القوي والضعيف
وكثرة المدارسة تعين على العلم كما يرى ابن سلام وهم لا يسمحون لمن لا تتوافر فيه هذه الصفات بإصدار حكماً ..
قال قائل لخلف الأحمر ( اذا سمعت أنا بالشعر واستحسنته فما أبالي ما قلت فيه انت وأصحابك ,فقال له : اذا اخذت درهما فأستحسنته فقال لك الصراف انه ردئ,فهل ينفعك استحسانك له ؟
4 -بالاضافه الى ذلك كله لابد من الثقافه النقديه وهي ان يكون مطلعاً اطلاعاً واسعا على الدراسات النقديه القديمه والحديثه مدركا لمعنى النقد واهميته ووظائفه وانواعه وعلاقته بالفن والعلم
5 -ان يكون الناقد موضوعيا وهذا اهم شروط الناقد .
* امثله على النقد *
لن اطيل في ذكر الأمثله
1-
حينما تنازع امرأ القيس وعلقمة تنازعاً في الشعر ايهما اشعر
ثم احتكما الى ( ام جندب زوج أمرئ القيس ) مما يدل على درايتها بالشعر فطلبت منهما ان ينظم كل واحد فيهما قصيده يصف فيها فرسه مشترطة وزناً وقافيه محددين
فصنع كل واحد منهما قافية بائية من البحر الطويل
فأنشداها فقالت لزوجها ( علقمة اشعر منك ) فقال لها كيف..؟
فقالت :
لأنك قلت
فللسوط ألهوب وللساق درة = وللزجر منه وقع اخرج مهذب
فجهدت فرسك بسوطك في زجرك ومريته فاتعبته في بساقك , وقال علقمه :
فأدركهن ثانياً من عنانه = يمر كمر الرائح المتحلب
ادرك فرسه ثانيا من عنانه ولم يضربه بسوطه ولم يتعبه
2-
حينما قال المسبب بن علس
وقد اتناسى الهم عند ادكاره = بناج عليه الصيعرية مكدم
فقال طرفة بن العبد :
استنوق الجمل لان الصيعريه علامة في عنق الناقة لا الجمل
3-
وكما ورد ان النابغة الجعدي حينما ورد على النبي عليه الصلاة والسلام وانشده
اتيت رسول الله اذ جاء بالهدى = ويتلو كتابا كالمجرة نيرا
بلغنا السماء مجدنا وجدودنا = وانا لنرجوا فوق ذلك مظهرا
فساله الرسول عليه السلام ليصرفه عن الجاهلية وعصبيتها
(فأين المظهر يا أبا ليلى ؟ )
فيجيب الجنة فيعجب الرسول عليه السلام بشعره ومقاله ومنقطه فيقول ( ان شاء الله )
فلما انتهى الى قوله :
ولاخير في حلم اذا لم تكن له = بوادر تحمي صفوه ان يكدرا
قال له النبي عليه السلام ( لا يفضض الله فاك )
4-
كذلك ماعرف عن ابي بكر عندما علق على قول لبيد:
الا كل شيء ماخلا الله باطلُ
بقوله صدقت ولكن حينما اكمل البيت
وكل نعيم لا محالة زائل قال له
(كذبت فعند الله نعيم لا يزول )
5-
وكذلك عمر بن الخطاب كثر ماورد عنه لنقد للشعر
وقد عقب على عبد بن الحسحاس حين قال :
عميرة ودع ان تجهزت غازيا =كفى الشيب والاسلام للمرء ناهيا
بقوله : لو قدمت الاسلام على الشيب لأجزتك , وهو نقد في محله لأن الذي لايرده الاسلام عن لهوه وغيه قلّ ان يرده الشيب ..
.
.
.
هذا ما استطعت كتابته ..نقلاً لكم
وقد أخذ مني ما أخذ من وقت فما كان فيه من صواب فمن الله وحده وماكان من خطأ فمن الشيطان و من نفسي ..
واسال الله ان يفيد من يقرأه ويجعله خالص لوجه سبحانه , ولنرتقي بأنفسنا وبنقدنا ونجعله بناءاً مفيداً .. نسمو به ويسمو بنا ..
.
.
.
اخوكم