ولدلبده
03-04-2006, 02:09
الصدق مع النفس والآخرين
في رسالة بعثها عمر بن الخطاب رضي الله عنه الى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه حين ولي القضاء حوت دررا وجواهر من الحكم كان مما جاء فيها قوله : ومن تخلق للناس بما يعلم الله انه ليس من نفسه شانه الله
في تعاملنا مع الآخرين نحن لا نرى منهم الا الظاهر .. أي ما يظهر لنا من حالهم من فعال واقوال.. حميدة كانت او سيئة.. حتى نحن.. فليس يبدوا للناس من شأننا الا الظاهر.. اما السرائر فلا يعلم سرها وحقيقتها وما تضمره الا الله سبحانه .. ولهذا نسمع كثيرا كلمة ( ما لنا الا الظاهر) وهي كلمة صادقة.. لان الحكم على الشيء مبني على ما يدرك ويعلم .. ولهذا كان من توابع هذه الكلمة .. وكان لازما لكوننا لا نتعامل الا مع الظاهر ان يعود الانسان نفسه ان يتعامل مع الأخرين بقاعدة (أن الأصل براءة الذمة) فلعل البعض يتذرع بكوننا لا نملك الا معرفة ظاهر الناس اما بواطنهم فلا نعلم منها شيئا ان يكون الاصل في تعاملنا مع الاخرين هو سوء الظن او في أقل الأحوال الحذر وعدم الثقة بهم وكون هذا أصلا أصيلا في التواصل .. الحذر شيء مطلوب لكنه يجب ان يكون ضمنيا وامرا محتملا لا ان يكون أساسا واصلا تنبني عليه كل صنوف التواصل الانساني..
نرجع قليلا الى مقولة أمير المؤمنين.. ولنتأملها مليا.. اذا قررنا انه يحسن بنا ان نحسن الظن بالآخر!! فانه أيضا يجمل بالآخر ان يظهر أمامنا بالصورة الحقيقة التي يعتقدها ويؤمن بها في باطنه.. فاذا كان الباطن هو محرك الظاهر وقائده.. فانه حين يختلف ظاهر الانسان عن باطنه فانه يعيش حالة استثنائية هي في حقيقتها تصنع وكذب وتزوير.. ولأن النفس الانسانية تحب وترتاح للتلقائية فان هذه النفس لا تصبر على هذا التزوير كثيرا ولا تتحمل التلون والزيف والتضليل.. بل لها أمد فتفيض هذه النفس الى الخارج ما كان يغلي في داخلها من المعاني والأحوال والخلجات ولهذا قال عمر رضي الله عنه هنا : شانه الله!! أي جازاه بما لا يؤمله وما لا يرجوه .. وجعله يظهر للناس يوما ما بما أضمر في نيته .. وفي هذا يقول عثمان بن عفان رضي الله عنه : ما أسر أحد بسريرة الا ظهرت على صفحات وجهه او فلتات لسانه .. او كلمة نحوها..
وقديما أنشد ذو الأصبع العدواني :
كل امريء راجع يوما لشيمته.. وان تمتع أخلاقا الى حين.. وقالت أم الهيثم الكلابية :
ومن يتخذ خيما سوى خيم نفسه .. يدعه ويغلبه على النفس خيمها - أي طبعها وسجيتها-
كثير من الناس يعمد الى مثل هذا الأسلوب لكي يحصل مكاسب او يصل الى مرتبة لا يقدر على تحصيلها بغير اسلوب التلون والتمثيل والتصنع .. لكنه بهذا الصنيع يخسر نفسه ومروءته .. يخسر ثقة الناس به فانه يظن ان الناس مغفلين لا يقدرون على التمييز بين معادن الرجال وبين لابسي الأقنعة .. وقبل هذا كله فان اظهار شيء حميد واخفاء السوء والخبث هو من أخلاق المنافقين .. ومن شمائل الضعفاء من الناس.. حري بالانسان ان يكون قوله وفعله وما تكتمه نفسه سواء.. وان يجاهد في أن يظهر أمام الناس وان يعاملهم بما يحب ان يعاملوه به .. وان كانت فيه صفات سيئة او أمور لا يحب بدوها وظهورها.. فما كان مما ستره الله تعالى عليك فستر الله عليك نعمة جليلة لا تعني ابدا ان تظهر للغير انك في غاية النقاء! مع الحرص على معالجة هذا الأمر السيء والتوبة منه.. وان كان هذا الأمر مما هو متعلق بالطبع والخلق فكونك على سجيتك مع حرصك على تهذيب نفسك خير واكثر توازنا في الحقيقة من ظهورك بخلاف حالك.. فحتى علماء النفس يذكرون ما للتوازن بين ما في النفس وداخل الأعماق وبين الظاهر من أثر حميد على الانسان..
من خلال ما مضى تبين لنا ان هناك نوعان من الناس يحرصون على الظهور بخلاف ما يعلمونه من حالهم.. قوم يفعلون هذا بسبب حرصهم على تحقيق مكاسب والوصول لمناصب لا يصلون اليها الا من خلال هذه الاقنعة.. فهؤلاء نيتهم سيئه وفعلهم سيء! وقوم صنعوا هذا لأنهم حريصون ان يكون حالهم حميدا ورؤية الناس لهم نظرة طيبة غير أنهم لا يرجون منهم حمدا ولا مدحا ولا مكسبا.. فقط يريدون الظهور بما يحبون فعلا الظهور عليه لكن هم يعلمون في قرارة أنفسهم انهم بخلافه ويتمنون تغيير أنفسهم.. فهؤلاء نيتهم طيبة وقصدهم حميد لكن فعلهم حصل بأسلوب غير سليم.. فالأولى هو التغيير الحقيقي الذي ينبع من الداخل.. حتى يكون ظاهر الانسان وباطنه في التقاء.. ان الذي تكون نيته وظاهر حاله في توازن واتفاق يعيش سلاما وراحة وهناء لا يشعر بها المضطرب المتلون..
في رسالة بعثها عمر بن الخطاب رضي الله عنه الى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه حين ولي القضاء حوت دررا وجواهر من الحكم كان مما جاء فيها قوله : ومن تخلق للناس بما يعلم الله انه ليس من نفسه شانه الله
في تعاملنا مع الآخرين نحن لا نرى منهم الا الظاهر .. أي ما يظهر لنا من حالهم من فعال واقوال.. حميدة كانت او سيئة.. حتى نحن.. فليس يبدوا للناس من شأننا الا الظاهر.. اما السرائر فلا يعلم سرها وحقيقتها وما تضمره الا الله سبحانه .. ولهذا نسمع كثيرا كلمة ( ما لنا الا الظاهر) وهي كلمة صادقة.. لان الحكم على الشيء مبني على ما يدرك ويعلم .. ولهذا كان من توابع هذه الكلمة .. وكان لازما لكوننا لا نتعامل الا مع الظاهر ان يعود الانسان نفسه ان يتعامل مع الأخرين بقاعدة (أن الأصل براءة الذمة) فلعل البعض يتذرع بكوننا لا نملك الا معرفة ظاهر الناس اما بواطنهم فلا نعلم منها شيئا ان يكون الاصل في تعاملنا مع الاخرين هو سوء الظن او في أقل الأحوال الحذر وعدم الثقة بهم وكون هذا أصلا أصيلا في التواصل .. الحذر شيء مطلوب لكنه يجب ان يكون ضمنيا وامرا محتملا لا ان يكون أساسا واصلا تنبني عليه كل صنوف التواصل الانساني..
نرجع قليلا الى مقولة أمير المؤمنين.. ولنتأملها مليا.. اذا قررنا انه يحسن بنا ان نحسن الظن بالآخر!! فانه أيضا يجمل بالآخر ان يظهر أمامنا بالصورة الحقيقة التي يعتقدها ويؤمن بها في باطنه.. فاذا كان الباطن هو محرك الظاهر وقائده.. فانه حين يختلف ظاهر الانسان عن باطنه فانه يعيش حالة استثنائية هي في حقيقتها تصنع وكذب وتزوير.. ولأن النفس الانسانية تحب وترتاح للتلقائية فان هذه النفس لا تصبر على هذا التزوير كثيرا ولا تتحمل التلون والزيف والتضليل.. بل لها أمد فتفيض هذه النفس الى الخارج ما كان يغلي في داخلها من المعاني والأحوال والخلجات ولهذا قال عمر رضي الله عنه هنا : شانه الله!! أي جازاه بما لا يؤمله وما لا يرجوه .. وجعله يظهر للناس يوما ما بما أضمر في نيته .. وفي هذا يقول عثمان بن عفان رضي الله عنه : ما أسر أحد بسريرة الا ظهرت على صفحات وجهه او فلتات لسانه .. او كلمة نحوها..
وقديما أنشد ذو الأصبع العدواني :
كل امريء راجع يوما لشيمته.. وان تمتع أخلاقا الى حين.. وقالت أم الهيثم الكلابية :
ومن يتخذ خيما سوى خيم نفسه .. يدعه ويغلبه على النفس خيمها - أي طبعها وسجيتها-
كثير من الناس يعمد الى مثل هذا الأسلوب لكي يحصل مكاسب او يصل الى مرتبة لا يقدر على تحصيلها بغير اسلوب التلون والتمثيل والتصنع .. لكنه بهذا الصنيع يخسر نفسه ومروءته .. يخسر ثقة الناس به فانه يظن ان الناس مغفلين لا يقدرون على التمييز بين معادن الرجال وبين لابسي الأقنعة .. وقبل هذا كله فان اظهار شيء حميد واخفاء السوء والخبث هو من أخلاق المنافقين .. ومن شمائل الضعفاء من الناس.. حري بالانسان ان يكون قوله وفعله وما تكتمه نفسه سواء.. وان يجاهد في أن يظهر أمام الناس وان يعاملهم بما يحب ان يعاملوه به .. وان كانت فيه صفات سيئة او أمور لا يحب بدوها وظهورها.. فما كان مما ستره الله تعالى عليك فستر الله عليك نعمة جليلة لا تعني ابدا ان تظهر للغير انك في غاية النقاء! مع الحرص على معالجة هذا الأمر السيء والتوبة منه.. وان كان هذا الأمر مما هو متعلق بالطبع والخلق فكونك على سجيتك مع حرصك على تهذيب نفسك خير واكثر توازنا في الحقيقة من ظهورك بخلاف حالك.. فحتى علماء النفس يذكرون ما للتوازن بين ما في النفس وداخل الأعماق وبين الظاهر من أثر حميد على الانسان..
من خلال ما مضى تبين لنا ان هناك نوعان من الناس يحرصون على الظهور بخلاف ما يعلمونه من حالهم.. قوم يفعلون هذا بسبب حرصهم على تحقيق مكاسب والوصول لمناصب لا يصلون اليها الا من خلال هذه الاقنعة.. فهؤلاء نيتهم سيئه وفعلهم سيء! وقوم صنعوا هذا لأنهم حريصون ان يكون حالهم حميدا ورؤية الناس لهم نظرة طيبة غير أنهم لا يرجون منهم حمدا ولا مدحا ولا مكسبا.. فقط يريدون الظهور بما يحبون فعلا الظهور عليه لكن هم يعلمون في قرارة أنفسهم انهم بخلافه ويتمنون تغيير أنفسهم.. فهؤلاء نيتهم طيبة وقصدهم حميد لكن فعلهم حصل بأسلوب غير سليم.. فالأولى هو التغيير الحقيقي الذي ينبع من الداخل.. حتى يكون ظاهر الانسان وباطنه في التقاء.. ان الذي تكون نيته وظاهر حاله في توازن واتفاق يعيش سلاما وراحة وهناء لا يشعر بها المضطرب المتلون..