روح التميمي
02-03-2006, 12:23
هو المرحوم / إبراهيم بن محمد بن سليمان الريس , مؤذن جامع عنيزة الكبير , من عام 1331هـ إلى 1411هـ , نعم ظل ثمانين عاما يرفع الأذان في المسجد !! رقم قياسي فعلا !
اتصلت بأستاذي وأستاذ الأجيال المربي الفاضل الأستاذ/محمد بن إبراهيم الريس (متقاعد), للسلام عليه والاطمئنان على صحته , ثم سألته عن والده المرحوم بعض الأسئلة , وكنت أعتقد أنه قضى سبعين عاما من عمره يؤذن في الجامع .. فقال لي : إنه كتب نبذة عنه استجابة لطلب بعض الإخوة في جمعية تحفيظ القرآن (لست متأكدا من دقةهذا الاسم!) ,فقلت له : ليتك تتفضل على تلميذك وتوافيه بنسخة منها , فقال : بكل سرور , ثم أعطيته رقم الفاكس , وأرسلها من الغد صباحا .
اطلعت على ما كتبه أبو إبراهيم فوجدت في سيرة والده ما يستحق أن يُنشر ليطلع عليه الأجيال .. كان رحمه الله أمة وحده , ومن بقية السلف الصالح الذين تمثلوا قول المولى عز وجل ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) حق التمثل .. هكذا نحسبه والله حسيبنا وحسيبه !
وسأقتبس هنا كثيرا مما ورد في تلك النبذة , فأقول : إن أسرة الريس ـ واسمها الأصلي الفياض من بني خالد ـ الموجودة في عنيزة ظلت تتوارث الأذان في مسجد الجامع الكبير الذي أسسه مؤسس عنيزة الأول زهري بن جراح , ولذلك كان اسم الجامع ـ حسب النبذة ـ جامع الجراح .. وظلت تتوارث الأذان في الجامع لمدة تزيد على الأربعمائة عام حسب المرحوم الشيخ عبدالله البسام وحسب المرحوم إبراهيم الريس نقلا عن النبذة . ولعل تسمية الريس تعود إلى هذه المهنة المتوارثة , ونسيت أن أسأل أبا إبراهيم عن ذلك !
ومما قاله أبوإبراهيم في النبذة , أنه لا يعرف من هذا التاريخ المديد المجيد (وهذان الوصفان من عندي) إلا ابتداء من عام 1196هـ عندما تولى جده محمد بن فياض الخالدي الأذان في الجامع فترة , ثم خلفه ابنه عبدالله فترة أخرى , وخلف عبدالله أخوه سليمان بن محمد بن فياض حتى وفاته سنة 1316هـ ثم خلفه ابنه محمد بن سليمان وهو والد إبراهيم الذي نتحدث عنه هنا , وخلفه من بعده حفيده عبدالرحمن وهو ابن الأستاذ محمد ولا يزال بارك الله فيه ووفقه , وكان عبدالرحمن هذا ينوب عن جده في الأذان في الشهرين الأخيرين من حياته ما عدا يوم الجمعة ! فقد كان رحمه الله يصر على عدم ترك الأذان فيها على الرغم من مرضه الشديد .
ولد إبراهيم الريس عام 1318هـ , وبدأ بمزاولة الأذان منذ أن كان في الثالثة عشرة من عمره , حيث كان ينوب عن والده الذي أرهقته الشيخوخة في بعض الأوقات , وظل على ذلك مدة خمس سنوات , حيث تولى رسميا في حدود عام 1336هـ تقريبا ووالده لايزال على قيد الحياة (توفي سنة1344هـ رحمه الله) , واستمر يؤذن حتى وفاته رحمه الله في الثامن والعشرين من شهر صفر عام 1411هـ ..وهذا يعني أنه ظل يؤذن رسميا خمسة وسبعين عاما , ونيابة عن والده خمس سنوات , والمجموع ثمانون عاما ! هذا هو المجد حقا !! ولا شك في أن هذه المدة الطويلة في ممارسة هذه المهنة الشريفة لا يُعرف لها ـ حسب تصوري ـ مثيل على مر العصور ! وبما أن الشيء بالشيء يذكر كما يقولون أشير إلى أن المرحوم الشيخ/علي أبو وادي رحمه الله, إمام مسجد الجديّدة في الماضي , ظل يصلي بالناس ستين عاما لم يفته وقت واحد !!ما عدا أوقات السفر والمرض . وكان قد أرسل إلى السودان من أهل البلد ليستطلع عن حركة المهدي هناك !!
ومما يذكر عن إبراهيم الريس رحمه الله أن كان يعتمد في التوقيت على ساعة ورثها عن أبيه , وأبوه ورثها عن جده , وهي سويسرية الصنع من نوع (راسكوب) , ولاتزال كما يقول الأستاذ محمد موجودة لديهم وبحالة جيدة !! ولا شك أنها ظلت في حوزة الأسرة ما يزيد على مائتي عام , وكبار الشخصيات الذين يزورون عنيزة ويعرفون شيئا عنها يحرصون على الاطلاع عليها .
كان إبراهيم الريس رحمه الله شخصية فريدة حقا , فقد نذر نفسه لخدمة المسجد , وجعل مهمته في الحياة الأذان وعبادة الله . كان يجلس إلى العلماء في المسجد ويستمع إليهم وينهل من علمهم حتى أصبح لديه رصيد من الفقه في الدين وفهم في شؤون العقيدة ,وكان يجلس لقراءة القرآن يوميا في الجامع من بعد صلاة الظهر إلى صلاة العصر , يتخللها بعض أوقات الاستراحة . وكان هو من نصح جماعة المسجد بتعيين سماحة الشيخ/محمد الصالح العثيمين , خلفا لابن سعدي عندما توفي سنة 1376هـ عليهم رحمة الله أجمعين .
من مواقفه الطريفة رحمه الله أنه صادف ذات مرة وهو متجه إلى المسجد لرفع أذان المغرب رجلا عيّانا (نحوت وبلهجة بعض بلدان نجد نظول) عند باب المسجد , فألقى عليه ذلك الرجل كلمة (رصاصة) يقصد أن يصيبه بها , فقال له : لن تستطيع أن تصيبني بسوء, وأتحداك على ذلك ! لأني أورد وأستعين بالله وحده .. فما كان من الرجل إلا أن ضحك وقهقه قهقهة جعلته يمد ساقيه , لكنه لم يستطع أن يصيبه بأذى وحفظه الله منه بسبب إيمانه وورده !
يقول الأستاذ محمد : من المواقف التي عشناها مع الوالد رحمه الله أننا كنا جالسين عنده ذات عصر نستمع إلى برنامج ابن خميس الشهير ( من القائل؟) , حيث سأل أحد المستمعين عن أعظم بيت قالته العرب ! فأجاب ابن خميس : لا أعلم عن أعظم بيت قالته العرب ! ولكنهم قالوا في الشجاعة كذا , وفي الكرم كذا , وفي المدح كذا , وبدأ يعدد الأبيات المشهورة في عدد من أغراض الشعر المتنوعة ..وكان الوالد مضجعا على سريره يستمع إلى البرنامج , وحين سمع كلام ابن خميس نهض وجلس وضرب بيده اليمنى طرف الفراش وقال : أنا أعرف أعظم بيت قالته العرب . قلنا : ماهو ؟ قال : قول لبيد بن ربيعة (ألا كل شيء ما خلا الله باطل) ! قلت : روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أصدق كلمة قالتها العرب قول لبيد ( ألا كل شيء ما خلا الله باطل) , أو كما قال عليه الصلاة والسلام . وإتماما للفائدة هذا تمام البيت :
ألا كل شيء ما خلا الله باطل . . وكل نعيم لا محالة زائل ومن مواقفه الطريفة رحمه الله وهو ما نسي أبو إبراهيم أن يذكره في النبذة , لكنه ذكره لي مشافهة قبل عدة سنوات , أن والده قال : في السنوات الأولى من قيامي بالأذان كنت أضطجع أيام الشتاء قبيل الظهر في الشمس في طاية المسجد أنتظر حلول وقت الأذان , وفي يوم من الأيام كنت أستمع إلى عامل يمتح الماء من البئر في مزرعة الربيعية القريبة من المسجد , عبر السانية . وكان يغني وهو يسوق البعير في المنحات على عادة السناة ورعاة الإبل , حيث كان غناؤهم يمثل مناجاة واتصالا روحيا بينهم وبين الإبل التي تألف أصواتهم وتطرب لها .. كان العامل يردد أثناء تردده في المنحات الشطر التالي (كم واحد سود الليالي كوّنه) , يقول الريس رحمه الله كان يردده وأنا متحمس لمعرفة بقية البيت , لكنه أطال في الترديد , وبعد فترة أخذ يردد الشطر الثاني من البيت وهو ( ومن لا كونّه عابيات له عبايه ) , فقلت في نفسي : خف من ذي !! قلت ومعنى البيت : كثيرون هم الذين اكتووا بنيران المصائب التي عبر عنها الشاعر بـ(سود الليالي) , والذين لم يكتووا بها بعد سيكتوون بها حتما ! والشطر الثاني مخيف حقا لمن يتأمله , فلا ينخدع الناس بما يرفلون به من كمال النعمة والصحة :
فالليالي من الزمان حُبالى . . مثقلات يلدن كل عجيبة !
والبيت الذي كان الساني يردده بيت شهير لعبدالرحيم المطوع التميمي من أهل أشيقر (عاش حتما قبل القرن الثالث عشر), وله قصة دامية كانت سببا في انتحاره أو وفاته من القهر والشعور الظلم !وصحة البيت هكذا :
كم واحدٍ سود الليالي كونّه . . ومن لا كونّه عابيات عباه !والقصيدة من غرر الشعر وفيها أبيات رائعة حقا , ويقال إنه كتبها بدمه قبيل وفاته بدقائق , ويقول مطلعها :
يقول التميمي الذي عاش مترف . . مدى العمر ماشا في حياته جاه
ومن أبياتها السائرة قوله :
الاقفا جزا الاقفا ولا خير بالفتى . . يتبع هوى من لا يطيع هواه
هذه إلمامة سريعة في سيرة شخصية نادرة ومفخرة من مفاخر عنيزة .. كانت حياته عبرة , وشحصيته
فريدة , والتزامه الديني والخلقي مثيرا للدهشة والإعجاب , ومثل هذا الرجل يجب أن تُعرض سيرته في مناهج التعليم التي تُقدم للناشئة , لأنها ـ ولا شك ـ ستسهم في تشكيل وبناء شخصياتهم وفق أسس صحيحة سليمة .. رحم الله إبراهيم الريس المؤذن الأسطورة الذي ظل يصدح بالأذان ست مرات يوميا طيلة ثمانين عاما , نعم ست مرات وأحيانا سبع مرات !! ست مرات في الأيام العادية إذا عُدّ الأذان الأول قبل الفجر , وسبع مرات يوم الجمعة إذا عُدّ أذان الجمعة الأول كذلك , ولا تنسوا أنه قبل مكبرات الصوت كان يؤذن في رأس المنارة , ومنارة مسجد عنيزة الجامع تُعد أعلى بناء طينيٍّ في العالم , ولا تزال ! وتتكوّن كما يقول الأستاذ محمد من ستة أدوار , كان إبراهيم الريس يصعدها في كل أذان !!
رحمه الله رحمة واسعة وبارك في ذريته الصالحة , وأهل عنيزة كما قال المرحوم العلامة سماحة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن البسام لمحمد الريس عندما اتصل به معزيا في والده , لن يسمحوا بأن يؤذن في الجامع أحد من غير أسرة الريس .
اتصلت بأستاذي وأستاذ الأجيال المربي الفاضل الأستاذ/محمد بن إبراهيم الريس (متقاعد), للسلام عليه والاطمئنان على صحته , ثم سألته عن والده المرحوم بعض الأسئلة , وكنت أعتقد أنه قضى سبعين عاما من عمره يؤذن في الجامع .. فقال لي : إنه كتب نبذة عنه استجابة لطلب بعض الإخوة في جمعية تحفيظ القرآن (لست متأكدا من دقةهذا الاسم!) ,فقلت له : ليتك تتفضل على تلميذك وتوافيه بنسخة منها , فقال : بكل سرور , ثم أعطيته رقم الفاكس , وأرسلها من الغد صباحا .
اطلعت على ما كتبه أبو إبراهيم فوجدت في سيرة والده ما يستحق أن يُنشر ليطلع عليه الأجيال .. كان رحمه الله أمة وحده , ومن بقية السلف الصالح الذين تمثلوا قول المولى عز وجل ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) حق التمثل .. هكذا نحسبه والله حسيبنا وحسيبه !
وسأقتبس هنا كثيرا مما ورد في تلك النبذة , فأقول : إن أسرة الريس ـ واسمها الأصلي الفياض من بني خالد ـ الموجودة في عنيزة ظلت تتوارث الأذان في مسجد الجامع الكبير الذي أسسه مؤسس عنيزة الأول زهري بن جراح , ولذلك كان اسم الجامع ـ حسب النبذة ـ جامع الجراح .. وظلت تتوارث الأذان في الجامع لمدة تزيد على الأربعمائة عام حسب المرحوم الشيخ عبدالله البسام وحسب المرحوم إبراهيم الريس نقلا عن النبذة . ولعل تسمية الريس تعود إلى هذه المهنة المتوارثة , ونسيت أن أسأل أبا إبراهيم عن ذلك !
ومما قاله أبوإبراهيم في النبذة , أنه لا يعرف من هذا التاريخ المديد المجيد (وهذان الوصفان من عندي) إلا ابتداء من عام 1196هـ عندما تولى جده محمد بن فياض الخالدي الأذان في الجامع فترة , ثم خلفه ابنه عبدالله فترة أخرى , وخلف عبدالله أخوه سليمان بن محمد بن فياض حتى وفاته سنة 1316هـ ثم خلفه ابنه محمد بن سليمان وهو والد إبراهيم الذي نتحدث عنه هنا , وخلفه من بعده حفيده عبدالرحمن وهو ابن الأستاذ محمد ولا يزال بارك الله فيه ووفقه , وكان عبدالرحمن هذا ينوب عن جده في الأذان في الشهرين الأخيرين من حياته ما عدا يوم الجمعة ! فقد كان رحمه الله يصر على عدم ترك الأذان فيها على الرغم من مرضه الشديد .
ولد إبراهيم الريس عام 1318هـ , وبدأ بمزاولة الأذان منذ أن كان في الثالثة عشرة من عمره , حيث كان ينوب عن والده الذي أرهقته الشيخوخة في بعض الأوقات , وظل على ذلك مدة خمس سنوات , حيث تولى رسميا في حدود عام 1336هـ تقريبا ووالده لايزال على قيد الحياة (توفي سنة1344هـ رحمه الله) , واستمر يؤذن حتى وفاته رحمه الله في الثامن والعشرين من شهر صفر عام 1411هـ ..وهذا يعني أنه ظل يؤذن رسميا خمسة وسبعين عاما , ونيابة عن والده خمس سنوات , والمجموع ثمانون عاما ! هذا هو المجد حقا !! ولا شك في أن هذه المدة الطويلة في ممارسة هذه المهنة الشريفة لا يُعرف لها ـ حسب تصوري ـ مثيل على مر العصور ! وبما أن الشيء بالشيء يذكر كما يقولون أشير إلى أن المرحوم الشيخ/علي أبو وادي رحمه الله, إمام مسجد الجديّدة في الماضي , ظل يصلي بالناس ستين عاما لم يفته وقت واحد !!ما عدا أوقات السفر والمرض . وكان قد أرسل إلى السودان من أهل البلد ليستطلع عن حركة المهدي هناك !!
ومما يذكر عن إبراهيم الريس رحمه الله أن كان يعتمد في التوقيت على ساعة ورثها عن أبيه , وأبوه ورثها عن جده , وهي سويسرية الصنع من نوع (راسكوب) , ولاتزال كما يقول الأستاذ محمد موجودة لديهم وبحالة جيدة !! ولا شك أنها ظلت في حوزة الأسرة ما يزيد على مائتي عام , وكبار الشخصيات الذين يزورون عنيزة ويعرفون شيئا عنها يحرصون على الاطلاع عليها .
كان إبراهيم الريس رحمه الله شخصية فريدة حقا , فقد نذر نفسه لخدمة المسجد , وجعل مهمته في الحياة الأذان وعبادة الله . كان يجلس إلى العلماء في المسجد ويستمع إليهم وينهل من علمهم حتى أصبح لديه رصيد من الفقه في الدين وفهم في شؤون العقيدة ,وكان يجلس لقراءة القرآن يوميا في الجامع من بعد صلاة الظهر إلى صلاة العصر , يتخللها بعض أوقات الاستراحة . وكان هو من نصح جماعة المسجد بتعيين سماحة الشيخ/محمد الصالح العثيمين , خلفا لابن سعدي عندما توفي سنة 1376هـ عليهم رحمة الله أجمعين .
من مواقفه الطريفة رحمه الله أنه صادف ذات مرة وهو متجه إلى المسجد لرفع أذان المغرب رجلا عيّانا (نحوت وبلهجة بعض بلدان نجد نظول) عند باب المسجد , فألقى عليه ذلك الرجل كلمة (رصاصة) يقصد أن يصيبه بها , فقال له : لن تستطيع أن تصيبني بسوء, وأتحداك على ذلك ! لأني أورد وأستعين بالله وحده .. فما كان من الرجل إلا أن ضحك وقهقه قهقهة جعلته يمد ساقيه , لكنه لم يستطع أن يصيبه بأذى وحفظه الله منه بسبب إيمانه وورده !
يقول الأستاذ محمد : من المواقف التي عشناها مع الوالد رحمه الله أننا كنا جالسين عنده ذات عصر نستمع إلى برنامج ابن خميس الشهير ( من القائل؟) , حيث سأل أحد المستمعين عن أعظم بيت قالته العرب ! فأجاب ابن خميس : لا أعلم عن أعظم بيت قالته العرب ! ولكنهم قالوا في الشجاعة كذا , وفي الكرم كذا , وفي المدح كذا , وبدأ يعدد الأبيات المشهورة في عدد من أغراض الشعر المتنوعة ..وكان الوالد مضجعا على سريره يستمع إلى البرنامج , وحين سمع كلام ابن خميس نهض وجلس وضرب بيده اليمنى طرف الفراش وقال : أنا أعرف أعظم بيت قالته العرب . قلنا : ماهو ؟ قال : قول لبيد بن ربيعة (ألا كل شيء ما خلا الله باطل) ! قلت : روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أصدق كلمة قالتها العرب قول لبيد ( ألا كل شيء ما خلا الله باطل) , أو كما قال عليه الصلاة والسلام . وإتماما للفائدة هذا تمام البيت :
ألا كل شيء ما خلا الله باطل . . وكل نعيم لا محالة زائل ومن مواقفه الطريفة رحمه الله وهو ما نسي أبو إبراهيم أن يذكره في النبذة , لكنه ذكره لي مشافهة قبل عدة سنوات , أن والده قال : في السنوات الأولى من قيامي بالأذان كنت أضطجع أيام الشتاء قبيل الظهر في الشمس في طاية المسجد أنتظر حلول وقت الأذان , وفي يوم من الأيام كنت أستمع إلى عامل يمتح الماء من البئر في مزرعة الربيعية القريبة من المسجد , عبر السانية . وكان يغني وهو يسوق البعير في المنحات على عادة السناة ورعاة الإبل , حيث كان غناؤهم يمثل مناجاة واتصالا روحيا بينهم وبين الإبل التي تألف أصواتهم وتطرب لها .. كان العامل يردد أثناء تردده في المنحات الشطر التالي (كم واحد سود الليالي كوّنه) , يقول الريس رحمه الله كان يردده وأنا متحمس لمعرفة بقية البيت , لكنه أطال في الترديد , وبعد فترة أخذ يردد الشطر الثاني من البيت وهو ( ومن لا كونّه عابيات له عبايه ) , فقلت في نفسي : خف من ذي !! قلت ومعنى البيت : كثيرون هم الذين اكتووا بنيران المصائب التي عبر عنها الشاعر بـ(سود الليالي) , والذين لم يكتووا بها بعد سيكتوون بها حتما ! والشطر الثاني مخيف حقا لمن يتأمله , فلا ينخدع الناس بما يرفلون به من كمال النعمة والصحة :
فالليالي من الزمان حُبالى . . مثقلات يلدن كل عجيبة !
والبيت الذي كان الساني يردده بيت شهير لعبدالرحيم المطوع التميمي من أهل أشيقر (عاش حتما قبل القرن الثالث عشر), وله قصة دامية كانت سببا في انتحاره أو وفاته من القهر والشعور الظلم !وصحة البيت هكذا :
كم واحدٍ سود الليالي كونّه . . ومن لا كونّه عابيات عباه !والقصيدة من غرر الشعر وفيها أبيات رائعة حقا , ويقال إنه كتبها بدمه قبيل وفاته بدقائق , ويقول مطلعها :
يقول التميمي الذي عاش مترف . . مدى العمر ماشا في حياته جاه
ومن أبياتها السائرة قوله :
الاقفا جزا الاقفا ولا خير بالفتى . . يتبع هوى من لا يطيع هواه
هذه إلمامة سريعة في سيرة شخصية نادرة ومفخرة من مفاخر عنيزة .. كانت حياته عبرة , وشحصيته
فريدة , والتزامه الديني والخلقي مثيرا للدهشة والإعجاب , ومثل هذا الرجل يجب أن تُعرض سيرته في مناهج التعليم التي تُقدم للناشئة , لأنها ـ ولا شك ـ ستسهم في تشكيل وبناء شخصياتهم وفق أسس صحيحة سليمة .. رحم الله إبراهيم الريس المؤذن الأسطورة الذي ظل يصدح بالأذان ست مرات يوميا طيلة ثمانين عاما , نعم ست مرات وأحيانا سبع مرات !! ست مرات في الأيام العادية إذا عُدّ الأذان الأول قبل الفجر , وسبع مرات يوم الجمعة إذا عُدّ أذان الجمعة الأول كذلك , ولا تنسوا أنه قبل مكبرات الصوت كان يؤذن في رأس المنارة , ومنارة مسجد عنيزة الجامع تُعد أعلى بناء طينيٍّ في العالم , ولا تزال ! وتتكوّن كما يقول الأستاذ محمد من ستة أدوار , كان إبراهيم الريس يصعدها في كل أذان !!
رحمه الله رحمة واسعة وبارك في ذريته الصالحة , وأهل عنيزة كما قال المرحوم العلامة سماحة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن البسام لمحمد الريس عندما اتصل به معزيا في والده , لن يسمحوا بأن يؤذن في الجامع أحد من غير أسرة الريس .