المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ثلاثون دقيقة فقط : عمر الوصال .!!



وميض
17-03-2002, 19:57
إهداء إلى هذا المنتدى الرائع من وميض :
*
****************
في قريةٍ تسْمُرُ على أضواء المدينة .. يقبع ذلك ( الحَيْر ) الذي يرتدي ثوباً مهترئاً على الرغم من أن اليوم عيد .. تُجاهد نخلاته البقاء .. وهي ما تزال تتراقص على نغمات النسيم العليل ؛ لتوهم نفسها أنها ما تزال في القمة ..
في ذات ( الحَيْر ) ومن بين بقايا بيوت طينية قديمة تهالك معظمها .. والباقي ينتظ أن يَمْثُلَ أمام قاضي الزمن لِيُدْلي بشهادته على اختلاط عرَق المناضلين الذين بَنَوْه بطينه ، بين تلك البيوت يترائى بياض بيت شعبي ؛ أخاله هو الآخر يُعِدُّ نفسه لشهادة ما.. على ذات القاضي ..:rolleyes:
اقتربنا منه .. وكلما ازددنا اقتراباً اتضحت معالمه أكثر .. يُخيّلُ إلي أنه يفتح ذراعيه لندلُفَ إلى حضنه ..
انفتح ثغر بابه عن قهقهةٍ تتبخّرُ منها رائحة الزمن ..
أَلَنا أم علينا تلك القهقهة التي صدرت من صرير ذاك الباب الحديدي ..؟؟؟
دلَفْنا .. نرفع أذيال جديدنا الذي لم تعُد له " فزّة " كما الماي ..!
اُستُقبِلْنا ببشاشة فَرِحٍ :) لا يعلم أن فرحته ستُجهض بعد قليل .. :(
تتابعت خُطانا إلى نفس الغرفة .. كل عام ..ومنذ أعوام ٍ خلتْ .. لا أذكر لها بداية ..
ما أذكره .. هو ما تحويه تلك الغرفة المتواضعة : ففوق سرير يتمدد أقصاها تجلس عجوز مُحْتَبِية لها وجه يمتزج بنورٍ غريب ..
عندما وقع نظرها المتهالك علينا .. عرفَتْ أن ثَمّةَ قادمين .. لكني أثق أنها لم تدرك من هم ؟! .. رأيتها ..تُصْلح من هيأتها المتواضعة .. تُسدل ثوبها الأسود المنقط على أطراف أصابع قدمها الهزيل .. وتعيد لف خمارها على شعرٍتربع على عرشه لون الحناء ..
اقتربت حفيدتها منها .. توجهت بفمها صوب أذن جدتها .. وبصوت عالٍ : (( ياه .. أَهَلِكْ جَوْ ..)) ما كادت الحفيدة تُنهي آخر حرفٍ من جملتها حتى تبعثرت كل سكينةٍ كانت تتمتع بها تلك الجدة لأوقاتٍ خَلَت ..
رفعت يديها بالترحيب .. كادت أن تقفز لولا ثقل الزمن الرابض على حِجْرِها ..
تقدّمَتْ منها أكبرنا .. سلّمَتْ : (( أنا سارة بنت عبد الرحمن )) ازداد الترحيب .. لم تكتفِ تلك الجليلة بقبلات الرأس والخدين .. بل اِحْتَوَت كبيرتنا بكلتا يديها المتهالكتين .. ضمتها .. بكت .. شمّت راحتها قائلة بحروف متقطعة : (( آآه .. ياريحة الجِدّان والبِدّان ..)) وتوالت عبارات الشوق والسؤال من تلك الجليلة .. بعبارات انغمست لآخرها بعبرات الوَلهْ ..
بعد جهد جهيد ..استطاعت " سارة " التّفَلُّت منها لتتيح الفرصة لمن تليها ..
بعد السلام على من هن أكبر مني بنفس الحماس والشوق .. جاء دوري ..:o
ازدادت دقات قلبي .. عيناي دمعتا منذ أول ضمة لأختي الكبرى .. آآآه ماذا تراني سأفعل ؟!! .. يكفيني مشاهدة الموقف .. حتى تهمي دموعي .. لا أحتمل هذه المواقف .. هل سأسقط إغماءً عندما تضمني .. ( آآهٍ أمي : رحمةالله عليك ، كل مهيبة تذكرني بك ..) سأجلس بجانبها ؛ لأحاول التماسك .. سأستسلم لها ..سأدعها تملأني من فيض حنانها .. وستمتلئ هي من وصالي ..
اقتربتُ أكثر .. أمسكت بيدها مصافحة .. " يداها باردتان " شعرت بدفء يدي يسري عبر أصابعها الضئيلة .. انحنيت .. قبّلْتُ رأسها وخديها .. جلست بجانبها بينما هي تتشبث بي .. انحبست الكلمات بصدري .. لم أستطع أن أذكر لها أي البنات أنا !! قالت أختي بصوت عالٍ (( هذه وميض يا عمتي )) ما كادت أختي تُبدي ذلك حتى احتوتني تلك الجليلة بين ذراعيها .. (( آآه يا بعد حيي وميتي .. آآه ي ريحة الغالين .. يالغالية يا بنت الغالين .. )) ضممتها بدوري .. بكت وبكيت .. بصمتٍ يُغالب الحزن والخجل .. يُغالب القهر والفرح .. بل يُغالب الزمن الذي ألقى بظلاله على هذا النبع الحنون ..
شدتني رائحتها .. ليست عطراً أو بخوراً ..
تُراها رائحة الأيام التي كستها بذكر الله وزينتها بقيام الليل ..؟؟؟
أثق أن رائحة الطهر والنقاء هو سر رائحة جداتنا .. الذي ما زال طيب عبقه يتجوّل في أذهاننا مُخفياً أثر أي عطر باريسي ..
لا أدري كم لبثت من الوقت وأنا متشبثةً بها ..
لم أصْحُ من عشقي الأبدي إلا على وجَعٍ جاء من إصبع إحدى أخواتي الذي انغرز في جنبي .. صاحبه صوت منخفض : (( ورانا مشاوير )) !!!
نزعتُ نفسي من تلك الجليلة بعد أن رسمتُ قُبلةَ تَعَجُّبي الأخيرة على جبينها بصمتٍ يلعن " كل المشاوير "
أسندت ظهري إلى الجدار .. تعلقت عيناي بذلك الماضي الذي ما زال بألم يتنفّس الحاضر ..
مشاعر متباينة .. أراها مرتسمة بوضوح على محياها .. تبكي تارة وتضحك أخرى ..
اعترضتُ بصمتٍ لعين : " أي شغلٍ يجعلنا نغتال فرحةٍ كهذه " ؟؟!!
تقول حفيدتها : (( إنها تنتظر يوم العيد بفارغ الصبر ؛ تقول : أن أهلها سيأتون . وندما يحدث أن يمر أول أيام العيد دون أن يأتي الأهل ؛ أنواع الآلام تشعر بها .. قبل قليل كانت تتأوه من ألمٍ في كبدها .. الآن : انظروا : لا أثر للألم .. إنها تضحك بفرح طفولي عجيب ..))
صوت رجل من بعيد : (( هناك أحد ؟؟ )) ثم بصوت أقوى :(( يا هَلَ البيت ؟؟ ))
اختفت الحفيدة ..
جاء إخوتي للسلام على منبع النقاء .. التي ما أن شاهدت _ بعيون تغشّاها سكون الزمن .. وألم الحرمان _ خيالَ رجل قادم حتى سحبت خمارها لتغطي وجهها ..
: (( لا .. لا ياعمتي .. لا تغطي وجهك .. أنا ولدك : " محمد بن عبدالرحمن " ))هذا ما قاله أخي عندما اقترب منها .
اهتز جسدها الضعيف .. ارتعشت أطرافها ..ففاضت محاجرها ومن بين تلك الدموع خرجت عبارات متناثرة مغلفةٌ بشوقٍ ثائر : (( هلا .. هلا .. بالغالي .. هلا بخَلَف أبوي .. هلا .. )) ضمّتُه هو الآخر .. قبّل جبينها ..
قَدِم أخي الآخر .. والآخر .. وأبناؤهم .. والكل ينزع نفسه منها نزعاً .. بعد أن تشم ريحة الغالين .. وكأنها تجمع لها رصيداً من تلك الأنفاس تُصبّرها إلى حين آخر .. علّمتها الأيام وصروفها ذلك .. علمتها أنها لن تراهم إلا في العيد القادم _ إذا أعطاها الله عمراً _ وقد روّضتنفسها على ذلك ..
غادر الجميع .. بعد أن ترددت أصداء توسلاتها _ لهم بالبقاء _ في أرجاء تلك الغرفة الصغيرة ..
نظرتُ إلى ساعتي .. رددتُ في نفسي : ما زال الوقتُ مبكراً ..
في كل عيد ، وفي نفس المكان .. ثلاثون دقيقة .. تفيض خلالها المشاعر .. أولها مشاعر فرح .. وآخرها مشاعر حزنٍ ولوعةٍ ..
من طرفين ..
تُرى أيهما أصدق ؟؟؟!!!
يالَسُخْف السؤال !!! ..
**
ركبنا دابتنا ذات اللونين ..ورحلنا ..
التفَتُّ بعينين دامعتين .. إلى .. تلك .. البيوت الطينية ..
يُخيّل إلي أنها تُلوّحُ من بعيد لي ..
وتحتفظ بمنديل سقط مني ..
تبلله الدموع . :(
*
*
*
*
**************
إخوتي الأعزاء .. لا تبخلوا علي بآرائكم .. فبآرائكم الصادقة أرتقي .
أختكم وميض .

غازي العلي
18-03-2002, 00:01
الاخت(اختي وميض)

اي ثلاثون دقيقة هذه........ثلاثون يوما.....او اكثر !!

والله كلماتك انتزعتني من امام الكمبيوتر وما له وما عليه ....وما نحن فيه !!

ومن حضارتنا الـ..............؟؟الى بيوت الطين تللك ورائحة الماضي وعبق

الاصاله....وعباراتك عمتك وعمتنا(ياخلف ميتي...ويابعد حيي........وياريحت

الغالين00و000وتلك العبارات التي لها الوقع الاشد على النفس النجديه

(حفيدتها تقول انها تنتظر العيد وقول0000سياتون هلي)يا للحنين الكبير

الى الاهل الذين(واسمحي لي بذلك)ضمنوا الوصل الى العراقه ورائحة الاطيب

اقول ضمنوه(المشاوير)والف شكر لك على(لعنة الله على المشاوير)

وياحبذا لو استبدلت(بسحقا) او (تبا)الخ من عبارات البغض..................

اختي وميض الف لله درك والله سردك القصصي رائع وجميل ............انت رائعه

فلا تبخلي علينا بالقادم ولك كل الشكر

العذب
19-03-2002, 19:24
وميض ....


ومضات رائعة ... وهمسات متأنية ...

رسمت لنا شيئا جميلا عن حياة أجمل ..




شكرا



وعلى المحبة,,,,

وميض
28-03-2002, 17:39
الأخ محارب ..
كلماتك الرائعة .. أطربتني ..
تدفعني إلى المزيد ..
نقدك دقيق .. ( استبدال : لعنة الله على المشاوير بـ سحقاً أو تباً ) ..
هذا ما كنت أنتظره من مبدعين أمثالك ..
شكراً لك ألف شكر ..
وأعتذر عن التأخير على الرد .. وما هذا إلا لكثرة انشغالي ..

أختك وميض .

وميض
28-03-2002, 17:42
الأخ العذب ..
أي عذوبة هذه التي ضمنتها كلماتك .. ؟؟
أخجلتني .. :o
شكراً لك ..
وما عليك زود .

أختك وميض ..

عادل الشمري
09-04-2002, 07:57
سرد قصصي رائع يحمل توقيع وميض.

اهنئك يا الغاليه ..على فكرك المستنير و ابداعك المميز


لا تبخلين علينا بمزيد من فضاءات الجمال


لك صادق الاحترام


لا عدمناك

بنت ليوا
13-04-2002, 18:58
وميض..
تسلم ايدج والله.. مع ان القصه ابكتني والله.. بس اتذكرنا مدى اهمة الواحد ان يصل الارحام ومدى تاثيرها على النفوس..

مع اني مقطوعه من شيره مثل مايقولون يعني لا جد او جده او عمه او عم او خال.. بس فعلا حسستيني انه هذي العيوز هي جدتي..

ما اقدر اقول الا انج مبدعه واحساسج مرهف مشا الله عليج.. واصلي هذا النوع من الكتابات.. مشتاقه اقرا المزيد..

اختج
بنت ليوا

وميض
13-04-2002, 22:43
الأستاذ الرائع : عادل الشمري ..
اطلالتك على هذا الموضوع شرف أعتز به ..
ورأيك وسام ترتفع به هامتى لتزداد شموخاً ..
شكراً لك أخي .. فقد أخجلتني .

أختك وميض .

--------------

وميض
13-04-2002, 22:53
الغالية بنت ليوا ..
أي قلب تحملين بين جوانحك .. ؟؟
أيتها المشاعر المتأججة ...
شكراً لك على قراءتك ...
شكراً لك على ثنائك الذي لا أصل إلى مستواه أيتها الرفيقة

------------

الشمري محمد فهد
11-08-2004, 03:30
كانت أيام ..

راعي الوقيد
11-08-2004, 14:25
خوالي :thumb:

كلــــــــــــــــه سنتين تقل له عشرات السنين:a:

:smooch:

متعجب
11-08-2004, 14:36
لها نكهه خاصه

بتول آل علي
12-08-2004, 00:30
كانت أيام ..


.... و أسمااااء أتمنى أن أصافحها بالفعل


.

بدر الشمال
13-08-2004, 14:24
بل أغلى الأيام ....... وربما لن تعود

لم أستطع التعليق او التفكير , فلقد لامست أعماق القلوب وذكرتينا بأصدق المحبين




قبل قليل كانت تتأوه من ألمٍ في كبدها .. الآن : انظروا : لا أثر للألم .. إنها تضحك بفرح طفولي عجيب ..))
صدقت صدقت صدقت


في كل عيد ، وفي نفس المكان .. ثلاثون دقيقة .. تفيض خلالها المشاعر .. أولها مشاعر فرح .. وآخرها مشاعر حزنٍ ولوعةٍ ..
من طرفين ..
تُرى أيهما أصدق ؟؟؟!!!
يالَسُخْف السؤال !!! ..
**
ركبنا دابتنا ذات اللونين ..ورحلنا ..
التفَتُّ بعينين دامعتين .. إلى .. تلك .. البيوت الطينية ..
يُخيّل إلي أنها تُلوّحُ من بعيد لي ..
وتحتفظ بمنديل سقط مني ..
تبلله الدموع .

ثلاثون دقيقه ... عندها دقيقه , وسيجف ذلك المنديل وتمر الأيام , ولكن صوره تلك البسمة الصادقة ستبقى.

لأملك مأقول .. الا سامحك الله على مابعثته فينا من مشاعر تكاد تقتلنا

الجازي
17-08-2004, 23:37
وميض ,,

هل هنّ كذلك حقاً ؟؟

كيف يكون بينهن جميعا هذا العامل المشترك ,, أقرأ كلماتك وليس أمام ناظري إلا خيال تلك الرائعة ,, لاأقوى على أن أصفها بالعجوز مع أنها كانت كذلك ,, لكنني أراها نبعاً للحب والنقاء والطهر ,, ليست جدتي ولا عمتي ولا خالتي بل ولا حتى قريبتي ,, لكنها أحبتني كما أحبت أبناءها ,, بل ربما أكثر من بعض أبنائها ,,

كانت كما قلتِ تشد علي يدي لأزاحمها في الجلوس على السرير ,, تسألني عن كل من أعرف ومن أحب ,,

حين أدخل عليها بلا سابق إنذار تكون عادة مستلقية على سريرها محتضنة مذياعها الصغير والذي لم يكن يعرف سوى إذاعة القرآن الكريم ,,

حين أدخل وأسلم تسألني من أنتِ ؟؟ وبعد أن أعرّفها بنفسي تعود لتقبّلني من جديد وكأن سلامها الأول لم يكن حاراً بما فيه الكفاية ولم يروي عطشها ,,

أحببتها كما لم أحب خالتي أو عمتي الحقيقية ,, والسبب لازلت أجهله ,,

مايحز في نفسي الآن أنني لم أرتوي منها ,, رحلت بعد أن تركت في قلبي مساحة لن تكون إلا لها ولها فقط ,,

وميض ,, هيّجت أحزاني وأثرت أشجاني ,, وفضحت مكنون نفسي ,, سامحك الله وسامح قلمك الرائع ,,