شهرزاد
06-02-2006, 07:55
لا..لا.. أريد غـيرك !!!!!
بسـم الله الرحمن الرحيم
قال الـراوي :
لن يخـلو هذا النهـار من مفاجـآت ! اللهـم اجعله خـيراً !!
هكـذا دار لسـاني وأنا أخـرج من بيتي عـلى عـجلة ، مـتأخراً عن عـملي
وانطـلقت اقـطعُ الشـوارع وفي صـدري شحـنة ضيق وكـدر ، كـفيلة بالتعـكير على أهـل بلدة كـاملة
لـو وزع على بيوتهـا !
ربمـا كان سـبب ذلك فـوات صـلاة الفجـر في المـسجد ،
أو بـسبب ذلك السـهر الـطويل البارحة في غير ما شـيء مـفيد !!
كـنت أمضـي في طريقي وكـأني لا أرى أحـداً !!
ولمـا دلفت إلى مكـتبي شعـرت أني كمن دُفـع دفعاً إلـى زنزانة ضيقـة ستكـون مقر إقامـته !!
رغم سعـة المـكتب ، وحـسن ترتيبه ، وجـمال الديكـورات فيه !!
لكـنه اليوم أصـبح في نظـري أضيق من سـم الإبرة !!
يا إلهـي !! كـيف تنصبغ الأشـياء من حولنـا بسبب الحـالة النفسية الـتي نكون علـيها !!
مـرت دقائق وأنا أقلـب نظري هنا وهـناك ، أمـر به على الأوراق المصـفوفة فوق الطـاولة ،
والملـفات المـرتبة في أرففهـا ، والـستائر والنوافـذ والحيـطان وسقـف الحجرة !!
وإذا بي أفتـح درجا وأغـلقه ، وأرفـع سماعـة الهاتف وارمـيها ، وأقـوم ثم أقـعد !!
لم أطـق صـبرا .. شعـرت أني سأنفجـر ..
وقـررت الـخروج ، لعل جـولة بين مـكاتب الزمـلاء تؤدي الغـرض ، وتكـون عوناً لــي على الخلاص من هـذا الاختناق ..!
قـلت في نفسـي : لعـل تغيير المـكان سيغير نفـسيتي ..!!
غيـر أني وجدت نفـسي أمام المـكتبة الخاصـة بالإدارة ،
فولجـتها على أمـل أن أجـد فيها كـتاباً خفيفاً لطيـفا شـائقاً ، أتسـلى به ..
مـررت بإحـدى الطـاولات الكبيرة ، وكـان عليها كـمية كـبيرة من الأوراق الـمنثورة ،
وعـدد قليل من الكـتب مكـدسة في ركـن الطـاولة ، لإعـادتها إلى رفوفـها ،
كانت المـكتبة في تلك السـاعة خـالية تماماً حـتى من الموظف المـختص ،
لا أدري مـا الذي دفـعني أن أقـف أمام هـذه الطـاولة دون غـيرها ،
ربمـا لأنها ستوفـر لي البحـث في أرفـف المكـتبة ، ولذا شرعـت أقلـب تلك الكـتب الموجـودة علـيها ،
وكلـما أخذت كـتابا ألقيت عليه نظـرة سريعة ثم نحـيته ، وأخذت آخـر ،
وهكـذا وجدتني أمر عـلى تلك المجموعة بشـكل خاطف ، ولم أجـد بغيتي فيها ،
حين همـمت أن أنصـرف إلى أرفف المكـتبة ، حانت مني التـفاتة إلى هـذه الأوراق الـمنثورة
على الطـاولة وأكثرها أوراق مـصورة ، فمـررت بيدي أنثر ما تكـوم منها ،
فلاح لـي عنوان مـثير بخط جـميل أزرق ، كـان العـنوان كـالتالي :
معـك لا أريد شـيئاً !!
لفـت نظري العـنوان وشدني إليه بقـوة ، فسارعت أسـحب الورقة مـن بين الأوراق ،وقـلت وأنا ابتسم بصـعوبة :
هذا صـاحب قلـب هائم متيم فيـما يبدو !!!
وشرعـت أقرأ فيـها وأنا لا زلت واقـفاً ،
لكنـي ما إن وصـلت إلى خواتيمـها حتى وجـدتني أُسقط نفسـي على أقرب كـرسي !!
كـان وقع هذه القصـة على نفسي كـوقع المطـر ينزل على أرض قـاحلة متعـطشة ،
إن لم يكـن وابل يحـييها فطل يكـفيها !
وشعـرت بوضـوح أن هذه القـصة استطـاعت بفضل الله أن تحـرك أوتاراً في قـلبي ،
وتحـيي مـواتاً في نفـسي ، وتنير زوايا فـي روحـي !!
كـانت الـورقة تتضمن قصـة رمـزية ، لكـنها بالنسبة لي كـانت مفتاحاً عـجيباً حـين دار في داخلـي
انبعـث ربيع القلب علـى أروع ما يكـون !!
ورب قـصة قـصيرة ، أو سطـور قليلة ، أو كلـمة عابرة مسمـوعة ،
تفعـل في نفس الإنسـان فعل السـحر ..!!
وذلك ما كـان معي حين قـرأت تلك القصة ،
فقد شـعرت أني انخلـعت من هذا الكون كلـه ، ونسيت نفـسي ، وأين أنـا ، ولمـاذا أنا هنا !!
وهيـجت هذه الـقصة ينابيع راكـدة في أغـوار قـلبي ،
وشعـرت برغـبة شـديدة في البكـاء لكني تجلدت ، خـشية من أن يراني أحـد !!
والـختلاصة أنني بعد قـراءة تلك القصـة شعرت أني كمـن نفض نفسه نفـضه قـوية ،
فأشـرقت شمـس قـلبي بعد إظـلام !
وخرجـت من القاعـة الكبيرة غـير الإنسان الـذي دخلها قـبل دقـائق !
وهـذه هي القصـة بين يديك مـع قليل من التـصرف .. فتأمـل :
= =
يحكـى أن ملكا كـان بين الحـين والآخر يحب أن يتحـدث مع شعبه متخـفيا.حتى لا يعرفـه أحد ،.
ذات مـرة اتخذ صـورة رجل فقـير ..ارتدى ثيـابا بالية جـدا ، وقصـد أفقر أحـياء مـدينته،
ثم تجـول في أرقتـها الضيـقة ، واخـتار إحدى الحجـرات المـصنوعة من الصـفيح القـديم ،
وقـرع على بابهـا ..
وجد بداخـلها رجلا يجلـس على الأرض وسـط الأتربة ..
عـرف أنه يعمـل كناسـا، فجلس بجـواره وأخذا يتجـاذبان أطراف الحـديث..
ولم تنقطـع زيارات المـلك بعد ذلك ، عن هـذا الرجـل ..
وتعـلق به الفقـير وأحبـه .. فتح له قلـبه وأطلعه علـى أسـراره .. وصـارا صـديقين حـميمين ..
بعـد فترة من الزمـن ، قرر الملك أن يعلن لصـديقه عن حقيـقته ، فقـال له :
:" تظـنني فقيراً ..!!؟ الحـقيقة غير ذلك، أنا هو الـملك بعينه" ..
ذهـل الفقير لهـول المفاجـأة ، لكنه ظـل صامتا ..
قـال له الملك فـي حنو وتلـطف :
" ألم تفـهم ما أردت أن أقـوله لك ..؟ أردت أن أقـول : إنك تستطـيع الآن أن تكـون غنيا
إنني أستطـيع أن أعطـيك ما تريد ، بل يمكـنني أن أعـطيك مدينة بكامـلها تتولى شـؤونها ،
يمكـنني أن أصـدر قرارا بتعـينك في أعظم وظـيفة ..!!
إنني المـلك ،يا صاحـبي الحبيب ، أطلب منـي ما شئت أيهـا الصـديق "..
أجـابه الفقير قـائلا:
" سيـدي .. إني أصـدقك والله ، ولقد فهـمت مـرادك ، لكن يا سـيدي ما هذا الـذي فعـلته معي ؟
أتترك قصـرك وتتخلـى عن مجدك ، وتأتي لـكي تجلس معـي في هذا الموضـع المظلم،
وتشاركنـي همومـي وتقاسمـني أحـزاني.
سيـدي، أعـرف أنك قدمـت لكـثيرين عطايا ثمـينة، أما أنا فقـد وهبت لـي ذاتك..
سيـدي ، طلـبتي الوحـيدة هي ألا تحرمـني أبدا من هذه الـهبة ..
أن تظـل صديقي الذي أحـبه ويحبني ..
أنا لا أريد شـيئا غـيرك ، ولا أرغـب في شيء سـواك !! .."
وازداد إعـجاب الملك بهـذا الفقير ، وعـلم أن مثل هـذا الإنسان لا يسمـى فقيرا إلا فـي الصورة ..!!
وقـرر أن يبقيه بقـربه ، ويفيض عـليه من كرمـه ، وأن يؤثره عـلى جميع من سـواه!
إلى هـنا انتهـت القـصة ، ثم كان التـعليق التـالي :
= =
أمـا تعلـيقنا الوحيد الذي نرغـب أن نهز به قلـوبنا فهو :
إذا كـان هذا قد اكتـفى بالملك عن أي شـيء من أمور الـدنيا وشهواتها
فكيـف لا نكتفي نحـن بالله سبحانه عـوضا عن كل شـيء ،
وهو مـالك الملك من بيده مـلكوت كل شيء
وإنـما أمره إذا أراد شـيئا أن يقول لـه كن ،، فيكـون ..
في الحـديث القدسي :
اطـلبني تجدني ، فإن وجـدتني فقد وجدت كـل شيء
وإن فتك فقـد فاتك كـل شيء .
وفي الحـديث الآخر :
أنا جـليس من ذكرني ، من ذكـرني في نفسه ذكـرته في نفسي
ومن ذكـرني في مـلأ ذكرته في المـلأ الأعلى ..
وكـان بعـض الربانيين يقـول وهو في خـلوته مع الله :
سبحـانك كيف انشـغلوا عنك بسـواك !؟
ولو عـرفوك ما طـابت لهم الحـياة إلا معك وفي رحـابك
وقـال آخر وهو يناجـي ربه عز وجـل :
إلهـي ،، ماذا وجـد من فقـدك !!؟
وما الـذي فقد من وجـدك ..!!؟
قـال الـراوي :
وأحـسب أني أعـدت قراءة هذه السـطور أكثر من مـرة ، ثم حمـلقت في فضـاء القـاعة
ورأسـي يمور بألـون من المعـاني والمشاعر التي كـنت أجد صـداها واضـحا
وجـدت نفسي أتمـتم :
سبحـان الله .. هذا حـب مخلوق لمخـلوق !!
فكيف بحب المخلوق للخالق سبحانه !؟
إذا كـان هذا الفقير قـد قنع من الدنيا كلـها بقرب من يحـب ،
ولا يريد غـيره ، ولا يلتفـت إلى شيء سـواه ،
فلـماذا لا تتعلق قلـوبنا بالله على هذا النحـو أو حتى قـريب منه !!
وكـان الأصل أن أقـول : بل أشـد !!
فالـذين آمنوا اشـد حباً لله ..!!
الـذين آمـنوا !!!!!!! آآآآآآآآه ... الذين آمـنوا .. !!!!
لمـاذا يشوب عـلاقتنا بالله شيء من الجـفاف ّّ؟
مـع أننا نزعـم أنه أحب إليـنا من كل شـيء !!؟
أين ترجمـة هذا الزعـم في واقع الحـياة ، ونحن نتثاقـل عن محـبوباته التي أمـرنا بها
ونسـارع إلى دوائر لا يحـب أن يرانا فيهـا !!!
مـع أننا ما عـرفنا الحيـاة إلا به !!
ولا وجـدنا الخير إلا مـنه !!
كم يسـترنا ، ويحلـم علينا ، ويصـبر على سفـاهتنا ،
ويفـرح بعودتنا إلـيه ، ويواصـل إكرامه لـنا ، وإحـسانه إلينا !!
وأعـد لنا جنة عرضـها السـماوات والأرض ،
ثم بعـد هذا كله لا نشعـر بأن قـلوبنا قد ( شُغفـت ) حـبا له ، وحـياءً منه !؟
بل لا نشعـر أن حبنا لله قد وصـل إلى عشر معـشار حب ذلك الفقـير لصاحبه المـلك !!
يا إلهـي !!!!!!!
قـال الـراوي :
وحـين هاجت هذه المـعاني ومثلـها ، وهـب تيارها على قلـبي شعرت أن قـلبي سينفطتر بالبكـاء
لو سمحـت لعـيناي بذلك !
وخرجـت وأنا غير الإنسـان الذي دخـلت هذه القاعـة قبل قـليل ،
واتجـهت مباشرة إلى المـصلي الصغـير ، وأخذت أركـع واسجد وقـلبي معي
يغرف مـن ينبوع سمـاوي عجيب يهـز روحي ويسـمو بها ،
وعلـمت يقينا أن من لـم يعرف هذا الـطريق فإنه واهـم كل الوهـم حين يتحـدث عن السـعادة !
وهل السعـادة إلا مشاعـر قلب تفيـض عليه أنوار السمـاء وتسمـو به !
بسـم الله الرحمن الرحيم
قال الـراوي :
لن يخـلو هذا النهـار من مفاجـآت ! اللهـم اجعله خـيراً !!
هكـذا دار لسـاني وأنا أخـرج من بيتي عـلى عـجلة ، مـتأخراً عن عـملي
وانطـلقت اقـطعُ الشـوارع وفي صـدري شحـنة ضيق وكـدر ، كـفيلة بالتعـكير على أهـل بلدة كـاملة
لـو وزع على بيوتهـا !
ربمـا كان سـبب ذلك فـوات صـلاة الفجـر في المـسجد ،
أو بـسبب ذلك السـهر الـطويل البارحة في غير ما شـيء مـفيد !!
كـنت أمضـي في طريقي وكـأني لا أرى أحـداً !!
ولمـا دلفت إلى مكـتبي شعـرت أني كمن دُفـع دفعاً إلـى زنزانة ضيقـة ستكـون مقر إقامـته !!
رغم سعـة المـكتب ، وحـسن ترتيبه ، وجـمال الديكـورات فيه !!
لكـنه اليوم أصـبح في نظـري أضيق من سـم الإبرة !!
يا إلهـي !! كـيف تنصبغ الأشـياء من حولنـا بسبب الحـالة النفسية الـتي نكون علـيها !!
مـرت دقائق وأنا أقلـب نظري هنا وهـناك ، أمـر به على الأوراق المصـفوفة فوق الطـاولة ،
والملـفات المـرتبة في أرففهـا ، والـستائر والنوافـذ والحيـطان وسقـف الحجرة !!
وإذا بي أفتـح درجا وأغـلقه ، وأرفـع سماعـة الهاتف وارمـيها ، وأقـوم ثم أقـعد !!
لم أطـق صـبرا .. شعـرت أني سأنفجـر ..
وقـررت الـخروج ، لعل جـولة بين مـكاتب الزمـلاء تؤدي الغـرض ، وتكـون عوناً لــي على الخلاص من هـذا الاختناق ..!
قـلت في نفسـي : لعـل تغيير المـكان سيغير نفـسيتي ..!!
غيـر أني وجدت نفـسي أمام المـكتبة الخاصـة بالإدارة ،
فولجـتها على أمـل أن أجـد فيها كـتاباً خفيفاً لطيـفا شـائقاً ، أتسـلى به ..
مـررت بإحـدى الطـاولات الكبيرة ، وكـان عليها كـمية كـبيرة من الأوراق الـمنثورة ،
وعـدد قليل من الكـتب مكـدسة في ركـن الطـاولة ، لإعـادتها إلى رفوفـها ،
كانت المـكتبة في تلك السـاعة خـالية تماماً حـتى من الموظف المـختص ،
لا أدري مـا الذي دفـعني أن أقـف أمام هـذه الطـاولة دون غـيرها ،
ربمـا لأنها ستوفـر لي البحـث في أرفـف المكـتبة ، ولذا شرعـت أقلـب تلك الكـتب الموجـودة علـيها ،
وكلـما أخذت كـتابا ألقيت عليه نظـرة سريعة ثم نحـيته ، وأخذت آخـر ،
وهكـذا وجدتني أمر عـلى تلك المجموعة بشـكل خاطف ، ولم أجـد بغيتي فيها ،
حين همـمت أن أنصـرف إلى أرفف المكـتبة ، حانت مني التـفاتة إلى هـذه الأوراق الـمنثورة
على الطـاولة وأكثرها أوراق مـصورة ، فمـررت بيدي أنثر ما تكـوم منها ،
فلاح لـي عنوان مـثير بخط جـميل أزرق ، كـان العـنوان كـالتالي :
معـك لا أريد شـيئاً !!
لفـت نظري العـنوان وشدني إليه بقـوة ، فسارعت أسـحب الورقة مـن بين الأوراق ،وقـلت وأنا ابتسم بصـعوبة :
هذا صـاحب قلـب هائم متيم فيـما يبدو !!!
وشرعـت أقرأ فيـها وأنا لا زلت واقـفاً ،
لكنـي ما إن وصـلت إلى خواتيمـها حتى وجـدتني أُسقط نفسـي على أقرب كـرسي !!
كـان وقع هذه القصـة على نفسي كـوقع المطـر ينزل على أرض قـاحلة متعـطشة ،
إن لم يكـن وابل يحـييها فطل يكـفيها !
وشعـرت بوضـوح أن هذه القـصة استطـاعت بفضل الله أن تحـرك أوتاراً في قـلبي ،
وتحـيي مـواتاً في نفـسي ، وتنير زوايا فـي روحـي !!
كـانت الـورقة تتضمن قصـة رمـزية ، لكـنها بالنسبة لي كـانت مفتاحاً عـجيباً حـين دار في داخلـي
انبعـث ربيع القلب علـى أروع ما يكـون !!
ورب قـصة قـصيرة ، أو سطـور قليلة ، أو كلـمة عابرة مسمـوعة ،
تفعـل في نفس الإنسـان فعل السـحر ..!!
وذلك ما كـان معي حين قـرأت تلك القصة ،
فقد شـعرت أني انخلـعت من هذا الكون كلـه ، ونسيت نفـسي ، وأين أنـا ، ولمـاذا أنا هنا !!
وهيـجت هذه الـقصة ينابيع راكـدة في أغـوار قـلبي ،
وشعـرت برغـبة شـديدة في البكـاء لكني تجلدت ، خـشية من أن يراني أحـد !!
والـختلاصة أنني بعد قـراءة تلك القصـة شعرت أني كمـن نفض نفسه نفـضه قـوية ،
فأشـرقت شمـس قـلبي بعد إظـلام !
وخرجـت من القاعـة الكبيرة غـير الإنسان الـذي دخلها قـبل دقـائق !
وهـذه هي القصـة بين يديك مـع قليل من التـصرف .. فتأمـل :
= =
يحكـى أن ملكا كـان بين الحـين والآخر يحب أن يتحـدث مع شعبه متخـفيا.حتى لا يعرفـه أحد ،.
ذات مـرة اتخذ صـورة رجل فقـير ..ارتدى ثيـابا بالية جـدا ، وقصـد أفقر أحـياء مـدينته،
ثم تجـول في أرقتـها الضيـقة ، واخـتار إحدى الحجـرات المـصنوعة من الصـفيح القـديم ،
وقـرع على بابهـا ..
وجد بداخـلها رجلا يجلـس على الأرض وسـط الأتربة ..
عـرف أنه يعمـل كناسـا، فجلس بجـواره وأخذا يتجـاذبان أطراف الحـديث..
ولم تنقطـع زيارات المـلك بعد ذلك ، عن هـذا الرجـل ..
وتعـلق به الفقـير وأحبـه .. فتح له قلـبه وأطلعه علـى أسـراره .. وصـارا صـديقين حـميمين ..
بعـد فترة من الزمـن ، قرر الملك أن يعلن لصـديقه عن حقيـقته ، فقـال له :
:" تظـنني فقيراً ..!!؟ الحـقيقة غير ذلك، أنا هو الـملك بعينه" ..
ذهـل الفقير لهـول المفاجـأة ، لكنه ظـل صامتا ..
قـال له الملك فـي حنو وتلـطف :
" ألم تفـهم ما أردت أن أقـوله لك ..؟ أردت أن أقـول : إنك تستطـيع الآن أن تكـون غنيا
إنني أستطـيع أن أعطـيك ما تريد ، بل يمكـنني أن أعـطيك مدينة بكامـلها تتولى شـؤونها ،
يمكـنني أن أصـدر قرارا بتعـينك في أعظم وظـيفة ..!!
إنني المـلك ،يا صاحـبي الحبيب ، أطلب منـي ما شئت أيهـا الصـديق "..
أجـابه الفقير قـائلا:
" سيـدي .. إني أصـدقك والله ، ولقد فهـمت مـرادك ، لكن يا سـيدي ما هذا الـذي فعـلته معي ؟
أتترك قصـرك وتتخلـى عن مجدك ، وتأتي لـكي تجلس معـي في هذا الموضـع المظلم،
وتشاركنـي همومـي وتقاسمـني أحـزاني.
سيـدي، أعـرف أنك قدمـت لكـثيرين عطايا ثمـينة، أما أنا فقـد وهبت لـي ذاتك..
سيـدي ، طلـبتي الوحـيدة هي ألا تحرمـني أبدا من هذه الـهبة ..
أن تظـل صديقي الذي أحـبه ويحبني ..
أنا لا أريد شـيئا غـيرك ، ولا أرغـب في شيء سـواك !! .."
وازداد إعـجاب الملك بهـذا الفقير ، وعـلم أن مثل هـذا الإنسان لا يسمـى فقيرا إلا فـي الصورة ..!!
وقـرر أن يبقيه بقـربه ، ويفيض عـليه من كرمـه ، وأن يؤثره عـلى جميع من سـواه!
إلى هـنا انتهـت القـصة ، ثم كان التـعليق التـالي :
= =
أمـا تعلـيقنا الوحيد الذي نرغـب أن نهز به قلـوبنا فهو :
إذا كـان هذا قد اكتـفى بالملك عن أي شـيء من أمور الـدنيا وشهواتها
فكيـف لا نكتفي نحـن بالله سبحانه عـوضا عن كل شـيء ،
وهو مـالك الملك من بيده مـلكوت كل شيء
وإنـما أمره إذا أراد شـيئا أن يقول لـه كن ،، فيكـون ..
في الحـديث القدسي :
اطـلبني تجدني ، فإن وجـدتني فقد وجدت كـل شيء
وإن فتك فقـد فاتك كـل شيء .
وفي الحـديث الآخر :
أنا جـليس من ذكرني ، من ذكـرني في نفسه ذكـرته في نفسي
ومن ذكـرني في مـلأ ذكرته في المـلأ الأعلى ..
وكـان بعـض الربانيين يقـول وهو في خـلوته مع الله :
سبحـانك كيف انشـغلوا عنك بسـواك !؟
ولو عـرفوك ما طـابت لهم الحـياة إلا معك وفي رحـابك
وقـال آخر وهو يناجـي ربه عز وجـل :
إلهـي ،، ماذا وجـد من فقـدك !!؟
وما الـذي فقد من وجـدك ..!!؟
قـال الـراوي :
وأحـسب أني أعـدت قراءة هذه السـطور أكثر من مـرة ، ثم حمـلقت في فضـاء القـاعة
ورأسـي يمور بألـون من المعـاني والمشاعر التي كـنت أجد صـداها واضـحا
وجـدت نفسي أتمـتم :
سبحـان الله .. هذا حـب مخلوق لمخـلوق !!
فكيف بحب المخلوق للخالق سبحانه !؟
إذا كـان هذا الفقير قـد قنع من الدنيا كلـها بقرب من يحـب ،
ولا يريد غـيره ، ولا يلتفـت إلى شيء سـواه ،
فلـماذا لا تتعلق قلـوبنا بالله على هذا النحـو أو حتى قـريب منه !!
وكـان الأصل أن أقـول : بل أشـد !!
فالـذين آمنوا اشـد حباً لله ..!!
الـذين آمـنوا !!!!!!! آآآآآآآآه ... الذين آمـنوا .. !!!!
لمـاذا يشوب عـلاقتنا بالله شيء من الجـفاف ّّ؟
مـع أننا نزعـم أنه أحب إليـنا من كل شـيء !!؟
أين ترجمـة هذا الزعـم في واقع الحـياة ، ونحن نتثاقـل عن محـبوباته التي أمـرنا بها
ونسـارع إلى دوائر لا يحـب أن يرانا فيهـا !!!
مـع أننا ما عـرفنا الحيـاة إلا به !!
ولا وجـدنا الخير إلا مـنه !!
كم يسـترنا ، ويحلـم علينا ، ويصـبر على سفـاهتنا ،
ويفـرح بعودتنا إلـيه ، ويواصـل إكرامه لـنا ، وإحـسانه إلينا !!
وأعـد لنا جنة عرضـها السـماوات والأرض ،
ثم بعـد هذا كله لا نشعـر بأن قـلوبنا قد ( شُغفـت ) حـبا له ، وحـياءً منه !؟
بل لا نشعـر أن حبنا لله قد وصـل إلى عشر معـشار حب ذلك الفقـير لصاحبه المـلك !!
يا إلهـي !!!!!!!
قـال الـراوي :
وحـين هاجت هذه المـعاني ومثلـها ، وهـب تيارها على قلـبي شعرت أن قـلبي سينفطتر بالبكـاء
لو سمحـت لعـيناي بذلك !
وخرجـت وأنا غير الإنسـان الذي دخـلت هذه القاعـة قبل قـليل ،
واتجـهت مباشرة إلى المـصلي الصغـير ، وأخذت أركـع واسجد وقـلبي معي
يغرف مـن ينبوع سمـاوي عجيب يهـز روحي ويسـمو بها ،
وعلـمت يقينا أن من لـم يعرف هذا الـطريق فإنه واهـم كل الوهـم حين يتحـدث عن السـعادة !
وهل السعـادة إلا مشاعـر قلب تفيـض عليه أنوار السمـاء وتسمـو به !