سلطان الشمري
06-12-2005, 14:58
الله اكبر ..مهلاً أبا عبدالله .. فلم تتأذى وحدك .. فقبلك الرسل قد تأذوا
و لاتنسى كتابك لاتحزن ..
.
.
.
فلكم القصيده
قصيدة "القرار الأخير"
والقصيدة جاوزت الخمسين بيتاً، بدأها الشيخ القرني بالحنين إلى مسقط رأسه في محافظة "بلقرن" جنوب السعودية،حيثُ الغيمُ الذي يسقي المعاطف والبرق الذي يُشعل المغاني، راوياً سيرة طفولة امتزجت بحقول الريحان التي تنتشر ملء النظر في قريته، ومشيراً إلى أنه مصابٌ بجرح الحنين الذي لا يندمل تجاه مرابع الطفولة والقرية التي شهدت أوائل سنيّ عمره.
ويستحضر القرني سيرة الأمكنة والطقوس مطلقاً تنهيدته على تلك القهوة السمراء التي كان يشربها في غرفة طينية أرضيتها منسوجة بحصير النخيل،في البيت الطينيّ الرابض أمام الغدير النحيل، والذي تآلفت فيه أذنيه مع خرير المياه وصوت الحمام، في وقتٍ كانت فيه قلوب الأصدقاء طاهرةُ أنقى من الماء الزلال لم تتبدل في دهاليز الحياة وثورة المال التي لا تهدأ.
ويبدأ الألم في القصيدة بعد أن يتطرق إلى الأرق الذي بات يخلّفه المال لصاحبه،
وكذلك هموم الأبناء المؤذية، إلى التفسير التآمري – عبر التوريّة - الذي يُطلقه عليه معادوه حين يتحدث بآيات من القرآن، أو حين يلبس البشت، أو حتّى إلى الحديث، مشيراً إلى كم كبير من السباب الذي ناله حين يتحدث إلى الهاتف مع أشخاص كان يعتبرهم من المحبين،أو تلك الرسائل النصيّة الحارقة التي تأتيه على الهاتف المحمول
وتجعله كمن يُشوى على سعير متقد.
وبعد سرد عريض لكمٍ كبير من "الرزايا" التي تُثقل صدر الشيخ، أشار إلى أنه قد حل له الآن أن يهجر الجميع، معتبراً أن في لزوم بيته مواساة له، ليقوم بلثم الكتب الصفراء واتخاذه لها صديقاً وقريباً يتبادلان الحديث والشكوى، ومقدماً الشكر الجزيل لأعدائه الذين أبكوه بلذع سياطهم، ولم يبق له الآن سوى رفيقه الوحيد في البيت:الكتاب.
القرني في سيرة موجزة
والداعية الإسلامي الشيخ عائض القرني من مواليد بلاد بالقرن كما تقول سيرته الذاتيّة التي تبثها مواقع إسلاميّة عدة. ولد عام 1379هـ ، ودرس الابتدائية في مدرسة آل سلمان، ثم درس المتوسطة في المعهد العلمي بالرياض، ودرس الثانوية في المعهد العلمي بمدينة أبها جنوب السعودية، وتخرج من كلية أصول الدين من المدينة ذاتها.
وحضر الماجستير في رسالة بعنوان: (كتاب البدعة وأثرها في الدراية والرواية). ثم حضر الدكتوراه في (تحقيق المُفهِم على مختصر صحيح مسلم). وكان إمام وخطيب جامع أبي بكر الصديق بمدينة أبها.وحقق آخر كتبه "لا تحزن" مبيعات جاوزت المليون نسخة كما أشار إحصائية رسميّة الشهر الفائت.
و نما أسم القرني رفقة رجال دين سعوديين آخرين في بداية التسعينات حين كانت حركة الصحوة الدينيّة في أوج قوتها على الساحة السعودية الداخليّة،وكان شيوخ الصحوة السعوديون حينذاك يمتلكون رصيداً شعبياً جارفاً استثمروه في إقصاء كل التيارات المخالفة كونهم يسيطرون على العديد من المنابع الرسميّة ذات الصلة بالجمهور في المملكة المحافظة.
القصيدة الأخيرة
يا أرضَ بالقرن مازلنا محبينا
لا البعدُ ينسي ولا الأعذارُ تثنينا
فسائلي الغيمَ كم أسقى معاطفَنا
وسائلي البرقَ كم أحيا مغانينا
لي فيكِ يا دوحةَ الأمجادِ ملحمةٌ
محفورةٌ في كتابٍ من ليالينا
يوم الصبا كقميصِ الخزِ ألبسُه
والروضُ اخضرُ مملوءٌ رياحينا
والرملُ لوحي وأقلامي غصونُ ندا
والربعُ يمطرهُ القمريْ تلاحينا
يا ارضَ بالقرن لو فتشتِ في خَلَدي
وجدتِ فيه أخاديدًا وتأبينا
جرحٌ من الحبِ يا بالقرن ما اندملتْ
أطرافُهُ باتَ يُقصينا ويُدنينا
قد زرتُ بعدكِ يا بالقرن كلَّ حمى
وطرتُ في الجو حتى جئتُ برلينا
فما رضيتُ سواكم في الهوى بدلاً
لأنني عاشقٌ دنياك والدينا
رأيتُ باريسَ في جلبابِ راهبةٍ
شمطاءَ قد بلغتْ في العمرِ سبعينا
وأنتِ في ريَعَان العمرِ زاهيةٌ
في ميعةِ الحسن إشراقاً وتكوينا
أتيتُ واشنطنًا لا طاب مربعُها
رأيتُ ساحتَها في الضيقِ سجِّينا
فلا نسيمَ كأرضي إذ يُصبِّحنا
ولا ندى الطلِ في الوادي يمسِّينا
ارضُ السنابلِ لا ارضَ القنابلِ يا
سِحْرَ الوجودِ ويا حرزَ المحبينا
يا روضةً طالما هزَّتْ معاطفَها
كأنها بتباشيرٍ تحيينا
وربوةٍ كم درجنا في ملاعبها
عهدُ الطفولة يزهو من أمانينا
والأربعون على خدي مروِّعةٌ
يا ليت أني أهادي سنَّ عشرينا
والغبنُ يكتب في أضلاعنا خطبًا
مدربُ القلف يعطينا تمارينا
يقتاتُ من لحمنا غصْبًا ويجلُدنا
ويستقي دَمَنا زورًا ويظمينا
وإن نظَمْنا بيوتَ الشعرِ نمدحه
يظل بالشَّعَر المفتولِ يلوينا
إذا اقترحنا على أيامنا طلبًا
ذقنا المنايا التي تطوي أمانينا
آهٍ على قهوةٍ سمراءَ نشربُها
في غرفةٍ من ضميمِ الطيِن تؤوينا
سِجادُها بحصيرِ النخلِ ننسجه
وريشُها بنقي الصوفِ يدفينا
بعنا الهمومَ بدنيانا صيارفةً
لسنا جباةً وما كنا مرابينا
لم ندّخِرْ قوتَنا بخلاً ليومِ غدٍ
لكل يومٍ طعامٌ سوف يأتينا
ونملأُ الضيفَ ترحابًا لننسيَهُ
ما غابَ من أهله عنه ويُنسينا
أمام غرفتِنا يجري الغديرُ على
صوتِ الحمامِ بأبياتٍ يُغنينا
قلوبُ أصحابِنا طُهْرٌ وسيرتُهم
مثلُ الزلالِ الذي في القيظِ يروينا
أيامَ لا كدلكٍ يعوي بحارتنا
ولا البواري تدوّي في نوادينا
واليومَ أموالُنا باتتْ تؤرقُنا
همًا وأولادُنا بالغمِّ تؤذينا
إذا رفعنا بآياتٍ عقيرتَنا
قالوا: غلوٌ وهذا خالفَ الدينا
وإن همسنا بحبٍّ في مجالِسنا
قالوا: يدبر أعمالاً لتردينا
وإن لبسنا بشوتًا عرَّضوا سفهًا
بأننا نزدهي فيها مرائينا
وإن تقشَّف منا صادقٌ ورِعٌ
قالوا: يخادِعُنا عمْدًا ويغوينا
إذا صمتنا اقضَّ الصمتُ مضجعَهم
وإن نطقنا شربنا كأسَنا طينا
إذا أجبْنا على الجوالِ أمطَرَنا
بالسبِّ مَنْ كان نغليه ويغلينا
وإن أبينا أتتنا من رسائله
مثل السعيرِ على الرمضاء تشوينا
قلنا لهم هذه الأشياءُ حلَّلَها
أبو حنيفة بل سُقنا البراهينا
قالوا: خرقتَ لنا الإجماعَ في شُبَهٍ
مِن رأيِك الفجِّ بالنكراءِ تأتينا
وإن ضحكنا أضافونا بسخرية
صفراءَ تملؤنا غبنًا وتذوينا
وإن بكينا لظلوا شامتين بنا
كأنهم وحدَهُم صاروا موازينا
تفردوا بخطايانا وأشغلَهُم
عن ذكرِ سُوئِهُمُ المُرْدي مساوينا
ويفرحون إذا زل النعال بنا
ويهزؤون بمن يروي معالينا
ولا يرون سوى أغلاطِنا أبدًا
فنقدُهُمْ صارَ في أهوائهم دينا
وشتْمُهُمْ هو محضُ النصحِ عندهمُ
وردُّنا هو زورٌ من مغاوينا
لحومُهُم عندنا مسمومةٌ أبدًا
ولحمُنا صارَ تحت النقدِ سردينا
فنحن عند الحداثيين قافلةٌ
من الخوارج نقفو النهجَ تالينا
أما الغلاةُ فإنا عند شيخهمو
لسنا ثقاتٍ وما كنا موامينا
ونحن في شرعِهِ خُنَّا عقيدتَنا
من بائعين مبادينا وشارينا
حتى السياسي مرتابٌ ولو حلفتْ
لنا ملائكةٌ جاءوا مزكينا
كم مولَعٍ بخلافي لو أقولُ له
هذا النهارُ لقالَ الليلُ يضوينا
إذا طلبنا جليسًا لا يوافقُنا
واديه ليس على قربٍ بوادينا
فتاجرٌ لاهثٌ ألهتْهُ ثروتُه
عبدَ الدراهمِ قد عادى المساكينا
وجاهلٌ كافرٌ بالحرفِ ما بصُرَت
عيناه سِفْرًا وما أمَّ الدواوينا
ومعْجَبٌ صَلِفٌ زاهٍ بمنصبه
تواضعٌ منه فضلاً أن يماشينا
فالآن حلَّ لنا هجرُ الجميعِ وفي
لزومِ منزِلِنا غُنْمٌ يواسينا
نصاحبُ الكُتُبَ الصفراءَ نلْثِمُها
نشكو لها صخَبَ الدنيا فتشكينا
تضمُّنا من لهيبِ الهجرِ تمطِرُنا
بالحبِّ تُضحِكُنا طورًا وتُبْكينا
ما في الخيامِ أخو وجدٍ نطارِحُه
حديثَ نجدٍ ولا خلٌ يصافينا
فالزمْ فديتُك بيتًا أنتَ تسكُنُه
واصمتْ فكلُّ البرايا أصبحوا عينا
شكرًا لكم أيها الأعداءُ فابتهجوا
صارت عداوتُكُم تينًا وزيتونا
علَّمتمونا طِلابَ المجدِ فانطلقتْ
بنا المطامحُ تهدينا وتعلينا
جزاكم اللهُ خيرًا إذْ بكم صلحت
أخطاؤنا واستَفَقْنا من معاصينا
دلَلْتُمونا على زلاتِنا كرمًا
وغيرُكُم بِسُكارِ المدحِ يُعمينا
فسامِحونا إذا سالتْ مدامعُنا
من لذعِ أسياطِكُم كنتم مصيبينا
تجاوزوا عن زفيرٍ من جوانِحنا
حلمًا على زفراتٍ في حواشينا
ثناءُ أحبابِنا قد عاقَ همتَنا
ولومُ حسادِنا أذكى مواضينا
ماذا لقينا من الدنيا وعشرتِها
عشاقُها نحنُ وهي الدهرَ تقلينا
على مصائبها ناحتْ مواجعُنا
ومن نكائدِها ذابتْ مآقينا
تغتالُنا بدواهيها وتنحرُنا
صارتْ مخالبُها فينا سكاكينا
والآن في البيتِ لا خِلٌّ نُسَرُّ به
إلا الكتابُ يناجينا ويشجينا
.
.
.
" ولي مع هذه القصيده رد سترونه قريباً .. "
و لاتنسى كتابك لاتحزن ..
.
.
.
فلكم القصيده
قصيدة "القرار الأخير"
والقصيدة جاوزت الخمسين بيتاً، بدأها الشيخ القرني بالحنين إلى مسقط رأسه في محافظة "بلقرن" جنوب السعودية،حيثُ الغيمُ الذي يسقي المعاطف والبرق الذي يُشعل المغاني، راوياً سيرة طفولة امتزجت بحقول الريحان التي تنتشر ملء النظر في قريته، ومشيراً إلى أنه مصابٌ بجرح الحنين الذي لا يندمل تجاه مرابع الطفولة والقرية التي شهدت أوائل سنيّ عمره.
ويستحضر القرني سيرة الأمكنة والطقوس مطلقاً تنهيدته على تلك القهوة السمراء التي كان يشربها في غرفة طينية أرضيتها منسوجة بحصير النخيل،في البيت الطينيّ الرابض أمام الغدير النحيل، والذي تآلفت فيه أذنيه مع خرير المياه وصوت الحمام، في وقتٍ كانت فيه قلوب الأصدقاء طاهرةُ أنقى من الماء الزلال لم تتبدل في دهاليز الحياة وثورة المال التي لا تهدأ.
ويبدأ الألم في القصيدة بعد أن يتطرق إلى الأرق الذي بات يخلّفه المال لصاحبه،
وكذلك هموم الأبناء المؤذية، إلى التفسير التآمري – عبر التوريّة - الذي يُطلقه عليه معادوه حين يتحدث بآيات من القرآن، أو حين يلبس البشت، أو حتّى إلى الحديث، مشيراً إلى كم كبير من السباب الذي ناله حين يتحدث إلى الهاتف مع أشخاص كان يعتبرهم من المحبين،أو تلك الرسائل النصيّة الحارقة التي تأتيه على الهاتف المحمول
وتجعله كمن يُشوى على سعير متقد.
وبعد سرد عريض لكمٍ كبير من "الرزايا" التي تُثقل صدر الشيخ، أشار إلى أنه قد حل له الآن أن يهجر الجميع، معتبراً أن في لزوم بيته مواساة له، ليقوم بلثم الكتب الصفراء واتخاذه لها صديقاً وقريباً يتبادلان الحديث والشكوى، ومقدماً الشكر الجزيل لأعدائه الذين أبكوه بلذع سياطهم، ولم يبق له الآن سوى رفيقه الوحيد في البيت:الكتاب.
القرني في سيرة موجزة
والداعية الإسلامي الشيخ عائض القرني من مواليد بلاد بالقرن كما تقول سيرته الذاتيّة التي تبثها مواقع إسلاميّة عدة. ولد عام 1379هـ ، ودرس الابتدائية في مدرسة آل سلمان، ثم درس المتوسطة في المعهد العلمي بالرياض، ودرس الثانوية في المعهد العلمي بمدينة أبها جنوب السعودية، وتخرج من كلية أصول الدين من المدينة ذاتها.
وحضر الماجستير في رسالة بعنوان: (كتاب البدعة وأثرها في الدراية والرواية). ثم حضر الدكتوراه في (تحقيق المُفهِم على مختصر صحيح مسلم). وكان إمام وخطيب جامع أبي بكر الصديق بمدينة أبها.وحقق آخر كتبه "لا تحزن" مبيعات جاوزت المليون نسخة كما أشار إحصائية رسميّة الشهر الفائت.
و نما أسم القرني رفقة رجال دين سعوديين آخرين في بداية التسعينات حين كانت حركة الصحوة الدينيّة في أوج قوتها على الساحة السعودية الداخليّة،وكان شيوخ الصحوة السعوديون حينذاك يمتلكون رصيداً شعبياً جارفاً استثمروه في إقصاء كل التيارات المخالفة كونهم يسيطرون على العديد من المنابع الرسميّة ذات الصلة بالجمهور في المملكة المحافظة.
القصيدة الأخيرة
يا أرضَ بالقرن مازلنا محبينا
لا البعدُ ينسي ولا الأعذارُ تثنينا
فسائلي الغيمَ كم أسقى معاطفَنا
وسائلي البرقَ كم أحيا مغانينا
لي فيكِ يا دوحةَ الأمجادِ ملحمةٌ
محفورةٌ في كتابٍ من ليالينا
يوم الصبا كقميصِ الخزِ ألبسُه
والروضُ اخضرُ مملوءٌ رياحينا
والرملُ لوحي وأقلامي غصونُ ندا
والربعُ يمطرهُ القمريْ تلاحينا
يا ارضَ بالقرن لو فتشتِ في خَلَدي
وجدتِ فيه أخاديدًا وتأبينا
جرحٌ من الحبِ يا بالقرن ما اندملتْ
أطرافُهُ باتَ يُقصينا ويُدنينا
قد زرتُ بعدكِ يا بالقرن كلَّ حمى
وطرتُ في الجو حتى جئتُ برلينا
فما رضيتُ سواكم في الهوى بدلاً
لأنني عاشقٌ دنياك والدينا
رأيتُ باريسَ في جلبابِ راهبةٍ
شمطاءَ قد بلغتْ في العمرِ سبعينا
وأنتِ في ريَعَان العمرِ زاهيةٌ
في ميعةِ الحسن إشراقاً وتكوينا
أتيتُ واشنطنًا لا طاب مربعُها
رأيتُ ساحتَها في الضيقِ سجِّينا
فلا نسيمَ كأرضي إذ يُصبِّحنا
ولا ندى الطلِ في الوادي يمسِّينا
ارضُ السنابلِ لا ارضَ القنابلِ يا
سِحْرَ الوجودِ ويا حرزَ المحبينا
يا روضةً طالما هزَّتْ معاطفَها
كأنها بتباشيرٍ تحيينا
وربوةٍ كم درجنا في ملاعبها
عهدُ الطفولة يزهو من أمانينا
والأربعون على خدي مروِّعةٌ
يا ليت أني أهادي سنَّ عشرينا
والغبنُ يكتب في أضلاعنا خطبًا
مدربُ القلف يعطينا تمارينا
يقتاتُ من لحمنا غصْبًا ويجلُدنا
ويستقي دَمَنا زورًا ويظمينا
وإن نظَمْنا بيوتَ الشعرِ نمدحه
يظل بالشَّعَر المفتولِ يلوينا
إذا اقترحنا على أيامنا طلبًا
ذقنا المنايا التي تطوي أمانينا
آهٍ على قهوةٍ سمراءَ نشربُها
في غرفةٍ من ضميمِ الطيِن تؤوينا
سِجادُها بحصيرِ النخلِ ننسجه
وريشُها بنقي الصوفِ يدفينا
بعنا الهمومَ بدنيانا صيارفةً
لسنا جباةً وما كنا مرابينا
لم ندّخِرْ قوتَنا بخلاً ليومِ غدٍ
لكل يومٍ طعامٌ سوف يأتينا
ونملأُ الضيفَ ترحابًا لننسيَهُ
ما غابَ من أهله عنه ويُنسينا
أمام غرفتِنا يجري الغديرُ على
صوتِ الحمامِ بأبياتٍ يُغنينا
قلوبُ أصحابِنا طُهْرٌ وسيرتُهم
مثلُ الزلالِ الذي في القيظِ يروينا
أيامَ لا كدلكٍ يعوي بحارتنا
ولا البواري تدوّي في نوادينا
واليومَ أموالُنا باتتْ تؤرقُنا
همًا وأولادُنا بالغمِّ تؤذينا
إذا رفعنا بآياتٍ عقيرتَنا
قالوا: غلوٌ وهذا خالفَ الدينا
وإن همسنا بحبٍّ في مجالِسنا
قالوا: يدبر أعمالاً لتردينا
وإن لبسنا بشوتًا عرَّضوا سفهًا
بأننا نزدهي فيها مرائينا
وإن تقشَّف منا صادقٌ ورِعٌ
قالوا: يخادِعُنا عمْدًا ويغوينا
إذا صمتنا اقضَّ الصمتُ مضجعَهم
وإن نطقنا شربنا كأسَنا طينا
إذا أجبْنا على الجوالِ أمطَرَنا
بالسبِّ مَنْ كان نغليه ويغلينا
وإن أبينا أتتنا من رسائله
مثل السعيرِ على الرمضاء تشوينا
قلنا لهم هذه الأشياءُ حلَّلَها
أبو حنيفة بل سُقنا البراهينا
قالوا: خرقتَ لنا الإجماعَ في شُبَهٍ
مِن رأيِك الفجِّ بالنكراءِ تأتينا
وإن ضحكنا أضافونا بسخرية
صفراءَ تملؤنا غبنًا وتذوينا
وإن بكينا لظلوا شامتين بنا
كأنهم وحدَهُم صاروا موازينا
تفردوا بخطايانا وأشغلَهُم
عن ذكرِ سُوئِهُمُ المُرْدي مساوينا
ويفرحون إذا زل النعال بنا
ويهزؤون بمن يروي معالينا
ولا يرون سوى أغلاطِنا أبدًا
فنقدُهُمْ صارَ في أهوائهم دينا
وشتْمُهُمْ هو محضُ النصحِ عندهمُ
وردُّنا هو زورٌ من مغاوينا
لحومُهُم عندنا مسمومةٌ أبدًا
ولحمُنا صارَ تحت النقدِ سردينا
فنحن عند الحداثيين قافلةٌ
من الخوارج نقفو النهجَ تالينا
أما الغلاةُ فإنا عند شيخهمو
لسنا ثقاتٍ وما كنا موامينا
ونحن في شرعِهِ خُنَّا عقيدتَنا
من بائعين مبادينا وشارينا
حتى السياسي مرتابٌ ولو حلفتْ
لنا ملائكةٌ جاءوا مزكينا
كم مولَعٍ بخلافي لو أقولُ له
هذا النهارُ لقالَ الليلُ يضوينا
إذا طلبنا جليسًا لا يوافقُنا
واديه ليس على قربٍ بوادينا
فتاجرٌ لاهثٌ ألهتْهُ ثروتُه
عبدَ الدراهمِ قد عادى المساكينا
وجاهلٌ كافرٌ بالحرفِ ما بصُرَت
عيناه سِفْرًا وما أمَّ الدواوينا
ومعْجَبٌ صَلِفٌ زاهٍ بمنصبه
تواضعٌ منه فضلاً أن يماشينا
فالآن حلَّ لنا هجرُ الجميعِ وفي
لزومِ منزِلِنا غُنْمٌ يواسينا
نصاحبُ الكُتُبَ الصفراءَ نلْثِمُها
نشكو لها صخَبَ الدنيا فتشكينا
تضمُّنا من لهيبِ الهجرِ تمطِرُنا
بالحبِّ تُضحِكُنا طورًا وتُبْكينا
ما في الخيامِ أخو وجدٍ نطارِحُه
حديثَ نجدٍ ولا خلٌ يصافينا
فالزمْ فديتُك بيتًا أنتَ تسكُنُه
واصمتْ فكلُّ البرايا أصبحوا عينا
شكرًا لكم أيها الأعداءُ فابتهجوا
صارت عداوتُكُم تينًا وزيتونا
علَّمتمونا طِلابَ المجدِ فانطلقتْ
بنا المطامحُ تهدينا وتعلينا
جزاكم اللهُ خيرًا إذْ بكم صلحت
أخطاؤنا واستَفَقْنا من معاصينا
دلَلْتُمونا على زلاتِنا كرمًا
وغيرُكُم بِسُكارِ المدحِ يُعمينا
فسامِحونا إذا سالتْ مدامعُنا
من لذعِ أسياطِكُم كنتم مصيبينا
تجاوزوا عن زفيرٍ من جوانِحنا
حلمًا على زفراتٍ في حواشينا
ثناءُ أحبابِنا قد عاقَ همتَنا
ولومُ حسادِنا أذكى مواضينا
ماذا لقينا من الدنيا وعشرتِها
عشاقُها نحنُ وهي الدهرَ تقلينا
على مصائبها ناحتْ مواجعُنا
ومن نكائدِها ذابتْ مآقينا
تغتالُنا بدواهيها وتنحرُنا
صارتْ مخالبُها فينا سكاكينا
والآن في البيتِ لا خِلٌّ نُسَرُّ به
إلا الكتابُ يناجينا ويشجينا
.
.
.
" ولي مع هذه القصيده رد سترونه قريباً .. "