بهجت فاضل
04-10-2005, 15:02
قوله تعالى: ]اليومَ أكملتُ لَكُمْ دينَكم وأتممتُ عَلَيْكُم نعمَتي ورضيتُ لَكُمْ الإسلامَ دينا[ [المائدة:3] ، وقوله تعالى: ]قُلْ يآ أَيُّهَا النَّاس إن كنتم في شكٍّ من ديني فلآ أعبدُ الَّذِينَ تعبدونَ من دونِ الله ولكن أعبدُ اللهَ الَّذِي يتوفَّاكم[ [يونس:104] ، الآية ، وقوله تعالى: ]يآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنوا اتَّقوا الله وءامِنوا برَسولِهِ يؤتِكُمْ كفلينِ من رحمته ويجعل لَكُمْ نوراً تمشونَ بِهِ ويغفر لَكُمْ والله غفورٌ رحيم[ [الحديد:28].
وفي الصحيح عن ابن عمر أَنَّ رسول الله e قال: "مثلكم ومثلُ أهل الكتابين كمثل رجل استأجر أجيراً فقال: من يعمل لي من غدوة إلى نصف النهار على قيراط؟ فعملَتِ اليهودُ ، ثُمَّ قال: من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاةِ العصر على قيراط؟ فعملَتِ النصارى ، ثُمَّ قال: من يعمل من صلاةِ العصر إلى أن تغيب الشمس على قيراطين؟ فأنتم هم ، فغضبت اليهود والنصارى ، وقالوا: ما لنا أكثر عملاً وأقلّ أجرا؟ قال: هل نقصتُكم من حقِّكم شيئاً؟ قالوا: لا قال: ذَلِكَ فضلي أوتِيهِ من أشاء".
وفيه أيضاً عن أبي هريرة t قال: قَالَ رَسُولُ الله e: "أضلَّ اللهُ عن الجمعة من كَانَ قبلنا ، فكان لليهود يومُ السبت ، وللنصارى يوم الأحد ، فجاءَ الله بنا فهدانا ليومِ الجمعة ، وكذلك هم تبعٌ لنا يوم القيامة ، نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة".
وفيه تعليقاً عن النبي e أَنَّهُ قال: "أحبُّ الإيمان إلى الله الحنيفية السمحة" انتهى.
وعن أُبَيِّ بنِ كعبٍ t قال: "عَلَيْكُم بالسبيل والسنَّة ، فَإِنَّهُ ليس من عبدٍ على سبيلٍ وسنّة ذكرَ الله ففاضت عيناه من خشيةِ الله فتمسَّهُ النار ، وليس من عبدٍ على سبيلِ وسنَّةِ الرحمن فاقشعَرَّ جلده من مخافةِ الله إِلاَّ كَانَ كمثل شجرةٍ يبس ورقُها إِلاَّ تحاتَّتْ عنه ذنوبه كَمَا تحاتّ عن هَذِهِ الشجرة ورقها ، وَإِنَّ اقتصاداً في سنَّةٍ خير من اجتهادٍ في خلاف سبيل وسنَّة.
وعن أبي اردرداء t قال: يا حبذا نوم الأكياس وإفطارهم ، كيف يعيبون سهر الحمقى وصومهم؟ مثقال ذرةٍ من بِرٍّ مَعَ تقوى ويقين ، أعظم وأفضل وأرجع من عبادة المغترّين.
باب: وجوب الإسلام
وقول الله تعالى: ]ومَن يبتَغِ غيرَ الإسلامِ ديناً فلن يُّقْبَلَ منه وَهُوَ في الآخرةِ من الخاسرين[ [آل عمران:85] ، وقوله تعالى: ]وَأَنَّ هذا صراطي مستقيماً فاتَّبِعوهُ ولا تتَّبِعوا السُّبُلَ فتفرَّقَ بكم عن سبيله[ [الأنعام:153] ، قال مجاهد: السُّبل: البدَع والشبهات.
وعن عائشةَ رضي الله عنها أَنَّ رسول الله e قال: "من أحدثَ في أمرِنا هذا ما ليس منه فَهُوَ ردّ" [أخرجاه] وفي لفظ "من عمل عملاً ليس عَلَيْهِ أمرُنا فَهُوَ رد".
وللبخاري عن أبي هريرة t قال: قَالَ رَسُولُ الله e: "كلُّ أمَّتي يدخلون الجنة إِلاَّ مَنْ أبى ، قيل: من أبى؟ قال: من أطاعَني دخل الجنةَ ومن عصاني فقد أبى".
وفي الصحيح عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رسول الله e قال: "أبغضُ الناسِ إلى الله ثلاثة: ملحدٌ في الحرم ، ومبتغٍ في الإسلام سنةَ الجاهلية ، ومُطلب دم امرئٍ مسلم بغير حق ليهريق دمه" [رواه البخاري] ، ويندرج فيها كُلّ جاهليةٍ مطلقةٍ أو مقيدةٍ ، أي في شخصٍ دون شخصٍ ، كتابية ، أو وثنية ، أو غيرهما من كُلّ مخالفٍ لما جاء بِهِ المرسَلون.
وفي الصحيح عن حذيفة t قال: يا معشر القراء استقيموا فقد سبقتم سبقاً بعيداً ، فإن أخذتم يميناً وشمالاً فقد ضللتم ضلالاً بعيدا.
وعن محمد بن وضَّاحٍ: كَانَ يدخل المسجد فيقف على الحلق فيقول تذكرة وقال: أنبأنا ابن عيينة ، عن مجالد عن الشعبي ، عن مسروق قال عبدالله –يعني ابن مسعود-: ليس عامٌ إِلاَّ والذي بعد أشَرُّ منه ، لا تقول عامٌ أخصبُ من عام ، ولا أميرٌ خير من أمير ، لكن ذهابُ علمائكم وخياركم ، ثُمَّ يُحدث أقوامٌ يقيسون الأمور بآرائهم فيُهدم الإسلام وينثلم.
باب: تفسير الإسلام
وقول الله تعالى: ]فإن حآجُّوكَ فقلْ أسلمتُ وجهِيَ لله ومَنِ اتَّبعنِ[ [آل عمران:20] الآية.
وفي الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما أَنَّ رسول الله e قال: "الإسلام أن تشهد أن لا إله إِلاَّ الله ، وَأَنَّ محمداً رسول الله ، وتقيمَ الصلاةَ ، وتؤتِيَ الزكاة ، وتصومَ رمضانَ ، وتحج البيت إن استطعتَ إليه سبيلا".
وفيه عن أبي هريرة t مرفوعاً: "المسلم مَن سلمَ المسلمون من لسانه ويده".
وعن بَهْز بن حكيم عن أبيه عن جده ، أَنَّهُ سأل رسول الله e عن الإسلام فقال: "أن تسلم قلبك لله ، وأن تولي وجهك إلى الله ، وأن تصلي الصلاةَ المكتوبة ، وتؤتي الزكاةَ المفروضة" رواه أحمد.
وعن أبي قلابةَ عن عمرو بن عبسةَ عن رجلٍ من أهل الشام عن أبيه أَنَّهُ سأل رسول الله e ، ما الإسلام؟ قال: "أن تُسلم قلبك لله ويسلم المسلمون من لسانك ويدك" قال: أيُّ الإسلام أفضل؟ قال: الإيمان ، قال: وما الإيمان؟ قال: "أن تؤمن بالله وملائكته وكُتبه ورسله والبعث بعد الموت".
باب قول الله تعالى]ومَن يَّبْتَغِ غيرَ الإسلامِ ديناً فلن يُّقْبَلَ منه[
وعن أبي هريرة t قال: قَالَ رَسُولُ الله e: "تجيءُ الأعمالُ يوم القيامة فتجيء الصلاة فتقول: يارب أنا الصلاةُ فيقول: إنكِ على خير ، ثُمَّ يجيءُ الصيام فيقول: إنكَ على خير ، ثُمَّ تجيءُ الأعمال على ذَلِكَ فيقول: إنكَ على خير ، ثُمَّ يجيءُ الإسلام فيقول: يارب إنك السلام وأناْ الإسلام فيقول: إنك على خير ، بك اليوم آخذ وبك أعطي ، قال الله تعالى: ]ومَن يَّبْتَغِ غيرَ الإسلامِ ديناً فلن يُّقْبَلَ منه وَهُوَ في الآخرةِ من الخاسِرين[ [آل عمران:85] رواهُ أحمد.
وفي الصحيح عن عائشةَ رضي الله عنها أَنَّ رسول الله e قال: "مَن عمل عملاً ليس عَلَيْهِ أمرُنا فَهُوَ ردّ" [رواه أحمد].
باب وجوب الاستغناء بمتابعته e عن كُلّ ما سواه
وقول الله تعالى: ]ونزَّلْنا عليك الكتابَ تِبياناً لِكُلِّ شيءٍ[ [النحل:89].
روى النسائي وغيره عن النبي e أَنَّهُ رأى في يدِ عمر بن الخطاب t ورقةً من التوراة فقال: "أمُتَهَوِّكونَ يا ابن الخطاب؟! لقد جئتكم بِهَا بيضاءَ نقية ، لو كَانَ موسى حيّاً واتَّبَعْتُموه وتركتُموني ضللتم" وفي رواية: "لو كَانَ موسى حيّاً ما وسعه إِلاَّ اتِّباعي" ، فقال عمر: رضيتُ بالله ربّاً وبالإسلامِ ديناً وبمحمدٍ نبياً.
باب ما جاء في الخروج عن دعوى الإسلام
وقوله تعالى: ]هُوَ سمَّاكُمُ المسلمينَ من قبل وفي هذا[ [الحج:78].
عن الحارث الأشعَري t عن النبي e أَنَّهُ قال: "آمركم بخمسٍ ، الله أمرني بِهنّ: السمع ، والطاعة ، والجهاد ، والهجرة ، والجماعة ، فَإِنَّهُ من فارق الجماعة قيد شبرٍ فقد خلعَ ربقةَ الإسلام من عنقه إِلاَّ أن يراجع ، ومن دعا بدعوى الجاهلية فَإِنَّهُ من جُثَى جهنم" فقال رجل: يا رسول الله وإن صلى وصام ، قال: "وإن صلَّى وصام فادعوا بدعوى الله الَّذِي سمَّاكم المسلمين والمؤمنين عباد الله" [رواه أحمد والترمذي وقال: حسنٌ صحيح].
وفي الصحيح: "من فارق الجماعة شبراً فميتته جاهلية" وفيه: "أبِدَعوى الجاهلية وأناْ بين أظهركم" قال أبو العباس: كُلّ ما يخرج عن دعوى الإسلام والقرآن من نسبٍ أو بلدٍ أو جنسٍ أو مذهبٍ أو طريقةٍ فَهُوَ من عزاء الجاهلية ، بل لَمَّا اختصم مهاجريٌّ وأنصارِيٌّ فقال المهاجِريُّ: لا للمهاجرين وقال الأنصاري: يا للأنصار قال e: "أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟" وغضب لذلك غضباً شديداً ، انتهى كلامه.
باب وجوب الدخول في الإسلام كله وترك ما سواه
وقوله تعالى: ]يآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءامنوا ادخُلوا في السِّلمِ كآفَّةً[ [البقرة:208] وقول الله تعالى: ]ألَمْ ترَ إلى الَّذِينَ يزعُمونَ أنَّهُمْ ءامَنوا بمآ أُنزلَ إليك ومآ أُنزِلَ من قبلك[ [النساء:60] الآية ، وقوله تعالى: ]يوم تبيَضُّ وجوهٌ وتسوَدُّ وجوه[ [آل عمران:106] قال ابن عباسٍ t: تبيضُّ وجوهُ أهل السنَّةِ والائتلاف ، وتسوَدُّ وجوهُ أهل البدع والاختلاف.
عن عبدالله بن عمر t قال: قَالَ رَسُولُ الله e: "ليأتينَّ على أمَّتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل ، حَتَّى إن كَانَ منهم من أتى أمَّهُ علانيةً كَانَ في أمَّتي من يصنعُ ذَلِكَ ، وَأَنَّ بني إسرائيل افترقت على اثنتين وسبعين ملة" وتمام الحديث قوله: "وتفترق هَذِهِ الأمَّةُ على ثلاثٍ وسبعين فرقة كلهم في النار إِلاَّ ملة واحدة ، قالوا: مَنْ هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عَلَيْهِ وأصحابي" يا لَها موعظة لو وافقت من القلوب حياة ، رواه الترمذي ورواه أيضاً من حديثِ معاوية عند أحمد وأبي داود وفيه: "إِنَّهُ سيخرجُ من أمَّتي قومٌ تتجارى بِهِمْ تلك الأهواء كَمَا يتجارى الكلب بصاحبه ، فلا يبقى منه عِرْقٌ ولا مِفْصل إِلاَّ دخله" وتقدم قوله: "ومبتغٍ في الإسلام سنَّةَ الجاهلية".
باب ما جاء أَنَّ البدعةِ أشد من الكبائر
لقوله عَزَّ وجَلَّ ]إِنَّ الله لا يغفرُ أن يُشرَكَ بِهِ ويغفرُ ما دونَ ذَلِكَ لمن يشاء[ [النساء:48] ، وقوله تعالى: ]ليحمِلوا أوزارهم كاملةً يومَ القيامة ومنْ أوزارِ الَّذِينَ يضِلونَهم بغير علمٍ ألا سآءَ ما يزِرون[ [النحل:25].
وفي الصحيح أَنَّهُ e قال في الخوارج: "أينما لقيتموهم فاقتلوهم".
وفيه أَنَّهُ نَهى عن قتلِ أمراء الجور ما صلُّوا.
عن جريرٍ عن عبدالله أَنَّ رجلاً تصدَّقَ بصدقةٍ ثُمَّ تتابع النَّاس فقال رسول الله e: "مَن سنَّ في الإسلامِ سنةً حسنةً فله أجرها وأجر من عمل بِهَا من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ، ومن سنَّ في الإسلام سنَّةً سيئةً كَانَ عَلَيْهِ وزرها ووزر مَن عمل بِهَا من غير أن ينقص من أوزارهم شيء" [رواه مسلم].
وله من حديث أبي هريرةَ ولفظه: "من دعا إلى هدى –ثُمَّ قال- من دعا إلى ضلا لة".
باب ما جاء أَنَّ الله احتجر التوبةَ على صاحب البدعة
هذا مروِيٌّ من حديثِ أنسٍ من مراسيل الحسن.
وذكر ابن وضاحٍ عن أيوب قال: كَانَ عندنا رجلٌ يرى رأياً فتركه فأتيت محمد بن سيرين فقلت: أشعرتَ أَنَّ فلاناً ترك رأيه؟ قال: انظر إلى ماذا إن آخر الحديث أشد عليهم من أوله: "يمرقون من الإسلام؟ ثم لا يعودون إليه" وسئل أحمد بن حنبل عن معنى ذَلِكَ فقال: لا يوفق للتوبة.
باب قول الله تعالى: ]يآ أهلَ الكتاب لِمَ تحآجُّونَ في إبراهيم[
قول الله تعالى: ]يآ أهلَ الكتاب لِمَ تحآجُّونَ في إبراهيم[ [آل عمران:67] ، وقوله: ]ومن يرغَبُ عن مِلَّةِ إبراهيمَ إِلاَّ مَنْ سفِهَ نفسه ولقدِ اصطفيناهُ في الدنيا وإنه في الآخرةِ لَمِنَ الصالحين[ [البقرة:130] ، وفيه حديثُ الخوارج وتقدم وفيه أَنَّهُ e قال: "آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء إنما أوليائي المتَّقون" وفيه أيضاً عن أنسٍ أَنَّ رسول الله e ذُكِرَ لَهُ أَنَّ بعض الصحابة قال: أمَّا أناْ فلا آكلُ اللحم ، وقال آخر: أمَّا أنا فأقوم ولا أنام ، وقال آخر: أمَّا أنا فلا أتزوجُ النساء ، وقال آخر: أمَّا أنا فأصومُ ولا أفطر ، فقال e: "لكنَّني أقوم وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء وآكل اللحم فمن رغب عن سنَّتي فليس منِّي" ، فتأمل إذا كَانَ بعض الصحابة أراد التبتُّلَ للعبادة قيل فيه هذا الكلام الغليظ وسمي فعله رغوباً عن السنّة فما ظنك بغير هذا من البدعِ وما ظنك بغير الصحابة؟.
باب قول الله تعالى: ]فأقِمْ وجهك للدِّينِ حَنيفاً[
قول الله تعالى: ]فأقِمْ وجهك للدِّينِ حَنيفاً فطرتَ الله الَّتِي فطرَ النَّاس عليها لا تبديلَ لخلقِ الله ذَلِكَ الدِّينُ القيّمُ ولكنَّ أكثرَ النَّاسِ لا يعلمون[ [الروم:30].
وقوله تعالى: ]ووصَّى بِهَا إبراهيمُ بنيهِ ويعقوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ الله اصطفَى لكمُ الدينَ فلا تَموتُنَّ إِلاَّ وأنتم مسلِمون[ [البقرة:132] ، وقوله: ]ثُمَّ أوحينا إليك أنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إبراهيمَ حنيفاً وما كَانَ من المشركين[ [النحل:123].
وعن ابن مسعودٍ t أَنَّ رَسُولَ اللهِ e قَالَ: "إِنَّ لِكُلِّ نبيٍّ ولاةٌ من النبيين وأنا وليي منهم أبي إبراهيم وخليل ربي" ثُمَّ قرأ: ]إِنَّ أولَى النَّاسِ بإبراهيمَ للَّذِينَ اتَّبَعوهُ وهذا النبيُّ والذينَ ءامَنوا واللهُ وليُّ المؤمِنين[ [آل عمران:68] [رواه الترمذي].
وعن أبي هريرة t قال: قَالَ رَسُولُ الله e: "إِنَّ الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبِكم وأعمالكم".
ولهما عن ابن مسعود t قال: قَالَ رَسُولُ الله e: "أناْ فرَطكم على الحوضِ وليرفعنَّ إليَّ رجالٌ من أمَّتي حَتَّى إذا أهويت لأناولهم احتجبوا دوني فأقول: أي ربِّ أصحابي فيقول إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك".
ولهما عن أبي هريرة t أَنَّ رَسُولَ اللهِ e قَالَ: "وددت أن قد رأينا إخواننا قالوا: أوَلسْنا إخوانكَ يا رسول الله؟ قال: "أنتم أصحابي ، وإخواني هم الَّذِينَ لَمْ يأتوا بعد" قالوا: فكيف تعرف من لَمْ يأتِ بعد من أمَّتك؟ قال: "أرأيتم لو أَنَّ رجلاً لَهُ خيلٌ غُرٌّ محجَّلةٌ بين ظهرَي خيلٍ دُهْمٍ بِهِمْ ألا يعرفُ خيله؟ قالوا: بلى قال: فإنَّهم يأتونَ غُرّاً محجَّلين من الوضوء وأنا فرطهم على الحوض ، ألا لَيذادنَّ رجالٌ يومَ القيامةِ عن حوضي كَمَا يذادُ البعير الضال أناديهم ألا هلُمَّ فيقال: إنَّهم قد بدَّلوا بعدك فأقول سحقاً سحقا".
وللبخاري: "بينما أنا قائمٌ إذا زمرة ، حَتَّى إذا عرفتهم خرج رجلٌ من بيني وبينهم فقال: هلمَّ فقلت: أين؟ قال: إلى النار والله ، قلت: وما شأنُهم؟ قال: إِنَّهُم ارتدُّوا بعدك على أدبارهم القهقري ثُمَّ إذا زمرة –فذكر مثله- قال: فلا أراه يخلص منهم إِلاَّ مثل هَمَل النعم".
ولهما من حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما: فأقول كَمَا قال العبد الصالح: ]وكنتُ عليهم شهيداً ما دمتُ فيهِمْ فلمَّا توفَّيْتَني كنتَ أنتَ الرقيبَ عليهم وأنتَ على كُلّ شيءٍ شهيد[ [المائدة:117].
ولهما عنه مرفوعاً: "ما من مولودٍ يولد إِلاَّ على الفطرة ؛ فأبَواهُ يهوِّدانِهِ أو ينصِّرانِهِ أو يمجِّسانِهِ كَمَا تنتج البهيمة بَهيمة جمعاء هل تحسُّونَ فيها من جدعاء حَتَّى تكونوا أنتم تجدعونَها" ثُمَّ قرأ أبو هريرة: ]فطرتَ الله الَّتِي فطرَ النَّاسَ عليها[ [الروم:30] متفقٌ عَلَيْهِ.
وعن حذيفةَ t قال: كَانَ النَّاس يسألونَ رسول الله e عن الخير وأنا أسأله عن الشر مخافةَ أن يدركَني فقلتُ يا رسول الله: إنَّا كنا في جاهليةٍ وشرٍّ فجاءنا الله بِهذا الخير ، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم ، فقلت: وهل بعد ذَلِكَ الشر من خير؟ قال: "نعم وفيه دخَن" ، قلت: وما دخَنه؟ قال: قومٌ يستنون بغير سنَّتي ويهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر ، قلت: فهل بعد ذَلِكَ الخير من شر؟ قال: نعم فتنةٌ عمياء ودعاةٌ على أبواب جهنَّم من أجابَهم إليها قذَفوهُ فيها ، قلتُ: يا رسول الله صِفهم لنا قال: "قومٌ من جِلدتِنا ويتكلَّمون بألسنتنا قلت: يا رسول الله ما تأمرني إن أدركتُ ذَلِكَ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم ، قلتُ: وإن لَمْ يكن جماعةٌ ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعضَّ على أصل شجرةٍ حَتَّى يأتيك الموت وأنتَ على ذَلِكَ" أخرجاه وزاد مسلم: ثُمَّ ماذا؟ قال: يخرج الدجال معه نَهرٌ ونار فمن وقع في ناره وجب أجره.
قلتُ ثُمَّ ماذا؟ قال: هي قيام الساعة" قال أبو العالية: تعلموا الإسلام فإذا تعلمتُموه فلا ترغبوا عنه ، وعليكم بالصراط المستقيم فَإِنَّهُ الإسلام ، ولا تتحركوا عن الصراط يميناً ولا شِمالاً ، وعليكم بِسنَّةِ نبيِّكُمْ وإيَّاكم وهذه الأهواء . انتهى.
تأمَّلْ كلام أبي العالية هذا ما أجله ، واعرف زمانه الذي يحذر فيه من الأهواء الَّتِي من اتبعها فقد رغب عن الإسلام ، وتفسير الإسلام بالسنَّة وخوفه على أعلم التابِعين وعلمائهم من الخروج عن السنَّة والكتاب ، يتبيَّنُ لك معنى قوله تعالى: ]إذْ قال لَهُ ربُّهُ أسلِمْ[ [البقرة:131] ، وقوله: ]ووصَّى بِهَا إبراهيمُ بنيهِ ويعقوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ الله اصطفَى لكمُ الدينَ فلا تَموتُنَّ إِلاَّ وأنتم مسلِمون[ [البقرة:132] ، وقوله: ]ومن يرغبُ عن ملِّةِ إبراهيم إِلاَّ مَنْ سفِهَ نفسه[ [البقرة:130] ، وأشباهُ هَذِهِ الأصول الكبار الَّتِي هي أصل الأصول والناس عنها في غفلةٍ ، وبمعرفته تبين معنى الأحاديث في هذا الباب وأمثالها ، وأمَّا الإنسان الَّذِي يقرأها وأشباهها وَهُوَ مطمئنٌّ أَنَّهَا لا تناله ويظنها في قومٍ كانوا فأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إِلاَّ القومُ الخاسِرون.
وعن ابن مسعودٍ t قال: خطَّ لنا رسول الله e خطّاً ثُمَّ قال: "هذا سبيلُ الله ثُمَّ خطَّ خطوطاً عن يمينه وعن شِماله ثُمَّ قال: هَذِهِ سبلٌ على كلِّ سبيلٍ منها شيطان يدعو إليه" وقرأ: ]وَأَنَّ هذا صِراطي مستَقيماً فاتَّبِعُوهُ ولا تتَّبِعوا السُّبُلَ فتَفَرَّقَ بكم عن سبيله[ [الأنعام:153] ، رواه أحمد والنسائي.
باب ما جاء في غربةِ الإسلام وفضل الغرباء
وقول الله تعالى: ]فلولا كَانَ من القرونِ من قبلكم أولوا بقيةٍ ينهَونَ عن الفسادِ في الأرضِ إِلاَّ قليلاً مِمَّنْ أنجيْنا منهمْ[ [هود:116] الآية ، وعن أبي هريرة t مرفوعاً: "بدأ الإسلام غريباً وسيعودُ غريباً كَمَا بدأ فطوبى للغرباء" رواه مسلم ورواه أحمد من حديث ابن مسعودٍ وفيه: من الغرباء؟ قال: "النُّزَّاعُ من القبائل والذين يَصلحونَ إذا فسد النَّاس".
وللترمذي من حديث كثير بن عبدالله عن أبيه عن جده "فطوبى للغرباء الَّذِينَ يُصلِحون ما أفسد النَّاسُ من سنَّتي"
وعن أبي أمية قال: سألتُ أبا ثعلبةَ كيف تقول في هَذِهِ الاية؟ ]يآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءامنوا عَلَيْكُم أنفسكم لا يضرُّكمْ من ضلَّ إذا اهتديتُمْ[ [المائدة:105] قال: أما والله لقد سألتَ عنها خبيراً ، سألتُ رسول الله e فقال: "بل ائتمِروا بالمعروف وتَناهَوا عن المنكر حَتَّى إذا رأيتم شُحّاً مطاعاً وهوىً متَّبَعاً ، ودنيا مؤثَرة ، وإعجاب كُلّ ذي رأيٍ برأيه ، فعيك بنفسك ، ودع عنك العوام ، فَإِنَّ من ورائكم أياماً الصابر فيهن مثل القابض على الجمر ، للعامل فيهن أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عملكم قلنا: منا أم منهم؟ قال: بل منكم" [رواه أبو داود والترمذي].
وروى ابن وضَّاحٍ معناه من حديث ابن عمر ولفظه: "إِنَّ من بعدكم أياماً لَلصابر فيها المتمسك بدينه مثل ما أنتم عَلَيْهِ اليوم ، لَهُ أجرُ خمسين منكم ، ثُمَّ قال: أنبأنا محمد بن سعيد ، أنبأنا أسد ، قال سفيان بن عيينة: عن البصري ، عن سعيد أخي الحسن يرفعه قال: "إنكم اليوم على بينةٍ من ربكم ، تأمرون بالمعروف وتنهونَ عن المنكر وتجاهِدونَ في سبيل الله ولم يظهر فيكم السكرتان: سكرة الجهل ، وسكرة حبِّ العيش ، وستحولون عن ذَلِكَ ، فالمتمسك يومئذٍ بالكتاب والسنِّةِ لَهُ أجرُ خمسين" قيل: منهم؟ قال: "بل منكم" وله بإسنادٍ عن المعافري قال: قال رسول الله e: "طوبى للغرباء ، الَّذِينَ يتمسكون بالكتابِ حين يُترك ، ويعملون بالسنَّةِ حين تطفأ".
باب التحذير من البدع
عن العرباض بن ساريةَ قال: وعظَنا رسول الله e موعظةً بليغةً ، قلنا: يا رسول الله كأنَّها موعظةُ مودِّعٍ فأوصِنا قال: "أوصيكم بتقوى الله عَزَّ وجَلَّ ، والسمع والطاعة ، وإن أمِّرَ عَلَيْكُم عبدٌ ، وإنه من يعِشْ منكم فسيرى اختلافاً كثيراً ، فعليكم بسنَّتي وسنة الخلفاء الراشِدين المهديين عضُّوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فَإِنَّ كُلّ بدعةٍ ضلالة" [قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ صحيح].
وعن حذيفةَ قال: كُلّ عبادةٍ لا يتعبدها أصحاب محمد فلا تعبَّدوها فَإِنَّ الأول لَمْ يدع للآخر مقالاً ، فاتَّقوا الله يا معشر القرَّاء ، وخذوا طريق مَن كَانَ قبلكم ، رواه أبو داود ، وقال الدارمي: أخبرنا الحكم بن المبارك ، أنبأنا عمرو بن يحيى ، قال: سمعتُ أبي يحدِّثُ عن أبيه قال: كنا نجلس على باب عبدالله بن مسعودٍ قبل صلاةِ الغداةِ ، فإذا خرجَ مشينا معه إلى المسجد ، فجاءَنا أبو موسى الأشعري فقال: أخَرَجَ أبو عبدالرحمن؟ قلنا: لا ، فجلس معنا ، فلما خرج قال: يا أبا عبد الرحمن إني رأيتُ في المسجد أمراً أنكرتُهُ ، ولم أرَ والحمد لله إِلاَّ خيراً ، قال: فما هُوَ؟ فقال: إن عشتُ فتَراهُ قال: رأيتُ في المسجد قوماً حِلَقاً جلوساً ينتظرون الصلاة ، في كُلّ حلَقةٍ رجلٌ وفي أيديهم حصى فيقول: كبروا مائة ، فيكبرون مائة ، فيقول: هلِّلوا مائةً ، فيهللون مائة ، فيقول: سبحوا مائةً فيسبحون مائة ، قال: فماذا قلت لَهُمْ؟ قال: قلت لَهُمْ شيئاً ، أنتظر أمرك قال: أفلا أمرتَهم أن يعدوا سيئاتِهم وضمنت لَهُمْ أن لا يضيع من حسناتِهم شيء؟ ثُمَّ مضى حَتَّى أتى حلقة ، فقال: ما هذا؟ قالوا لهك حصى نعدّ بِهِ التكبير والتهليل والتسبيح ، قال: فعدّوا سيئاتكم فأنا ضامنٌ أن لا يضيع من حسناتكم شيء ، وَيْحَكُمْ يا أمَّةَ محمد! ما أسرعَ هلكتكم! هؤلاء صحابةُ نبيكم e متوافرون ، وهذه يثابه لَمْ تُبْل ، وآنيته لَمْ تكسر ، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملةٍ هي أهدى من ملةِ محمدٍ أو مفتتحو باب ضلالةٍ ، قالوا: والله يا أبا عبدالرحمن ما أردنا إِلاَّ الخير قال: وكم من مريدٍ للخير لَمْ يُصِبه إِنَّ رسول الله e حدثنا أنَّ قوماً يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، وأيمُ الله لعل أكثرهم إِلاَّ منكم فقال: عمرو بن سلمة رأينا عامة أولئك يطاعنوننا يوم النهروان مَعَ الخوارج.
هذا آخر ما تيسر.
وفي الصحيح عن ابن عمر أَنَّ رسول الله e قال: "مثلكم ومثلُ أهل الكتابين كمثل رجل استأجر أجيراً فقال: من يعمل لي من غدوة إلى نصف النهار على قيراط؟ فعملَتِ اليهودُ ، ثُمَّ قال: من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاةِ العصر على قيراط؟ فعملَتِ النصارى ، ثُمَّ قال: من يعمل من صلاةِ العصر إلى أن تغيب الشمس على قيراطين؟ فأنتم هم ، فغضبت اليهود والنصارى ، وقالوا: ما لنا أكثر عملاً وأقلّ أجرا؟ قال: هل نقصتُكم من حقِّكم شيئاً؟ قالوا: لا قال: ذَلِكَ فضلي أوتِيهِ من أشاء".
وفيه أيضاً عن أبي هريرة t قال: قَالَ رَسُولُ الله e: "أضلَّ اللهُ عن الجمعة من كَانَ قبلنا ، فكان لليهود يومُ السبت ، وللنصارى يوم الأحد ، فجاءَ الله بنا فهدانا ليومِ الجمعة ، وكذلك هم تبعٌ لنا يوم القيامة ، نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة".
وفيه تعليقاً عن النبي e أَنَّهُ قال: "أحبُّ الإيمان إلى الله الحنيفية السمحة" انتهى.
وعن أُبَيِّ بنِ كعبٍ t قال: "عَلَيْكُم بالسبيل والسنَّة ، فَإِنَّهُ ليس من عبدٍ على سبيلٍ وسنّة ذكرَ الله ففاضت عيناه من خشيةِ الله فتمسَّهُ النار ، وليس من عبدٍ على سبيلِ وسنَّةِ الرحمن فاقشعَرَّ جلده من مخافةِ الله إِلاَّ كَانَ كمثل شجرةٍ يبس ورقُها إِلاَّ تحاتَّتْ عنه ذنوبه كَمَا تحاتّ عن هَذِهِ الشجرة ورقها ، وَإِنَّ اقتصاداً في سنَّةٍ خير من اجتهادٍ في خلاف سبيل وسنَّة.
وعن أبي اردرداء t قال: يا حبذا نوم الأكياس وإفطارهم ، كيف يعيبون سهر الحمقى وصومهم؟ مثقال ذرةٍ من بِرٍّ مَعَ تقوى ويقين ، أعظم وأفضل وأرجع من عبادة المغترّين.
باب: وجوب الإسلام
وقول الله تعالى: ]ومَن يبتَغِ غيرَ الإسلامِ ديناً فلن يُّقْبَلَ منه وَهُوَ في الآخرةِ من الخاسرين[ [آل عمران:85] ، وقوله تعالى: ]وَأَنَّ هذا صراطي مستقيماً فاتَّبِعوهُ ولا تتَّبِعوا السُّبُلَ فتفرَّقَ بكم عن سبيله[ [الأنعام:153] ، قال مجاهد: السُّبل: البدَع والشبهات.
وعن عائشةَ رضي الله عنها أَنَّ رسول الله e قال: "من أحدثَ في أمرِنا هذا ما ليس منه فَهُوَ ردّ" [أخرجاه] وفي لفظ "من عمل عملاً ليس عَلَيْهِ أمرُنا فَهُوَ رد".
وللبخاري عن أبي هريرة t قال: قَالَ رَسُولُ الله e: "كلُّ أمَّتي يدخلون الجنة إِلاَّ مَنْ أبى ، قيل: من أبى؟ قال: من أطاعَني دخل الجنةَ ومن عصاني فقد أبى".
وفي الصحيح عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رسول الله e قال: "أبغضُ الناسِ إلى الله ثلاثة: ملحدٌ في الحرم ، ومبتغٍ في الإسلام سنةَ الجاهلية ، ومُطلب دم امرئٍ مسلم بغير حق ليهريق دمه" [رواه البخاري] ، ويندرج فيها كُلّ جاهليةٍ مطلقةٍ أو مقيدةٍ ، أي في شخصٍ دون شخصٍ ، كتابية ، أو وثنية ، أو غيرهما من كُلّ مخالفٍ لما جاء بِهِ المرسَلون.
وفي الصحيح عن حذيفة t قال: يا معشر القراء استقيموا فقد سبقتم سبقاً بعيداً ، فإن أخذتم يميناً وشمالاً فقد ضللتم ضلالاً بعيدا.
وعن محمد بن وضَّاحٍ: كَانَ يدخل المسجد فيقف على الحلق فيقول تذكرة وقال: أنبأنا ابن عيينة ، عن مجالد عن الشعبي ، عن مسروق قال عبدالله –يعني ابن مسعود-: ليس عامٌ إِلاَّ والذي بعد أشَرُّ منه ، لا تقول عامٌ أخصبُ من عام ، ولا أميرٌ خير من أمير ، لكن ذهابُ علمائكم وخياركم ، ثُمَّ يُحدث أقوامٌ يقيسون الأمور بآرائهم فيُهدم الإسلام وينثلم.
باب: تفسير الإسلام
وقول الله تعالى: ]فإن حآجُّوكَ فقلْ أسلمتُ وجهِيَ لله ومَنِ اتَّبعنِ[ [آل عمران:20] الآية.
وفي الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما أَنَّ رسول الله e قال: "الإسلام أن تشهد أن لا إله إِلاَّ الله ، وَأَنَّ محمداً رسول الله ، وتقيمَ الصلاةَ ، وتؤتِيَ الزكاة ، وتصومَ رمضانَ ، وتحج البيت إن استطعتَ إليه سبيلا".
وفيه عن أبي هريرة t مرفوعاً: "المسلم مَن سلمَ المسلمون من لسانه ويده".
وعن بَهْز بن حكيم عن أبيه عن جده ، أَنَّهُ سأل رسول الله e عن الإسلام فقال: "أن تسلم قلبك لله ، وأن تولي وجهك إلى الله ، وأن تصلي الصلاةَ المكتوبة ، وتؤتي الزكاةَ المفروضة" رواه أحمد.
وعن أبي قلابةَ عن عمرو بن عبسةَ عن رجلٍ من أهل الشام عن أبيه أَنَّهُ سأل رسول الله e ، ما الإسلام؟ قال: "أن تُسلم قلبك لله ويسلم المسلمون من لسانك ويدك" قال: أيُّ الإسلام أفضل؟ قال: الإيمان ، قال: وما الإيمان؟ قال: "أن تؤمن بالله وملائكته وكُتبه ورسله والبعث بعد الموت".
باب قول الله تعالى]ومَن يَّبْتَغِ غيرَ الإسلامِ ديناً فلن يُّقْبَلَ منه[
وعن أبي هريرة t قال: قَالَ رَسُولُ الله e: "تجيءُ الأعمالُ يوم القيامة فتجيء الصلاة فتقول: يارب أنا الصلاةُ فيقول: إنكِ على خير ، ثُمَّ يجيءُ الصيام فيقول: إنكَ على خير ، ثُمَّ تجيءُ الأعمال على ذَلِكَ فيقول: إنكَ على خير ، ثُمَّ يجيءُ الإسلام فيقول: يارب إنك السلام وأناْ الإسلام فيقول: إنك على خير ، بك اليوم آخذ وبك أعطي ، قال الله تعالى: ]ومَن يَّبْتَغِ غيرَ الإسلامِ ديناً فلن يُّقْبَلَ منه وَهُوَ في الآخرةِ من الخاسِرين[ [آل عمران:85] رواهُ أحمد.
وفي الصحيح عن عائشةَ رضي الله عنها أَنَّ رسول الله e قال: "مَن عمل عملاً ليس عَلَيْهِ أمرُنا فَهُوَ ردّ" [رواه أحمد].
باب وجوب الاستغناء بمتابعته e عن كُلّ ما سواه
وقول الله تعالى: ]ونزَّلْنا عليك الكتابَ تِبياناً لِكُلِّ شيءٍ[ [النحل:89].
روى النسائي وغيره عن النبي e أَنَّهُ رأى في يدِ عمر بن الخطاب t ورقةً من التوراة فقال: "أمُتَهَوِّكونَ يا ابن الخطاب؟! لقد جئتكم بِهَا بيضاءَ نقية ، لو كَانَ موسى حيّاً واتَّبَعْتُموه وتركتُموني ضللتم" وفي رواية: "لو كَانَ موسى حيّاً ما وسعه إِلاَّ اتِّباعي" ، فقال عمر: رضيتُ بالله ربّاً وبالإسلامِ ديناً وبمحمدٍ نبياً.
باب ما جاء في الخروج عن دعوى الإسلام
وقوله تعالى: ]هُوَ سمَّاكُمُ المسلمينَ من قبل وفي هذا[ [الحج:78].
عن الحارث الأشعَري t عن النبي e أَنَّهُ قال: "آمركم بخمسٍ ، الله أمرني بِهنّ: السمع ، والطاعة ، والجهاد ، والهجرة ، والجماعة ، فَإِنَّهُ من فارق الجماعة قيد شبرٍ فقد خلعَ ربقةَ الإسلام من عنقه إِلاَّ أن يراجع ، ومن دعا بدعوى الجاهلية فَإِنَّهُ من جُثَى جهنم" فقال رجل: يا رسول الله وإن صلى وصام ، قال: "وإن صلَّى وصام فادعوا بدعوى الله الَّذِي سمَّاكم المسلمين والمؤمنين عباد الله" [رواه أحمد والترمذي وقال: حسنٌ صحيح].
وفي الصحيح: "من فارق الجماعة شبراً فميتته جاهلية" وفيه: "أبِدَعوى الجاهلية وأناْ بين أظهركم" قال أبو العباس: كُلّ ما يخرج عن دعوى الإسلام والقرآن من نسبٍ أو بلدٍ أو جنسٍ أو مذهبٍ أو طريقةٍ فَهُوَ من عزاء الجاهلية ، بل لَمَّا اختصم مهاجريٌّ وأنصارِيٌّ فقال المهاجِريُّ: لا للمهاجرين وقال الأنصاري: يا للأنصار قال e: "أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟" وغضب لذلك غضباً شديداً ، انتهى كلامه.
باب وجوب الدخول في الإسلام كله وترك ما سواه
وقوله تعالى: ]يآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءامنوا ادخُلوا في السِّلمِ كآفَّةً[ [البقرة:208] وقول الله تعالى: ]ألَمْ ترَ إلى الَّذِينَ يزعُمونَ أنَّهُمْ ءامَنوا بمآ أُنزلَ إليك ومآ أُنزِلَ من قبلك[ [النساء:60] الآية ، وقوله تعالى: ]يوم تبيَضُّ وجوهٌ وتسوَدُّ وجوه[ [آل عمران:106] قال ابن عباسٍ t: تبيضُّ وجوهُ أهل السنَّةِ والائتلاف ، وتسوَدُّ وجوهُ أهل البدع والاختلاف.
عن عبدالله بن عمر t قال: قَالَ رَسُولُ الله e: "ليأتينَّ على أمَّتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل ، حَتَّى إن كَانَ منهم من أتى أمَّهُ علانيةً كَانَ في أمَّتي من يصنعُ ذَلِكَ ، وَأَنَّ بني إسرائيل افترقت على اثنتين وسبعين ملة" وتمام الحديث قوله: "وتفترق هَذِهِ الأمَّةُ على ثلاثٍ وسبعين فرقة كلهم في النار إِلاَّ ملة واحدة ، قالوا: مَنْ هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عَلَيْهِ وأصحابي" يا لَها موعظة لو وافقت من القلوب حياة ، رواه الترمذي ورواه أيضاً من حديثِ معاوية عند أحمد وأبي داود وفيه: "إِنَّهُ سيخرجُ من أمَّتي قومٌ تتجارى بِهِمْ تلك الأهواء كَمَا يتجارى الكلب بصاحبه ، فلا يبقى منه عِرْقٌ ولا مِفْصل إِلاَّ دخله" وتقدم قوله: "ومبتغٍ في الإسلام سنَّةَ الجاهلية".
باب ما جاء أَنَّ البدعةِ أشد من الكبائر
لقوله عَزَّ وجَلَّ ]إِنَّ الله لا يغفرُ أن يُشرَكَ بِهِ ويغفرُ ما دونَ ذَلِكَ لمن يشاء[ [النساء:48] ، وقوله تعالى: ]ليحمِلوا أوزارهم كاملةً يومَ القيامة ومنْ أوزارِ الَّذِينَ يضِلونَهم بغير علمٍ ألا سآءَ ما يزِرون[ [النحل:25].
وفي الصحيح أَنَّهُ e قال في الخوارج: "أينما لقيتموهم فاقتلوهم".
وفيه أَنَّهُ نَهى عن قتلِ أمراء الجور ما صلُّوا.
عن جريرٍ عن عبدالله أَنَّ رجلاً تصدَّقَ بصدقةٍ ثُمَّ تتابع النَّاس فقال رسول الله e: "مَن سنَّ في الإسلامِ سنةً حسنةً فله أجرها وأجر من عمل بِهَا من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ، ومن سنَّ في الإسلام سنَّةً سيئةً كَانَ عَلَيْهِ وزرها ووزر مَن عمل بِهَا من غير أن ينقص من أوزارهم شيء" [رواه مسلم].
وله من حديث أبي هريرةَ ولفظه: "من دعا إلى هدى –ثُمَّ قال- من دعا إلى ضلا لة".
باب ما جاء أَنَّ الله احتجر التوبةَ على صاحب البدعة
هذا مروِيٌّ من حديثِ أنسٍ من مراسيل الحسن.
وذكر ابن وضاحٍ عن أيوب قال: كَانَ عندنا رجلٌ يرى رأياً فتركه فأتيت محمد بن سيرين فقلت: أشعرتَ أَنَّ فلاناً ترك رأيه؟ قال: انظر إلى ماذا إن آخر الحديث أشد عليهم من أوله: "يمرقون من الإسلام؟ ثم لا يعودون إليه" وسئل أحمد بن حنبل عن معنى ذَلِكَ فقال: لا يوفق للتوبة.
باب قول الله تعالى: ]يآ أهلَ الكتاب لِمَ تحآجُّونَ في إبراهيم[
قول الله تعالى: ]يآ أهلَ الكتاب لِمَ تحآجُّونَ في إبراهيم[ [آل عمران:67] ، وقوله: ]ومن يرغَبُ عن مِلَّةِ إبراهيمَ إِلاَّ مَنْ سفِهَ نفسه ولقدِ اصطفيناهُ في الدنيا وإنه في الآخرةِ لَمِنَ الصالحين[ [البقرة:130] ، وفيه حديثُ الخوارج وتقدم وفيه أَنَّهُ e قال: "آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء إنما أوليائي المتَّقون" وفيه أيضاً عن أنسٍ أَنَّ رسول الله e ذُكِرَ لَهُ أَنَّ بعض الصحابة قال: أمَّا أناْ فلا آكلُ اللحم ، وقال آخر: أمَّا أنا فأقوم ولا أنام ، وقال آخر: أمَّا أنا فلا أتزوجُ النساء ، وقال آخر: أمَّا أنا فأصومُ ولا أفطر ، فقال e: "لكنَّني أقوم وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء وآكل اللحم فمن رغب عن سنَّتي فليس منِّي" ، فتأمل إذا كَانَ بعض الصحابة أراد التبتُّلَ للعبادة قيل فيه هذا الكلام الغليظ وسمي فعله رغوباً عن السنّة فما ظنك بغير هذا من البدعِ وما ظنك بغير الصحابة؟.
باب قول الله تعالى: ]فأقِمْ وجهك للدِّينِ حَنيفاً[
قول الله تعالى: ]فأقِمْ وجهك للدِّينِ حَنيفاً فطرتَ الله الَّتِي فطرَ النَّاس عليها لا تبديلَ لخلقِ الله ذَلِكَ الدِّينُ القيّمُ ولكنَّ أكثرَ النَّاسِ لا يعلمون[ [الروم:30].
وقوله تعالى: ]ووصَّى بِهَا إبراهيمُ بنيهِ ويعقوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ الله اصطفَى لكمُ الدينَ فلا تَموتُنَّ إِلاَّ وأنتم مسلِمون[ [البقرة:132] ، وقوله: ]ثُمَّ أوحينا إليك أنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إبراهيمَ حنيفاً وما كَانَ من المشركين[ [النحل:123].
وعن ابن مسعودٍ t أَنَّ رَسُولَ اللهِ e قَالَ: "إِنَّ لِكُلِّ نبيٍّ ولاةٌ من النبيين وأنا وليي منهم أبي إبراهيم وخليل ربي" ثُمَّ قرأ: ]إِنَّ أولَى النَّاسِ بإبراهيمَ للَّذِينَ اتَّبَعوهُ وهذا النبيُّ والذينَ ءامَنوا واللهُ وليُّ المؤمِنين[ [آل عمران:68] [رواه الترمذي].
وعن أبي هريرة t قال: قَالَ رَسُولُ الله e: "إِنَّ الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبِكم وأعمالكم".
ولهما عن ابن مسعود t قال: قَالَ رَسُولُ الله e: "أناْ فرَطكم على الحوضِ وليرفعنَّ إليَّ رجالٌ من أمَّتي حَتَّى إذا أهويت لأناولهم احتجبوا دوني فأقول: أي ربِّ أصحابي فيقول إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك".
ولهما عن أبي هريرة t أَنَّ رَسُولَ اللهِ e قَالَ: "وددت أن قد رأينا إخواننا قالوا: أوَلسْنا إخوانكَ يا رسول الله؟ قال: "أنتم أصحابي ، وإخواني هم الَّذِينَ لَمْ يأتوا بعد" قالوا: فكيف تعرف من لَمْ يأتِ بعد من أمَّتك؟ قال: "أرأيتم لو أَنَّ رجلاً لَهُ خيلٌ غُرٌّ محجَّلةٌ بين ظهرَي خيلٍ دُهْمٍ بِهِمْ ألا يعرفُ خيله؟ قالوا: بلى قال: فإنَّهم يأتونَ غُرّاً محجَّلين من الوضوء وأنا فرطهم على الحوض ، ألا لَيذادنَّ رجالٌ يومَ القيامةِ عن حوضي كَمَا يذادُ البعير الضال أناديهم ألا هلُمَّ فيقال: إنَّهم قد بدَّلوا بعدك فأقول سحقاً سحقا".
وللبخاري: "بينما أنا قائمٌ إذا زمرة ، حَتَّى إذا عرفتهم خرج رجلٌ من بيني وبينهم فقال: هلمَّ فقلت: أين؟ قال: إلى النار والله ، قلت: وما شأنُهم؟ قال: إِنَّهُم ارتدُّوا بعدك على أدبارهم القهقري ثُمَّ إذا زمرة –فذكر مثله- قال: فلا أراه يخلص منهم إِلاَّ مثل هَمَل النعم".
ولهما من حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما: فأقول كَمَا قال العبد الصالح: ]وكنتُ عليهم شهيداً ما دمتُ فيهِمْ فلمَّا توفَّيْتَني كنتَ أنتَ الرقيبَ عليهم وأنتَ على كُلّ شيءٍ شهيد[ [المائدة:117].
ولهما عنه مرفوعاً: "ما من مولودٍ يولد إِلاَّ على الفطرة ؛ فأبَواهُ يهوِّدانِهِ أو ينصِّرانِهِ أو يمجِّسانِهِ كَمَا تنتج البهيمة بَهيمة جمعاء هل تحسُّونَ فيها من جدعاء حَتَّى تكونوا أنتم تجدعونَها" ثُمَّ قرأ أبو هريرة: ]فطرتَ الله الَّتِي فطرَ النَّاسَ عليها[ [الروم:30] متفقٌ عَلَيْهِ.
وعن حذيفةَ t قال: كَانَ النَّاس يسألونَ رسول الله e عن الخير وأنا أسأله عن الشر مخافةَ أن يدركَني فقلتُ يا رسول الله: إنَّا كنا في جاهليةٍ وشرٍّ فجاءنا الله بِهذا الخير ، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم ، فقلت: وهل بعد ذَلِكَ الشر من خير؟ قال: "نعم وفيه دخَن" ، قلت: وما دخَنه؟ قال: قومٌ يستنون بغير سنَّتي ويهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر ، قلت: فهل بعد ذَلِكَ الخير من شر؟ قال: نعم فتنةٌ عمياء ودعاةٌ على أبواب جهنَّم من أجابَهم إليها قذَفوهُ فيها ، قلتُ: يا رسول الله صِفهم لنا قال: "قومٌ من جِلدتِنا ويتكلَّمون بألسنتنا قلت: يا رسول الله ما تأمرني إن أدركتُ ذَلِكَ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم ، قلتُ: وإن لَمْ يكن جماعةٌ ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعضَّ على أصل شجرةٍ حَتَّى يأتيك الموت وأنتَ على ذَلِكَ" أخرجاه وزاد مسلم: ثُمَّ ماذا؟ قال: يخرج الدجال معه نَهرٌ ونار فمن وقع في ناره وجب أجره.
قلتُ ثُمَّ ماذا؟ قال: هي قيام الساعة" قال أبو العالية: تعلموا الإسلام فإذا تعلمتُموه فلا ترغبوا عنه ، وعليكم بالصراط المستقيم فَإِنَّهُ الإسلام ، ولا تتحركوا عن الصراط يميناً ولا شِمالاً ، وعليكم بِسنَّةِ نبيِّكُمْ وإيَّاكم وهذه الأهواء . انتهى.
تأمَّلْ كلام أبي العالية هذا ما أجله ، واعرف زمانه الذي يحذر فيه من الأهواء الَّتِي من اتبعها فقد رغب عن الإسلام ، وتفسير الإسلام بالسنَّة وخوفه على أعلم التابِعين وعلمائهم من الخروج عن السنَّة والكتاب ، يتبيَّنُ لك معنى قوله تعالى: ]إذْ قال لَهُ ربُّهُ أسلِمْ[ [البقرة:131] ، وقوله: ]ووصَّى بِهَا إبراهيمُ بنيهِ ويعقوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ الله اصطفَى لكمُ الدينَ فلا تَموتُنَّ إِلاَّ وأنتم مسلِمون[ [البقرة:132] ، وقوله: ]ومن يرغبُ عن ملِّةِ إبراهيم إِلاَّ مَنْ سفِهَ نفسه[ [البقرة:130] ، وأشباهُ هَذِهِ الأصول الكبار الَّتِي هي أصل الأصول والناس عنها في غفلةٍ ، وبمعرفته تبين معنى الأحاديث في هذا الباب وأمثالها ، وأمَّا الإنسان الَّذِي يقرأها وأشباهها وَهُوَ مطمئنٌّ أَنَّهَا لا تناله ويظنها في قومٍ كانوا فأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إِلاَّ القومُ الخاسِرون.
وعن ابن مسعودٍ t قال: خطَّ لنا رسول الله e خطّاً ثُمَّ قال: "هذا سبيلُ الله ثُمَّ خطَّ خطوطاً عن يمينه وعن شِماله ثُمَّ قال: هَذِهِ سبلٌ على كلِّ سبيلٍ منها شيطان يدعو إليه" وقرأ: ]وَأَنَّ هذا صِراطي مستَقيماً فاتَّبِعُوهُ ولا تتَّبِعوا السُّبُلَ فتَفَرَّقَ بكم عن سبيله[ [الأنعام:153] ، رواه أحمد والنسائي.
باب ما جاء في غربةِ الإسلام وفضل الغرباء
وقول الله تعالى: ]فلولا كَانَ من القرونِ من قبلكم أولوا بقيةٍ ينهَونَ عن الفسادِ في الأرضِ إِلاَّ قليلاً مِمَّنْ أنجيْنا منهمْ[ [هود:116] الآية ، وعن أبي هريرة t مرفوعاً: "بدأ الإسلام غريباً وسيعودُ غريباً كَمَا بدأ فطوبى للغرباء" رواه مسلم ورواه أحمد من حديث ابن مسعودٍ وفيه: من الغرباء؟ قال: "النُّزَّاعُ من القبائل والذين يَصلحونَ إذا فسد النَّاس".
وللترمذي من حديث كثير بن عبدالله عن أبيه عن جده "فطوبى للغرباء الَّذِينَ يُصلِحون ما أفسد النَّاسُ من سنَّتي"
وعن أبي أمية قال: سألتُ أبا ثعلبةَ كيف تقول في هَذِهِ الاية؟ ]يآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءامنوا عَلَيْكُم أنفسكم لا يضرُّكمْ من ضلَّ إذا اهتديتُمْ[ [المائدة:105] قال: أما والله لقد سألتَ عنها خبيراً ، سألتُ رسول الله e فقال: "بل ائتمِروا بالمعروف وتَناهَوا عن المنكر حَتَّى إذا رأيتم شُحّاً مطاعاً وهوىً متَّبَعاً ، ودنيا مؤثَرة ، وإعجاب كُلّ ذي رأيٍ برأيه ، فعيك بنفسك ، ودع عنك العوام ، فَإِنَّ من ورائكم أياماً الصابر فيهن مثل القابض على الجمر ، للعامل فيهن أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عملكم قلنا: منا أم منهم؟ قال: بل منكم" [رواه أبو داود والترمذي].
وروى ابن وضَّاحٍ معناه من حديث ابن عمر ولفظه: "إِنَّ من بعدكم أياماً لَلصابر فيها المتمسك بدينه مثل ما أنتم عَلَيْهِ اليوم ، لَهُ أجرُ خمسين منكم ، ثُمَّ قال: أنبأنا محمد بن سعيد ، أنبأنا أسد ، قال سفيان بن عيينة: عن البصري ، عن سعيد أخي الحسن يرفعه قال: "إنكم اليوم على بينةٍ من ربكم ، تأمرون بالمعروف وتنهونَ عن المنكر وتجاهِدونَ في سبيل الله ولم يظهر فيكم السكرتان: سكرة الجهل ، وسكرة حبِّ العيش ، وستحولون عن ذَلِكَ ، فالمتمسك يومئذٍ بالكتاب والسنِّةِ لَهُ أجرُ خمسين" قيل: منهم؟ قال: "بل منكم" وله بإسنادٍ عن المعافري قال: قال رسول الله e: "طوبى للغرباء ، الَّذِينَ يتمسكون بالكتابِ حين يُترك ، ويعملون بالسنَّةِ حين تطفأ".
باب التحذير من البدع
عن العرباض بن ساريةَ قال: وعظَنا رسول الله e موعظةً بليغةً ، قلنا: يا رسول الله كأنَّها موعظةُ مودِّعٍ فأوصِنا قال: "أوصيكم بتقوى الله عَزَّ وجَلَّ ، والسمع والطاعة ، وإن أمِّرَ عَلَيْكُم عبدٌ ، وإنه من يعِشْ منكم فسيرى اختلافاً كثيراً ، فعليكم بسنَّتي وسنة الخلفاء الراشِدين المهديين عضُّوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فَإِنَّ كُلّ بدعةٍ ضلالة" [قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ صحيح].
وعن حذيفةَ قال: كُلّ عبادةٍ لا يتعبدها أصحاب محمد فلا تعبَّدوها فَإِنَّ الأول لَمْ يدع للآخر مقالاً ، فاتَّقوا الله يا معشر القرَّاء ، وخذوا طريق مَن كَانَ قبلكم ، رواه أبو داود ، وقال الدارمي: أخبرنا الحكم بن المبارك ، أنبأنا عمرو بن يحيى ، قال: سمعتُ أبي يحدِّثُ عن أبيه قال: كنا نجلس على باب عبدالله بن مسعودٍ قبل صلاةِ الغداةِ ، فإذا خرجَ مشينا معه إلى المسجد ، فجاءَنا أبو موسى الأشعري فقال: أخَرَجَ أبو عبدالرحمن؟ قلنا: لا ، فجلس معنا ، فلما خرج قال: يا أبا عبد الرحمن إني رأيتُ في المسجد أمراً أنكرتُهُ ، ولم أرَ والحمد لله إِلاَّ خيراً ، قال: فما هُوَ؟ فقال: إن عشتُ فتَراهُ قال: رأيتُ في المسجد قوماً حِلَقاً جلوساً ينتظرون الصلاة ، في كُلّ حلَقةٍ رجلٌ وفي أيديهم حصى فيقول: كبروا مائة ، فيكبرون مائة ، فيقول: هلِّلوا مائةً ، فيهللون مائة ، فيقول: سبحوا مائةً فيسبحون مائة ، قال: فماذا قلت لَهُمْ؟ قال: قلت لَهُمْ شيئاً ، أنتظر أمرك قال: أفلا أمرتَهم أن يعدوا سيئاتِهم وضمنت لَهُمْ أن لا يضيع من حسناتِهم شيء؟ ثُمَّ مضى حَتَّى أتى حلقة ، فقال: ما هذا؟ قالوا لهك حصى نعدّ بِهِ التكبير والتهليل والتسبيح ، قال: فعدّوا سيئاتكم فأنا ضامنٌ أن لا يضيع من حسناتكم شيء ، وَيْحَكُمْ يا أمَّةَ محمد! ما أسرعَ هلكتكم! هؤلاء صحابةُ نبيكم e متوافرون ، وهذه يثابه لَمْ تُبْل ، وآنيته لَمْ تكسر ، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملةٍ هي أهدى من ملةِ محمدٍ أو مفتتحو باب ضلالةٍ ، قالوا: والله يا أبا عبدالرحمن ما أردنا إِلاَّ الخير قال: وكم من مريدٍ للخير لَمْ يُصِبه إِنَّ رسول الله e حدثنا أنَّ قوماً يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، وأيمُ الله لعل أكثرهم إِلاَّ منكم فقال: عمرو بن سلمة رأينا عامة أولئك يطاعنوننا يوم النهروان مَعَ الخوارج.
هذا آخر ما تيسر.