الرعب
04-09-2005, 00:18
الحمد لله تعالى , نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
الموضوع الذي أردتُ أن أحدثكم عنه , موضوع خطر في بالي وأنا أتأمل آية من كتاب الله تبارك وتعالى : { إنما ذلكم الشيطان يخوف أوليائه فلا تخافوهم وخافوني إن كنتم مؤمنين } . فأنت ترى في هذه الآية المحكمة أن الله سبحانه وتعالى بين أن الشيطان يخوفنا من أوليائه , وأولياؤه هم اليهود والنصارى والكفار والمنافقون و أهل الضلال ؛ ثم يقول الله سبحانه وتعالى { فلا تخافوهم } وهذا نهي يقتضي التحريم , لأن نواهي ربنا تعالى مبناها على التحريم , فما نهى عنه فهو حرام , وما أمر به فهو واجب , إلا إذا وجد قرينة تصرف النهي من التحريم إلى الكراهة , أو تصرف الأمر من الوجوب إلى الاستحباب . والقرينة في الآية تدل على أن النهي للتحريم , لأن الله سبحانه وتعالى قال : { فلا تخافوهم وخافوني } فجعل خوفه سبحانه هو المطلوب ( وخوف الله تعالى واجب ) وجعل نقيض خوفه أن يخاف الإنسان من المخلوق . فكأن قلب الإنسان إن سكنه خوف الله زال عنه خوف المخلوق , وإن خلا من خوف الله تعالى أصبح الإنسان يخاف من كل شيء : يخاف من المخلوقات , ليس فقط من الشيطان وأوليائه بل يخاف من النجوم ويخاف من الأمطار ويخاف من العواصف ويخاف من البحار . ولذلك المشركون عبدوا آلهة شتى , عبدوا الشمس والحجر والقمر والأفلاك . لماذا عبدوها ؟ لأنهم خافوها ولم يخافوا الله عز وجل . وأيضا ختم الله الآية بقوله { إن كنتم مؤمنين ) . و ( إن) هنا كما يقول العلماء شرطية . فجعل الله تعالى الخوف منه وعدم الخوف من المخلوقين ( وخاصة الشيطان وأوليائه ) جعل الله تعالى ذلك من مقتضيات الإيمان .
واليوم تفنن أعداء الإسلام في زرع الخوف في قلوب المسلمين ، فيوجد على سبيل المثال أجهزة متخصصة لنشر الرعب بيـن الناس , ويـوجد وسائل إعلام ( كتب , مجلات , أشرطة ، أشرطة فيديو ) مخصصة لزرع المخاوف في نفوس الناس ، وهذا يسمونه عندهم الردع ، الردع الذي يولد الخوف عند الإنسان كي لا يقوم بأي عمل .
يعني مثلاً , لما تذهب إلى أي مكتبة في العالم تجد كتب يسمونها ( الجاسوسية ) , مئات الكتب بل آلاف , بعضها قصص وبعضها أخبار, وبعضها تحاليل, وبعضها مقالات, وبعضها مقابلات , وبعضها ذكريات .. ثم تجد هناك أشياء أخرى ( تمثيليات وأفلام وصور حية ) .
هذه الأشياء جزء غير قليل منها أكاذيب عالمية دولية , يقصد من ورائها زرع الخوف عند الناس ، لأنهم يقولون من النجاح أن تمنع الإنسان من فعل الشيء قبل أن يفعله . بمعنى انهم يعتمدون على مبدأ نشر مثل هذه المخاوف عند الناس.
حتى إنك تجد كثيرا من الناس في أنحاء العالم ( العالم كله , والعالم الإسلامي أيضا جزء منه ) , تجد الواحد منهم تتراقص الأشباح بين عينيه ( لا تنطقوا إن الجدار له أذن .!! ) .
يتخيل البعض ( مثلاً ) أن في بيته جهاز تصنت , وان إحساسه محسوب وأن كلماته معدودة وأنه مراقب في يقظته ومنامه .
وأنا أقول : نعم هذا كله صحيح , ولكن ممن هذه المراقبة ؟؟ من الله { ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد }, { إن كل نفس لما عليها حافظ }, { وإن عليكم لحافظين * كراماً كاتبين * يعلمون ما تفعلون } .. فهؤلاء ملائكة , زودهم الله سبحانه وتعالى بإمكانية أن يراقبوا الإنسان في كل شيء , وعلى كل حال , وأن يكتبوا ذلك .
والغريب أن تجد من الناس من لا يقيم وزنا للملائكة الكرام الكاتبين , ولا يقيم وزناً للرقيب العتيد الحاضر الموجود , ولا يقيم وزنا للصحائف التي يدونها الملكان , ويغفل عن ذلك كله , لكنه يقيم ألف وزن للمخلوقين .. والمخلوقين لا يعرفون ماذا في القلب ولا يعرفون ماذا في الصدر .
وكثير من الأشياء التي يعرفها عامة الناس قد لا يعرفها من يريد ويتقصد أن يعرفها .. والإنسان مركب من الضعف والنقص والغفلة , ولذلك أنت أحيانا تخدم عدوك من حيث لا تدري , حينما تعطيه هذه المكانة وتغرس في قلبك هذا الخوف له .. هذا الخوف يا أيها الاخوة : أثقل كواهل المسلمين .
( رأيت في بلاد إسلامية بعيدة وقريبة ) ، الواحد منهم لا يستطيع أن يصنع شيئا لدينه قط .. لماذا ؟!.
لأنه مثقل بالأوهام والمخاوف .
سبحان الله ... يا ليت خوفك من ربنا جل وتعالى , أو مراقبتك للملائكة عن يمينك وشمالك يكون كذلك .. إذا لأقلعت عن الذنوب والمعاصي وفارقتها سراً وعلانية .. أما هذا الخوف من المخلوقين , فيخشى أن يكون قدحاً في التوحيد , لأنه أقعدك عن العمل الصالح , وأقعدك عن الطاعات , وسيّرك إلى أن تتشبه بغير المسلمين وبالفاسقين , وتتخلى عن سيما الإيمان وتتخلى عن العلم وتتخلى عن العمل في أوساط الناس ، الخوف هو الذي قصم ظهرك وأذل عنقك .
من ماذا تخاف ؟!.
أين سكينة المؤمنين ؟!.
الرسول عليه الصلاة والسلام كتم أمر الهجرة ( كما تعرفون ) ، وخرج ثاني اثنين إذ هما في الغار شريدا طريدا في مكة .
يا طريدا ملأ الدنيا اسمه وغدا لحنا على كل الشفاه
وغدت سيرته أنشودة يتـلقـاها رواةً عن رواه
نعم أخرجوه من مكة صلى الله عليه وآله وسلم كما قال الله تعالى : { إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار } . يريدون رأسه صلى الله عليه وسلم, ويجعلون مئة من الإبل لمن أتى به حيا أو ميتا , بل أكثر من ذلك , فيقول لصاحبه : { لا تحزن إن الله معنا } .
انظر لقوة القلب وشدة الخوف من الله , وانعدام الخوف من المخلوقين { لا تحزن إن الله معنا } .
ألا تلاحظون أيها الأحبة : أن الرسول عليه السلام لم يقل لأبي بكر { لا تخف إن الله معنا } , بل قال : { لا تحزن إن الله معنا } .
حتى أبو بكر لم يكن خائفا على نفسه , كان حزينا على ما آل إليه أمر هؤلاء القوم , وعلى دعوة الله عز وجل , وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولهذا عزاه النبي عليه الصلاة والسلام بقوله : { لا تحزن إن الله معنا } .
فنحن منصورون لأننا نستمد قوتنا من الله القوي الحي القادر , أما هؤلاء فمشركون وثنيون مبتورون , ليس لهم تاريخ ولا مجد ولا حاضر ولا مستقبل , كما قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : { إنا أعطيناك الكوثر * فصل لربك وانحر* إن شانئك هو الأبتر } . مبغضك , معاديك , محارب دينك , ودعوتك هو الأبتر الذي ليس له عَقِبٌ ولا تاريخ . . ولهذا تجد اسم الرسول صلى الله عليه وسلم على كل لسان .
وضم الإله اسم النبي إلى اسمه إذ قال المؤذن في الخمس أشهد
وشق له من اسمـه كي يجلـه فذو الـعرش محمود وهذا محمد
لست أقول المسلمون يعرفونه , بل حتى الكفار واليهود والنصارى وأمم الأرض كلها لا تجهل من هو محمد صلى الله عليه وسلم .. يعرفه أعداؤه وأصدقاؤه على السواء , وأشد الناس عداوة لن يستطيعوا أن ينالوا منه شيئا , ولا أن يقولوا فيه شيئاً عليه الصلاة والسلام إلا أن يكون إفكا وزورا وبهتانا .
لكن شانئه ومبغضه ( أبو لهب , أبو جهل ) لا أحد يعرف اسمه الذي سماه به أبوه, أو سمته به أمه , فنسخ الله تعالى ذكراهم وأبطل أمرهم , فما عاد يعرفهم ولا يفرح بقرابتهم أحد , فأحفادهم لا يمكن أن يفتخر واحد منهم بأنه ابن فلان أو عم فلان أو خال فلان ... لِـمَ ؟! .
هذا لأن { إن شانئك هو الأبتر } .
إذا هذه هي السكينة التي أنزلها الله تعالى على رسوله وعلى المؤمنين . أنزل السكينة عليه يوم الهجرة , وأنزل السكينة عليه يوم حنين , كما هو معروف من القصة والسورة . فأنزل الله تعالى السكينة على المؤمنين .. السكينة التي تجعلهم وهم يرون الموت الأحمر أمام عيونهم ويبصرون الرؤوس تتساقط وتنحدر في الأرض , وهذا الموقف لا يزعجهم ولا يخيفهم ، في قلوبهم قوة الإيمان وشدة التوكل على الله العظيم و الثقة بالله سبحانه وتعالى .
تلك المرأة ( مثلاً ) التي في قصة الأخدود - وحديثه في صحيح مسلم - لما أقبلت ومعها صبيها لتلقي بنفسها وصبيها في النار , وهي ترى اللحم يحترق ويشوى بالنار , وتشم رائحة الشواء النفاذة في أنفها , وترى هذا اللحم الطري الغض كيف يتحول إلى فحم أسود محترق , ثم تقدم على ذلك , أقدمت بقوة إيمانها , أقبلت في السكينة التي جعلها الله تعالى في قلبها .. وهذا هو نفسه ما يواجهه الشهيد , وهو يقتل في سبيل الله . وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم , أن الشهيد لا يجد من ألم القتل إلا كما يجد أحدكم من ألم القرصة ( على أسوأ الأحوال قرصة عقرب ) .
فانظر أن الله تعالى طلب منك الخطوة الأولى , ووعدك بأن يكون هناك توفيق وتأييد منه , وأن تكون طمأنينته وسكينته سبحانه هي الثمن الذي ينـزل في قلبك , وهذا موجود عند جميع المصلحين والمؤمنين عبر التاريخ .
أتذكر في هذه المناسبة كيف أن ابن القيم رحمه الله يصف شيخه الإمام ابن تيمية فيقول : " إنه كان رابط الجأش , نأتيه وقد اشتدت منا المخاوف واهتزت القلوب , فما إن نراه حتى يزول الخوف عن قلوبنا وسري عنا , فإذا تكلم بنى بنيان الإيمان واليقين والتوكل في قلوبنا " .
سبحان الله . رأينا كيف أن هناك أمورا بسيطة ويسيرة وتافهة تكبر عند بعض ضعاف القلوب حتى تصبح كالجبل العظيم , وكيف أن هناك أمورا كبيرة وعظيمة في نظر جماهير الناس تصغر عند أهل الإيمان واليقين حتى تصبح لا شيء !! .
وكما قيل :
على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتى على قدر الكرام المكارم
وتكبر في عين الصغير صغارها وتسهل في عين العظيم العظائم
الإنسان العظيم تصغر في عينه الأمور الكبيرة , لأنه يتجاوزها .
فالمؤمن ( مثلاً ) الذي آثر سلوك درب الشهادة في سبيل الله , ماذا يشكل بالنسبة له كون أحد آذاه أو سبه أو سخر منه , وهدده أو توعده أو ضربه , أو ضيق عليه , أو أخر رتبته أو أبعده أو أقصاه ... إذا كان فعلا يريد الشهادة في سبيل الله , فما دون ذلك عنده كلها أمور سهلة يسيرة , ويتجاوزها .
المسلمون اليوم على وجه الخصوص قتلتهم الأوهام ودقت عظامهم ، فليس عند المسلم قوة الشخصية , قوة الإيمان , قوة الثقة بالله , ثم قوة الثقة بنفسه , التأكد من سلامة خطواته , الاطمئنان إلى أنه منصور , الثقة بوعد الله عز وجل .
أرأيتم لو أن إنسانا يخاف من المرض , أليس هذا مرض بحد ذاته !؟.
بلى هو مرض , ربما ليس له دواء إلا دواء الإيمان بالله والتوكل عليه , لأنه ليس مرض عضوي يمكن أن يعالج , ووإنما هو مرض نفسي عبارة عن أوهام .
ولذلك يزعمون في الأساطير ( وهذه أسطورة ولكن معناها حقيقي ) أن رجلا أبصر المرض " الوباء " وهو ذاهب إلى مدينة . فقال له : إلى أين أنت ذاهب ؟ قال : ذاهب إلى مدينة كذا وكذا لأقتل منها خمسة آلاف نفس .. ثم بعد ذلك جاءت الأخبار إلى هذا الرجل , أنه مات في القرية خمسون ألفا ! . وأبصر الوباء وهو راجع .. قال : من أين أقبلت ؟. قال : من مدينة كذا , وقد قتلت منها خمسة آلاف . قال : بل قتلت خمسون ألفا !. قال : لا قتلت خمسة آلاف , أما الباقون فقد قتلهم الوهم !!!!
فالوهم قاتل .
ولئن يصبح الإنسان محط نظر أو إيذاء أو مضايقة بأي لون من الألوان , ويعمل ويجاهد ويتعلم ويعلم ويفتي ويتبرع وينفق ويجاهد ويتعاون مع الناس على البر والتقوى , خير ولا شك من أن يسلم من ذلك كله وهو لا يعمل شيئا .
اليهود أدركوا هذه الثغرة المهمة في نفوس المسلمين .. فأنتم تلاحظون الآن أن هناك تضخيماً تاريخياً لدور اليهود .
كتاب بروتوكولات حكماء صهيون كلكم ربما قرأ الكتاب أو سمع به , وكثيراً ما نستشهد بهذا الكتاب ولكن ، في النفس شك من هذا الكتاب , أنه قد يكون مزوراً , أو على أقل تقدير قد تكون دخلته يد التحريف , وأضافت إليه أشياء كثيرة جدا !.
هناك مئات بل آلاف الكتب التي تتكلم عن اليهود , وأنهم أخطبوط وقوة سرية وقوة خفية في كل مكان في العالم : فالاقتصاد كله بيد اليهود والسياسة كلها بيد اليهود والإعلام كله بيد اليهود والطب كله بيد اليهود وأمريكا وراءها اليهود وروسيا وراءها اليهود !! هذا توهيم , هذا ليس بصحيح .
نعم .. , اليهود لهم قوة اليوم ... وإن كان الأصل فيهم الضعف كما ذكر تعالى : { ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس } فهم أذلاء ولكنهم الآن يملكون قوة في الاقتصاد ولا شك , ويملكون قوة في الإعلام ولا شك , ويملكون خبرة , ويملكون علماء في فنون شتى , ولكنهم يظلون مع ذلك ضعفاء جبناء متفرقين { لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى } نعم أفلحوا في ستر التناقضات الموجودة , ولكن بمجرد أن تواجه دولتهم أو حركتهم وضعا صعبا سوف يظهر الانحطاط والاختلاف الموجود فيهم وفي تجمعاتهم .
والآن تلاحظون من يسمونهم بالليلييـن في دولة الكيان الصهيوني , ومواقفهم من حزب العمل , والتناقضات الموجودة التي من الممكن أن تؤدي إلى انحطاط خطير يهدد هذه الدولة الوسخة بأرض المسلمين .
اليهود مستفيدون من تخويفنا بأنهم يسيطرون على كل شيء , وأنهم يعرفون كم عدد المعز الموجودة في بيوتنا ( كما تروج بعض المجلات ) !! . ويعرفون كم عدد الأبواب التي تشتمل عليها بيوتنا , ويعرفون كم عدد الأولاد , ويعرفون تفاصيل أحوالنا الخاصة , ويعرفون كم عدد الأشجار الموجودة !! .
هذه مبالغات وأوهام ترويجها أحيانا قد يكون بدافع طيب . بعض الناس يقصد من خلال هذا الترويج التحذير , حتى يكون الإنسان على علم ( ماذا يقول , ماذا يفعل , كيف يدخل , كيف يخرج ) هذه نية طيبة , ولكن كم من مريد للخير لم يبلغه !!.
لماذا نريد أن نعقد الناس , ونحولهم إلى أشباح ؟!!.
الواحد لا يتحرك ولا يخطو خطوة إلا بعد أن يلتفت عدة مرات إلى اليمين وعدة مرات إلى الشمال !! ويـختمه وهو خائف وجل !! لماذا ؟! .
بعض الناس أيضا قد ينشر مثل هذه المبالغات والآراء الضعيفة بهدف آخر .. وهو يقول : من أجل تعريف أهل الإسلام كيف أن اليهود عملوا وخططوا وكتبوا ورصدوا , ونحن واقفون !!
أيضا هذا مقصد طيب , ولكن ينبغي أن لا يغرينا هذا المقصد بترويج مثل هذه الأشياء التي تحطم معنويات الشباب وتسئ إلى اعتدال التربية عندهم , وتجعلهم بدلا من أن يكونوا رجال شجعان مغاوير أشاوس أشداء أقوياء , نجعل الواحد منهم يخاف من ظله , يخاف من كل شيء , يترقب كل شيء , كل شيء عنده مصدر خطر , وفي داخله مؤامرة وفيه جهاز تصنت , وهناك شخص يراقبه , ويعد أنفاسه ويحصي حركاته !!.
سبحان الله ، هذا ما وُجِدَ في التاريخ كله !!
فرعون ( مثلا ) رأس الطغيان والكفر كان يقول : { إن هؤلاء لشرذمة قليلون * وإنهم لنا لغائضون * وإنا لجميع حاذرون } .. نعم , كان يقول ذلك لكن مع هذا كله , الله سبحانه وتعالى أبطل كيده وجعل هؤلاء المستضعفين من بني إسرائيل أئمة وجعلهم الوارثين , ومكن لهم في الأرض , وأرى فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون .
بل إن من عظيم مكر الله سبحانه وتعالى بهذا الطاغية , أن الرجل الذي قاد الحركة ضد فرعون وطغيانه ( موسى عليه السلام ) تربى في حجر فرعون وفي قصره , نكاية بهذا الطاغية , وليعلم الناس كلهم أن الأمر مدبر في السماء .. لا في البيت الأبيض ولا في الكونغرس ولا هنا ولا هنا , وإنما التدبيـر الحقيقي في السماء { وفي السماء رزقكم وما توعدون } . أما البشر فليسوا إلا أدوات ضعيفة , يجري الله تبارك وتعالى على أيديهم ما يشاء .
فمتى نتحرر من الأوهام والمخاوف والقلق , ومتى نتحرر بحرية وثقة بالله سبحانه وتعالى , وبطمأنينته , لنقوم بواجبنا في الدعوة إلى الله تعالى ونفهم الأمور فهما صحيحاً .. وكم من فرصة للدعوة والخير والعمل والإصلاح ضيعتها علينا المخاوف والترقيات والضغوط , وأخشى وأخاف وأتوقع , والتباكي .
بعضنا أحيانا يظن أن ( فلانا ) يكيد له , ولهذا عليه أن يفوت الفرصة على فلان , كما أن فلانا عنده عقل , أنت عندك عقل , ولم يجعل الله تعالى العقول مقصورة على العلمانيين ولا على المنافقين ولا على اليهود ولا على النصارى , بل أهل الإسلام هم أذكى الناس عقولاً , وأوسع الناس فهماً وأعظم الناس إدراكا , وعقولهم مزكاة بنور الوحي , بنور الإيمان , والله تعالى يسددهم ويوفقهم .. فلماذا يظنون دائماً أنهم محل الخداع , أنهم يخدعون , أنهم يضحك عليهم , أنهم يلعب عليهم , وأنهم , وأنهم .... الخ .
تحرك بوضوح وبحرية وبإيمان وبثقة واعمل , أنت لا تمارس شيئاً خطأً أو تمارس شيئاً حراما .
ألم ترَ الآن ( رجال المخدرات ) الذين يقومون بعمل ضد الشريعة وضد القانون وضد مصالح المجتمعات وضد الحياة الأسرية وضد الفطرة وضد كل شيء , ومع ذلك شبكاتهم تقوم بعمليات عظيمة , ويكاد يصل الذين يلاحقونهم ويحاربونهم إلى يأس أنه لا يمكن القضاء عليهم , ووضعت أقصى العقوبات إلى حد القتل , ومع ذلك هم في ازدياد وتكاثر ويسجن الواحد منهم ثم يسجن ويعاقب , ومع ذلك يبقى مصرا على عمله ..
هذا يذكرنا بقصة الرجل الذي وجده الإمام أحمد قد سبقه إلى السجن , فالسجناء كلما فتح باب السجن تجمعوا وتجمهروا ينظرون من الضيف الجديد ويصفقون ويضحكون ويصفرون .. ذات مرة فتح الباب وبدلا من أن يدخل رجل شارب خمر أو تاجر أو لص , دخل رجل وقور عليه نور الإيمان ويظهر عليه البشر واليقين والتوكل .. فيتساءل السجناء : من هذا ؟!.
إنه إمام أهل السنة أحمد بن حنبل !
حتى فساقهم قالوا : والله له علينا حق .
يأتيه واحد يهمس في أذنه يقول : يا أحمد , أنا سجنت من أجل عشرة دراهم عشر مرات , أسرق فأسجن ثم أخرج وأعود مرة أخرى . أنت ما عليك أنك تجلد , ولن تشعر إلا بألم السوط الأول والثاني ثم لا تشعر بشيء بعد ذلك !!.
نعرف من أهل المبادئ الضالة من أهل الإلحاد والشيوعية ومن أهل العلمانية ومن أهل الكفر ومن أهل البعثية ومن أهل الناصرية من قتل ومنهم من سجن وطال سجنه ومنهم من أوذي ومنهم من حجب وطرد ومنهم من فقد كل إمكانياته وصلاحياته وأمواله وحقوقه , ومنهم , ومنهم . فهل يريد أهل الإسلام الذين قدوتهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أن يقوموا بالدعوة وأن يجاهدوا في سبيل الله وأن يتعلموا وأن يعلموا ثم لا يريد الواحد منهم أن يسمع كلمة شتم تقال له , أو تأخير رتبته , أو مضايقة له !!
ولا بد دون الشهد من إبر النحل !!..
من أراد طريق الجنة فعليه أن يعد لذلك الدرب عدته , وأبشر .. فالأمر هين .
القضية ليس فيها صعوبات ولا مخاوف , قد تلقى من الناس ما تلقى ، فلا تكن هيناً رخوا , يصدك ويثنيك كل شيء , أنت تريد الجنة , وطريقها كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم : ( حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات ) .
قد يأتيك من أخيك ومن زوجتك بعض نقد بعض اعتراض خوفاً عليك , أو طمعا في قربتك , أو حيادا , أو سوء فهم .
أيها الأحبة يجب علينا أن نتدرع بالسكينة الربانية في مواجهة مثل هذا الابتلاء , الذي هو بسيط لكنه على قدرنا .. على قدرنا لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال : ( يفتن الرجل على قدر إيمانه ) .
فلأن إيماننا ضعيف نبتلى بأشياء يسيرة جدا من هذا القبيل , فعلينا أن نتدرع بالإيمان في مواجهة ذلك ونعرف أنه كلما زاد إيمان العبد قد يلقى في سبيل ذلك ابتلاء وفتنة . وعليه أن يدرك أنه يجد لذة في هذا الابتلاء وسرورا وسعادة وطمأنينة لا يجدها غيره .
وأنا أتذكر أيها الاخوة قبل عشرين سنة أو أكثر من ذلك يوم كنا طلابا في المدارس المتوسطة والثانوية , كان يأتينا إخوان من مصر - بالذات - ومن بعض البلاد , وكان هناك أذى لأهل الإسلام، وخاصة الإخوان المسلمين في ذلك الوقت واجهوا أذى وسجنوا وقتل من قتل , فكان الواحد منهم يفتخر أنه سجن !!
مع أن بعض الذين وفدوا قد لا يكونوا لقوا أذى ولا يكونوا من الذين تعرضوا لهذا , فتجد أن بعضهم يتشبع بما لم يعطَ , فإذا أراد أن ينال المنـزلة عند الناس , سواء طلاب في الفصول أو حتى أحيانا في مقابلة صحفية في جريدة أو في إذاعة , قال : أنا سجنت أربع سنوات أو خمس سنوات , حتى ولو كان كذاباً , لأنه يرى أن هذا مدح , وأن هذه محمدة يريد أن ينال بها عند الناس مكانة .
كثير من الذين لاقوا ذلك لا يتحدثون عنه , وكثير يؤثرون أن لا يتكلموا لأنهم يرون أنه شيء بذلوه في سبيل الله ولا يريدون أن يفسدوا شيئا من نياتهم في الكلام عنه ، فالمقصود أن الناس لا يرون في ذلك من بأس بل يرونه محمدة يتشبعون بها .
فإذا لم يكن للواحد منهم تاريخ من هذا القبيل صنع تاريخا واختلقه !!.
أسأل الله تعالى أن ينصر الإسلام وأهله , وأن يذل الشرك وأهله , وأن يجعلني وإياكم من أنصار دينه إنه على كل شيء قدير ..
واسف على الاطالة،،،،،،،،،،،
دمتم،،،،،،،،،،
الرعــــــــــــب،،،،،،،،،،،،،،
الموضوع الذي أردتُ أن أحدثكم عنه , موضوع خطر في بالي وأنا أتأمل آية من كتاب الله تبارك وتعالى : { إنما ذلكم الشيطان يخوف أوليائه فلا تخافوهم وخافوني إن كنتم مؤمنين } . فأنت ترى في هذه الآية المحكمة أن الله سبحانه وتعالى بين أن الشيطان يخوفنا من أوليائه , وأولياؤه هم اليهود والنصارى والكفار والمنافقون و أهل الضلال ؛ ثم يقول الله سبحانه وتعالى { فلا تخافوهم } وهذا نهي يقتضي التحريم , لأن نواهي ربنا تعالى مبناها على التحريم , فما نهى عنه فهو حرام , وما أمر به فهو واجب , إلا إذا وجد قرينة تصرف النهي من التحريم إلى الكراهة , أو تصرف الأمر من الوجوب إلى الاستحباب . والقرينة في الآية تدل على أن النهي للتحريم , لأن الله سبحانه وتعالى قال : { فلا تخافوهم وخافوني } فجعل خوفه سبحانه هو المطلوب ( وخوف الله تعالى واجب ) وجعل نقيض خوفه أن يخاف الإنسان من المخلوق . فكأن قلب الإنسان إن سكنه خوف الله زال عنه خوف المخلوق , وإن خلا من خوف الله تعالى أصبح الإنسان يخاف من كل شيء : يخاف من المخلوقات , ليس فقط من الشيطان وأوليائه بل يخاف من النجوم ويخاف من الأمطار ويخاف من العواصف ويخاف من البحار . ولذلك المشركون عبدوا آلهة شتى , عبدوا الشمس والحجر والقمر والأفلاك . لماذا عبدوها ؟ لأنهم خافوها ولم يخافوا الله عز وجل . وأيضا ختم الله الآية بقوله { إن كنتم مؤمنين ) . و ( إن) هنا كما يقول العلماء شرطية . فجعل الله تعالى الخوف منه وعدم الخوف من المخلوقين ( وخاصة الشيطان وأوليائه ) جعل الله تعالى ذلك من مقتضيات الإيمان .
واليوم تفنن أعداء الإسلام في زرع الخوف في قلوب المسلمين ، فيوجد على سبيل المثال أجهزة متخصصة لنشر الرعب بيـن الناس , ويـوجد وسائل إعلام ( كتب , مجلات , أشرطة ، أشرطة فيديو ) مخصصة لزرع المخاوف في نفوس الناس ، وهذا يسمونه عندهم الردع ، الردع الذي يولد الخوف عند الإنسان كي لا يقوم بأي عمل .
يعني مثلاً , لما تذهب إلى أي مكتبة في العالم تجد كتب يسمونها ( الجاسوسية ) , مئات الكتب بل آلاف , بعضها قصص وبعضها أخبار, وبعضها تحاليل, وبعضها مقالات, وبعضها مقابلات , وبعضها ذكريات .. ثم تجد هناك أشياء أخرى ( تمثيليات وأفلام وصور حية ) .
هذه الأشياء جزء غير قليل منها أكاذيب عالمية دولية , يقصد من ورائها زرع الخوف عند الناس ، لأنهم يقولون من النجاح أن تمنع الإنسان من فعل الشيء قبل أن يفعله . بمعنى انهم يعتمدون على مبدأ نشر مثل هذه المخاوف عند الناس.
حتى إنك تجد كثيرا من الناس في أنحاء العالم ( العالم كله , والعالم الإسلامي أيضا جزء منه ) , تجد الواحد منهم تتراقص الأشباح بين عينيه ( لا تنطقوا إن الجدار له أذن .!! ) .
يتخيل البعض ( مثلاً ) أن في بيته جهاز تصنت , وان إحساسه محسوب وأن كلماته معدودة وأنه مراقب في يقظته ومنامه .
وأنا أقول : نعم هذا كله صحيح , ولكن ممن هذه المراقبة ؟؟ من الله { ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد }, { إن كل نفس لما عليها حافظ }, { وإن عليكم لحافظين * كراماً كاتبين * يعلمون ما تفعلون } .. فهؤلاء ملائكة , زودهم الله سبحانه وتعالى بإمكانية أن يراقبوا الإنسان في كل شيء , وعلى كل حال , وأن يكتبوا ذلك .
والغريب أن تجد من الناس من لا يقيم وزنا للملائكة الكرام الكاتبين , ولا يقيم وزناً للرقيب العتيد الحاضر الموجود , ولا يقيم وزنا للصحائف التي يدونها الملكان , ويغفل عن ذلك كله , لكنه يقيم ألف وزن للمخلوقين .. والمخلوقين لا يعرفون ماذا في القلب ولا يعرفون ماذا في الصدر .
وكثير من الأشياء التي يعرفها عامة الناس قد لا يعرفها من يريد ويتقصد أن يعرفها .. والإنسان مركب من الضعف والنقص والغفلة , ولذلك أنت أحيانا تخدم عدوك من حيث لا تدري , حينما تعطيه هذه المكانة وتغرس في قلبك هذا الخوف له .. هذا الخوف يا أيها الاخوة : أثقل كواهل المسلمين .
( رأيت في بلاد إسلامية بعيدة وقريبة ) ، الواحد منهم لا يستطيع أن يصنع شيئا لدينه قط .. لماذا ؟!.
لأنه مثقل بالأوهام والمخاوف .
سبحان الله ... يا ليت خوفك من ربنا جل وتعالى , أو مراقبتك للملائكة عن يمينك وشمالك يكون كذلك .. إذا لأقلعت عن الذنوب والمعاصي وفارقتها سراً وعلانية .. أما هذا الخوف من المخلوقين , فيخشى أن يكون قدحاً في التوحيد , لأنه أقعدك عن العمل الصالح , وأقعدك عن الطاعات , وسيّرك إلى أن تتشبه بغير المسلمين وبالفاسقين , وتتخلى عن سيما الإيمان وتتخلى عن العلم وتتخلى عن العمل في أوساط الناس ، الخوف هو الذي قصم ظهرك وأذل عنقك .
من ماذا تخاف ؟!.
أين سكينة المؤمنين ؟!.
الرسول عليه الصلاة والسلام كتم أمر الهجرة ( كما تعرفون ) ، وخرج ثاني اثنين إذ هما في الغار شريدا طريدا في مكة .
يا طريدا ملأ الدنيا اسمه وغدا لحنا على كل الشفاه
وغدت سيرته أنشودة يتـلقـاها رواةً عن رواه
نعم أخرجوه من مكة صلى الله عليه وآله وسلم كما قال الله تعالى : { إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار } . يريدون رأسه صلى الله عليه وسلم, ويجعلون مئة من الإبل لمن أتى به حيا أو ميتا , بل أكثر من ذلك , فيقول لصاحبه : { لا تحزن إن الله معنا } .
انظر لقوة القلب وشدة الخوف من الله , وانعدام الخوف من المخلوقين { لا تحزن إن الله معنا } .
ألا تلاحظون أيها الأحبة : أن الرسول عليه السلام لم يقل لأبي بكر { لا تخف إن الله معنا } , بل قال : { لا تحزن إن الله معنا } .
حتى أبو بكر لم يكن خائفا على نفسه , كان حزينا على ما آل إليه أمر هؤلاء القوم , وعلى دعوة الله عز وجل , وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولهذا عزاه النبي عليه الصلاة والسلام بقوله : { لا تحزن إن الله معنا } .
فنحن منصورون لأننا نستمد قوتنا من الله القوي الحي القادر , أما هؤلاء فمشركون وثنيون مبتورون , ليس لهم تاريخ ولا مجد ولا حاضر ولا مستقبل , كما قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : { إنا أعطيناك الكوثر * فصل لربك وانحر* إن شانئك هو الأبتر } . مبغضك , معاديك , محارب دينك , ودعوتك هو الأبتر الذي ليس له عَقِبٌ ولا تاريخ . . ولهذا تجد اسم الرسول صلى الله عليه وسلم على كل لسان .
وضم الإله اسم النبي إلى اسمه إذ قال المؤذن في الخمس أشهد
وشق له من اسمـه كي يجلـه فذو الـعرش محمود وهذا محمد
لست أقول المسلمون يعرفونه , بل حتى الكفار واليهود والنصارى وأمم الأرض كلها لا تجهل من هو محمد صلى الله عليه وسلم .. يعرفه أعداؤه وأصدقاؤه على السواء , وأشد الناس عداوة لن يستطيعوا أن ينالوا منه شيئا , ولا أن يقولوا فيه شيئاً عليه الصلاة والسلام إلا أن يكون إفكا وزورا وبهتانا .
لكن شانئه ومبغضه ( أبو لهب , أبو جهل ) لا أحد يعرف اسمه الذي سماه به أبوه, أو سمته به أمه , فنسخ الله تعالى ذكراهم وأبطل أمرهم , فما عاد يعرفهم ولا يفرح بقرابتهم أحد , فأحفادهم لا يمكن أن يفتخر واحد منهم بأنه ابن فلان أو عم فلان أو خال فلان ... لِـمَ ؟! .
هذا لأن { إن شانئك هو الأبتر } .
إذا هذه هي السكينة التي أنزلها الله تعالى على رسوله وعلى المؤمنين . أنزل السكينة عليه يوم الهجرة , وأنزل السكينة عليه يوم حنين , كما هو معروف من القصة والسورة . فأنزل الله تعالى السكينة على المؤمنين .. السكينة التي تجعلهم وهم يرون الموت الأحمر أمام عيونهم ويبصرون الرؤوس تتساقط وتنحدر في الأرض , وهذا الموقف لا يزعجهم ولا يخيفهم ، في قلوبهم قوة الإيمان وشدة التوكل على الله العظيم و الثقة بالله سبحانه وتعالى .
تلك المرأة ( مثلاً ) التي في قصة الأخدود - وحديثه في صحيح مسلم - لما أقبلت ومعها صبيها لتلقي بنفسها وصبيها في النار , وهي ترى اللحم يحترق ويشوى بالنار , وتشم رائحة الشواء النفاذة في أنفها , وترى هذا اللحم الطري الغض كيف يتحول إلى فحم أسود محترق , ثم تقدم على ذلك , أقدمت بقوة إيمانها , أقبلت في السكينة التي جعلها الله تعالى في قلبها .. وهذا هو نفسه ما يواجهه الشهيد , وهو يقتل في سبيل الله . وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم , أن الشهيد لا يجد من ألم القتل إلا كما يجد أحدكم من ألم القرصة ( على أسوأ الأحوال قرصة عقرب ) .
فانظر أن الله تعالى طلب منك الخطوة الأولى , ووعدك بأن يكون هناك توفيق وتأييد منه , وأن تكون طمأنينته وسكينته سبحانه هي الثمن الذي ينـزل في قلبك , وهذا موجود عند جميع المصلحين والمؤمنين عبر التاريخ .
أتذكر في هذه المناسبة كيف أن ابن القيم رحمه الله يصف شيخه الإمام ابن تيمية فيقول : " إنه كان رابط الجأش , نأتيه وقد اشتدت منا المخاوف واهتزت القلوب , فما إن نراه حتى يزول الخوف عن قلوبنا وسري عنا , فإذا تكلم بنى بنيان الإيمان واليقين والتوكل في قلوبنا " .
سبحان الله . رأينا كيف أن هناك أمورا بسيطة ويسيرة وتافهة تكبر عند بعض ضعاف القلوب حتى تصبح كالجبل العظيم , وكيف أن هناك أمورا كبيرة وعظيمة في نظر جماهير الناس تصغر عند أهل الإيمان واليقين حتى تصبح لا شيء !! .
وكما قيل :
على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتى على قدر الكرام المكارم
وتكبر في عين الصغير صغارها وتسهل في عين العظيم العظائم
الإنسان العظيم تصغر في عينه الأمور الكبيرة , لأنه يتجاوزها .
فالمؤمن ( مثلاً ) الذي آثر سلوك درب الشهادة في سبيل الله , ماذا يشكل بالنسبة له كون أحد آذاه أو سبه أو سخر منه , وهدده أو توعده أو ضربه , أو ضيق عليه , أو أخر رتبته أو أبعده أو أقصاه ... إذا كان فعلا يريد الشهادة في سبيل الله , فما دون ذلك عنده كلها أمور سهلة يسيرة , ويتجاوزها .
المسلمون اليوم على وجه الخصوص قتلتهم الأوهام ودقت عظامهم ، فليس عند المسلم قوة الشخصية , قوة الإيمان , قوة الثقة بالله , ثم قوة الثقة بنفسه , التأكد من سلامة خطواته , الاطمئنان إلى أنه منصور , الثقة بوعد الله عز وجل .
أرأيتم لو أن إنسانا يخاف من المرض , أليس هذا مرض بحد ذاته !؟.
بلى هو مرض , ربما ليس له دواء إلا دواء الإيمان بالله والتوكل عليه , لأنه ليس مرض عضوي يمكن أن يعالج , ووإنما هو مرض نفسي عبارة عن أوهام .
ولذلك يزعمون في الأساطير ( وهذه أسطورة ولكن معناها حقيقي ) أن رجلا أبصر المرض " الوباء " وهو ذاهب إلى مدينة . فقال له : إلى أين أنت ذاهب ؟ قال : ذاهب إلى مدينة كذا وكذا لأقتل منها خمسة آلاف نفس .. ثم بعد ذلك جاءت الأخبار إلى هذا الرجل , أنه مات في القرية خمسون ألفا ! . وأبصر الوباء وهو راجع .. قال : من أين أقبلت ؟. قال : من مدينة كذا , وقد قتلت منها خمسة آلاف . قال : بل قتلت خمسون ألفا !. قال : لا قتلت خمسة آلاف , أما الباقون فقد قتلهم الوهم !!!!
فالوهم قاتل .
ولئن يصبح الإنسان محط نظر أو إيذاء أو مضايقة بأي لون من الألوان , ويعمل ويجاهد ويتعلم ويعلم ويفتي ويتبرع وينفق ويجاهد ويتعاون مع الناس على البر والتقوى , خير ولا شك من أن يسلم من ذلك كله وهو لا يعمل شيئا .
اليهود أدركوا هذه الثغرة المهمة في نفوس المسلمين .. فأنتم تلاحظون الآن أن هناك تضخيماً تاريخياً لدور اليهود .
كتاب بروتوكولات حكماء صهيون كلكم ربما قرأ الكتاب أو سمع به , وكثيراً ما نستشهد بهذا الكتاب ولكن ، في النفس شك من هذا الكتاب , أنه قد يكون مزوراً , أو على أقل تقدير قد تكون دخلته يد التحريف , وأضافت إليه أشياء كثيرة جدا !.
هناك مئات بل آلاف الكتب التي تتكلم عن اليهود , وأنهم أخطبوط وقوة سرية وقوة خفية في كل مكان في العالم : فالاقتصاد كله بيد اليهود والسياسة كلها بيد اليهود والإعلام كله بيد اليهود والطب كله بيد اليهود وأمريكا وراءها اليهود وروسيا وراءها اليهود !! هذا توهيم , هذا ليس بصحيح .
نعم .. , اليهود لهم قوة اليوم ... وإن كان الأصل فيهم الضعف كما ذكر تعالى : { ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس } فهم أذلاء ولكنهم الآن يملكون قوة في الاقتصاد ولا شك , ويملكون قوة في الإعلام ولا شك , ويملكون خبرة , ويملكون علماء في فنون شتى , ولكنهم يظلون مع ذلك ضعفاء جبناء متفرقين { لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى } نعم أفلحوا في ستر التناقضات الموجودة , ولكن بمجرد أن تواجه دولتهم أو حركتهم وضعا صعبا سوف يظهر الانحطاط والاختلاف الموجود فيهم وفي تجمعاتهم .
والآن تلاحظون من يسمونهم بالليلييـن في دولة الكيان الصهيوني , ومواقفهم من حزب العمل , والتناقضات الموجودة التي من الممكن أن تؤدي إلى انحطاط خطير يهدد هذه الدولة الوسخة بأرض المسلمين .
اليهود مستفيدون من تخويفنا بأنهم يسيطرون على كل شيء , وأنهم يعرفون كم عدد المعز الموجودة في بيوتنا ( كما تروج بعض المجلات ) !! . ويعرفون كم عدد الأبواب التي تشتمل عليها بيوتنا , ويعرفون كم عدد الأولاد , ويعرفون تفاصيل أحوالنا الخاصة , ويعرفون كم عدد الأشجار الموجودة !! .
هذه مبالغات وأوهام ترويجها أحيانا قد يكون بدافع طيب . بعض الناس يقصد من خلال هذا الترويج التحذير , حتى يكون الإنسان على علم ( ماذا يقول , ماذا يفعل , كيف يدخل , كيف يخرج ) هذه نية طيبة , ولكن كم من مريد للخير لم يبلغه !!.
لماذا نريد أن نعقد الناس , ونحولهم إلى أشباح ؟!!.
الواحد لا يتحرك ولا يخطو خطوة إلا بعد أن يلتفت عدة مرات إلى اليمين وعدة مرات إلى الشمال !! ويـختمه وهو خائف وجل !! لماذا ؟! .
بعض الناس أيضا قد ينشر مثل هذه المبالغات والآراء الضعيفة بهدف آخر .. وهو يقول : من أجل تعريف أهل الإسلام كيف أن اليهود عملوا وخططوا وكتبوا ورصدوا , ونحن واقفون !!
أيضا هذا مقصد طيب , ولكن ينبغي أن لا يغرينا هذا المقصد بترويج مثل هذه الأشياء التي تحطم معنويات الشباب وتسئ إلى اعتدال التربية عندهم , وتجعلهم بدلا من أن يكونوا رجال شجعان مغاوير أشاوس أشداء أقوياء , نجعل الواحد منهم يخاف من ظله , يخاف من كل شيء , يترقب كل شيء , كل شيء عنده مصدر خطر , وفي داخله مؤامرة وفيه جهاز تصنت , وهناك شخص يراقبه , ويعد أنفاسه ويحصي حركاته !!.
سبحان الله ، هذا ما وُجِدَ في التاريخ كله !!
فرعون ( مثلا ) رأس الطغيان والكفر كان يقول : { إن هؤلاء لشرذمة قليلون * وإنهم لنا لغائضون * وإنا لجميع حاذرون } .. نعم , كان يقول ذلك لكن مع هذا كله , الله سبحانه وتعالى أبطل كيده وجعل هؤلاء المستضعفين من بني إسرائيل أئمة وجعلهم الوارثين , ومكن لهم في الأرض , وأرى فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون .
بل إن من عظيم مكر الله سبحانه وتعالى بهذا الطاغية , أن الرجل الذي قاد الحركة ضد فرعون وطغيانه ( موسى عليه السلام ) تربى في حجر فرعون وفي قصره , نكاية بهذا الطاغية , وليعلم الناس كلهم أن الأمر مدبر في السماء .. لا في البيت الأبيض ولا في الكونغرس ولا هنا ولا هنا , وإنما التدبيـر الحقيقي في السماء { وفي السماء رزقكم وما توعدون } . أما البشر فليسوا إلا أدوات ضعيفة , يجري الله تبارك وتعالى على أيديهم ما يشاء .
فمتى نتحرر من الأوهام والمخاوف والقلق , ومتى نتحرر بحرية وثقة بالله سبحانه وتعالى , وبطمأنينته , لنقوم بواجبنا في الدعوة إلى الله تعالى ونفهم الأمور فهما صحيحاً .. وكم من فرصة للدعوة والخير والعمل والإصلاح ضيعتها علينا المخاوف والترقيات والضغوط , وأخشى وأخاف وأتوقع , والتباكي .
بعضنا أحيانا يظن أن ( فلانا ) يكيد له , ولهذا عليه أن يفوت الفرصة على فلان , كما أن فلانا عنده عقل , أنت عندك عقل , ولم يجعل الله تعالى العقول مقصورة على العلمانيين ولا على المنافقين ولا على اليهود ولا على النصارى , بل أهل الإسلام هم أذكى الناس عقولاً , وأوسع الناس فهماً وأعظم الناس إدراكا , وعقولهم مزكاة بنور الوحي , بنور الإيمان , والله تعالى يسددهم ويوفقهم .. فلماذا يظنون دائماً أنهم محل الخداع , أنهم يخدعون , أنهم يضحك عليهم , أنهم يلعب عليهم , وأنهم , وأنهم .... الخ .
تحرك بوضوح وبحرية وبإيمان وبثقة واعمل , أنت لا تمارس شيئاً خطأً أو تمارس شيئاً حراما .
ألم ترَ الآن ( رجال المخدرات ) الذين يقومون بعمل ضد الشريعة وضد القانون وضد مصالح المجتمعات وضد الحياة الأسرية وضد الفطرة وضد كل شيء , ومع ذلك شبكاتهم تقوم بعمليات عظيمة , ويكاد يصل الذين يلاحقونهم ويحاربونهم إلى يأس أنه لا يمكن القضاء عليهم , ووضعت أقصى العقوبات إلى حد القتل , ومع ذلك هم في ازدياد وتكاثر ويسجن الواحد منهم ثم يسجن ويعاقب , ومع ذلك يبقى مصرا على عمله ..
هذا يذكرنا بقصة الرجل الذي وجده الإمام أحمد قد سبقه إلى السجن , فالسجناء كلما فتح باب السجن تجمعوا وتجمهروا ينظرون من الضيف الجديد ويصفقون ويضحكون ويصفرون .. ذات مرة فتح الباب وبدلا من أن يدخل رجل شارب خمر أو تاجر أو لص , دخل رجل وقور عليه نور الإيمان ويظهر عليه البشر واليقين والتوكل .. فيتساءل السجناء : من هذا ؟!.
إنه إمام أهل السنة أحمد بن حنبل !
حتى فساقهم قالوا : والله له علينا حق .
يأتيه واحد يهمس في أذنه يقول : يا أحمد , أنا سجنت من أجل عشرة دراهم عشر مرات , أسرق فأسجن ثم أخرج وأعود مرة أخرى . أنت ما عليك أنك تجلد , ولن تشعر إلا بألم السوط الأول والثاني ثم لا تشعر بشيء بعد ذلك !!.
نعرف من أهل المبادئ الضالة من أهل الإلحاد والشيوعية ومن أهل العلمانية ومن أهل الكفر ومن أهل البعثية ومن أهل الناصرية من قتل ومنهم من سجن وطال سجنه ومنهم من أوذي ومنهم من حجب وطرد ومنهم من فقد كل إمكانياته وصلاحياته وأمواله وحقوقه , ومنهم , ومنهم . فهل يريد أهل الإسلام الذين قدوتهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أن يقوموا بالدعوة وأن يجاهدوا في سبيل الله وأن يتعلموا وأن يعلموا ثم لا يريد الواحد منهم أن يسمع كلمة شتم تقال له , أو تأخير رتبته , أو مضايقة له !!
ولا بد دون الشهد من إبر النحل !!..
من أراد طريق الجنة فعليه أن يعد لذلك الدرب عدته , وأبشر .. فالأمر هين .
القضية ليس فيها صعوبات ولا مخاوف , قد تلقى من الناس ما تلقى ، فلا تكن هيناً رخوا , يصدك ويثنيك كل شيء , أنت تريد الجنة , وطريقها كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم : ( حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات ) .
قد يأتيك من أخيك ومن زوجتك بعض نقد بعض اعتراض خوفاً عليك , أو طمعا في قربتك , أو حيادا , أو سوء فهم .
أيها الأحبة يجب علينا أن نتدرع بالسكينة الربانية في مواجهة مثل هذا الابتلاء , الذي هو بسيط لكنه على قدرنا .. على قدرنا لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال : ( يفتن الرجل على قدر إيمانه ) .
فلأن إيماننا ضعيف نبتلى بأشياء يسيرة جدا من هذا القبيل , فعلينا أن نتدرع بالإيمان في مواجهة ذلك ونعرف أنه كلما زاد إيمان العبد قد يلقى في سبيل ذلك ابتلاء وفتنة . وعليه أن يدرك أنه يجد لذة في هذا الابتلاء وسرورا وسعادة وطمأنينة لا يجدها غيره .
وأنا أتذكر أيها الاخوة قبل عشرين سنة أو أكثر من ذلك يوم كنا طلابا في المدارس المتوسطة والثانوية , كان يأتينا إخوان من مصر - بالذات - ومن بعض البلاد , وكان هناك أذى لأهل الإسلام، وخاصة الإخوان المسلمين في ذلك الوقت واجهوا أذى وسجنوا وقتل من قتل , فكان الواحد منهم يفتخر أنه سجن !!
مع أن بعض الذين وفدوا قد لا يكونوا لقوا أذى ولا يكونوا من الذين تعرضوا لهذا , فتجد أن بعضهم يتشبع بما لم يعطَ , فإذا أراد أن ينال المنـزلة عند الناس , سواء طلاب في الفصول أو حتى أحيانا في مقابلة صحفية في جريدة أو في إذاعة , قال : أنا سجنت أربع سنوات أو خمس سنوات , حتى ولو كان كذاباً , لأنه يرى أن هذا مدح , وأن هذه محمدة يريد أن ينال بها عند الناس مكانة .
كثير من الذين لاقوا ذلك لا يتحدثون عنه , وكثير يؤثرون أن لا يتكلموا لأنهم يرون أنه شيء بذلوه في سبيل الله ولا يريدون أن يفسدوا شيئا من نياتهم في الكلام عنه ، فالمقصود أن الناس لا يرون في ذلك من بأس بل يرونه محمدة يتشبعون بها .
فإذا لم يكن للواحد منهم تاريخ من هذا القبيل صنع تاريخا واختلقه !!.
أسأل الله تعالى أن ينصر الإسلام وأهله , وأن يذل الشرك وأهله , وأن يجعلني وإياكم من أنصار دينه إنه على كل شيء قدير ..
واسف على الاطالة،،،،،،،،،،،
دمتم،،،،،،،،،،
الرعــــــــــــب،،،،،،،،،،،،،،