طلال صعفق الحافظ
13-02-2002, 10:08
المقدمـــة
عندما تفضل حضرة صاحب السمو الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح وشمل برعايته سباق الخيل من الجهراء إلى الكويت عام 1977، وكان سموه في ذلك الوقت ولياً للعهد، فإن تلك الرعاية الكريمة كانت ترمز إلى عواطف نبيلة ومعان كثيرة منها تقدير وإحياء ذكرى أولئك الأبطال الذين صمدوا في وجه الطغيان والعدوان وموجة الجهل والتعصب وذلك دفاعاً عن وطنهم وأهلهم وشرفهم وكان بين أولئك الصامدين اثنان من الفرسان لأبطال قاما بمغامرة أسطورية حيث اخترقا الحصار المضروب على القصر الأحمر عندما فتحت أبوابه بطرفة عين فانطلقا على جواديهما كالسهام المارقة وشقا صفوف الأعداء المحيطين بالقصر متجهين نحو مدينة الكويت طالبين المدد والنجدة من إخوانهم المرابطين عند الأسوار الداخلية للمدينة إلى المحاصرين في القصر الأحمر.
هذان البطلان هما مرشد بن طوالة الشمري ومرزوق بن متعب بن عبدالكريم ومن المؤكد أن نجاح تلك المغامرة قلب استراتيجية المعركة وحولها إلى صالح الكويت، حيث رفعت من معنويات الجماعة المحاصرة داخل القصر كما ثبطت عزيمةالقوات الغازية ونشرت بينهم روح البلبلة والتردد وجعلتهم يحسبون حساب النجدات التي لا بد أنها آتية، وقد تبدل الحال فعلاً وجاءت الأمور بما لا يشتهي الأعداء كما سنرى (لقد كان الشيخ عبدالله الجابر الصباح المستشار الخاص لحضرة صاحب السمو أمير البلاد على رأس المحتفلين بيوم السباق وقد أدلى بحديث إلى جريدة (الفروسية) الأسبوعية أشاد فيه بشجاعة الفارسين البطلين وأهمية المغامرة الفذة التي قاما بها من أجل فك الحصار عن القصر وقد اشترك الشيخ عبدالله في معركة الجهراء وكان من بين المحاصرين داخل القصر -جريدة الفروسية الأسبوعة- العدد 58 - تاريخ 13/11/1977).
وبينما كانت الصحف ووسائل الإعلام من تلفزيون وإذاعة تنشر أخبار ذلك السباق في أواخر عام 1977 وإذا بالفكر يسرح في الماضي البعيد وإذا بي أستعيد ذكريات بعض تلك الأحداث أيام طفولتي من بناء السور إلى تلك الليلة السوداء التي لعلع فيها الرصاص فجأة وبكثافة وانتشرت الإشاعات بأن الغزاة من (الإخوان) اقتحموا سور الكويت الذي تم بناؤه في تلك الأيام وارتسمت في مخيلة الجموع الخائفة خاصة من النساء والأطفال صور البطش والقسوة التي اتصفت بها حروب تلك الأيام من قتل ونهب وسلب وعمت الفوضى دخل المدينة وهجر بعض الناس بيوتهم بحثاً عن مكان أكثر أمناً وكنت أنا وجدتي لأمي وحدنا في البيت ولم أكن قد أكملت الثامنة من عمري في ذلك الوقت. كان الليل في أول هزيعه وكانت ليلة مظلمة موحشة، وخرجت وجدتي من البيت وهي ممسكة بيدي بقوة مارين بتلك الأزقة المظلمة وكانت وجهتها بيت الشيخ يوسف بن عيسى القناعي حيث كانت والدتي هناك مع قسم كبير من العائلة وكنا ونحن في الطريق نشاهد عند أبواب المنازل بعض النساء والأطفال وقد ملأ الرعب قلوبهم.
وفجأة يتوقف إطلاق الرصاص، وتأتي الأخبار المطمئنة بأن إطلاق الرصاص كان من بع بدو الكويت الذين اشتركوا في المعركة وقد عادوا ومعهم بعض الجرحى وقد ظنهم المدافعون عند السور بأنهم من الأعداء فتبادلوا معهم إطلاق النار لفترة قصيرة.
هذه الذكريات التي أثارها السباق المشار إليه أذكت عندي الرغبة في تدوين ما علق بالذاكرة في تلك الأيام، كما رأيت أن من الفائدة أن أتوسع في البحث وقد سبق لي الاطلاع على الكثير من المصادر حول هذه الأمور وأشباهها مما كان يجري في تلك الأيام وبعدها كذلك ما سمعته من شهود عيان. وبما أن لكل حادث هام مسببات تسبقه ونتائج تعقبه ثم تصبح حقائق ثابتة نتيجة لما حدث.
r
وقد كانت النية أن أدرج موضوع الجهراء في الكتاب الذي بدأت أدون فيه أهم ذكريات الماضي والذي سميته (مع قافلة الحياة) ولكني وجدت أن موضوع الجهراء اتسع وتشعب حسب تسلسل الأحداث مما أوجب التفكير في جعله في كتيب منفصل، حيث تداخلت الأمور بعضها في بعض ورأيت أن من الفائدة إحاطة القارئ علماً بكل ما اقترن بموضوع الجهراء من طرافة أحياناً ومن مآس وفواجع أحياناً كثيرة
بدر خالد البدر
الكويت في: 25 جمادي الأولى 1400هـ
11 إبريل (نيسان) 1980م
الجهراء قديماً وحديثاً
والحديث عن الجهراء يجر إلى الحديث عن كاظمة حيث لا يمكن فصل الإسمين أو الموقعين عن بعضهما البعض ومن الثابت والمؤكد أنهما اسمان لمكان واحد كما تدل كل المعطيات التاريخية والجغرافية التي تتحدث عن المنطقة ولا أريد هنا أن أعيد وأكرر ما ذكره اثنان من أبناء الكويت في مؤلفين لهما أولهما السيد أحمد البشر الرومي الذي نشر مقالاته في كتيب عام 1966 وتطرق فيه إلى موضوع كاظمة والجهراء بإسهاب والثاني هو السيد يعقوب يوسف الغنيم وكيل وزارة التربية حالياً بكتابه المسمى "كاظمة في الأدب والتاريخ" والذي صدر عام 1958 ويث أني أفترض أن الكثيرين من القراء لم تسمح لهم الظروف بالإطلاع على هذين الكتابين، فأود أن أشير بإيجاز لبعض ما جاء فيهما وفي غيرهما من المراجع التي اطلعت عليها إتماماً للفائدة.
لقد جاء في معجم البلدان لياقوت الحموي ذكر كاظمة في عدة مناسبات وأنها على الطريق بين البحرين والبصرة كما ذكرها الهمداني في كتابه "صفة جزيرة العرب" وفيما ذكره أن سفوان (سفوان أو صفوان مركز نقطة الحدود العراقية المقابلة لحدود الكويت في منطقة العبدلي) وكاظمة هما حدود جزيرة العرب من الشرق. كما ذكر كاظمة بعض شعراء العرب وسموها كامة البحور لقربها من البحر ولتميزها عن موقع آخر بهذا الاسم بالقرب من المدينة المنورة. وكانت قبيلة بني تميم المشهورة تسكن في المنطقة وقد تغنى شاعرهم المشهور الفرزدق وغيره من الشعراء بكاظمة في مناسبات عديدة. ومعركة "ذات السلاسل" المشهورة بقيادة خالد بن الوليد وجيوش الفرس بقيادة هرمز سنة 12 للهجرة والتي كما هو معروف انتهت بانتصار المسلمين وفتح العراق وبناء مدينة البصرة فيما بعد وذلك في عام 15هـ في عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
إن أي موقع إستراتيجي بهذه الأهمية لا يمكن أن يشتمل على مكن محدود لكاظمة كما نعرفها اليوم. حيث من المؤكد أن تكون المنطقة بأسرها بما فيها من آبار المياه في الجهراء التي لها أهميتها في سوق الجيوش وطرق القوافل وجميع التحركات الصحراوية على كافة المستويات هي كاظمة كما كانت تعرف في تلك الأيام.
ولنعود إلى إسم الجهراء ثانية حيث ذكرها الرحالة الدنماركي والألماني الأصل كارستن نيبور عندما زار الخليج ورسم خارطة له في عام 1765م. فقد أشار إلى المكان بـ "خرائب الجهراء". أما بعض الخرائط الأجنبية الأخرى القديمة فقد ذكرت كاظمة أو خليج كاظمة ولم يأت ذكر الجهراء. أما كتاب "لمع الشهاب في سيرة محمد بن عبد الوهاب" والذي كتبه حسن بن جمال بن أحمد الريكي عام 1233هـ والذي حققه الدكتور أحمد أبو حاكمة وطبع عام 1967م فقد جاء في الصفحة 154-155 ما يلي "وأعلم أيضاً أن العدان وهجر وقطر وكلها من أرض بني خالد وقد عرفت طولها بالحد المذكور من الكويت إلى خيران بني ياس فنخبرك أن من وراء الكويت إلى جانب الغرب عنها بيوم الجهرة وهي على ساحل البحر بفرسخين إلى جانب الغرب مائلاً إلى القبلة وأرض الجهرة عالية جداً بحيث كل من كان فيها يرى السفن التي تتردد على البحر الذي يحاذي الكويت والذي في فيلكة. قد كانت الجهراء في عصر الجاهلية قبل مبعثه صلى الله عليه وسلم بسنين تبلغ مائة، في غاية العمران وهذه آثارها تدل على عظمتها اليوم. فإن فيها خرابات كثيرة من البنيان، وربما وجدوا ذخاير من الدراهم والدنانير في بعض المواضع، وهي أرض طولها فرسخان شمالاً وجنوباً وعرضها فرسخ غرباً وشرقاً. بنتها التمام غالباً وأرضها من قبيل حصص البحر وفيها مياه عذبة وبئرها قدر باع واحد، وحولها من جميع الأطراف أرض سبخة على فرسخين من جانب الشمال حتى تصل بسنام وإلى الشرق حتى تصل البحر كذلك. وإلى جانب الغرب إلى جهة القبلة قليلاً أرض السب، قدر فرسخ وإلى الجنوب نحو الكويت تبلغ نصف فرسخ" انتهى.
ومما جاء ذكره أعلاه فإنه أصبح من الواضح أن كاظمة والجهراء اسمان أطلقا في فترات من الزمن على موقع واحد وهذا شئ طبيعي يحدث ويتكرر في كل زمان ومكان. وقد حدث هذا للكويت فهناك تقارير ومخطوطات وخرائط تشير إلى "القرين" بدلاً من الكويت (بعض مراسلات وتقارير شركة الهند الشرقية تشير إلى شيخ القرين عندما يأتي ذكر الشيخ عبدالله بن صباح الحاكم الثاني للكويت 1762–1814) ثم تكرر الاسمان على بعض الخرائط ومنها خارطة (كارستن نيبور) المشار إليها إلى أن غلب اسم لكويت وطغى على الاسم الآخر واستدل على ذلك بمخطوط اطلعت عليه عند المرحوم الشيخ يوسف بن عيسى القناعي والمخطوط مضى عليه أكثر من مئتي سنة ويذكر كاتبه اسمه كالآتي "تم الكتاب بحمد الله وحسن توفيقه على يد الفقير عثمان بن علي بن محمد بن سري الجناعي نسباً والشافعي مذهباً والقرين مولداً (بيت بن سري هو البيت الذي تنتمي إليه عائلة البدر وعائلة العيسى من القناعات).
ويتضح مما تقدم بأن الكويت راسخة القدم في التاريخ البعيد وليس كما عرفها بعضهم مع تدفق النفط. فقد ارتوت جيوش المسلمين من آبار الجهراء عند زحفهم على اعراق وبلاد فارس كما رست قبل ذلك أساطيل الإسكندر في جزيرة فيلكا عند عودتها من حملة فتح الهند كما تشهد بذلك آثار الجزيرة التي اكتشفت عام 1958.
أما تاريخ الكويت الحديث فقد بدأ في النصف الأول من القرن الثامن عشر عندما انحسر نفوذ بني خالد عن المنطقة واستطاع التجمع القبلي المسمى بالعتوب أن يتحرروا من نفوذ بني خالد وأن يؤمروا عليهم بعد ذلك صباح بن جابر أو صباح الأول كما ير فيما بعد، وذلك حوالي عام 1756 للميلاد. وقد أكدت جميع المصادر التاريخية العربية منها أو الأجنبية هذه الحقيقة.
لقد برزت أهمية الكيت في ذلك الوقت كمركز للتجارة ما ورد منها من البحر أو البر نظراً لمركزها الممتاز على رأس الخليج ومينائها العميق الصالح للملاحة واهتمام سكانها ببناء السفن سواء ما كان منها لنقل البضائع أو ما خصص للغوص على اللؤلؤ في السواحل الكويتية أو مغاصات الخليج العربي الأخرى.
كذلك فان النهضة الصناعية التي شملت أوربا مع البحث عن أسواق جديدة للتبادل التجاري التي تحول إلي البحث عن مناطق نفوذ للدول العظمى. كل هذه الأسباب مجتمعة أظهرت أهمية الكويت كمركز تجاري واستراتيجي وكانت الكويت لقربها من ميناء البصرة الهام تقوم نفس الدور ولو على نطاق أقل لا سيما عند حدوث الأزمات في جنوب العراق وأحد الأمثلة على ذلك هو عندما احتل الفرس البصرة لمدة ثلاث سنوات من 1766م الى 1779م حيث انتقل قسم كبير من تجار البصرة الى الكويت بالنظر لما كانت تنعم به من طمأنينة وأمان في ذلك الوقت كما ازدادت أهمية الكويت الاستراتيجية والتجارية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين عندما بلغ تنافس الدول على مناطق النفوذ ذروته وكان ذلك أيام تولي الشيخ مبارك دفة الحكم في الكويت كما سنرى في الفصول القادمة
عندما تفضل حضرة صاحب السمو الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح وشمل برعايته سباق الخيل من الجهراء إلى الكويت عام 1977، وكان سموه في ذلك الوقت ولياً للعهد، فإن تلك الرعاية الكريمة كانت ترمز إلى عواطف نبيلة ومعان كثيرة منها تقدير وإحياء ذكرى أولئك الأبطال الذين صمدوا في وجه الطغيان والعدوان وموجة الجهل والتعصب وذلك دفاعاً عن وطنهم وأهلهم وشرفهم وكان بين أولئك الصامدين اثنان من الفرسان لأبطال قاما بمغامرة أسطورية حيث اخترقا الحصار المضروب على القصر الأحمر عندما فتحت أبوابه بطرفة عين فانطلقا على جواديهما كالسهام المارقة وشقا صفوف الأعداء المحيطين بالقصر متجهين نحو مدينة الكويت طالبين المدد والنجدة من إخوانهم المرابطين عند الأسوار الداخلية للمدينة إلى المحاصرين في القصر الأحمر.
هذان البطلان هما مرشد بن طوالة الشمري ومرزوق بن متعب بن عبدالكريم ومن المؤكد أن نجاح تلك المغامرة قلب استراتيجية المعركة وحولها إلى صالح الكويت، حيث رفعت من معنويات الجماعة المحاصرة داخل القصر كما ثبطت عزيمةالقوات الغازية ونشرت بينهم روح البلبلة والتردد وجعلتهم يحسبون حساب النجدات التي لا بد أنها آتية، وقد تبدل الحال فعلاً وجاءت الأمور بما لا يشتهي الأعداء كما سنرى (لقد كان الشيخ عبدالله الجابر الصباح المستشار الخاص لحضرة صاحب السمو أمير البلاد على رأس المحتفلين بيوم السباق وقد أدلى بحديث إلى جريدة (الفروسية) الأسبوعية أشاد فيه بشجاعة الفارسين البطلين وأهمية المغامرة الفذة التي قاما بها من أجل فك الحصار عن القصر وقد اشترك الشيخ عبدالله في معركة الجهراء وكان من بين المحاصرين داخل القصر -جريدة الفروسية الأسبوعة- العدد 58 - تاريخ 13/11/1977).
وبينما كانت الصحف ووسائل الإعلام من تلفزيون وإذاعة تنشر أخبار ذلك السباق في أواخر عام 1977 وإذا بالفكر يسرح في الماضي البعيد وإذا بي أستعيد ذكريات بعض تلك الأحداث أيام طفولتي من بناء السور إلى تلك الليلة السوداء التي لعلع فيها الرصاص فجأة وبكثافة وانتشرت الإشاعات بأن الغزاة من (الإخوان) اقتحموا سور الكويت الذي تم بناؤه في تلك الأيام وارتسمت في مخيلة الجموع الخائفة خاصة من النساء والأطفال صور البطش والقسوة التي اتصفت بها حروب تلك الأيام من قتل ونهب وسلب وعمت الفوضى دخل المدينة وهجر بعض الناس بيوتهم بحثاً عن مكان أكثر أمناً وكنت أنا وجدتي لأمي وحدنا في البيت ولم أكن قد أكملت الثامنة من عمري في ذلك الوقت. كان الليل في أول هزيعه وكانت ليلة مظلمة موحشة، وخرجت وجدتي من البيت وهي ممسكة بيدي بقوة مارين بتلك الأزقة المظلمة وكانت وجهتها بيت الشيخ يوسف بن عيسى القناعي حيث كانت والدتي هناك مع قسم كبير من العائلة وكنا ونحن في الطريق نشاهد عند أبواب المنازل بعض النساء والأطفال وقد ملأ الرعب قلوبهم.
وفجأة يتوقف إطلاق الرصاص، وتأتي الأخبار المطمئنة بأن إطلاق الرصاص كان من بع بدو الكويت الذين اشتركوا في المعركة وقد عادوا ومعهم بعض الجرحى وقد ظنهم المدافعون عند السور بأنهم من الأعداء فتبادلوا معهم إطلاق النار لفترة قصيرة.
هذه الذكريات التي أثارها السباق المشار إليه أذكت عندي الرغبة في تدوين ما علق بالذاكرة في تلك الأيام، كما رأيت أن من الفائدة أن أتوسع في البحث وقد سبق لي الاطلاع على الكثير من المصادر حول هذه الأمور وأشباهها مما كان يجري في تلك الأيام وبعدها كذلك ما سمعته من شهود عيان. وبما أن لكل حادث هام مسببات تسبقه ونتائج تعقبه ثم تصبح حقائق ثابتة نتيجة لما حدث.
r
وقد كانت النية أن أدرج موضوع الجهراء في الكتاب الذي بدأت أدون فيه أهم ذكريات الماضي والذي سميته (مع قافلة الحياة) ولكني وجدت أن موضوع الجهراء اتسع وتشعب حسب تسلسل الأحداث مما أوجب التفكير في جعله في كتيب منفصل، حيث تداخلت الأمور بعضها في بعض ورأيت أن من الفائدة إحاطة القارئ علماً بكل ما اقترن بموضوع الجهراء من طرافة أحياناً ومن مآس وفواجع أحياناً كثيرة
بدر خالد البدر
الكويت في: 25 جمادي الأولى 1400هـ
11 إبريل (نيسان) 1980م
الجهراء قديماً وحديثاً
والحديث عن الجهراء يجر إلى الحديث عن كاظمة حيث لا يمكن فصل الإسمين أو الموقعين عن بعضهما البعض ومن الثابت والمؤكد أنهما اسمان لمكان واحد كما تدل كل المعطيات التاريخية والجغرافية التي تتحدث عن المنطقة ولا أريد هنا أن أعيد وأكرر ما ذكره اثنان من أبناء الكويت في مؤلفين لهما أولهما السيد أحمد البشر الرومي الذي نشر مقالاته في كتيب عام 1966 وتطرق فيه إلى موضوع كاظمة والجهراء بإسهاب والثاني هو السيد يعقوب يوسف الغنيم وكيل وزارة التربية حالياً بكتابه المسمى "كاظمة في الأدب والتاريخ" والذي صدر عام 1958 ويث أني أفترض أن الكثيرين من القراء لم تسمح لهم الظروف بالإطلاع على هذين الكتابين، فأود أن أشير بإيجاز لبعض ما جاء فيهما وفي غيرهما من المراجع التي اطلعت عليها إتماماً للفائدة.
لقد جاء في معجم البلدان لياقوت الحموي ذكر كاظمة في عدة مناسبات وأنها على الطريق بين البحرين والبصرة كما ذكرها الهمداني في كتابه "صفة جزيرة العرب" وفيما ذكره أن سفوان (سفوان أو صفوان مركز نقطة الحدود العراقية المقابلة لحدود الكويت في منطقة العبدلي) وكاظمة هما حدود جزيرة العرب من الشرق. كما ذكر كاظمة بعض شعراء العرب وسموها كامة البحور لقربها من البحر ولتميزها عن موقع آخر بهذا الاسم بالقرب من المدينة المنورة. وكانت قبيلة بني تميم المشهورة تسكن في المنطقة وقد تغنى شاعرهم المشهور الفرزدق وغيره من الشعراء بكاظمة في مناسبات عديدة. ومعركة "ذات السلاسل" المشهورة بقيادة خالد بن الوليد وجيوش الفرس بقيادة هرمز سنة 12 للهجرة والتي كما هو معروف انتهت بانتصار المسلمين وفتح العراق وبناء مدينة البصرة فيما بعد وذلك في عام 15هـ في عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
إن أي موقع إستراتيجي بهذه الأهمية لا يمكن أن يشتمل على مكن محدود لكاظمة كما نعرفها اليوم. حيث من المؤكد أن تكون المنطقة بأسرها بما فيها من آبار المياه في الجهراء التي لها أهميتها في سوق الجيوش وطرق القوافل وجميع التحركات الصحراوية على كافة المستويات هي كاظمة كما كانت تعرف في تلك الأيام.
ولنعود إلى إسم الجهراء ثانية حيث ذكرها الرحالة الدنماركي والألماني الأصل كارستن نيبور عندما زار الخليج ورسم خارطة له في عام 1765م. فقد أشار إلى المكان بـ "خرائب الجهراء". أما بعض الخرائط الأجنبية الأخرى القديمة فقد ذكرت كاظمة أو خليج كاظمة ولم يأت ذكر الجهراء. أما كتاب "لمع الشهاب في سيرة محمد بن عبد الوهاب" والذي كتبه حسن بن جمال بن أحمد الريكي عام 1233هـ والذي حققه الدكتور أحمد أبو حاكمة وطبع عام 1967م فقد جاء في الصفحة 154-155 ما يلي "وأعلم أيضاً أن العدان وهجر وقطر وكلها من أرض بني خالد وقد عرفت طولها بالحد المذكور من الكويت إلى خيران بني ياس فنخبرك أن من وراء الكويت إلى جانب الغرب عنها بيوم الجهرة وهي على ساحل البحر بفرسخين إلى جانب الغرب مائلاً إلى القبلة وأرض الجهرة عالية جداً بحيث كل من كان فيها يرى السفن التي تتردد على البحر الذي يحاذي الكويت والذي في فيلكة. قد كانت الجهراء في عصر الجاهلية قبل مبعثه صلى الله عليه وسلم بسنين تبلغ مائة، في غاية العمران وهذه آثارها تدل على عظمتها اليوم. فإن فيها خرابات كثيرة من البنيان، وربما وجدوا ذخاير من الدراهم والدنانير في بعض المواضع، وهي أرض طولها فرسخان شمالاً وجنوباً وعرضها فرسخ غرباً وشرقاً. بنتها التمام غالباً وأرضها من قبيل حصص البحر وفيها مياه عذبة وبئرها قدر باع واحد، وحولها من جميع الأطراف أرض سبخة على فرسخين من جانب الشمال حتى تصل بسنام وإلى الشرق حتى تصل البحر كذلك. وإلى جانب الغرب إلى جهة القبلة قليلاً أرض السب، قدر فرسخ وإلى الجنوب نحو الكويت تبلغ نصف فرسخ" انتهى.
ومما جاء ذكره أعلاه فإنه أصبح من الواضح أن كاظمة والجهراء اسمان أطلقا في فترات من الزمن على موقع واحد وهذا شئ طبيعي يحدث ويتكرر في كل زمان ومكان. وقد حدث هذا للكويت فهناك تقارير ومخطوطات وخرائط تشير إلى "القرين" بدلاً من الكويت (بعض مراسلات وتقارير شركة الهند الشرقية تشير إلى شيخ القرين عندما يأتي ذكر الشيخ عبدالله بن صباح الحاكم الثاني للكويت 1762–1814) ثم تكرر الاسمان على بعض الخرائط ومنها خارطة (كارستن نيبور) المشار إليها إلى أن غلب اسم لكويت وطغى على الاسم الآخر واستدل على ذلك بمخطوط اطلعت عليه عند المرحوم الشيخ يوسف بن عيسى القناعي والمخطوط مضى عليه أكثر من مئتي سنة ويذكر كاتبه اسمه كالآتي "تم الكتاب بحمد الله وحسن توفيقه على يد الفقير عثمان بن علي بن محمد بن سري الجناعي نسباً والشافعي مذهباً والقرين مولداً (بيت بن سري هو البيت الذي تنتمي إليه عائلة البدر وعائلة العيسى من القناعات).
ويتضح مما تقدم بأن الكويت راسخة القدم في التاريخ البعيد وليس كما عرفها بعضهم مع تدفق النفط. فقد ارتوت جيوش المسلمين من آبار الجهراء عند زحفهم على اعراق وبلاد فارس كما رست قبل ذلك أساطيل الإسكندر في جزيرة فيلكا عند عودتها من حملة فتح الهند كما تشهد بذلك آثار الجزيرة التي اكتشفت عام 1958.
أما تاريخ الكويت الحديث فقد بدأ في النصف الأول من القرن الثامن عشر عندما انحسر نفوذ بني خالد عن المنطقة واستطاع التجمع القبلي المسمى بالعتوب أن يتحرروا من نفوذ بني خالد وأن يؤمروا عليهم بعد ذلك صباح بن جابر أو صباح الأول كما ير فيما بعد، وذلك حوالي عام 1756 للميلاد. وقد أكدت جميع المصادر التاريخية العربية منها أو الأجنبية هذه الحقيقة.
لقد برزت أهمية الكيت في ذلك الوقت كمركز للتجارة ما ورد منها من البحر أو البر نظراً لمركزها الممتاز على رأس الخليج ومينائها العميق الصالح للملاحة واهتمام سكانها ببناء السفن سواء ما كان منها لنقل البضائع أو ما خصص للغوص على اللؤلؤ في السواحل الكويتية أو مغاصات الخليج العربي الأخرى.
كذلك فان النهضة الصناعية التي شملت أوربا مع البحث عن أسواق جديدة للتبادل التجاري التي تحول إلي البحث عن مناطق نفوذ للدول العظمى. كل هذه الأسباب مجتمعة أظهرت أهمية الكويت كمركز تجاري واستراتيجي وكانت الكويت لقربها من ميناء البصرة الهام تقوم نفس الدور ولو على نطاق أقل لا سيما عند حدوث الأزمات في جنوب العراق وأحد الأمثلة على ذلك هو عندما احتل الفرس البصرة لمدة ثلاث سنوات من 1766م الى 1779م حيث انتقل قسم كبير من تجار البصرة الى الكويت بالنظر لما كانت تنعم به من طمأنينة وأمان في ذلك الوقت كما ازدادت أهمية الكويت الاستراتيجية والتجارية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين عندما بلغ تنافس الدول على مناطق النفوذ ذروته وكان ذلك أيام تولي الشيخ مبارك دفة الحكم في الكويت كما سنرى في الفصول القادمة