المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفهيد وبادية شمر



خالد الشمري
02-05-2005, 18:54
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

صالح الفهيد يكتب عن بادية شمر ( حلقات يومية )

--------------------------------------------------------------------------------



يطيب لي أولأ أن ابارك للاستاذ الفاضل صالح الفهيد تكليفه مدير اقليمي لعكاظ بالمنطقة الشرقية والخليج العربي

كتابة وتصوير : صالح الفهيد

تناولنا في حلقة الامس مرحلة تأسيس مدينة رفحاء وظروف توطين البدو في هذه المدينة والبلدات والهجر التابعة لها وألمحنا الى التركيبة الاجتماعية لهذه التجمعات السكانية والتي تتشكل في معظمها من قبيلة شمر العريقة ونسبة لا تتجاوز العشرة بالمائة من قبيلتي عنزة والجميلي وعوائل قصيمية الى جانب ما يسمون بـ(المشاهدة) وهم من الوافدين العراقيين الذين عاد معظمهم الى العراق ابان حرب الخليج الثانية.
واذا كنا المحنا بالامس الى ترك البدو لمهنتهم التاريخية (الرعي).. واستيطانهم في المدن الجديدة التي تم انشاؤها على امتداد خط التابلاين فإننا سنتناول في حلقة اليوم تداعيات هذا التحول الجذري والنقلة النوعية في حياة هذه المجاميع البشرية الكبيرة.. اجتماعيا.. واقتصاديا.. وثقافيا.. وكيف ينظر اولئك الرجال الذين عايشوا الحقبتين لهذه التجربة التي لم تشهدها اية منطقة اخرى من المملكة بالسرعة التي شهدتها رفحاء.
توطين البادية
رفحاء.. طلعة التمياط.. روضة الهباس.. الخشيبي شعبة نصاب.. الجبهان.. كانت من بين نحو الفي هجرة تم تأسيسها في مختلف مناطق المملكة ضمن المشروع الاصلاحي الرائد الذي عرف بـ(توطين البادية) والذي اطلقه الملك المؤسس المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز آل سعود بعد ان انتهى من مرحلة التأسيس مباشرة عندما وجد ان حياة البادية السائدة في المملكة لا تتسق مع الدولة الجديدة.. فالترحال المستمر والصراعات القبلية على المراعي وما شابه ذلك لا تساعد على بناء الدولة الحديثة واستمر هذا المشروع الحداثي حتى العام 1395هـ.
بدو في مدن الاسمنت
وعلى مراحل وخلال فترة قصيرة نسبيا ترك بدو الشمال الصحراء وراءهم وتدفقوا على الهجر التي بدأت تظهر على امتداد خط التابلاين. وقد اسهمت الدولة في سرعة عملية التحول من خلال تيسير الحصول على الاراضي والقروض العقارية ومقابل كل بيت اسمنتي جديد يقام في هذه الهجر كان هناك بيت من الشعر يهدم ويوضع على نعش امام البيت الجديد في صورة معبرة لعملية التحول التي شهدتها هذه المنطقة من بلادنا... وخلال جولتنا في هذه الهجر شاهدنا المئات من بيوت الشعر المطوية موضوعة امام البيوت الاسمنتية او خلفها!!
قطعان الماشية
واذا كان هذا هو مصير بيوت الشعر التي لطالما تفاخر بها ابناء البادية فإن قطعانهم من الابل والاغنام افضل حالا.. فقد احتفظ بها هؤلاء واقاموا لها الاحواش والحظائر بالقرب من هجرهم.. واستمر اكثرهم في ممارسة مهنتهم التاريخية ولكن ليس لوقت طويل, فقد بدأت هذه المهنة تتقلص عاما بعد عام وبدأ الكثير منهم يتخلص من ماشيته خصوصا مع عدم قدرة البعض على الاستمرار في العناية بماشيتهم لكبر سنهم وعزوف الابناء عن القيام بالمهمة وانشغالهم بالمدارس والوظائف.. كما يقول لنا نزل عقيل السكران من هجرة عودة الجبهان الذي لم يخف حنينه للماضي الذي لن يعود.. فقد وجدته جالسا امام منزله وسألته عما فعل بماشيته فقال بمرارة: لقد بعت ما لدي على دفعات.. صحتي لم تعد تساعدني على الاهتمام بحلالي وابنائي انتقلوا للعمل في مناطق بعيدة واضطررت لبيع ماشيتي التي منها احصل على رزقي وجلست كما ترى بلا عمل ولا مهنة واعيش على الضمان الاجتماعي.
سألته: ألم تفكر بعمل آخر فقال: كل عمري قضيته في الصحراء امارس العمل الوحيد الذي توارثته عن آبائي واجدادي وهو رعي الاغنام ولا احسن اي عمل آخر.. وليس امامي وانا في هذا العمر اية فرصة لتعلم عمل او وظيفة اخرى وانتظر ان يفرجها الله.
انا افضل من غيري
واذا كان نزال عقيل السكران ضحى بماشيته من اجل ان يتفرغ ابناؤه للتعليم والعمل بمهن اخرى وفي اماكن اخرى فإن غيره من ابناء البادية من ضحى مضطرا بمستقبل ابنائه وحرمهم من التعليم والعمل لضمان تفرغهم للعناية بماشيتهم والحفاظ على حلالهم ومهنتهم. والشاب محسن الشمري احد هؤلاء الذين حرموا من التعليم.. التقنية في هجرة الهباس وهو يقوم بتعبئة صهريج ماء من بركة ترابية فسألته عن الغرض الذي من اجله ينقل هذه المياه غير النظيفة.. فقال: من اجل (الحلال) فماشيتنا موجودة بالقرب من هجرة الهباس.. وانا اعمل مع اسرتي في الرعي وقد تركت الدراسة مبكرا وقبل ان اكمل الصفوف الدنيا من المرحلة الابتدائية لأن اسرتي احتاجتني للعمل كراعي. كنت اتمنى لو انني اكملت تعليمي ولكن هذا قدري والحمدلله انني استطيع ان اقرأ بعض الكلمات وانا على كل حال افضل من غيري من لم يدخل المدرسة قط!!
وقبل ان اودعه سألته عن المشاكل التي تواجه الرعاة هذه الايام فقال: الحقيقة ان مشكلتنا هي انه لا توجد مراع في المنطقة. فقد ادى احتباس المطر هذا العام الى يباس الارض حتى ان ماشيتنا لا تجد ما تأكله وصرنا نعتمد في اعاشتها بشكل كامل على الشعير.
الشعير.. الشعير
كل من قابلته من ابناء رفحاء وتوابعها ممن لا زالوا يحتفظون بماشيتهم.. اشتكوا اليّ من معاناتهم الحقيقية من ارتفاع اسعار الشعير التي بلغت 27 ريالا بعد ان كانت 17 ريالا للكيس قال معيوف ظاهر التومي: لا شك ان ما يشغل بالنا هو الارتفاع الكبير في اسعار الشعير والذي سيؤدي ان استمر لفترة طويلة الى اضطرار البقية الباقية من مربي الماشية الى بيع ماشيتهم.. والانضمام الى العاطلين.
ففي ظل عدم نزول الامطار وعدم وجود مراعي اصبحت ماشيتنا تعيش على الشعير وهذا يثقل كاهلنا ويزيد العبء علينا الى حد ان العملية تصبح غير مجدية اقتصاديا.. ولو استمر الوضع على ما هو عليه فإن مربي الماشية سيخسرون وسيضطرون الى بيع قطعانهم.. اننا الآن نبيع منها لنشتري بثمنها شعيرا.. وماشيتنا في تناقص لهذا نناشد الجهة المعنية ان تنظر للامر بجدية.. وان تعيد النظر في اسعار الشعير.
خياران احلاهما مر
ويتفق معه عايد حسين يوسف الشمري مؤكدا ان الوضع لم يعد يحتمل وان كثيرا من اصحاب المواشي صاروا مهددين في رزقهم.. واضاف: ان اكثرنا متمسك الآن بحلاله لانه لا توجد امامه اية خيارات, وهو محصور بين خيارين احلاهما مر.. فأما الاستمرار بالوضع الحالي رغم الخسائر او التخلص من الحلال والجلوس في البيت بلا عمل.. وبلا مصدر رزق ومن هنا اناشد الجهات المختصة بدراسة انعكاسات ارتفاع اسعار الشعير على مربي الماشية بالمملكة وعلى الثروة الحيوانية بالمملكة التي ستتضرر بلا شك على المدى البعيد من انحسار هذه المهنة.
خشمان بين الشعير والديزل
ولأن الخيارات محدودة وضيقة فإن العم خشمان هايس عيادة الرخيص اتجه للزراعة بعد ان ترك مهنة الرعي بحثا عن عمل ومصدر رزق ولكنه كان كالمستجير من الرمضاء بالنار. فمعاناة اصحاب المواشي مع ارتفاع اسعار الشعير تبدو أرحم من معاناته من ارتفاع اسعار الديزل وبتفاؤل يحسد عليه اكد لنا ان مستقبل الزراعة في هجرته واعد رغم انه اقر بأن الماء الذي يستخرجه من بئر عمقها 300 متر (هماج) هذا بخلاف اسعار الديزل التي يشتكي منها غالبية المزارعين كما يقول سطم الاسود الرخيص الذي اشار الى ان اسعار الديزل المرتفعة لا تؤذي المزارعين وحدهم وانما يطال اذاها اهالي الهجر والبلدات التي تعتمد في توليد الطاقة الكهربائيةعلى مكائن محلية تعمل بالديزل.
فهؤلاء ورغم محدودية دخلهم واكثرهم يعيش على الضمان الاجتماعي فإنهم يدفعون من لقمة عيش اطفالهم من اجل توفير الديزل لتشغيل هذه المكائن وإلا حرموا النور.
ويؤكد سعود رجاء الشمري الذي التقيناه في حظيرة اغنامه بهجرة الخشيبي ان استمرار اسعار الشعير على ما هي عليه واستمرار يباس الارض سيدفع غالبية اصحاب المواشي الى التخلص من قطعانهم اما طوعا او كرها وقال: ان تسعيرة كيس الشعير بـ27 ريالا لم تكن مرضية وستظهر آثارها السلبية قريبا وحتى سعر البرسيم ارتفع ووصل الى 12 ريالا للربطة وهذه المتغيرات السلبية كلها تضغط على اصحاب المواشي.
معامل لتوظيف العاطلين
الشيخ فواز مشل التمياط اكد على عمق المشكلة التي تعاني منها مدن الاطراف لجهة ضيق الفرص الوظيفية وانعدامها في بعض المدن الصغيرة وتداعي هذه المشكلة على اكثر من صعيد مشيرا في هذا الصدد الى ما نتج عن هذا الواقع من هجرة واسعة باتجاه المدن الكبيرة (المراكز) كالرياض وجدة والمنطقة الشرقية وما نجم عن ذلك في النهاية من ضغط على هذه المدن بدأت اعراضه السلبية تظهر على السطح.
وقال التمياط: ان من حسن الحظ ان الاجهزة بدأت تدرك خطورة هذا الوضع وسلبياته ويجري الحديث الآن عن التخطيط لهجرة معاكسة من المراكز الى المدن الصغيرة وفي ضوء ذلك اقترح ان تتجه النظرة الى انشاء معامل ومصانع صغيرة في المدن والهجر الصغيرة لاستيعاب العاطلين فيها واستغلال خصائص هذه التجمعات في اقامة صناعات متنوعة في بلادنا تحقق اكثر من غرض في آن واحد.. فمن جهة تخلق وظائف للعاطلين ومن جهة اخرى تؤسس لبنية صناعية عريضة وايضا تحد من عملية الاستيراد من خلال انتاج بعض السلع محليا وهذا لو تحقق فإنه سيحدث تحولا اقتصاديا واجتماعيا في بلادنا.
واختتم التمياط حديثه قائلا: لدينا في مدننا وهجرنا طاقات هائلة من الشباب والرجال يؤسفني انها معطلة وغير مستغلة لاننا لم نوجد لها الفرص التي تتيح لها العمل والابداع والعطاء والمؤلم ان بعض هذه الطاقات عندما لم تجد الفرصة للعطاء الايجابي والمثمر والنافع تحولت الى الاتجاه المعاكس وتحولت الى عبء كبير على المجتمع.


النص منقول

السرعوفي
31-05-2005, 01:14
بارك الله بجهود الاستاذ / الفهيد وشكرا للاح الكاتب ... تحياتي

محمد العربي
05-06-2005, 00:10
أحسنت على هذا النقل أخي الكريم

خالد الشمري
28-06-2005, 17:38
الاخ السرعوفي حياك الله ومشكور على المرور

خالد الشمري
28-06-2005, 17:39
الاخ محمد حياك الله ومشكور على المرور