المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العراق.. هل سيتربع يوما على مملكة السياحة في العالم؟



جاسم العلي
23-03-2005, 15:25
العراق ممر بين محيطين وجسر بين ثلاث قارات

لو أغمضنا أعيننا لحظة حلم عن الحرب وأطبقنا الجفن جيدا عن كل ما يحدث اليوم في العراق من اصوات المفخخات المتفجرة واطلاق الرصاص في كل مكان وتربعنا على عرش الحقيقة التي تمنحنا الدفء في التفكير في الوجه الآخر للعراق، والذي يعرفه القاصي والداني عن هذا البلد المليء بالمواقع السياحية الجميلة التي تفترش ارضه من الشمال الى الجنوب.
وبينما تترامى جزيرة العرب في جنوب غربي قارة آسيا، ينهض العراق في الشمال الشرقي من الجزيرة الأم، جنوبه سهل ناعس يحتضن عشرات الاهوار والبحيرات والبرك وتلتف حوله وتتخلله شبكة من الانهار، بينما يصعد متموجا في الوسط حتى اذا بلغ مشارف الشمال هبط الغيم تحت رؤوس جباله المكللة بالثلوج تتوسطها على ضفتي نهر دجلة مدينة بغداد العاصمة. ويعد العراق جسرا ارضيا بين ثلاث قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا وممرا يوصل بين المحيط الهندي والبحر الابيض المتوسط، وهو أغزر بقاع الارض مياها ومن اكثرها خصبا. العراق ولدت فيه كل الحضارات، وكان مهبطا للأديان السماوية العديدة وتحت ارضه تكمن الاسرار التي توضح من اين بدأ التاريخ الانساني، وكيف كان كلكامش الملك العظيم نواة لأول انبثاق للأدب والفلسفة الانسانية. في مساحة تبلغ 438446 كيلومترا مربعا تقع 18 مدينة او محافظة عراقية تتوسطها على ضفتي نهر دجلة مدينة بغداد العاصمة التي بناها الخليفة المنصور، وتعتبر هذه المساحة العراقية جسرا ارضيا بين ثلاث قارات; آسيا وافريقيا واوروبا وممرا موصلا بين المحيط الهندي والبحر الابيض المتوسط. ويعتبر العراق من أغزر بقاع الارض مياها واكثرها خصبا، اذ ينحدر نهراه دجلة والفرات من ذرى الشمال في حوار شبه غريب قربا وابتعادا ناشرين روافدهما حد التشابك ليلتقيا متعانقين في محافظة البصرة في الجنوب، مشكلين شط العرب طول دجلة من المنبع الى المصب 1718 كم، اما الفرات فطوله 2300 كم وطول شط العرب في الجنوب 110 كم من ملتقى الرافدين الى مصبه في الخليج العربي.
يقال إن التنوع العرقي الديني والطائفي واختلاف الأجواء في العراق بين الشمال والوسط والجنوب منحا هذا البلد ميزة اخرى ينفرد بها عن باقي البلدان في العالم، فهذا التنوع جعل هذا البلد ينصهر ومنذ قديم الزمن في حضارات العالم سريعا باعتبار ان كل الاديان موجودة فيه وكذلك حدوده التي تشرف على بلدان عدة منحته هي الأخرى ميزات سياحية مضافة.
يقال ايضا إن العراق اطلق عليه مملكة الجهات الاربع في زمن الملك حمورابي، وإن من يحكم هذه البلاد يقال عنه ملك الجهات الاربع باعتباره يشرف في موقعه على الجهات الاربع من العالم ولذلك كان هذا البلد مرصودا من كل الجهات التي تحاول دوما ان تحكمه. عاش الانسان في العراق منذ دهور موغلة في القدم وقد وجدت آثاره في الكهوف في الجبال الشمالية والشمالية الشرقية وما زالت هذه الآثار محفورة في تلك الكهوف ولو تصورنا اهتماما بسيطا بتلك الآثار مع أجواء موسيقية مناسبة ونحن ندخل كسياح الى تلك المناطق مع توفير الخدمات المناسبة ماذا سيحصل وكيف يمكن لنا ان نحصي عدد الذين سيدخلون تلك الكهوف الجميلة التي تحمل تاريخ الانسان في تلك الحضارات الموغلة في القدم ولو دخلنا مدينة جمجمال في مدينة كركوك لعثرنا على مواقع خلابة تأخذ النظر نحو حلم بعيد يختلط به الماضي بالحاضر فمن موقع بردة بلكا الأثري والذي وجدت فيه ذات يوم مضى نماذج من العصور الحجرية للإنسان.
* السليمانية جمال التراث الأصيل
* ونخرج من ذلك الموقع والطبيعة الخلابة الى مدينة السليمانية التي اخضرت طيلة ايام السنة وزادت في جمال مرافقها الازياء الشعبية التي ما زال أهل هذه المدينة يتمسكون بها، هي الازياء الكردية ذات الالوان الزاهية المأخوذة من الوان الطبيعة.
وبين الطبيعة واللون الزاهي للملابس كانت كــــل زوايا مدينة السليمانية موقــــعا سياحيا بدون منافس ويمكن لاي سائح ان يفترش أي بقعة في تــــلك الارض ليستمتع بــكل الاشـــياء التي يراها، فهي فعلا مدينة الماء والهواء والوجه الحسن، وفي مدينة السليمانية ومدينة اربيل عثر ايضا على مواقـــــع اثرية تعود الى اربعـــين الف سنة، فمن كهف شانيدر في اربـــيل الى كهف هزاد مـــرد تتربع الطبيعة ايضا في كل المدن الشمالية من العراق على عرش الملــــوك في الأجواء الساحرة والأشـــجار التي تتشابك في غـابات متراصة تحفها الزهور من كل لون وشكل لتغدو كعروس غادرت طفولتها نحو حياة مليئة بالمفاجآت السارة.
وكونت الجبال الشمالية في سنجار وباراك وبيخال انشودة اخرى يصعب الحديث عنها بلا زيارة لتلك المناطق التي عافاها الله بجمال لا يراود الا الحالمين بالجنان.
* المناطق الأثرية ومراقد الأولياء
* الآثار في المناطق الشمالية كثيرة ومتنوعة من نمرود الى سومر والتي انشئت عليها اولى الحضارات في وادي الرافدين وكونت مناطق الشمال من الناحية الاثرية صورة لواقع الحياة التي عاشها الانسان على تلك الارض الغنّاء. ولم تكن الطبيعة او الآثار وحدها من تتسيد وجه الشمال، فهناك الكثير من المراقد الدينية كجامع ومرقد النبي يونس عليه السلام في مدينة الموصل ومراقد عدة أولياء وأنبياء، وممرات لها تواريخ ومزارات معينة عند المسيحيين والمسلمين واليزيديين وكل الأقوام التي سكنت هذه المناطق وعاشت فيها على مر التاريخ القديم والمعاصر وقد سجلت ذاكرة الناس تلك الاحداث وكذلك كتب التاريخ، وان كان لنا ان نهبط من الشمال فسوف تفاجئنا مدن الوسط ايضا بتواريخها ومراقدها ومواقها التي لا تنسى ابدا.
* بابل مهد الحِرف والحضارات
* فبين بغداد ومنطقة الفرات الوسطى، تسكن كل حضارات الدنيا ابتداء من بابل الى بغداد والنجف وكربلاء والديوانية، فمن مدينة الامام علي كرم الله وجهه، النجف، الى مرقد الإمام الحسين والعباس رضي الله عنهما، الى المدينة التي اخذت كل التواريخ ومنحتها لنفسها دون منازع (بابل)، فمنها بدأت اولى حضارات العالم ومنها بدأ الحرف الاول، لذلك اعتبرت بابل في كل قواميس الارض مهد الحضارة وكل ركن في بابل يصلح لان يكون محلا جديدا للسياحة العراقية.
* الأهوار من أهم الموارد السياحية
* بعد زيارة للمراقد والمواقع الاثرية في بابل، علينا ان نهبط قليلا الى الجنوب من العراق حيث الاهوار منطقة تنام على الماء، لنتصور المنظر مدينة تغفو على ماء ساكن هادئ يمتثل لإرادة الانسان، وعليه مئات الزوارق الصغيرة التي تعرف في تلك المنطقة بـ (الشختورة)، وعلى متن هذه الشختورة الأهوارية يمكن للسائح ان يرى كل ما لم يره في حياته، فبين البساطة التي يستقبله بها اهالي الاهوار الى (أكلة السياح) التي لا يمكن لأي زائر الى الاهوار ان يمضي دون ان يتذوقها وهي خبز الرز مع السمك على الطابك او ما يسمى تنور الصاج، وهي قطعة حجر صغيرة من الصاج يوضع عليها الخبز الممسوك بالسمك الطازج، وفي الجولة ايضا سيشاهد السائح انواع الطيور التي تآلفت مع الانسان وبقيت دائما بالقرب منه لتقدم نفسها طعاما له في اية لحظة وبين طيور الحبارى كما يسميها اهل الجنوب العراقي. فنظرة واحدة للاهوار في العراق تقول ان هذا البلد له مناطق لا توجد في أي بقعة على الارض وإذا تم استغلال هذه البقاع في الشمال والجنوب فستكون السياحة موردا مهما من موارد العراق التي لا تنضب، وهذا ما أكده لنا احد اساتذة الاقتصاد في جامعة بغداد، اذ قال ان العراق ينام على كنوز طبيعية يمكن استثمارها في مجال السياحة، وهذا الامر ينطبق ايضا على السياحة الدينية التي يعتبر العراق البلد الوحيد الذي يضم كل المراقد الدينية لكل الطوائف في العالم، وهذا الامر لا يمكن ايجاده في أي بلد آخر. السياحة الدينية رافد مهم من روافد الاستثمار السياحي لو تم استغلاله بالشكل الصحيح مع الاستفادة من الخبرات العالمية في هذا المجال. وللوقوف على اهم الاجراءات التي قامت بها وزارة الثقافة العراقية في هذا المجال المهم، كانت لنا وقفة مع وزير الثقافة العراقي الذي قال ان الفرصة لم تتح للتفكير جديا في الاهتمام بقطاع السياحة، وان خبرات البلدان الخارجية تأتي من خلال هذا القطاع إلا ان على هيئة السياحة ان تأخذ على عاتقها هذا الدور. واضاف الوزير انه الآن ينصب العمل على اعادة المشاريع التي دمرت، ومنها مشروع جزيرة الأعراس وجزيرة بغداد السياحية وبحيرة الجادرية بهدف ايجاد متنفس للمواطن العراقي في هذه الفترة ولكن هذا الامر لا يمنع من التفكير في مشاريع جديدة. وعن السياحة الدينية، قال وزير الثقافة انها بمفردها مصدر مهم جدا ليس للمناطق المحدودة التي تقع فيها المراقد الدينية وانما لكل البلاد وهي جزء من عملية النهوض بقطاع السياحة، فالعراق غني بالمراقد الدينية للمسلمين والمسيحيين واليهود ومن الممكن ان يتحول البلد الى قبلة للسياح من كل بقاع الارض، لكن هذا الامر يتطلب عدة عوامل منها امكانات البلد وكيفية الاستفادة من الخبرة العالمية فضلا عن الاهتمام بالبنية التحتية كالمطارات والفنادق ووسائل النقل والطرق الحديثة، اذ ان الحديث عن اقامة مشاريع سياحية ليس فقط الفنادق وانما بالسياح الذين يستوعبهم هذا البلد، فمثلا السياحة في النجف تحتاج لكل البنية التحتية في كل جوانبها من ماء وكهرباء ووسائل النظافة وكل العوامل المساعدة الاخرى، فالسياحة لا يمكن إلا ان تكون عامة شاملة فليس من الممكن الاهتمام بالموقع دون الموضع والخدمات الاخرى للسياح.
* البصرة عناق دجلة والفرات
* ومن شختورة الأهوار، نمضي نحو البصرة لنجد ميناء منفتحا على العالم وهناك يكون للحياة طعم آخر، فبين طيبة البصريين الى هدهدات شط العرب، حيث عناق دجلة والفرات تطل على السائح ايضا اغنيات بصرية ليس لها طعم مشابه في أي بقعة من الأرض ترافقها موسيقى (الخشابة) التي يتراقص عليها الشباب والشابات برقصة توحي بالفرح ومغادرة الحزن مهما كان مصدره، وهنا ما على الجميع من الحضور إلا المشاركة في هذه الرقصة التي لن تنهي الفرح في بلاد الرافدين ابدا.
العراق ينام على كنوز وآثار وحكايات تؤهله لأن يكون البلد الاول في السياحة العالمية ومزارا لمن يبحث في اصول التاريخ الانساني ولمــــن يريـــــد التمتع بالطبيعة الخلابة اذا ما استبعدنا كل الاحداث الدامية التي جرت على هذه الارض وربما غيرت بعض معالمها. ولكن هذا الامر استبعده عالم الاثار العراقي د. خالد الفتيان والاستاذ في كلية الآداب بجامعة بغداد، اذ قال ان البلدان التي تمـــــتلك حضارة مثل العراق لا يمــــكن ان تغير معالمها الثرية كل الاحداث التي مرت على الرغم من ان الآلة العسكرية ربما تحدث اضرارا في البنية التحتية للآثار لكنها لا تلغيها ابدا فهناك الكثير من الشواهد التي تدل على عمق حضارة وادي الرافدين. وحول الموارد التي يمكن للسياحة في العراق ان تقدمها، قال وزير الثقافة ان السياحة في العراق يمكن ان تكون الصناعة الثانية في العراق بعد صناعة النفط وقد دعونا الى ذلك من خلال الندوات التي اقامتها وزارة الثقافة وقلنا وسنبقى نقول اننا بحاجة الى بناء حركة سياحية على أساس ينافس السياحة العالمية، وهنا تكمن الاستفادة من الخبرات العالمية ومن دول وشركات ومنظمات، فضلا عن اجتذاب رأس المال العالمي لغرض الاستثمار. المواقع في العراق كثيرة، ولكن يبدو ان السائح تعب من التجوال وعلينا ان نعود به نحو المكان الذي سينام ويحلم فيه برحلة جديدة الى بلاد الرافدين.