كلمة حق
14-03-2005, 22:17
من شرق أوروبا وآسيا الوسطى الى شرق المتوسط (العربي – الإسلامي)، تسعى واشنطن لإدامة انفرادها بالهيمنة.. وخاصة إزاء صعود الصين وجوارها*
أثناء الزيارة التي قام بها الرئيس الأميركي جورج بوش لأوروبا ولقاءاته مع قادة الاتحاد الأوروبي ومع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أواخر شهر شباط 2005، وقبل ذلك بأسابيع، في الخطابين الرسميين اللذين ألقاهما بوش في أواخر كانون الثاني وأوائل شباط - خطاب التنصيب لولاية ثانية وخطاب "حالة الاتحاد" السنوي أمام الكونغرس - لفت الانتباه لجوؤه الى استخدام متكرر لكلمة "الحرية". كما لوحظ في أحايثه تركيز أقل على مسألة انتشار أسلحة الدمار الشامل والحديث عن مواجهة "الإرهاب الدولي" مقارنة بخطب سابقة، وخاصة قبل غزوالعراق في آذار 2003
فقد استعمل بوش كلمة "الحرية" - بمفردتيها باللغة الإنكليزية "ليبرتي" ذات الجذر اللاتيني، و"فريدم"، ذات الجذر الجرماني –أكثر من أربعين مرة في خطاب التنصيب، وزهاء الثلاثين مرة في خطاب "حالة الأمة
". وتكررت هذه الكلمة على لسانه في كافة محطاته الأوروبية.
واضح أن الحديث عن منع انتشار أسلحة الدمار الشامل لتبرير غزو العراق لم يعد مقنعاً لأحد، بعد أن تأكد الأميركيون والعالم كله من عدم وجود أي أثر لهذه الأسلحة في العراق عشية الغزو. أما مواجهة "الإرهاب الدولي" فتبقى شعارًا مفيدًا لهذه الإدارة الأميركية يتم تحت غطائه محاربة كل خصوم أميركا وكل من يهدد مصالحها الاستراتيجية.. علماً بأن استخدام هذه الحجة في الحرب على العراق أصبح أيضاً غير مقنع، حتى داخل أميركا وفي أوساطها المتابعة للأوضاع العالمية. فقد تنامى، بعد احتلال العراق، تلمس حجم العداء للولايات المتحدة المتزايد في أنحاء العالم العربي والإسلامي، لا بل في العالم كله تقريباً. وكذلك بعد أن تزايدت العمليات المناهضة للأميركيين وحلفائهم وأصدقائهم، في العراق خاصة، ولكن ليس فقط هناك. هذا في حين ازداد عدد السياسيين والإعلاميين الأميركيين الذين باتوا يتحدثون، في ما يتعلق بالعراق، عن "إنسيرجنسي"، أي "تمرد" أو "انتفاض"، أو حتى أحياناً عن "مقاومة"..
يافطة "الحرية" للتغطية على الأهداف الحقيقية
لم يبق لرأس الادارة الأميركية إلا أن يصبغ مشروعه الإمبراطوري الكوني، الذي لا يقتصر على العراق، بصبغة مثالية وطوباوية تبدو مجردة من الأنانية، من خلال الحديث عن نشر الحرية في أنحاء العالم، بحيث تبدو تواصلاً للشعارات التي أطلقتها الثورة الأميركية ضد البريطانيين قبل أكثر من قرنين من الزمن، وامتداداً للحملة العالمية ضد الشيوعية والاتحاد السوفييتي ابان "الحرب الباردة" تحت اليافطة إياها.
ويلفت الانتباه أيضاً أن بوش، مقابل الإكثار من استخدام كلمة "الحرية"، لم يردد بنفس الوتيرة كلمة "الديمقراطية"، ربما لأن الديمقراطية أكثر إشكالية بالنسبة للمصالح الأميركية. حيث إن تطبيقها الفعلي، وليس الشكلي كما هو الحال في العديد من الدول التي يشيد بها الزعماء الأميركيون ويرتاحون الى ولائها المستمر، هو تطبيق سيجعل الشعوب وممثليها يدافعون أولاً عن مصالح جمهورهم، أي شعوب بلدانهم، وليس عن مصالح الولايات المتحدة والنظام الرأسمالي المعولم الذي تقوده وتسعى الى إدامته تحت هيمنتها.
وقد يسقط بعض الناس في فخ هذه "المثالية" الأميركية الظاهرية، ويعتقدون أن الجنود الأميركيين الذين يسقطون في العراق وغير العراق يموتون من أجل نشر الحرية وكسر أطواق الاستبداد، ومن أجل سواد عيون الشعوب المضطهدة والمقموعة في العالم. لكن المتابعين للأمور في عصر الانتشار السريع للمعلومات، والمدركين لبنية النظام الرأسمالي الأميركي والكوني يعلمون أن وراء هذه اللغة الأخلاقية المثالية تختبىء رؤية واضحة لمصالح مادية جداً لأميركا ولأرباب الشركات والمشاريع الرأسمالية الكبرى فيها.
ومن المفيد التذكير بأن معظم العمليات الاستعمارية والتوسعية في التاريخ المعاصر استخدمت مثل هذه الأوشحة المثالية بهدف محاولة التغطية على أهدافها الحقيقية. فالبريطانيون أنفسهم، الذين احتلوا العراق بعد الحرب العالمية الأولى في القرن العشرين، تحدثوا أيضاً عن "تحرير العراق" من الطغيان العثماني. ونابليون بونابرت، الذي كاد يحتل القارة الأوروبية كلها في مطالع القرن التاسع عشر، فعل ذلك تحت راية نشر شعارات ومثل الثورة الفرنسية (التي انطلقت في العام 1789)، وهي الشعارات التي تلخصها الكلمات الثلاث المعروفة "حرية، مساواة، إخاء".
خسائر في الحرب...تقابلها أرباح هائلة
وإذا كانت المغامرة العراقية المعاصرة قد كلّفت الخزينة الأميركية حتى الآن مئات مليارات الدولارات، علاوة على ما يقارب الإثني عشر ألفاً بين قتيل ومعاق، فإن الأسابيع الأولى من العام 2005 كشفت عن وجه آخر لا يقل أهمية لهذه الحرب، حيث تم الإعلان عن أرباح غير مسبوقة لكبرى الشركات الأميركية، مثل شركة "إكسسون" النفطية، وكذلك شركة هاليبورتون والشركات متعددة المجالات المرتبطة بها، والتي كانت لها حصة الأسد في الصفقات التموينية والانشائية المرتبطة بالحرب على العراق وإعادة إحياء بنيته التحتية (وهي مهمة لم تتقدم كثيراُ، بعد أن اضطر الأميركيون لتخصيص جزء كبير من موازنات الحرب للعمليات العسكرية ولمواجهة المقاومة المتصاعدة للاحتلال).
ويبقى أن نشير الى أن "الحرية" في مفهوم الإدارة الأميركية هي، بشكل ملموس، تلك التي يقولون أنه تم نشرها في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق وبلدان اوروبا الشرقية الحليفة له، بعد انهيارات أنظمتها وتجاربها الاشتراكية بعد العام 1989، وهي "الحرية" التي سمحت لكبريات الاحتكارات الأميركية وغير الأميركية بشراء القطاع العام في هذه البلدان بأسعار بخسة، وبالتدخل في السياسات الداخلية لهذه البلدان بأشكال شتى، برز من بينها الشكل الذي اتبع مؤخراً في بلدان مثل جورجيا وأوكرانيا (وكلاهما كانا جزء من الاتحاد السوفييتي السابق)، لقلب أنظمة متأرجحة في ولائها وتوجهاتها المستقبلية بين البقاء قريباً من المركز الروسي السابق والانشداد الى المركز الغربي، وخاصة المركز الأميركي. وكلنا يتذكر التعبير الذي استخدمه وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد عشية الحرب على العراق، حين تحدث عن التمايز بين ما أسماه دول "اوروبا القديمة"، وكان يقصد بشكل خاص ألمانيا وفرنسا اللتين اعترضتا على انفراد واشنطن بقرار الحرب، وما أسماه دول "اوروبا الجديدة"، المؤيدة للمشروع الأميركي، ويقصد بها دول أوروبا الشرقية المشار إليها.
ومن المعروف أن الولايات المتحدة، وغيرها من الدول الرأسمالية، خاصة الأوروبية الغربية، عملت بعد انهيارات أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات الماضية على الاستفادة من حالة الفوضى والفلتان السياسي والاقتصادي والأخلاقي في معظم هذه البلدان للقيام بشراء أراض وأملاك ومؤسسات ومشاريع كانت تابعة للقطاع العام، بالتواطؤ مع العصابات (المافيات) المحلية، التي نشأت وانتشرت بعد الانهيارات في هذه البلدان نفسها. كما عمدت أميركا بشكل خاص الى بناء نفوذ سياسي لها في هذه البلدان، عبر دعم أحزاب وقوى وشخصيات مستعدة للتناغم مع توجهاتها ومصالحها، وقامت بإغداق الأموال عليها، وعلى مؤسسات ومراكز متنوعة العناوين تسمى "غير حكومية"، نمت كالفطر في تلك الفترة، خاصة في البلدان التي لم تحسم قياداتها الجديدة تماماً انحيازها للمعسكر الأميركي – الرأسمالي الغربي.
في محيط بحر قزوين... الغني بالنفط!
لقد رأينا كيف تمت الاطاحة في جورجيا، الواقعة على الضفاف الشرقية للبحر الأسود، على طريق أنابيب النفط الآتية من بحر قزوين، بنظام ادوارد شيفاردنادزه، الذي تأرجح طويلاً بين العلاقة مع روسيا ما بعد الاتحاد السوفييتي والعلاقة مع المعسكر الأميركي – الأطلسي. فالتظاهرات التي جرت في العاصمة الجورجية تبليسي للاطاحة به كانت تحركها مؤسسات محلية ممولة من مصادر أميركية، وهو أمر بات معروفاً ومنشوراً في وسائل الإعلام بكثير من التفاصيل والأسماء. وهذه التظاهرات التي قادت الى وصول رئيس جديد، موال للأميركيين الى السلطة (وهو ميخائيل ساكاشفيلي، الذي كان قبل ذلك مقيماً في الولايات المتحدة ويحمل جواز سفرها). ورغم أن جورجيا بلد صغير نسبياً (زهاء الخمسة ملايين نسمة)، إلا إن موقعه على مقربة من منابع النفط في أذربيجان ومنطقة بحر قزوين وعلى ضفاف البحر الأسود، المطل غرباً على القارة الأوروبية، جعله هدفاً ذا أهمية للمشروع الأميركي الكوني الساعي الى وضع اليد على مناطق الثروات الاستراتيجية الرئيسة، وخاصة النفط والغاز، والتحكم بتدفقها وطرق نقلها، خاصة مع عودة روسيا الى اتباع سياسة مستقلة نسبياً عن المركز الرأسمالي (الأميركي) بعد رحيل الرئيس الأول لروسيا ما بعد السوفييتية، بوريس يلتسين.
ومن المهم الإشارة الى أن من بين الدوافع الرئيسة للسياسة الأميركية في تلك المنطقة، بالإضافة الى دافع "عزل روسيا عن محيطها السابق" – كما أسماه وزير الأمن الروسي الحالي سيرغي إيفانوف-، دافع استباق تطلعات الصين، التي ليست بعيدة عن آسيا الوسطى، لا بل هي على تماس واسع معها، خاصة مع استمرار نموها الاقتصادي الهائل بوتيرة عالية جداً (9,5 بالمئة في العام 2004) ومع تزايد استهلاكها للمواد الأولية المستوردة، وخاصة لموارد الطاقة، وتحديداً النفط والغاز، بعد أن لم يعد انتاجها المحلي منهما كافياً لمواصلة هذه الوتيرة من التنمية المتسارعة.
وما ينطبق على الصين، ينطبق، بشكل أقل ولكن مهم أيضاً، على بلدان مجاورة للصين، وخاصة الهند، التي تشهد بدورها نموًا اقتصادياً متسارعًا في العقدين الأخيرين خاصة.
ومع أن منطقة بحر قزوين، على أهمية ثروتها النفطية – الغازية، لا تقارن من حيث حجم الاحتياطي المكتشف من هاتين المادتين مع المنطقة الخليجية والشرق أوسطية (حوالي 5 بالمئة لقزوين مقابل أكثر من60 بالمئة للمنطقة الخليجية- المشرقية)، إلا إن السياسة الأميركية الخارجية والعسكرية ركّزت عليها، منذ تفكك الاتحاد السوفييتي خاصة، لتعزيز نفوذ الشركات النفطية الأميركية الكبرى في هذه المنطقة، وصولاً الى تأمين وجود أميركي عسكري مباشر في بعض بلدانها، على شكل قواعد أو صيغ تعاون عسكري ضد "الإرهاب" مثلاً (قيرغيزيا، اوزبكستان، أذربيجان،...).
أميركا تدخلت في أفغانستان.. قبل السوفييت
إن الاهتمام الأميركي بأفغانستان (الفقيرة، بحد ذاتها، بمثل هذه الثروات) يعود، في جانب منه، الى كونها ممراً مهماً محتملاً لأنابيب النفط والغاز باتجاه المحيط الهندي وكتلة بلدان آسيا الجنوبية والشرقية، هذه الكتلة الصاعدة في الخارطة الاقتصادية العالمية والمركز الجديد المحتمل للنشاط الاقتصادي الأوسع في العالم خلال العقود القادمة.
ومعروف أن اهتمام واشنطن بأفغانستان ليس حديثاً، وليس نتاج تفجيرات 11/9/2001، بل انه يعود، على الأقل، الى أواخر السبعينيات الماضية، بعد استيلاء حزب يساري على السلطة في هذا البلد في ربيع العام 1978، ومن ثمّ الثورة الإيرانية في مطلع العام التالي، وهي الثورة التي أطاحت بأهم حليف للولايات المتحدة في منطقة الخليج النفطية، النظام الشاهنشاهي. وكلها تطورات جرت بعد أقل من خمس سنوات على الفورة النفطية والارتفاع الكبير في أسعار النفط الذي فرضته منظمة الدول المصدّرة "أوبك" في مناخات حرب تشرين الأول 1973.
وقد أقرّ مستشار الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر في تلك الفترة، زبغنيو بريجنسكي، في حديث أجراه لاحقاً مع مجلة "لو نوفيل اوبسرفاتور" الفرنسية، ونشرته في عددها الصادر في منتصف الشهر الأول من العام 1998، بأن الولايات المتحدة سبقت الاتحاد السوفييتي في الدخول الى ساحة الصراع الأفغانية، حيث وقّع الرئيس كارتر، حسب كلام بريجنسكي، توجيهاً يوم 3/7/1979 يقضي بتقديم دعم سرّي لمناهضي النظام اليساري في أفغانستان. وقال بريجنسكي في هذه المقابلة إنه وجه ملاحظة مكتوبة الى الرئيس كارتر في اليوم ذاته تفيد بأنه يرى أن قرار الرئيس سيدفع الاتحاد السوفييتي الى التدخل العسكري في أفغانستان. وبالفعل، دخلت القوات السوفييتية الى أفغانستان في أواخر العام ذاته في كانون الأول 1979، أي بعد أقل من ستة أشهر على القرار الأميركي بالتدخل. وقد برّر الزعيم السوفييتي، آنذاك، ليونيد بريجنيف، هذا التدخل بخشية الاتحاد السوفييتي من أن تتكرر تجربة تشيلي، حيث دعم الأميركيون ومخابراتهم المركزية هناك ضباط الجيش المحلي المناهضين لنظام سلفادور اليندي اليساري المنتخب ديمقراطياً، في عملية إنقلابية دموية جرت في أيلول من العام 1973 (وهو دعم أكدته الوثائق الأميركية التي جرى نشرها في السنوات الأخيرة حول تلك الفترة) ... وما جرى بعد ذلك في أفغانستان معروف. ومعروف الدور الكبير الذي لعبته الولايات المتحدة وأجهزتها الاستخبارية في تمويل وتدريب عمليات المواجهة للسوفييت في أفغانستان، ليس لسواد عيون الشعب الأفغاني، طبعاً، وسواد عيون القوى المحلية المناهضة للسيطرة السوفييتية على البلد، بل بهدف استنزاف الاتحاد السوفييتي والإمعان في إضعافه، وهو ما حدث بالفعل، واتضحت نتائجه خلال سنوات قليلة بعد ذلك.
وفي ردّه على سؤال للمجلة الفرنسية، عبّر بريجنسكي عن سعادته لهذا القرار الأميركي بالتدخل السري في أفغانستان وما نتج عنه من تورط الاتحاد السوفييتي في حرب استنزاف طويلة، ساهمت في انهيار نظامه وفي تفككه.
ومن المفيد الإشارة أيضاً الى أن شركة "يونوكال" الأميركية كانت، في أواخر التسعينيات الماضية، بصدد التفاوض مع نظام طالبان في أفغانستان، بدعم رسمي أميركي، لتأمين بناء خط أنابيب لنقل نفط بحر قزوين، عبر أفغانستان وباكستان، الى المحيط الهندي، حيث يمكن أن ينقل الى بلدان آسيا الشرقية والجنوبية الشرقية من هناك، بدلاً من المرور عبر روسيا والصين.
ولم يتم انجاز الاتفاق حول هذا المشروع سريعاً الى أن أتت تفجيرات أيلول 2001 في الولايات المتحدة، التي اتهمت الإدارة الأميركية الشيخ أسامة بن لادن، الذي كان يعتقد أنه مقيم في أفغانستان، بتنظيمها، وأنذرت حكومة طالبان بتسليمه لها، وهو ما رفضته حكومة طالبان، فاعتبر الرفض مبرراً لاجتياح البلد وقلب النظام الحاكم فيه.
وبعد احتلال أفغانستان في أواخر العام 2001، أصبح الأميركيون حاضرون مباشرة في البلد، كما في عدد من البلدان المجاورة (باكستان، محيط بحر قزوين...)، ولم يعودوا بحاجة الى وسطاء.
وأصابع وأموال أميركية ... في أوكرانيا أيضاً
ما فعله الأميركيون في جورجيا – السوفييتية سابقاً- فعلوه أيضاً في بلد أكبر وأهم في قلب أوروبا، وهو أوكرانيا، الجار الغربي والجنوبي الغربي لروسيا، والممر الهام لأنابيب الغاز الروسية باتجاه بلدان أوروبا العديدة التي تعتمد على وارداتها منه من روسيا. وأوكرانيا، ذات الخمسين مليون نسمة تقريباً (وهو رقم يتناقص بسبب سوء الأوضاع الصحية والمعيشية منذ انهيار الاتحاد السوفييتي) كانت الجمهورية الثانية في الاتحاد السابق من حيث الحجم السكاني بعد روسيا.
فقد غذى الأميركيون الحركة المعارضة للنظام الذي أقامه ليونيد كوتشما في أوكرانيا... وهو نظام فاسد، في كل الأحوال، لكنه اختار في السنوات الأخيرة الاقتراب من روسيا بدلاً من التوجه غرباً، كما حصل مع عدد من الدول السوفييتية السابقة والشرق أوروبية التي اختارت الانضمام لحلف شمال الأطلسي، وحيث أمكن للاتحاد الأوروبي. ودعم الأميركيون، والأوروبيون الغربيون، المرشح للرئاسة، فيكتور يوشنكو، المناهض لمرشح كوتشما في الانتخابات التي جرت في أواخر العام 2004، وهو رئيس وزرائه فيكتور يانوكوفيتش. وقاموا بالإغداق على القوى والجمعيات والمؤسسات "غير الحكومية" التي أوجدوا العديد منها، وقد قامت كلها بدور كبير في تنظيم التظاهرات المناهضة للنظام السابق، وفي دعم وتأمين نجاح حملة المرشح يوشنكو، الذي حقق النصر في نهاية المطاف على حساب المرشح الآخر، الذي أبدى حكام روسيا في بداية الحملة الانتخابية تفضيلهم له.
أثناء الزيارة التي قام بها الرئيس الأميركي جورج بوش لأوروبا ولقاءاته مع قادة الاتحاد الأوروبي ومع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أواخر شهر شباط 2005، وقبل ذلك بأسابيع، في الخطابين الرسميين اللذين ألقاهما بوش في أواخر كانون الثاني وأوائل شباط - خطاب التنصيب لولاية ثانية وخطاب "حالة الاتحاد" السنوي أمام الكونغرس - لفت الانتباه لجوؤه الى استخدام متكرر لكلمة "الحرية". كما لوحظ في أحايثه تركيز أقل على مسألة انتشار أسلحة الدمار الشامل والحديث عن مواجهة "الإرهاب الدولي" مقارنة بخطب سابقة، وخاصة قبل غزوالعراق في آذار 2003
فقد استعمل بوش كلمة "الحرية" - بمفردتيها باللغة الإنكليزية "ليبرتي" ذات الجذر اللاتيني، و"فريدم"، ذات الجذر الجرماني –أكثر من أربعين مرة في خطاب التنصيب، وزهاء الثلاثين مرة في خطاب "حالة الأمة
". وتكررت هذه الكلمة على لسانه في كافة محطاته الأوروبية.
واضح أن الحديث عن منع انتشار أسلحة الدمار الشامل لتبرير غزو العراق لم يعد مقنعاً لأحد، بعد أن تأكد الأميركيون والعالم كله من عدم وجود أي أثر لهذه الأسلحة في العراق عشية الغزو. أما مواجهة "الإرهاب الدولي" فتبقى شعارًا مفيدًا لهذه الإدارة الأميركية يتم تحت غطائه محاربة كل خصوم أميركا وكل من يهدد مصالحها الاستراتيجية.. علماً بأن استخدام هذه الحجة في الحرب على العراق أصبح أيضاً غير مقنع، حتى داخل أميركا وفي أوساطها المتابعة للأوضاع العالمية. فقد تنامى، بعد احتلال العراق، تلمس حجم العداء للولايات المتحدة المتزايد في أنحاء العالم العربي والإسلامي، لا بل في العالم كله تقريباً. وكذلك بعد أن تزايدت العمليات المناهضة للأميركيين وحلفائهم وأصدقائهم، في العراق خاصة، ولكن ليس فقط هناك. هذا في حين ازداد عدد السياسيين والإعلاميين الأميركيين الذين باتوا يتحدثون، في ما يتعلق بالعراق، عن "إنسيرجنسي"، أي "تمرد" أو "انتفاض"، أو حتى أحياناً عن "مقاومة"..
يافطة "الحرية" للتغطية على الأهداف الحقيقية
لم يبق لرأس الادارة الأميركية إلا أن يصبغ مشروعه الإمبراطوري الكوني، الذي لا يقتصر على العراق، بصبغة مثالية وطوباوية تبدو مجردة من الأنانية، من خلال الحديث عن نشر الحرية في أنحاء العالم، بحيث تبدو تواصلاً للشعارات التي أطلقتها الثورة الأميركية ضد البريطانيين قبل أكثر من قرنين من الزمن، وامتداداً للحملة العالمية ضد الشيوعية والاتحاد السوفييتي ابان "الحرب الباردة" تحت اليافطة إياها.
ويلفت الانتباه أيضاً أن بوش، مقابل الإكثار من استخدام كلمة "الحرية"، لم يردد بنفس الوتيرة كلمة "الديمقراطية"، ربما لأن الديمقراطية أكثر إشكالية بالنسبة للمصالح الأميركية. حيث إن تطبيقها الفعلي، وليس الشكلي كما هو الحال في العديد من الدول التي يشيد بها الزعماء الأميركيون ويرتاحون الى ولائها المستمر، هو تطبيق سيجعل الشعوب وممثليها يدافعون أولاً عن مصالح جمهورهم، أي شعوب بلدانهم، وليس عن مصالح الولايات المتحدة والنظام الرأسمالي المعولم الذي تقوده وتسعى الى إدامته تحت هيمنتها.
وقد يسقط بعض الناس في فخ هذه "المثالية" الأميركية الظاهرية، ويعتقدون أن الجنود الأميركيين الذين يسقطون في العراق وغير العراق يموتون من أجل نشر الحرية وكسر أطواق الاستبداد، ومن أجل سواد عيون الشعوب المضطهدة والمقموعة في العالم. لكن المتابعين للأمور في عصر الانتشار السريع للمعلومات، والمدركين لبنية النظام الرأسمالي الأميركي والكوني يعلمون أن وراء هذه اللغة الأخلاقية المثالية تختبىء رؤية واضحة لمصالح مادية جداً لأميركا ولأرباب الشركات والمشاريع الرأسمالية الكبرى فيها.
ومن المفيد التذكير بأن معظم العمليات الاستعمارية والتوسعية في التاريخ المعاصر استخدمت مثل هذه الأوشحة المثالية بهدف محاولة التغطية على أهدافها الحقيقية. فالبريطانيون أنفسهم، الذين احتلوا العراق بعد الحرب العالمية الأولى في القرن العشرين، تحدثوا أيضاً عن "تحرير العراق" من الطغيان العثماني. ونابليون بونابرت، الذي كاد يحتل القارة الأوروبية كلها في مطالع القرن التاسع عشر، فعل ذلك تحت راية نشر شعارات ومثل الثورة الفرنسية (التي انطلقت في العام 1789)، وهي الشعارات التي تلخصها الكلمات الثلاث المعروفة "حرية، مساواة، إخاء".
خسائر في الحرب...تقابلها أرباح هائلة
وإذا كانت المغامرة العراقية المعاصرة قد كلّفت الخزينة الأميركية حتى الآن مئات مليارات الدولارات، علاوة على ما يقارب الإثني عشر ألفاً بين قتيل ومعاق، فإن الأسابيع الأولى من العام 2005 كشفت عن وجه آخر لا يقل أهمية لهذه الحرب، حيث تم الإعلان عن أرباح غير مسبوقة لكبرى الشركات الأميركية، مثل شركة "إكسسون" النفطية، وكذلك شركة هاليبورتون والشركات متعددة المجالات المرتبطة بها، والتي كانت لها حصة الأسد في الصفقات التموينية والانشائية المرتبطة بالحرب على العراق وإعادة إحياء بنيته التحتية (وهي مهمة لم تتقدم كثيراُ، بعد أن اضطر الأميركيون لتخصيص جزء كبير من موازنات الحرب للعمليات العسكرية ولمواجهة المقاومة المتصاعدة للاحتلال).
ويبقى أن نشير الى أن "الحرية" في مفهوم الإدارة الأميركية هي، بشكل ملموس، تلك التي يقولون أنه تم نشرها في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق وبلدان اوروبا الشرقية الحليفة له، بعد انهيارات أنظمتها وتجاربها الاشتراكية بعد العام 1989، وهي "الحرية" التي سمحت لكبريات الاحتكارات الأميركية وغير الأميركية بشراء القطاع العام في هذه البلدان بأسعار بخسة، وبالتدخل في السياسات الداخلية لهذه البلدان بأشكال شتى، برز من بينها الشكل الذي اتبع مؤخراً في بلدان مثل جورجيا وأوكرانيا (وكلاهما كانا جزء من الاتحاد السوفييتي السابق)، لقلب أنظمة متأرجحة في ولائها وتوجهاتها المستقبلية بين البقاء قريباً من المركز الروسي السابق والانشداد الى المركز الغربي، وخاصة المركز الأميركي. وكلنا يتذكر التعبير الذي استخدمه وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد عشية الحرب على العراق، حين تحدث عن التمايز بين ما أسماه دول "اوروبا القديمة"، وكان يقصد بشكل خاص ألمانيا وفرنسا اللتين اعترضتا على انفراد واشنطن بقرار الحرب، وما أسماه دول "اوروبا الجديدة"، المؤيدة للمشروع الأميركي، ويقصد بها دول أوروبا الشرقية المشار إليها.
ومن المعروف أن الولايات المتحدة، وغيرها من الدول الرأسمالية، خاصة الأوروبية الغربية، عملت بعد انهيارات أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات الماضية على الاستفادة من حالة الفوضى والفلتان السياسي والاقتصادي والأخلاقي في معظم هذه البلدان للقيام بشراء أراض وأملاك ومؤسسات ومشاريع كانت تابعة للقطاع العام، بالتواطؤ مع العصابات (المافيات) المحلية، التي نشأت وانتشرت بعد الانهيارات في هذه البلدان نفسها. كما عمدت أميركا بشكل خاص الى بناء نفوذ سياسي لها في هذه البلدان، عبر دعم أحزاب وقوى وشخصيات مستعدة للتناغم مع توجهاتها ومصالحها، وقامت بإغداق الأموال عليها، وعلى مؤسسات ومراكز متنوعة العناوين تسمى "غير حكومية"، نمت كالفطر في تلك الفترة، خاصة في البلدان التي لم تحسم قياداتها الجديدة تماماً انحيازها للمعسكر الأميركي – الرأسمالي الغربي.
في محيط بحر قزوين... الغني بالنفط!
لقد رأينا كيف تمت الاطاحة في جورجيا، الواقعة على الضفاف الشرقية للبحر الأسود، على طريق أنابيب النفط الآتية من بحر قزوين، بنظام ادوارد شيفاردنادزه، الذي تأرجح طويلاً بين العلاقة مع روسيا ما بعد الاتحاد السوفييتي والعلاقة مع المعسكر الأميركي – الأطلسي. فالتظاهرات التي جرت في العاصمة الجورجية تبليسي للاطاحة به كانت تحركها مؤسسات محلية ممولة من مصادر أميركية، وهو أمر بات معروفاً ومنشوراً في وسائل الإعلام بكثير من التفاصيل والأسماء. وهذه التظاهرات التي قادت الى وصول رئيس جديد، موال للأميركيين الى السلطة (وهو ميخائيل ساكاشفيلي، الذي كان قبل ذلك مقيماً في الولايات المتحدة ويحمل جواز سفرها). ورغم أن جورجيا بلد صغير نسبياً (زهاء الخمسة ملايين نسمة)، إلا إن موقعه على مقربة من منابع النفط في أذربيجان ومنطقة بحر قزوين وعلى ضفاف البحر الأسود، المطل غرباً على القارة الأوروبية، جعله هدفاً ذا أهمية للمشروع الأميركي الكوني الساعي الى وضع اليد على مناطق الثروات الاستراتيجية الرئيسة، وخاصة النفط والغاز، والتحكم بتدفقها وطرق نقلها، خاصة مع عودة روسيا الى اتباع سياسة مستقلة نسبياً عن المركز الرأسمالي (الأميركي) بعد رحيل الرئيس الأول لروسيا ما بعد السوفييتية، بوريس يلتسين.
ومن المهم الإشارة الى أن من بين الدوافع الرئيسة للسياسة الأميركية في تلك المنطقة، بالإضافة الى دافع "عزل روسيا عن محيطها السابق" – كما أسماه وزير الأمن الروسي الحالي سيرغي إيفانوف-، دافع استباق تطلعات الصين، التي ليست بعيدة عن آسيا الوسطى، لا بل هي على تماس واسع معها، خاصة مع استمرار نموها الاقتصادي الهائل بوتيرة عالية جداً (9,5 بالمئة في العام 2004) ومع تزايد استهلاكها للمواد الأولية المستوردة، وخاصة لموارد الطاقة، وتحديداً النفط والغاز، بعد أن لم يعد انتاجها المحلي منهما كافياً لمواصلة هذه الوتيرة من التنمية المتسارعة.
وما ينطبق على الصين، ينطبق، بشكل أقل ولكن مهم أيضاً، على بلدان مجاورة للصين، وخاصة الهند، التي تشهد بدورها نموًا اقتصادياً متسارعًا في العقدين الأخيرين خاصة.
ومع أن منطقة بحر قزوين، على أهمية ثروتها النفطية – الغازية، لا تقارن من حيث حجم الاحتياطي المكتشف من هاتين المادتين مع المنطقة الخليجية والشرق أوسطية (حوالي 5 بالمئة لقزوين مقابل أكثر من60 بالمئة للمنطقة الخليجية- المشرقية)، إلا إن السياسة الأميركية الخارجية والعسكرية ركّزت عليها، منذ تفكك الاتحاد السوفييتي خاصة، لتعزيز نفوذ الشركات النفطية الأميركية الكبرى في هذه المنطقة، وصولاً الى تأمين وجود أميركي عسكري مباشر في بعض بلدانها، على شكل قواعد أو صيغ تعاون عسكري ضد "الإرهاب" مثلاً (قيرغيزيا، اوزبكستان، أذربيجان،...).
أميركا تدخلت في أفغانستان.. قبل السوفييت
إن الاهتمام الأميركي بأفغانستان (الفقيرة، بحد ذاتها، بمثل هذه الثروات) يعود، في جانب منه، الى كونها ممراً مهماً محتملاً لأنابيب النفط والغاز باتجاه المحيط الهندي وكتلة بلدان آسيا الجنوبية والشرقية، هذه الكتلة الصاعدة في الخارطة الاقتصادية العالمية والمركز الجديد المحتمل للنشاط الاقتصادي الأوسع في العالم خلال العقود القادمة.
ومعروف أن اهتمام واشنطن بأفغانستان ليس حديثاً، وليس نتاج تفجيرات 11/9/2001، بل انه يعود، على الأقل، الى أواخر السبعينيات الماضية، بعد استيلاء حزب يساري على السلطة في هذا البلد في ربيع العام 1978، ومن ثمّ الثورة الإيرانية في مطلع العام التالي، وهي الثورة التي أطاحت بأهم حليف للولايات المتحدة في منطقة الخليج النفطية، النظام الشاهنشاهي. وكلها تطورات جرت بعد أقل من خمس سنوات على الفورة النفطية والارتفاع الكبير في أسعار النفط الذي فرضته منظمة الدول المصدّرة "أوبك" في مناخات حرب تشرين الأول 1973.
وقد أقرّ مستشار الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر في تلك الفترة، زبغنيو بريجنسكي، في حديث أجراه لاحقاً مع مجلة "لو نوفيل اوبسرفاتور" الفرنسية، ونشرته في عددها الصادر في منتصف الشهر الأول من العام 1998، بأن الولايات المتحدة سبقت الاتحاد السوفييتي في الدخول الى ساحة الصراع الأفغانية، حيث وقّع الرئيس كارتر، حسب كلام بريجنسكي، توجيهاً يوم 3/7/1979 يقضي بتقديم دعم سرّي لمناهضي النظام اليساري في أفغانستان. وقال بريجنسكي في هذه المقابلة إنه وجه ملاحظة مكتوبة الى الرئيس كارتر في اليوم ذاته تفيد بأنه يرى أن قرار الرئيس سيدفع الاتحاد السوفييتي الى التدخل العسكري في أفغانستان. وبالفعل، دخلت القوات السوفييتية الى أفغانستان في أواخر العام ذاته في كانون الأول 1979، أي بعد أقل من ستة أشهر على القرار الأميركي بالتدخل. وقد برّر الزعيم السوفييتي، آنذاك، ليونيد بريجنيف، هذا التدخل بخشية الاتحاد السوفييتي من أن تتكرر تجربة تشيلي، حيث دعم الأميركيون ومخابراتهم المركزية هناك ضباط الجيش المحلي المناهضين لنظام سلفادور اليندي اليساري المنتخب ديمقراطياً، في عملية إنقلابية دموية جرت في أيلول من العام 1973 (وهو دعم أكدته الوثائق الأميركية التي جرى نشرها في السنوات الأخيرة حول تلك الفترة) ... وما جرى بعد ذلك في أفغانستان معروف. ومعروف الدور الكبير الذي لعبته الولايات المتحدة وأجهزتها الاستخبارية في تمويل وتدريب عمليات المواجهة للسوفييت في أفغانستان، ليس لسواد عيون الشعب الأفغاني، طبعاً، وسواد عيون القوى المحلية المناهضة للسيطرة السوفييتية على البلد، بل بهدف استنزاف الاتحاد السوفييتي والإمعان في إضعافه، وهو ما حدث بالفعل، واتضحت نتائجه خلال سنوات قليلة بعد ذلك.
وفي ردّه على سؤال للمجلة الفرنسية، عبّر بريجنسكي عن سعادته لهذا القرار الأميركي بالتدخل السري في أفغانستان وما نتج عنه من تورط الاتحاد السوفييتي في حرب استنزاف طويلة، ساهمت في انهيار نظامه وفي تفككه.
ومن المفيد الإشارة أيضاً الى أن شركة "يونوكال" الأميركية كانت، في أواخر التسعينيات الماضية، بصدد التفاوض مع نظام طالبان في أفغانستان، بدعم رسمي أميركي، لتأمين بناء خط أنابيب لنقل نفط بحر قزوين، عبر أفغانستان وباكستان، الى المحيط الهندي، حيث يمكن أن ينقل الى بلدان آسيا الشرقية والجنوبية الشرقية من هناك، بدلاً من المرور عبر روسيا والصين.
ولم يتم انجاز الاتفاق حول هذا المشروع سريعاً الى أن أتت تفجيرات أيلول 2001 في الولايات المتحدة، التي اتهمت الإدارة الأميركية الشيخ أسامة بن لادن، الذي كان يعتقد أنه مقيم في أفغانستان، بتنظيمها، وأنذرت حكومة طالبان بتسليمه لها، وهو ما رفضته حكومة طالبان، فاعتبر الرفض مبرراً لاجتياح البلد وقلب النظام الحاكم فيه.
وبعد احتلال أفغانستان في أواخر العام 2001، أصبح الأميركيون حاضرون مباشرة في البلد، كما في عدد من البلدان المجاورة (باكستان، محيط بحر قزوين...)، ولم يعودوا بحاجة الى وسطاء.
وأصابع وأموال أميركية ... في أوكرانيا أيضاً
ما فعله الأميركيون في جورجيا – السوفييتية سابقاً- فعلوه أيضاً في بلد أكبر وأهم في قلب أوروبا، وهو أوكرانيا، الجار الغربي والجنوبي الغربي لروسيا، والممر الهام لأنابيب الغاز الروسية باتجاه بلدان أوروبا العديدة التي تعتمد على وارداتها منه من روسيا. وأوكرانيا، ذات الخمسين مليون نسمة تقريباً (وهو رقم يتناقص بسبب سوء الأوضاع الصحية والمعيشية منذ انهيار الاتحاد السوفييتي) كانت الجمهورية الثانية في الاتحاد السابق من حيث الحجم السكاني بعد روسيا.
فقد غذى الأميركيون الحركة المعارضة للنظام الذي أقامه ليونيد كوتشما في أوكرانيا... وهو نظام فاسد، في كل الأحوال، لكنه اختار في السنوات الأخيرة الاقتراب من روسيا بدلاً من التوجه غرباً، كما حصل مع عدد من الدول السوفييتية السابقة والشرق أوروبية التي اختارت الانضمام لحلف شمال الأطلسي، وحيث أمكن للاتحاد الأوروبي. ودعم الأميركيون، والأوروبيون الغربيون، المرشح للرئاسة، فيكتور يوشنكو، المناهض لمرشح كوتشما في الانتخابات التي جرت في أواخر العام 2004، وهو رئيس وزرائه فيكتور يانوكوفيتش. وقاموا بالإغداق على القوى والجمعيات والمؤسسات "غير الحكومية" التي أوجدوا العديد منها، وقد قامت كلها بدور كبير في تنظيم التظاهرات المناهضة للنظام السابق، وفي دعم وتأمين نجاح حملة المرشح يوشنكو، الذي حقق النصر في نهاية المطاف على حساب المرشح الآخر، الذي أبدى حكام روسيا في بداية الحملة الانتخابية تفضيلهم له.